بيتٌ بدويٌ على شاطئ البحر-البداوة و التحديث في الخطاب الليبي المعاصر-صورة المدينة

بيتٌ بدويٌ على شاطئ البحر-البداوة و التحديث في الخطاب الليبي المعاصر-صورة المدينة


03-13-2011, 07:59 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=330&msg=1301595804&rn=0


Post: #1
Title: بيتٌ بدويٌ على شاطئ البحر-البداوة و التحديث في الخطاب الليبي المعاصر-صورة المدينة
Author: osama elkhawad
Date: 03-13-2011, 07:59 AM

قبل حوالي عشرين عاما كتبت دراسة بعنوان "بيت بدوي على شاطئ البحر- البداوة و التحديث في الخطاب الليبي المعاصر-صورة المدينة".
و لا بد من مقدمة توضح الظروف و الملابسات التي كتبت ضمن شروطها تلك الدراسة.
و سأقوم ببسط المقدمة ،ثم ابسط الدراسة منجمة.
مع خالص التقدير.

Post: #2
Title: Re: بيتٌ بدويٌ على شاطئ البحر-البداوة و التحديث في الخطاب الليبي المعاصر-صورة المدينة
Author: osama elkhawad
Date: 03-13-2011, 09:39 PM
Parent: #1

في عام 1999 تشرت كتابي الثاني "خطاب المشّّاء-نصوص النسيان"عن مركز الدراسات السودانية بالقاهرة على نفقتي الخاصة،مثلما أصدرت ديواني و كتابي الاول في نفس العام و من نفس المركز.و قد اشتمل القسم الأول من "خطاب المشاء" على نصوص أسميتها "دفاتر الأعوج"،وتحتوي النصوص النثرية التي كتبتها في ليبيا.

و قد ضمت تلك "الدفاتر" النصوص التالية:صورة انتقاضات السودان في الكتابات العربية-والتي نشرت هنا في المنبر-،و بيت بدوي على شاطئ البحر –البداوة و التحديث في الخطاب الليبي المعاصر-صورة المدينة، و مشهد النسيان-البنيوية و ما بعدها في السودان نموذجا--محاولة شهادة،و ستعرف القارئة\القارئ لماذا اسميتها "دفاتر الاعوج" بعد الانتهاء من قراءة مقدمة الدفاتر.و قد نشرت مقدمة الدفاتر في جريدة العرب اللندنية بتاريخ السابع من أبريل 1994.


فضاء لا يتسع ألا لضمير الصامت
مقدمة الدفاتر


في أواخر العام 1992 دخلت هذا الفضاء الجديد،قرية نموذجية تقع في ضواحي مدينة الزاوية بالجماهيرية.استبدلت (بئر الأعوج) اسمها بقرية (ناصر).لكن هندسة الفضاء النفسية بقيت قائمة،و الأحساس بالبئر القديمة ظل ملاصقا لذاكرة سكانها البدو الطيبين.كنت قادما من (صوفيا) التي كنس فيها ‘عصار التغيير معاقل الشيوعيين،عدت و أنا شاهد الانهيار الكبير،لأحشر في هذا الفضاء الجديد.عدت أحمل حلم الكتابة و أنا أتمنطق أحلاما كبيرة،و حقيبتين تئنان من حمولة الكتب بلغات عديدة.
أول ما صادفني في الطريق المؤدية إلى البيت الجديد،كان (الصمت)،صمت صامت!
في هذا الفضاء الجديد سمعت خطاب "المغتربين: و خطاب (الحصار) و خطاب (الصمت).فكيف للكتابة أن تتحدث؟صمت عن الكتابة و الفرح!فهذا الفضاء لا يتسع إلا لضمير الصامت..مجموعة من الصامتين حشرنا في هذا الفضاء!وحده الأحلام المجهضة تحدِّث نفسها!وحدها الكوابيس سيدة المكان!
في هذا الفضاء الصامت المثرثر بأحزانه،يسقط عنك حق الكتابة..في هذه الغرف الضيقة،الواسعة بأحلام صغيرة حشرت –في صمت-في رؤوس ساكني هذا الفضاء،تهرب منك أساراب الحروف!
يسقط منك حق المطالبة بطاولة صغيرة،و صمت خصب،و أوراق و كتب مبعثرة لا تمس حرية كائن آخر.ذات مساء هادئ في الخرطوم،كان جيلنا يحلم بغرفة منفصلة ،و كتب مبعثرة،و امراة غجرية كي نعيد كتابة حساسية العالم..كم كنا حالمين!!
كيف تصبح الكتابة ممكنة في فضاء نمشي فيه على أصابعنا حتى لا نخدش حق الآخرين في النوم على طريقة السردين المعلّب؟كيف يمكن الدخول إلى فضاء الكتابة بين صيحات لاعبي الورق؟هنا تطغى شخصيات أوراق اللعب على البشر..(الجوكر) هو سيد هذه اللحظات الصاخبة..يطغى الصوت الأجوف على التأمل العميق..التشنج في لعب الورق-أكتشف لأول مرة-هو تعبير عن قلق عنيف و رغبة خفية في الانتصار على الآخر الوهمي...المكان هو الآخر الوهمي،هو النوستالجيا المقموعة،و الحنين الصائت المدفون..يطغى الصوت الورقي الطنّان على (شاعرية أحلام اليقظة).
الموت؟!!
لأول مرة اكتشف الموت في هذا الفضاء المتكلم بأحزانه! ما العلاقة بين الفضاء و الموت؟
ما العلاقة بين الموت و النوافذ الواطئة التي تطل على لا شيئ؟
ما العلاقة بين الموت و الرحيل العبثي؟
الرحيل!الرحيل!الرحيل!
وحده الموت هو الذي أحيا-فيَّ-الكتابة بعد موتها..و ماذا تكون وظيفة الكتابة إن لم تكن من بينها مواجهة "الموت"؟؟
للموت هواجس عدة تعبق بها مسام الفضاء و غبار الذكريات.الموت هنا شخصي و بطيئ و نفسي.الخوف من الشيخوخة؟و ماذا تكون الشيخوخة إن لم تكن الوقوع في هاجس الموت؟
حين يصبح الموت ملاصقا لك كذكرى العشق الأول،حين يوقظك كما ألم الأسنان،تنهض الكتابة من ركامها ..و تنهض "دفاتر الأعوج".
و إذا كان (غرامشي) قد كتب (دفاتر السجن) و السجّان يحصي عليه أنفاسه،فإن هذه الدفاتر عاشت أنفاس (الحصار).نعيش حصارين:
حصار القوى الغاشمة ،و حصار الفضاء للكتابة!
هذه الدفاتر هي صرخة ضد سيكلوجيا الحصار،و ضد حصار الفضاء للمعنى!
و إذا كان (درويش) في (ذاكرة للنسيان) قد صوّر حصار (بيروت)،فإن هذه الدفاتر تصوِّر الحصار المضاد (حصار الكتابة للفضاء)..الكتابة هنا وسيلة لامتلاك الفضاء و السيطرة عليه..
الحس الذي كتبت به هذه (الدفاتر) يتجذّر في (الشخصي) و (الثقافي)و (المجنون)..و هل هنالك من جنون داعر مثل جنون الرزق و الحاجة!؟
تبتعد هذه (الدفاتر) عن ذلك التنظيم و التأسيس المنهجي و الأكاديمي الذي يميِّز ما أسمّيه (الكتابة المطمئنة)...الاطمئنان لا يعني –هنا-الركون إلى بديهيات الأشياء،و الرضى بالظاهر و العابر و استخلاصات العقل الكسول،لكنه يعني التوفر على (طقس الكتابة)..و هل يمكن أن توجد الكتابة بلا طقس؟
هذه الدفاتر نوع من النوستالجيا الصامتة،نوع من النبش الخفي في باطن تلك الميثولوجيا المسمّاة (الوطن)،ذلك التذكُّر المجهد للتفاصيل الكبرى و الصغرى،هو ما تنضح به هذه الدفاتر.
هذه الدفاتر نتاج حوار مرهق مع الكتب ،و العالم.نتاج تعرف على (الثقافة الليبية) و رموزها الهامة (مصطفى التير،أحمد ابراهيم الفقيه،ابراهيم الكوني،الكدي،العمّاري)و أسماء أخرى..إنها نوع من الوفاء لهذا الفضاء الذي أنتج هذه الكتابة!نوع من الاعتراف بالتناقض في موقفي تجاه المكان!
و هي أيضا نتاج سيري اليومي من البيت إلى المدرسة،نتاج حوار طويل مع طلّابي،نتاج وحدة دامية تشكو قلة الأصدقاء و الرسائل و الفئران!صمتا!!
فلندعوا الدفاتر هذه تتحدث بضمير الصامت!

Post: #3
Title: Re: بيتٌ بدويٌ على شاطئ البحر-البداوة و التحديث في الخطاب الليبي المعاصر-صورة المدينة
Author: osama elkhawad
Date: 03-15-2011, 04:21 AM
Parent: #2

انتهيت من كتا بة الدراسة في منتصف عام 1994,و لانشغالي بالسفر لم أتمكن من نشرها إلا في خمس حلقات متتالية في الجمهورية الثقافية اليمنية في مدينة تعز،من 7\12\1995 الى 4\1\1996.

Post: #4
Title: Re: بيتٌ بدويٌ على شاطئ البحر-البداوة و التحديث في الخطاب الليبي المعاصر-صورة المدينة
Author: ابو جهينة
Date: 03-15-2011, 08:19 AM
Parent: #3

المشاء

تحايا كبيرة

لي عودة

Post: #5
Title: Re: بيتٌ بدويٌ على شاطئ البحر-البداوة و التحديث في الخطاب الليبي المعاصر-صورة المدينة
Author: osama elkhawad
Date: 03-16-2011, 05:25 AM
Parent: #4

مرحب ابو جهينة وفي انتظار عودتك الميمونة.
و نبسط الآن الجزء الاول:

(1)
يستهدف هذا الدفتر من "دفاتر الاعوج" استكناه بعض تجليات إشكالية البداوة و التحديث في الخطاب الليبي المعاصر.و لقد تعاملنا مع كل الخطابات المختلفة (الخطاب السوسيولوجي،الأدبي،السياسي،النقدي) باعتبارها وحدة تعكس كل ما يهجس به الفضاء الثقافي الليبي المعاصر،مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية كل خطاب منها.ذلك اننا نعتقد ان أية ثقافة بكل خطاباتها تظل دائما في لحظات التوتر و التحول التاريخية حبلى و مليئة بدلالات واحدة ذات أشكال مختلفة.
و هذا الدفتر في مطاردته لتلك التجليات،لا يستهدف تقويم تلك الخطابات،بقدر ما يرمي إلى مقاربة الأشكال و الدلالات التي تتبدى بواسطتها تلك التجليات.
لم تكن هناك قصدية في اختيار النصوص الواردة في هذا الدفتر.و قد تولدت لدي الرغبة في مطاردة تلك الاشكالية لامتلاء الحياة الليبية المعاصرة برموز مثل "الخيمة الثقافية" الشهيرة أو بمقولات مثل "و نتصرت الخيمة على القصر".و دعّم تلك الملاحظة ما أفرزته دور النشر في السنوات الأخيرة.
الصدفة و المتاح في المكتبات،و انعدام تواصلي مع المؤسسات الاكاديمية،كل ذلك ساهم في أن تكون النصوص المختارة محدودة و غير شاملة لموضوع البحث،رغم الأهمية الفائقة التي تتمتع بها تلك النصوص،و من هنا فإن مقاصد البحث محدودة بما تتيحه تلك النصوص القليلة.
و يبقى هذا الدفتر مساهمة متواضعة للتعريف بثقافة تعيش في ظل الهامش الثقافي العربي متلفعة رداء النسيان.و هذا ليس تبريرا أو اعتذارا عن العثرات التي قد تميِّير هذا الدفتر،بقدر ما انه دعوة لتعميق البحث و النظر العلمي في هذا الموضوع الحيوي.

Post: #6
Title: Re: بيتٌ بدويٌ على شاطئ البحر-البداوة و التحديث في الخطاب الليبي المعاصر-صورة المدينة
Author: ابو جهينة
Date: 03-16-2011, 08:04 AM
Parent: #5

المشاء

عدنا

في بهو صومعة المقدمة ، هناك ومضات لا بد أن يقف عندها كل من يخط حرفا.

Quote: في هذا الفضاء الجديد سمعت خطاب "المغتربين: و خطاب (الحصار) و خطاب (الصمت).فكيف للكتابة أن تتحدث؟صمت عن الكتابة و الفرح!فهذا الفضاء لا يتسع إلا لضمير الصامت..مجموعة من الصامتين حشرنا في هذا الفضاء!وحده الأحلام المجهضة تحدِّث نفسها!وحدها الكوابيس سيدة المكان!
في هذا الفضاء الصامت المثرثر بأحزانه،يسقط عنك حق الكتابة..في هذه الغرف الضيقة،الواسعة بأحلام صغيرة حشرت –في صمت-في رؤوس ساكني هذا الفضاء،تهرب منك أساراب الحروف!
يسقط منك حق المطالبة بطاولة صغيرة،و صمت خصب،و أوراق و كتب مبعثرة لا تمس حرية كائن آخر.ذات مساء هادئ في الخرطوم،كان جيلنا يحلم بغرفة منفصلة ،و كتب مبعثرة،و امراة غجرية كي نعيد كتابة حساسية العالم..كم كنا حالمين!!
كيف تصبح الكتابة ممكنة في فضاء نمشي فيه على أصابعنا حتى لا نخدش حق الآخرين في النوم على طريقة السردين المعلّب؟كيف يمكن الدخول إلى فضاء الكتابة بين صيحات لاعبي الورق؟هنا تطغى شخصيات أوراق اللعب على البشر..(الجوكر) هو سيد هذه اللحظات الصاخبة..يطغى الصوت الأجوف على التأمل العميق..التشنج في لعب الورق-أكتشف لأول مرة-هو تعبير عن قلق عنيف و رغبة خفية في الانتصار على الآخر الوهمي...المكان هو الآخر الوهمي،هو النوستالجيا المقموعة،و الحنين الصائت المدفون..يطغى الصوت الورقي الطنّان على (شاعرية أحلام اليقظة).


النص أعلاه صورة ديجاتيلية عن حياة عايشناها و عايشها الكثيرون ، المكان و الضوضاء و الصمت و طغيان أصوات لا تزال تعشعش في النافوخ رغم تقادم الأيام.
جعلتني هذه الجزئية يا المشاء أتنقل ما بين قرى صغيرة على ضفاف النيل ، الصمت المطبق ، نقيق الضفادع ، موسيقى الجنادب النشاز و هي تمارس هواياتها ليلا ،
الصمت الذي عايشناه قديما ، يقرع الذاكرة الآن بدوي كدوي الرعد.
طفت إلى مقدمة الذاكرة عدة أماكن كانت بؤرة للمنافي التي عشناها قسرا و رغبا.من ضجيج القرى الصامتة ، إلى سكون مدن الأسمنت الهادرة.


Quote: الموت؟!!
لأول مرة اكتشف الموت في هذا الفضاء المتكلم بأحزانه! ما العلاقة بين الفضاء و الموت؟
ما العلاقة بين الموت و النوافذ الواطئة التي تطل على لا شيئ؟
ما العلاقة بين الموت و الرحيل العبثي؟
الرحيل!الرحيل!الرحيل!
وحده الموت هو الذي أحيا-فيَّ-الكتابة بعد موتها..و ماذا تكون وظيفة الكتابة إن لم تكن من بينها مواجهة "الموت"؟؟
للموت هواجس عدة تعبق بها مسام الفضاء و غبار الذكريات.الموت هنا شخصي و بطيئ و نفسي.الخوف من الشيخوخة؟و ماذا تكون الشيخوخة إن لم تكن الوقوع في هاجس الموت؟
حين يصبح الموت ملاصقا لك كذكرى العشق الأول،حين يوقظك كما ألم الأسنان،تنهض الكتابة من ركامها ..و تنهض "دفاتر الأعوج".


ما بالأحمر في الجزء أعلاه ، فيه علتي و دوائي ...

Quote: الحس الذي كتبت به هذه (الدفاتر) يتجذّر في (الشخصي) و (الثقافي)و (المجنون)..و هل هنالك من جنون داعر مثل جنون الرزق و الحاجة!؟


سؤال يمشي على قدمين

Quote: تبتعد هذه (الدفاتر) عن ذلك التنظيم و التأسيس المنهجي و الأكاديمي الذي يميِّز ما أسمّيه (الكتابة المطمئنة)...الاطمئنان لا يعني –هنا-الركون إلى بديهيات الأشياء،و الرضى بالظاهر و العابر و استخلاصات العقل الكسول،لكنه يعني التوفر على (طقس الكتابة)..و هل يمكن أن توجد الكتابة بلا طقس؟

هذه الدفاتر نوع من النوستالجيا الصامتة،نوع من النبش الخفي في باطن تلك الميثولوجيا المسمّاة (الوطن)،ذلك التذكُّر المجهد للتفاصيل الكبرى و الصغرى،هو ما تنضح به هذه الدفاتر
.

أعجبني هذا التحليل للإطمئنان

نواصل معك الصمت البليغ

Post: #7
Title: Re: بيتٌ بدويٌ على شاطئ البحر-البداوة و التحديث في الخطاب الليبي المعاصر-صورة المدينة
Author: MOHAMMED ELSHEIKH
Date: 03-16-2011, 10:00 AM
Parent: #6

مرحب بطلتك البهية اخي اسامة
ومعاك....

Post: #8
Title: Re: بيتٌ بدويٌ على شاطئ البحر-البداوة و التحديث في الخطاب الليبي المعاصر-صورة المدينة
Author: osama elkhawad
Date: 03-17-2011, 02:01 AM
Parent: #7

شكرا ابو جهينة على الملاحظات النقدية الجيدة.و سأعود إليها بعد الانتهاء من بسط الدراسة.

و مرحبا بمحمد الشيخ.
مع خالص الامنيات.

و نبسط الآن الجزء رقم 2.

