كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 06:28 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-04-2007, 07:01 PM

mustafa bashar
<amustafa bashar
تاريخ التسجيل: 10-16-2007
مجموع المشاركات: 1145

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه (Re: mustafa bashar)

    الخرطوم، الروتين ورائحة الديتول -(الريكمندوما الغطست حجر التومه)

    وتنام الخرطوم مستغربة علي قفا من يشيل مستشفاها العتيق، أم الروائح تسكن تلك الأقبية والزواحف الصغيرة، والقطط المبططة الجوانب، عيونها عسلية أيضاً. وسط ذلك الزحام، حتى عجلات النقّالة صارت أقصر من أخواتها الثلاث الأخريات. صارت تعرج بغير عصا، ومحمولاً عليها يئن أنين السنين، ورائحة الديتول، ومشتقاته الأخرى، تنسكب عليك لعنات عُمَّال النظافة وصافرات عربات الإسعاف، إنها مدينة لا تكف عن الأنين.
    المرضى جميعهم مشروع لسوق خيري يُعقد صباحاً، بائع الشاي و"اللقيمات"، والجلابيب علي كتف بائع آخر، وبائعة البخور وصمغ اللبان. كل تلك الجَلَبة تأخذ محلها بوسط المستشفىعند الفجر، قبل قدوم الأخصائي، وهذا الأخير يأتي مرتين أسبوعياً، السبت والثلاثاء، هكذا عوّدتنا المدارس الأولية أيام النظافة ذينك اليومين المذكورين، أمَّا ما عداهما فصفقة و"رقيص".
    وأنّى يتأتَّى لك "الرقيص"؟ شارع الحوادث مشغول بحوادثه، ليس له سانحة خالية ليحدثك عن همومه. إنه شارع مزاجي، ولكن ما يُمَيِّزه عن غيره أنه يأتي بأناس مرضى ومجروحين ودماء تسيل، وبكاسي تحيض بالمرضى وأخرى تُحبل بهم، وتتناسل الحوانيت تبدأ طبالٍ ثم أرففٌ، ثم بقّالةٌ وأشياء أخرى من دون اسم. وطَفْح المجاري علي وجه الشارع، مثل النتوءات التي تتركها كاوية اللحام على طربيزة الحديد. الصيادلة ملفوفون بعناية داخل معاطفهم البيضاء، يكادون أن يقفوا على رفوف الدواء ومرافقي المرضى يتجوَّلون في شارع الحوادث بلا بوصلة، يحملون وصفات طبية، و"روشتات" ما بين صيدلية وأخرى "كانيولا" مقاس 20، و"أوميقا إتش ثري Omega H 3"، "بامبرز للكبار" يبدو أن كل المرضى مصابون في الأجزاء السفلى من أجسامهم.
    تلك "الاستبالية" تُعَدُّ معبراً قصيراً إلى الآخرة، ليس قصوراً من أطبائها أو "بيروقراطية" في إجراءاتها، بل يبدو ذلك من قدر الذي جاءها. تدخل ماشياً على رجليك وتخرج محمولاً يُبكى عليك، أقول ليس ذلك قصوراً من أطبائها، أو "بيروقراطية" من إجراءاتها بل قدر الذي جاءها.
    وتمر النقالات الواحدة تلو الأخرى، عندما يمر موكب النقالة نقف له، لا أدري أإجلالاً أم رهبة من المرض؟ أم عادة تعودناها عندما يمر ضابط عظيم. ونُشَيِّع موكب النقالة بنظرات متباينة وهو داخلٌ إلى العنبر، أو خارجٌ لصورة موجات صوتية في شارع الحوادث، الألم يمكن أن يتحوَّل إلى معادلة صعبة التوفيق على جانبيها، عندما يمر الألم، يتخلل جيوبك الفارغة، ويستدعيك الجوع الماكث على كنبات انتظارك.
    الممرضة تتفَقَّد قطيعها من المريضات اللائي هربن من داخل العنبر ورقدن خارجه، تتحدث معك عبر النافذه : (في "بيشناية" راقدة بي بَرَّة لو سمحت ناديها معاك) .. تحوَّلت كلمة "Patient" الإنجليزية لتغدو وكأنها غنماية.
