ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟

ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟


02-13-2008, 10:47 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=151&msg=1252474520&rn=0


Post: #1
Title: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-13-2008, 10:47 AM




رغم ان العلمانية هى من اتت بالاسلاميين للسلطة بطريقة سلمية ونزيهة فى تركيا و لا يمكن مقارنتها بالاساليب التى التى يحاول بها الاخوان الوصول للسلطةيها فى بقية الدول .. فان عبد الرحمن الزومة الاخوانجى السودانى يتنكر لهذه المحاسن ويقول ما يقول فى هذا العمود الذى نشره بالسودانى ..
ويجد القارىء ردا علميا واعيا من العفيف الاخضر اقرا وتمعن ..وقارن بين راى مستنير واخر ظلامى ..
وهذا البوست لتوثيق شرور الاخوان المسلمين على مدى التاريخ ..اقراه ودع ابنك يقراه ليتحصن من الشرور ..



العدد رقم: 810 2008-02-13

بين قوسين
قبح العلمانية

عبد الرحمن الزومة
كُتب في: 2008-02-13




لا أعلم أن واحدة من النظريات السياسية التى تموج بها الساحات الفكرية والسياسية فى عالم اليوم تستأثر بذلك القدر من (القبح) والشر و سوء الطوية مثل هذه النظرية المسماة بـ (العلمانية)! ان مدى الشر ومدى الخير فى كل نظرية يقاس بما تحمله وتفصله تلك النظرية من أفكار و(تعاليم).
ومن المعلوم أن كل الديانات والنظريات تتميز بشكل من أشكال المرجعيات و(القولبة) التى يستطيع الانسان ان يتعرف عن طريقها على تلك النظرية (الا) العلمانية فمن أسوأ (خصائصها) أنها ليس لها فكر ولا عقل ان جاز أن تسمى هذه خصائص!
ولا أجد من مثال أكثر وضوحاً وسطوعاً على قبح العلمانية مثل ما يجرى هذه الأيام بتركيا. لقد استولى (الأتاتوركيون) على السلطة فى تركيا
فعاثوا فيها فساداً اذ (مسخوا) شعباً مسلماً بكل ما تحمل الكلمة من معنى وسلخوا تركيا (الخلافة) عن محيطها الاسلامى كل ذلك كان يتم باسم (العلمانية) وكان من أكبر الآثام التى ارتكبها العلمانيون هو (خلع) حجاب المرأة التركية المسلمة التى كانت قائدة نساء المسلمين.
تحت حراب العلمانيين تحولت تركيا (محمد الفاتح) الى واحدة من أكبر (البؤر) التى تفرخ الفساد الأخلاقى وتصدره الى العالم. منع الأذان وحولت الكتابة التركية الى الحروف اللاتينية وتم كل ذلك بقوة السلاح. وكان لابد لليل تركيا أن ينجلى و(انجلى) وجاء حزب العدالة والتنمية (ذى التوجهات الاسلامية) كما يحلو للاعلام الغربى و(العربى) التابع أن يسميه. جاء عن طريق (صناديق الاقتراع) ذلك الاله المعبود عند دهاقنة العلمانيين فى كل زمان ومكان.
فماذا حدث فى تركيا ابان سيطرة العلمانيين؟ الشهيد الأستاذ (عدنان مندريس) رئيس الوزراء المنتخب الذى تجرأ و أعاد (الأذان) انقلب عليه الجيش وتمت محاكمته و حكم عليه بالاعدام شنقاً وأعدم! أجازوا قانوناً من داخل البرلمان يعتبر (الزنا) فى تركيا (ليس جريمة) ونفس هؤلاء ثاروا عندما أجاز البرلمان قانوناً يلغى (حظر الحجاب) فى الجامعات. سيروا المظاهرات وذهبوا الى ضريح (أتاتورك) عله ينجدهم فلم يفعل ولن يفعل. والآن يهددون باللجوء الى (المحكمة العليا) علها تنجدهم ولن تفعل!
أنا أفهم أن تسير جماعة سياسية أو حركة اجتماعية (مظاهرة) ما تطالب بمطالب تخصها هى لكننى لا أفهم أن تسير جماعات مظاهرات تطالب بـ (حرمان) جماعة أخرى من حقوقها بغض النظر عن صحة وعدالة تلك المطالب! ان هذا يذكرنى بمظاهرات الشيوعيين الفاجرة فى أغسطس من العام 1966 عندما أعدم عبد الناصر الشهيد سيد قطب عليه رضوان الله. سيروا المظاهرات فى شوارع الخرطوم (ابتهاجاً) باعدام من فسر كتاب الله! صحيح اننا أعطيناهم (علقة ساخنة) فى شارع الجمهورية ولقناهم درساً لا يزالون (يرتعدون) كلما ذكروه ويمتلئون منه رعباً و صحيح أننا (غنمنا) منهم و يا بؤس ما غنمنا : أحذية ولافتات! لكنه كان مثالاً على القبح والفجور والشطط والمكر السيئ والشئ بالشئ يذكر!
علمانيو تركيا لم يفرض (ولن يفرض) القانون الجديد عليهم أى قيود أو التزامات فهو لن يطلب منهم ارتداء الحجاب. ان القانون يعطى المرأة المسلمة الحق فى ارتداء الحجاب وفى الجامعات فقط. فما الذى يدفع العلمانيين على الاحتجاج؟ انه قبح العلمانية وشر العلمانيين. والقانون لم يفرض على الفتاة لبس الحجاب. لقد أعطاها ذلك الحق مارسته أم لم تفعل.
لكن العلمانيين يعلمون أن تلك هى النهاية بالنسبة لهم فهم يدركون أنه فى خلال سنوات قليلة فان كل نساء تركيا سيلبسن الحجاب وحينها سترمى العلمانية فى مزبلة التاريخ : المكان الوحيد حيث ينبغى أن تكون.











وهذا راى من العفيف الاخضر



ما هي مزايا الدولة العلمانية للأقليات في أرض الإسلام ولجميع ساكنة أرض الإسلام؟ هي الاعتراف بالمواطنة الكاملة لجميع المواطنين بقطع النظر عن خصوصياتهم الاثنية ، الدينية واللغوية. حجر الزاوية، للدخول إلى الحداثة بما هي انتقال الإنسان من سن القصور إلى سن الرشد، أي من التوكؤ على عكاز العقل الإلهي إلى الاهتداء بنور العقل البشري، والدخول إلى الحداثة السياسية بما هي انتقال من شرط الرعية إلى شرط المواطن، هو الاعتراف لجميع سكان أرض الإسلام بالمواطنة الحديثة بما هي مساواة تامة في الحقوق والواجبات كافة بين الرجل والمرأة، وبين المسلم وغير المسلم، وبين أبناء الأقليات وأبناء الأغلبية. المواطنة الكاملة تترجم نفسها في المساواة أمام القانون والمساواة في الفرص حسب المبدأ الوحيد: الكفاءة: الإنسان المناسب في المكان المناسب. فقط، الدولتان العتيقتان، الإسلامية والعنصرية هما اللتان لا تعترفان لجميع مواطنيهما بهذه المساواة: دولة إفريقيا الجنوبية العنصرية كانت لا تعترف للسود بالمواطنة الكاملة بل تعتبرهم مواطنين من الدرجة الثانية، والدولة الإسلامية أو شبه الإسلامية في أرض الإسلام اليوم لا تعترف لا للمرأة ولا لغير المسلم بالمواطنة الكاملة. لماذا؟ لأن هذه الدولة مازالت ما تحت ـ دولة لا تستمد شرعيتها من الدستور والقانون الوضعيين، بل تستمدها من التزامها بالشريعة الإسلامية التمييزية التي تحظر على المرأة تقلد الوظائف العامة، وتحرّم عليها حتى الزواج ممن تحب إذا لم يكن مسلماً لعدم "التكافؤ في الدين"، وبالمثل تعتبر هذه الشريعة غير المسلم "أهل ذمة" أي مجرد مقيم غير مرغوب فيه، برسم التهجير،لا يحق له، كالمرأة المسلمة، تقلد الوظائف العامة، ولا الزواج من المسلمة، ولا حتى دراسة الطب النسائي، كما في مصر، حتى لا يكشف عن المرأة المسلمة!.

الدولة الإسلامية، الطائفية تعريفاً، حاملة للحروب الدينية والاثنية واللغوية،،إذن لعدم الاستقرار الذي يعيق التنمية . وهكذا فالدولة العلمانية فرصة ليست للأقليات وحسب بل وللأغلبية أيضاً، لأنها تقيها من الحروب الدينية والاثنية واللغوية التي تطرق الآن الأبواب في أكثر من بلد في أرض الإسلام. لم تخرج أوربا من الحروب الدينية إلا بفصل الدين عن الدولة، وتالياً الاعتراف بالمواطنة الكاملة لجميع مواطنيها ؛ ولم تغدو الهند ديمقراطية لكل مواطنيها إلا بفضل العلمانية التي أقامت التعايش السلمي بين فسيفساء طوائفها بما فيها الإسلامية. ولن يكون الأمر مختلفاً على الأرجح في أرض الإسلام.

من مزايا العلمانية الأخرى، أنها السبيل الوحيد لتكوين وعي قومي عام يتخطى الخصوصيات الدينية، الاثنية واللغوية دون أن يلغيها. وهكذا تحول العلمانية المجتمع المذرر طائفياَ ولغويا واثنياً إلى مجتمع متماسك برباط المواطنة الذي يسمو على الروابط الثانوية. رابط المواطنة هو المرقاة إلى الديمقراطية، التي هي منذ الآن شكل الحكومة الصالحة. لا سبيل للديمقراطية في الدولة الإسلامية أو شبه الإسلامية التي تحرم النساء وغير المسلمين من المساواة في الفرص، إذ تحظر عليهم تقلد المناصب العامة التي هي "مجال محفوظ" للمسلم الذكر حصراً، كما تسلبهم حرياتهم الأساسية.

وباختصار،الحكومة العلمانية الديمقراطية هي الحكومة الصالحة في القرن الحادي والعشرين. تجربة الحكومة الإسلامية في أفغانستان، المجاهدين وطالبان، وفي إيران والسودان برهنت على أنها في جميع المجالات بما فيها الديني، النقيض المباشر للحكومة الصالحة، وفضلاً عن ذلك محضّنة للحروب الاثنية والدينية. شهادة حسن الترابي ضد مثالب الحكومة الإسلامية، التي كان صاحب القرار الأول فيها طوال 12 عاماً [1989 ـ 2000] ، في هذا الصدد، هي عبرة لمن يعتبر:" قيادات الإنقاذ لم تكن واعية لفتنة السلطة (...) فقد قفزت الحركة الإسلامية إلى السلطة دون تجربة واعية أو برامج، ونزلت عليهم أموال الشعب بلا رقيب ففسدوا كلهم إلا قليلا. السلطة أفسدتهم وصلواتنا وحجنا كانت معلولة [باطلة] وأصبح الأمين عندنا لصاً بعد السلطة" (من خطاب الترابي في مؤتمر الشعب، الشرق الأوسط 16/3/2007). ما كان الترابي ليكابد مثل هذا الشعور الساحق بالعار والذنب عن حجه وصلواته "المعلولة"، هو وإسلاميو السودان، لو أنه وإخوته في الإيمان تخلوا عن السياسة، التي أفسدت الإسلاميين وأفسدوها، وحصروا بدلاً من ذلك نشاطهم في الشأن الديني حفاظاً على "صحة حجهم وصلواتهم"؛ ولو أن حسن نصر الله فعل الشيء ذاته لما قضي "ليالي الحرب باكياً" ندما على خطف الجنديين الإسرائيليين اللذين ما كان ليخطفهما، باعترافه، لو كان يعلم أن عاقبة ذلك ستكون"نصف واحد في المئة" من الخسائر التي ألحقتها إسرائيل بلبنان، ولما زج بنفسه مؤخراً في نقاش تاريخي لا يملك مؤهلاته متجنياً عن ابن خلدون الذي،حسب زعمه،"برر جريمة يزيد ضد الحسين" وهو زعم غير دقيق؛ ولو أن هاشمي رفسنجاني تخلي عن عمامته، عندما التحق بالسياسة، لما ورط نفسه، مع القرضاوي، في نقاش فقهي عقيم أحرجه فيه أمام مشاهدي "الجزيرة" طالباً إياه بـ"التوقف عن سب الصحابة وعائشة"، وهو ما لم يستطع رفسنجاني التعهد به لأن ذلك مرادف لتخليه عن دينه ... ولو كانت الجمهورية الإسلامية الإيرانية علمانية لما حرمت، كما يقول النواب السنة في "المجلس":" مليون سني من بناء مسجد خاص بهم في طهران" مما اضطرهم إلى أداء صلاة الجمعة في الحدائق، ولما هدمت مساجد سنية، ولما أغلقت عشرات المساجد السنية في عشرات المدن الإيرانية، ولما حرمت 20 مليون سني من حقوق المواطنة الكاملة، أي من المشاركة السياسية. فهم ممنوعون من تقلد أي منصب سياسي في الجمهورية الإسلامية على غرار الأقليات الأخرى التي يحق لنا وصفها بأنها "منكوبة". وهو ما ينطبق على الدولة السنية في أرض الإسلام التي مازالت هي الأخرى سجناً بلا جدران لجميع الأقليات؛ ولو كانت الجمهورية الإسلامية علمانية لما منعت التبشير السني فيها. بالمثل لو كانت الدول السنية علمانية لما اعتبرت التبشير الشيعي فيها "عدواناً" على عقيدتها، كما زعم القرضاوي، الناطق بلسان حالها. في العلمانية من حق كل دين التبشير بنفسه،خارج المدارس، دون إذن من أحد.

هذا الواقع المرير يتطلب من جميع الأقليات، وفي مقدمتها الأقليات الشيعية في الدول السنية والأقلية السنية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، تبني العلمانية كمطلب أول لانتزاع حقوقها من الدولة الإسلامية،السنية والشيعية، التمييزية تعريفاً.

على "منظمة الدفاع عن الأقليات" والنساء أن تركز نشاطها الفكري والسياسي للمطالبة بفرض علمانية الدولة في الدساتير والقوانين وخاصة الممارسة اليومية والسياسية؛ إذ أن الاعتراف بحقوق الأقليات على الورق خدعة قديمة. دستور ستالين كان أكثر الدساتير احتراماً لحقوق الأقليات، لكن الأقليات في الاتحاد السوفياتي كابدت اضطهاداً دموياً نادراً في حوليات التاريخ؛ دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية يعترف للأقليات بكثير من حقوقها لكن على الورق فقط. أما في الواقع فالأقليات تسام سؤ العذاب. الأقلية السنية تقول أن الجمهورية الإسلامية خططت لإبادتها خلال 50 عاماً. والأقليات اللغوية التي تشكل 30 % من ساكنة إيران ممنوعة من استخدام لغتها وقس عليها الكرد في تركيا والأمازيغ في الجزائر علماً بأن اللغة تشكل النواة الصلبة للهوية.

ليس كالإعلام والتعليم والخطاب الديني المستنير لترسيخ حقوق الأقليات والنساء في الوعي الجمعي، وتشريبه ضرورة المواطنة العلمانية الكاملة . وهذا يفرض على علماء الإسلام،خاصة من الأقليات، الإسهام بنصيب الأسد في إصلاح الإسلام في موضوع الأقليات والنساء على الأقل. التعليم والإعلام والخطاب الديني هي جميعاً مسئولة أساساً عن هضم حقوق الأقليات والنساء. لابد إذن من خطاب إعلامي وتعليمي وديني جديد لإعادة صياغة الوعي الجمعي في اتجاه حماية حقوق الأقليات التي يعتبرها الخطاب السائد"طابوراً خامساً". إذن لتحقيق هذا الهدف، تنبغي المطالبة بتدريس الناشئة تاريخ الأقليات في بلدانهم بموضوعية. المعرفة الموضوعية كفيلة بتحريرهم من الآراء المسبقة السائدة الآن؛ وكذلك تدريس المبادئ الأولية لديانات أقلياتهم لمكافحة ثقافة الكراهية الحبلي باضطهاد الأقليات والحروب الدينية.وأيضاً المطالبة بتدريس "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان"(1948)،كما فعلت تونس،وتدريس "اتفاقية حماية الأقليات"(1993)، واتفاقية "منع العنف ضد النساء"(1994)، واتفاقية "القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة"(1999).

من مهام"منظمة الدفاع عن الأقليات"والنساء أن تتبني ـ وتجعل المجتمع المدني العالمي، والإعلام العالمي والدبلوماسية الدولية تتبني ـ المطالبة بإلغاء تدريس الشريعة والأمة الإسلامية والجهاد من التعليم الديني . وأن تتبني كذلك حظر تدريس الآيات والأحاديث والفتاوى المحرضة على عداء المرأة والأقليات غير الإسلامية أو الأقليات الإسلامية التي لها قراءات أخرى للإسلام مثل الأقلية الشيعية، في الدولة السنية، والأقليات السنية، في الدولة الشيعية، والدروز، والبهائيين، والعلويين، والخوارج، والإسماعيلية ...

إلغاء تدريس ثقافة كراهية الآخر، غير المسلم، والمسلم على طريقته، والمسلم النقدي، ضروري للتعايش السلمي بين الأديان والطوائف في كل بلد وفي العالم. تدريس الشريعة، المعادية لحقوق المرأة وغير المسلم وللمسلم النقدي، يتنافى مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والوثائق المكملة له التي أشرنا إليها قبل قليل؛ تدريس الأمة الإسلامية حيث تعلو رابطة الدين على الرابطتين القومية والإنسانية، يتنافى مع ضرورة ظهور الدولة ـ الأمة الحاملة للمواطنة الكاملة في أرض الإسلام؛ أما تدريس المبدأ الهاذي القائل بأن "الجهاد [جهاد الدفع وجهاد الطلب]باق إلى قيام الساعة" للقضاء على الأديان الأخرى،"المنسوخة والباطلة"، أي حوالي 300 دين، فهو أفضل وصفة لإشعال حرب أديان عالمية ربما كان المسلمون الخاسر الأكبر فيها.

من الأهمية بمكان أيضاً، دفاعاً عن حقوق الأقليات والنساء، إصلاح الخطاب الديني بإلغاء تدريس الآيات والأحاديث المعادية لحقوق الأقليات والنساء ولحق المفكرين الأحرار في حرية التعبير. هذه الآيات السجالية والجهادية آيات تاريخية أنتجتها الظروف التي تطلبتها والجمهور الذي طلبها؛ وبما هي منتوج التاريخ، فالتاريخ يتجاوزها وينسخها، مثلها مثل الـ 500 آية التي يقول المعافري في كتابه "الناسخ والمنسوخ" أنها نسخت على عهد النبي، فضلاً عن الآيات والأحاديث التي واصل أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاذ نسخها وكذلك بعض الفقهاء من بعدهم. لماذا نسخت هذه الآيات والأحاديث؟ لأن المستجدات التاريخية ومصالح الناس أقوي من كل النصوص الدينية والدنيوية؛ بما أن المستجدات لا تتوقف ومصالح الناس تتغير بتغير الزمان والمكان فالنسخ يبقي دائماً مطروحاً على جدول الأعمال لتكييف النص مع حقائق الواقع.

وهذا ما بدأ يعيه اليوم عدد من الفقهاء والمفكرين المسلمين. لا شك أن عددهم موعود بالتزايد بانضمام الفقهاء غير المصابين بالإنطوائية إليهم. أقترح المفكر الإسلامي التونسي، محمد الطالبي، سنة 2006 نسخ آية ضرب النساء(جون أفريك 25/12/2006 ص 100)وفي مارس 2006 أفتي الشيخ حسن الترابي بنسخ 3 آيات معادية للنساء وغير المسلمين: الآية (11 النساء) التي تعطي للذكر مثل حظ الإنثيين في الإرث، والآية (282 البقرة) التي تعتبر المرأة نصف رجل في الشهادة قائلاً:"بل شهادة المرأة العالمة بأربعة رجال جهلة"، كما نسخ الآية (221 البقرة) التي تحرم على المسلمة الزواج من غير المسلم.

هذا النسخ بالقطارة للآيات المتقادمة خاصة المعادية للأقليات والنساء غير كاف، لأنه غير مؤسس على مبدأ. لذلك لابد من إدراجه في مبدأ معرفي مؤسس يمكن أن نستنتج منه ضرورة نسخ جميع الآيات والأحاديث والفتاوى المتعارضة مع تبني المسلمين لمؤسسات، وعلوم وقيم الحداثة؛ مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقيات المتفرعة عنه لحماية الأقليات والنساء المذكورة أعلاه. هذا المبدأ مستمد من قراءة عقلانية للشريعة تقدم المصلحة على النص؛ نجد بذورها عند الشاطبي القائل:" وحيث المصلحة فثم شرع الله" وخاصة عند نجم الدين الطوفي، معاصر ابن تيمية ونقيضه، الذي أعطي الأولوية لـ"المصلحة العقلية على النص من كتاب أو سنة". وهكذا فما أن تتعارض آية أو حديث مع مصلحة المسلمين في التقدم، أو مصلحة الأقليات والنساء في المواطنة الكاملة، أو مصلحة البشرية في الاستقرار والسلام، حتى تنسخ؛و يقبل الوعي الجمعي الإسلامي،الذي تم إنضّاجه، نسخها دون عقد أو شعور بالذنب.

الإعلام والتعليم والخطاب الديني المستنير ستكون جميعاً الحامل لهذه الرسالة للأجيال المعاصرة والصاعدة. مهمتنا بهذا الصدد هي المطالبة بتدريس هذا المبدأ الناسخ الضروري. لماذا؟ لقد نسخ عهد الذمة سنة 1856 فلم يعد الأقباط والمسيحيون تحت الخلافة العثمانية يدفعون الجزية. لكن غياب هذا النسخ من الإعلام والتعليم والخطاب الديني أبقى عهد الذمة حياً في الذاكرة الجمعية الإسلامية. إلغاء اضطهاد الأقليات على الورق فقط قليل الجدوى. إذن فالمطلوب هو إلغاؤه من النفوس ومن الرؤوس بثالوث التعليم والإعلام والخطاب الديني.

يمثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وملحقاته، مثل اتفاقية حماية حقوق الأقليات، منع العنف ضد المرأة، وتحريم جميع أشكال التمييز ضد المرأة وحقوق الطفل ... الأخلاق المعاصرة التي عوضت الأخلاق الدينية القمعية والحرمانية القديمة. المجتمع المدني العالمي هو اليوم الحارس اليقظ لهذه الأخلاق الكونية المعاصرة، التي بدون احترامها تسقط البشرية في "حالة الطبيعة"، في حرب الجميع على الجميع، لكن هذه المرة في "حالة الطبيعة" فعليه أكثر مما هي تخييلية. دون شك هذه الأخلاق الإنسانية الكونية الجديدة ليست كاملة ولكنها قابلة للكمال. هي أكمل ما هو موجود ولكنها ليست أكمل ما هو منشود. المشجع، هو أنه بعدم انتهاكها وبعدم السماح بانتهاكها ، تفتح البشرية الآفاق أكثر نحو المجتمع المفتوح، نحو عالم أقل بؤساً، وأقل قسوة، وأقل خطراً وأقل ظلماً وأقل استغلالاً. إذا كانت مهمة الكائن البشري المركزية هي إعطاؤه معنى لحياته هنا والآن،فممارسة هذه الأخلاق والدفاع عنها كفيل بتلبية هذا الهدف.

الدولة العلمانية ، المواطنة الكاملة، تعليم تاريخ الأقليات ومبادئ دياناتهم ولغاتهم، نسخ الآيات والأحاديث المعادية للنساء والأقليات، وممارسة الأخلاق المعاصرة والدفاع عنها، لن تعطي ثمارها كاملة إلا بشرطين أساسيين:الاعتراف بالفيدرالية أو ـ في الحالات الأخرى ـ باللامركزية الموسعة كشكلين دستوريين للدولة في أرض الإسلام. الفيدرالية مطروحة اليوم بحدة على جدول الأعمال في كل من العراق والسودان وربما غداً في تركيا وإيران ثم لبنان وسوريا وبعض بلدان الخليج. من المرجح أن تكون الفيدرالية نمط الحكومة الصالحة في القرن الحادي والعشرين في كل بلد متعدد دينياً، إثنياً ولغوياً. برهنت التجربة التاريخية إنها نجحت حيث طبقت سواء في العالم المتقدم أو النامي: في الولايات المتحدة الأمريكية، في ألمانيا الفيدرالية، في الفيدرالية السويسرية، في الفيدرالية الهندية وفي الفيدرالية الروسية، وفي الفيدرالية الكندية... وربما غداً في الصين. الفيدرالية تمكن الأقليات من تحقيق طموحاتها بعيداً عن وصاية الأغلبية التي حكمتها وقهرتها طوال قرون. من المهم، بهذا الصدد، دراسة الفيدرالية الكندية وخاصة الهندية التي مكنت هذين البلدين الديمقراطيين من تحقيق التعايش السلمي مع أقلياتهما الكثيرة.

اللامركزية الموسعة تعطي الأقليات، التي لا يساعدها وضعها الجغرافي على ممارسة الفيدرالية كالأقباط في مصر مثلاً، إمكانية التعبير عن مطالبها وإدارة شؤونها المحلية بنفسها وتطوير ثقافتها ، ولغتها وممارسة شعائرها الدينية بحرية أكثر. الفيدرالية واللامركزية هما تاريخياً محضّنة التنوع الثقافي وتحرير المبادرة الفردية والجمعية من الأغلال البيروقراطية ، والأتوقراطية والثيوقراطية للحكومة المركزية.لذا لا ينبغي أن يكونا مطلباً للأقليات وحسب بل وأيضاً لباقي السكان. إذ أن تدبير الشؤون الإدارية لمنطقة أو محافظة سيصبح شأناً خاصاً بالسلطات المحلية المنتخبة، بعد أن كان حكراً على موظفي الدولة المركزية المعينين، الذين لا رقابة للسكان المحليين عليهم.

تحقيق هذه المطالب الإصلاحية تدريجياً كفيل ببعث مسار تراكمي تساوي محصلته النهائية ثورة سياسية وثقافية سلمية تغير بنى أرض الإسلام وذهنيات سكانها.

ختاماً أوجه نداءاً حاراً للمحسنين في كل مكان وخاصة في أرض الإسلام من أبناء الأقليات أو الأغلبية، لينضموا للمهندس عدلي أبادير يوسف لمساعدة"منظمة الدفاع عن الأقليات" والنساء من أجل عالم أفضل يطيب العيش فيه للجميع.