(2)
في مبحثنا هذا ننطلق من الفرضية العلمية التي ترى (ان القول بوجود نمطين من المجتمعات بدوي و حضري،أو تقليدي و حديث قول فيه تبسيط شديد،و أن الظواهر ليست أسود و أبيض فقط،و انما هنالك تفريعات تجمع خصائص من الصفتين الرئيستين،لكن يظل هذا التنميط وسيلة منهجية مفيدة (2،33). و من ثم فاننا سنبحث في أشكال تضاد و امتزاج ذلك التنميط، مركزين على صورة المدينة كرمز للتحديث،و كحيز جغرافي و اجتماعي و تاريخي،باحثين عن الدلالات التي تتبدى بها (المدينة) في مختلف الخطابات،محاولين التنقيب في ما أسماه (قادربوه) (عدم انسلاخ الشعب العربي في الجماهيرية عن جلده البدوي)،(7،29).
و رغم ما أدلي به (قادربوه) من أسباب و حجج،إلا اننا سنتجاوزها،و نقتطف عباره من عباراته لتصبح عنوانا رئيسا لهذا الدفتر.و قد وردت العبارة في قوله (و ما قد يثير الدهشة أن يشاهد المرء في فصل الصيف بيتا بدويا على شاطئ البحر في مثل هذه المناطق،و لكن ساكنيه لا تربطهم بالبحر أية صلة) (7،29). إن عباره "بيت بدوي على شاطئ البحر" تلخص لنا الموقف المتناقض الذي تقف فيه الثقافة الليبية المعاصرة.
و لا نظن ان الخطاب الليبي المعاصر خرج عن إطار محاورة هذه العباره،بالاتفاق معها ،أو الاختلاف ،أو المراوحة بين هذين الموقفين.و نعتقد ان تلك العبارة تختزن في داخلها مترادفات أخرى تعبِّر عن ثنائية البداوة و التحديث مثل المدينة\القرية،الحضر\الريف،البحر\الصحراء..إلخ و الموقف من تلك الثنائيات يشكِّل موقفا فلسفيا و حضاريا كاملا تجاه قضايا معقدة تتعلق بعلاقة الليبي المعاصر بالزمن (الماضي\الحاضر\المستقبل)، الشرق\الغرب،البداوة\الحضارة،التراث\المعاصرة.و هي قضايا هامة و تلعب دورا حاسما في تحديد مسيرة و مستقبل المجتمع الليبي المعاصر.

Post: #9
Title: Re: بيتٌ بدويٌ على شاطئ البحر-البداوة و التحديث في الخطاب الليبي المعاصر-صورة المدينة
Author: osama elkhawad
Date: 03-17-2011, 03:11 PM
Parent: #8



(3)
معمّر القذافي:تجليات الثنائية الضدية (المدينة\القرية)
المدينة و القرية-كما ذكرنا آنفا-هما الحيزان الجغرافيان اللذان يرمزان إلى التحديث و البداوة.و سنقوم برصد دلالات المدينة و القرية في مؤلف معمر القذافي (القرية القرية،الارض الارض،و انتحار رائد الفضاء)،و ذلك انطلاقا من أن معمر القذافي هو الذي قاد مسيرة تحديث المجتمع الليبي في ربع القرن العشرين الأخير-الذي له-كما يرى مصطفى التير دور خاص في تاريخ ليبيا الاقتصادي (فخلاله وقع حدث هام ترتبت عليه مجموعة تغيرات في الأنظمة و العلاقات سرَّعت من وتيرة إدخال عناصر جديدة في البنيات القائمة.هذا الحدث تمثّل في ثورة الفاتح و ما تلاها من تدبيرات اتخذتها القيادة،فأحدثت تحولا في حياة المواطنين.و هكذا انتقل بنتيجتها أفراد المجتمع من حال إلى حال،من أكثرية أمية إلى أكثرية متعلمة،و من أكثرية تعاني شظف العيش،إلى أكثرية تتمتع بمستوى حياة عال بالمقارنة بما هو موجود في بقية بلدان العالم الثالث التي ينتمي إليها المجتمع الليبي(2،6)،و من ثم فاننا نجد في رصد تلك الدلالات مؤشرا يدلنا على جانب من مفهوم التحديث عند معمر القذافي.
في مؤلفه ذاك يقيم القذافي تضادا حادا بين المدينة و القرية يرقى إلى الثنائية الضدية.فالمدينة عنده ملعونة تاريخيا،و قد حملت لعنتها هذه حتى وقتنا الراهن،فهي (من قديم الزمان،ما بالك الآن!هي كابوس الحياة،وليست بهجتها كما يظن.لو كانت بهجة لكانت أصلا قد صممت أصلا لذلك.لكن المدينة لم تؤسس للرفاهية أو السرور أو المتعة أو البهجة)،(8،5).و لكن ما سبب هذه اللعنة التاريخية؟؟السبب يكمن في ظروف نشوء المدينة و قيامها،ذلك ان (المدينة حشر معيشي،وجدت الناس نفسها فيه بالضرورة و لم يأت أحد ليسكن المدينة من أجل النزهة،بل من أجل العيش و الطمع و الكد،و الحاجة،و النوظيفة التي تجبره على أن يعيش في مدينة)ص 5.هذا الشرط الاقتصادي الذي قامت عليه المدينة،هو الذي أكسبها صفة اللعنة لارتباطها بالحاجة و الرزق و الضرورة.و لذا فالمدينة-في نصوص القذافي-تحمل أصوأ الصفات،و ترتبط بالتخريب الاقتصادي و النفسي و البيئي،فالمدينة (مقبرة الترابط الاجتماعي)ص5.و هي (مجرد حياة دودية بيولوجية،يحيا فيها الانسان و يموت و هو داخل قبر في الحالتين.لا حرية في المدينة،و لا راحة ولا رواق)ص6.و المدينة ملعونة انطلاقا من فهم بيئي معاصر فهي (دخان..أوساخ،رطوبة..حتى لو كنت في صحراء،تتسخ حتى و لو كان عملك نظيفا)ص8.و المدينة –انطلاقا من هذا الفهم البيئي (ضد الزراعة،تنبني على الأرض الزراعية،تقتلع الأشجار المثمرة،تجذب الفلاحين و تغريهم ليتركوا الزراعة و يتحولوا إلى أرصفة المدينة تنابلة،كسالى،عطالى،متسولين)ص11.هذا التصور البيئي الانساني الذي يدين تخريب الطبيعة في مقابل تأسيس المدينة،سنصادفه –أيضا-عند خليل الامام-بطل ثلاثية أحمد ابراهيم الفقية في موقفه من مدينة طرابلس.
من صفات المدينة انها تقتل الحس الاجتماعي،انطلاقا من ميكانيزم معين يتمثل-كما يرى القذافي-في انها (تعوِّد سكانها تكرار سلوك و مشاهد لما يكون ملفتا للانتباه في القرى،و الواحات،و الأرياف،و البوادي)ص12.أما قمة تراجيديا المدينة فتتمثل في اغتيال الطفولة،ذلك أن(طفل المدينة ينمو بيولوجيا،و لكنه سيكلوجيا هو وعاء لتلك الكبوحات و القموعات و عوامل الزجر و النهر.فهو نموذج لانسان العقد و الأمراض النفسية،و الانطواء و النكوض)ص17.إن الوأد المعاصر للطفولة يتم على المستوى غير المنظور،في أعماق سكان المدن،في اللاشعور،ذلك أن (دور الحضانةو الرعاية و المراجح،و حدائق الأطفال،و رياض الأطفال و حتى المدارس ما هي إلا تحايل على أولئك المخلوقين الأبرياء للتخلص منهم بطريقة عصرية للوأد)ص19.
إن النص في تحليله لتراجيديا المدينة،يخلص إلى ان تلك التراجيديا نابعة من بنيات لا شعورية خارجة عن إرادة الأنسان،و كأنها فلتة من فلتات التاريخ الهوجاء التي لا ترحم النوايا الطيبة.إن تراجيديا المدينة نابعة –ببساطة-من حقيقة مفجعة حقا،و هي أن فعل الانسان ينقلب ضده.يقول القذ افي موضحا ذلك (ليس العيب في ساكني المدينة أبدا.الناس هم الناس في المدينة،أو في القرية،متشابهون في كل شيئ تقريبا،في القيم ،في الأخلاق،خاصة أبناء القوم الواحد،أو الدين الواحد العيب في طبيعة المدينة ذاتها،بما تفرضه على الناس من تكيف تلقائي تدريجي،حتى يصبح سلوكه معتادا بمرور الزمن في المدينة.الناس يبنون المدينة للضرورة و الحاجة.و لكن المدينة تصبح بعد ذلك كابوسا لا بد منه لأولئك الذين بنوها و سكنوها).إن إنسانية المدينة تتأسس بشكل مراوغ و مخادع لعقلانية الإنسان (هذه هي المدينة،طاحونة لساكنيها،و كابوس لمشيديها،تجبرك على تغيير مظهرك،و تبديل قيمك،و تقمص شخصيات مدنية ليس لها لون و لا طعم و لا رائحة و لا معنى)ص15.إن هذا الشكل السلطوي و المرواغ و الضاغط على الإنسان يسميه القذافي (عدم القدرة على المقاومة في المدينة)ص9،و لذلك فالمدينة زئبقية،رجراجة،لا يمكن الإمساك بها لانها (تقليعة...صيحة...انبهار) ص9.
و على النقيض من المدينة الملعونة،تبدو القرية و الريف رمزا (لعالم آخر يختلف في المظهر و الجوهر..هنالك لا ضرورة للقمع و الزجر و الضغط العكسي)ص17.فالقرية (هادئة و نظيفة و مترابطة،و أهلها يعرف بعضهم بعضا)ص24 أي بلغة السوسيولوجيا ان الضبط الاجتماعي غير رسمي،و القرية حيز له شخصيات تطبع بميسمها شخصيات قاطنيها،(فالقرية و الريف لا تعرف التقليعة و الطفرة و "الموضة" فمزاجهم هادئ وراق و غير متقلب،غير قابل للتقليعة و التحول)ص25.القرية-في نصوص القذافي-حيز ايكلوجي يخرج الانسان من اغترابه عن العالم،و يتيح له اكتشاف الطبيعة،و مشاهدة سرها الأكبر (الجمال)!(القرية و الريف...الفضاء الواسع...الانشراح...الملكوت البديع..يجعل الحياة مريحة هادئة بخلوها من ضيق المدينة و زحامها،للقمر معنى و في السماء متعة و للأفق رؤية)ص27.
بعد أن رصدنا دلالات المدينة و القرية في نصوص القذافي،يبقى هنالك سؤال هام:ما هي العوامل التي شكلَّت تلك الثنائية الضدية؟تلك العوامل –في رأينا-تتمثل في الآتي:
1-النزعة الانسانية التي ترى في كل ما يهدد التناغم الانساني،خطرا ينبغي الوقوف ضده بحزم.و الفكر و الابداع الانساني بمختلف أشكاله يحفل بهذه النزعة المضادة للمدينة ،و المدنية على حد سواء.
2-الاستراتيجية التي انبنت عليها تجربة تحديث المجتمع الليبي،و التي تمثلت-كما يرى التير-في الانحياز للريف (2،165).
3-التأكيد على التحول الثوري للمجتمع،لا على تخريب ذلك المجتمع تحت أي ستار كان-و من هنا الاحتجاج على الآثار الضارة للتحديث.و يتضح ذلك في المقطع الساخر (هلموا لقطع دابر الزراعة و اجتثاث جذورها و الاسراع في التحول،ليس التحول الثوري..ل أقصد التحول إلى تجار..ز سنفازة ..و باعة متجولين،علِّموا أولادكم الحفاية و السمسرة..و التفريش في الشمس و الزمهرير،استمروا أيها الأحرار آناء الليل و أطراف النهاء في قطع الأشجار و محو الاخضرار على وجه الأرض الأبية،هشِّموا بسواعدكم المفتولة غابات الجبل الأخضر و أشجار النخيل من مزارعكم.و ابنوا على أنقاضها متجرا أو محل تزيين أو حلواني أو مقطع جير)ص60.تلك الآثار السلبية تمثلت في تدمير الطبيعة و الإخلال بالتوازن البيئي و سيادة الأنماط الاقتصادية الهامشية و الطفيلية.
4-الإعلاء من شأن الفضاء البدوي بصفته-كما يرى الفقيه-رمزا (للجوهر الإنساني(،حتى لا(يضيع منا في صخب الحياة العصرية و زيفها و صراعاتها)ص 137.و هذا الانحياز للبداوة بصفتها تلك،قد نجد جذوره في (الكتاب الأخضر) حين تم وصف الشعوب البدوية بانها (صانعة الحياة الجادة) (9،204).

Post: #10
Title: Re: بيتٌ بدويٌ على شاطئ البحر-البداوة و التحديث في الخطاب الليبي المعاصر-صورة المدينة
Author: osama elkhawad
Date: 03-18-2011, 01:44 AM
Parent: #9


عالم الاجتماع الليبي البارز:مصطفى عمر التير

(4)
مصطفى التير:المدينة في الخطاب السوسيولوجي

كرّس عالم الاجتماع الليبي البارز مصطفى التير وقتا طويلا و جهدا ثمينا لرصد تحول المجتمع الليبي إلى فضاء التحديث،من خلال تطوير نظرية عربية للتحديث،مراعيا في ذلك خصوصية المجتمع العربي.و قد اهتدى التير في بحثه ذاك إلى نموذج للتحديث العربي يتكون من مؤشرات يمكن تلخيصها في الآتي:
1-تطوير لأجهزة الدولة الوطنية التي تتولى مسئولية وضع و تنفيذ برامج للتنمية الاجتماعية و الاقتصادية.
2-توفير المال اللازم للبدء في عمليات تغيير البنى التحتية و التي ستكون قاعدة تنطلق منها بقية مجالات التغيير.
3-انتشار التحضر و نمو المدن، و تنوع فرص العمل بها،نتيجة تواجد دواوين الحكومة و النشاط التجاري و الخدمات.
4-انتشار التعليم و اشتراك عناصر التراث مع عناصر العقلانية لتكوين العقل و نمط التفكير.
5-انتشار الأسرة النووية كوحدة سكنية حضرية و استمرار أهمية الأسرة الممتدة كنسق قرابي يسهم في بناء شخصية الفرد.
6-انتشار محدود للصناعة و استخدام واسع للتكنلوجيا.
7-ارتفاع مستوى الطموح أو التطلعات فيما يتعلق بالمكانة الاجتماعية و المقتنيات.
8-انتشار الاتجاهات التي تؤكد على أخمية المشاركة بأنواعها و للجميع بما في ذلك المرأة و خضوع أنواع المشاركة لتوجية عناصر الثقافة السائدة و الدور المتميز للدولة (2،50).
استنادا على هذا النموذج العربي للتحديث،انتقل التير إلى مقاربة الخصوصية التي تميز الحالة الليبية.إن عمل التير في هذا الصدد طويل و متشعب،و سنكتفي منه بما يخدم مجال بحثنا بتقصي موقع المدينة في تجربة التحديث الليبية و علاقتها بالريف.
يبدأ التير بمقارنة تجربة التحديث الليبية بمثيلاتها في الدول المشابهة لوضعية المجتمع الليبي مؤكدا على اهتمام الحالة الليبية بالريف.يقول في ذلك مستطردا (فعلى الرغم من أن غالبية محططات التنمية تؤكد في أهدافها على العناية بتوفير الحاجات الأساسية لجميع المواطنين فان الذي يحدث ان غالبية الفقراء لا يستفيدون من هذه البرامج على الوجه المطلوب إذ تتركز الخدمات الصحية و التعليم و مؤسسات الثقافة و المساكن الجديدة في عدد محدود من المدن الرئيسية،و يستفيد قطاع صغير من السكان فيحصل على نصيب الأسد من مخططات ميزانيات التنمية و لكن الذي حدث في التجربة الليبية أن الريف و القرى الصغيرة و النائية حصلت على النصيب الأكبر فوفرت المدارس بما في ذلك الثانويات و المعاهد التقنية في الريف،كما توافرت للريف الطرق الحديثة و النور الكهربائي و المياه الصحية و السكن الصحي و المراكز الصحية و الأسواق الحديثة،كذلك توافرت مجالات العمل بشكل يتلاءم و طبيعة الخبرات المتوفرة محليا بحيث لا يبقى شخص يرغب في العمل عاطلا (2،164-165).
ثم يعرج التير بعد ذلك إلى رسم صورة للمدينة العربية عامة و من ضمنها المدينة الليبية حين يتحدث عن هجرة واسعة من الريف إلى المدينة ،و تحول سكان المجتمع العربي خلال فترة زمنية قصيرة من أغلبية ريفية إلى أغلبية حضرية (2،47).
و لقد كان نمو المدن العربية (سريعا ،و تسببت سرعته في مظاهر اختلال كثيرة) (2،181).ثم يتحدث التير عن بعض مظاهر ذلك الاختلال في المدينة العربية و التي تمثلت في عجز (إدارات المدن عن مواكبة سرعة نمو السكان فنتجت ظاهرة الازدحام و يتلازم مع هذه الظاهرة عجز في توفير السكن الملائم و اختناقات السير و تدهور الخدمات الاجتماعية و تفكك الروابط بين الأفراد و ارتفاع معدلات الانحراف...الخ،كما لم تسمح سرعة نمو المدن بوضع برامج تضمن تأمين احتياجات المجتمع فنتج عن هذا ان المدينة العربية تستهلك أكثر مما تنتج ) (2،181).
صورة المدينة العربية و من ضمنها المدينة الليبية المعاصرة تختلف عن مثيلتها في العالم المتقدم.يقول التير مقارنا (و يتوفر في المدينة غالبية ما هو موجود في المجتمع من وسائل ترفيه كالملاعب الرياضية و دور الخيالة و المسارح و حدائق الحيوان و المتاحف....الخ و لكن تبدو المدينة العربية الحديثة تعاني من نقص شديد في هذه الوسائل) (1،292).هذه المقارنة سنلاحظها عند خليل الامام-بطل ثلاثية الفقيه الروائية-في رؤيته لمدينة طرابلس.
بعد هذه الصورة العامة للمدينة،يقارب التير علاقة الريف بالمدينة باحثا عن الهجنة التي تميز المدينة العربية مبينا (الترييف) الذي يحدث للمدينة إثر انتقال الريفي أو البدوي إليها.و حسب رأي التير فإن الريفي أو البدوي المنتقل للمدينة (حمل معه الكثير من قيمه و عاداته التي ألفها،فاحتفظ بعلاقات الالتزام الاجتماعي مع أفراد الأسرة الممتدة و مع الأقارب في شكل زيارات جماعية و خصوصا في المناسبات الدينية و الاجتماعية الهامة، و حافظ على قيمة الأسرة الكبيرة و لم يفعل شيئا كثيرا في مجال تنظيم الاسرة و لعدم وجود فضاء كاف في المنزل أصبح الشارع هو المكان الذي يقضي فيه الأطفال الذكور جل وقتهم) (1،69).
إذن المدينة العربية،في مقاربة التير لها،هجينة بين البدوي و الحديث،اختلطت فيها الأزمان و أنماط السلوك الاجتماعية،موزعة بين ماضيها البدوي، و حاضرها الحديث الرجراج،فهي تعيش حالة (تداخل الأزمنة و هي حالة عامة لا يقتصر ظهورها بين أفراد فئة معينة بل يشترك فيها جميع أعضاء المجتمع العربي،و هي مسئولة ولو إلى حد عن تلك الازدواجية التي يتصف بها العربي اليوم و التي تنعكس على كثير من مجالات أنشطته اليومية و على مواقفه بالنسبة إلى كثير من القضايا الريسية( (2،65).
ثم يسال التير باحثا عن إجابة (و لكن لماذا حدث هذا ؟هل السبب كما يقترح الجابري يكمن في عدم تثبيت الزمن الثقافي أم ان السبب يرجع إلى طبيعة الظروف التي صاحبت دخول العرب العصر الحديث؟) (2،65).
و يرى التير ان كثيرا من جذور سلوك الانسان العربي في المدينة تكمن في ذلك البدوي القابع في أعماق الانسان المدني ففي بحثه عن سبب ارتفاع التطلعات بين الأفراد العرب بالنسبة للرغبة في تملك السلع الاستهلاكية ينقب التير في ذلك البدوي متسائلا إذا كان ان النمط الاستهلاكي هو تعبير جديد عن عادة ريفية قديمة تتمثل في تخزين مؤونة العام كله؟ (2،189).
تلك الشكوك حول اختلاط الأزمنة و تداخلها و امتزاج البدوي بالحديث جعلت التير يشير إلى هشاشة (الحديث) في المجتمع الليبي المعاصر و عمق (البدوي) في تجربة التحديث الليبي التي قضى زمنا طويلا في تتبع طعودها و قياس مؤشراتها و آثارها! ففي رد له على سؤال يتعلق بوجود مشكلة وعي يجيب قائلا (نعم،ذلك ان التغيير الاجتماعي الذي حدث منذ ما يزيد على ربع قرن في مجتمعنا كان تغييرا ماديا فقط:السكن،التعليم،الملابش و المعدات و الاجهزة التي دخلت حياتنا نمط الأكل و نمط قضاء الوقت.لم يواكب هذا التغيير المادي تغيير ثقافي أو قيمي.لم يواكبه تغير على مستوى الشخصية أو الأفكار التي يتبناها الناس فالتقاليد و العادات القديمة ما زالت واضحة في الأذهان لم تتزحزح) (3-ب،20).
يبدو التحديث في رأي التير ماديا فقط،تختلط فيه التكنلوجيا الحديثة مع القيم البدوية العريقة و الريف مع المدينة،و ما زال البيت البدوي يشاهد على شاطئ البحر!!