    العنابر الممتدة تذكرني بقطار نيالا، سرعان ما يصير كل المرضى والمرافقين من أعز أصدقائك، إن المصائب يجمعن المصابينا.
    تحوَّلتُ من ذلك العنبر إلى جناح خاص، يزهو بوروده ورياحينه، والطقس في شهر يناير أي أواسط الشتاء، غرفهم الغالية الإيجار مثل ثلاجة الموز، أصحو صباحاً أتودد للمقاعد الإسمنتية، وأمد يديّ للورود الزاهية، بمعطفي السميك. أتخيل نفسي وكأني رواية كُتبت في زمن "تولستوي" بلحيتي المدبّبة، التي تتداخل فيها شعيرات حمراء ورمادية، يبدو أنها من نُثالة البطانية، وطاقية الصوف، وعلى يميني مدخنة لا تكف عن نفث الدخان في فضاء نقي بارد.
    المرافق وسط تلك الأجواء قد يتحول ويكون أنصارياً من المدرسة "الرومانتيكية"، أما المريض من فرط العزلة يمكن أن يموت "فطيس".
    الأبواب الخارجية محكمة الإغلاق عليها زبانية غلاظ شداد، لا يسمحون لك بالدخول إلا الساعة الثالثة، والتذكرة بألفين جنيه، لتدخل ثلاجة الموز، أختزن مشاهد عدة لأطباء يعملون بجد واجتهاد، ومرضى يستجيبون للعلاج في سرعة ولكن لا أدري ما هي المشكلة؟
    لمحت وفداً من فئة "الجلاليب" يحتسون كمية من العصائر المثلَّجة، ويعبون منها عَبَّاً، وتدور عليهم علب "حلاوة بقرة" حتى بَانَ الورم في جيوب جلاليبهم نصف البيضاء، لا أدري هل المستشفى أنجبت لهم ولداً أم المريض هو العمدة نفسه؟ وبالخارج ينتظرهم عدد مقدّر من البكاسي موديل 78، ليقلهم على ما أظن ناحية تفتيش سوبا. اسألوا "العنبة" أو د. طارق الشايب.
    تشكّلَت مفكرتي اليومية بأن أصحو مع أذان الصبح، وأذهب إلى مسجد المستشفى، وأصلي الصبح "كاش"، ثم أغفو قليلاً علي "موكيت" المسجد ريثما يبزغ الفجر، بائعة الشاي أمام المسجد "تظبط" شاياً "كارباً" باللقيمات، وأهرول في اتجاه الغرفة لكي أحمل الشاي لوالدتي المريضة، التي هي الآن في رحمة الله.
    تكون كل الوفود قد تقاطرت، فأذهب في اتجاه المدخل نحو بائع الصحف أو بالأحرى، جرائد. شخص ملتحٍ وبجلباب في حجم ورقة "A4" ويؤدي عدة أدوار، من بواب رئيسي إلى بائع جرائد، يتميَّز بنظرة غير مرحبة على الإطلاق، حتى أحياناً قد لا تشفع لك التذكرة التي اشتريتها من حر مالك أمامه، لكي تلج إلى المستشفى.
    يبدو أن إدارة المستشفى قد توفقت جداً في اختياره بواباً أو بائعاً للجرائد، أكثر من توفيقها في اختيار أولئك الأطباء. ويحمل كمية من الغبن كأنه شارك في حرب فيتنام، لا يبيع لك من جرائده إلا إذا كانت معك "فكّة"، وهو غير مستعد حتى لأن يرجع لك باقي نقودك.
    القهوة والشاي لهما سوق يمتد جوار الصيدلية الشعبية، ومجمع النساء والتوليد حيث تكثر الزغاريد، مازالت هناك جاهلية في ذلك المكان. يزغردون للمولود الذكر دون الأنثى. وطابع المكان ريفي للحد الذي تعتقد أنك في أحد المقاهي على طريق الموت ما بين الخرطوم وود مدني.
    حتي أسطوانات الأكسجين البليدة تكمم أنوفها وهي مصفوفة جوار باب العملية تنتظر دورها في لعبة الفناء والموت.
    رغم ذلك تُشرق الشمس، والمرضى في الأدوار العليا من المبنى يأخذون حَمَّاماً شمسياً و"حصرياً"، بكل أمراضهم حيث يواجهون فضاء رحباً ورَبَّاً رحيماً.