Post: #2
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-13-2008, 10:59 AM
Parent: #1

ما هو المقصود من الدعوة إلى فصل الدين عن الدولة والسياسة؟
01/02/2007

د. عمرو إسماعيل

هل يعني فصل الدين عن الدولة والسياسة.. أن يكون المسئول غير متدين؟، أو تعني هذه الجملة أن الدولة المدنية التي تفصل الدين عن الدولة سيكون المسئول أو المواطن فيها فاسقا..؟، هل تعني الدعوة لفصل الدين عن الدولة وأن يكون الدين لله والوطن للجميع أن ننحي الدين جانبا من حياتنا؟ أو تعني دعوة إلى الفسق والفجور مثلما يقول البعض عن هذه الدعوة مهاجمين أنصار الدولة المدنية..؟
العكس هو الحقيقة تماما..، فصل الدين عن السياسة أو الدولة لا يعني أبدا ولم يعني فصل الدين عن الحياة..، المعنى الحقيقي لفصل الدين عن السياسة ببساطة عند أنصار هذه الدعوة هو التالي:
عندما يختار أي منا مرشحا لأي منصب يجب أن يختاره لأنه قدوة وذو سمعة جيدة ويرفع برنامجا واضحا.. وليس لأنه يرفع شعارا مكتوب عليه أنا متدين..، ولتبسيط الأمر، في الدول التي تفصل الدين عن الدولة.. قد يتقدم لأي منصب ثلاثة مرشحين.. أحدهم يتقدم ببرنامج اشتراكي وآخر ببرنامج اقتصادي ليبرالي وثالث ببرنامج وسطي.. والثلاثة مرشحين قد يكون كل منهم متدين يؤدي تعاليم دينه ويذهب للصلاة في المسجد أو الكنيسة.. أو على الأقل يجب أن تكون سمعته جيدة.. ولا يجب أن يرفع أي منهم راية تزايد على دين الآخر....
عندها سيكون المواطن قادرا على اختيار المرشح الذي يحقق له مصلحته أو يقنعه بفكره..، عندما لا نفصل الدين عن الدولة.. سيجد أي منا نفسه يرفض مرشحا قبطيا مثلا.. رغم كفاءته وسمعته الحسنة وقدرته على تحقيق البرنامج الذي ترشح على أساسه.. وينحاز إلى مرشح آخر أقل منه كفاءة لمجرد أنه يقابله في المسجد.. والعكس صحيح..
ولعل العراق خير مثال.. فأهل العراق قد اكتووا بنار الاستغلال الكامل للدين في السياسة..، فالشيعي هناك يختار مرشحه ليس بناء على مقياس الكفاءة ولكن بناء على مقياس المذهب، والسُني يفعل المثل والكردي والمسيحي.. ونحن جميعا نرى ماذا حدث وما هي النتيجة..
صدقوني مهما كانت كفاءة أي مرشح لأي منصب.. سواء كان عضوية مجلس نقابة أو عضوية مجلس الشعب أو حتى منصب رئيس الجمهورية.. لو دخل أي انتخابات حرة أمام مرشح يحمل شعارات دينية تجعل البسطاء يعتقدون أنه يمثل الإسلام أو أنه يمثل المسيحية وقد يكون فعلا متدينا ولكنه لا يحمل برنامجا سياسيا واضحا.. سيخسر المرشح الكفء هذه الانتخابات إن لم يبدأ في المزايدة لإثبات أنه أكثر تدينا وقل على البرنامج الحقيقي السلام...
ولنبسط الأمر أكثر.. جماعة الإخوان وبعد ثمانين عاما ونتيجة الضغوط عليها.. بعد ثمانين عام! مازالت تدرس الآن فقط إعلان برنامجها السياسي.. لأنها لم يكن لها قط برنامج سياسي حقيقي.. بل مجرد شعارات عامة تبتز مشاعر المواطنين المتدينين..، يا سادتي.. في معظم عصور الخلافة الإسلامية بعد الخلافة الراشدة.. وفي كل هذه العصور كان الحاكم يقول أن مرجعيته هي الإسلام.. فهل كان كل المسئولين في هذه العصور متدينين.. هل كان الحاكم متدينا.. هل كان يزيد بن معاوية متدينا أو السفاح العباسي أو الحجاج أو قراقوش..أو أو....
فصل الدين عن السياسة معناه فقط هو عدم استغلال الدين لتحقيق أهداف سياسية.. عدم رفع شعارات دينية في تنافس سياسي..، عدم كتابة خطاب سياسي يبدأ بالبسملة وآية من القرآن.. ثم مجموعة من الأكاذيب بعد ذلك..، فصل الدين عن السياسة والدولة المدنية تعني أن يكون التشريع هو مسئولية المجلس التشريعي بناء على نصوص الدستور وأن من يحكم في دستورية القوانين هو المحكمة الدستورية العليا وليس مجموعة من الفقهاء أو رجال الدين.. والسلطة التنفيذية مهمتها تنفيذ هذه القوانين وتحقيق برنامجها السياسي الذي يحترم هذه القوانين سواء كان رئيس هذه السلطة مسلما أو مسيحيا.. رجلا أو امرأة....
فهل هذا ما تقوله جماعة الإخوان رغم كل الإجابات الملتوية.. لنرى رأي عضو مجلس شعب يمثلها في حوار منشور على موقعهم في هذه القضية وردا على سؤال واضح:
"د/ محمد مرسي في حديث الساعة حول مدنية الدولة وحزب الإخوان
فما رؤيتكم مثلاً لوضع الأقباط والأحزاب والمرأة وتداول السلطة والحريات العامة والخاصة في ظل الدولة الإسلامية؟
** كما سبق وأن أشرتُ أننا نتحدث عن الحكم الإسلامي الذي ينطلق من الشريعة الإسلامية، وهذه الشريعة وضعت أحكامًا واضحةً لكل القضايا وكل الفئات، ولذلك فإنه في ظل الدولة الإسلامية فإن الأمر يرجع لأهل الاختصاص، وللإسلام علماء متخصصون في كل المجالات وهناك مؤلفات ومراجع، وآراء فقهية محترمة في سياق منهج أهل السنة والجماعة حول هذه القضايا والنقاط، وجماعة الإخوان المسلمين كهيئةٍ إسلاميةٍ جامعة لا تنتهج مذهبًا فقهيًّا بعينه، وإنما تُحيل مثل هذه القضايا إلى أهل الاختصاص فيها، وهم كثيرون في المجتمع وثقاتٌ وعدولٌ، ومن هذه الآراء والدراسات والمبادئ الأساسية يستقي الإخوان آراءَهم في هذه القضايا، وقد سبق أن أعلنت الجماعة في وثائق مدوَّنة ومنشورة عن رأيها في قضايا التعددية السياسية والمرأة والأحزاب وغيرها من القضايا الأخرى."
أي أن الذي يحكم في قضايا هامة مثل وضع الأقباط وتداول السلطة والحريات العامة والخاصة في ظل الدولة التي تنادي بها جماعة الإخوان ليس القانون والدستور ومجلس الشعب.. بل أهل الاختصاص والعلماء المتخصصون.. تحال هذه الأمور الهامة إلى علماء الدين المتخصصين وليس للقانون والدستور ومجلس الشعب.. إن لم تكن هذه هي الدولة الدينية فماذا تكون.. وأي حزب مدني يدعون أنهم يريدون تكوينه..
هذا ما يريد أن يدفعنا إليه الإخوان إن لم نفصل الدولة عن الدين ونؤكد على مدنية الدولة وأن الدين لله والوطن للجميع..، كهنوتية جماعة الإخوان ومن يعتبرونهم أهل ثقات وعدول من أهل الاختصاص (المرشد وأعضاء مكتب الإرشاد).. وهي كهنوتية لا تفرق إطلاقا عن كهنوتية الكنيسة في العصور الوسطي..، هذا معنى فصل الدين عن السياسة ودولة المواطنة.. الدولة المدنية ليس معناها أبدا منع أي مواطن أو منع أي مسئول كمواطن أن يكون متدينا يقيم الصلوات الخمس ويصوم ويزكي ويحج إلى بيت الله الحرام أو أن يذهب إلى الكنيسة كل أحد إن كان مسيحيا.. ليس معناها عدم التمسك بالدين ومبادئه ومبادئ الأخلاق..
الدولة المدنية تعني سيادة القانون على الجميع بدون تمييزى.. القانون الذي تشرعه السلطة التشريعية وتحكم به السلطة القضائية وتنفذه السلطة التنفيذية والسلطة الوحيدة المنوط بها الحكم على دستورية أي قانون هي المحكمة الدستورية العليا..
الدولة المدنية ودولة المواطنة.. تعني أن كل مواطني هذه الدولة متساوون تماما أمام هذا القانون بصرف النظر عن الدين والمذهب والجنس واللون والأصل أو العرق...، جميعا لهم نفس الحقوق والواجبات..
الدولة المدنية ودولة المواطنة يجب أن تفصل الدين عن الدولة..، أن يكون فيها الدين لله والوطن للجميع.. وأي التفاف حو هذه الحقائق البسيطة معناه أنه يدعو إلى دولة غير مدنية ليس للمواطنين فيها حقوق غير متساوية وهي ليست دولة مواطنة..
مهما حاول الإخوان ممارسة التقية فما يدعون إليه ليس الدولة المدنية وبالتأكيد ليست هي دولة المواطنة..
فلماذا لا تكون عندهم الشجاعة لتسمية الأشياء بأسمائها....؟





الاسلام هو الحل.. عن أي حل يتحدثون؟

د. عمرو اسماعيل


الاسلام هو الحل شعار جميل يخلب لب العامة والخاصة في مجتمعاتنا ونحن في أغلبيتنا متدينون بطبعنا نحب الله ورسوله ونؤمن ان الله هو ملاذنا الأخير في مواجهة الظلم والقهر الذي نعانيه علي أيدي حكامنا الظلمة وعلي أيدي المفسدين الذين يستغلون شعوبهم ويكسبون كل مباهج الدنيا علي حساب هذه الشعوب التي لا يعلم الكثير منها ان من يرفعون هذا الشعار الخلاب انما يرفعونه ليخدروهم وهم يسرقون كدهم وعرقهم أو وهم يتآمرون للوصول الي السلطة ليتحكموا في مقدراتهم و رزقهم و الاهم رقابهم و حياتهم نفسها.

يرفع هذا الشعار مثقفون منتمون للتيار الاسلامي في سبيل الكسب المادي والظهور علي صفحات الجرائد و شاشات التليفزيون ..و شيوخ فضائيات يتاجرون به لتزداد حساباتهم في البنوك بينما غلابة المسلمين في كل الحالات يزدادون فقرا و تخلفا وهم يهتفون للشعار الجميل .. رفعته شركات توظيف الاموال من قبل وضاعت فلوس الغلابة من المسلمين ويستمتع الآن السعد وغيره بهذه الفلوس في بلاد الكفرة (من وجهة نظر رافعي الشعار) ولم يساعدهم مستشاري شركات التوظيف من شيوخنا الاجلاء أمثال ؟؟؟ بل ازداد ثرائهم بتحولهم الي مستشارين للأمراء والبنوك التي تدعي انها أسلامية والتي تقع مقارها في سويسرا عاصمة الربا في العالم, وترفعه أحزاب تسعي الي السلطة لكي تتحكم في عقولنا وضمائرنا و رقابنا والاهم ثروات شعوبنا.

اما الذي يستعصي علي الفهم فهو أن الضحايا مازالوا يهتفون ,, الله يا سيدنا الشيخ ,, كلما شاهدوا نجما تليفزيونيا يزداد ثراءا وهو يقول لهم هذا هو الحل السحري الذي لا يكلفه شيئا.. أو يحكي لهم قصص بلهاء من التراث تحكي عن بطولات دخل اصحابها الجنة .. رغم أنني لا أدري كيف يمكن أن يعرف أي شحص من دخل الجنة و من دخل النار فلم يصل إلي علمي حتي الآن أن شخصا قد عاد بعد الموت ليخبرنا عمن هم في الجنة أو النار.

ولذا فأن كلامي ليس موجها لهؤلاء الضحايا ممن يحبون فعلا الله و رسله .. ولكنه موجها للمتاجرين بالدين والذين يدعون ان الاسلام هو الحل دون أن يوضحوا لنا و بلغة عصرية ومفصلة وواضحة كيف يكون هو الحل ولماذا كنا و ما زلنا اكثر شعوب الارض تخلفا و اكثرها فقرا رغم كل ما وهبه الله لنا من ثروات ضاع عائدها في جيوب القلة وذهبت الي بنوك الربا و الكفر علي حد زعمهم في سويسرا و أمريكا وبقينا نحن الغلابة نعاني الظلم و القهر .

أني اسألهم عن أي مفهوم للاسلام يتحدئون .. عن اسلام الشيعة ام السنة .. عن الاسلام بمفهوم ابن حنبل و ابن تيمية و ابن عبد الوهاب و ابن باز وتلميذهم النجيب بن لادن و أتباعه الذين ينشرون الرعب و القتل وفصل الرقاب عن الاجساد ويستعدون علينا العالم كله .. أم عن الاسلام بمفهوم ابي حنيفة أو مالك أو الشافعي.

عن اي اسلام يتحدثون عن اسلام سيد قطب و المودودي أم اسلام الازهر وشيوخه .. ولماذا لا يقولون لنا نحن الغلابة الحقيقة؟ .. أن هناك مفاهيم و تصورات مختلفة للأسلام وخاصة عندما يقولون أنه دين ودولة .. أم ان الحقيقة ليست من حق البسطاء .. على البسطاء و الغلابة الطاعة فقط وأن يقولوا آمين بدون فهم أو وعي.

لماذا لا يقولون ان الاسلام بعد عصر النبوة وفي التطبيق السياسي فهمه عمر بن الخطاب غير ما فهمه أبو بكر الصديق وفهمه عثمان بن عفان بطريقة مختلفة عن كلاهما رغم أنه قبل الحكم علي اساس انه سيحكم بسنة رسول الله والشيخين من بعده ولكنه لم يفعل مما أدي الي مقتله في النهاية .. كما فهمه علي بن أبي طالب وشيعته بطريقة تختلف عن فهم الخوارج له والاهم بطريقة تختلف عن معاوية بن ابي سفيان الذي استطاع بحد السيف و دهاءه و تحالفه مع داهية العرب عمرو ابن العاص ان يفرض مفهومه السياسي للأسلام وهو مفهوم بسيط جدا ,, طاعة الحاكم من طاعة الله ,, وهو المفهوم السائد الي الان .. يأخذ منك الحاكم عائد كدك و عرقك ليبني القصور ويشتري الجواري وما عليك ألا الطاعة والا طارت رقبتك .. والحاكم هو كل من وصل الي الحكم بالوراثة و أيده أهل الحل والعقد من فقهاء السلطة .. أو من وصل الي الحكم بخد السيف وأيده نفس الفقهاء خوفا علي رقابهم ..

ولننظر الآن الي ما يحدث في السعودية فنفس الشيوخ الذين كانوا يعتبرون بن لادن و أتباعه مجاهدين في سبيل الله اصبحوا يعتبرونهم الآن ضالين و أرهابيين لأنهم تمردوا علي أولياء نعمة فقهاء السلطة .. ونري الشيخ الملاكي لفضائية الجزيرة يقول الآن أن الديمقراطية هي من روح الاسلام عندما نظم ولي نعمته مؤتمرا عن الاصلاح والديمقراطية وهو الي سنين قريبة كان يعتبر الديمقراطية كلمة خبيثة لا يحق لمسلم ان ينطقها.

هذا عن السياسة فماذا عن الفقه و العقيدة .. فكتب الفقه ما أكثرها وتمتليء بالاختلافات في كل شيء .. هل نفهم الاسلام كما فهمه فقهاء الشيعة أم المعتزلة أم أهل السنة و الجماعة الذين تفرقوا الي اشاعرة و سلفية .. هل نفهم الاسلام كما فهمه الغزالي أم ابن رشد أم ابن حزم قديما .. أو كما فهمه محمد عبده أو محمد رشيد رضا حديثا و كلاهما كان شيخا للأزهر وكلاهما كان له فهما مختلفاعن الآخر .. أم نفهمه كما يفهمه شيخ الازهر الحالي سيد بيه أوكيه .. نفهمه كما فهمه حسن البنا أم أخيه جمال البنا أم سيد قطب وكلهم خرجوا من رحم جماعة الأخوان المسلمين.

عندما يكون الحل في أي شيء فيجب ان يكون هناك اتفاق واضح علي هذا الحل .. ولكني بمفهومي القاصر أجد اختلافا في كل شيء ألا في الشعار ,, الاسلام هو الحل ,, اختلف الصحابة في الماضي كيف يكون الحل الي درجة الاقتتال و سفك دماء المسلمين الغلابة الذين انحازوا الي هذا الطرف أو ذاك .. و مازال الاختلاف دائرا بين الطرفين حتي الآن و مازالت الدماء تسفك كما يحدث في العراق حتي ياتي طاغية مثل الحجاج بن يوسف الثقفي أو صدام حسين فيدخل الجميع من فقهاء السلطة الي الجحور خوفا علي حياتهم فيقل سفك الدماء بين الغلابة الا دماء من تجرأ أن يرفع صوته في وجه الطاغية.

ولذا اتوجه بسؤالي الي كل من يتقولون شعار الاسلام هو الحل أن يقولوا لنا عن أي مفهوم للأسلام يتحدثون لنعرف أي حل يقصدون .. فأنا أومن فعلا أن الاسلام هو الحل ولكن فقط عندما يصبح الاسلام مثل أي دين آخر .. دين نتقرب به الي الله بأقامة شعائره من صلاة و صوم وزكاة وحج الي بيت الله اذا اسنطعنا الي ذلك سبيلا ( هل نستطيع أن نري و نعي رحمة الله).. ونتعلم منه مكارم الأخلاق .. ونأخذ منه المباديء العامة من عدل و مساواة و حب و تسامح .. أما عندما يكون حلا سياسيا فأنا لا أري الآن ألا قتل وتعصب وسفك دماء وهو نفس ما حدث في الماضي طوال أربعة عشر قرنا .. أمور دنيانا من حكم وسياسة و اقتصاد و علم تركها الله لنا لنستخدم فيها عقولنا التي وهبنا أياها مستلهمين المباديء العامة من الدين الاسلامي كما يفعل اصحاب الاديان الاخري .. ولكن هناك البعض مصممون علي حرماننا من عقولنا من خلال مخاطبة عواطف الغلابة المحبين لدينهم .. وللطرفين أقول فلتهنئوا بالتخلف الحضاري و سفك الدماء و فصل الرؤوس عن اجسادها فهذه هي النتيجة عندما يتحول الاسلام من دين الي حل سياسي.

د. عمرو اسماعيل




لماذا نحمل الله مساوئنا؟

د. عمرو اسماعيل



عندما يبدأ مسئول سياسي خطابه المليء بالكذب والخداع بجملة بسم الله الرحمن الرحمن الرحيم ثم يتبعها بآية من القرآن الكريم فهو قد صادر حقنا مقدما في مناقشة ما تضمنه خطابه من أفكار وما قد يمتلئ به من أكاذيب. ونفس الشيء ينطبق علي أي كاتب يبدأ مقاله بنفس الطريقة رغم أن مقاله قد يحتوي علي ما يستحق النقاش فكريا وما يستوجب الاعتراض والنقد والتفنيد.. لماذا نصر علي تحميل الله مساوئنا وأخطائنا في محاولة ممجوجة للإقناع ومصادرة حق الآخرين في النقاش و الاعتراض.

تمارس هذه العادة حكوماتنا و أحزابنا السياسية ودولنا المتصارعة كما يمارسها مثقفونا وكتابنا ونمارسها علي المستوي الشخصي عندما نكتب طلب التقدم لوظيفة قد لا تكون من حقنا ونكتب في هذا الطلب بيانات قد تكون كاذبة.. ونمارسها أحيانا بدون وعي عندما نكتب رسائلنا وقد تكون رسائل عاطفية.

في حرب الخليج الاولي اتيع الفريقان نفس الاسلوب لمحاولة السيطرة على العامة .. فكل فريق استشهد بالآيات القرآنية والأحاديث التي تؤيده ولو نظرت إلى أسانيد كل فريق على حدة لاقتنعت أنه علي حق .. ولكنها في الحقبقة محاولة خبيثة لاستخدام الدين في غير موضعه لأغراض سياسية ليس لها علاقة من قريب أو بعيد بالدين ولا تؤدي في النهاية الا للإساءة الي الدين نفسه.

ومازالت نفس القوي السياسية في عالمنا تتبع نفس الاسلوب. فالقوى المتصارعة في العراق تبدأ خطابها السياسي باسم الله و تستشهد على وجهة نظرها بآيات من الذكر الحكيم .. تفعل ذلك القوى التي تعتقد في الاسلوب السلمي في مقاومة المحتل وتفعله القوى التي تؤمن بالعنف كوسيلة للمقاومة والتغيير.

وفي السعودية يحدث نفس الشيء .. الفريق المتطرف الذي يفجر القنابل وينحر الرهائن يبدأ خطابه باسم الله ويستشهد بالآيات القرآنية و الأحاديث على أفعاله .. والفريق المتحالف مع النظام الحاكم يفعل نفس الشيء يبدأ خطابه باسم الله ويستشهد بآيات القرآن والاحاديث ليثبت وجهة نظره ان هؤلاء ما هم ألا خوارج وضالين .. رغم ان أي متابع محايد يعرف ان كلا الفريقين علي خطأ .. فلا القتل والعنف و الارهاب ممكن أن يكون باسم الله ولا القهر السياسي وسيطرة فئة قليلة علي الحكم ممكن أن تكون باسم الله.

ويفعل نفس الشيء الفريق المعارض في الخارج من اتباع سعد الفقيه رغم ان غرضه الاساسي سياسي وهو الوثوب الي سدة الحكم .

وفي مصر يحدث نفس الشيء .. يبدأ كل فريق خطابه باسم الله الرحمن ويتبعها بآيات من الذكر الحكيم .. عندما كانت الاشتراكية هي الموضة دبج فقهاء السلطة الكتب عن الاشتراكية في الاسلام و ملؤوها بالآيات القرآنية و الأحاديث لإثبات وجهة نظرهم ثم حدث نفس الشيء عندما تحولنا الي الرأسمالية .. وعندما كان المفهوم في الصراع ضد اسرائيل هو أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة .. كانت آيات القتال هي المتصدرة للخطاب السياسي والمقالات وعندما تحولنا الي السلم تحولت المقالات الي آيات واحاديث السلم والتسامح.

وحتي الآن تفعل جماعة الاخوان المسلمين نفس الشيء فهي تبدأ خطابها باسم الله وتستشهد بالآيات و الأحاديث التي تؤيد وجهة نظرها وتبتعد عن تلك الآيات و الأحاديث التي تحض علي طاعة ولي الأمر بينما يستخدمها فقهاء السلطة لتكريس سيطرة الحزب الحاكم والسلطة القائمة .. رغم ان الجميع يعرف ان الغرض الاساسي للجميع هو الدنيا والسلطة والسيطرة وليس أرضاء الله وكسب الآخرة.

لماذا نصر جميعا علي تحميل الله مساوئنا و أطماعنا الدنيوية السياسية والافتصادية .. لماذا نصر علي أن القتل هو باسم الله والقهر السياسي هو باسم الله والرغبة العارمة في السلطة هي باسم الله .

لماذا لانتوقف عن ذكر اسم الله الا عند قراءة القرآن بغرض العبادة الحقيقية و ارضاء الله فعلا والاستغفار الحقيقي له من ذنوبنا وخطايانا سواء كانت علي المستوي الفردي أو العام.

إلى متى سنستمر في استغلال اسم الله في تحقيق اطماعنا وشهواتنا في الحكم و التسلط وتحقيق المكاسب الدنيوية سواء كانت سياسية او اقتصادية.

لست فقيها و لا سياسيا ولكني مجرد مواطن غلبان يحب الله والوطن ولذا أسأل الجميع متى سنكف عن تحميل الله مساوئنا رغم أننا جميعا نعرف انه هو الذي يعرف النوايا وهو المطلع على الضمائر

د. عمرو اسماعيل

Post: #3
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-13-2008, 11:25 AM
Parent: #2



موقف العلامة أحمد شاكر ـ رحمه الله تعالى ـ

من اغتيال الإخوان المسلمين

لـرئيس الوزراء المصري [ النقراشي ]






إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له ومن يُضلل فلا هادي له ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .

أما بعد :

فإن الناظر في مسار فرقة الإخوان المسلمين منذ تأسيسها إلى وقتنا الحاضر سيكتشف كم خدَمت هذه الفرقة بأعمالها أعداء الإسلام ، و شوَّهت الإسلام ، و جَلَبت البلبلة لعقول المسلمين ..!

نعم!

الناظر إلى تاريخهم المخزي ، و المتأمل للأحداث التي نسبوها ـ همُ ـ إلى أنفسهم ، أو نُسبت إليهم من قبل من تعاطف معهم ن أو أيَّدهم ، و تعاون معهم ، أو سبح في فلكهم ، أو قريب من مَعينهم ـ المتكدِّر ! ـ سيجد أو يكتشف ما أقول ، و لاشك أنه سيُحزن فؤاده ، و يؤلمه ، و يتقطع لهول من يكتشفه ..

سيجد ت بكل يسر ـ أنهم كانوا وراء إحياء الفكر الخوارج و المعتزلة ، و المسخ العقائدي من وحدة الأديان إلى التقريب بين المذاهب إلى إنعاش تراث ابن الملجم و ابن سبأ و ابن سينا و الحلاج و ابن عربي و غيرهم من رؤوس الضلال ...

سيجد أن كتبهم قد احتوت على سب الأنبياء و الطعن على الصحابة و القول بالحلول و وحدة الوجود و الاستنجاد بالقبور و غيرها من البدع الغليظة و الشركيات الوخيمة ..

سيكتشف أنهم نشروا بين المسلمين سنة اليهود و الماجوس من الهواجس الباطنية و الاغتيالات السياسية و المظاهرات الانقلابية ..

أشياء كثيرة و مريرة تجند لها الإخوان المسلمين لإحيائها و بعثها في الأمة من جديد باسم الإصلاح و العصرنة و الحداثة و المعاصرة و التنوير و الاستغراب و الديموقراطية و التطور و العولمة !!

و من أبرز الاغتيالات التي نفذها عناصر الإخوان ؛ اغتيال محمود فهمي النقراشي باشا (1888 - 1948) ، رئيس وزراء مصري سابق، ترأس الوزارة مرتين، أُغتيل عام 1948م..

و لنترك الفرصة لأحد كبار منظري و مفكري فرقة الإخوان الإخوان المسلمين ، يروي لنا قصة الإغتيال ...