Post: #11
Title: Re: بيتٌ بدويٌ على شاطئ البحر-البداوة و التحديث في الخطاب الليبي المعاصر-صورة المدينة
Author: osama elkhawad
Date: 03-18-2011, 03:09 PM
Parent: #10

(5)
الخطاب النقدي الأدبي:البحث عن مدينة جديدة

العدد الذي أصدرته (الفصول الأربعة) بدون رقم و بدون تاريخ،عن المشهد الشعري الليبي (1970-1990)-علاوة على الشعر الجميل-يحتوي نصوصا نقدية تجتهد في مقاربة الحداثة الشعرية الليبية في الفترةالمذكورة أعلاه.الهمّ الذي تحمله تلك النصوص النقدية هو كيفية تأسيس حداثة شعرية ليبية تدخل في علاقة مع التاريخ الثقافي الليبي.و الموقف من تلك العلاقة يتحدد من خلال الكيفية التي تتم بها مقاربة إشكالية البداوة و التحديث.و الواضح من قراءة تلك النصوص النقدية ان هنالك موقفين من قضية علاقة الحداثة الإبداعية عموما بالتاريخ الثقافي الليبي الذي تسميه تلك النصوص (الثقافة البدوية الصحراوية البسيطة).
الموقف الأول يتجسد في رفض تلك الثقافة البدوية،و تأسيس ثقافة معاصرة ليبية بديلة.
أما الموقف الثاني فيرى ضرورة أن تكون تلك الثقافة البدوية مكونا من مكونات الثقافة الليبية الحديثة.
و لنبدأ باستكناه منطق الموقف الأول.يرتكز ذلك الموقف في نظرته للحداثة الشعرية على أن الشعر في ليبيا يلعب في ساحة يملأها الأطفال الذين لا يملكون من هذه الساحة إلا المخيلة الأولى (مخيلة الرمل الذي يتشكل بالرياح في أفق ممتد لا تحده إلا الصحراء اللانهائية ،هذه الصحراء السراب التي تلعب مع المخيلة لعبتها :الصورة المحدودة و اللامحدودة،الرتابة و الافق اللانهائي،إنها تكرر اللانهائي) ص12.هكذا يرى أحمد الفيتوري الثقافة البدوية ثقافة محدودة فقيرة،و يرى المخيلة الصحراوية البدوية مخيلة هشة رغم امتدادها في أفق جغرافي لانهائي.و يرى الفيتوري ان مشروع الشعر الليبي كان دوما مرتبطا بالانقطاع عن تلك الذاكرة الثقافية البدوية .و ان الشعر الليبي في تخليه عن الثقافة البدوية ،كان دوما يبحث عن أب،حتى و إن كان من صنعه،و كان دوما يبحث عن مرجعية ثقافية يستند إليها لاكتساب هويته و شرعيته.
أما أبو شناف فيعتقد ان أزمة الشعر الليبي في بحثه عن حداثته الخاصة،تكمن في أن ذلك الشعر يعيش أزمة هوية إذ انه لا يزال متراوحا بين البداوة و التحديث بمعناه الحضاري الشامل.و لهذا يرى (أن الروح الليبية حزينة عبر هذا الشعر،و هذا الحزن يبدو أقرب إلى البكاء المر على أطلال الانتماء للمجتمع و لقيمه القديمة و خوفا من المستقبل الذي لا تبدو قيمه واضحة)ص9.ذلك الالتباس الحضاري ألقى بظله على الساحة الشعرية الليبية و جعلها-كما الكل الحضاري العربي (تفتقد "للشاعر الرجيم" هذا الذي يتجرأ محطما ليس أيقونات الشكل الفني ظاهريا..بل و تتعمق تجربته لتحطيم أيقونات القيم الحضارية المتخلفة التي تخنق كل جديد بعنف أحيانا و أخرى تناور عليه مستعيرة ثوبه فقط)ص 9.و لكن ما هي صفات "الشاعر الرجيم"؟؟ يرى أبو شناف ان الشاعر الرجيم هو هذا الشاعر-الملاك بقيم المستقبل الجديد.إن موت الأب أو القبيلة مهمة شاعرنا الأولى)ص 9.إذن فالتخوم التي يقترحها أبو شناف للشعر الليبي،هي تخوم المستقبل المنتمية إلى ما أسماه التحديث بمعناه الحضاري الشامل،حيث يموت الماضي و يدفن،و ينمحي على شاطئ البحر ذلك البيت البدوي.
أما المسماري فيربط بين التجربة الشعرية و النقدية الليبية حتى الستينيات كإفراز للمجتمع البدوي.و يحفر المسماري عميقا في (البدوي) في الثقافة الليبية،باحثا عن الأسباب التي أربكت تلك الثقافة،محللا طبيعة و أسس الثقافة البدوية و ركائز المجتمع البدوي محاولا أن يرسم ما نسميه ملامح العقل البدوي.يقول المسماري مستطردا (و نقد الشعر الذي مررنا ببعض نماذجه،هو نتاج للتجربة الشعرية التي بدورها نتاج للواقع الاجتماعي و الثقافي لمجتمع بدوي يعتمد في انتاجه على اقتصاد الكفاف (الرعي و الزراعة الموسمية) و يتأطر اجتماعيا ضمن العلاقات القبلية و المفاهيم السائدة.إن ثقافة المجتمع الليبي،حتى الستينيات هي ثقافة بسيطة أفرزت القصيدة المباشرة و الحكاية (الخرافة) المعتمدة على الموعظة و الحكمة.لذلك كان من الطبيعي بجانب عوامل أخرى أسهمت في ضعف التطور الثقافي في بلادنا أن تبدأ يقافاتنا بداية مرتبكة و بسيطة تركز على المهام الأولية الأساسية لواقعها و إشكالياتها)ص 37.
إن المسماري يدين الثقافة البدوية بوضعيتها البسيطة الفقيرة،و يرى غن ذلك الارتباك الذي عانت منه الثقافة الليبية،لا يتحقق إلا بتجاوز الثقافة البدوية،و تأسيس ثقافة متجاوزة بديلة يسميها (الثقافة المركبة و المتشعبة)،و هي بالتأكيد نتاج مجتمع غير بدوي (مجتمع ينتج الفلسفة و علم الاجتماع و التاريخ و ينتج القصيدة ذات الأسئلة المتعدد كما ينتج النقد)ص 37. و المستبطن في خطابه ان الحداثة تتأسس بتخطي الفضاء البدوي و القطيعة معه،حيث يتوارى على شاطئ البحر ذلك البيت البدوي.
أما الموقف الثاني الذي لا يرفض الثقافة البدوية كمكون من مكونات الثقافة الحداثية،فيتمثل في مقالة عمر الكدي المهمة الموجزة (الزهور البرية).يرتكز تحليل الكدي لمراحل الثقافة الليبية أساسا على علاقة المجتمع الليبي بالمدينة و إرثه البدوي،و أصداء تأثير المدينة على المثقفين الليبيين.و حسب الكدي،فإن علاقة المثقفين الليبيين بالمدينة بدأت في الأربعينيات و الخمسينينات حين (فتحت ليبيا صندوق رمالها،لتعصف به الرياح،رياح التحديث،و رياح المدينة و رياح البادية التي لم تلفظ أنفاسها بالسهولة التي توقعها جيل الستينيات،ذلك الجيل الذي كبت خوفه من المدينة،و حنينه الظامئ إلى قيم تموت أمام عينيه،دون أن يستطيع رفض موتها،لأنه ينحاز إلى قيم الرواد المشرقيين الذين عاشوا في مدن أكثر عراقة و تطورا من مدن الرمال و أفرزت ظواهر اجتماعية،كانت لا تزال تتشكل في ليبيا)ص 185.و حسب الكدي فان الفصام الستيني في موقفه من المدينة أفرزه عاملان أساسيان و هما اختلاط ظاهرة التحديث بالارث البدوي و الانتماء لمدينة مشرقية بتغييب المدينة الليبية التي تفتقر إلى عراقة المدينة المشرقية.أعقب الفصام الستيني فصام السبعينيات إبان التسارع العنيف للتحديث حين كان مصطفى التير منشغلا بأبحاثة الامبريقية عن مسيرة التحديث.تمثل الانفصام السبعين في الانتماء إلى مدينة مستعارة .يقول الكدي موضحا ذلك (و في السبعينيات بدأت محاولات الخروج من أعراض الفصام الستيني،اتسمت بالانحياز الكامل لقيم المدينة،و محاولة رصد البداوة التي تجتاح المدينة،و السخرية منها،و مع ذلك ظهر نوع آخر من الفصام،تمثل في استعارة مدينة أخرى غير واقعية،و لا تمت لمدينة البدو باي صلة،هي أقرب ما تكون لمدينة الصعاليك البرجوازيين،الذين ظهروا في أوروبا،ليهاجموا القيم البرجوازية)ص 185.مرة أخرى نجد أنفسنا إزاء ما يمكن أن نسميه (الاغتراب المديني) الذي يستلف مدينة غائبة يسقطها على المدينة الحاضرة.و ذلك (الاغتراب المديني) هو نتيجة للفرق اشاسع بين المدينة كواقع متجسد فعلي و بين المدينة كفكرة و نموذج لا يوجد إلى في أدمعة المثقفين الليبيين.و ذلك الفرق الشاسع بدأ يتضاءل في الثمانينيات عندما تم اكتشاف الحقيقة الفاجعة:اختلاط التحديث و التمدن بالبداوة!!! يقول الكدي موضح ذلك (في الثمانينيات لتي اتسمت بانفتاح الأصوات المبدعة،بشكل كامل،على كافة التجارب شرقا و غربا،استوعبت المدينة بداوتها،و هي تنوء بحملها،مفسحة المجال لظهور نصوص أكثر قدرة على استيعاب الواقع المشوه،و بدأت المحاولة لتأسيس صوت أكثر محلية من سلفه،و أكثر على التواصل مع المحيط من حوله)ص 185.إنجاز جيل الثمانينيات الأساس لا يتمثل في مضاداة العقل البدوي كليا-كما يرى الموقف الأول-و إنما في ما يسميه الكدي (تشذيب البداوة و الاغتراب)و (تشريح التاريخ بحثا عن مدينة تصلح لتكون سكنا لأجيال أنهكتها الرحلة السريعة من القرون الوسطى).ص 185.إن موقف الكدي من التراث البدوي لا يتمثل في رفضه،إذ ان ذلك الموقف لا يفضي إلا إلى العدم:دفن البداوة و عدم العثور على المدينة!إذن كيف يمكن للثقافة الليبية المعاصرة أن تنتج هوية ثقافية صحيحة و متماسكة في إطار علاقتها بالبداوة و التحديث؟يجيب الكدي على هذا السؤال قائلا (آن الأوان لكي نعيد تأسيس المدينة و مؤسساتها،و لا يكفي أن نكتب الشعر فقط،بل علينا أن نراجع تراثنا،و أن نعيد تقييم تجاربنا،بحثا عن حداثة أقرب إلينا من حداثة مستوردة،لا تتوافق مع موقفنا التاريخي،الذي ما زال على مشارف عصر الأنوار بمفهومه الأوروبي)ص 186.إذن فالتراث البدوي –مُراجَعاً-هو مكون أساسي من مكونات الحداثة المتوافقة مع الخصوصية الثقافية و الحضارية،و هو –أي الكدي_لا يدعو إلى قتل الأب،و إنما إلى محاورته.يتبقى هنالك سؤال مهم و هو :كيف يمكن استيعاب الثقافة البدوية ضمن المشروع الحداثوي المقترح و هي قائمة –حسب الكدي-على التشابه و التكرار الأبدي؟و بطريقة أخرى:ما هو موقع البيت البدوي على شاطئ الحداثة المقترحة؟

Post: #12
Title: Re: بيتٌ بدويٌ على شاطئ البحر-البداوة و التحديث في الخطاب الليبي المعاصر-صورة المدينة
Author: osama elkhawad
Date: 03-19-2011, 05:56 AM
Parent: #11

(6)
الفقية و الكدي:انشطار المثقف
أشرنا في الفقرة السابقة إلى الفصام أو "الاغتراب المديني" الذي يعيشه المثقف الليبي المعاصر.إذن كيف عبَّر المثقف الليبي المعاصر عن الهوة الشاسعة التي تفصل الواقع المديني المثقل بالبداوة عن أحلامه بمدينة أخرى وواقع حضاري حداثي غير متخم بكوابح العقل البدوي و إفرازات الفضاء الصحراوي؟
للإجابة عن هذا السؤال اخترنا نصا للروائي أحمد ابراهيم الفقيه،و نصا شعريا لعمر الكدي،محاولين من خلال القراءة السوسيولوجية لهما إبراز ملامح انشطار المثقف الليبي بين البداوة و التحديث،بين الماضي و الحاضر،بين المدينة الواقعية و المدينة المتخيلة،و كذلك توضيح الأسس التي تفرز ذلك الانشطار و الطريقة التي تم بها حل ذلك الانشطار.

Post: #13
Title: Re: بيتٌ بدويٌ على شاطئ البحر-البداوة و التحديث في الخطاب الليبي المعاصر-صورة المدينة
Author: osama elkhawad
Date: 03-19-2011, 07:58 PM
Parent: #12



"6-أ"
سنبدأ بإيراد نص طويل نسبيا لخليل الإمام بطل ثلاثية الفقيه الروائية يحاكم فيه مدينة طرابلس .يقول خليل الإمام "أخذنا السيارة،و ذهبنا نطوف بها في شوارع طرابلس،بحثا عن لحظة اندماج معها،و رغبة في تجديد الوشائج التي تربطنا بها،و كأننا نريد أن نختبر حكمة الأقدار التي اختارتها لنا،و اختارنتا لها.و لكنها ظلت و برغم صلة الدم التي تربطنا بها،تمنحنا وجها مقفلا لا يعد بأية مسرة.مغلقة بأزمنتها.لم تعد قرية و لم تصبح مدينة بعد.لا هي شرقية و لا هي غربية،لا تنتمي إلى الماضي و لا تنتمي إلى العصر.معلقة بين البحر و الصحراء،و بين زمن مضى و زمن لا يأتي،تعيش مأزقها التاريخي،منذ أن تخلت عن طبيعتها القروية و فشلت في اكتساب طبيعة جديدة.انتهى الزمن القديم بأفراحه البدوية،و حلقاته الشعبية التي تعقد في الأسواق و موالد الأولياء وحفلات ختانه و أعراسه،و تيوته المتداخلة المندمجة في بعضها البعض،و قد اكتظت بسكانها الذين يصنعون لكل مناسبة عيدا.و باغتها زمنن جديد لم تكن مهيأة له،أو راغبة في أساليب حياته العصرية،فرفضت الانتماء إليه،و ظلت معلقة بين ماضيها و حاضرها،و لا تجد شيئا تنتمي له أو ينتمي إليها،تنظر بريبة و خوف إلى العالم الذي يحيط بها.أخذت من العصر الجديد شبكات الطرق الاسفلتية التي تحرقها الشمس،و صناديق العمارات التي تسعفها الريح و تتكدس حولها الأتربة،و يسكنها بشر خرجوا من خباء القبيلة و لا يعرفون التعامل مع جيرانهم إلا بمنطق النظرات المذعورة التي تطل من وجه إنسان مشنوق.ثم ركام هائل من الحديد الذي يقذف به البحر على شواطئها كل يوم في شكل سيارات و مصاعد و مطابخ و مدافع و أسياخ تصنع منها منصات الخطابة.و ما عدا ذلك فقد ظل هذا الحديد شيئا لا تقوى على الاقتراب منه،حتى لو أدركت أن بعضه ضروري لاستكمال شكلها الحضاري،فإن قلبها البدوي يرتعب عندما يأتي ذكر الأندية و المسارح و الملاهي و الحانات و المكتبات وقاعات الرقص و مدن الألعاب و مراجيح الأطفال و دكاكين الورد و جمعيات الرفق بالاطفال و الأشجار و الطيور،و مستشفيات القطط و الكلاب ،كبديل لزهدها البدوي و أفراحها القروية القديمة التي انقرضت يوم أن خرج أهلها يحرقون الأشجار و يستبدلونها بأعمدة الأسمنت،ثم قاموا بمسيرة جماعية لنحر جمالهم و استبدالها بحشرات حديدية يركبها الواحد منهم و كأنه نبي تخلف عن عصره و جاء يركب براقه كي يلحق بهذا العصر.(6،235-237).