    تسلَّلت خارجاً من الزحام أبحث عن شخص سليم، وأن يكون غير مرافق لمريض، لكي أتبادل معه حديثاً لأنَّ الحديث مع المرافقين لا يخلو من جرعات الدواء، ومواعيد حضور الطبيب المناوب، والنقَّالة لا يمكن استلافها إلا بالبطاقة، كأنها في المكتبة، يا لعظمة تلك النقّالة.
    مبنى غسيل الكُلَى أبيض وناصعٌ، يُخفي بداخله ما يفعل بكُلَى المرضى. يحاكي ملاكاً يربض بحافتيه علي أرض المستشفى، يتردّد في الاختيار، أيُّهم سيسافر معه إلى الأعالي، يوشك أن يقلع بروح أحد المرضى لكن المريض يصيح.
    كنت أتردد مساء بصحبة رفيقي مجاهد، نلمح والدته ومرضى آخرين، وهم على سرائر الغسيل، نتسلَّل من وراء المبنى، وخلال الزجاج نرى أشباحاً مكمّمة تحقن المرضى وهم رقود، وعلى جنوبهم. عظيم من يسهر على راحتنا تاركاً البقية يقهقهون في "كافتيرياتهم" ويسجل علي دفتر خاص الكميات والمقادير المحقونة للمرضى، الله لهم كلهم رقود، ووجوههم نائمة، أشبه بحالة بيات، قبل الطور الكامل.
    ونتساءل "البولينا" انخفضت إلى حد معقول 106، يمكن يُخَرِّجوها، وتموت حاجة النعمة ممرضة من الرعيل الأول، من الجيل الذهبي للسودان. تسافر برحمة ربها إلى أعلى الفراديس.
    ولكن ما مصيرنا نحن؟ الذين ما زالت هناك جرعات دواء لم نتناولها، أو نوبات ألم لم نتحَصَّل عليها، أو وصفات دواء لم نجد لها "روشتاتها"، أو شيكات لم نجد لها غطاء.
    صرت أرمق تلك الورود من مكان عال، الله ما أجمل الحرية، ما فائدة الورد في ظل تلك القيود، والمقاعد الإسمنتية لا أحد يجلس عليها، نشروا عليها ملايات السراير كيما تجف، ضحكت طويلاً من ذلك الورد السجين، ومن المرضى المغفلين الذين ارتادوا ذاك المكان، وشخصي كان منهم، يؤجرون لك الغرفة كأنك في شهر عسل مرضي.
    أجمل ما في هذا الوطن "الروتين". كنا سنموت قبل يومنا إذا لم يكن هناك "روتين"، فإذا انقضت الأشياء بسرعة، ماذا نفعل بالزمن المتبقي، الله أكرمنا في هذا السودان بـ"الروتين"، ونسأله أن يزيدنا حُبَّاً فيه، ونصلي ونسلم على حبيبنا المصطفى "ص".
    الألم يتدفق من النوافذ، ويزحف تحت الأسرّة، ويتعلق بأشعة الشمس، ويطلي حوائط الغرف كما يفعل "البوماستك" في بيوتنا يوم الوقفة.
    سعادة مدير طبي الحوادث المتأفِّف، يرفض أن يختم ورقة عربة الإسعاف، بدعوى أنَّ زميلة الطبيب المناوب خاطبها بالإنجليزية كتابة، وتعود لطبيبك: "يا خي الدكتور بتاع الحوادث قال ليك تكتب ليهو بالعربي.. يا أخي الفرق شنو مش هو فهم غرض الروشتة"، استدركت أن سعادة مدير طبي الحوادث في ذلك اليوم لا يعرف الإنجليزية، قد يكون درس الطب في إحدى دول محور الشر.. أبهة.. في أثواب حمل كاذب مثل الموز الكاذب.