قال يوسف القرضاوي في مذكراته المنشورة في موقعه على الشبكة العنكبوتية ، تحت العنوان الآتي :


قتل النقراشي وحادثة محكمة الاستئناف.. "ليسوا إخوانا، وليسوا مسلمين"

[[ وفي اليوم الثامن والعشرين من شهر ديسمبر -أي بعد حل الإخوان بعشرين يوما- وقع ما حذر منه الإمام البنا، فقد أُذيع نبأ اغتيال رئيس الوزراء ووزير الداخلية والحاكم العسكري العام "محمود فهمي باشا النقراشي"، في قلب عرينه في وزارة الداخلية، أُطلقت عليه رصاصات أودت بحياته.
وكان الذي قام بهذا العمل طالبا بكلية الطب البيطري بجامعة "فؤاد الأول" بالقاهرة، اسمه "عبد المجيد حسن" أحد طلاب الإخوان، ومن أعضاء النظام الخاص، الذي قُبض عليه في الحال، وأودع السجن، وقد ارتكب فعلته، وهو يرتدي زي ضابط شرطة، لهذا لم يُشَك فيه حين دخل وزارة الداخلية، وانتظر رئيس الحكومة، حتى أطلق عليه رصاص مسدسه.
وعُين "إبراهيم باشا عبد الهادي" نائب النقراشي خلفا له في رئاسة الوزارة، الذي صمم على أن يضرب بيد من حديد، وأن ينتقم لسلفه النقراشي.
وقابل بعض شباب الإخوان اغتيال النقراشي بفرحة مشوبة بالحذر؛ لوفاة الرجل الذي ظلمهم وحل جماعتهم، ولكن هل كان في الاغتيال حل للمشكلة؟ لقد أثبت التاريخ أن الاغتيال السياسي لا يحل مشكلة، وأنه كما قال أحد الساسة للشيخ البنا: "إن ذهب عير فعير في الرباط"، والملاحظ أنه كثيرا ما يكون الخلف أنكى وأقسى من سلفه، وفي هذه القضية كان رد الفعل هو اغتيال حسن البنا؛ ثأرا للنقراشي؛ فأي خسارة أكبر من فقد حسن البنا، وإن ذهب شهيدا عند ربه؟![ التعليق (همام) : أين الإدانة لمنهج الإخوان الذي أخرج و لا يزال الثوار ]
ولم يكن للأستاذ البنا صلة بهذا الحادث، ولا علم له به، ولما سُئل عنه: قال: "إن جماعة الإخوان لا تتحمل وزر هذا الحادث؛ لأنها غير موجودة بحكم القانون[ تعليق : هذا من التفلت السياسي ] ؛ فكيف تتحمل تبعة عمل فرد ليس لها قدرة على أن تحاسبه، بل ولا مشروعية أن تسأله؟! وهو الذي حذرت منه أن ينطلق الأفراد بدوافعهم الذاتية [ تعليق : هذا من التهرب من تحمل المسؤولية] يفعلون ما يشاؤون".
وقد اعتقلت الحكومة بعض الأفراد مع عبد المجيد، منهم: عبد العزيز البقلي الترزي الذي خاط له حلة الضابط، والشيخ سيد سابق[ تعليق : إخواني النشأة ثم أسس تنظيما خاصا به بعد ذلك ] ، الذي قيل: إنه أفتاه بذلك، والذي أطلقت عليه الصحف اسم "مفتي الدماء"، واتخذ من ذلك مصورو الكاريكاتير مادة للسخرية والتشهير، ومما يُذكر من نكات الشيخ سيد سابق -وهو رجل خفيف الروح- أنه عندما قُبض عليه سألته المباحث عن "مالك"، فقال: "رضي الله عنه، كان إماما من أئمة المسلمين". قالوا: إنما نسألك عن "محمد مالك" الإرهابي الخطير الهارب! [ تعليق : تأملوا عقلية الإخوان السياسية ] قال: هذا لم ندرسه في الأزهر، إنما درسنا "مالك بن أنس"! وقد برأت المحكمة ساحة الشيخ سيد، وكان معنا في معتقل الطور، وسألناه بصراحة عن فتواه لعبد المجيد حسن، فأقسم لنا أنه لم تصدر منه فتوى له.
وكثير من القضايا التي كان الإعلام يضخمها، ويجعل من الحبة منها "قُبة"، كانت تتمخض في النهاية عند القضاء عن الحكم بالبراءة، ولكن بعد أن يكون الإعلام قد عمل عمله في عقول الناس لعدة أشهر، ثم يصدر حكم البراءة في عدة أسطر، وهو ما لا يزال إلى اليوم!!.
وأشهد أنني عرفت الأخ "محمد مالك" وصحبته، وصحبني عدة أيام بعد أن أفرجت عنه ثورة يوليو بعد قيامها، فرأيته شابا في غاية الصلاح والدماثة واللطف،[ التعليق : ارجع إلى الأوصاف التي وصف بها النبي صلى الله عليه و سلم الخوارج ] على حين أوحت الصحف بأنه غول أو سبُع قاتل.
وكنا -نحن طلاب الإخوان- في حالة ترقب، ننتظر أن يصدر الأمر باعتقالنا في أي وقت، ولا سيما الطلاب الذين لهم زعامة وتأثير في محيطهم، ويخشى أن يؤثروا في معاهدهم ومدارسهم.
وعلى أية حال فعبد الهادي الذي جاء بعد النقراشي المقتول، استمر أشد من سابقه وأقسى وأفظع، ولم يُخِفْه ما حدث لسلفه، بل بالغ في القسوة والتنكيل والتشديد. وهذا ما جربه كثيرون في مثل هذه الأحوال: أن يُغتال رئيس أو حاكم، فيخلفه من هو شر منه وأسوأ بمراحل ومراحل، حتى ينشد الناس:
رُبَّ يوم بكيت منه، فلما <> صرت في غيره بكيت عليه!
ومن هنا كانت فلسفة (الاغتيال) فلسفة عقيمة، لا تحل عقدة، ولا تعالج مشكلة، بل كثيرا ما تزيد الطين بلة، والداء علة!!. والأنظمة عادة لا تقوم على فرد واحد، بحيث إذا زال انهار النظام وهوى بنيانه، بل الغالب أنها تقوم على مؤسسات يقوم بها مجموعة من الناس، كلما سقط فرد قام بعده من يسد مسده. [ تعليق: أهكذا تُوصف أفعال الخوارج بهذه البرودة ، و النظرة السياسية المصلحية ؟! ]
في هذه الآونة وقعت حادثة كان لها صدى ودوي، وهي حادثة محاولة نسف محكمة الاستئناف بالقاهرة، التي اتُّهم فيها الأخ "شفيق أنس"، وقُبض عليه فيها، وكان ذلك بحجة أن فيها أوراقًا تخص بعض قضايا الإخوان، وقد أغضبت هذه الواقعة الأستاذ البنا -رحمه الله-، وساءته، وثار على من فعلها ثورة شديدة؛ وهو ما دفعه إلى أن يصدر بيانا نشرته الصحف في حينها، يبرأ فيه ممن اقترف هذه الفعلة، ويقول في نهاية بيانه عمن فعل ذلك أو شارك فيه: "هؤلاء ليسوا إخوانا، وليسوا مسلمين" بهذا الحسم البين.[ التعليق: منهج الإخوان لا يثمر إلا هذه الأعمال ، فهل تبرأ من منهج فرقته ؟ ]
وقد زعم بعض الأخوان أن الأستاذ البنا ضُغط عليه حتى أصدر هذا البيان، والواقع أن أحدا لم يضغط على الأستاذ، أو يطلب إليه مجرد طلب أن يصدر هذا البيان، ولكن الرجل من واقع شعوره بالمسؤولية أمام الله وأمام التاريخ أصدر هذا البيان. [ التعليق : كل هذا من المناورة السياسية ، لا تفيد شيئا، تأملوا تاريخ الإخوان بعد حسن البنا، و أمامكم اغتيال أنور السادات، و احكموا على هذا الكلام السياسي ] ..]]]انتهى النقل ، مع أن أباطيل كلام القرضاوي تحتاج إلى ردِ مستقل !.


و لكشف زيف هذه المواقف السياسية، وفضح هذه الفرقة التي أحيت منهج الخوارج ، يكفي أن نبيِّن موقفا لعالم سلفي عايشَ تلك الأحداث ، و أدانها ، و حذَّر من أصحابها ، و بيَّن حقيقة منهجهم ...

إنه موقف العلامة الشيخ أحمد بن محمد شاكر ـ رحمه الله تعالى ـ [1309-1377] ، و هذا ما سأنشره في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى ...

Post: #4
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-14-2008, 05:35 AM
Parent: #3

وهذا الجزء من مذكرات القرضاوى ..
افرا

القاضي يحاكم الإخوان...

ومن الحوادث التي وقعت في هذه الفترة: حادثان مهمان، كان لهما أثر في تاريخ جماعة الإخوان.

الحادث الأول، هو ما سمي بحادث (سيارة الجيب) وهو سيارة ضبطت فيها أوراق خطيرة تتعلق بالنظام الخاص في الإخوان، وما يخطط له من تدبير انقلاب لنظام الحكم الملكي المصري، وتحويله إلى نظام شورى إسلامي، وقد هرب الذي كان يسوق السيارة، ولكن الأوراق كشفت كل شيء.

وقد اتهم فيها عدد من الأفراد، سيقوا إلى السجن، ثم إلى المحاكمة، وقد طنطنت الصحف ـ على عادتها ـ بهذه الواقعة، وشنعت على الإخوان باعتبارهم إرهابيين يعملون على قلب نظام الحكم بالقوة، ولو أنهم نجحوا في تدبيرهم لأصبحوا أبطالا، ونثرت لهم الزهور، ووضعت على رؤوسهم التيجان، واعتبروا محررين للوطن، ومنقذين للأمة، وتسابق رجال القانون الدستوري يبررون عملهم هذا في ضوء (الفقه الثوري) كما حدث لرجال ثورة يوليو من بعد.

ولكن لأنهم لم ينجحوا، صوبت لهم السهام من كل جانب، وسمي عملهم هذا تخريبا وإرهابا وعنفا، وجريمة يعاقب عليها القانون. وصدق الشاعر الجاهلي حين قال:

والناس من يلق خيرا قائلون له ما يشتهي، ولأم المخطئ الهبل!

على كل حال، لقد أحيلت هذه القضية إلى محكمة مدنية، برئاسة المستشار أحمد بك كامل، وكان قد اتهم فيها أكثر من ثلاثين شخصا، منهم عبد الرحمن السندي، ومصطفى مشهور، ومحمود الصباغ، وأحمد حسنين، وأحمد زكي وغيرهم.

وكان الجو السياسي قد تغير، بعد سقوط حكومة إبراهيم عبد الهادي، وكانت فرصة ليصول فيها المحامون الإسلاميون والوطنيون، أمثال مختار عبد العليم، وشمس الدين الشناوي، وعبد المجيد نافع، وعزيز فهمي، وأحمد حسين وغيرهم. وأن تسمع شهادات رجال كبار مثل اللواء المواوي، واللواء فؤاد صادق وغيرهما.

وقد أصدرت المحكمة فيها حكما تاريخيا، برأ أكثرية المتهمين، وحكم على أفراد قليلين منهم بأحكام مخففة، ما بين سنة وثلاث سنوات، ولكن الشيء المهم في الحكم أنه أنصف الإخوان بوصفهم جماعة إسلامية وطنية. وأبرز دورهم الوطني والجهادي في مصر وفلسطين، ودورهم الثقافي والاجتماعي في خدمة مصر، ثم كانت المفاجأة أن انضم رئيس المحكمة المستشار الكبير أحمد كامل بعد ذلك إلى الإخوان، ونشرت ذلك الصحف بالخط العريض: حاكمهم ثم انضم إليهم!

قتل الخازندار.. خطايا الأفراد تلصق بالجماعة

والحادث الثاني من الحوادث التي وقعت في هذه الفترة، وكان لها أثر سيئ على الإخوان: قتل القاضي أحمد الخازندار، قتله اثنان من شباب الإخوان من المنتمين إلى النظام الخاص. هما محمود سعيد زينهم، وآخر نسيت اسمه. وقد قبض عليهما وسيقا إلى المحاكمة وحكم عليهما بالسجن المؤبد مع الأشغال الشاقة.

لم يكن للأستاذ حسن البنا المرشد العام علم بهذه الحادثة، ولا أذن فيها، ولا أخذ رأيه فيها. إنما الذي تولى كبرها، وحمل تبعتها هو النظام الخاص ورئيسه عبد الرحمن السندي، الذي دبر العملية وخطط لها، وأمر بتنفيذها، ولما سئل: كيف تقوم بمثل هذا العمل، دون أن تأخذ أمرا صريحا من المرشد العام؟

قال: إني سمعت من المرشد ما يفيد جواز قتل هذا القاضي، وإن لم يكن تصريحا.

قيل له: وماذا سمعت من المرشد؟

قال: عندما أصدر القاضي الخازندار حكمه على بعض شباب الإخوان في إحدى الحوادث بالحكم سبع سنوات، في حين حكم في قضية أخرى من أخطر القضايا على المتهم بالبراءة، قال: ربنا يريحنا من الخازندار وأمثاله.

قيل له: وهل مثل هذه الكلمة تعطيك فتوى بشرعية قتله، مع أن مقصود الأستاذ: ربنا يريحنا منه بتعيين القضاة العادلين الصالحين، أو بالموت أو بالغزل، وليس بالقتل. فالقتل لا يحل المشكلة قط.

ولقد سمعت من الأخ الكبير الأستاذ محمد فريد عبد الخالق، وكان رئيسا لقسم الطلاب في ذلك الوقت، وكان من القريبين من الأستاذ البنا، يقول: إنه دخل على الأستاذ البنا، بعد نشر وقوع الحادثة، فوجده أشد ما يكون غضبا وحنقا، حتى إنه كان يشد شعره من شدة الغضب، وقال له: أرأيت ما فعل إخوانك يا فريد؟ أرأيت هذه الجريمة الحمقاء؟ إني أبني وهو يهدمون، وأصلح وهم يفسدون. ماذا وراء هذه الفعلة النكراء؟ أي مصلحة للدعوة في قتل قاض؟ متى كان القضاة خصومنا؟؟ وكيف يفعلون هذا بدون أمر مني؟ ومن المسؤول عن الجماعة: المرشد العام أم رئيس النظام الخاص؟

هؤلاء سيدمرون الدعوة. إلى آخر ما قال الأستاذ حسب رواية الأستاذ فريد، وقد سمعت منه هذه القصة أكثر من مرة.

لقد كان هذا خطأ، بل خطيئة ارتكبها النظام الخاص، وهو الذي يتحمل وزرها، وقد شعر الأستاذ البنا في الآونة الأخيرة أن النظام بدأ يستقل بنفسه، ويتمرد على سلطانه، ويجعل من نفسه جماعة داخل الجماعة، أو دولة داخل الدولة، بل يرى أن كلمته يجب أن تكون هي العليا، وهي مشكلة عويصة يبدو أن الأستاذ بدأ يفكر في حلها، ويسر إلى بعض المقربين منه بخصوصها، وإن لم يهتد سبيلا إلى حلها، أو لم يمهله القدر حتى يجد طريقا لعلاجها.

ولقد اتخذت هذه الحادثة (حجة) لاتهام الإخوان بالعنف، ووصمهم بالإرهاب، وقد ناقشت تهمة (الإخوان والعنف) في كتاب (الإخوان المسلمون سبعون عاما في الدعوة والتربية والجهاد) وفندت كل الشبهات المطروحة، وخصوصا شبهة قتل الخازندار، التي كانت حادثة فريدة لم تتكرر في تاريخ الإخوان، على كثرة ما صدر ضدهم من أحكام قاسية من قضاة مدنيين وعسكريين، ولم يفكروا يوما في الانتقام من أحد منهم.

Post: #5
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-14-2008, 05:52 AM
Parent: #4

"الإخوان"... و"صناعة الموت"!

السبت, 26-مايو-2007

خليل علي حيدر - وجه المرشد حسن البنا رسائل عدة لتوجيه أتباعه من "الإخوان المسلمين" وتحديد مفاهيم العمل للجماعة في "رسالة الجهاد"، بدأ حديثه بالإشادة به -أي الجهاد- وتميز الإسلام في هذا المجال. فأنت لا "تجد نظاماً قديماً أو حديثاً، دينياً أو مدنياً، عني بشأن الجهاد والجندية واستنفار الأمة، وحشدها كلها صفاً واحداً للدفاع بكل قواها عن الحق، كما تجد ذلك في دين الإسلام". وبعد أن أورد الكثير من الآيات والأحاديث، وبعد أن ضعّف حديث "جهاد النفس" الذي يرى فيه البعض الجهاد الأكبر، صاح بأتباعه "أيها الإخوان: إن الأمة التي تُحسن صناعة الموت، وتعرف كيف تموت الموتة الشريفة، يهب لها الله الحياة العزيزة في الدنيا والنعيم الخالد في الآخرة.. واعلموا أن الموت لابد منه وأنه لا يكون إلا مرة واحدة، فإن جعلتموها في سبيل الله كان ذلك ربح الدنيا وثواب الآخرة... فاعملوا للموتة الكريمة تظفروا بالسعادة الكاملة، رزقنا الله وإياكم كرامة الاستشهاد في سبيله". (مجموعة الرسائل، دار الشهاب، ص 264).
عرف المجتمع المصري النشاط الديني والجمعيات الإسلامية، ولكن الجديد الذي أتى به "الإخوان المسلمون" لمصر ومن خلال مصر لمجتمعات أخرى مع انتشار الحركة، تمثل في ثلاث إضافات: الخلايا الحزبية والتنظيم الهرمي للحزب، العقائدية وأدلجة الدين، وأخيراً إدخال الدين في الحياة السياسية المدنية اليومية وإدخال العنف كرصيد احتياطي في التحرك الحزبي الإسلامي. فـ"الإخوان"، كما هدد "البنا" في رسالة أخرى، سيستخدمون "القوة العملية" حيث لا يجدي غيرها، و"حيث يثقون أنهم قد استكملوا عدة الإيمان والوحدة". (انظر: رسالة المؤتمر الخامس، فصل الإخوان والقوة والثورة). ساهمت ظروف متنوعة في الحد من نفوذ تيار العنف والثورة و"القوة العملية" داخل حركة "الإخوان" في مصر وخارجها: مشاكل الجهاز السري ومغامراته، اغتيال البنا وتغير زعامة "الإخوان"، الاصطدام بالثورة الناصرية، حملات القمع والتصفية... الخ.
وفي الخارج، وجد "الإخوان" أنفسهم في دول خليجية محافظة سياسياً واجتماعياً، تريد الاستفادة من الجماعة وإمكانياتها التعبوية والدعوية.. بثمن معقول!
كما وجدوا أنفسهم في مناطق أخرى مثل سوريا ولبنان والعراق والأردن والسودان وشمال أفريقيا وأوروبا في ظروف أخرى لا مجال للخوض في سماتها وتجاربها الآن، ولكن جماعة "الإخوان المسلمين" ومدرستها الفكرية، بإدخالها "صناعة الموت" في العمل الإسلامي، وتركيزها على خلط الجهاد والقتال بالصراع السياسي ومحاولات تغيير توازن القوى، ومراكمة تراث ضخم من الأدبيات والمؤلفات والمقالات والأشرطة ونجوم الوعظ "الجهادي"، أشعلت فعلاً النار في الهشيم!
عاصرت جماعة "الإخوان" في ظهورها عام 1928 وصعودها بعد ذلك ظروف الحروب العالمية المتوالية والثورات والانقلابات، ولم تبق في كل الدول وفيّة لما ألزمت نفسها به من "عدم اللجوء إلى القوة إلا إذا نضجت الظروف السياسية والاجتماعية": (اليمن، سوريا، السودان بل وحتى في مصر قبل ذلك).
وفي الوقت نفسه، وضعت الجماعة، بقصد أو بغير قصد، ثقافة "الجهاد" و"صناعة الموت"، في خدمة كل جماعات وأحزاب وتنظيمات الإسلام السياسي. لقد دمرت مؤلفات واجتهادات ومناورات ومفاهيم "الإخوان" في العالم العربي، على امتداد عشرات السنين، كل عناصر الاستقرار السياسي والحداثة السياسية والواقعية العصرية والثقافة الإنسانية العالمية في عقول أجيال متلاحقة من الشباب. وفيما كانت كتبها ومؤلفاتها تهاجم الدول العربية ككيانات "صنعها الاستعمار"، انهمكت في أكثر من دولة في محاولة محمومة لبناء كوادرها السياسية والمالية والتربوية والحزبية. وعندما "عمت البلوى" بالحركة النسائية، وبالديمقراطية، والتعددية الثقافية والدينية حاولت الجماعة استيعاب المستجدات.
ولكنها رغم كل هذا لم تبذل سوى أقل الجهد للتصدي لمن لا يزال يستفيد من تراث العنف الذي ولدته، إذ لا تزال مؤلفات سيد قطب وغيره تورد آلاف الشباب عبر العالم الإسلامي، بعد ترجمتها.. موارد التهلكة! الدعوة إلى الوسطية والاعتدال لا تشمل تراث "الإخوان" الفكري! بل إن كتب سيد قطب وغيره من كبار أعمدة الإسلام السياسي، تطبع وتترجم وتنشر وتقام لها المعارض في دول لا حصر لها تحت إشراف "الإخوان المسلمين" وحلقاتهم الدولية، في آسيا وأوروبا وأميركا!
وجدت الدعوة إلى القوة والعسكرة والعنف بيئة خصبة في ثقافتنا وحياتنا السياسية، وفي أوساط الشباب لأسباب عديدة معروفة، وقد ضاعف مغريات القوة والعنف في بلادنا، عدم فهم عناصر القوة الحقيقية القائمة على التطور الاقتصادي والصناعي والتقدم التقني. وضاعفها كذلك عدم فهم الجيل كله لحقائق التوازن الدولي، وكذلك هيمنة المفاهيم القديمة للحرب وأدواتها، وتجاهل الأثر المدمر الشامل للحرب الحديثة.
فإذا حدّثت مثلاً بعض شباب أوروبا بالجهاد والحرب واستخدام القوة، استغرب كيف لم تستوعب حتى الآن ما تجره الحروب الحديثة من دمار هائل، ولا غرابة إذ لم تعايش عاصمة عربية أو إسلامية واحدة ما حدث لبرلين ووارسو وستالينغراد مثلاً!
نمت فكرة اللجوء إلى القوة تدريجياً لتتنافس فيها جماعات الإسلام السياسي المختلفة على صعيد العالم العربي والإسلامي، وتخضع للمزايدة بين التنظيمات حيث تم في النهاية "جر رجل" حتى التيار السلفي في دول الخليج وخارجها للعنف! وظهرت قيادات لا تتقن إلا العنف والدموية و"صناعة الموت" واحتقار غير المسلمين، بل ومعاداة كل مسلم يعادي التكفير والتطرف، كما ظهرت شرائح واسعة من الشباب الجامعي المتعلم، إلى جانب الأميين والبسطاء، لا تعطي أهمية أو أولوية لأي تحرك سوى "الجهاد" والقتال والنحر والتفجير!
انظر مثلاً في مقدمة كتاب عنوانه "المسلمون والتربية العسكرية"، كتب مقدمته د. علي جريشة، أحد "الإخوان" المعروفين. يقول مؤلف الكتاب خالد أحمد الشنتوت، ويبدو أنه في غاية الحماس لعسكرة العالم الإسلامي: "إن المسلم الذي لا يتقن استخدام المسدس والبندقية والرشاش والرمانة اليدوية، مقصر في حقه وحق أمته وحق البشرية جميعاً، وسيعيش على هامش العصر في القرن الخامس عشر الهجري ومطلع الحادي والعشرين الميلادي، وعلى مؤسسات التربية في المجتمع المسلم أن تقدم التربية العسكرية لكل فرد مسلم، حتى تعود الأمة المسلمة إلى سابق عهدها في العزة والكرامة". (المسلمون والتربية العسكرية، جدة، 1989، ص 38).
ومن قادة "الإخوان" اللبنانيين الذين شجعوا في كتبهم على التسلح وإتقان استخدام "وسائل الرماية الحديثة" الداعية المعروف "فتحي يكن" (انظر كتابه: أبجديات التصور الحركي للعمل الإسلامي، بيروت، 1981). ولكن الأستاذ يكن ندم على دعوته "الإخوان" في لبنان إلى تعلم "الرماية الحديثة"، وكتب في كتابه اللاحق وعنوانه "المتساقطون على طريق الدعوة" عن مخاطر "فتنة السلاح"، فقال: "وأخطر ظواهر التطرف على الإطلاق ما اتصل منها باستعمال القوة، فإنها تصبح آنذاك جائحة لا يقتصر ضررها على الأفراد وإنما قد تأتي على الحركة كلها، والساحة الإسلامية تشهد منذ فترة ليست بالقصيرة ظاهرة سوء استعمال القوة، بسبب عدم التقيُّد بالضوابط والسياسات الشرعية في حال استعمال القوة".
إن حركة "الإخوان المسلمين" تاريخياً وعملياً، هي الأب الحقيقي والشرعي لأشكال القوة والعنف، كأداة من أدوات التأثير والتغيير والصراع، كما يمارسه الإسلام السياسي اليوم. وبالطبع لا يعترف "الإخوان" بشرعية انتماء هذا الوليد إليه، بل ويجاهر بالتبرؤ منه وقطع العلاقة، ويحاول "الإخوان" الاحتماء بالاعتدال والوسطية، والحوار والتسامح، والانتخابات والأدوات الشرعية والقانونية في دول عدة، ولكن أحزاب "الإخوان" لم تعقد حتى الآن مؤتمراً فكرياً مثلاً لنقد المفاهيم التي روجت لها على امتداد ثمانين سنة، ولا بحثت جادة في الكتابات الناقدة لها، ولا حاسبت نفسها على كل هذه التوجهات التي أثمرت اليوم كل ما نرى في السعودية والعراق ومصر والجزائر والمغرب بل وأفغانستان وباكستان من عنف وتطرف. لقد بشر المرشد المسلمين بأن الأمة التي تحسن "صناعة الموت" يهب لها الله الحياة العزيزة. ونحن نعرف اليوم جيداً ما فعلته تلك النصيحة بمصالح وحياة المسلمين!
* الاتحاد

Post: #6
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-17-2008, 04:33 AM
Parent: #5

المنبتون.. الإسلاميون بين حسن الخاتمة والمكابرة «2»