الواضح من النص السابق ان خليل الامام كان يبحث عن خيوط تمكنه من الاندماج مع المكان،و هو هنا مدينة طرابلس في شكلها التحديثي.و الواضح أيضا أن هذا الاندماج غائب،و غياب الاندماج هو بالضروة اغتراب.إذن ما سبب ذلك الاغتراب؟
هنالك أسباب كثيرة لذلك،و لكن في رأينا ان أهمها هو نموذج المدينة لدى خليل الإمام،و الذي هو المدينة الاسكتلندية أو الانجليزية،إذ انه عاش فيها حين كان يحضر رسالة الدكتوراة عن العنف و الجنس في الليالي العربية.إذن المدينة الغربية هي المقياس في زاوية الرؤية التي ينظر بها إلى مدينة طرابلس بعد التحديث.و هنالك سبب آخر مهم هو الذاكرة الطفولية،أي أحداث طفولته التي قضاها في طرابلس القديمة قبل التحديث.في محاكمته لطرابلس ينطلق خليل الإمام من ذاكرتين:الذاكرة الغربية و الذاكرة الطفولية.و كما ذكرنا فإن ذاكرة الإمام الغربية تشكلت إبان تحضيره لرسالة الدكتوراة،و ذلك التشكل لم ينفصل أبدا عن محاصرة الذاكرة الطفولية له،و عن محاصرة الغرب له بصفة البداوة.تلك المحاصرة بالبداوة نستشفها من أسئلة ليندا له:"ما الذي فعلته بنفسك أيها البدوي؟"(5،29)، "ما رأيك أيها البدوي؟"(5،49)،"ما هذا الذي تفعله أيها البدوي؟"(5،12(.و كان الإمام مقتنعا بصفة البداوة،إذ يقول معلقا على السؤال الأخير"لم يزعجني السؤال"(5،12).و هذا الإقتناع يبدو أكثر وضوحا في تعريفه لنفسه.فقد قال مرة لساندرا"سبق أن أخبرتك بطبيعتي البدوية التي ترفض الإقامة في مكان واحد"(5،143).إذن كان الإمام يعي جيدا أنه بدوي،و يعي أكثر ان لقاءه مع الآخر أي الغرب هو لقاء مع الذاكرة الطفولية،لقاء عنيف مع الأنا،و اكتشاف لقوة البدوي في ذاته.يقول عن رحلته للندن انها كانت مناسبة "لأن أتعرف على هذا البدوي،الذي يحمل ميراث مجتمع ظل لعصور طويلة يخبئ النساء داخل عباءة ثقيلة من التقاليد و القيم المستعارة من عصور الحريم و السلاطين،باعتبارهن مخلوقات هشة ضعيفة،يؤذيها ضوء الشمس،و أفتش عما تبقى من هذا الميراث في وعي و لاوعي الرجل الذي خلع أرديته البدوية،و تخلى عن خيمته،و شياهه،و ناقته،و اكترى مقعدا في طائرة تحط به في أكثر مناطق العالم تحررا،و انعتاقا من سطوة القرون الوسطى"(5،41). في تقديرنا ان ذلك اللقاء مع الآخر،مع الأنا البدوية،ساهم في تشكيل رؤية الإمام لمدينة طرابلس.و من هنا كانت تلك الرؤية واقعة بين ضغط و مقاييس ذاكرتين:الذاكرة الطفولية و الذاكرة الغربية.و لذلك اتخذت طرابلس ذلك "الوضع البيني" في رؤية الإمام لها.فطرابلس عديمة الهوية ترفض الإنحياز إلى إحدى الداكرتين،و لذلك تعيش ما أسماه الإمام "مأزقها التاريخي"،فهي موزعة بينهما،و هي يبينية الموقع:بين الزمن البدوي و الزمن المعاصر،بين الماضي والحاضر،بين الصحراء و البحر،بين القرية و المدينة،بين البداوة و التحديث.فهي قد دفنت الزمن البدوي القديم"الذاكرة الطفولية"،و لم تعثر على الزمن الحداثي "الذاكرة الغربية".إن علاقتها بالحاضر و الحداثة لا تعدو أن تكون علاقة مادية صرفة، و ترتبط بالمظاهر الخارجية "شبكات الطرق،العمارات الحديدية،السيارات،المصاعد،المطابخ..إلخ.

إن ما جرى من تحديث في طرابلس مظهري و شكلي،و هو في جوهره يشكل فقط عملية استبدال "مثلا استبدال الجمال بالسيارات"،و في عملية الاستبدال تلك ظل الجوهر البدوي هو الأساس،هو المسيطر،و هذا ما يسميه الإمام "القلب البدوي".ذلك الجوهر البدوي يتجسد أيما تجسيد في نموذج المواطنين الذين سكنوا طرابلس الحديثة.فتلك السكنى لم تكن إلا ترييفا للمدينة،إذ انتقلت الذهنية البدوية إلى المدينة،و عاش سكان المدينة بعقلية القبيلة مما أدى إلى تشويه الطابع الحداثي للمدينة.يتحدث الإمام في مكان آخر عن "مجتمعات القبائل الصحراوية التي جاءت تسكن المدن،و تصنع شكلا مشوها للعلاقات التي تحكمها قوانين الفضاء الصحراوي،بينما هي تحيا داخل مكعبات الاسمنت"(5،41).ذلك التشوية هو نتاج ما ذكرناه عن تسارع وتيرة التحديث بحيث لم تتح الفرصة الكافية لتكوين سلوك اجتماعي مديني.
حسب الإمام فان افتقار التحديث إلى جوهره،يتجلى في عدم استكمال الشكل الحضاري.و في ذلك يرجع الإمام إلى ذاكرته الغربية.فهو يرى أن مدينة طرابلس تعادي الجديد بافتقارها إلى "الأندية و المسارح و الملاهي..إلخ و غيرها من العلامات التي تميز المدينة الغربية.إن الراوي يدين أيضا الطريقة التي تم بها التحديث منطلقا من رؤية بيئية مثل تلك التي لاحظناها عند معمر القذافي.فإقامة التحديث تأسست على التضحية بمظاهر الطبيعة،ذلك ان إقامة العمارات تمت على حساب الأشجار.و يوضح تلك الإدانة في مكان آخر حين يتحدث عن المدينة التي تقتل العصافير و تخنق الأشجار و تحيل الورود إلى بيوت للشاحنات (6،248).

‘ن قمة الأشارة إلى شكلية و خواء التحديث،وردت في حديث الراوي عن تعامل أهل المدينة مع وسيلة من وسائل التكنلوجيا و هي السيارات،يقول معتذرا عن سناء "أعتذر لها ملقيا اللوم على هؤلاء الرجال الذين صارت السيارات وسيلتهم الوحيدة للتنفيس عن لحظات الغضب و التوتر و الكبت الجنسي و القهر الاجتماعي و الاختيارات المفروضة و قبح الحياة في مدينة خاوية مثل صدف حيوان بحري ميت،ملقاة فوق رؤوسها على شاطئ البحر"6،237).

إن الإمام –كما رأينا-يدين تجربة التحديث التي مرت بها طرابلس و يرفضها جملة و تفصيلا،مما جعله منشطر الذات بين أزمنة متداخلة متناقضة و هو يعيش بينها معلقا-كما مدينة طرابلس-مما أدى إلى إصابته بالعلل.إذن كيف واجه الإمام انشطار الذات و تناقضاتها؟ إن حل الإمام تحقق عبر القبول مبدينة طرابلس بوضعتها البينية التي أوضحناها.يقبل الإمام تلك الوضعية "متصالحا مع صناديق الأسمنت،و طرقات الأسفلت،و أكداس القمامة المبتهجة،و أرتال الشاحنات التي تلوِّن الأفق بدخانها الجميل،متواصلا مع الرجل الآخر الذي كان خصامي معه سبب ابتلائي بالعلل و انشطار الذات" (6،257).
يبدو حل الأنشطار –عند الإمام-مقترنا بقبول الواقع الردئ و التصالح مع التحديث المشوه و إفرازاته.يتحقق ذلك في القاء سلاح الرفض و النقد و الاحتجاج،و القبول بالقهر و العنف،و الرضى بما يسميه الإمام "الزمن الثالث" أي "زمن السقوط و الفخاخ و الأقنعة و الطحالب،زمن الرعب الجميل ،الجميل، الجميل" (6،258).

Post: #14
Title: Re: بيتٌ بدويٌ على شاطئ البحر-البداوة و التحديث في الخطاب الليبي المعاصر-صورة المدينة
Author: عبدالله الشقليني
Date: 03-20-2011, 10:12 PM
Parent: #13



إلى الكاتب الشاعر والناقد : أسامة الخواض
تحية محبة وود كثير لك وللتي تقتسم معك الظل ...


كاتب وشاعر وناقد تآلفنا معه في ركن قصي من السماء العجلى بالخطوب ،
وكانت رفقته محبة رائدها بنان رصين الكلام ، رقيق الحاشية وموضوعي وخلاق في حداثة الكتابة
.....
ليس لنا الآن منذ الوهلة الأولى إلا أن نحني القُبعة الثقافية التي نأمل أنا حملنا بعضها
أن تنحني تجلة لكاتب جمّل القراءة هنا في المدونة ..

لقد رفعت سيدي سقف القراءة


وسنعود من بعد أن يترك لنا الدهر فسحةً لنخرج من خيمة الأسى .


.

Post: #15
Title: Re: بيتٌ بدويٌ على شاطئ البحر-البداوة و التحديث في الخطاب الليبي المعاصر-صورة المدينة
Author: osama elkhawad
Date: 03-20-2011, 10:42 PM
Parent: #14

عزيزي وصديقي الكاتب التشكيلي الشقليني
اثلجت كلماتك البديعة المبهجة صدر الكتابة عندي،
خاصة عبارتك الجبّارة:
Quote: لقد رفعت سيدي سقف القراءة


و أهدي لك فيديو لقاء مع احمد ابراهيم الفقيه وفيه يحكي تجربته مع القصة القصيرة و الرواية و المسرح و العمل الاكاديمي،كما يركز على مسالة المدن،ووضعية طرابلس الليبية و المدينة الغربية:


Post: #16
Title: Re: بيتٌ بدويٌ على شاطئ البحر-البداوة و التحديث في الخطاب الليبي المعاصر-صورة المدينة
Author: osama elkhawad
Date: 03-21-2011, 05:41 PM
Parent: #15

كنا قد تحدثنا عن انشطار المثقف الليبي المعاصر بين البداوة و التحديث من خلال نموذج خليل الإمام في ثلاثية الفقيه. و سنعود لمقاربة ذلك الانشطار من خلال نص عمر الكدي الشعري "بلاد تحبها و تزدريك" و عمر الكدي هو صديق ليبي تعرفت عليه بواسطة عبد اللطيف علي الفكي. و قد اختار معارضة النظام الليبي فهاجر إلى منفاه في هولندا.و هو يعمل الآن في إذاعة هولندا العالمية –القسم العربي.و قد اطلع على هذه الدراسة،و أشار إلى إنها ستكون كاملة الشمول لموضوعها إذا ما أدرجنا نصا قصصيا عن البداوة لإبراهيم الكوني.و قد كنت مشغولا بالسفر إلى اليمن،و لم أتمكن من العثور على نص الكوني القصصي.
و أدناه نص الكدي الشعري "بلاد تحبها و تزدريك" بصوته.

و هنا النص الشعري :
بلاد تحبها وتزدريك
عــمر الــكدي

________________________________________
ليبيا بدويةٌ شرسةْ
تحب حين تحب من تشاءْ
وتكره حين تكره من تشاءْ
تسقي العابرين القاحلين،
بدلوٍ من أجاجٍ وغناءْ
وتستسلم لمن يطوقها بالقوافي
وينفذ إلى قلبها على صهوة الخيالْ

ليبيا فرس جامحة
لا يمتطيها إلا من يركب الريح،
بلا سرجٍ ولا لجامْ

ليبيا نخلةٌ سامقة
لا تمنح عراجينها،
إلا لمن يعبر الأشواك
وتذبح كفيه الحبالْ
أنثى بشهوة محمومة
يمر فوقها السحاب بارداً
لاشيء يدركه البللْ
سوى نهديها المتباعدين
وهذا العنق الهارب نحو البحر
مثل حصان مجنونْ

ليبيا زيتونة وارفةْ
زيتها يرطب الجوع
ويُضحك الظلامْ


أحبها مثلما أحب
هذا الوجه الذي
يقابلني دائماً في المرايا
مقطباً وتائهاً
الذي يُفزع بصليله
قطعان هدوئي وعصافير أحلاميْ
الذي يغيظني ويهزأُ بي
ويفضح حين أخفي
خلجاتي الدقيقة الضامرة
الذي عادة ما يثقب
البالونات في سماء غروري
وينبش في حدائق زهوي
قبر أسراريْ


أحبها مثلما أحب اسمي
الطالع من فيافيها عشبة بريةْ
الناتئ من صخرها مكشراً
مثل وجه ذئب
وأكرهها مثلما أكره عاداتي السمجة
وهذا التطاول الأحمق
على العقل والألم

دليني كيف نتـفق
أيتها الأنثى المكابرة؟
وأرفقي بحبي المبصر
وقدري الكفيف

دليني كيف أبثك
حنيني النخيل ؟

وكيف أتماسك في حضرتك
بوجداني المشطور؟
أرحل هارباً منك
وكأنني أهرب من هواجسي


يا ليبيا أين المفر
وأنت نافورة القلب
التي منها يرتوي
أرحل هاربا منك
وأعود إليك مثلما يعود
الظل إلى غصنه

ليبيا لوزة في الخريف
أزهارها عوانس الربيع
دائماً يباغتها المطر عارية
تهزها الريح عارية
واللوزة العارية لا تصلح
للأعشاش والطيور

أشتُمها مثلما أشتم
حظي الأحمق
أسبها مثلما أسب عاهتي المستديمة
وأترفق بها مثلما أترفق
بعجوز تعبر الطريق

لاشيء في البال أهبه لك
سوى كياني المهشم
وقلبي الواسع الوثير

دليني كيف أحبك أكثر؟
وكيف أروُّض هذا الدلال الفج ؟
وكيف لا أدوس ارتباكي في الشارع المزدحم ؟
وأنت تتأبطين ذراعي
مثل امرأة عارية أو شديدة التحجب

تمهلي قليلا ً
ودعيني أنظر في عينيك
لعلني أصطاد فيهما تهربك الأملس
وأوهامك الخشنة

ليبيا طعنتي المؤجلة
وقدري الأخيرْ
من أجلك نموت كل يوم
نلد الأطفال كل يوم
نطلق النار والأبواق كل الخميس
ونغسل يوم الجمعة كل شيء

من أجلك نحتمل ألقابنا المتوحشة
ونحمل هذه الملامح المرة المشاغبة
من أجلك تصعد ابتهالاتنا
في سمائك الزرقاء
لتحجبها الغيوم

من أجلك نسطو عليك
ومن أجلك نموت

أحبك ببساطة قاحلة
لا تنبت الغيرةْ
أحبك بلا ابتذال
وكأنني آدم وكأنك حواء
أحب أطفالك الأشقياء
حين يصفعونني
حين يعضون أصابعي
حين يخدشون وجهي
وحين ينعتونني بالحمارْ

أحب فتياتك الصاخبات صباحاً
الهامدات في المساء
من أجلهن تنبض أسلاك الهواتف
وتنام السماعات الهامسة
على الوسائد البكماءْ
أحب نساءك المقهورات
اللواتي يروضن الرجال بالصبر والأولاد
الأميات اللواتي شققن دروبك
بحثاً عن الحطب
وحفرن صخورك بحثاً عن الماءْ
المتعلمات الهاربات من بياض اللحاف
لسواد الحجابْ


وأحب العانسات
كيف تذبل العيون ضاحكة
خلف تجهم الأبواب ؟
كيف ينضج الخوخ ثم يتغضن
تحت الثياب ؟
وكيف تعيش نخلة لم تهزها الريح
لم يستيقظ على عراجينها الندى؟

أحب رجالك المتكبرين
في حضرة النساء السافرات
الذين تزوجوا كيفما أتفق
الذين يندبون في الحانات الغريبة
أيامهم القاحلة
الذين يصطحبون زوجاتهم
في الكراسي الخلفيةْ
ويصطحبون العاهرات
في الكراسي المجاورة

أحب شبابك الضائعين
الواقفين أبداً عند مفترق الطرقات
الصاخبين الضاجين الضاحكين
الغاضبين دون سبب
المتبرمين بكل شيء
الذين يبيعونني خمر المساء
في الأزقة المظلمة.ْ

الذين يدخنون الحشيش
ويراقبون شوارعك من خلف النظارات القاتمة
وفي السيارات البطيئة المسالمةْ
شبابك المتشنجين المتزمتين
الذين يؤمنون بالعنز حين تطير
الذين ينخرهم الفراغ
وتطردهم شيخوخة مبكرةْ

أحب شيوخك الطيبين المتصلبين
الذين يعرفونك أكثر مما يجب
لذلك لم يقلموا الهواجس
ولم ينسوا كفيك القاحلتينْ

أحب هذه الشوارع القذرة
التي نبتت على جانبيها الحكاياتْ
غاصت في جدرانها أصابع الطفولة
وتسلقتها الذكرياتْ

أحب أصدقائي الرائعين
الذين يهدهدون وحدتي
نتعاطى السخرية والشعر
ونتساند حتى لا نقعْ
أحب أقاربي البسطاء
الذين تؤرقهم عزوبتي
ويصافحون مزاجي الأعسر
بتسامح أيمنْ


أحبك بسادية متعبة
وألعنك في اليوم ألف مرة
ألعنك وأنا أنفذ إلى
قهوة الصباح بمشقة بالغة
وألعنك وأنت تـندسين
بيني وبين وسادتيْ


أحبك هكذا لأنني ضميرك المشاغب
الذي يزعجك حيث ينفض تبلده
ويقرِّعك مثل طفلة تبول في فراشها

لا شيء في البال أهبه لك
سوى عمري المبدد
الذي لم أحبه كما ينبغي،
ولم أفصله كما أشتهي

Post: #17
Title: Re: بيتٌ بدويٌ على شاطئ البحر-البداوة و التحديث في الخطاب الليبي المعاصر-صورة المدينة
Author: osama elkhawad
Date: 03-23-2011, 03:20 PM
Parent: #16


ينقسم الجزء السادس من الدراسة إلى قسمين عن انشطار المثقف الليبي.و قد ناقشنا في االقسم الأول نموذج خليل الإمام في ثلاثية الفقيه.و الآن مع الجزء الثاني.