    علي أية حال مازال الأمر معقداً من ناحية تقنية بالنسبة لي، أطباء يؤدون عملهم بجد وإتقان، وإنسانيين لحد الدهشة، ليسوا كلهم طبعاً. ومرضى يستجيبون للعلاج رغم اختلاف مشارب علاجهم، سواءً كان علاجاً اقتصادياً أو تأميناً صحياً، لكن لا أدري ما المشكلة بالضبط؟
    في ذاك المساء المدلهم، وفي الممر الذي يربط غرف عنبر B2، "لاحظ اسم العنبر مطابق لاسم قاذفة قنابل أمريكية مثل التي أسقطت قنبلة "هيروشيما"، لمحت شخصاً ضخماً يتجوَّل، تبيّنت ملامحه في تلك العتمة، بعد ابتسامة مشعَّة فضحته علي الفور، كان ذلك الزائر الليلي الأستاذ ضياء الدين بلال.
    أظنه تشبَّع بحزمة أنين وأكوام ألم في تلك الزيارة، إلا أنّه مؤدب في الاسترسال الفكري.
    ومصرف الدم أو "بنك" الدم، كل الناس متبرعون أو غير متبرعين يتوجسون في صمت، من شكة الإبرة علي الإبهام، ومن العيّنات التي سترسل إلى السيد "استاك" المعمل العتيق، ومن رجل النظام العام الذي يستلم الدم، ويقيده في دفتره، ورقم بطاقة الطبيب، واسم المريض والمتبرِّع وعنوانه، طبيب الوحدة، جملة من الإجراءات التي تجعل رجل النظام العام، يوشك أن يكون "فحّيصاً" لأنه أجاد فصائل الدم حفظاً وتسميعاً.
    ويبدأ المريض في التعافي حتى ولو ظاهرياً لكي يغادر هذا المكان، قبل أن يصادفه هادم اللذّات ومُفَرِّق الجماعات بين العنابر.
    وفي ثاني أيام العيد وعند الصبح، أرجعت والدتي -يرحمها الله الآن- إلى الحوادث في ذلك المستشفى العتيق. ظللنا وقوفاً إلى جانبها، وكانت ترقد على نقَّالة من ذوات الأرجل الثلاث. إجراءات في غير محلها تم اتخاذها بأن يذهب بها إلى عنبر النساء والتوليد رغم أن الكرت المرفق لها يبيِّن أن تلك الحالة تؤخذ إلى الباطنية، وأن جلطة حادثة في الأوردة العميقة.
    والحوادث يوم العيد ملأى بعدد غير قليل من المرضى وطوارئ الأضحية ومن تمادوا في لحم الخراف السواكنية وغير السواكنية. وإعياء تام يصيب كاهل المستشفى العتيق أصلاً، فلا تقدر على حمل هذا العدد من المرضى، والمرضى على السرائر اثنان اثنان، وميزان قياس الضغط واحد لكل هذا العدد المهول، كل يوم في شارع الحوادث إضافة مؤلمة، مرضى وعواجيز يجرّون أرجلهم جرّاً، بحثاً عن "النيتروجلسرين" و"الديكلوفيناك" والمرضى يرقدون علي الأرض، وعلى البلاط وفي كل فراغ أرضي داخل قسم الحوادث. ويمتد شارع الحوادث بلافتات لـ"بُروفّات"، أقصد صيغة الجمع لكلمة بروفيسور، مرافقون كثر ومرضى أكثر، وتباغت عيونك غرائب التخصصات، كل ذلك الكم من التخصصات يوجد في هذا الشارع السحري، وشهادات جاؤوا بها من أقصى العواصم التي لا يفارقها ضباب.
    تصادف في ذات المساء، أن الأخصائي قد باغت أطباء الأمتياز على حين غرّة، مباركاً لهم العيد الكريم، ومتفقِّداً الغائبين منهم والحاضرين، وهو الذي يعمل في مستشفى خارج العاصمة الخرطوم، وهو داخل جلابية فارهة وبيده عصا أنيقة تلمع في استحياء، وبمركوب "نمري" خالص من ماركة "أبو كديس"، ويشكو من عافية مفرطة، باركنا العيد عسى ولعلّ بمقدمه يكون شفاء ومحبة لأمّنا العزيزة، قرّروا أن ينقلونا إلى ذلك المستشفى الريفي في الصباح بعد انقضاء 24 سـاعة حسوماً.
    وتم حشرنا جميعاً في عربة إسعاف خالية من المقاعد أشبه بطائرة "أنتينوف" من داخلها، من فرط ما نقلت من أغراض، ومن فرط ما نقل الإسعاف من مرضى مختلفي الأعراض والأمراض والأغراض.