د.حيدر إبراهيم علي

يعتبر الإسلامويون اكبر واخطر المنبتين، ويثير الكثير من مشاعر الأسى والشفقة والشماتة. وفي نفس الوقت يسببون كثيرا من الضرر والخراب للوطن، لسبب بسيط هو انهم ممارسون ومحتكرون لسلطة سياسية دون ان يكون لديهم ما يقدمونه بعد ان انبتوا من مرجعيتهم الإسلامية ولم يقدموا بديلا فكريا او حلولا عملية. وهم بالتالي اسقطوا حيرتهم وتشويشهم الفكري والايديولوجي على وطن باكمله، وصار السودان يتخبط ويرتبك ويتوه حسب اتجاهات ولاة الامر المنبتين. فالانبتات لم يعد مشكلة حركة سياسية او حزب او صفوة بل انتشر في كل مفاصل الاحوال السياسية والادارية والاقتصادية. وهذا ما نحسه ونعيشه كل يوم، اذ لم يعد هناك اي مسؤول مهما كان رفيعا عن توقعاته لما يمكن ان يحدث في الغد. ولا يمكن لاي انسان ان يتنبأ بكيفية صدور قرار سياسي او طريقة تنفيذه، مهما كانت مكانته السياسية وموقعه التنفيذي.
نعود لسؤال المقال السابق وهو ان قضية السودان لم تعد: من يحكم السودان؟ او كيف يحكم السودان؟ ولكن لماذا تريدون حكم السودان؟ وهو سؤال ليس موجها للإسلامويين وحدهم بل لكل من يتطلع لحكم البلاد بعد هذه الكوارث التي اجتاحت البلاد طوال عقدين ، وبعد ان جربوا قبل ذلك في الحكم منذ الاستقلال. وعندما نتابع سياسات الحكم الحالية لابد ان نردد سؤالا «لماذا» اي ماذا تريدون تقديمه للمواطنين؟ وهذا سؤال يستحيل ان يجيب عليه شخص بلا رؤية او فكر، والا فهي نظرية الحكم من اجل الحكم، ويصبح الحكم غاية في حد ذاته.
يساهم الإسلامويون في تعميق الانبتات بسبب اصرار بعضهم بأن الحركة الإسلاموية كتبت نهايتها بيدها بانقلاب 30 يونيو 1989م وبالطريقة التي ادارت بها دولتها والتي وجدتها كاملة وشاملة بين يديها بعد القمع الشاذ والاقتلاع لكل المعارضين والمخالفين حتى اكلت بنيها انفسهم. اكرر دائما بأن الاعتراف بالخطأ فعل انساني شديد الصعوبة للكل واشد مرارة وصعوبة لدى السوداني صاحب ذلك الاعجاب المبالغ فيه بذاته. ولذلك كان من الطبيعي ان تكابر الحركة الإسلاموية وترفض الاعتراف بالموت والافول رغم انه ماثل امام اي صاحب عقل. وافول وموت الحركة ليس شأنا ذاتيا لان بعض الإسلامويين يصرون على مزيد من التدمير للوطن بسبب بقايا متناثرة من افكار تنسب للإسلام وشعارات تكسب انتشارها بسبب الادعاء الإسلامي الذي تدين به الاغلبية كدين وثقافة وليس كحركة فاشلة ومراوغة، وسياسات مضرة وماحقة لكل خير. وهنا نجلس في المركب الغارق حتما مع الإسلامويين المنبتين، ويقودون الناس رغما عنهم وهم بلا بوصلة ولا مجاديف.لا بد لهم من ان يفكوا هذا الارتباط. وهذا يعني التنازل الطوعي عن السلطة وتكوين حكومة وطنية حقيقية وفي نفس الوقت يجد الإسلامويون المنشغلون بالجهاز التنفيذي والادارة فرصة لمراجعة افكارهام وايديولوجيتهم اذا ارادوا مستقبلا لهم وخيرا للوطن. وقد سبقهم إسلامويون في المراجعة والمناقشة ولدينا مثال مصر ومن قبل جماعات لجأت للقتل والارهاب. وفي نفس الوقت، ترفض الحركة الإسلاموية السودانية والتي وصلت بالقوة الى السلطة في مجتمع اعطاها الحريات الكاملة خلافا لبقية رصيفاتها. ولكن حركتنا التي تعودت على احتقار شعبها وتقوم بعمل بنفس ما تفعله حكومتها تجاه الشعب.
ما زلنا نسمع كمواطنين بأننا نعيش في دولة إسلامية ونحكم بشرع الله وان حكومتنا لن تحيد عن النهج الإسلامي. وتتم كثير من الممارسات تحت هذه الادعاءات. بدءا من التبرع لحماس بالملايين وحتى جلد فتاة تلبس تنورة قصيرة مرورا بمنع المغني تامر حسني. وهذا وضع غريب حيث تغيب الفكرة الإسلامية في القضايا الاستراتيجية مثل محاربة الفقر وقضية المساواة والارتقاء بالتعليم والمعرفة، والدور الثقافي الاقليمي، واخلاقية الانتاج، والنهوض الاقتصادي... الخ.
ومن الواضح اننا نعيش دولة إسلامية شكلانية تفتقر الى الفكر والرؤية ولا تستطيع ان تجمع كل هذه الممارسات التي تعتبرها إسلامية في منظومة إسلامية فكرية تمثل مرجعية قوية مقنعة يمكن ان تجد عناصرها في الإسلام، خاصة الإسلام الاجتهادي. ويتحدث بعض الليبراليين الناقدين عن «ديمقراطية بلا ديمقراطيين»، ويمكن ان نتحدث عن السودان عن «إسلامية بلا إسلاميين». وهذا الوضع الانبتاتي ينعكس في اعترافات بعض الإسلامويين السودانيين. وهي خطوة للمراجعة ولكن المتشنجين يرونها تراجعا ليس عن تجربة إسلامية ما بل عن الإسلام نفسه. لذلك، يلوون عنق الحقائق ويلتذون بتخبطهم الفكري.
لا يحتمل حيز المقال متابعة اعترافات بعض الإسلامويين منذ المفاصلة بعد عام 1999م. وبدأت اصوات ناقدة ومراجعة ولكن لم تخرج عن الجانب الشخصي اي ان الدافع يرجع الى ابعاد شيخ ومؤسس الحركة الشيخ حسن الترابي. وبدت المراجعة وكأنها عملية مزدوجة الهدف: تبرئة الذمة الخاصة بهذه المجموعة مع ادانة تلك المجموعة. ونكرر ان القضية ليست اخطاء شخصية بل خللا فكريا عميقا في جوهر الحركة. وذلك، لسبب شديد البساطة لماذا الصمت على خطايا عقد كامل اي في عام 1989 وحتى 1999م والاهم من ذلك طريقة ممارسة نقد تلك الفترة لم يذهب بعيدا. فالخلاف الذي يهمني كمواطن ليس انتخاب الولاة او عدم الانتخاب بل لماذا لجأت الحركة الإسلامية لبيوت الاشباح في مواجهة المعارضين، وهذا مسكوت عنه ضمن اعتى نقاد الحركة الإسلاموية؟ وحتى كيف قبل الإسلامويون انفسهم فكرة الانقلاب على نظام برلماني هم القوة الثالثة داخله؟
هناك التفسير الساذج وقد ردده الشيخ الاسبوع الماضي في قناة الجزيرة، والقائل بأن الغرب والاستعمار لن يسمح لهم بالوصول الى السلطة ديمقراطيا عن طريق الانتخابات! لذلك لجأ الإسلامويون الى الانقلاب العسكري. ولكن الشيخ وكل الإسلامويين لم يجدوا من يسألهم: ولكن هل يسمح لكم هذا الغرب والاستعمار بالوصول الى السلطة بالقوة والانقلاب العسكري؟ لا اظن ان مثل هذه التبريرات يمكن ان يقبلها اي عقل سياسي منطقي. ولكن تبني فكرة الانقلاب تفضح الخلل الفكري الجوهري في الحركة فيما يتعلق بحقيقة الايمان بالديمقراطية.
وجد بعض الإسلامويين الشجاعة للحديث عن موت الحركة الإسلاموية ورفعوا الفاتحة وارادوا تكريم الميت وهذه بعض من اخلاق المسلمين عموما. ولكن تصدى لهم بعض المتشنجين والدراويش الذين يريدون ان تلقى الحركة في الفضاء ليأكلها صقور الفساد والاقتصاد الطفيلي والكذب المتناسل والتزييف. ويريد هؤلاء للحركة سوء الخاتمة، وكان يجب ان تغسل اولا بعقد مؤتمر جرئ للنقد والمراجعة يحضره الجميع دون اي استثناء او تحفظ. ثم يمشي بها في موكب جنائزي لائق باخطائها ومحاولاتها ، ثم تدفن وتقرأ عليها الفاتحة مثنى وعشرا. ويمكن ان يتم مواصلة التكريم بالبحث عن حركة إسلامية جديدة تنتمي الى القرن الحادي والعشرين ولم تنتجها ظروف الحرب الباردة ومحاربة الشيوعية. فالحركة الإسلاموية السودانية التي عرفناها لم تكن تأسيسا بل ردة فعل لمحاربة الحركة الشيوعية بين طلاب الجامعات والمعاهد العليا. ولم تخرج عن هذا الرداء حتى عندما وصلت الى السلطة وحكمت لعقدين.
ولا اجد اي حرج في ان اختم بقول احد القياديين الإسلامويين: غازي صلاح الدين، من ورقة «دعوة الى احياء العمل الإسلامي الوطني»، حيث يقول:
«ان المشكلات الراهنة التي تواجه التجربة الإسلامية لا يمكن تلخيصها في انها مشكلة قيادات. وانما تسري في اغوار اعمق من ذلك، تسري في البنيات التنظيمية وفي الافكار والنظريات التي تشكلها، وفي سلوك القاعدة والمؤسسات الشورية والقيادية والتنفيذية وتقاليدها الموجهة. لذا فان مقصود الاحياء ينبغي ان يتجاوز المعالجات السطحية وينفذ الى المحركات الروحية والوجدانية، والثقافية الموجهة للجماعة والعمل».


الصحافة
16/2/2008

Post: #7
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-18-2008, 08:27 AM
Parent: #6

الفساد... هل تحول إلى ظاهرة سودانية؟

د. حيدر ابراهيم علي


يمكن تعريف الفساد بأنه شكل من اشكال الاستعمار الداخلي حيث تقوم المجموعة الحاكمة بنهب موارد القطر متجاوزة كل القوانين والنظم الادارية وحتى القيم الاخلاقية السائدة. وتسقط السلطة السياسية في هذه الحالة الحدود بين المال كحق عام ترعاه الدولة أو ملكية خاصة يتصرف فيه الحاكم ومؤيدوه وبطانته. ويبدأ الفساد مع غياب احكام رادعة ضد التغول على المال العام أو استغلال المنصب او قبول الرشوة او سيادة المحسوبية. وحسب هذا التعريف، فقد اصبح الفساد في السودان ظاهرة عادية بالمعنى الاجتماعي وجدت الانتشار والقبول وكأنها ليست خروجاً على المعايير السائدة. فالدولة لا تتصدى للمعتدين والجماهير تتعامل مع تجليات وحالات الفساد وكأنها مجرد قصص أو مسلسلات في الواقع وليس على الشاشة. والأهم من ذلك هو ان الفاسدين والمفسدين هم طليعة المجتمع ولا يحسون بالخجل والندم.
حين جاءت السلطة الحالية الى الحكم ورفعت شعارات الدين والاخلاق، ظن الكثيرون ان هذا هو آخر عهد السودان بالفساد، خاصة وقد اجريت في الايام الاولى محاكمات لمسؤولين من العهد «البائد»! وحين اعدم مجدي وجرجس بتهمة تجارة العملة، كما اقيل حاكم احدى ولايات شرق السودان بسبب استغلال منصبه. ولكن بعد فترة وجيزة من ذلك الحماس والطهر الديني، «تذوق الاسلامويون طعم السلطة» حسب تعبير شيخ حسن، واصبح الفساد وهو ذهب المعز في التاريخ الاسلامي وسيلة لكسب التأييد ولتثبيت وتقوية نفوذ الحاكمين. ومن هنا كانت بداية استباحة مال الشعب والدولة. لأننا ليس امام نظام عادي بشري يمكن محاسبته ومساءلته بل هو نظام ديني مقدس يحكم باسم حق إلهي خاصة وانه سوف يطبق شرع الله على هذه الارض. وهذه خطورة الدولة الدينية - مما يدعو الى فصل الدين عن الدولة - فهي لا تعترف بحق الامة او الشعب في اختيارها وبالتالي محاسبتها. فالنظام الذي استولى على السلطة في 30 يونيو 1989 هو حسب اسمه انقاذ سماوي للسودان! وصفة انقاذ ليست بريئة ومثقلة بالمعاني والدلالات ومن يتابع بعض الخطب السياسية والكتابات يصل الى هذه الحقيقة.
من البداية اعتبر حكام السودان الانقاذيون هذا البلد ملكية خاصة: الارض ظاهرها وباطنها وكذلك البشر. فقد حكمت الانقاذ بقوانين استثنائية اعطتها الحق في سجن وتعذيب واستدعاء المواطنين كما تشاء. وفي نفس الوقت يمكن ان تصادر الممتلكات وتجمد الاموال وان تبيع القطاع العام والاراضي لمن تريد. وهذه طبيعة النظام الشمولي حيث ترفع القوانين او تصمم لمصلحته والاهم من ذلك غياب فصل السلطات الثلاث: التشريعية والقضائية والتنفيذية، بالذات خلال السنوات الاولى. ثم بدأ التراجع نتيجة الضغط المستمر. ولكن السودان شهد هيمنة وسيطرة الحزب الواحد بامتياز، فقد استحوذ الحزب الحاكم على كل الوظائف التي تمكنه من ادارة البلاد بصورة مطلقة. وهذه وضعية شاذة للادارة والحكم حيث يتم استبعاد واقصاء غير المؤيدين او المتعاطفين او المتواطئين او الانتهازيين ولأن اغلب السودانيين مخدمهم الرئيسي هو القطاع العام أو الحكومة فقد جعلت الانقاذ من هذا البلد ضيعة وادخلت الخوف والحذر لدى الكثيرين ولم يعد أي موظف عادي - إن وجد - قادر على مواجهة التجاوزات والفساد في مجال عمله. وهذا ما قصدته بتحول الفساد الى ظاهرة سودانية لأن البعض يمارسه دون تأنيب ضمير والبعض الآخر يصمت أو يغمض عينه أو يعيد دور الممثل المصري عادل امام في مسرحيته الشهيرة. وهكذا استشرى الفسادولا يقف امامه أي فرد أو مؤسسة أو منظمة مدنية.
قضت الانقاذ على ما تبقى من الخدمة المدنية في السودان ذات السمعة العالية والنظيفة وللمفارقة ان يحكم البريطانيون الكفار بعدالة وان يتساهل اصحاب الدولة الاسلامية والمشروع الحضاري. كنت اتوقع ان يهتم الاسلامويون حين وصلوا الى السلطة بموضوع اقرارات الذمة عند تقلد المنصب العام أي ان يبرز المسؤول ما يملك عند تولي المنصب وحين يغادر المنصب - لو حدث! - يظهر وضعيته المالية بعد سنوات وجوده في المنصب. وانني لأتذكر عندما طرح هذا الامر على المجلس الوطني، كيف تهرب المسؤولون وحين وافق المجلس، لم يتم تنفيذ القرار ولم تسلم معلومات إلا من عدد قليل. هذا تناقض غريب لدى من يدعي انه يحكم بشرع الله، فهل تختزل الشريعة الى مجرد الحدود وملابس البنات فأين عدل العمرين وزهد النبي ورفاقه؟ هذا بالنسبة لهم مجرد كلام مثالي، فالشريعة عند الكثيرين منهم ألا تنسى نصيبك وحظك من الدنيا. وهذا افضل ما يعرفونه ويمارسونه في الدين لذلك تباروا في البنيان العالي والسيارات الفخمة المظللة والارصدة التي لا تأكلها النار وظهر الترف والنعمة الجديدة على اشكالهم وفي افراحهم واستهلاكهم. وهذا سؤال يؤرقني بعيداً عن أي سياسة ومجاولات عقيمة: لماذا رفض المسؤولون الاسلامويون (أو تهربوا) عن اقرارات الذمة؟
الشكل الثاني لاستباحة ضيعة السودان هو طريقة جمع الاموال وصرفها. انتشر نظام الجباية وتحول الحكم الفدرالي من وسيلة لبسط ظل السلطة - كما يقول - لكي لا يكون قصيراً ويقتصر الى المركز، الى وسيلة لتعدد مصادر الاموال. كذلك الى بسط ظل الفساد لكي يدخل في النهب اكبر عدد ممكن وبالتالي تصمت افواه اكثر. ولم يعد السودان يعرف الاورنيك المالي (15) الذي يسجل الاموال التي تدخل الى الخزينة العامة. ولم يعد المواطنون قادرون على طلب الايصالات وإلا تعرضوا الى التخويف والملاحقة. ورغم ان تقارير المراجع العام في أحيان كثيرة تكشف مخالفات خطيرة ولكن لا توجد أي ملاحقة او محاسبة وسرعان ما ينسى الناس هذه التقارير لأنها صارت مجرد خطب. وحتى النواب في المجلس الوطني لا يواصلون نقدهم لهذه الوضعية واظن ان مصير السيد مكي بلايل قد يخيف البعض. ولم نسمع عن فتح بلاغات بعد صدور تقارير المراجع العام. وهذا ايضاً ما قصدته بتحول الفساد الى ظاهرة سودانية عادية.
ومن اخطر مظاهر التعود على الفساد ان يتحدث الناس عن الفاسدين باعتبارهم شطار وهذا مفهوم بديل عن العصامية في عصر الفساد. ولم يعد المواطن العادي يجرؤ على مواجهة فاسد خاصة إذا اصبح الاخير «رجل البر والاحسان» وهذا خلل في القيم الاجتماعية سببه تناقض الفقر والترف، فالفاسد يسكت الألسن بتبرعات تافهة من مال لم يأته بأي جهد ولم يضربه فيه حجر الدغش أو الصباح - كما نقول. كيف نحمي اطفالنا من الاعجاب بتلك النماذج خاصة وان التعليم لم يعد هو السلم الاجتماعي الذي يصعد من خلاله الى طبقات وفئات اعلى كما كان يحدث في السابق؟ فالتعليم والوظيفة في الماضي لهما قيمة اجتماعية تعطي صاحبها مكانة اجتماعية ايضاً حتى لو كان افندياً ضغيراً. لذلك من الطبيعي ان يغادر الصغار المدارس بالذات في الارياف ويفضلون بيع العملة مثلاً على اضاعة سنوات مملة في المدرسة وبعد سنوات يتم تعطيلهم لينضموا لجيوش البطالة.
تقودني النقطة السابقة الى الفساد الاكاديمي ايضاً او ما يمكن تسميته بالفهلوة الاكاديمية. يعّرف الاستاذ حامد عمار في كتابه الموسوم: في بناء البشر، الفهلوة بأنها الوصول الى اقصى النتائج بأقل مجهود. وهذا ما يتكرر في مجال الاكاديمي إذ صار التساهل في منح الشهادات فوق الجامعية سمة ظاهرة. فقد تابعت عدداً من الرسائل الاكاديمية لنيل الدكتوراة والماجستير وهي خالية تماماً من شروط العمل الاكاديمي الدنيا مثل اثبات المراجع أو الاستشهاد. كما ان مضمون كثير من هذه الرسائل ضعيف ولا يصلح كمقالات في صحف سيارة. وهذه دائرة شريرة في العلم تضاهي دائرة السياسة، إذ يحمل الكثيرون شهادات عليا ثم يحتلون مواقع في الجامعات ويقومون بمنح آخرين شهادات ويعيدون انتاج جهلهم وركاكتهم وهكذا تدور ساقية الظلام.
هذا طوفان من الفساد يحيط بالسودان دون مقاومة حقيقية. كنت اتوقع ان يساهم - من يسمون بالاسلاميين المعتدلين او المستنيرين بالتصدي لهذه الظاهرة بطريقة منهجية ومستمرة ابراء للحركة الاسلاموية ودفع التهمة واثبات ان الفساد غريب عن الحكم الاسلامي. هذا واجب ديني واخلاقي لم يقم به بعض الاسلامويين ولم يتحمسوا له كما تحمسوا للديمقراطية او الشورى. اتمنى ان يعطوا الفساد اهتماماً قليلاً ليس بالضرورة مثل اهتمامهم بالاستراتيجية والنظام العالمي الجديد وحوار الاديان. ولكن الاخطر من ذلك صمت منظمات المجتمع المدني والتي كنت اتمنى ايضاً ان تعطي محاربة الفساد جزءً ضئيلاً يماثل اهتمامهم بموضوع ختان الاناث واكرر دائماً ان ختان الفقر وختان الفساد يساعد كثيراً في محاربة تلك العادة الضارة. ورغم تأسيس فرع وطني لمنظمة الشفافية في اغسطس من العام الماضي إلا انني لم اسمع عن نشاط عام منذ ذلك الوقت. وكنت على المستوى الشخصي وحسب اهتمامات مركز الدراسات السودانية الذي اطلق دعوة للجنة محاربة الفساد بالقاهرة عام 1995م، التنسيق والتعاون مع هذه المجموعة. ولكن الطريقة السودانية في العمل العام القائمة على الاستلطاف والشللية حرمتني هذا الحق. ومع ذلك، اعتبر هذا المقال دعوة لتنشيط كل المهتمين بمحاربة الفساد والعمل معاً بانكار ذات وتضحية وشعور وطني حقيقي ومستقبلي قبل ان نموت تحت انقاض عمارة ما او نغرق في مجرى مفتوح أو يباع البيت الذي نسكن فيه والجامع الذي نصلي فيه أو المستشفى التي نتعالج فيها.
Source: Sudanile, march 6, 2005

Post: #8
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-18-2008, 08:51 AM
Parent: #7

فيصل محمد صالح
قضية دكتور فاروق محمد ابراهيم


حدث مهم مر أمام أعين الصحافة والسياسيين والقانونيين دون أن يثير اهتمامهم، رغم ما قد يثيره من أحداث وفتح ملفات ومساءلات، وربما محاكمات. فقد قضت المحكمة الدستورية قبل أسبوعين بالتصريح بقبول الطعن المقدم من الدكتور فاروق محمد إبراهيم، الأستاذ بكلية العلوم جامعة الخرطوم سابقا، ضد حكومة السودان والهيئة التشريعية القومية بعدم دستورية بعض المواد في القانون الجنائي وقانون الأمن الوطني المتعلقين بإسقاط بعض القضايا بالتقادم وبإعطاء الحصانة من التقاضي لمنسوبي الأجهزة الأمنية. وقد انبنى طعن الدكتور فاروق محمد إبراهيم على أن وجود هذه النصوص في القوانين يتعارض مع حقه الدستوري والقانوني والإنساني في التقاضي والحق في العدالة، وفي المساواة أمام القانون ويجعل بعض الجرائم تمر بدون عقاب.
ويريد الدكتور فاروق محمد إبراهيم رفع قضية ضد جهاز الأمن وبعض منسوبيه الذين قاموا، حسب دعواه، بتعذيبه أثناء اعتقاله في بداية حكم الإنقاذ، إلا أن وجود هذه المواد يحرمه من حقه الذي يكفله له الدستور والقوانين الدولية. وكان هناك فريق من القانونيين أصدقاء الدكتور فاروق يرى أن تكون البداية أمام المحاكم العادية برفع القضية أمامها ثم متابعة الاستئناف حين ترفض القضية إلى أن تصل للمحكمة الدستورية، بينما رأى فريق آخر أن يتم اختصار المسافة والاتجاه مباشرة للمحكمة الدستورية لأن وجود هذه القوانين يعني استنفاد كل طرق التظلم. وهذا ما فعله "كونسلتو" من المحامين على رأسهم البروفيسور محمد إبراهيم خليل ، محي الدين عووضة، عمر شمينا، فاروق أبو عيسى، الصادق شامي، محجوب إبراهيم، شيخ الدين شدو والحسين أحمد صالح وآخرين.
بالتأكيد أن القضية لم تنته بعد، ولا تزال في بدايتها، حيث أن الحكم لا يتعلق بمضمون الدعوى، لكنه أرسى مبدأين هامين: الأول أنه قضى باختصاص المحكمة في نظر الدعوى، وكان هناك تخوف من أن تقضي المحكمة بعدم الاختصاص، الثاني أنه أقر بوجود أساس للقضية واستمرار النظر فيها، هذين المبدأين هما المكسب الأساسي الآن.
وبعد هذا ستبدأ القضية الأساسية، ولا يتوقع أحد أن تكون سهلة أو بسيطة، وستحشد الحكومة كل قدراتها وقوتها، القانونية وغير القانونية، لمنع صدور حكم بعدم دستورية هذه المواد، لأن ذلك يعني ببساطة أنها ستصبح سابقة ملزمة للمحاكم تفتح أبواب جهنم على الذين قاموا بعمليات القتل والتعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان طوال هذه الحقبة، وحقب أخرى.
لكن ما أهمية هذه الخطوة؟ ..أهميتها الحقيقية تتجاوز الأشخاص والقضايا الفردية والانتقام الشخصي لتصب في نهر الحقيقة والمصارحة والمصالحة، القضية التي لن نكف عن الدعوة لها، والتي نزعم أنها الطريق الحقيقي لمداواة الجراح وطي صفحة الماضي والاتجاه نحو المستقبل، ، لكن بعد معرفة الحقيقة كاملة: ماذا حدث بالضبط، ولماذا حدث، وكيف نضمن عدم تكراره مرة أخرى.
يمكن عبر تبني أسلوب "الحقيقة والمصارحة" أن نعالج كل ملفات الانتهاكات التي وقعت مرة واحدة ونطوي هذا الملف للأبد، ونتجه نحو مصالحة وطنية حقيقية، مبنية على رد المظالم والحقوق والتعافي المتبادل بعد ذلك. وقد اشرنا لذلك في مقالات سابقة مستشهدين بتجربتي المغرب وجنوب أفريقيا، ولكن بالتأكيد لا يمكن أن تتم هذه التجربة دون رضاء الحكومة وموافقتها وتعاونها بتوفير المعلومات، أما الطريق الآخر فهو التقاضي داخل وخارج السودان.
ودعونا نأخذ تجربة الدكتور فاروق محمد إبراهيم ومحاولاته المتكررة وبحثه المستمر عن العدالة نموذجا:
تم اعتقال الدكتور فاروق محمد إبراهيم في 30 نوفمبر 1989، وقضى 12 يوما في بيوت الأشباح، تعرض فيها، حسب الدعوى التي أقامها، لتعذيب شديد بحضور الفريق بكري حسن صالح عضو مجلس قيادة الثورة ومسؤول جهاز الأمن آنذاك، والدكتور نافع علي نافع الأستاذ بكلية الزراعة، وكان من طلاب الدكتور فاروق بالجامعة. ويروي أن الدكتور فاروق في المذكرات الكثيرة التي رفعها أن الفريق بكري عنفه قائلا له إنه يقوم بتدريس نظرية النشوء والارتقاء "داروين" لأنه شيوعي وأنها نظرية تدعو للكفر. تم بعد ذلك نقل الدكتور فاروق إلى سجن كوبر في 12 ديسمبر. وفي 29 يناير 1989 رفع الدكتور فاروق محمد إبراهيم، ومن داخل السجن، مذكرة لرئيس مجلس قيادة الثورة آنذاك، عبر إدارة السجن، روى فيها تفاصيل التعذيب الذي تعرض له وطالب بالتحقيق وبإطلاق سراحه أو تقديمه للمحاكمة، وأرفق صور منها لوزير الداخلية والنائب العام ووزير الثقافة والإعلام ومدير جامعة الخرطوم، حيث كان يعمل. لم يتلق الدكتور فاروق ردا، لكن تم إطلاق سراحه في 23 فبراير 1989، إي بعد 25 يوما من رفع المذكرة.
المحاولة الثانية بذلها الدكتور فاروق من القاهرة حيث كان يقيم، حينما بعث المرحوم عبدالعزيز شدو بصفته نائب رئيس المجلس الوطني قي ذلك الوقت، ورئيس لجنة التوالي، برسائل إلى بعض قيادات المعارضة يطالبهم فيها بإبداء الرأي في القانون والمشاركة في المداولات حوله. وكان من بين من وصلتهم الرسالة، عبر سفارة السودان بالقاهرة، الدكتور فاروق محمد إبراهيم الذي تعامل معها بجدية ودبج ردا مطولا للسيد شدو طالب فيها الحكومة بإبداء الجدية بالبدء في التحقيق في المظالم التي وقعت ورد الحقوق لأهلها وتحقيق العدالة، وقد أورد في هذه الرسالة كل الوقائع والأسماء، وسلمها بشكل رسمي للسفارة، ولم يتلق ردا. وكالعادة أيضا أرسل صورا لكل المسؤولين ذوي الصلة.
المحاولة الثالثة جاءت عندما طالب الرئيس المشير البشير المعارضة بالعودة للعمل من الداخل، فرد الدكتور فاروق محمد إبراهيم بمذكرة مطولة أرسلها للرئيس، ونشرت عبر عدد من وسائل الإعلام، ذكر فيها كل الحقائق والمعلومات مجددا وموجها الاتهام بالاسم لمن أشرف على تعذيبه. وحدد الدكتور فاروق محمد إبراهيم في مذكرته ثلاثة خيارات:
1- أن يحدث اعتراف واعتذار علني من الأجهزة والأشخاص المتورطين بالتعذيب بصورة مقبولة، كما حدث في جنوب أفريقيا، وإرجاع الحقوق والسماح بالمحاكمات، وبعد ذلك أعلن فاروق أنه شخصيا سيعلن العفو والمسامحة لمن ارتكب هذه الجرائم بحقه.
2- إزالة قوانين التقادم والحصانة وفتح الباب أمام من يريد مقاضاة من تسببوا بالانتهاكات أمام المحاكم الوطنية، لأن القوانين الحالية تعيق هذا الحق وتقيده.
3- أما الخيار الثالث، وهو خيار المضطر، فهو رفع قضية في أي بلد تقبل محاكمه النظر فيها. وسبق أن رفع الدكتور فاروق محمد إبراهيم قضية أمام المحاكم البريطانية ضد مسؤول كبير بالدولة، وأوكل إحدى منظمات حقوق الإنسان المسجلة ببريطانيا، وفعلا تم تحريك الإجراءات ضد المسؤول السوداني حال وصوله لبريطانيا في زيارة رسمية.، لكن قامت وزارة الخارجية البريطانية بإخطار المسؤول السوداني ومساعدته على الخروج من بريطانيا في ظرف ساعات.
الخيار الأخير هو خيار مر، لكنه خيار المضطر، ويقول الدكتور فاروق، ونحن معه في هذا، أن الأفضل والأكرم لنا هو خيار التحاكم أمام المحاكم الوطنية، بشرط توفير كل الضمانات اللازمة لتحقيق العدالة، خاصة وقد رأينا كيف قادنا التفريط في جوهر العدالة في دارفور إلى مأزق المحكمة الجنائية الدولية. إنه مصمم على الوصول للعدالة بكل السبل، وسيحاول كل جهده أمام المحاكم السودانية، لكن لو أغلقت الأبواب هنا فلا ملامة عليه، ولا على أي شخص إن طرق أي باب بحثا عن العدالة والحقوق المضاعة. إن الدكتور فاروق محمد إبراهيم، لمن يعرفه، هو نموذج للإنسان السوداني المحب لوطنه، المنشغل بالهم الوطني العام اهتماما حقيقيا ومتجذرا، وليس اهتماما عارضا. وهو إلى جانب ذلك من علماء السودان في مجال تخصصه، لم يبخل بجهده وعلمه على وطنه، ولم يخرج منه إلا مضطرا، وما أن جدت ظروف تساعد على العودة حتى عاد مسرعا.
لقد تعرض لمحنة قاسية وغير مفهومة بكل المقاييس، حينما تم انتزاعه من قاعات التدريس ليجد نفسه بين أتون التعذيب، أمام وبمشاركة أحد طلبته السابقين، دون أن يعرف لماذا حدث ما حدث ومبرراته، ودون أن يمثل أمام أي محكمة. وهو لا يبحث الآن إلا عن العدالة ..عن الحقيقة، معلنا عدم رغبته في الانتقام، ومتبعا سبل التقاضي الموجودة بالبلاد محولا أن يفتح نفاجا للعدالة لكل المظلومين. وبلادنا وحكومتنا وأجهزتنا العدلية كلها الآن أمام الامتحان: هل ثمة أمل في تحقيق العدالة في مثل هذا النوع من القضايا ..داخل الوطن ...أم لا