6-ب
نص الكدي الشعري الذي اخترنا يحمل عنوان "بلاد تحبها و تزدريك"(4-ب). و إذا كان الكدي –كما رأينا-قد نظَّر لإشكالية البداوة و التحديث،و أرّخ لمراحل تطور موقف المثقف الليبي من المدينة الليبية،فإنه على المستوى الشعري يبرز وعي جيل الثمانينيات بتلك الإشكالية أي قدرة ذلك الجيل على ما أسماه "استيعاب الواقع المشوّه"،و مواجهة حالة "الفصام و الإعتراب المديني".
هذا النص الشعري يجسِّد روح مشروع الكدي الشعري الإبداعي الذي يبدو-كما يرى أبوشناف-متميزا "في اهتمامه بالبيئة الليبية و تصويره الإنطباعي"، "2-ب-9).و قبل أن نقرأ هذا النص،بحب أن ننبه إلى حقيقة مهمة،و هي ان النص الشعري –خاصة الحداثي-لا يكشف عن بنياته الدلالية بوضوح-كما في بعض أنواع الخطاب الروائي-و من ضمنها ما حللناه من نصوص الفقيه الروائية.إن ذلك لا ينفي علاقة الشعر بالمجتمع و ثقافته.فالشعر ليس مجرد لعب بالكلمات-كما يرى البعض-ز لكنه مزدوج في علاقته بالمجتمع و اللغة.يقول يوري لوتمان موضحا ذلك الإزدواج "إن الهدف من الشعر،بالطبع، ليس الصور ،بل معرفة العالم و العلاقات التي تربط بين الناس،و معرفة الذات و تطور الشخصية الإنسانية في عملية التقدم و الإنفصال الاجتماعي.و في النتيجة النهائية يتفق مطلب الشعر مع مطلب الثقافة ككل.غير ان الشعر يحقق هذا المطلب بصورة نوعية،و يستحيل فهم طبيعته الخاصة،إذا تجاهل المرء آليته و بنيته الداخلية،و لا تتكشّف هذه الآلية إلا حينما تدخل في صراع مع الضبط الذاتي للغة (4،108).إذن فتحليلنا و قراءتنا لهذا النص،يهدفان إلى ربطه بثقافة المجتمع الليبي.
هذا النص-في مجمله-قصيدة حب متوتر للوطن،و تحتوي على عدة محاور تدور كلها حول الفضاء المسمَّى الوطن،و علاقة ضمير المتكلم-و ليس الكاتب طبعا-بوطنه ليبيا.إن مفهوم الوطن-في هذا النص-لا يتطابق مع المفهوم المثالي الذي ينظر إلى الوطن ككيان فانتازي خالٍ من العيوب و النقائص.مفهوم الوطن-أي ليبيا-يقبع في المسافة بين الحب و الإزدراء-كما يقول عنوان النص-بين اللعنة و الشتم و الكراهية،و الحب و العشق الفيَّاضين،يمتزج فيه الخارج "الوطن" بالداخل "أنا المتكلم".
يتكون هذا النص من خمسة مكونات أساسية،و هي بحسب تواترها في النص يمكن تلخيصها كما يلي:
1-وصف ليبيا.
2-وصف علاقة ضمير المتكلم المتوترة بليبيا.
3-وصف ما فعله أهل ليبيا من أجل وطنهم.
4-تجليّات حب ضمير المتكلم لوطنه من خلال علاقاته بالعلامات الآتية:
أ-الأطفال.
ب-المرأة التي يمكن تقسيمها إلى هذه العلامات الفرعية:
1-الفتيات.
2-النساء المقهورات و الأميات "الأمهات".
3-المتعلمات.
4-العانسات.
ج-الرجال.
د-الشباب.
ه-الشيوخ.
و-الشوارع القذرة.
ز-الأصدقاء.
س-الأقارب.
5-التعبير المزدوج عن الحب و اللعنة في موقف صمير المتكلم من وطنه.
بالطبع لن نقوم بتحليل مستوف ٍ لتلك المكونات،إذ اننا سنركز على رصد تمظهرات إشكالية البداوة و التحديث في ذلك النص،و كيف عبَّر النص عن انشطار المثقف الليبي بين البداوة و التحديث.
يبدأ النص بإقرار حقيقة تنبني عليها كل مكونات النص،حين يقول:
Quote: "ليبيا بدوية شرسة
تحب حين تحب من تشاء
و تكره حين تكره من تشاء"

فإقرار الطبيعة البدوية الشرسة لليبيا،يعتبر النقطة التي تبدأ منها نظرة ضمير المتكلم لوطنه.إن تلك النظرة تأتي من إنسان في أواخر القرن العشرين و منفتح على العالم،و تنبني من خلال البنيتين الأساسيتين اللتين تحكمان النص،و هما الحب و الإزدراء.يوضح ذلك النص:
Quote: "أحبها مثلما أحب هذا الوجه الذي يقابلني دائما في المرايا
مقطبا و هادئا
الذي يفرع بصليله
قطعان هدوئي و عصافير أحلامي
الذي يغيظني و يهزأ بي
و يفضح حين أخفي
خلجاتي الدقيقة الضامرة
الذي عادة ما يثقب البالونات في سماء غروري
و ينبش في حدائق زهوي
قبر أسراري"

في هذا المقطع نرى أن علاقة ضمير المتكلم بوطنه تتراوح بين الثنائيات الضدِّية الآتية:
الهدوء و الفزع،الإخفاء و الفضح،الانتفاخ و الانفلاش،و هنا تتم مضاداة المفهوم المثالي للوطن،و يبدو أن الموقف من الوطن مزيج من الرضاء و الرفض، من القبول و النبذ.و يتضح هذا الموقف أكثر في المقطع التالي:
Quote: "و أكرهها مثلما أكره عاداتي السمجة
و هذا التطاول الأحمق على العقل و الألم،
دلِّيني كيف نتفق
أيتها الأنثى المكابرة
و ارفقي بحبي المبصر
و قدري الكفيف
دلِّيني كيف أبثك حنيني النحيل
و كيف أتماسك في حضرتك
بوجداني المشطور
"
مرة أخرى نواجه بثنائية ضدية تلف موقف ضمير المتكلم من وطنه،و هذه الثنائية الضدية هي الإبصار\العمى.فالحب المبصر يعني ذلك الموقف من الوطن الذي يربطه بالإشارة إلى و تلمّس سلبيات و مآخذ الوطن.أما القدر الكفيف فإشارة إلى الواقع السيئ الذي يلف مصير ضمير المتكلم.القدر الكفيف هو "الخارج" الردئ الذي يكونِّ "الداخل" أي الذات،و ذلك ما أسماه النص "الوجدان المشطور".أي ذلك الوجدان المنقسم بين الخارج و الداخل،بين الحب و الكراهية،بين البداوة و التحديث.و لكن كيف يجسِّد النص الإنقسام الأخير أي بين البداوة و التحديث؟إنه يتجسَّد في نقد البداوة و إفرازات الثقافة البدوية.ذلك النقد يتجلَّى في الآتي:
1-الألقاب المتوحِّشة.
2-الملامح المرَّة المشاغبة.
يقول النص موضِّحا ما ذكرناه آنفا:
Quote: "من أجلك نحتمل ألقابنا المتوحشة
و نحمل هذه الملامح المرَّة المشاغبة"

و لقد ارتبطت البداوة دوما –كما عند ابن خلدون-بالغلظة و الخشونة و الصرامة.و نواتج الفضاء البدوي مثل الألقاب و الملامح تحمل تلك الصفات المميِّزة للبداوة.
3-الموقف من المرأة:
و يعبِّر عن ذلك النص قائلا:
Quote: "أحب فتياتك الصاخبات صباحاً الهامدات في المساء
من أجلهنَّ تنبض أسلاك الهواتف،
و تنام السمَّاعات الهامسة،
على الوسائد البكماء
أحب نساءك المقهورات
اللواتي يروضن الرجال بالصبر و الأولاد
الأميَّات اللواتي شققن دروبك بحثا عن الحطب
حفرن صخورك بحثا عن الماء،
المتعلمات الهاربات من بياض اللحاف لسواد الحجاب
و أحب العانسات
كيف تذبل العيون ضاحكة خلف تجهم الأبواب؟
كيف ينضج الخوخ و يتغضن تحت الثياب؟
و كيف تعيش نخلة لم تهزها الريح
و لم يستيقظ على عراجينها الندى؟"

يصوِّر المقطع الشعري وضع المرأة الليبية بشرائحها المختلفة.و ذلك الوضع يتراوح بين الصخب و الهمود،الهمس و البكم،الضحك و التجهّم،السفور و الحجاب،و النضج و التغضّن.إنه يصوِّر وضعية القهر التي تعيشها المرأة الليبية.صحيح ان هذه الوضعية لا تميِّز المرأة الليبية البدوية فقط،إذ ان "المرأة بصفة عامة سواء في المدينة أو القرية مواطنة من الدرجة الثانية" (2،113).
و صحيح أيضا ان مشاركة المرأة الليبية البدوية في النشاطات الإقتصادية و الإجتماعية للرجل أكثر من نظيرتها في المدينة.إلا ان الوضعية الكلية لقهر المرأة تنبع في رأينا من "ميراث ظلّ لعصور طويلة يخبئ النساء داخل عباءة ثقيلة من التقاليد و القيم المستعارة من عصور الحريم و السلاطين،باعتبارهنّ مخلوقات هشَّة،يؤذيها ضوء الشمس(5،41).ثم يتوغل النص الشعري في عالم المدينة محاولا رسم صورة للمدينة الليبية المعاصرة.يتضَّح ذلك من خلال الآتي:
1-صورة الشباب المديني:
يعبِّر النص الشعري عن ذلك في المقطع التالي:
Quote: "أحب شبابك الضائعين
الواقفين أبدا عند مفترق الطرق
الصاخبين الضاجين الضاحكين
الغاضبين دون سبب
المتبرمين بكل شيئ
الذين يبيعونني خمر المساء
في الأزقة المظلمة
الذين يدخنون الحشيش
و يراقبون شوارعك من خلف النظّارات القاتمة
و في السيارات البطيئة المسالمة
شبابك المتشنجين المتزمتين
الذين يؤمنون بالعنز حين تطير
الذين ينخرهم الفراغ
و تطردهم شيخوخة مبكرة"

صورة الشباب المديني الضائع-في هذا المقطع-مستمدة من المدينة،لإذ ان الأزقة المظلمة و بيع الخمر و تعاكي الحشيش هي من علامات المدينة و الحياة المدينية.أما الإشارة إلى الفراغ الرهيب المميت و الوقوف على الطرقات،فإنها تكشف غياب مؤسسات التثقيف و الترفيه.و هذا الغياب-كما رأينا سلفا-هو من خصائص المدينة الليبية الحديثة كما تشير إلى ذلك دراسات مصطفى التير السوسيولوجية.كما يرمي المقطع الشعري في حديثه عن إيمان الشباب الليبي المديني بطيران العنز،إلى توضيح اختلاط التمدن بالبداوة من خلال الوقوع في إسار التزمت كسمة من سمات العقل البدوي.
2-سلطة السفور و إزدواجية السلوك تجاه المرأة:
يصوِّر النص الشعري هاتين الموضوعتين في المقطع التالي:
Quote: "أحب رجالك المرتبكين في حضرة النساء السافرات الذين تزوجوا كيفما اتفق
الذين يندبون في الحانات الغريبة أيامهم القاحلة
الذين يصطحبون زوجاتهم في الكراسي الخلفية
و يصطحبون العاهرات في الكراسي المجاورة"

يعكس هذا النص سلطة السفور في نفوس رجال المدينة الليبية،و يوضح نفسية الرجل المديني في مواجهة المرأة السافرة.الارتباك الذي يصيب الرجل المديني ليس ارتباكا نفسيا فقط،و إنما هو ارتباك في علاقته بالنموذج الثقافي القديم في المدينة الليبية الذي يقوم على الحجاب.ينقِّب التير في التاريخ الإجتماعي الليبي في علاقته بالمرأة ليشير إلى "ان حياة المدن ارتبطت بظاهرة الحجاب في ليبيا" (2،98). و يتجاور مع ذلك الارتباط،ازدواج في السلوك الذكوري المديني تجاه المرأة في السيارة كنمط من أنماط السلوك الإجتماعي للرجل.فالمرأة-العاهرة،بمركزها الإجتماعي المتدني،تتمتع بموقع المجاورة، أما الرأة-الزوجة ،بمركزها الإجتماعي الرتفع،فتتمتع بموقع متدنٍ-الوراء أو الخلف.
ثنائية الجوار و الوراء تعكس نمطين سلوكين مختلفين،النمط السلوكي المديني و النمط السلوكي البدوي.و مرة أخرى نجد أنفسنا في مواجهة اختلاط التحديث بالبداوة.تبقَّى لنا-في علاقتنا بالنص الشعري-سؤال رئييس،و هو : من الذي يتحدث في هذا النص؟في رأينا ان ضمير المتكلم يعكس رؤية المثقف المبدع الليبي.و دليلنا على ذلك قول ضمير المتكلم عن أصدقائه:
Quote: "أحب أصدقائي الرائعين
الذين يهدهدون وحدتي
نتعاطى السخرية و الشعر
و نتساند حتى لا نقع"

الإشارة إلى السخرية و الشعر و الإحساس بالوحشة و الإنعزال،هي إشارة إلى فئة المثقفين المبدعين الذين يتسبّب وعيهم النقدي الحاد بالعالم و الواقع،في وقوعهم في إسار الوحدة و عذابات الوجدان المشطور. لكن ضمير المتكلم-هنا-يحاول مواجهة وجدانه المشطور،و تخطِّي حالة الفصام و الإغتراب المديني،كما يتبدّى في المقطع التالي:
أحبك هكذا لأنني ضميرك المشاغب
الذي يزعجك حين ينفض تبلّده
و يقرِّعك مثل طفلة تبول في فراشها"
تجاوز الانفضام –هنا- يتمثَّل في مواجهة الواقع،و الإعتراف برداءته،و ذلك بتبني الضمير المشاغب الذي هو حالة مناقضة لواقع التبلّد.إن مواجهة الإنشطار-على العكس من هروبية خليل الإمام=تتم بمضاداة الركود و الواقع المشوَّه.استراتيجية المواجهة –هنا-لا تقترح الاندغام و التماثل مع الواقع المنشطر،بل تقترح التمرد و الرفض،و قول الواقع كما يتجلّى في حقيقته.استراتيجية المواجهنة هناا تتقمَّص المشاغبة،لكن تلك المشاغبة تتم في فضاء أبوي أليف حنون،و من هنا عظمة هذا النص الشعري الجميل.

Post: #18
Title: Re: بيتٌ بدويٌ على شاطئ البحر-البداوة و التحديث في الخطاب الليبي المعاصر-صورة المدينة
Author: osama elkhawad
Date: 03-24-2011, 06:47 AM
Parent: #17

(7)
النصوص التي قاربناها-على اختلافها-تهجس ب و تحاور الموقف الخلدوني القديم من البداوة و التحضر.و هو موقف لا يقتصر فقط على الثقافة الليبية العاصرة،و لكنه يشمل الثقافة العربية المعاصرة عموما.و نضرب مثالا مشرقيا لذلك،و الذي نجده في موقف بطل "الزمن الموحش" الدمشقي حين يقول"نظريا كنت أتصور أشياء غامضة عن المدن المركزية،حيث العالم يجيش بالعظمة و المعاناة و الفهم الخلّاق.و عمليا كان الريفي المقيم فيَّ،يبدو في وفوده على دمشق مذعورا،صغيرا،لا يعرف بعد كيف يعوم" (3،23).
تحاكم تلك النصوص تجربة التحديث الليبية،و تقوم بمراجعتها من الأساس.و هي –في الغالب-تعكس نوعا من عدم الشعور بالرضاء عن آثار التحديث و الطريقة التي تمت بها تلك التجربة.و كلها تتفق في الآتي:
1-الانتقاد الحاد للآثار السلبية تتحديث "تدمير البيئة،الجريمة،غياب الترابط الإجتماعي،تدهور و غياب المؤسسات المدينية الحديثة..إلخ".
2-استناد تجربة التحديث على أساس مادي فقط،و غياب تغيير ثقافي يفرز بنية فوقية حداثية تتقاطع مع التحديث المادي.
3-النمو السريع للمدينة الليبية مما أدى إلى إضفاء الطابع الهجين عليها.أدى ذلك الطابع الهجين إلى بروز نقد حاد للبداوة و العقل البدوي،و في نفس الوقت قاد ذلك إلى إحداث انفصام في موقف المثقف الليبي من المدينة الليبية الحديثة. و تمّ اتباع استراتيجيتين في مواجهة ذلك الفصام:استراتيجية الاندغام و الهروب،و استراتيجية التمرد و المشاغبة.
نلاحظ نزوعا نحو التمسك بالمدينة كخلاص نهائي،يتمثل في نقد ما أسماه الكدي "بدونة المدينة،و الدعوة إلى أن المدينة "هي نهاية المطاف"و بدونها سوف نعود إلى المتاهة الصحراوية فاقدين الارتباط بالمكان و الزمان" (1-ب،8). ذلك الموقف-المنحاز إلى المدينة-في أحد أوجهه-يصم الثقافة البدوية بالبساطة مما يردي-منطقيا-إلى استبعادها من مكونات الثقافة المستقبلية.و لكن يبقى سؤال هام:على أية مرجعية ثقافية ستستند تجربة التحديث المقترحة؟و ما هو موقع البيت البدوي-الآن و مستقبلا-على شاطئ البحر؟
و هذا –في رأينا-سيكون السؤال الرئيس الذي ستواجهه –و لزمن طويل-الثقافة الليبية.

المراجع

اكتفينا في إيراد الاستشهادات بكتابة رقم المصدر في ثبت المراجع،متبعين ذلك برقم الصفحة،و حين يكون المصدر معروفا في السياق،نكتفي بكتابة رقم الصفحة.
أولا: الكتب:
1-التير،مصطفى عمر،الوجه الآخر للسلوك،قراءات في مظاهر الانحراف الاجتماعي،الطبعة الأولى،معهد الإنماء العربي،بيروت،1992.
2-التير،مصطفى عمر،تحديث المجتمع الليبي:مواءمة بين القديم و الجديد،الطبعة الأولى ،معهد الإنماء العربي و الهيئة القومية للبحث العلمي،بيروت،1992.
3-حيدر،حيدر،الزمن الموحش،الطبعة الرابعة،دار أمواج،بيروت،1992.
4-شولز،روبرت،و آخرون،في اللغة و الخطاب الأدبي،ترجمة و اختيار سعيد الغانمي،الطبعة الأولى،المركز الثقافي العربي،بيروت-الدار البيضاء،1993.
5-الفقيه،أحمد ابراهيم،سأهبك مدينة أخرى،الطبعة الأولى،رياض نجيب الريس للكتب و النشر،لندن-قبرص،1991.
6-الفقيه،أحمد ابراهيم،نفق تضيئه امرأة واحدة،الطبعة الأولى،رياض نجيب الريس،لندن-قبرص،1991.
7-قادربوه،عبد السلام إبراهيم،مقاعد أصحاب الصوب،الطبعة الأولى،المنشأة العامة للنشر و التوزيع و الإعلان،1985.
8-القذافي،معمر،القرية القرية ..الأرض الأرض و انتحار رائد الفضاء و قصص أخرى،الطبعة الأولى،الدار الجماهيرية للنشر و التوزيع و الإعلان،1993.
9-القذافي،معمر،الكتاب الأخضر،الطبعة العاشرة،يناير 1984.
ثانيا: المجلات و الصحف:
(1-ب) صحيفة الشمس،العدد 368،طرابلس،27\10\1994.
(2-ب)مجلة الفصول الأربعة،المشهد الشعري الليبي (1970-1990)،عدد خاص ،بدون رقم و بدون تاريخ.
(3-ب) مجلة "لا"،العدد 34،طرابلس،التمور-اكتوبر 1993.
(4-ب) مجلة "لا"، العدد 24،طرالس،الكانون-ديسمبر 1992.