    أدار سائق الإسعاف شريطاً هابطاً لأحد الفنانين المحدثين، وبإيعاز من الممرضة المرافقة لموكب المرضى، وقد منّوا علينا بأن ركبنا سيارة الإسعاف مكرمة منهم، وكأننا ليسوا مرافقين لمريضنا، والإسعاف يعوي والشريط الهابط لنا جميعاً مرضى ومرافقين، والسائق يتخطّى العربات والمركبات في رعونة، كان أجدى لو كان ذلك الفنان يغني "البنسلين يا تمرجي - تاح تاح ترح يا تمرجي" لكنا وجدنا شفاءاً مجازياً، ومن الغناء ما فيه الشفاء، ماذا يفعل تمساح "أب كريق" في هذه اللحظة؟
    الجو يحاول أن يبدو جميلاً ولكنه "ما قادر"، جَوٌّ يدعوك للفرجة، وتتسكع في شارع الحوادث بحثاً عن أحد "الدسايسة" العظام - والدسايسة ومفردها دِسِّيس بكسر الأحرف الثلاثة الأولى -أي جذَّاب و"آرتفيشيال". ومن الأحياء العريقة بالمناقل، ونقصد في هذه العجالة د. طارق الشايب "أبو السارة" على وزن "أبو مازن"، سنعود إليه لاحقاً عندما نتناول أدب المجادعة، وتعني البيع بالأقساط والتجزئة، وهو مجادع ضليع لا يشق له موج. وله باب كامل في رف "المجادعات الممهولة في غياب السيولة"، وكلمة المجادعة تعني أن تشتري بأقساط فائقة الراحة، نفعنا الله بعلومه آمين ثم آمين.
    وولجنا باب المستشفى، من على البعد تبدو مبانيه بلون بني فاتح كصناديق الطماطم، ونافورته تشبه "كوريك" البلاستيك، ينعدم الإبداع تماماً في تلك النافورة خشنة الملامح، وصعدنا بمصعدهم للطابق الثاني، كنت أزاوج بين مناظر أفلتت من الحشد، ورود يانعة صفراء بلون بهيج وحمراء وبنفسجية، في زحمة المشهد يولد التقاء الهوى، يروح منا الزمان الذي كانت فيه والدتي تحنو علينا كثيراً كثيراً، كانت تدري بت الحاج توفيق بأنها ستغادر عالمنا إلى حيث الفراديس وحيث يصعب اللقاء.
    مستشفاهم مصقول "المزايكو" ولامعه، ولكن معملهم لا يعمل في الأعياد، وتأخذ عينة وتركب بها في بساطة الريح لتحضر إلى شارع الحوادث، لتأخذ القناني الفارغة كيما تُؤخذ العيِّنات فيها، وتعود من جديد دوامة من الوهن للمرافق نفسه، وتمني مريضك بالشفاء العاجل.
    رهط من الحسناوات يهبط فجأة، من أين؟ لا أدري، ولكن يبدو أنهن سقطن سهواً من مجلة سيدتي أو من قناة فضائية، لمسات "أوريفليم" واضحة. استعدوا الغزو قادم … آكشن.
    كانت أختاي الصغيرتان وجلتان، وكانتا تعلمان أن والدتنا تتألَّم ألماً عظيماً، وليس يُرجى من الطبيب شفاءها لأنّ الشفاء بيد الله، ولكن المطلوب المتابعة والشفقة حين يستدعي الأمر ذلك، المسألة لا تخرج من نطاق الروتين، وإبداء حسن المبادرة بدلاً عن مطاردة الطبيب في الكافتيريا، يا أطباء الامتياز والعموميين، عودوا إلى العنابر، أهلكم في انتظاركم.
    تعود بنا الذاكرة إلى "الريكمندوما" وهي توليف من كلمة "ريكومنديشن" أو التوصية في فقه الضرورة، بأن التومة كانت زوجة أحد المسؤولين المتنَفِّذين في البلد، وتبارى الأطباء في وضع الوصفات، كل منهم يُدلي بدلوه لعل التومة تشفى.