Post: #9
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-19-2008, 08:00 AM
Parent: #8

طبعا ود الزومة يعتقد ان الشعب السودانى نسى ما حصل ويحصل له من الاخوان او يراهن على نسيانه ..كلا والله ولكن لنذكره لعله يتوب ويعرف معنى الصدق فى القول والعمل وهنا المزيد ...



انا النزيل العميد(م) محمد احمد الريح الفكى ابلغ من العمر اثنين وخمسين عاماً تم القبض على بواسطة سلطات جهاز الامن فى مساء يوم الثلاثاء 20 اغسطس 1991 من منزلى، واجبرت على الذهاب لمبانى جهاز الامن بعربتى الخاصة وعند وصولى انتزعوا منى مفاتيح العربة وادخلونى مكتب الاستقبال وسألونى عن محتويات العربة وكتبوها امامى على ورقة وكانت كالاتى:-
1- طبتجة عيار 6.35 اسبانية الصنع ماركة استرا
2- 50 طلقةعيار6.35 بالخزنة
3- مبلغ 8720 دولار امريكى
4- فئات صغيرة من الماركات الالمانية
5- خمسة لستك كاملة جديدة
6- اسبيرات عمره كاملة لعربة اوبك ديكورد
7- انوار واسبيرات عربة تويوتا كريسيدا
8- دفتر توفير لحساب خاص ببنك التجارة الأمانى بمدينة بون
9- ملف يحتوى مكاتبات تخص عطاء استيراد ذخيرة واسبيرات
كل المحتويات المذكورة عرضت على فى مساء نفس اليوم بواسطة عضو لجنة التحقيق التى قامت بالتحقيق معى المدعو النقيب عاصم كباشى وطلبت منه تسليمها صباح اليوم التالى الى شقيق زوجتى العميد الركن مامون عبدالعزيز نقد الذى سيحضر لاستلام عربتى.
وبعد يومين اخبرنى المدعو عاصم كباشى بانهم قد سلموا العربة زائداً المحتويات للعميد المذكور.
وعند خروجى من المعتقل بعد النطق بالحكم لنقلى لسجن كوبر علمت بان العمـيد مامـون نقد قد تم تعينه ملحقاً عســكرياً
بواشنطن وسافر لتسليم اعباءه، ومع الاسف علمت منه بعد ذلك بإنه تسلم من جهاز الأمن العربة فارغة من جميع المحتويات المذكورة.
لقد تم تقديمى للمحاكمة امام محكمة عسكرية سريعة صورية بتاريخ 23/2/1991 اى بعد شهر من تاربخ الاعتقال. ولقد ذقت فى هذه الشهر الأمرين على أيدى افراد لجنة التحقيق وعلى أيدىالحراس بالمعتقل وتعرضت لشتى أنواع التعذيب النفسى والجسمانى وقد إستمر هذا التعذيب الشائن والذى يتنافى مع أبسط حقوق الإنسان حتى يوم النطق بالحكم بتاريخ 3/12/1991م وقد كان الحكم على بالإعدام تم تخفيضه الى الحكم المؤبد حيث تم ترحيلى بعده فى يوم 4/12/1991م من معتقل جهاز الأمن الى سجن كوبر ومنه بتاريخ 10/12/1991م الى سجن شالا بدارفور.
لقد ظللت طيلة ثمانية عشر شهراً قضيتها بسجن شالا، أعانى أشد المعاناة من آثار ما تعرضت له من صنوف التعذيب التى لا تخطر على بال إنسان والتى تتعارض كلها مع مبادى الدين الحنيف وما ينادى به المسئولون ويؤكدون عليه من أن حقوق الإنسان مكفولة وأنه لا تعذيب يجرى للمعتقلين.
هناك تعذيب رهيب لاتقره الشرائع السماوية ولاالوضعية ويتفاوت من الصعق بالكهرباء الى الضرب المبرح الى الاغتصاب وقد تعرضت أنا شخصياً لأنواع رهيبة من التعذيب تركت آثارها البغيضة على جسدى وتركتنى أتردد على مستشفى الفاشر طلباً للعلاج وقد تناولت خلال هذه الفترة العديد من المسكنات والمهدئات بدون جدوى مما دفع بالاطباء الى تحويلى للعلاج بالخرطوم بعد أن أقرت ذلك لجنة طبية اقتنعت بضرورة التحويل.
إن جبينى يندى خجلاً وأنا أذكر أنواع التعذيب التى تعرضت لها وما نتج عن ذلك من آثار مدمرة للصحة والنفس، كما ساذكر لك اسماء من قاموا بها من اعضاء لجنة التحقيق وافراد الحراسات بالمعتقل والذين كان لهم صلاحيات تفوق صلاحيات افراد النازى فى عهد هتلر وألخصها فيما يلى علماً بان الإسماء التى ساذكرها هى الإسماء التى يتعاملون بها معنا ولكنى أعرفهم واحداً واحداً إذا عُرضوا على:
1- الضرب المبرح بالسياط وخراطيم المياه على الرأس وباقى أجزاء الجسد.
2- الربط المحكم بالقيد والتعليق والوقوف لساعات قد تمتد ليومين كاملين.
3- ربط احمال جرادل مملؤة بالطوب المبلل على الايدى المعلقة والمقيدة خارج ابواب الزنازين.
4- صب المياه البارده او الساخنة على أجسادنا داخل الزنازين إذا أعيانا الوقوف.
5- القفل داخل حاويات وداخل دورات المياه التى بنعدم فيها التنفس تماماً.
6- ربط الاعين ربطاً محكماً وعنيفاً لمدد تتجاوز الساعات. 7- نقلنا من المعتقل الى مبانى جهاز الامن للتحقيق مربوطى الاعين على ظهور العربات مغطين بالشمعات والبطاطين، وافراد الحراسة يركبون علينا باحذيتهم والويل إذا تحركت او سُمع صوتاً فتنهال عليك دباشك البنادق والرشاشات والاحذية.
يقوم بكل ذلك أفراد الحراسات وهم: كمال حسن وإسمه الاصلى احمد محمد من أبناء العسيلات وهو أفظعهم واردأهم، حسين، ابوزيد، عمر، علوان، الجمرى، على صديق، عثمان، خوجلى، مقبول، محمد الطاهر وأخرون.
8- تعرضت سخصياً للإغتصاب وادخال أجسام صلبة داخل الدبر، وقام بذلك النقيب عاصم كباشى واخرون لا أعرفهم.
9- الاخصاء بضغط الخصية بواسطة زردية والجر من العضو التناسلى بنفس الآله وقد قام ذلك النقيب عاصم كباشى عضو لجنة التحقيق.
10- الضرب باللكمات على الوجه والرأس وقام به أيضاً المدعو عاصم كباشى ونقيب آخر يدعى عصام ومرة واحدة رئيس اللجنة والذى التقطت أسمه وهو عبدالمتعال. 11- القذف بالالفاظ النابئة والتهديد المستمر بإمكانية إحضار زوجتى وفعل المنكر معها أمام ناظرى بواسطة عاصم كباشى وآخر يحضر من وقت لآخر لمكان التحقيق يدعى صلاح عبدالله وشهرته صلاح قوش.
12- وضع عصا بين الارجل وثنى الجسم بعنف الى الخلف والضرب على البطن وقام به المدعو عاصم كباشى والنقيب محمد الامين المسئول عن الحراسات وآخرين لا اعلمهم.
13- الصعق بالكهرباء وقام به المدعو حسن والحرق باعقاب السجائر بواسطة المدعو عاصم كباشى.
لقد تسببت هذه الافعال المشينة فى إصابتى بالامراض التالية: 1- صداع مستمر مصحوباً بإغماءة كنوبة الصرع. 2- فقدان لخصيتى اليسرى التى تم اخصاؤها كاملاً. 3- عسر فى التبرز لااستطيع معه قضاء الحاجة الا بإستخدام حقنة بالماء يومياً.
4- الإصابة بغضروف فى الظهر بين الفقرة الثانية والثالثة كما أوضحت الفحوضات. علماً بانى قد أجريت عملية ناجحة لازالة الغضروف خارج السودان فى الفقرة الرابعة والخامسة والآن اعانى آلم شديدة وشلل مؤقت فى الرجل اليسرى.
5- فقدى لاثنين من اضراسى وخلل فى الغدة اللعابية نتيجة للضرب باللكمات.
6- تدهور مريع فى النظر نتيجة للربط المحكم والعنيف طيلة فترة الإعتقال.
بعد تحويلى بواسطة لجنة طبية من الفاشر الى المستشفى العسكرى حولت من سجن شالا الى سجن كوبر فى اوائل شهر مايو المنصرم وحينما عرضت نفسى علىالاطباء امروا بدخولى الى المستشفى وبدأت فى اجراء الفحوصات والصور بدءاً باخصائى الباطنية وأخصائى الجراحة تحت اشراف العميد طبيب عبدالعزيز محمد نور بدأ معى علاجاً للصداع وتتبعاً للحالة كما عرضت نفسى على العميد طبيب عزام ابراهيم يوسف اخصائى الجراحة الذى اوضح بعد الفحوصات عدم صلاحية الخصية اليسرى ووجوب استئصالها بعد الانتهاء من العلاج مع بقية الاطباء. ولم يتم عرضى على احضائى العظام بعد.
للأسف وانا طريح المستشفى فوجئت فى منتصف شهر يونيو وفى حوالى الساعة الحادية عشر مساء بحضور مدير سجن كوبر الي بغرفة المستشفى وأمرنى باخذ حاجياتى والتحرك معه الى السجن بكوبر حيث هناك تعليمات صدرت من اجهزة الامن بترحيلى فوراً وقبل الساعة الثانية عشر ليلاً الى سجن سواكن.
حضر الطبيب المنأوب وابدى رفضه لتحركى ولكنهم اخذونى عنوة الى سجن كوبر حيث وجدت عربة تنتظرنى وبالفعل بعد ساعة من خروجى من المستشفى كانت العربة تنهب بى الطريق ليلاً خارج ولاية الخرطوم.
ولقد وصلت سواكن وبدأت فى مواصة علاجى بمستشفى بورتسودان والذى أكد لى الاطباء المعالجون بعد إجراء الفحوصات بعدم صلاحية الخصية اليسرى ووجود غضروف بالظهر ومازلت تحت العلاج من الصداع المستمر وتوابعه.

" المصدر من مذكرة العميد محمد احمد الربح الى وزير العدل"
لم يرد وزير العدل او اى جهة على المذكرة حتى الان

Post: #10
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-19-2008, 08:03 AM
Parent: #9

الموضوع : مذكرة حول التعذيب


اتقدم الى سيادتكم بهذه المذكرة املا ان تاخذ طريقها للتحقيق العادل. وذلك انطلاقا من ثقتى فى عدالة القضاء السودانى الذى كان دائما مفحرة للشعب السودانى وصونا لحقوقه :
لقد انتهكت حقوقى المنصوص عليها فى الدستور أو القوانين المدنية والاعلان العالمى لحقوق الانسان وانا مواطن فى الخمسين من عمرى _ من جانب اجهزة رسمية واشخاص . واطالب بالتحقيق معهم ارساء لقواعد العدالة وصيانة حقوق الانسان السودنى وتتمثل تلك الانتهاكات فى الاتى :
1- تم اعتقالى بواسطة شخصين ذكرا انهما من جهاز امن السودان بتاريخ 22/11/1989
وتم اقتيادى الى مبانيه والتى مكثت فيها لفترة اثنى عشر يوما ومن ثم تم ترحيلة مع مجموعة من المعتقلين يبلغ عددهم سته اشخاص حيث اقتدنا معصوبى الاعين الى مكان مجهول لا شك فى ان تحرياتكم سوف تصل اليه وهو المكان الذى تم تعذيبى فيه .
2- لقد مكثت فى هذا المكان قرابة الواحد وخمسين يوم زج بنا ونحنوا اثنى عشر شخصا فى غرفة مساحتها 3م ×3م رديئة التهوية لا منافذ لها ولا تصلح لسكن حيوان ناهيك عن انسان تعرضت فيها للتعذيب الجسدى والنفسى والتهديد بالقتل ويمكن تلخيص ذلك فى الاتى :
أ- التعذيب الجسدى
1- الضرب بالسياط واللكمات والركل بالارجل وانا معصوب العينين لفترة اربعة ايام ذلك لفترات طويلة وكان ذلك يبدأ فى منتصف الليل اوالصباح الباكر
2- الصفعات المتلاحقة امام مراى من بقية المعتقلين
3- اجبار على اداء بعض الحركات الجسدية الشاقة وذلك بان اظل واقفا على رجل واحدة لفترة كويلة من الوقت او الجلوس على امشاط اصابعى لفترة تمتد الى ساعات وانا رجل ابلغ الخمسين من عمرى
4- الحرمان من النوم لفترات طويلة
5- اجبارى على اتيان بعض الحركات الصبانية امعانا فى اذلالى
ب- التعذيب النفسى
1- حرمت من التبول وقضاء الحاجة بشكل طبيعى وانا شخص اعانى التهابات الكلى
2- حرمانى من الماء لفترات طويلة
3- حرمانى من الاستحمام وتنظيف الاسنان
4- حرمانى من المكيفات التى اعتدتها شاى قهوة
5- الطعام يفتقد اهم المقومات الاساسية لبقاء الانسان ناهيك عن قلته وردائته
ج- التهديد بالقتل
1- تم تهديدى بالقتل والتصفية وذلك بان حضر الى شخص فى تمام الساعة الرابعة صباحا وامرنى بان اتهيا للموت وذلك لان حكم الاعدام قد صدر بحقى ولم يحضر بعد ذلك
2- فى يوم 14/1/1990 تم اقتيادى معصوب العينين الى جهة غير معلومة حتى فوجئت بوجودى امام سجن كوبر والذى بقيت فيه معتقلا حتى هذه اللحظة اعانى من مرض فى المثالك البولية والكلى اضافة الى الام فى الصدر نتيجة للتعذيب الحسدى الذى تعرضت له رغم ان ملفات الامن تعلم بانى اعانى من مرض فى القلب .
السيد رئيس القضاء
السيد النائب العام
اتقدم اليكم بهذه المذكرة واثقا فى عدالتكم واستنادا لماذكرته اعلاه التمس من سيادتكم الاتى
1- التحقيق فى ماجرى لى من تعذيب مع تقديم كل من تثبت ادانته الى القضاء
2- تقديمى الى محاكمة اواطلاق سراحى فورا
3- عرضى للعلاج الفورى وتوفير كل مايتطلبه هذا العلاج
4- الاحتفاظ بحقى فى اى تعويض لاحق
ولسيادتكم جزيل الشكر
على الماحى السخى
المعتقلين الذين كانوا مع استشهد بهم على وقوع هذا التعذيب هم
السيد هاشم محمد احمد
حمودة فتح الرحمن
قاسم حمد حمد الله
جعفر بكرى
نصر محمود



المصدر : الانقاذ الاكذوبة الوهم اسماعيل احمد محمد والراحل وديع ابراهيم
صورة الى :
السيد /النائب العام
السيد/ رئيس القضاء
السيد رئيس القضاء الخرطوم
السيد وزير الداخلية : بواسطة
السيد مدير السجن العمومى - كوبر- الخرطوم

Post: #11
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-19-2008, 08:58 AM
Parent: #10


مسارب الضي

ليسوا اخواناً وليسوا مسلمين:

فقدان بوصلة سياسية أم نور الحكمة؟!

الحاج وراق


* أثارت تصريحات د.الترابي لقناة (العربية) ردود فعل واسعة ومتعددة، من شتى الأرضيات الفكرية والسياسية، وأما الاسلاميون فقد غلب على ردود فعلهم (التهرب)، خصوصاً لدى الاسلاميين (الوطنيين)، واتخذ التهرب عدة دروب، منها التهرب بازاحة القضية الأصلية الى قضايا فرعية، من نوع ان د.الترابي فقد البوصلة السياسية، رغم أن موضوع النزاع ليس التكتيك السياسي وانما بالأساس موضوع الاخلاق في السياسة!! وقد انتبه الى ذلك بحق د.حيدر ابراهيم فأرجع المناقشات الى أصلها الاخلاقي. او التهرب بالتساؤل عن إثباتات د.الترابي في حديثه عن اغتيال المنفذين لاحقاً، كأنما القضية الأصلية هناك، او كأنها محض قضية جنائية!
أو التهرب من الموضوع الأخلاقي الأساسي، وهو هل يجوز اغتيال رئيس دولة أخرى، الى موضوع اخلاقي ثان، وهو جواز أن يتحول قائد حركة سياسية ما الى شاهد ملك في مواجهتها؟ او جواز ان يفشي اسرارها؟ وعلى أهمية هذه القضايا الاخلاقية، فلا يمكن مناقشتها إلا بمناقشة الموضوع الأخلاقي المركزي، وهو هل تجوز الاغتيالات السياسية؟ وهل يجوز اغتيال رئيس دولة أخرى أم لا؟!
* ومن دروب التهرب كذلك، تصريح د.مصطفى عثمان اسماعيل بأن (الملفات) التي أثارها د.الترابي ملفات قديمة، وقد تمت تسويتها منذ زمن بعيد! وربما يكون ذلك صحيحاً من وجهة الاستحقاق الجنائي الدولي، أو من الوجهة الدبلوماسية، أو من جهة العلاقات السودانية المصرية، وبالطبع لا يمكن أن (نفتي) في مثل هذه (التسويات) غير المعلنة وغير المعروفة، ولكن في حال حدوثها فعلاً، فلأهل السودان حق معرفة الشروط والاثمان التي تمت التسوية على أساسها(!) ولكن الأهم من كل ذلك، أن مثل هذه الملفات لا يمكن تسويتها تسوية حقيقية سراً، وإلا فما الضمان ألا يكرر نفس الأشخاص محاولة الإغتيال مرة أخرى؟ وما الضمان بألا يفكر ذات الاشخاص، ماداموا بذات النفسية والعقلية اللتين ألهمتا محاولة الاغتيال تلك، ان يفكروا في اغتيال آخرين، اسهل منالاً من الرئيس مبارك، واغتيالهم لا يكلف أثماناً كاغتيال الرئيس المصري، كأن يغتالوا سلفاكير او الصادق المهدي، او محمد عثمان الميرغني، او محمد ابراهيم نقد؟! واذا اقتنعنا بأن الاشخاص الذين دبروا محاولة اغتيال الرئيس مبارك، قد أقلعوا وتابوا عن مثل تلك الفعلة، فما الضمان بألا يكرر أشخاص آخرون من ذات الحزب والمعسكر الفكري السياسي مثل هذه الأفعال لاحقاً؟!
إن أسئلة كهذه لتؤكد بأن مثل هذه الملفات لا يمكن تسويتها نهائيا إلا بتجاوز النفسية والعقلية اللتين أديتا إليها. ولكن التجاوز يشترط النقد، وبالتالي التساؤل والفحص والمراجعة، هذا بينما يريد (الوطنيون) الدغمسة، وحرف المناقشة الى القضايا الفرعية، مما يشير الى أنهم لايزالون محكومين بذات النفسية والعقلية اللتين أديتا الى تلك الأفعال، بل انهم لايزالون يرفضون مجرد التساؤل دع عنك إعادة النظر في المنطلقات التي أدت الى محاولة الاغتيال الفاشلة تلك؟!!
* وكذلك لا يمكن تجاوز قضية بمثل هذا الحجم، بالاستهبال، أو الاحتيال، وهذا ما يدفع باتجاهه د.الترابي، وسأناقشه لاحقاً، كما لا يمكن تجاوزها بمجرد التسامح وعفا الله عما سلف، وذلك لأن تسامحا (مجانياً) يتعامى عن الاسباب والجذور والارتباطات والتداعيات، لا يمكن أن يدفع نحو الاصلاح، وانما سيدفع الى تكرار ذات الموبقات!
لمحاولة إغتيال الرئيس مبارك جذورها الاخلاقية والفكرية والسياسية، ولا يمكن عزلها عن مجمل المناخات التي تشيعها الحركة الاسلامية وسط عضويتها ومؤيديها، كما لا يمكن عزلها كذلك عن سلسلة الاحداث التي سبقتها او تلك التي لحقتها وتفرزها ذات المناخات والعقلية، وبالتالي فلا يمكن عزلها عن مكانة العنف في ايديولوجية الاسلاميين، أو عن انقلاب الانقاذ، ولا عن ممارسات بيوت الاشباح، او عن احراق دارفور، واحراق جامعة أم درمان الاسلامية!
وما دامت المناخات التي قادت إلى محاولة الاغتيال الفاشلة سائدة لم تطهر بالنقد والمراجعة، فانها ستظل هناك، وحتى حين لا تمارس لأسباب عملية، فانها لا تختفي وانما تظل كامنة وقابلة للانفجار من جديد كلما وجدت بيئة مناسبة! والشاهد على ذلك مفردات خطاب التعبئة التي استخدمتها الانقاذ مؤخراً ابان رفضها للقوات الدولية في دارفور، فخلاف الحديثة عن (مقبرة) الامريكان وتكرار (دنو العذابات)، وهذا مما يمكن فهمه كأدوات في الحرب النفسية ورفع الروح المعنوية للأنصار، إلا ان الخطاب قد انزلق الى ذات مناخات محاولة الاغتيال الفاشلة، مناخات التحريض على العالم، وغياب الحكمة في إدارة العلاقات الدولية، ومناخات الذهول عن حقائق القوة في العالم المعاصر، أي مناخات (لولحة الكرعين قبل وضع السرج)! بل ان حواف الخطاب قد وصلت الى مدى بعيد، كالتلويح بالذبح للاجانب، وتهديد المعارضين والكتاب والصحفيين بالاغتيالات ومواجهة مصائر الحريري وغسان تويني ومي شدياق(!) بل والتلويح بادخال او دخول القاعدة، ووضع جائزة على رأس يان برونك!!
وهكذا، فالواضح ان الغول لم يمت بعد، فدماؤه التي تحدث عنها د.حيدر ابراهيم لاتزال تملأ شرايين وأوردة الانقاذ، وبدون اكسجين النقد، ومن رئة مناقشة واسعة وسط الرأي العام السوداني، فإن هذه الدماء المؤكسدة ستظل تنتج الكثير من اعراض التسمم والادواء!
* والاغتيالات السياسية ليست جديدة على الاسلاميين، بل ان صيحة د.الترابي الاخيرة المتبرئة والقاضية بان من دبروا المحاولة الفاشلة قد دبروها على مسؤوليتهم الشخصية(!) هذه الصيحة نفسها ليست جديدة على الاسلاميين، فقد سبق وأطلقها مؤسس حركة الاخوان المسلمين، الشيخ حسن البنا، في سياق شبيه، في مصر، حيث أسس جهازاً سرياً أمنياً عسكرياً اسماه الجهاز الخاص، وشكله من أكثر العناصر اخلاصاً واستعداداً للقتال، وتعهد تربيتها بالروح (الجهادية) وعلى السمع والطاعة، ثم دربها وسلحها، ولكن، وبسبب طبائع مثل هذه الاجهزة السرية فقد خرجت تدريجيا عن الطوع، وعن ولاية المرشد العام، الى ان وقعت الواقعة في 8 ديسمبر 1948م حين قام احد أعضاء الجهاز الخاص ـ طالب في الثالثة والعشرين من عمره يدعى عبد المجيد أحمد حسن ـ باغتيال رئيس الوزراء المصري محمد فهمي النقراشي، فدارت ماكينة العنف الرسمي ضد الاخوان، فتفككت قيادة الجهاز السري، وبدأت عضويته تتفلت تضرب يمنة ويسرى، الى أن اضطر حسن البنا الى اصدار بيانه الشهير: (ليسوا اخواناً وليسوا مسلمين)، ويقول فيه:
(... فشعرت ان من الواجب ان اعلن، ان مرتكب هذا الجرم الفظيع وامثاله من الجرائم لا يمكن ان يكون من الاخوان ولا من المسلمين لان الاسلام يحرمها والاخوة تأباها وترفضها....)
الى أن يقول: (....واني لأعلن انني منذ اليوم ساعتبر اي حادث من هذه الحوادث يقع من أي فرد سبق له الاتصال بجماعة الاخوان موجهاً الى شخصي ولا يسعني ازاءه الا ان اقدم نفسي للقصاص واطلب من جهات الاختصاص تجريدي من جنسيتي المصرية التي لا يستحقها الا الشرفاء الابرياء، فليتدبر ذلك من يسمعون ويطيعون....)!!
تلك كانت من كلمات البيان الذي اختتم به حسن البنا حياته الفكرية والسياسية، وحين اصدر بيان (الختام) هذا، فان رصاصات الاغتيال او قل رصاصات (الختام) التي انطلقت في 12 فبراير 1949م من ذات القوى التي كانت تستقوى به وبالاخوان المسلمين وجهازهم السري، لم تكن الرصاصات سوى تحصيل حاصل!
اذن فانها ذات الصيحة، وذات الكلمات «ليسوا اخواناً وليسوا مسلمين»! لانها ذات المسيرة، لذات التنظيم الأمني السري! وما أكثر العبر وما أقل الاعتبار!