Post: #19
Title: Re: بيتٌ بدويٌ على شاطئ البحر-البداوة و التحديث في الخطاب الليبي المعاصر-صورة المدينة
Author: عزالدين عباس الفحل
Date: 03-24-2011, 09:05 AM
Parent: #18

قريبي اسامة الخواض

حياك الله


كم أشتاق اليك ،
متابع معك ،،،
واصل ،
ايها العبقري ،،،





عزالدين عباس الفحل
ابوظبي

Post: #20
Title: Re: بيتٌ بدويٌ على شاطئ البحر-البداوة و التحديث في الخطاب الليبي المعاصر-صورة المدينة
Author: osama elkhawad
Date: 03-24-2011, 07:39 PM
Parent: #19

العزيز عز الدين عباس الفحل
خالص التحايا
شكرا لكلماتك الطيبات.
مع أمنياتي لك بالصحة و التوفيق.

Post: #21
Title: Re: بيتٌ بدويٌ على شاطئ البحر-البداوة و التحديث في الخطاب الليبي المعاصر-صورة المدينة
Author: osama elkhawad
Date: 03-25-2011, 10:20 PM
Parent: #20

http://www.sudaneseonline.com/index.php?option=com_content&vi...9-17-14-27&Itemid=55

Post: #22
Title: Re: بيتٌ بدويٌ على شاطئ البحر-البداوة و التحديث في الخطاب الليبي المعاصر-صورة المدينة
Author: osama elkhawad
Date: 03-26-2011, 11:56 PM
Parent: #21

وجدت على الانترنت ايميل عمر الكدي.
فارسلت له الايميل التالي:
عزيزي عمر الكدي
كيف حالك و احوالك؟
هل قرأت الدراسة على موقع سودانيزاونلاين؟
اريدك ان تكتب تعقيبا اقوم بنشره على الدراسة و تحيي فيه السودانيين المهتمين الآن بالشأن الليبي و في انتظار نصوصك
ارجو ان ترسل لي تليفونك للاتصال بك
هل نشرت اي كتاب؟
ارسلت ايميلا إلى احمد ابراهيم الفقيه لكنه لم يرد حتى الآن
هل يمكن ان اقوم بنشر هذه الرسالة الاليكترنية في البوست الذي توجد به دراسة "بيت بدوي على شاطئ البحر-البداوة و التحديث في الخطاب الليبي المعاصر؟
هنا يمكنك ان تقرا الجزء الثاني الخاص بك عن "بلاد تحبها و تزدريك :

و قام الكدي بالرد:

عزيزي أسامة
شكرا لك على أهتمامك بالثقافة في ليبيا، وهذا الجهد الكبير في محاولة تفكيك نصوصها، وأيضا الغموض الذي يحيط بهذه البلاد، والذي عادة يؤدي إلى سؤ الفهم والتعالي، ليس فقط من العرقية المركزية الأوروبية، وإنما أيضا من أشقاءنا في الجوار والثقافة، وبالتأكيد فإن الظروف السياسية التي عاشتها ليبيا طوال 42 سنة من حكم القذافي ساهم في ذلك، فقد اختصر البلاد في شخصه، فلم يعد شيئا يرى إلا هو، ولكن هذه الظاهرة بالتحديد تؤكد انشطار الوجدان الليبي بين البداوة والتحضر، وما نراه الآن من استماتة القذافي يدل على أنه البدوي الأخير، الذي يرفض المغادرة رغم هذا الدمار والخراب، وبالرغم من أن العالم ضده. كانت إقامتك قصيرة في ليبيا ولكنك تمكنت من فهمها أفضل من كثير من مثقفيها. لا تهتم بأحمد الفقيه فسفير القذافي الذي لم ينشق عنه حتى الآن لا يرد على ايميلات امثالنا من الدراويش، وتقبل أحر تحياتي وعميق مودتي
عمر الكدي

Post: #23
Title: Re: بيتٌ بدويٌ على شاطئ البحر-البداوة و التحديث في الخطاب الليبي المعاصر-صورة المدينة
Author: osama elkhawad
Date: 03-27-2011, 03:25 PM
Parent: #22

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=251980

Post: #24
Title: Re: بيتٌ بدويٌ على شاطئ البحر-البداوة و التحديث في الخطاب الليبي المعاصر-صورة المدينة
Author: osama elkhawad
Date: 03-28-2011, 06:46 AM
Parent: #23

كتب صاحب جريدة السفير اللبنانية في ملحقها الثقافي "طلال سلمان" عن ليبيا و مبدعيها و القذافي الذي وصف الليبين كلهم بانهم حمير!!!


عن ليبيا ـ البدايات ومبدعيها المضيّعين..
عرفت ليبيا باسمها الأصلي قبل أن يغرقها «الأخ معمر» بالتسمية المعقدة والفريدة في ادعاء التميز بالعظمة، وعرفت العديد من أهلها البسطاء والطيبين، قبل تجنيدهم في اللجان الشعبية، ثم اللجان الثورية وما تفرع منها أو اشتق، خلال زيارات تكررت على امتداد عشرين عاماً أو يزيد، وشهدت العديد من التحولات والتطورات المفاجئة التي بدلت في صورة البلاد وأهلها حتى كادوا ينكرونها وينكرون أنفسهم.
كانت الزيارة الأولى في مطلع شهر كانون الأول (ديسمبر) 1971. ذهبت موفداً من دار الصياد، حيث كنت أعمل، تلبية لدعوة شخصية تلقاها عميد الدار الراحل الكبير سعيد فريحة خلال وجوده في القاهرة من مجلس قيادة الثورة بشخص عضوين فيه هما: عبد المنعم الهوني ومصطفى الخروبي.. وقد أنابني لتمثيله و«اكتشاف» هذا القطر العربي الذي كان غارقاً في النسيان إلى أن تفجرت أرضه بالنفط فبات معروفاً بمملكته السنوسية وملكه العجوز وصيغته الاتحادية التي جمعت شتات ولاياته الثلاث (طرابلس وبرقه وفزان) والتي كانت مستعمرة إيطالية... فلما جاءت الحرب العالمية الثانية دخل الفرنسيون جنوبها، سبها، من جهة الجزائر، في حين احتل البريطانيون مجمل البلاد وأقاموا قواعد عسكرية أشهرها في طبرق قريباً من حدود مصر، ثم مع تفجر النفط غزيراً جاء الأميركيون خفافاً فأقاموا قاعدتهم الهائلة في طرابلس (قاعدة ويليس).
وصلت طرابلس وأنا لا أعرف أحداً فيها، مزوداً برقم هاتف زميل يدعى مهدي كاجيجي ويعمل في مجلة «الحرية»، وباسم «مكتبة الفرجاني» الوكيل المفرد لتوزيع مختلف المطبوعات التي تدخل ليبيا، كتباً كانت أو صحفاً ومجلات عربية وأجنبية.
استقبلني في المطار من حملني إلى فندق هو واحد من ثلاثة كانت في طرابلس، وهناك ودعني قائلاً: سوف يتصلون بك.
مر اليوم الأول من دون أن أسمع رنين الهاتف. وفي اليوم الثاني اتصلت بمهدي كاجيجي لأقتل ضجر التنقل بين الغرفة وردهة الاستقبال فجاء تتقدمه ابتسامته وقال قبل أن أسأله: أخطأت بأنك حملت أعصابك معاً. عليك أن تهدأ وأن تقنع بكلمة «باهي» المتعددة المعنى في دعوتها إلى الصبر وأن تنسى أن كلمة «تواً» تعني «الآن».
هدأت قليلاً، فبادرني: هيا أُرك طرابلس.. إنها مدينة جميلة ببحرها وناسها لكن عليك، قبلاً أن تنسى المقارنة مع عواصم عربية تعرفها. هي ليست القاهرة التي يعرفها العالم كله طبعاً، وليست دمشق التي نعرفها شعراً، وليست بيروت التي يقال إنها عاصمة الحياة. طرابلس ليست أعرق المدن في ليبيا ولا أجملها. ولسوف تحسب أنك في مدينة طليانية أخلاها سكانها الأصليون لأشتات من أهل البادية والريف الذين جاءوها من كل الأرجاء مع تفجر النفط، ثم زاد عديدهم مع قيام الثورة وتمركز القرار فيها.
كان مهدي كاجيجي «طرابلسياً» بمعنى الإلفة مع المكان، وقد اكتسب من خلال اختلاطه بأقرانه الطليان في المدرسة الكثير من عاداتهم، ثم وسعت مهنة الصحافة مداركه بشيء من الثقافة والمعرفة بما يدور خارج بلاده، وإن كانت مصر هي الأكثر حضوراً في المقارنة والتشبيه.
قال مهدي وهو يوقف السيارة ويدعوني للترجل: هذا أخطر معلم في طرابلس. مكتبة الفرجاني القلب ومنها تتوزع الجهات.
دخلنا ضمن «تظاهرة» من رواد المكتبة العامرة بالكتب والمجلات والصحف. وشق مهدي أمامي الطريق إلى ذلك الكهل ذي القامة المتينة ووجهه المضيء بابتسامة عريضة. قدمني مهدي إلى محمد بشير الفرجاني فرحب بي بحرارة صديق قديم، وأخذ يسألني عن أحوال لبنان والصحافة فيه، وقد تبيّن أنه يعرف شخصياً البعض من أهلها، لا سيما بين الكتاب والأدباء وأصحاب دور النشر.. ثم دعاني إلى العشاء فاعتذرت بأنني أنتظر موعداً مع القيادة.
عاد إليّ مهدي برزمة من الكتب بعضها عن تاريخ ليبيا وبعضها الآخر من الروايات والمسرحيات والقصص، وحين تقدمت إلى الصندوق اتسعت ابتسامة الفرجاني وهو يقول: أستوفي ثمنها منك في بيروت. لكن عليك اليمين ألا تغادر إلا بعد أن تجيء إليّ لنتعشى معاً في المنزل، وإلا لن أعطيك مستحقات دار الصياد.
ودعناه، وعند الباب المزدحم بالزبائن سمعته يناديني ثم قاربني ليهمس في أذني ويده تحاول أن تدس في جيبي كماً من «الدنانير»: لمصروفك هنا... واطمئن، سأحسم المبلغ من مستحقات دار الصياد!
اخترقنا تظاهرة حشد الآتين إلى المكتبة والخارجين منها، واخترق سمعي صوت مواطن ليبي يقول: جميل أن تأخذ الخبز ساخناً من الفرن.
^ استدراك أول:
بعد سنتين، سيضطر الفرجاني إلى إقفال مكتبته، لأن السلطة منعت دخول الكتب والصحف والمجلات الأجنبية، إلا بعد إخضاعها لرقابة صارمة أعطت لنفسها حق الوصاية على عقول الليبيين، فهي تقرر لهم ما تفيدهم قراءته... ثم ارتئي أن يمنع المراقبون الجدد الكتب والمجلات الصادرة بلغات أجنبية لأنهم لا يعرفون ما كُتب فيها، في حين اختاروا أن «يدققوا» فيمنعوا من المطبوعات العربية كل ما له علاقة بالسياسة. أما المجلات الفنية فلا بأس، وأما مجلات الأطفال فتخضع للتدقيق لعلها تستبطن غير ما تظهر، وفي الحالات جميعاً فالمنع مريح لأنه يلغي احتمال المساءلة، وخصوصاً أن الأخ العقيد كان أنجز نظريته العالمية الثالثة فصارت بمثابة الكتاب المقدس، واشتبك مع عدد من الأنظمة أولها السادات في مصر، فأقفل ليبيا في وجه كل ما هو مطبوع في مصر ثم في الخارج كله، مع استثناءات «مزاجية» محدودة.
^ في البدء كان السؤال...
في اليوم الثالث لوصولي اتصل الرائد مصطفى الخروبي، قال: السيارة في طريقها إليك، وستأخذك إلى «الأخ معمر» حيث هو الآن.
جاءت سيارة جيب عسكرية مكشوفة، فركبت إلى جانب سائقها الجندي الذي رحب بي، ثم انطلق بي وهو يرشقني بأسئلة بسيطة عن لبنان والحياة فيه، وعما إذا كنت أعرف مصر التي سافر مرة إلى الإسكندرية فيها.
بعد مسيرة نصف ساعة، وجدت نفسي في وسط حقول من الزيتون، وقد انتشر فيها العسكر، قادني أحد الرتباء إلى داخل الحقل الأول فإذا أنا أمام مجلس قيادة الثورة جميعاً. كان «الأخ العقيد» يريد أن يعطي المثل لتحريض الليبيين على جني موسم الزيتون الذي استغنوا عن جمعه (بعد النفط)، لكن القدوة لم تنفع كثيراً.
تحلقت «القيادة» من حولي، وأمطروني بوابل من الأسئلة عن لبنان، عن سوريا، عن مصر التي كانت قد فقدت فأفقدتهم بطلهم وقدوتهم جمال عبد الناصر، عن الأحزاب في المشرق، عن فلسطين، عن إسرائيل، عن الطوائف والمذاهب التي لا يعرفون عنها ـ وهم المالكيون جميعاً، وإن كانوا فاطميي التقاليد ـ إلا القليل القليل ومعظمه من طابع تشهيري.
كانت المجموعة تبدو في غاية الانسجام، وكان التسليم «للأخ معمر» واضحاً، له السؤال الأول، ولهم التعليقات، وله الجواب الأخير: كانوا مجموعة من الضباط الشبان لا يعرفون ما يكفي عن الخارج، وقد باغتهم الرحيل السريع لقائدهم الافتراضي الكبير، جمال عبد الناصر، الذي كان يعفيهم من تعب السؤال فيتركون له القرار: كنا نحسب أننا سنذهب إليه بليبيا بعد انتصار الثورة فنسلمها له ونعمل حيث يريدنا أن نكون. أما وقد رحل عنا، على غير توقع فقد ارتبكنا ونحن نواجه فراغ دوره العظيم بشموله دنيا العرب وما حولها جميعاً، وتأثيره في الحاضر والمستقبل.
عدت إلى الفندق مع الغروب وبعد غداء شهي: خروف جاءوا به فذبحوه ومدوا أيديهم يتوزعون أطرافه ويكرّمونني بالطري من لحمه.
عند التاسعة مساء فوجئت بمن يهتف إليّ قائلاً بلهجة أمر: انزل لوطا (أي تحت).. ييبوك (يريدونك) في القيادة...
حملتني السيارة إلى مبنى القيادة في باب العزيزية، وعند مدخلها وجدت من ينتظرني ليأخذني إلى الأخ معمر.. وعلى امتداد خمس ساعات أو يزيد، جرى استنطاقي حول كل ما أعرف عن لبنان وعلاقاته من موقعه المميز بالدول، سوريا بداية، ثم مصر، مع تركيز خاص على جمال عبد الناصر وتأثيره في الصحافة اللبنانية خصوصاً وفي الحياة السياسية بشكل عام.
خلال رحلة العودة إلى الفندق غمرني شيء من الفرح: إنهم يسألون. هذه ظاهرة طيبة. إنهم لا يدّعون أنهم قد ختموا العلم، وأنهم يستغنون بأنفسهم عن العالم. إنهم يريدون أن يعرفوا.
[ [ [
صباح اليوم التالي جاءني مهدي كاجيجي بـ«هدية» ثمينة جداً: أخيه الأكبر بشير كاجيجي، وهو «ابن بلد» أخذ عن أمه المصرية ظرفها، وعلمته صروف حياته وتقلباتها أن يقبلها كما هي، كان، بحق الرجل الذي يعرف كل شيء عن كل الناس.
قال لي بشير بهدوء: أظن أن عندي صورة للقذافي ستكون غلاف العدد الجديد من «الصياد» إلى جانب حوارك... إنها صورة طريفة، ثم إنها نادرة. أظنه هو نفسه قد نسيها.
فتح محفظته التي تشبه «جراب الكردي» فأخرج منها صورة للأخ معمر ملثماً بثياب الطوارق. كانت طريفة حقاً، وفريدة في بابها آنذاك. ثم شرح لي معنى كلمة القذافي ومصدرها: كان بعض أجداده من المتصوفة، وكانوا يواصلون اللهج بأسماء الله الحسنى حتى يقذفوا الدم من أفواههم... وهكذا صاروا «قذافي الدم»، ثم اختصرت إلى «القذافي»، وهم قبيلة من منطقة سرت، وسط ليبيا، وإن كان هو قد نشأ في أسرة فقيرة في فزان، في أقصى جنوب ليبيا، تعيش على الرعي.
^ استدراك ثان:
بعد ستة شهور من زيارتي الأولى، أوفدتني دار الصياد إلى ليبيا ـ الثورة، مرة أخرى، فقد اعتبروني خبيراً بها. واستقبلني مهدي كاجيجي في المطار، وعلى الطريق إلى الفندق سمعت منه عن التحولات التي طرأت، وبعضها غير مطمئن، وعن نية شبه معلنة بتأميم الصحافة. وكان بشير الهوني وبعض أشقائه قد أصدروا صحيفة «الحقيقة» في بنغازي، وقد حشدوا لها الكفاءات المهنية من مصر ولبنان وسوريا وبعض فلسطين، وأخرجوها أنيقة، عصرية، غنية المادة ولها موقفها. وأصدر غيرهم صحفاً أخرى في بنغازي ذاتها وفي طرابلس، إضافة إلى الصحف الموجودة. بالمقابل كانت القيادة قد أصدرت صحيفة «الثورة» في طرابلس لتكون لسان حالها، وباشرت التضييق على المطبوعات الأخرى وأبرزها «البلاغ» التي كان أصدرها ثم رحل في عز شبابه كاتب محترم (علي وريث) ثم مجلة «الحرية» التي كان مهدي يعمل فيها، وكان مستواها مقبولاً.
حدد لي موعد مع «الأخ العقيد» فذهبت بصحبة مراسلنا المعتمد مهدي كاجيجي، ودخلنا مبنى القيادة، وتقدمنا ضابط إلى غرفة انتظار، ودخل، ثم عاد ليهمس في أذني: تفضل.. وحدك! قلت: لكننا اثنان، وهذا معتمدنا هنا، وهو من سيتابع، قال باختصار: التعليمات قاطعة: وحدك! وعندما حاولت مناقشته اكتفى بأن قال لي وهو يدفعني إلى مكتب القائد: أقنعه هو!
كان القذافي وحده في المكتب، وتقدم للسلام عليّ فلاحظ انفعالي. قلت: معي زميلي مهدي كاجيجي، هنا، وهو معتمد دار الصياد لديكم، ثم إنه كاتب معروف في مجلة «الحرية» هنا، وإنسان محترم...
قال القذافي وكأنه لم يسمعني: اجلس... ها، من أين نبدأ!
قلت مستفزاً: لن أجلس حتى يدخل مهدي.
قال: من مهدي هذا؟! ليس في ليبيا صحافة، وليس فيها صحافيون. دعك منه واجلس!
Quote: كل الليبيين حمير!