    أوردت التومة في حيثياتها بأنها تعاني صداعاً خفيفاً وآلام علي جانبيها، الطبيب أوصى بأن لا بد من صورة بأشعة "إكس" للصدر، وأخرى من نوع "مكس"، وأخرى ملونة لزوم أن التومة زوجة المتنفذ فلا بد من أن تأخذ كل الفحوص الممكنة والمتوقعة والمفترضة. لأن ذلك جزء من الرفاهية و الـ"MUMAN COMFORT" باعتبار أنها زوجة المسؤول فلان الفلاني.
    صادف أن هناك تومة أخرى من الكوادر المُصَفَّحة، كانت تزحزح أرجلها وهي تسحب جسدها جانبياً من على الصف، وصادف دورها وصول السيدة التومة، فتم عمل كل تلك الفحوصات الآنف ذكرها علي التومة نمرة "2"، التي كانت أحد الذين وصلوا وترقوا من الصف. علي اعتبار أنها التومة زوجة المسؤول المتنفِّذ. ولم يكن القصد إلا إضفاء مزيد من التأكد وسلامة التشخيص، وأتخموا حقيبتها بكل الأدوية، مع شرح وافر لطريقة الاستعمال، كما أعطوها أرقام هواتفهم النقّالة، نوع من توصيل الخدمة للمنازل علي طريقة "الدليفري"، للاستشارات العاجلة غير المدفوعة الأجر.
    ماتت التومة نمرة "2"، أي التومة العادية، وجرى المثل "الريكمندوما الغطّست بالتومة" باعتبار أن الذهاب إلى طبيب لا تعرفه خير من طبيب تعرفه كي لا يعطيك تشخيصاً زائداً "OVER DIAGNOSIS".
    وتعود لتستطرد فلا تجد ما تستطرد فيه، لم يتركوا لك ما تقول، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، المفتقر إلى مولاه..
    مصطفى بشّار
                  

العنوان الكاتب Date
كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-04-07, 06:16 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-04-07, 06:30 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-04-07, 06:46 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-04-07, 07:01 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-04-07, 07:21 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-04-07, 07:29 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-04-07, 07:35 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-04-07, 07:49 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-05-07, 10:08 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-05-07, 10:17 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-05-07, 10:27 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-05-07, 10:42 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-05-07, 11:03 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-05-07, 11:11 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-05-07, 11:12 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-05-07, 11:14 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-05-07, 11:28 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-05-07, 11:31 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-05-07, 11:32 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-05-07, 11:34 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-05-07, 11:35 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-06-07, 02:36 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-06-07, 02:39 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-06-07, 03:14 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-06-07, 06:52 PM
  Re: كتاب سفـر الالوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه (الريكمندوما الغطّست حجر التومه) mustafa bashar12-06-07, 07:34 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-06-07, 07:39 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-06-07, 08:20 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-06-07, 08:35 PM
    Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه noon12-06-07, 09:18 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-06-07, 08:54 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-06-07, 08:59 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-06-07, 08:59 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-06-07, 10:16 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-06-07, 10:18 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-07-07, 03:59 AM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-07-07, 03:57 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-07-07, 04:35 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-07-07, 05:07 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-07-07, 05:34 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-07-07, 06:19 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-07-07, 09:48 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-08-07, 06:59 AM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-08-07, 02:17 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-08-07, 02:47 PM
    Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه سلمى الشيخ سلامة12-08-07, 05:40 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-08-07, 09:26 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-08-07, 09:29 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-08-07, 09:41 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-09-07, 03:28 AM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-09-07, 04:42 AM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-09-07, 07:40 AM
    Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه salma subhi12-09-07, 10:20 AM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mahdy alamin12-09-07, 10:29 AM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-09-07, 03:18 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-09-07, 03:21 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-09-07, 03:24 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-09-07, 05:49 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-09-07, 10:35 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-10-07, 05:30 AM
    Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه Abdlaziz Eisa12-18-07, 06:24 AM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-10-07, 09:27 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-13-07, 01:43 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mahdy alamin12-15-07, 06:19 AM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-18-07, 00:45 AM
    Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه عزان سعيد12-18-07, 05:20 AM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-20-07, 11:28 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-20-07, 11:32 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-20-07, 11:36 PM
  Re: كتاب سفـــر الالــــــــــوان- مصطفي بشار- كتابه عن مدن سودانيه mustafa bashar12-20-07, 11:39 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de