ليسو اخوانا وليسو مسلمين

الحاج وراق

(2)

فقدان بوصلة سياسية أم غياب نور الحكمة؟! «2»
أن يكرر حسن الترابي ذات صيحة التبرؤ التي ختم بها حسن البنا حياته الفكرية والسياسية، فذلك مما يؤكد بأن القضية أكبر من كونها تتعلق بأشخاص انحرفوا عن التنظيم أو (فتنتهم شهوة السلطان)، كما يكرر د.الترابي، ويحلو له تصوير القضية هكذا، بوصفها انحراف اشخاص، فمثل هذا التوصيف، وكما هو واضح، يهدف الى اعفائه من مسؤوليته الشخصية فيما حدث، وكذلك اعفاء حركته من مسؤوليتها السياسية والمعنوية، وواضح عدم دقة ذلك من الزاوية المنطقية المحضة، لأنه اذا سلمنا بأن المسألة مسألة انحراف اشخاص، فإن حركته لم تمتلك الكوابح الكفيلة بتقييد هؤلاء الاشخاص، بل ولم تمتلك الضوابط اللازمة لمحاسبتهم، ما يضعها كحركة تحت المسؤولية الاخلاقية والمعنوية، وبالتالي يقع على قائدها الاول - الترابي - ذات ما يقع عليها كحركة! ثم انه إذا سلمنا بأن الرئيس البشير لم يكن على علم بمخطط الاغتيال، بحكم التراتبية الباطنية القائمة حينها، والتي تضع الترابي وفريقه فوق الرئيس المعلن، اذا سلمنا بذلك، فانه في المقابل، تثور شكوك قوية حول امكان تدبير عملية بحجم التخطيط لاغتيال رئيس دولة، دون ان يؤخذ رأي الترابي فيها، ودون اخطاره، ودون علمه! وفي حال حدوث ذلك بالكيفية التي يريدنا الترابي تصديقها، فانه مطالب بالاجابة عن طبيعة هذه الحركة التي يسمح بنائها الداخلي لأشخاص قلائل بتضليل قيادتها، واستخدام قدراتها التنظيمية والامنية في مخطط لم توافق عليه الحركة، ويُدعى بأنه يتعارض ومنطلقاتها، ورغم كل ذلك، لا تفشل هذه الحركة في ايقاف مخططات هؤلاء الاشخاص، وحسب، وانما تفشل كذلك في محاسبتهم وعزلهم!!
ü ان د. الترابي حين يدعي بأن الامر لا يتعدى الاشخاص الى مسؤولية التنظيم ومناخاته الفكرية والنفسية، يفشل في الاجابة على اسئلة من قبيل: من أين أتى هولاء الاشخاص؟! وكيف استطاعوا استخدام قدرات وموارد التنظيم دون عوائق ودون عقاب؟! مما يحيل مرة اخرى الى مسؤولية التنظيم والى طبيعة بنائه الداخلي غير الديمقراطي، فأما إذا أجاب بأن اولئك الاشخاص قد (خانوا) التنظيم، كما يحلو للترابي تصوير الأمر، فان هذا يحيل من جديد الى (تربية) التنظيم، والى ضعف المؤسسات والنظم التي سمحت بتمرير الخيانة! والأهم ان الحديث عن الخيانة يحيل الى القضية الاخلاقية الاساسية التي يتهرب منها د. الترابي، تماماً كما يتهرب منها تلامذته في (الوطني)!
ü ان الالتزام بنظم ولوائح اي تنظيم سياسي، بالنسبة الى عضو هذا التنظيم، بما في ذلك عضو الحركة الاسلامية، انما يستند على المبدأ الاخلاقي عن الالتزام بالعهود، ففي النهاية فإن اية نظم او مواثيق حزبية انما تشكل عهداً بين اعضاء التنظيم فيما بينهم، وعهداً بينهم وبين قيادتهم، وبينهم وبين الرأي العام. فهل ترى تُربّى الحركة الاسلامية عضويتها على احترام العهود؟!
ألم تكن الديمقراطية، ونظامها الدستوري القائم في عام 1989، عهداً بين الحركة الاسلامية وبين القوى السياسية الاخرى؟ وألم يقسم اعضاء الجبهة الاسلامية في البرلمان حينها على حماية الدستور؟ فمن سوغ لهم (أخلاقية) القسم على الحماية وفي ذات الوقت التآمر للانقلاب على النظام الدستوري الديمقراطي؟!
وهو قسم شبيه بالقسم الذي سبق وأداه الاسلاميون لدستور نظام نميري ولمواثيق الاتحاد الاشتراكي، ولا تختلف نتيجة الالتزام به عن مآل عهد الالتزام بالدستور الديمقراطي!
ü ويمكن تعداد الكثير من وقائع نقض العهود الشبيهة، كنقض عهد الانتخابات بالتزوير، ونقض العهد السياسي والاداري بنمط القيادة الباطني (حيث توضع قيادة رسمية مسؤولة امام الشعب ولكنها فعلياً ليست القيادة الحقيقية التي تتخذ القرارات، مما يؤدي الى ان يتحمل اشخاص مسؤولية قرارات لا يتخذونها، هذا من جهة، ومن جهة اخرى، فان متخذي القرارات لا يتحملون أية مسؤولية سياسية عن قراراتهم، وخلاف طابع الخداع والتضليل الذي تنطوي عليه مثل هذه العملية، فانها تتناقض بصورة صارخة مع مبدأي الشفافية وسيادة حكم القانون!)، وكذلك نقض العهود في تجيير الدولة لصالح الحزب، وما يتطلبه ذلك بالضرورة من تلاعب بالنظم الادارية والمحاسبية، وبالتالي من تطبيع لممارسات الكذب والتزوير!
ü ويندرج التخطيط لاغتيال الرئيس مبارك، في جانب منه، في سياق نقض العهود، حيث اضافة الى القضية الاخلاقية المتعلقة بجواز الاغتيالات السياسية، والتي سأناقشها لاحقاً، فانه كذلك، يبرز كنقض للعهود، تحديداً نقض لعهود ميثاق الأمم المتحدة، والذي يحرم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخرى، خصوصاً السعي الى تغيير انظمتها السياسية بالقوة. وبالطبع، فان الانقاذ لم تنسحب من الأمم المتحدة، وبالتالي لم تسحب التزامها بالعهود الدولية، وكان اصدق لها ان تتبنى دعوى حزب التحرير الاسلامي فتقاطع المنظمات الدولية!
ولكن الانقاذ لم تفعل، ومع ذلك، سعت الى ما سعت إليه، وقد يدفع بعض أهلها من ذوي النزعات الامبراطورية بأن (الآخرين)، ورغم توقيعهم على ميثاق الامم المتحدة، فانهم يتدخلون في شؤون الدول الاخرى، ولكن، ما يفعله الآخرون، من جرائر، لا يصلح مبرراً للاقتداء له! أو قد يدفع الانقاذيون بأنهم ملزمون ديناً بأن يناصروا اخوانهم في الدين والقضية، حتى ولو أدى ذلك الى انتهاك مبدأ السيادة الوطنية. واقول عن ذلك، بأنه اذا كان اخوانهم من المستضعفين حقاً، فذلك يثير اشكالية سياسية واخلاقية، ولكن حلها ليس في التآمر، ربما بالسعي الى تحريك آليات الأمم المتحدة نفسها، أو بالسعي الى التوفيق بين الالتزام بالعهود الدولية وبين نصرة المستضعفين بوسائل قانونية، كمثل ارساء نموذج ملهم لهم ، وبالتضامن المعنوي والاخلاقي، وربما بدعمهم سياسياً، ولكن، ليس من مبرر لدعمهم عسكرياً وأمنياً ، بما في ذلك التخطيط لاغتيال رؤساء الدول!!
وعلى كل، فاذا اختار الاسلاميون بأن نصرة اخوانهم أهم من الالتزام بالعهود الدولية، فالاخلاقي حقاً، الانسحاب من الأمم المتحدة وبالتالي التحلل من أية التزامات مترتبة عن العضوية بها!
ولكن الانقاذيون لم ينسحبوا، وفي ذات الوقت انخرطوا في خيانة العهود المترتبة عن عضويتهم، وفي ذلك فإن الترابي شخصياً يتحمل المسؤولية الأكبر، فهو المنظر والمحلل لمثل هذه الممارسات، واذا استطاع التملص من مسؤوليته المباشرة في محاولة اغتيال الرئيس مبارك، فكيف يستطيع التملص من انشاء المؤتمر الشعبي العربي الاسلامي، ومن (الغزوات) الشبيهة بمحاولة الاغتيال كمثل (غزوات) تغيير الانظمة في اثيوبيا وارتريا وتشاد والكونغو؟!
ü وهكذا فان نقض العهود ممارسة معتمدة ومستمرة للحركة الاسلامية، والأهم ان لها جذورها الفكرية والفقهية لدى الترابي وتلامذته، ولدى كل الجماعات الاسلامية الاصولية.
ü يقول المثل السوداني الشائع: (الما بخاف الله خافو)، وعلى بساطته، فانه يستخلص استنتاجاً فلسفياً عميقاً، سبق واشار إليه الاديب الروسي دوستوفسكي حين كتب: (اذا كان الله غير موجود فكل شيء مباح). وكان يعني بأن الملحد المتسق مع إلحاده لا يمكن ان يكون أخلاقياً لأن كل شيء يكون مباحاً لديه. وقد اكدت ذلك تجربة اوروبا حين اعلنت بزهو (موت الله)، فلم تضر الله تعالى بشيء، ولكنها عملياً اعلنت بذلك موت علاقتها بأي مثال اخلاقي وروحي، وبالنتيجة فقد اعلنت موت انسانيتها!! والى ذات النتيجة توصل الفيلسوف الألماني (كانط) - نتيجة انه لا يمكن تأسيس الاخلاق بصورة متسقة إلا بافتراض وجود الله .
وهكذا فان الملحد اذا كان متسقاً مع إلحاده فإنه سيتحول الى شخص بلا أخلاق!
ü وللمفارقة فإن الأصولي الاسلامي ينتهي الى ذات نتيجة الملحد، فهو لا (يخاف من الله)، ليس بسبب اعتقاده بعدم وجوده، ولكنه عفا نفسه من هذه المخافة بوثوقيته وانغلاقه، فهو لايتوجه الى الله خائفاً ولا راجياً وانما واثقاً ومختالاً فخوراً، انه على قناعة بأنه ممثل الله في الارض، وانه يريد انزال مملكة السماء على الارض، ومادامت غايته سامية ومقدسة واخلاقية، فان أية وسائل يعتمدها تكون اخلاقية كذلك، وهكذا، فإنه يعفي نفسه عملياً من (مخافة الله) ومن التساؤل عن اخلاقية افعاله، لأن افعاله انما لصالح الغاية المقدسة (الدعوة)، مما يجعله يتصور بأن (الكذب) لصالح (الدعوة) فضيلة، ونقض العهود لصالح (الدعوة) حلال، والاغتيالات وترويع الامنين والأبرياء لصالح الدعوة جهاد! ولكن، ولأن الدعوة الحقيقية انما هي دعوة لأجل اشاعة الصدق والوفاء بالعهود ولأجل السلم والرحمة، فإن (دعوة) الاصولي تتحول في نتائجها العملية الى (دعوة) ضد الدعوة!!

Post: #12
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-19-2008, 09:24 AM
Parent: #11

مسارب الضي

وتقلبهم في الفتن !

الحاج وراق

قبل أكثر شهر قابلت أحد الإسلاميين من غرب السودان في مؤتمر حوار الحضارات الذي نظمته جامعة النيلين ، فقال لي ممازحاً : (إنتو الجلابة ما بتنفعو معانا) ! رددت عليه ضاحكاً ، ولكن جاداً، : ، (إنتو يالإسلاميين إنتهيتو من وصمنا بالكفرة لتتحولوا إلى وصمنا بالجلابة ؟!) ·

وخطاب هذا الإسلامي لم يعد إستثناء ، ولا مزحة ، وإنما نموذج لحراك عام وسط الحركة الإسلامية تتحول به من الفتنة الدينية إلى الفتنة العرقية ، وفي الحالتين ، ومع اختلاف الشعارات ، تحافظ على جوهر آليات التفكير الشمولي : وهو الطابع الإقصائي لثنائية حدية ، ثنائية لا يمكن عبورها أو التسوية بينها ، ثنائية بين (نحن) و(هم) ، نحن تعبر عن الخير المطلق وهم تعبر عن الشر المطلق ، واللعبة بينهما صفرية ـ إما أن ينتصر الخير المطلق أو الشر المطلق ! وكانت (نحن) في السابق تشير إلى (الإسلام أوالحاكمية الإلهية) و(هم) تحيل الى (الطاغوت أو الكفر) ، ثم تحولت (نحن) إلى (الإفريقانية أو الأغلبية المهمشة {التهميش مفهوم فهماً عرقياً ضيقاً وإقصائياً}) و(هم) تشير إلى الجلابة ــ الجلابة ليس كأيديولوجية ولا سياسات وإنما جميع أهل وسط السودان غض النظر عن منطلقاتهم وانتماءاتهم ! ·

وعلى ذات النهج ، أعلن د·علي الحاج محمد (القيادي الإسلامي) ، وساتره السياسي الدكتور خليل ابراهيم ، ومعهم مجموعة من قيادات الحركة الشعبية في 6 أبريل الماضي ، ومن مدينة هيتغن بألمانيا إعلاناً سياسياً بما أسموه بإتحاد الأغلبية المهمشة في السودان ·

ويذخر الإعلان بالرائج من شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان ، وأضيفت إليها إمعاناً في التأكيد (وكما سيتضح لاحقاً إمعاناً في التضليل) وصفة القوى الديمقراطية : (وفق المواثيق الدولية) !! ولكن ،ورغم ذلك، ليس في الإعلان ما يدعو إلى التفاؤل بتحول حقيقي من المشاريع الشمولية المجربة والفاشلة إلى التفكير الديمقراطي ··وذلك لسببين أساسيين ومهمين : الأول فكري ، فالحركة الإسلامية ، ما تزال في عمومها تمخر على سطوح الخطاب الديمقراطي ، فإذ تزدان بياناتها بقبول التعددية فإنها لم تعانِ بعد لتوطين الديمقراطية في نسقها الفكري ، والمعاناة اجتهاد ، اجتهاد يجيب على أسئلة من نوع : الموقف من حرية المعتقد والضمير ،وبالتالي مايدّعي بأنه حد الردة ، وهل تتساوى حقوق المسلم وغير المسلم في إطار الدولة الوطنية ؟ وهل يجوز لغير المسلم التطلع لرئاسة القضاء أو الدولة ؟ وما هو الموقف من الجزية ؟الخ من الإشكالات الفكرية والعملية والتي لا يمكن حلها بالتجاهل أوالإستهبال ···ومايقال عن وضعية غير المسلم يقال عن وضعية المرأة !!

أما السبب الثاني فمبدئي ، لأن الفهم العرقي لإتحاد الأغلبيات المهمشة يتناقض مع جوهر التفكير الديمقراطي ··وذلك لأن مفاهيم الأغلبية والأقلية في الإطار الديمقراطي إنما تستخدم للحديث عن صراعات أفقية ــ صراعات مشاريع فكرية وسياسية ،وهذا الصراع أوالمنافسة والتسوية والحلول الوسط ، يشكل مصدر ثراء وغنى للمجتمع ··وبالتالي فإن هذه المفاهيم وفي هذا الإطار مفاهيم مفتوحة ودينامية ، بمعنى أن الأغلبية تتعايش والأقلية ، ولهما ذات الحقوق والحريات الأساسية ، والأغلبية يمكن أن تتحول إلى أقلية والأقلية إلى أغلبية ··وفي المقابل عندما تزاح هذه المفاهيم عن مجالها الديمقراطي ، وتستخدم في الدلالة عن الصراعات الرأسية ــ صراعات الدين أو العرق أوالقبيلة فإنها تتحول إلى مفاهيم سكونية وإقصائية ــ الأغلبية تظل أغلبية والأقلية أقلية والإنتماء إلى الأغلبية الدائمة مصدر استعلاء وتمييز دائمين ·· وهذا بدلاً من إثراء المشاريع الفكرية والسياسية وإنماء الممارسة الإجتماعية ، فإنه يشق المجتمع إلى اصطفافات إستبعادية ، تفتك بالسلام الإجتماعي وتعصف بالوحدة الوطنية !

لقد اعتاد الإسلاميون على تبسيط القضايا المعقدة ، كقضية الخصوصية الحضارية أو علاقة المعاصرة بالأصول الدينية والثقافية ، وهي قضية حقيقية ، لا تفلح في معالجتها (برشامات) الأصوليين المبسطة ، والتي ظلوا يجأرون بها كشعار : (الإسلام هو الحل) ، دون أن يحددوا أي تأويل للإسلام يعنون ؟ أتأويل إنساني ومعاصر أم تقليدي وظلامي مغلق ؟ أتأويل مع كرامة وحرية وسعادة الإنسان أم مع البطش والإذلال والإستغلال ؟ وتؤكد التجربة التاريخية أن هذه ليست أسئلة نافلة ··ثم إن العموميات وحدها لا تكفي : فأي حلول ملموسة لقضايا البلاد الماثلة : قضايا البناء الوطني والتنمية ومكافحة البطالة والفقر والصحة والتعليم والإسكان ·· الخ ··· والشعوب الراشدة لا تسمح لحركات سياسية بلا برامج ملموسة ومعلنة أن تحوز على أعنة السلطة لتستخدم الشعوب كفئران تجارب !

وكذلك عن قضية التهميش ، هناك تهميش في البلاد ، تهميش اقتصادي ، وثقافي ، وعلى أساس النوع (Gender) ، وعلى أساس العرق ، ولكن هنا أيضاً لاتصلح التبسيطات في معالجة الظاهرة ·

خذ مثلاً التهميش على أساس الثقافة والعرق ، إنه ليس مسؤولية المركز هكذا على العموم ، إنه مسؤولية مصالح آيديولوجية واجتماعية محددة ، وتتناصر في الدفاع عن هذه المصالح مجموعات ثقافية وعرقية متنوعة ، حتى على حساب قواعدها العرقية ، فأي سلطة مركزية في تاريخ السودان لم تحتشد بمجموعة واسعة من الإنتهازيين من شتى الأعراق والقبائل ؟! إذاً فالإنتماء لمجموعة عرقية ما ليس عاصماً كافياً من الإلتحاق بسياسات التهميش ، وفي المقابل فإنه ليس كل من هو من الوسط أو قل جلابي أو عربي مسلم يكون بالضرورة ضالع في سياسات التهميش ، ففي داخل كل مركز يوجد هامش ! ··· وكذلك ليس ضرورياً لتخطي الإستعلاء والعنصرية أن يتخلى سوداني الوسط عن انتمائه الثقافي للعروبة والإسلام !

والمفردة الغائبة عن إعلان (الأغلبية المهمشة) كلمة التنمية ، فلم ترد ولا مرة واحدة !! وفي ذلك دلالة دامغة على طبيعة (الأغلبية) المعلنة ، إنها لا تعدو كونها أقلية صفوية من المغبونين ــ لأسباب شخصية ـ والطامعين والإنتهازين ، وذلك لأن أزمة البلاد المركزية إنما هي التخلف ، والذي يعني صغر الكعكة نفسها ، غض النظر عن سوء توزيعها ، وبدون التنمية بما يعني تنمية الكعكة ، فإن عدالة التوزيع ستكون لحدود بعيدة عدالة في توزيع الفقر ! هذا لا يعني عدم أهمية العدالة ، فهي تترافق مع وتحفز التنمية ، ولكن الذي لا يقول كلمة عن التنمية إنما يفضح قضيته بوصفها قضية كراسي ، كراسي فوق أوحال التخلف والفقر ، أو حتى على أكوام جماجم الأهل والعشيرة !

لقد ظل الدكتور علي الحاج ورفيقه الدكتور خليل ابراهيم وصحبهما من القيادات المتنفذة والمستوزرة لعقد كامل من سنوات الإنقاذ ، فماذا فعلوا لرفع المظالم والتهميش ؟! (خلوها مستورة) ؟!

سيسجل التاريخ لعدد من ساسة البلاد أنهم ظلوا على الدوام دعاة فتنة وطنية ،ما خمدت فتنة ، إلا وانقلبوا يشعلون أوار فتنة أخرى ! فبئس السجل !!
ابريل
2003
الصحافة

Post: #13
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-19-2008, 09:43 AM
Parent: #11

ليسوا اخواناً وليسوا مسلمين:

الحاج وراق




فقدان بوصلة سياسية أم غياب نور الحكمة؟! (3)
* على عكس ما يدعي (الوطنيون)، فان الترابي حين ألقى بقنبلته عن تورط مسؤولين حكوميين في محاولة اغتيال الرئيس مبارك، لم يكن يفعل ذلك بسبب فقدان البوصلة السياسية، أو الخرف (!)، فأهدافه كانت ولا تزال واضحة، وسبق وأعلنها صراحة، وهي (التغيير)!
فحين دعا المؤتمر الوطني الى اجتماع القيادات السياسية الشمالية تحت شعار الاجماع الوطني، كان الترابي الذي علم تلامذته (السحر) على يقين من الهدف الحقيقي لمثل هذه الدعوات عن وحدة الصف، ألا وهو الاصطفاف خلف المؤتمر الوطني بما يحافظ على احتكاره للسلطة بدعوى مواجهة الاستهداف الخارجي! ولذا فقد رد الترابي على ذلك بالدعوة الى حكومة قومية لا يشترك فيها الوزراء الحاليون أو السابقون! ولم يكتفِ بذلك، بل أيّد استبدال القوات الافريقية بقوات دولية، كما أيّد تسليم المسؤولين عن جرائم الحرب في دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية!
وهكذا فان قنبلته تأتي في سياق محدد، سياق الدعوة إلى (التغيير)، وتدفع القنبلة إياها في هذا الاتجاه، بفضح وتعرية المجموعة الحاكمة في الداخل، مع تقديم حيثيات قانونية اضافية لمساعي محاكمتها في الخارج!
إذن فأهداف الترابي السياسية واضحة، وكعادته، فإنه يخدمها بتصميم ومثابرة، ودون ان يتساءل حول مدى مشروعية وسائله الأخلاقية!!
* وقطعاً ان الدعوة الى التغيير مشروعة وملحة، وكما لا يخفى، فإن الانقاذ التي ظل يتداول مفاتيحها الأساسية ما لا يزيد عن الخمسين شخصاً طوال عمرها في السلطة، فإن تغيير سياساتها لابد وان يترافق مع تغيير في الاشخاص، خصوصاً أولئك المتورطين في انتهاكات القانون الدولي الانساني والشرعة الدولية، واللذين تقع ضمنهما جرائم الحرب في دارفور ومحاولة اغتيال الرئيس مبارك!
ولكن في المقابل، فإن التغيير الحقيقي والأكثر جذرية يتعدى تغيير الاشخاص الى تغيير طرائق التفكير والمناهج والسياسات التي قادت إلى الأزمة.
وبدون مثل هذا التغيير فإن الحركات الاسلامية الاصولية ستظل تدور في الحلقات المفرغة التي تنتهي من حيث تبدأ، فكما اختتم حسن البنا حياته السياسية بتبرؤه من جهازه السري واطلاق قولته الشهيرة (ليسوا اخواناً وليسوا مسلمين)، واختتم الترابي مرحلة كاملة من تاريخه السياسي بذات صيحة التبرؤ، فذلك سيستمر إذا تم اختزال الأزمة في حدود انها أزمة أشخاص وحسب، وليس بعيداً ان يأتي بعد عشرين عاماً أخرى أحد قيادات الحركات الأصولية الأخرى كعبد الحي يوسف أو أحمد مالك أو غيرهما فيصيح بذات صيحة التبرؤ (انهم ليسوا اخواناً وليسوا مسلمين)!!
ولذا فإن التغيير الحقيقي لابد وان يتعدى مساءلة الاشخاص - على أهمية مثل هذه المساءلة - الى مساءلة البيئة النفسية والفكرية والتنظيمية التي تنتج هؤلاء الأشخاص، من جهة، ومن الجهة الأخرى تنتج المؤامرات والويلات ومخاضات الدم!
وان مساءلة جذرية كهذه، لهي وحدها القمينة باستخلاص الدروس الصحيحة من التجربة، والاستفادة منها، ليس فقط في تصفية الحسابات الشخصية الصغيرة، أو فش الغبائن، وإنما لمعافاة الحياة السياسية في بلادنا.
* ومقارنة بالمجموعة الحاكمة، فان الترابي اكثر تأهيلاً للدخول في مناقشة منتجة لمعافاة الحياة السياسية في البلاد، وذلك لأن مثل هذه المناقشة تتطلب عقلاً منتجاً، بينما المجموعة الحاكمة (خائفة) على احتكارها وعلى امتيازاتها، ولذا توظف عقلاً (خائفاً)، وهو عقل ينجح في التدابير وفي التبرير والالتواء والتضليل، ولكنه لا ينجح في انتاج معرفة صحيحة أو معرفة جديدة! ان العقل (الخائف) يشتغل على مقاس الكراسي القائمة، ولهذا فإنه لا يستطيع ان يحجز مقعداً في المستقبل!
وأما الترابي، فانه لم يعد يخاف على سلطة أو على امتيازات سلطوية، ولكنه ومع ذلك، لا يزال خائفاً، أقل من المجموعة الحاكمة، ولكنه لا يزال خائفاً على صورته وعلى مشروعيته وعلى حدود مسؤوليته الشخصية، فإذا استمر يهجس بمخاوفه هذه، فانه سيستمر يفجر الكثير من (القنابل) ولكن لن ينجح في زراعة ولو قليل من (الفسائل)!!
* والمتأمل في خطاب الترابي مؤخراً، يلحظ انشغالاً بأسئلة المستقبل، أي بتأهيل حركته فكرياً بما يجعلها تستجيب لتحديات المعاصرة، كمثل تحديات حقوق الانسان وقضايا الجندر (النوع) وقضايا التعددية الدينية، وهذا هو السبب الاعمق في فتاواه الأخيرة عن الحور العين وامامة المرأة وشرب الخمر. وكذلك قنبلته الاخيرة عن محاولة الاغتيال، فاضافة الى أهدافها السياسية المباشرة، فإنها من جانب آخر تستجيب في حدود معينة لسؤال الارهاب، وهو سؤال حقيقي وأساسي من أسئلة العالم المعاصر، غض النظر عن ابتذاله لدى اليمين الامريكي الجديد أو استخدامه كأحد آليات الهيمنة في المنطقة.
ولكن، مثل هذه التحديات وغيرها، لا يمكن مواجهتها، كما سبق وكررت بالاستهبال أو الاحتيال، فالنزاهة اضافة الى كونها مطلوبة في ذاتها أخلاقياً، فإنها كذلك أحد شروط انتاج أية معرفة ذات شأن.
* وتستوجب النزاهة تطبيق المعايير ذاتها على الآخرين وعلى النفس، ولكن العقل المحافظ والخائف، يزْْوَر عن الوصول بالاستنتاجات الى نهاياتها المنطقية، لأنه يخاف على شيء ما أو يود المحافظة على شيء ما! وهذا ما يفعله الترابي وهو يحاول المحافظة على صورته ومشروعيته وعلى مشروعه الاصولي خصماً على الحقيقة!
ويفيد د. الترابي التأمل في النكتة عن أحد المحامين الذي نصح موكله - وكان متورطاً في احدى الجرائم - بأن يكذب امام القاضي بأن يدعى الجنون! وذلك بأن يجيب على أي سؤال من القاضي بكلمة (لِق لِق لِق)! وهي لفظة دارجة تفيد الامتناع وفي ذات الوقت السخرية من الطلب نفسه! وحدث ذلك فعلاً في المحكمة، فكلما سأل القاضي المتهم سؤالاً أجابه حسب نصيحة المتهم بكلمة واحدة لا غير (لق لق لق)! فاقتنع القاضي بأن المتهم مريض نفسياً وحكم ببراءته!
ولكن حدثت كارثة المحامي حين طالب المتهم بأتعابه، فقد أجابه بذات الاجابة السابقة (لق لق لق)!!
نكتة تجيب على الكثير من ادعاءات الترابي على تلامذته، فالتآمر ونقض العهود، والكذب، والعنف، وانتهاكات حقوق الانسان، وغيرها من الممارسات التي يأخذها الترابي عليهم، انما سبق واشار عليهم بها في مواجهة الخصوم، واعتمدها كأسلحة مشروعة على أساس فقه ضرورات ومصالح الدعوة! ولكن وبطبيعة مثل هذه الاسلحة فليس لها حداً تقف عنده - فكما كان الكذب في مصلحة (الدعوة) فضيلة، ونقض عهد الديمقراطية حلالاً، فمن الطبيعي ان يصل التلامذة الى اليوم الذي يرون فيه انه من مصلحة (الدعوة) كذلك (الانقلاب) و(الغدر) و(العنف) تجاه شيخهم! وهكذا دوماً (من يفعل مثقال ذرة شراً يره) و(كما تدين تدان) و(التسوي كريت في القرض تلقا في جلدها) فالاغلال التي نحضرها لتقييد أيادي الآخرين عادة ما تنقلب إلى تقييد أيادينا نفسها!