زادني كلامه إصراراً على موقفي، فاضطر لأن يوافق على إدخال مهدي الذي انسل إلى المكتب تتوزعه مشاعر الخوف والانبهار والغبطة لدخوله التاريخ!
^ أكبر من المتألّه وأبقى...
أواخر صيف 1972، تسنى لي أن أشهد محاكمة علنية لصحيفة «الحقيقة» تابعها جمهور القراء في ليبيا باهتمام كبير. فركناها من آل الهوني كانا يحاولان استيحاء تجربة «أخبار اليوم» في مصر بقيادة مصطفى وعلي أمين. ثم إن بين كتابها أبرز قلم في ليبيا: الصادق النيهوم.
عبر تلك المحاكمة تعرفت إلى ذلك المفكر الكبير الراحل الذي كان الليبيون عموماً يسمونه «الفيلسوف» ويتعاملون معه باحترام كبير، ويعتزون بتجربة «الحقيقة» التي قفزت بالصحافة الليبية إلى مستوى قريب من مستوى صحافة مصر ولبنان (ولم تكن صحف الجزيرة والخليج قد شهدت الطفرة بالإمكانات المفتوحة التي وصلت بها إلى حيث هي الآن..).
كان صعباً عليّ، خلال المحاكمة، أن أحظى بفرصة للقاء خاص مع الصادق النيهوم، فاكتفيت بمتابعة أحاديثه مع جمهور المعجبين به، ثم سعيت إلى المكتبة فاشتريت بعض كتبه، وكانت قليلة بعد.
بعد سنوات، سيقدر لي أن أعقد صداقة حميمة مع هذا المفكر الممتاز في جنيف التي نفى نفسه إليها ليواصل الكتابة بعيداً عن القذافي وإبداعاته الفكرية، وإن ظل يتردد على بلاده بين الحين والآخر، ويستدعيه «القائد» الذي صار «عالمي الفكر» الآن، فيعقد معه لقاءات فكرية صاخبة، يسفه خلالها الكثير من مقولاته الثورية ومن إبداعاته غير المألوفة، محتمياً بحصانة شعبية تمنع على السلطة اعتقاله.
وقد حفظ الصادق للقذافي أنه مكّنه من إنشاء دار نشر باذخة في أوروبا، لإصدار دائرة معارف متعددة وجوه الإنتاج سنعود إلى حديثها، الأسبوع المقبل.
وفي تلك الفترة ذاتها تسنى لي أن أتعرف على مبدع ليبي آخر سيصبح ذا سمعة أدبية عالمية بعد سنوات، هو «الطارقي» إبراهيم الكوني الذي فتح عيوننا على كون لا نعرفه فقدم إلينا الصحراء وقد «أنسنها» فأنطقها شعراً وجعلها مركزاً لحياة لا تشبه حياتنا بل هي أغنى.
كذلك فقد أتاح لي التردد على طرابلس فرصة اللقاء مع مبدع ثالث هو الأديب الكبير أحمد إبراهيم الفقيه، الذي أنتج وما زال ينتج عدداً من الروايات ـ الأنهر التي تؤكد موهبته وتثبت جدارته بموقع مميز كروائي عربي لا يقل مكانة عن نجيب محفوظ مع فارق العصرية والتحول في العالم... لإعادة اكتشاف الذات!
والفقيه الذي يسكن في قلب حذره يزور ليبيا أحياناً لكنه يكتب خارجها.
^ استدراك ثالث:
بين أجمل من «اكتشفت» في ليبيا رسام كاريكاتور من مستوى فائق الذكاء بريشته الرقيقة في تشريحها للواقع: محمد الزواوي.
ولقد تعبت من «مطاردة» هذا الفنان الكبير الذي نادراً ما يخرج من بيته، وعبثاً تحاول الاتصال به... وكان بعض أصدقائه، وهم قلة، يعمدون إلى «مداهمته» بإلقاء وريقة تحت الباب، فإذا ما انتبه إليها رد الاتصال وحدد موعداً للقاء.
سعيت إليه بإعجابي وتقديري، فلما التقينا بادرني بالقول: معظم من يجيئنا من المنافقين، ولقد وجدتك مختلفاً فجئت.
عرضت أن نعيد نشر بعض إنتاجه، أو أن ننشر رسومه بالتزامن مع نشرها في بعض صحف ليبيا، فاعتذر بأدب جم. قال: أنا أهرب من واقعي إلى السخرية من أوضاع دول أخرى متوقعاً ارتدادات رسومي هنا. إنهم ينقبون في الخطوط، وينظرون إلى الرسم من القفا، ويحاولون استنطاقه وتأويل ارتداداته المحلية... لذلك اعذرني. إنني لا أريد أن «أنفي» نفسي. إنني «ولد البلاد» وأريد أن أبقى فيها. ربما في يوم مقبل، ربما في غد أتمنى ألا يكون بعيداً.
[ [ [
الملحمة الليبية لما تكتمل فصولاً...
ما أبعد الشقة بين البداية النابضة بأمل اقتحام الغد بالثورة وبين الارتداد إلى الزمن الذي كان فيه الأباطرة يملكون الأرض ومن وما عليها، ويتصرفون برعاياهم تصرف المالك بماله.
لكن وجدان ليبيا ما زال ينبض إبداعاً، وما تزال عروبتها خارج نطاق النظرية العالمية الثالثة

Post: #25
Title: Re: بيتٌ بدويٌ على شاطئ البحر-البداوة و التحديث في الخطاب الليبي المعاصر-صورة المدينة
Author: osama elkhawad
Date: 03-29-2011, 01:27 AM
Parent: #24


ادناه لقاء مع الروائي الليبي المعروف ابراهيم الكوني يبين فيه علاقة القذافي بالمثقفين و الكتاب الليبيين:http://www.aljazeera.net/NR/EXERES/9AB3E94A-07CC-43E7-96FD-50D4AA98D153.htm
و هنا تتحدث جاكلين سلام في مقالة بعنوان"طبل آخر من ليبيا" عن نرجسية الكوني في ذلك الحوار و تناقضاته التي شبهَّتها بتناقضات مثقف و كاتب مصري هو جابر عصفور:
http://www.assafir.com/WeeklyArticle.aspx?EditionId=179...7290&ChannelId=10206

Post: #26
Title: Re: بيتٌ بدويٌ على شاطئ البحر-البداوة و التحديث في الخطاب الليبي المعاصر-صورة المدينة
Author: osama elkhawad
Date: 03-29-2011, 05:54 PM
Parent: #25



عزيزي ابوجهينة
نعود لمداخلتك الثرية.
قلت:
Quote: النص أعلاه صورة ديجاتيلية عن حياة عايشناها و عايشها الكثيرون ، المكان و الضوضاء و الصمت و طغيان أصوات لا تزال تعشعش في النافوخ رغم تقادم الأيام.
جعلتني هذه الجزئية يا المشاء أتنقل ما بين قرى صغيرة على ضفاف النيل ، الصمت المطبق ، نقيق الضفادع ، موسيقى الجنادب النشاز و هي تمارس هواياتها ليلا ،
الصمت الذي عايشناه قديما ، يقرع الذاكرة الآن بدوي كدوي الرعد.
طفت إلى مقدمة الذاكرة عدة أماكن كانت بؤرة للمنافي التي عشناها قسرا و رغبا.من ضجيج القرى الصامتة ، إلى سكون مدن الأسمنت الهادرة
.
لقد طمأنتني على نجاح واحدة من محاولاتي في الكتابة لتوثيق حياتنا خارج السودان.
أما كلامك عن مناهضة الموت بالكتابة،فقد ذكرني بأحد الكتاب الشباب اللامعين الذي قال لي انه هجر الكتابة لأنه يشعر بسأم غريب،فقلت له يجب آن توثِّق هذا السأم ،و في نصيحتي المتواضعة تلك كنت ارمي إلى ان يهزم السأم بالكتابة.

و كما تفضَّلت عزيزي فان سؤال:
Quote: و هل هنالك من جنون داعر مثل جنون الرزق و الحاجة!؟
هو
Quote: "سؤال يمشي على قدمين".

مع خالص الود

Post: #27
Title: Re: بيتٌ بدويٌ على شاطئ البحر-البداوة و التحديث في الخطاب الليبي المعاصر-صورة المدينة
Author: osama elkhawad
Date: 03-31-2011, 04:46 AM
Parent: #26

بتاريخ 24\3\2001 كنت قد ارسلت إلى المبدع الروائي القاص المسرحي و الاكاديمي الليبي الرسالة الالكترونية التالية:
Quote: عزيزي الدكتور المبدع أحمد ابراهيم الفقيه
انا شاعر و ناقد و قاص سوداني. كنت في ليبيا في الفترة من 1992 الى 1995
كتبت دراسة بعنوان:
بيت بدوي على شاطئ البحر-البداوة و التحديث في الخطاب الليبي المعاصر-صورة المدينة
و قد حلّلت شخصية خليل الامام في ثلاثيتك الروائية. ويمكنك سيدي الاطلاع على الدراسة عبر الرابط التالي
بيتٌ بدويٌ على شاطئ البحر-البداوة و التحديث في الخطاب ا...المعاصر-صورة المدينة
ارجو ان اتلقى ردا منك
مع خالص الاحترام
اسامة الخوّاض


و كان ان قام بالرد على تلك الرسالة يوم 29\3\2011 قائلا:
Quote: الاخ الفاضل الاستاذ اسامة الخواض

تحية التقدير والمودة
وتقبل اخي اسامة بالغ شكري وعرفاني بالجميل لهذه الالتفاتة النقدية المهمة والتي املتها روح نبيلة محبة للادب وارجو ان يتجدد بيننا اللقاء ويتجدد التواصل في ليبيا او السودان واتمنى ان لتقى لوحدث ان مررت بالقاهرة فقط ارسل لي سطرا على الايمل لانني اقيم الان بالقاهرة ولك مني ازكى السلام متمنيا لك مزيدا من الانتاج والعمل الادبي راجيا ابلاغ سلامي لاخوتنا ادبا السودان وقد التقيت بالدكتور اللواء رئيس الاتحاد اكثر من مرة في القاهرة فعساه يكون بخير

احمد ابراهيم الفقيه

Post: #28
Title: Re: بيتٌ بدويٌ على شاطئ البحر-البداوة و التحديث في الخطاب الليبي المعاصر-صورة المدينة
Author: osama elkhawad
Date: 04-03-2011, 05:40 AM
Parent: #27

في منفاه الهولندي واصل عمر الكدي حديثه عن العلاقة بين البداوة و المدينة و العولمة.
يكتب عمر الكدي عن ابراهيم الكوني وجائزة الكلمة الذهبية في مدونة الناقد و الروائي الليبي احمد الفيتوري قائلا:

وتكاد تكون الرواية هجوما شديدا، وهجاء متواصلا للمدينة، في الوقت الذي تمجد فيه البادية والصحراء، باعتبارها "منبع القيم السامية"، بينما المدينة مكان للتفسخ والانحلال، وهو في هذا الجانب يتماهى مع ما كتبه العقيد القذافي في كتابه "المدينة المدينة..القرية القرية..وانتحار رائد الفضاء"، مع الأخذ في الاعتبار قدرة الكوني الفنية العالية، التي مكنته من الفوز بعدة جوائز عالمية، من بينها الدولة الاستثنائية الكبرى للحكومة السويسرية عن أعماله المترجمة للغة الالمانية، كما اختارته مجلة لير الفرنسية من بين أهم خمسين روائيا في العالم، يمثلون اليوم أدب القرن الحادي والعشرين، وأطلقت عليهم أسم "خمسون كاتبا للغد".

رائد أدب الصحراء
ومنذ أعماله الأولى "نزيف الحجر"، و"التبر" لفت الكوني القراء الغربيين بشدة، نظرا لأن أعماله تقتصر على عالم الصحراء الغامض والمجهول، وفي هذا السياق يعتبر الكوني رائدا لهذا النوع من الأدب، ولكن انبهار الغربيين بالصحراء، يقابله الكتاب العرب وخاصة الليبيون باستغراب أكبر، وذلك لأن بعضهم يرى أن الصحراء هي عامل كابح للتطور، وتأسيس الحضارة نظرا لأنها لا تصلح مكانا للتراكم، وهو الشرط الرئيسي للحضارة، وأن البدوي لا يمتلك تاريخا فهو يكرر ما تعلمه من أجداده، ويدور في حلقة مفرغة، وبالرغم من إحساسه بالحرية إلا أنه عبد لوصايا السلف.

حرية البدوي
يقول الكوني في روايته التي صدرت منها أربعة أجزاء، في انتظار الجزء الخامس، والتي تعتبر الرواية السابعة المترجمة إلى اللغة الفرنسية "المدينة هي الطعم الذي يغوي ضعاف النفوس ليستبدلوا بسلاح الحرية أدوات العبودية. يستبدلوا بعبور أرض الله الواسعة استقرار الاسترخاء المسبب لعلل الروح، فتموت الروح ليحيا الناس بالجسد وحده دون الروح. لأن روح الاستقرار هو الذهب. لأن روح المدينة هو الذهب. لهذا السبب كان الذهب والروح دائماً في جدل. كانا دائماً في خصام".
أما عن البدوي فيقول "البدوي لا يملك أرضاً، فكل الأرض ملك يمينه، لذا فهو حر، قوي. لا تغله قيود ولا حدود، ذلك أن البساطة هي التميمة! البساطة هي القوة الحقيقية".

و في مقال آخر بعنوان " هابيل وقابيل في الشرق الأوسط" يعالج مسالة البداوة و الحضارة حين يقول:
لا يُعرف على وجه اليقين إلى أية حقبة تاريخية تعود قصة قابيل وهابيل، التي وردت في التوراة، ولكن أحداثها تؤكد أنها تعود إلى بداية تحول البشرية من حرفة الرعي، وجمع الثمار، إلى الزراعة، ولا تخفي القصة تعاطفها مع القتيل هابيل "الراعي"، فهو الذي تقبل الله قربانه بينما لم يتقبل من القاتل قابيل "المزارع"، ولكن القصة تؤكد أيضا من خلال مقتل الراعي أن المستقبل للمزارع، وبالرغم من أن هذا الصراع انتهى في معظم أنحاء العالم، إلا أن هذا الصراع لا يزال محتدما في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حتى أنه من الصعب تفسير ما يجري هناك دون إهمال الصراع بين البدو والحضر، والعجيب أن النظرية الوحيدة التي كشفت النقاب لأول مرة عن هذا الصراع، وهي نظرية عبد الرحمن بن خلدون، لا تزال بالرغم من قدمها تفسر ما يجري هناك أكثر من النظريات الحديثة، وكأن التاريخ توقف عند حقبة ابن خلدون، أو أن هذه المنطقة التي تقع في قلب الصحراء الكبرى أو على تخومها، من موريتانيا إلى أفغانستان، لا تستجيب لمنطق التاريخ وتطوره كما تجلى في بقية أنحاء العالم.

البداوة والعولمة
لماذا لم تنقرض القبلية في هذه الأنحاء؟ ولماذا رغم كل محاولات طرده خارج التاريخ، لا يزال البدوي مقيم داخل ثقافة هذه المجتمعات؟ ليس فقط في دارفور، حيث لن يجد قابيل وهابيل حلبة أفضل لمواصلة القتال، وإنما حتى في البلدان التي كنا نعتقد أنها أبحرت منذ الاستقلال بعيدا عن رمال البدوي، مثل مصر والعراق، لنكتشف أخيرا أنها عادت إلى قبضته، ويمكننا أن نقارن بين مرحلة الصراع الحزبي في العراق، وخاصة بين الحزب الشيوعي وحزب البعث، ومرحلة الصراع الشرس بين الطوائف والعشائر، وهو ما يؤكد أن التاريخ في هذه المنطقة لا يتجمد فقط، وإنما يعود إلى الوراء، على شكل نكوص حاد يصعب التنبؤ به. التطور التقني الذي غزا هذه المجتمعات لم يغير كثيرا من مفهوم الصراع، وإن كان أججه أكثر، بينما تولت الأسلحة الحديثة قتل عدد اكبر من الناس في هذه النزاعات، كما حول الظاهرة إلى ظاهرة كونية في زمن العولمة، ولا تزال الأحداث تتكرر على نفس الوتيرة التي وصف بها ابن خلدون هذا النمط من التاريخ، ففي كل مرة تضعف فيها السلطة المركزية، تتكون في مكان ما من هذه الصحراء حركة معارضة، قوامها قبيلة قوية ودعوة دينية، وفي وقت قصير تتمكن من الوصول من مكان نشأتها البعيد إلى قلب الدولة المركزية، لتدمره بالكامل ثم تعيد إنشاءه من جديد. أليس هذا بالضبط ما يحدث الآن؟ ليس فقط من خلال التنظيمات الدينية المتشددة، التي فضلت أن تظهر بعيدا جدا عن الدولة المركزية، وتحديدا في أفغانستان، أو قريبة جدا مثل جبال الجزائر، أو في قلب الصحراء الكبرى كما في مالي والنيجر، وإنما أيضا في قلب المجتمعات الحضرية، وفي شوارع العواصم الكبرى التي شهدت طفولة الحضارة البشرية وصباها، ويمكن ملاحظة ذلك حتى في الفنون العصرية مثل السينما، ومن يقارن بين مشاهد السينما المصرية اليوم، ومنجزاتها في الستينات والسبعينات تذهله هذه البداوة التي غزت واحتلت كل شيء.

أوهام الأيديولوجية
الأوهام الأيديولوجية باعدت بيننا وبين الحقيقة، ومن يعود لقراءة ما كتبه حسين مروة، سمير سعيد، جورج طربيشي، والطيب تيزيني يمكنه رؤية هذا الفصام الأيديولوجي، فلقد استعانوا بنظريات لم يحاولوا حتى تجذيرها في هذه التربة العجيبة، في الوقت الذي أهملت فيه دراسات باحث رائد مثل العراقي علي الوردي، وخاصة في كتابه "شخصية الفرد العراقي"، الذي انتقده القوميون متهمين إياه بالقطرية، كما انتقده الشيوعيون لأنه أهمل التنظير الماركسي، وفي هذا الكتاب يؤكد الوردي أن الشخصية العراقية شخصية مزدوجة، نظرا لكونها تحمل قيما متناقضة، وهي قيم البداوة وقيم الحضارة، وان الهجرات البدوية إلى العراق سرعان ما تؤثر في التراكم الذي تم تحقيقه في المركز، وتعيده إلى أسئلة قديمة تجاوزها منذ حقب، قبل أن تذوب في تلك البوتقة العجيبة.