مسارب الضي
الحكمة الواجب أخذها !

الحاج وراق




* يشن الاستاذ / إسحق أحمد فضل الله هجوما يوميا على الديمقراطية بصحيفة (الحياة) ، وتتوازى سخونة الهجوم مع سخونة القضايا الفكرية التي يحاول اسحق التغطية عليها !.
وقد ظن إسحق أن في نقدي الشخصي لليبرالية المتوحشة ـ (السياسة الاقتصادية لليمين المحافظ في الغرب) ـ ما يمكن ان يعضد من هجومه على الديمقراطية ، وفي ذلك مغالطة ، لأن السياسات الاقتصادية المعادية للشعوب لا ترتبط إرتباطا جوهريا أو صميميا بالديمقراطية، فالديمقراطية إنما هي إقرار خيارات غالبية الشعب ، سواء في السياسة او الاقتصاد ، فاذا صدف وتقررت عبر الديمقراطية سياسات معادية للشعوب فإن الديمقراطية ـ على عكس النظم الأخرى ـ لا تتيح إمكانية إنتقاد مثل هذه السياسات والتحرك ضدها وحسب ، وانما كذلك إمكانية عزل المسئولين عنها دون إراقة نقطة دم واحدة ! .
* واسحق مثله مثل الكثيرين من العرب والمسلمين يجند طاقاته النقدية كلها لنقد الغرب ، وفي الغرب الكثير مما يستحق النقد ، والنقد فضيلة الديمقراطية في الغرب ، والحضارة الغربية بطابعها الديمقراطي هي الحضارة التي تتيح نقد أسسها من داخلها ، وما من نقد ذي شأن وذي معنى للغرب الا وابتدره الغربيون انفسهم وهذا سر قدرتهم على التجاوز والتقدم .. ولكن نقد إسحق ـ ومن لف لفه ـ يخلو من أية فضيلة ، لأنه يتخصص في النقد (غيرالمكلف) ـ فما أسهل أن تنتقد (ظل الفيل) ! لقد صارت (الموضة) في عالمنا العربي والاسلامي نقد الغرب وأمريكا ! وهذا نقد مجاني ، لا يكلف شيئا ، لا يكلف إستعدادا معرفيا ولا هدرا للوقت في التمحيص والتثبت ، والأهم انه لا يكلف اثمانا معنوية لدى الرأي العام المتخلف ، كما لا يكلف اثمانا (حياتية) من لدن السلطات القائمة في عالمنا ..! وهكذا صار نقد الغرب ذريعة للتهرب من النقد الأهم والملح ، وهو نقد الذات ، نقد سلطاتنا ومجتمعنا وعقلياتنا السائدة .. وصار الغرب شماعة نعلق عليها عيوبنا وقصورنا واخطاءنا وخطايانا ! .
* وتتضح الوظيفة الآيديولوجية للتخصص في نقد الغرب في ملاحظة ان اسحق الذي هلل لنقدي للليبرالية المتوحشة في الغرب لم يتفوه بكلمة واحدة عن توحش سياسات الانقاذ الاقتصادية ، وهو توحش (مستلف) من الغرب بلا هدى ولا نور ، ولكنه توحش افظع ، لأن فاجعة بورتسودان الاخيرة ـ والتي كانت احد مظاهر هذا التوحش ـ اذا حدثت في اى بلد غربي (صليبي وكافر !) لاستقال أو اقيل جميع المسئولين عنها ، في حين أن التوحش (المؤصل) عندنا لا يمكن مساءلته بقوة الرأي العام الاخلاقية ، وكما قال عُراب هذه السياسات ـ د . عبد الرحيم حمدي ـ (يلزم لتغيير هذه السياسات التحرك بالدبابات) ! ، وغني عن القول إنه حين يحتاج التغيير الى الدبابات فإنه يحتاج الى التضحية بآلاف الارواح الانسانية وتتضح هنا مرة اخرى ميزة الديمقراطية على غيرها من النظم السياسية ! .
* وأحسُ في الاستاذ اسحق صدقا في طلب العزة للمسلمين ، ولكن فساد الرأي يقوده الى نقيض مراده ، فلا نهضة ولا عزة بغير الديمقراطية ، وفي التأمل في حال أوضاعنا الراهنة تأكيد كافٍ على المآلات التي يوصلنا اليها الإستبداد ! .
وفساد الرأي الذي يشترك فيه اسحق مع غيره من الاسلاميين إنما هو تصور الحاكم وفق تصورات القرن السابع الميلادي ، فيحلم بشخص في مثل حكمة ابي بكر الصديق ، اوعدل عمر بن الخطاب ، او سماحة عثمان بن عفان ، او تقوى الإمام علي 1 رضي الله عنهم اجمعين ـ وهم كلهم نجوم للاقتداء والتأسى ، ولكن الظروف الاجتماعية التي عاشوا ضمنها لم تعد قائمة الآن ولن تعود : كان سكان المدينة المنورة ـ عاصمة الخلافة ـ حينها لا يتعدون آحاد الآلاف ، يستطيع الحاكم الوقوف بصورة شخصية على ما يغلونه في قدور طبخهم ، وكان المحكومون في علاقة شخصية مع الحاكم تتيح لهم التحقق المباشر من اعداد قطع ملابسه ! والآن قداختلف المجتمع المعاصر إختلافا جذريا ، كما وكيفا وتعقيدا ، وما عادت السلطة السياسية سلطة افراد افذاذ وانما سلطة نظم ومؤسسات .. ولذا فمن يريد التأسي الحق بالخلفاء الراشدين فعليه البحث عن النظام والمؤسسات التي تجسد القيم الرفيعة كما جسدها الخلفاء سابقا كأشخاص .. فإذا توفرت النظم والمؤسسات الملائمة فإن القيم المشار اليها تكون حاكمة ونافذة غض النظر عن خصائص الافراد الشخصية .. سواء ثقافتهم او ألوانهم او معتقداتهم او أمزجتهم ! وخذ مثلا على ذلك ، لا يستطيع المستشارالالماني ـ غض النظر عن رغباته ـ أن يعلو فوق القانون ، فاذا تهرب من الضرائب او ارتشى فإن نظم الضبط والتوازن الديمقراطية كالشفافية الناجمة عن حرية وسائل الإعلام ، والرقابة والمساءلة عبر السلطة التشريعية والسلطة القضائية المستقلتين عن السلطة التنفيذية فضلا عن المنافسة الانتخابية النزيهة والحرة ، هذه الضوابط كفيلة بردعه وفي حال عدم ارتداعه فإنها تتيح محاسبته او عزله ان لزم الامر ! .
وواضعين في الاعتبار طبيعة القيم التي يجسدها النظام السياسي ،ترى ايهم اقرب الى قيم الاسلام، النظام الديمقراطي في سويسرا ا م نظم كطالبان افغانستان ونظام الانقاذ في السودان بل وكافة النظم السياسية الحاكمة في عالم الاسلام ؟!
* واسحق الذي يهجو الديمقراطية تبريرا للطغيان القائم ليس لديه ـ مثله مثل السلفيين الآخرين ـ اجابات محددة على الاسئلة التي يثيرها الاجتماع السياسي .. وليست هذه أسئلةانصرافية كأسئلتهم من نوع : ما حكم من دخل من فم نعجة وخرج من دبرها؟! اسئلة السياسية على النقيض اسئلة راهنة وملحة وحيوية : اسئلة من نوع : كيف يختار الحاكم ؟ وماهي مدة ولايته ؟ وكيف يضبط ؟ وكيف يحاسب ؟ وكيف يعزل ؟ ودون توفر إجابات على هذه الاسئلة فلا يمكن الركون الى إدعاء الحكام عن تقواهم أو استقامتهم ، سواء بالحق او بالباطل ، فالبشر بشر ، وخلاف كونهم خطاءون ، فإن لهم ثقافات ومستوى معارف مختلف ، ولهم مصالحهم ، وأهوائهم وأمزجتهم ، فكيف تفض الخلافات فيما بينهم ؟! التقوى الشخصية ليست كافية ، خصوصا في المجتمع المعاصر ، وانما الأهم (التقوى المؤسسية) أى تقوى النظام غض النظر عن تقوى الاشخاص ، وإلا كيف نفهم ان الصحابة انفسهم رضوان الله عليهم اقتتلوا حول ولاية الأمر؟! دع عنك الإسلاميين المعاصرين الذين شدقوا افواههم والسماء بهتافات (هي لله هي لله) فلما جد الجد تنازعوا وتماسكوا الحزز لأجل السلطة والجاه !! .
* وهكذا فلابديل عن آليات التداول السلمي الديمقراطي سوى آليات القوة والدم ، ولا اجابات عن اسئلة الاجتماع السياسي تجنب المجتمعات الإستبداد والطغيان سوى إجابات الديمقراطية ، وهي الإجابات الأكثر انطباقا مع قيم الاسلام ، والأكثر تحقيقا لمراده في أخذ الحكمة من أي المصادر جاءت ، وما من حكمة أحوج إليها في عالمنا العربي الاسلامي ، وأجدر بالأخذ من حكمة الديمقراطية

Post: #14
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-19-2008, 10:18 AM
Parent: #13

مسارب الضي
تكتيك ذروة الحفلة!

الحاج وراق




* في الدراما يسمونها ذروة الحبكة، وهي ان يوقظوك في أعمق لحظات النوم، يعصبون عينيك، يقولون لك بأنه مادامت فشلت معك أساليب الحسنى، ثم أساليب التأديب فان آخر العلاج الكي، سيأخذونك الى (الدروة) أي إلى منصة الاعدام! وفعلاً تتحرك بك السيارة إلى المكان المجهول، تحيطك كل طقوس التعذيب ويسمونها باجراءات (الحفلة) - رأسك على أرضية السيارة مغطى بجوال، تدوس عليه الأحذية الثقيلة، ومع تواصل سيل التهديدات والشتائم تنهال عليك بين الفينة والأخرى ركلات الأرجل ونخسات السونكيات ولطمات اعقاب البنادق، وحين تصل إلى المكان القفر الموحش، ينزلونك مقيداً مدمى، ثم يصطفون أمامك يعمرون البنادق فتسمع صوت تجهيز السلاح، وتسمع معه بصورة آمرة ونهائية آخر تحذير: (يا زول تتكلم ولّا نفسّحك (والفسحة تعني سياحة الروح في حرية عن جسدها!)، في ذروة (الحفلة) هذه وأنت تسمع هسيس الموت يقبل نحوك يقيسون هم كل شئ : إما أن (الحفلات) المستمرة قد افضت بك إلى النتيجة المرغوبة وهي كسر الارادة، أو انها لم تحدث الأثر المطلوب ، وحينها ، يجب اعادة العرض مرة أخرى بحبكة اكثر احكاماً، أو الغاء العروض نهائياً، وفي كل الحالات يرجعونك مع خيوط الفجر الاولى الى بيت الاشباح لتقرير التعامل اللاحق!
* والعقلية التي أدارت بيوت الاشباح هي نفسها التي تدير حالياً ولاحقاً انتخابات الإنقاذ، فتتعامل مع الناخبين والمرشحين المنافسين كمعتقلين أو رهائن، وتتعامل مع موسم الانتخابات كحفلة بيت اشباح، وتبدأ الحفلة عادة بمزاد البيع والشراء، فإن لم ينجح الترغيب تتحول القواعد إلى الترهيب، وبدلاً من العنف البدني تستعمل أسوأ أنواع الايذاء المعنوي - حرق الشخصية، كمعادل معنوي لاطفاء اعقاب السجائر وصعقات الكهرباء على الجسد العاري!
وتماماً، كما لبيت الاشباح ذروة، ففي بيت الاشباح المعنوي ذروة، ولكن بدلاً من فوهة البندقية على الصدغ، فإن ذروة الايذاء المعنوي الفضيحة: نشر (وثيقة) تهدد أعز ما تملك، وليس مهماً ان تكون وثيقة حقيقية، بل غالباً ما تكون (وثيقة) مفبركة، ولكنها، مع ذلك، مثلها مثل (فبركة) عملية الاعدام في جوف الليل، تحدث الاثر المطلوب: تضعك كمرشح وتضع الناخب في لحظة الاختيار الوجودية - إما الارتباك وبالتالي الهزيمة والاستسلام أو الثبات والاستمساك بالشرف!
* في انتخابات المزارعين، قبل عدة اشهر، وقبل التصويت بيوم، نشروا ما أسموه بالوثيقة الخطيرة، رسالة مفبركة من الشيخ عبد الله ازرق طيبة الى سكرتير الحزب الشيوعي، وكان الهدف واضحاً - تحييد اثر شيخ عبد الله على الانتخابات، بدمغه بالشيوعية، لاظهاره كمنافق يعلن خلاف ما يبطن، ولتحويل المعركة من ثم، من كونها معركة بين الديمقراطية والاستبداد، وبين مصالح المزارعين ومصالح الانتهازيين، تحويلها إلى معركة عقائدية بين الكفر والايمان!!
وحققت الوثيقة الكاذبة أغراضها الآنية، نقلت المزارعين الديمقراطيين من موقع الهجوم إلى مواقع الدفاع، ومن موقع القاضي الى موقع المتهم، ومن الدفاع عن حقوق المزارعين للدفاع عن استقامة ونزاهة رمزهم الديني والسياسي!
* وكذلك الحال حالياً في جامعة الخرطوم، فحين اقتربت انتخابات اتحاد الطلاب بدأت آليات بيت الاشباح في الاشتغال: بدأت (الحفلة) حين طالب السكرتير المالي للاتحاد ادارة الجامعة في خطاب بتاريخ 18/2 بتعيين محاسب لمراجعة الحسابات الختامية، منبهاً الى أهمية الزمن باعتبار ان الجمعية العمومية ستنعقد في اول ابريل والواجب ان تجد حسابات ختامية مراجعة! ولكن، في ذات ايام وصول الخطاب، يتم نقل المحاسب المحتمل لمراجعة الحسابات! ثم لا يصل بديله الا بعد شهر! وليبدأ حينها تسويف آخر، فالمحاسب الجديد يحتاج الى وقت للتعرف على سير العمل! وهكذا ينقضي شهر آخر!
ثم تصدر الحسابات الختامية للاتحاد مليئة بالاخطاء الطباعية، وتتسرب هذه من المطبعة مباشرة الى أركان النقاش!
* وتصل (الحفلة) الى ذروتها بمذكرة من المدير التنفيذي لمكتب مدير الجامعة تستنتج بان الحسابات الختامية لم تقدم بالصورة المحاسبية المتعارف عليها!
وفي تناغم مخطط، يختطف التنظيم السياسي شهادة ظهيره الاداري، لتتلمظ الشفاه وتمتلئ حيطان الجامعة باتهامات اللصوصية والفساد!
* وبعد فترة، بعد ان ازيح الصراع الانتخابي من كونه صراعا بين الديمقراطية وانصار الديكتاتورية الى محور زائف تماما، كأنما هو صراع بين النزاهة والفساد، وبعد ان خُدش شرف اللجنة التنفيذية للاتحاد، يصدر وكيل الجامعة تقريرا يؤكد بان الحسابات الختامية للاتحاد سليمة، وانه لا يوجد فساد او سوء تصرف في الاموال، وان الامر لا يعدو كونه اخطاء طباعية! وبالطبع فان مراجعة الحسابات، بما في ذلك الاخطاء الطباعية، من مسؤولية المراقب المالي الذي تعينه الادارة والتي تأخرت في تعيينه ليحدث ما حدث، ويتحقق الاثر المقصود!.
* واهم من يعتقد بأننا غادرنا بيوت الاشباح نهائياً، لقد تحولت قواعد البيت من الاساليب البدنية الى الاساليب المعنوية والنفسية، والانتخابات العامة القادمة، اذا تمت، انما تتم وفق شروط ومناهج بيت الاشباح!
وفي تصور نتائج تلك القادمة، يفيد كثيراً في التنبؤ بما سيفعله طلاب جامعة الخرطوم في لحظة اختيارهم : أتراهم قابلون للتلاعب بارادتهم، أم انهم عصيون على الانكسار؟!

Post: #15
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-19-2008, 10:33 AM
Parent: #13

مسارب الضي
أركان الجريمة!!(2-2)

الحاج وراق




* يصلح التشكيل الوزاري أنموذجاً لذهنية (اللغف) في المجال السياسي، فما الفائدة التي تحققت للبلاد من اصرار المؤتمر الوطني على أخذ وزارتي المالية والطاقة؟! لو كان الأمر أمر عدالة لأكتفى بواحدة منهما، أو امر اعتبارات عملية لأعطى الطاقة للحركة الشعبية، فغالبية النفط من مناطق الجنوب، وله نصف العائدات، التي تشكل أهم موارد ميزانية حكومته، هذا إضافة الى مطلوبات بناء الثقة، لاعطاء اشارة بتجاوز التقاليد القديمة بتوزير الجنوبيين في الوزارات الهامشية، وكذلك لطمأنته بأنه يأخذ نصيبه كاملاً وبصورة شفافة.
ولو كان الأمر أمر الحفاظ على تراكم الخبرات لدى الدكتور عوض الجاز، فكان من الممكن تحقيق ذلك بتعيينه كوزير دولة لوزير من الجنوب.
ولكنها عقلية (الكنكشة)، كنكشة اختزلت تنظيماً بحاله فيما لا يزيد عن الخمسين شخصاً يتداولون الدولة منذ بداية الإنقاذ وحتى الآن! وبعد أن دخلت البلاد طوراً جديداً باتفاقية السلام، فشلت الإنقاذ، ليس فقط في تغيير سلوكها السياسي، وانما حتى في مجرد تغيير الوجوه! كأنما تحولت القيادات المتنفذة الى ثوابت اضافية من ثوابت الإنقاذ!
* وقد أدت عقلية الكنكشة هذه الى تضخيم عدد الوزراء والمستشارين، والى تضخم الصرف السياسي والإداري، ومن المؤكد انها تؤدي الى ركود الأداء السياسي والتنفيذي في الحزب الحاكم وفي الدولة، خصوصاً في بيئة متغيرة، وكذلك تؤدي الى اغلاق أبواب الإصلاح، والأهم، أنها تؤدي وقد أدت فعلاً الى اضعاف احتمال تأسيس شراكة حقيقية مع الحركة الشعبية، فأية شراكة هذه التي لا تعنى مشاركة مقدرة في مظان السلطة الحقيقية؟!
وبالطبع فإن مثل هذه الكنكشة قصيرة النظر، تؤدي في النهاية الى نقيضها ـ فالجنوبيون الذين يضجون بالشكوى حالياً من عدم شفافية حسابات النفط، ومن عدم الايفاء بتسديد مستحقاتهم المقررة، سيقررون حين تأتي لحظة الاختيار كامل السيطرة على نفطهم، بما يعني اختيار الانفصال! أي انها تؤدي الى فقدان موارد النفط نهائياً بعد ست سنوات! فأية عقلية سياسية هذه التي توجه مصائر البلاد؟!
* ان بناء الاوطان يتطلب التضحية والايثار، وبناة الاوطان الحق يشيعون مثل هذه القيم بارتفاعهم أنفسهم فوق الأنانية الفردية والفئوية والحزبية والقومية، فأي أناس هؤلاء الذين تدفعهم عصبويتهم الحزبية، ليس فقط الى الاضرار بمصالحهم الآجلة، وانما كذلك للاضرار بمصالح بقاء بلادهم موحدة؟!
* وأما نتائج هذه الأنانية قصيرة النظر على الحركة الشعبية فواضحة، لقد وضعتها في المصيدة: اما أن تخاطر بالتضحية باتفاقية السلام، وهو ثمن عزيز، او يتنازلوا عن رؤيتهم لبناء سودان جديد فيكظمون غيظهم حتى نهاية السنوات الست ليختاروا الانفصال، او ينزلقوا في قشرة موزة التنازلات المتكررة للمؤتمر الوطني، فيخسروا تأيدهم الشعبي تدريجياً، وتتسع بالتالي مساحة التململ وسط قيادات وكوادر الحركة، مما يؤدي، مع أسباب أخرى، أهمها مممارسات الضرب تحت الحزام، بالاختراق وشراء الذمم والتخريب النفسي ـ يؤدي الى قسم صفوف الحركة الشعبية!
وستفضي كل هذه الاحتمالات في النهاية الى تقسيم البلاد، والى اغراق الجنوب في الفوضى، وبالتعدي الى الإضرار بالشمال وبحاكميه، أقله بإضاعة مداخيل النفط، وبدفع اكلاف موجات نزوح جماعية، وأكلاف الأثر المعدي لعدم الاستقرار مما يشير الى أن هذه النتائج لا يمكن أن يدفع باتجاهها سياسي مسؤول تهمه مصائر البلاد!
* ولا تقتصر الأنانية الشرهة على طرائق ادارة القضايا الكلية، كتشكيل الحكومة المركزية، ومفوضية النفط، وترسيم الحدود، وانما تتعدى ذلك الى الجزئيات، والى تفاصيل ادارة الشراكة اليومية، وأبلغ انموذج لذلك، ما جرى مؤخراً في قضية تعيين وزير الحركة الشعبية في الولاية الشمالية بحسب الأنصبة المتفق عليها في الاتفاقية، فقد قررت المكاتب السياسية للحركة في كل الولاية ترشيح عثمان كنون لشغل المنصب، واعتمدت الترشيح لجنة الاختيار التابعة للحركة، وثنت عليه لجنة العشرة وهي اللجنة القيادية المختصة باجازة الترشيحات، ثم قدمته للمؤتمر الوطني، ولكن المؤتمر رفض الترشيح، لأسباب واضحة، فالمرشح شريك قوي - له قاعدة شعبية واسعة، وله قدرات ادارية، وقدرات مالية - ولكن المؤتمر يفضل الضعفاء، رفضه في البداية بدعوى انه شيوعي! وحين اتضح تهافت مثل هذه الذريعة، حيث يعرف أهل المنطقة المترابطين اجتماعياً الانتماءات الحقيقية لبعضهم البعض اضافة الى ان مؤسسات الحركة الشعبية هي المؤهلة وحدها لتقرير مرشحها، غض النظر عن رأي الآخرين فيهم، حين اتضح التهافت ،بدأ التخريب: يأتي فجأة مرشح آخر، من خارج مؤسسات الحركة، ولشخص كان الى وقت قريب من المعروفين بانتسابهم للمؤتمر الوطني(!) ويتم تعيينه بسرعة في منصب وزير الحركة الشعبية! شطارة؟ فهلوة؟ احكام (تدابير) فقه التمكين؟ أياً كان ما يدعون فإنه ينم عن قصر نظر بعيد، قصر نظر يجمل الحديث عن بناء الثقة مجرد مضمضة شفاه!
* ثم ان الاتفاقية تدعو بنصوص واضحة الى نشر ثقافة السلام، وهي مهمة حاسمة وجوهرية، فالسلام لا يبنى في الاوراق بالنصوص والمراسم وانما يبنى بالأساس في العقول والأفئدة، وقد اكتسبت مهمة نشر ثقافة السلام أهمية اضافية بعد احداث الاثنين والثلاثاء والتي كانت تستوجب تعبئة كل امكانات الدولة الاعلامية والتربوية لغسل المرارات المتراكمة في الماضي والمتراكمة حديثا، ولكن بدلا من ذلك، تمد الانقاذ حبال تواطئها واسنادها السري لمنابر التحريض والكراهية! بدعوى الانتباهة في زمن الغفلة، وهي في الحقيقة تنبيه لمراكز الغرائز والتعصب والتي لن تنتج الا تعصباً مضادا!
* وبالنتيجة فإن المؤتمر الوطني، برؤيته الفكرية والسياسية، وبثقافته وقيمه الحاكمة، يتناقض وبقاء الوطن موحدا! بل ان وحدة البلاد تشكل عبئاً فكرياً وسياسياً ونفسياً عليه، لا قبل له به! وللمفارقة، فإنه اذ يستشعر ذلك، لا يدرك حقيقة انه يدفع الى ارتكاب أكبر جريمة في حق الوطن، أي جريمة تمزيقه، لا يدرك فيستدرك، وانما يسدر في غيه، فيتواطأ مع ويدعم منبراً للتحريض الجاهلي، لهدف واضح، ان يصور (الجريمة) باعتبارها (إنجازاً) تاريخياً!!!
ألا فليحفظ الله السودان!