البداوة والنفط
ويمكن تعميم ما توصل إليه الوردي على كل المنطقة، مع مراعاة طبيعة كل بلد، وخاصة بعد أن سقطت أقنعة البداوة عن كل التنظيمات الحديثة، مثل الأحزاب والحركات السياسية، لنكتشف في نهاية الأمر أن ذلك البدوي الذي اعتقدنا أنه انقرض يعود من خلال مفردات العصر الحديث، ليسيطر على الدولة المركزية، هذا ما أكده صدام حسين، الذي تحول نظامه بالرغم من حزب البعث، إلى مجرد نظام عشائري ضيق، وفي ليبيا رغم شعارات "عصر الجماهير"، و"سلطة الشعب" يمكن ملاحظة ذلك البدوي بوضوح، وهو يجوب شوارع القرن الحادي والعشرين، كما تؤكد لنا الوقائع أن الإقليم الأكثر تخلفا في أي بلد يشكل خطرا على كل البلد، ودارفور أفضل مثال على ذلك، وأن فشل الدولة في هذه المناطق قد يكون وبالا ليس على الإقليم الجغرافي، وإنما على كل العالم، كما حدث في أفغانستان، والصومال. وقد تظافرت عوامل عدة في جعل البداوة تنتصر على كل القيم الحضارية، ومن أهمها ظهور النفط في المناطق البدوية، ذلك النفط الذي غزا المركز الحضاري، واجبره على النكوص إلى القيم البدوية، ويمكن ملاحظة ذلك في السينما والمسرح المصريين، اللذين استجابا للجمهور الخليجي لأنه يدفع أكثر، أما الإسلام بشكله البدوي مثل المذهب الوهابي، فقد تولى إجبار الآخرين على الانصياع. ربما لهذا السبب تبدو المعركة بين الليبراليين والأصوليين في دول الخليج وخاصة السعودية، أكثر مصداقية من المعارك التي تمت في المركز، والتي كانت صدى للآخر الغربي، فالصراع في هذه المجتمعات التي غيرها النفط بشدة، يشبه إلى حد كبير الصراع بين قابيل وهابيل، وفي تقديري ستكون الغلبة مرة أخرى لقابيل.

و في مقال له عن شاعر الشباب الليبي على صدقي يقول: انتبهت على الفور إلى غرابة أطواره، مقارنة مع تلك المدينة الآخذة في التصحر على نحو سريع، والتي تخلت عن شواطئها والتفتت فجاءة إلى بداوتها البعيدة.و في نفس المقال تحدث عن التدهور الذي تمر به مدينة طرابلس" يحب الأستاذ علي الحياة الجميلة الناعمة والطرية، ويأكل بشهية عجيبة حتى في شيخوخته، ولكن من سؤ حظه وحظنا تراجعت تلك المدينة التي أحبها كما لم يحب بقعة أخرى في الوجود، وبدلا من أن تتطور كما هو متوقع لها، تراجعت لتصبح مجرد مكب للنفايات، ومرتعا للبدو المتجهمين الذين يحقدون بضراوة عجيبة على كل ما هو جميل في تلك المدينة.

Post: #29
Title: Re: بيتٌ بدويٌ على شاطئ البحر-البداوة و التحديث في الخطاب الليبي المعاصر-صورة المدينة
Author: osama elkhawad
Date: 04-07-2011, 05:56 PM
Parent: #28

طغت تطورات قضية اغتصاب ايمان العبيدي على المشهد الليبي،و هنا آخر التطورات عبر لقاء السي ان ان معها من مخبئها:
http://arabic.cnn.com/video/#/video/middle_east/2011/04/06/libya.rape.cnn

Post: #30
Title: Re: بيتٌ بدويٌ على شاطئ البحر-البداوة و التحديث في الخطاب الليبي المعاصر-صورة المدينة
Author: osama elkhawad
Date: 04-10-2011, 05:24 AM
Parent: #29

اجرى مراسل السي ان ان لقاء مع ايمان العبيدي ب"تسهيل" من الساعدي احد ابناء القذافي:
http://www.youtube.com/watch?v=rN_eyfvhly8&feature=player_detailpage

http://arabic.cnn.com/video/#/video/middle_east/2011/04/09/eman.intv.cnn

Post: #31
Title: Re: بيتٌ بدويٌ على شاطئ البحر-البداوة و التحديث في الخطاب الليبي المعاصر-صورة المدينة
Author: osama elkhawad
Date: 04-11-2011, 01:41 AM
Parent: #30

تمكّنت السي ان ان من اجراء مكالمة هاتفية بين ايمان العبيدي و أمها عائشة أحمد:

Post: #32
Title: Re: بيتٌ بدويٌ على شاطئ البحر-البداوة و التحديث في الخطاب الليبي المعاصر-صورة المدينة
Author: osama elkhawad
Date: 05-08-2011, 04:39 PM
Parent: #31



إيمان العبيدي تفر لتونس مع ضابط ليبي منشقالأحد، 08 أيار/مايو 2011، آخر تحديث 18:54 (GMT+0400)

(CNN) -- قالت إيمان العبيدي، المرأة الليبية التي لفتت أنظار العالم بعدما اقتحمت بهو أحد الفنادق التي يشغلها صحفيون أجانب في طرابلس لتقول إن عناصر مسلحة ضمن كتائب العقيد معمر القذافي قامت باغتصابها، إنها تمكنت من مغادرة البلاد والفرار إلى تونس حفاظاً على سلامتها.

وقالت العبيدي لـCNN إنها تمكنت من الفرار خارج ليبيا الخميس الماضي، وذلك بمساعدة ضابط منشق عن النظام الليبي، فر إلى تونس مع عائلتهم، واصطحبها معه.

ووصفت العبيدي الرحلة من طرابلس إلى معبر الذهيبة بأنها "متعبة للغاية،" وأضافت أنها عبرت من المعبر إلى الأراضي التونسية وهي "متنكرة بزي محلي" ولم يعترضها أحد.

ولفتت إلى أن السيارة التي كانت تستقلها توقفت أكثر من مرة عند نقاط تفتيش أمنية، ولكن الضابط المنشق الذي كان يقودها كان يبرز على الدوام أوراق مروره العسكرية التي تسمح له بالتنقل، مضيفة أنها من جانبها استخدمت وثائق لجوء لتدخل تونس.

ومن معبر الذهبية، قام دبلوماسيون فرنسيون باصطحابها بسيارتهم عارضين عليها مكاناً آمناً، وأضافت أنها ما زالت "تدرس الخيارات" حول مستقبلها.

وأضافت: "لا أعرف ما الذي سأفعله، ولكن بالتأكيد أرغب في رؤية عائلتي."

وكانت العبيدي قد كشفت قصتها للعالم بعد اقتحامها بهو الفندق في 26 مارس/آذار الماضي، وبعد ذلك قامت العبيدي بإجراء عدة مقابلات تلفزيونية وهاتفية مع CNN، أعربت في آخرها عن خشيتها على حياتها، وقالت بأنها "رهينة" لا تستطيع مغادرة البلاد بعد أن أحبطت السلطات محاولاتها للسفر.

وأضافت قائلة: "حياتي في خطر وأدعو كل منظمات حقوق الإنسان لكشف الحقيقة والسماح لي بالمغادرة فأنا رهينة الاحتجاز هنا."

وتحدثت إيمان خلال المقابلة وهي تغالب دموعها تارة وبنبرة تحد تارة أخرى عن مزاعم تعرضها لانتهاكات قائلة بأن مغتصبيها سكبوا الكحول في عينيها وتناوبوا على اغتصابها كما استخدموا البنادق لفعل الفاحشة بها من الخلف

Post: #33
Title: Re: بيتٌ بدويٌ على شاطئ البحر-البداوة و التحديث في الخطاب الليبي المعاصر-صورة المدينة
Author: osama elkhawad
Date: 05-11-2011, 02:22 AM
Parent: #32

والد ضحية "اغتصبها" جنود القذافي: إيمان في قطرالثلاثاء، 10 أيار/مايو 2011، آخر تحديث 12:28 (GMT+0400)

(CNN) - قال والد إيمان العبيدي، المرأة الليبية التي لفتت أنظار العالم بعدما اقتحمت بهو أحد الفنادق التي يشغلها صحفيون أجانب في طرابلس لتقول إن عناصر مسلحة ضمن كتائب العقيد معمر القذافي قامت باغتصابها، إن ابنته في دولة قطر وذلك بعد قليل من إعلانها النجاح في الفرار من ليبيا إلى تونس حرصاً على سلامتها.

ولم يكشف العبيدي عن تفاصيل سوى أن أبنته أبلغته بتواجدها في الدولة الخليجية واكتفى بالقول إنه لم يكن متفائلاً إزاء إمكانية مغادرتها ليبيا بسلام، مضيفاً: "أنا مسرور للغاية وبانتظار مزيد من المعلومات حول كيفية فرارها."

Post: #34
Title: Re: بيتٌ بدويٌ على شاطئ البحر-البداوة و التحديث في الخطاب الليبي المعاصر-صورة المدينة
Author: osama elkhawad
Date: 05-24-2011, 02:30 AM
Parent: #33

نشرت "الجزيرة نت" مقالا مهما لعبدالله علي ابراهيم عن ليبيا و القذافي و الاستعمار الايطالي على الرابط التالي:
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/084FE618-D36F-4F34-98EF-2A2A6F4E358D.htm

Post: #35
Title: Re: بيتٌ بدويٌ على شاطئ البحر-البداوة و التحديث في الخطاب الليبي المعا
Author: osama elkhawad
Date: 06-18-2011, 07:49 AM
Parent: #34


الصادق النيهوم


علاقة القذافي بالمثقفين و الكتّاب الليبيين:

في مقاله "عـلي صدقي قرر أن يموت يوم الفاتح" يكتب عمر الكدي عن جانب من علاقة القذافي بالمثقفين و الكتّاب الليبيين قائلا:

في السبعينات كان يطيب للقذافي أن يلتقي من حين إلى آخر بالمثقفين الليبيين، كان يطلب أن تكتب أسمائهم حسب ترتيبهم في الجلسة، حتى يمكنهم مخاطبة أي واحد باسمه عندما يعرف اسمه من ترتيبه في الورقة المفتوحة أمامه، وكان أحيانا يخيفهم. ذات مرة وجدوه في خيمته وقد علق في عمود الخيمة بندقيتين، وبحركة استعراضية أنزل البندقية القديمة التي قاتل بها المجاهدون الليبيون، وقال لهم بمثل هذه البندقية صمد الليبيون عشرين عاما أمام إيطاليا، ثم أنزل البندقية الثانية من نوع كلاشنكوف، وسحب الأقسام فجاءة، موجها البندقية نحوهم، وقال لهم وبمثل هذه البندقية نصفي أعداء الثورة. لكنه على الفور أخرج علي صدقي عبد القادر من أي تصنيف. كان يستمع إلى قصائد علي صدقي عبد القادر هو يبتلع نصف عباءته من شدة الضحك. ذات مرة حضر الأستاذ علي عشاء دعا إليه العقيد الكتاب في باب العزيزية. لم يكن للأستاذ رغبة في الحضور. كان يدرك أنهم سيجلسون على الأرض، ويحضرون تلك القصاع، وسيجلس ليأكل بيديه مع خمسة أو ستة من الزملاء، ولكنه لا يستطيع التخلف عن حفل جاء ضابط كبير بملابس كاكي إلى مكتبه ليدعوه إلى عشاء العقيد.

ذات مرة لم يحضر معه الأستاذ شيئا ليقرأه على العقيد، فكلف العقيد سائقه ليوصل الأستاذ علي إلى بيته حتى يحضر شيئا يقرأه، ومن شدة عجلة الأستاذ أحضر أول كتاب له وجده في البيت، وكان الكتاب جديدا لم يقرأ على الإطلاق من قبل، فقد كانت صفحات الكتاب لا تزال ملتصقة، وتحتاج إلى مقص أو مسطرة قبل قرأتها، وعندما وقف الأستاذ أمام العقيد ليقرأ ذلك الكتاب، ولم يجد حوله شيئا يعينه على فتح الكتاب، أخذ ينظر من بين الصفحات، وهو يباعد ما بينها، رافعا الكتاب لأعلى، حتى يتاح له أكبر قدر من الرؤية، في ليل باب العزيزية، بينما كان القذافي يتقلب في كرسيه من شدة الضحك.

و يضيئ صاحب السفير اللبنانية طلال سلمان جوانب من علاقة القذافي بالكتّاب و المثقفين الليبيين قائلا:

أواخر صيف 1972، تسنى لي أن أشهد محاكمة علنية لصحيفة «الحقيقة» تابعها جمهور القراء في ليبيا باهتمام كبير. فركناها من آل الهوني كانا يحاولان استيحاء تجربة «أخبار اليوم» في مصر بقيادة مصطفى وعلي أمين. ثم إن بين كتابها أبرز قلم في ليبيا: الصادق النيهوم.

عبر تلك المحاكمة تعرفت إلى ذلك المفكر الكبير الراحل الذي كان الليبيون عموماً يسمونه «الفيلسوف» ويتعاملون معه باحترام كبير، ويعتزون بتجربة «الحقيقة» التي قفزت بالصحافة الليبية إلى مستوى قريب من مستوى صحافة مصر ولبنان (ولم تكن صحف الجزيرة والخليج قد شهدت الطفرة بالإمكانات المفتوحة التي وصلت بها إلى حيث هي الآن..).
كان صعباً عليّ، خلال المحاكمة، أن أحظى بفرصة للقاء خاص مع الصادق النيهوم، فاكتفيت بمتابعة أحاديثه مع جمهور المعجبين به، ثم سعيت إلى المكتبة فاشتريت بعض كتبه، وكانت قليلة بعد.

بعد سنوات، سيقدر لي أن أعقد صداقة حميمة مع هذا المفكر الممتاز في جنيف التي نفى نفسه إليها ليواصل الكتابة بعيداً عن القذافي وإبداعاته الفكرية، وإن ظل يتردد على بلاده بين الحين والآخر، ويستدعيه «القائد» الذي صار «عالمي الفكر» الآن، فيعقد معه لقاءات فكرية صاخبة، يسفه خلالها الكثير من مقولاته الثورية ومن إبداعاته غير المألوفة، محتمياً بحصانة شعبية تمنع على السلطة اعتقاله.
وقد حفظ الصادق للقذافي أنه مكّنه من إنشاء دار نشر باذخة في أوروبا، لإصدار دائرة معارف متعددة وجوه الإنتاج سنعود إلى حديثها، الأسبوع المقبل.

وفي تلك الفترة ذاتها تسنى لي أن أتعرف على مبدع ليبي آخر سيصبح ذا سمعة أدبية عالمية بعد سنوات، هو «الطارقي» إبراهيم الكوني الذي فتح عيوننا على كون لا نعرفه فقدم إلينا الصحراء وقد «أنسنها» فأنطقها شعراً وجعلها مركزاً لحياة لا تشبه حياتنا بل هي أغنى.
كذلك فقد أتاح لي التردد على طرابلس فرصة اللقاء مع مبدع ثالث هو الأديب الكبير أحمد إبراهيم الفقيه، الذي أنتج وما زال ينتج عدداً من الروايات ـ الأنهر التي تؤكد موهبته وتثبت جدارته بموقع مميز كروائي عربي لا يقل مكانة عن نجيب محفوظ مع فارق العصرية والتحول في العالم... لإعادة اكتشاف الذات!
والفقيه الذي يسكن في قلب حذره يزور ليبيا أحياناً لكنه يكتب خارجها.


سنحاول بعد ذلك أن نتطرق إلى التذييل الذي كتبه الفقيه للكتاب الثاني للقذافي.

Post: #36
Title: Re: بيتٌ بدويٌ على شاطئ البحر-البداوة و التحديث في الخطاب الليبي المعا
Author: osama elkhawad
Date: 06-20-2011, 10:33 AM
Parent: #35



الكاتب الليبي الأكثر إثارة للجدل في علاقته بالقذافي هو الروائي و القصصي و المسرحي دكتور أحمد إبراهيم الفقيه.
فقد كانت له علاقة قوية ب"الثورة الليبية" التي عاد يسميها حينا إنقلابا بعد ان قدم استقالته و انحاز إلى ثورة الشعب الليبي ضد نظام القذافي.و قد قدم الفقيه دفوعاته في ما يتعلق بذلك و خاصة تذييله لكتاب القذافي "القرية القرية الأرض الأرض و انتحار رائد الفضاء مع قصص أخرى".
سألته الجزيرة نت:
Quote: نشر القذافي مجموعته القصصية بعنوان "الأرض الأرض، القرية القرية، وانتحار رائد الفضاء" مرفقة بتعقيب منك أنت في ذات الكتاب.

فأجاب قائلا:
Quote: نعم، فقد أراد -وهو يقدم نفسه أديبا للمجتمع الأدبي- أن يبحث عن واحد من عمداء المشهد الأدبي وأصحاب الباع الطويل في مجال السرد القصصي لتقديمه، وأرسل لي مجموعة من الورق مع أحد أعوانه، طالبا أن أكتب تعقيبا أو تقديما لهذه المجموعة.
وحقيقة الأمر أنني خلال تعاملي مع الكتابة لم أرفض يوما كتابة تقديم لأي أديب مهما كان صغيرا ناشئا، ومع ذلك فلم أبادر للكتابة مباشرة، ورجعت لمن جاء بالمخطوط أقول له، إن ما أسماها المؤلف مجموعة قصصية ليست كلها قصصا، فمعظم النصوص مقالات صحفية، غير فقط قصتين هما "الموت" و"الفرار إلى جهنم".
وسألته أن يعود إليه، لعله يريد فرز هاتين القصتين وإضافة قصص أخرى، ورجع ليقول لي إن هذا ما توفر لديه من نصوص يريد جمعها في هذا الكتاب، وشرحت له أنني لن أكتب عن المقالات فهذه ليست أدبا وسأكتفي بأن أكتب عن القصتين فقط، وهذا ما فعلته.
وزراء الثقافة والإعلام من أمثال السيدة فوزية شلابي والسيد نوري الحميدي بالغوا في إنفاق ميزانيات الوزارة في تنظيم المهرجانات والندوات التي تدرس إنتاج الأخ العقيد وإصدار الكتب عن هذا الإنتاج، غير ما يفعله مركز مخصص لدراسات الكتاب الأخضر، الذي أنفق على مدى ثلاثة عقود ما ينفع ميزانيات دول على هذا الهراء الذي كتبه الأخ العقيد.

ثم وجّه سهام النقد إلى الكتّاب العرب الذين مدحوا وقرّظوا كتاب القذافي كمبدع كبير قائلا:

Quote: كتبت مقدمة صغيرة عن قصتين، ولكن جهابذة الكتاب من خارج ليبيا، ودون ضغط من أحد، جاؤوا متطوعين للكتابة عن كتابات هذا الحاكم الذي يعرفون أنه يحكم البلد بالحديد والنار، ولا أستثني غير كاتب واحد، قرأت له تعليقا على هذه القصص، كتبه بدافع قناعته ودون أن يذهب بعد ذلك طالبا الثمن هو الروائي الراحل الأستاذ فتحي غانم.


و في الحقيقة تبدو دفوعات الفقيه متهافتة.فهو لم يكتفي بالكتابة عن القصتين ،وإنما وصف القذافي بأوصاف لا يستحقها باعتباره "مفكِّرا" و "حالما كبيرا"،كما ذكر بان القذافي " كاتب مبدع، ومبدع له القدرة على تطويع ملكاته التعبيرية" .
ثم بعد ما تفجّرت الاحتجاجات ضد القذافي ،عاد ليصف كتابات القذافي بأنها "هراء".
و سنعود لذلك بالتفصيل في مقام آخر.