من موقع الصحافة.

Post: #16
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-19-2008, 10:49 AM
Parent: #13

مسارب الضي
أركان الجريمة!!(2-2)

الحاج وراق




* يصلح التشكيل الوزاري أنموذجاً لذهنية (اللغف) في المجال السياسي، فما الفائدة التي تحققت للبلاد من اصرار المؤتمر الوطني على أخذ وزارتي المالية والطاقة؟! لو كان الأمر أمر عدالة لأكتفى بواحدة منهما، أو امر اعتبارات عملية لأعطى الطاقة للحركة الشعبية، فغالبية النفط من مناطق الجنوب، وله نصف العائدات، التي تشكل أهم موارد ميزانية حكومته، هذا إضافة الى مطلوبات بناء الثقة، لاعطاء اشارة بتجاوز التقاليد القديمة بتوزير الجنوبيين في الوزارات الهامشية، وكذلك لطمأنته بأنه يأخذ نصيبه كاملاً وبصورة شفافة.
ولو كان الأمر أمر الحفاظ على تراكم الخبرات لدى الدكتور عوض الجاز، فكان من الممكن تحقيق ذلك بتعيينه كوزير دولة لوزير من الجنوب.
ولكنها عقلية (الكنكشة)، كنكشة اختزلت تنظيماً بحاله فيما لا يزيد عن الخمسين شخصاً يتداولون الدولة منذ بداية الإنقاذ وحتى الآن! وبعد أن دخلت البلاد طوراً جديداً باتفاقية السلام، فشلت الإنقاذ، ليس فقط في تغيير سلوكها السياسي، وانما حتى في مجرد تغيير الوجوه! كأنما تحولت القيادات المتنفذة الى ثوابت اضافية من ثوابت الإنقاذ!
* وقد أدت عقلية الكنكشة هذه الى تضخيم عدد الوزراء والمستشارين، والى تضخم الصرف السياسي والإداري، ومن المؤكد انها تؤدي الى ركود الأداء السياسي والتنفيذي في الحزب الحاكم وفي الدولة، خصوصاً في بيئة متغيرة، وكذلك تؤدي الى اغلاق أبواب الإصلاح، والأهم، أنها تؤدي وقد أدت فعلاً الى اضعاف احتمال تأسيس شراكة حقيقية مع الحركة الشعبية، فأية شراكة هذه التي لا تعنى مشاركة مقدرة في مظان السلطة الحقيقية؟!
وبالطبع فإن مثل هذه الكنكشة قصيرة النظر، تؤدي في النهاية الى نقيضها ـ فالجنوبيون الذين يضجون بالشكوى حالياً من عدم شفافية حسابات النفط، ومن عدم الايفاء بتسديد مستحقاتهم المقررة، سيقررون حين تأتي لحظة الاختيار كامل السيطرة على نفطهم، بما يعني اختيار الانفصال! أي انها تؤدي الى فقدان موارد النفط نهائياً بعد ست سنوات! فأية عقلية سياسية هذه التي توجه مصائر البلاد؟!
* ان بناء الاوطان يتطلب التضحية والايثار، وبناة الاوطان الحق يشيعون مثل هذه القيم بارتفاعهم أنفسهم فوق الأنانية الفردية والفئوية والحزبية والقومية، فأي أناس هؤلاء الذين تدفعهم عصبويتهم الحزبية، ليس فقط الى الاضرار بمصالحهم الآجلة، وانما كذلك للاضرار بمصالح بقاء بلادهم موحدة؟!
* وأما نتائج هذه الأنانية قصيرة النظر على الحركة الشعبية فواضحة، لقد وضعتها في المصيدة: اما أن تخاطر بالتضحية باتفاقية السلام، وهو ثمن عزيز، او يتنازلوا عن رؤيتهم لبناء سودان جديد فيكظمون غيظهم حتى نهاية السنوات الست ليختاروا الانفصال، او ينزلقوا في قشرة موزة التنازلات المتكررة للمؤتمر الوطني، فيخسروا تأيدهم الشعبي تدريجياً، وتتسع بالتالي مساحة التململ وسط قيادات وكوادر الحركة، مما يؤدي، مع أسباب أخرى، أهمها مممارسات الضرب تحت الحزام، بالاختراق وشراء الذمم والتخريب النفسي ـ يؤدي الى قسم صفوف الحركة الشعبية!
وستفضي كل هذه الاحتمالات في النهاية الى تقسيم البلاد، والى اغراق الجنوب في الفوضى، وبالتعدي الى الإضرار بالشمال وبحاكميه، أقله بإضاعة مداخيل النفط، وبدفع اكلاف موجات نزوح جماعية، وأكلاف الأثر المعدي لعدم الاستقرار مما يشير الى أن هذه النتائج لا يمكن أن يدفع باتجاهها سياسي مسؤول تهمه مصائر البلاد!
* ولا تقتصر الأنانية الشرهة على طرائق ادارة القضايا الكلية، كتشكيل الحكومة المركزية، ومفوضية النفط، وترسيم الحدود، وانما تتعدى ذلك الى الجزئيات، والى تفاصيل ادارة الشراكة اليومية، وأبلغ انموذج لذلك، ما جرى مؤخراً في قضية تعيين وزير الحركة الشعبية في الولاية الشمالية بحسب الأنصبة المتفق عليها في الاتفاقية، فقد قررت المكاتب السياسية للحركة في كل الولاية ترشيح عثمان كنون لشغل المنصب، واعتمدت الترشيح لجنة الاختيار التابعة للحركة، وثنت عليه لجنة العشرة وهي اللجنة القيادية المختصة باجازة الترشيحات، ثم قدمته للمؤتمر الوطني، ولكن المؤتمر رفض الترشيح، لأسباب واضحة، فالمرشح شريك قوي - له قاعدة شعبية واسعة، وله قدرات ادارية، وقدرات مالية - ولكن المؤتمر يفضل الضعفاء، رفضه في البداية بدعوى انه شيوعي! وحين اتضح تهافت مثل هذه الذريعة، حيث يعرف أهل المنطقة المترابطين اجتماعياً الانتماءات الحقيقية لبعضهم البعض اضافة الى ان مؤسسات الحركة الشعبية هي المؤهلة وحدها لتقرير مرشحها، غض النظر عن رأي الآخرين فيهم، حين اتضح التهافت ،بدأ التخريب: يأتي فجأة مرشح آخر، من خارج مؤسسات الحركة، ولشخص كان الى وقت قريب من المعروفين بانتسابهم للمؤتمر الوطني(!) ويتم تعيينه بسرعة في منصب وزير الحركة الشعبية! شطارة؟ فهلوة؟ احكام (تدابير) فقه التمكين؟ أياً كان ما يدعون فإنه ينم عن قصر نظر بعيد، قصر نظر يجمل الحديث عن بناء الثقة مجرد مضمضة شفاه!
* ثم ان الاتفاقية تدعو بنصوص واضحة الى نشر ثقافة السلام، وهي مهمة حاسمة وجوهرية، فالسلام لا يبنى في الاوراق بالنصوص والمراسم وانما يبنى بالأساس في العقول والأفئدة، وقد اكتسبت مهمة نشر ثقافة السلام أهمية اضافية بعد احداث الاثنين والثلاثاء والتي كانت تستوجب تعبئة كل امكانات الدولة الاعلامية والتربوية لغسل المرارات المتراكمة في الماضي والمتراكمة حديثا، ولكن بدلا من ذلك، تمد الانقاذ حبال تواطئها واسنادها السري لمنابر التحريض والكراهية! بدعوى الانتباهة في زمن الغفلة، وهي في الحقيقة تنبيه لمراكز الغرائز والتعصب والتي لن تنتج الا تعصباً مضادا!
* وبالنتيجة فإن المؤتمر الوطني، برؤيته الفكرية والسياسية، وبثقافته وقيمه الحاكمة، يتناقض وبقاء الوطن موحدا! بل ان وحدة البلاد تشكل عبئاً فكرياً وسياسياً ونفسياً عليه، لا قبل له به! وللمفارقة، فإنه اذ يستشعر ذلك، لا يدرك حقيقة انه يدفع الى ارتكاب أكبر جريمة في حق الوطن، أي جريمة تمزيقه، لا يدرك فيستدرك، وانما يسدر في غيه، فيتواطأ مع ويدعم منبراً للتحريض الجاهلي، لهدف واضح، ان يصور (الجريمة) باعتبارها (إنجازاً) تاريخياً!!!
ألا فليحفظ الله السودان!

من موقع الصحافة.

Post: #17
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-19-2008, 10:49 AM
Parent: #13

مسارب الضي
أركان الجريمة!!(2-2)

الحاج وراق




* يصلح التشكيل الوزاري أنموذجاً لذهنية (اللغف) في المجال السياسي، فما الفائدة التي تحققت للبلاد من اصرار المؤتمر الوطني على أخذ وزارتي المالية والطاقة؟! لو كان الأمر أمر عدالة لأكتفى بواحدة منهما، أو امر اعتبارات عملية لأعطى الطاقة للحركة الشعبية، فغالبية النفط من مناطق الجنوب، وله نصف العائدات، التي تشكل أهم موارد ميزانية حكومته، هذا إضافة الى مطلوبات بناء الثقة، لاعطاء اشارة بتجاوز التقاليد القديمة بتوزير الجنوبيين في الوزارات الهامشية، وكذلك لطمأنته بأنه يأخذ نصيبه كاملاً وبصورة شفافة.
ولو كان الأمر أمر الحفاظ على تراكم الخبرات لدى الدكتور عوض الجاز، فكان من الممكن تحقيق ذلك بتعيينه كوزير دولة لوزير من الجنوب.
ولكنها عقلية (الكنكشة)، كنكشة اختزلت تنظيماً بحاله فيما لا يزيد عن الخمسين شخصاً يتداولون الدولة منذ بداية الإنقاذ وحتى الآن! وبعد أن دخلت البلاد طوراً جديداً باتفاقية السلام، فشلت الإنقاذ، ليس فقط في تغيير سلوكها السياسي، وانما حتى في مجرد تغيير الوجوه! كأنما تحولت القيادات المتنفذة الى ثوابت اضافية من ثوابت الإنقاذ!
* وقد أدت عقلية الكنكشة هذه الى تضخيم عدد الوزراء والمستشارين، والى تضخم الصرف السياسي والإداري، ومن المؤكد انها تؤدي الى ركود الأداء السياسي والتنفيذي في الحزب الحاكم وفي الدولة، خصوصاً في بيئة متغيرة، وكذلك تؤدي الى اغلاق أبواب الإصلاح، والأهم، أنها تؤدي وقد أدت فعلاً الى اضعاف احتمال تأسيس شراكة حقيقية مع الحركة الشعبية، فأية شراكة هذه التي لا تعنى مشاركة مقدرة في مظان السلطة الحقيقية؟!
وبالطبع فإن مثل هذه الكنكشة قصيرة النظر، تؤدي في النهاية الى نقيضها ـ فالجنوبيون الذين يضجون بالشكوى حالياً من عدم شفافية حسابات النفط، ومن عدم الايفاء بتسديد مستحقاتهم المقررة، سيقررون حين تأتي لحظة الاختيار كامل السيطرة على نفطهم، بما يعني اختيار الانفصال! أي انها تؤدي الى فقدان موارد النفط نهائياً بعد ست سنوات! فأية عقلية سياسية هذه التي توجه مصائر البلاد؟!
* ان بناء الاوطان يتطلب التضحية والايثار، وبناة الاوطان الحق يشيعون مثل هذه القيم بارتفاعهم أنفسهم فوق الأنانية الفردية والفئوية والحزبية والقومية، فأي أناس هؤلاء الذين تدفعهم عصبويتهم الحزبية، ليس فقط الى الاضرار بمصالحهم الآجلة، وانما كذلك للاضرار بمصالح بقاء بلادهم موحدة؟!
* وأما نتائج هذه الأنانية قصيرة النظر على الحركة الشعبية فواضحة، لقد وضعتها في المصيدة: اما أن تخاطر بالتضحية باتفاقية السلام، وهو ثمن عزيز، او يتنازلوا عن رؤيتهم لبناء سودان جديد فيكظمون غيظهم حتى نهاية السنوات الست ليختاروا الانفصال، او ينزلقوا في قشرة موزة التنازلات المتكررة للمؤتمر الوطني، فيخسروا تأيدهم الشعبي تدريجياً، وتتسع بالتالي مساحة التململ وسط قيادات وكوادر الحركة، مما يؤدي، مع أسباب أخرى، أهمها مممارسات الضرب تحت الحزام، بالاختراق وشراء الذمم والتخريب النفسي ـ يؤدي الى قسم صفوف الحركة الشعبية!
وستفضي كل هذه الاحتمالات في النهاية الى تقسيم البلاد، والى اغراق الجنوب في الفوضى، وبالتعدي الى الإضرار بالشمال وبحاكميه، أقله بإضاعة مداخيل النفط، وبدفع اكلاف موجات نزوح جماعية، وأكلاف الأثر المعدي لعدم الاستقرار مما يشير الى أن هذه النتائج لا يمكن أن يدفع باتجاهها سياسي مسؤول تهمه مصائر البلاد!
* ولا تقتصر الأنانية الشرهة على طرائق ادارة القضايا الكلية، كتشكيل الحكومة المركزية، ومفوضية النفط، وترسيم الحدود، وانما تتعدى ذلك الى الجزئيات، والى تفاصيل ادارة الشراكة اليومية، وأبلغ انموذج لذلك، ما جرى مؤخراً في قضية تعيين وزير الحركة الشعبية في الولاية الشمالية بحسب الأنصبة المتفق عليها في الاتفاقية، فقد قررت المكاتب السياسية للحركة في كل الولاية ترشيح عثمان كنون لشغل المنصب، واعتمدت الترشيح لجنة الاختيار التابعة للحركة، وثنت عليه لجنة العشرة وهي اللجنة القيادية المختصة باجازة الترشيحات، ثم قدمته للمؤتمر الوطني، ولكن المؤتمر رفض الترشيح، لأسباب واضحة، فالمرشح شريك قوي - له قاعدة شعبية واسعة، وله قدرات ادارية، وقدرات مالية - ولكن المؤتمر يفضل الضعفاء، رفضه في البداية بدعوى انه شيوعي! وحين اتضح تهافت مثل هذه الذريعة، حيث يعرف أهل المنطقة المترابطين اجتماعياً الانتماءات الحقيقية لبعضهم البعض اضافة الى ان مؤسسات الحركة الشعبية هي المؤهلة وحدها لتقرير مرشحها، غض النظر عن رأي الآخرين فيهم، حين اتضح التهافت ،بدأ التخريب: يأتي فجأة مرشح آخر، من خارج مؤسسات الحركة، ولشخص كان الى وقت قريب من المعروفين بانتسابهم للمؤتمر الوطني(!) ويتم تعيينه بسرعة في منصب وزير الحركة الشعبية! شطارة؟ فهلوة؟ احكام (تدابير) فقه التمكين؟ أياً كان ما يدعون فإنه ينم عن قصر نظر بعيد، قصر نظر يجمل الحديث عن بناء الثقة مجرد مضمضة شفاه!
* ثم ان الاتفاقية تدعو بنصوص واضحة الى نشر ثقافة السلام، وهي مهمة حاسمة وجوهرية، فالسلام لا يبنى في الاوراق بالنصوص والمراسم وانما يبنى بالأساس في العقول والأفئدة، وقد اكتسبت مهمة نشر ثقافة السلام أهمية اضافية بعد احداث الاثنين والثلاثاء والتي كانت تستوجب تعبئة كل امكانات الدولة الاعلامية والتربوية لغسل المرارات المتراكمة في الماضي والمتراكمة حديثا، ولكن بدلا من ذلك، تمد الانقاذ حبال تواطئها واسنادها السري لمنابر التحريض والكراهية! بدعوى الانتباهة في زمن الغفلة، وهي في الحقيقة تنبيه لمراكز الغرائز والتعصب والتي لن تنتج الا تعصباً مضادا!
* وبالنتيجة فإن المؤتمر الوطني، برؤيته الفكرية والسياسية، وبثقافته وقيمه الحاكمة، يتناقض وبقاء الوطن موحدا! بل ان وحدة البلاد تشكل عبئاً فكرياً وسياسياً ونفسياً عليه، لا قبل له به! وللمفارقة، فإنه اذ يستشعر ذلك، لا يدرك حقيقة انه يدفع الى ارتكاب أكبر جريمة في حق الوطن، أي جريمة تمزيقه، لا يدرك فيستدرك، وانما يسدر في غيه، فيتواطأ مع ويدعم منبراً للتحريض الجاهلي، لهدف واضح، ان يصور (الجريمة) باعتبارها (إنجازاً) تاريخياً!!!
ألا فليحفظ الله السودان!

من موقع الصحافة.

Post: #18
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-19-2008, 10:50 AM
Parent: #17

مسارب الضي
إما ممارسة جديدة أو: فلتهجم علىهم الجماهير بقوة!

الحاج وراق




* السماحة التي حظيت بها الانقاذ لم تحظ بها سلطة حاكمة ابدا في تاريخ السودان! ولا يرجع ذلك الى قدرتها على القمع والتضليل وحسب، وانما كذلك للمسؤولية الوطنية والاخلاقية التي تعاملت بها معها المعارضة.. فكما في الامثولة الشهيرة. حين تنازعت امرأتان حول أمومة طفل، فاقترح القاضي تقسيمه بينهما، وتنازلت الام الحقيقية عن ابنها خوفا علىه، فكذلك تصرفت المعارضة الديمقراطية مع سلطة الإنقاذ، وسبب ذلك ان المعارضة ظلت تتخوف من ان تؤدى أية تاكتيكات غير مسؤولة الى إحراق البلاد بالفوضي.
وبدلا من ان يشكل هذا مدعاة للإنقاذ كي تراجع ممارستها السياسية التي دفعت بالبلاد الى حافة الهاوية، فإنها ظلت تري في حذر معارضيها سببا اضافيا لمواصلة نهجها الاحتكاري والاقصائي، بل ولاستخدام «حافة الهاوية» كتاكتيك سياسي لابتزاز المعارضين والحركة الجماهيرية الديمقراطية!
والمثال النموذجي على كيفية تعامل المعارضة مع الإنقاذ، ماقاله الاستاذ/نقد - سكرتير عام الحزب الشيوعي - في ندوته الجماهيرية الاولي بالخرطوم قبل اسبوعين، فبعد ان انتقد مخطط الانقاذ لرسملة مشروع الجزيرة، بما يفضي في المحصلة النهائية الى نزع حيازات صغار وفقراء المزارعين، خلص الاستاذ نقد الى «الناس ديل (يعني الانقاذ) ما بخافوا الله في الناس، حقوا يخافوا الله في الناس»! ، وبالطبع لايخفي على الاستاذ نقد بخبرته السياسية امكان الدعوة الى تنظيم المزارعين واستنهاضهم للضغط على السلطة وتخويفها بقوة الشعب للتراجع عن سياساتها! ، ولكن ضعف الحركة الجماهيرية من جانب، وهشاشة الأوضاع السياسية في البلاد من الجانب الآخر، دفعته الى دعوة الحكومة الى الخوف من الله! وقطعا تشكل هذه السابقة الوحيدة في التاريخ السياسي - سواء محليا او عالميا - التي يدعو فيها سكرتير عام حزب شيوعي السلطة الحاكمة الى الخوف من الله في شعبها!
اذن فهي السماحة مافي ذلك شك! ولكن الإنقاذ، تتعامل مع مثل هذه الدعوات الى (التعقل) و(مراعاة مصالح البلاد) و(الخوف من الله)، تتعامل معها باذنين مغلقتين - اذن يسدها (عجين) المصالح الضيقة، واخري يسدها (طين) الأوهام والحسابات الخاطئة!
وفي المقابل فإن القوى الدولية والحركات المسلحة الاقليمية، والتي لا يمكن ابتزازها باحتمالات الفوضي والخراب الشامل، ظلت تمارس ضغوطها العسكرية والسياسية على الانقاذ، وللمفارقة فقد حصلت منها على كل التنازلات المطلوبة!
* والان، وقد لاحت لبلادنا، عقب التوقيع على اتفاقية السلام، اهم فرصة في تاريخها الحديث، لنهضتها واستقرارها، فإن هذه الفرصة التاريخية والاستثنائية، تتطلب تفكيرا سياسيا جديدا وممارسة سياسة جديدة، سواء لدي الانقاذ او لدي المعارضة! وبدون مثل هذا التفكير والممارسة الجديدتين فالنتيجة واضحة: افلات الفرصة، وحينها لن يبقي هناك وراء نرجع الىه، وانما ستنزلق البلاد حتما الى الفوضي والتمزيق!
* ومرة اخري، فان الانقاذ بدلا من تعديل سلوكها السياسي كسلطة حاكمة، ومن ثم انتظار تعديلات مقابلة من المعارضة، فانها تريد استغلال هشاشة الاوضاع وضرورة الحفاظ على اتفاقية السلام كتاكتيك للضغط والابتزاز! وهذا ما تكشفه دعواها المخاتلة الى (معارضة راشدة)! وهي دعوة مخاتلة لانها تتجاهل شقها في المعادلة السياسية، أى أهمية وجود حكم راشد، كمقدمة ضرورية لبروز معارضة راشدة! ولكنها تقفز مباشرة الى المعارضة الراشدة لأنها في الحقيقة تريد معارضة (مدجنة) تسمح لها بمواصلة إحتكارها واستفرادها دون تحدٍ جدي!
ولكن النتيجة التي تخوف بها الانقاذ المعارضة وتدعوها على اساسها «للرشد» - وتعني الطأطأة - ، نتيجة الفوضي والتمزيق، ادعى لأن تتحقق بممارسات الانقاذ، غض النظر عن سلوك المعارضة! وقد اوضحت ذلك مجموعة الازمات الدولية - وهي أهم وافضل مؤسسة بحثية غربية عن اوضاع البلاد - في تقريرها الاخير، فقد اكدت بجلاء ان تاكتيكات الانقاذ المعهودة والمعتمدة تهدد بالاطاحة باتفاقية السلام نفسها!!
* ان الانقاذ لا تستطيع اكل الكعكة والاحتفاظ بها في آن واحد، ولا تستطيع ان تسعي للسلام والى توطيد احتكارها للسلطة في ذات الآن! ان للسلام اثمانه المستحقة، وللاستقرار السياسي اكلافه واجبة السداد. هذه الأثمان صارت من الف باء السياسة في البلاد: تحول ديمقراطي جذري، وكفالة الحقوق والحريات العامة، وتحويل اتفاقية السلام الى اتفاقية مجمع علىها وطنيا عبر مؤتمر جامع، وتعميم نيفاشا على ولايات السودان الاخري خصوصا على دارفور والشرق، وتعميم نيفاشا اقتصاديا واجتماعيا باعادة النظر في السياسات الاقتصادية والاجتماعية القائمة، وابدالها بسياسات تجعل موارد البلاد - خصوصا النفط - تنعكس على موائد العاملين والفقراء.
وبدون سداد مثل هذه الاثمان فلا يمكن تجميد الصراع الاجتماعي في البلاد لصالح الانقاذ تحت غطاء اطروحتها عن المعارضة الراشدة! بل من المستحيل ابقاء الصراع في طابعه السلمي، ستنفجر الاوضاع، غض النظر عن رغبات وتاكتيكات المعارضة! ولذا فالاسلم، في حال ان الانقاذ تريد مواصلة نهجها الاحتكاري والاقصائي، ان تتقدم المعارضة، أقله لسبب واحد، وهو ان عطالتها السياسية لن تصون وحدة البلاد واستقرارها!
* لقد نصحت الانقاذ عند التوقيع على اتفاقية السلام بضرورة الحفاظ على سلطتها، في الستة أشهر التمهيدية قبل نفاذ الاتفاقية، وذلك لان الاتفاقية توفر آلية سلمية مضمونه للانتقال الديمقراطي، والآن اذ تم تأمين الاتفاقية في حد ذاتها، فان البلاد في مفترق طرق، واقول للانقاذ اما ان تسعوا الى التوافق مع القوي السياسية والاجتماعية في البلاد وبالتالى تسددوا الاثمان اللازمة، وإما ان تواصلوا نهجكم المعهود الاحتكاري والاقصائي، وعندها فإننا لن نخوفكم بالله، فنحن نعلم انكم تخافون الضغوط اكثر من خوفكم منه، وإننا سنسعي الى تقوية الحركة الجماهيرية كي تهجم علىكم بكل قوة! وعلى عكس الضغوط الدولية، التي كثيرا منها من (منح) الشيطان، فإن ألسنة الخلق أقلام الحق، وإرادة الجماهير من نبع الرحمن!

Post: #19
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-20-2008, 05:29 AM
Parent: #18

[

القاهرة 13/11/2000م

السيد الفريق/ عمر حسن البشير
رئيس الجمهورية ـ رئيس حزب المؤتمر الوطني
بواسطة السيد/ أحمد عبدالحليم ـ سفير السودان بالقاهرة
المحترمين

تحية طيبة وبعد

الموضوع: تسوية حالات التعذيب تمهيداً للوفاق بمبدأ ”الحقيقة والتعافي“ على غرار جنوب أفريقيا ـ حالة اختبارية ـ

على الرغم من أن الإشارات المتعارضة الصادرة عنكم بصدد الوفاق الوطني ودعوتكم المعارضين للعودة وممارسة كافة حقوقهم السياسية من داخل أرض الوطن, فإنني أستجيب لتلك الدعوة بمنتهى الجدية, وأسعى لاستكمالها بحيث يتاح المناخ الصحي الملائم لي وللآلاف من ضحايا التعذيب داخل الوطن وخارجه أن يستجيبوا لها, ولن يكون ذلك طبعا إلا على أساس العدل والحق وحكم القانون.

إنني أرفق صورة الشكوى التي بعثت بها لسيادتكم من داخل السجن العمومي بالخرطوم بحري بتاريخ 29/1/1990, وهى تحوي تفاصيل بعض ما تعرضت له من تعذيب وأسماء بعض من قاموا به, مطالبا بإطلاق سراحي وإجراء التحقيق اللازم, ومحاكمة من تثبت إدانتهم بممارسة تلك الجريمة المنافية للعرف والأخلاق والدين والقانون. تلك المذكرة التي قمت بتسريبها في نفس الوقت لزملائي أساتذة جامعة الخرطوم وأبنائي الطلبة الذين قاموا بنشرها في ذات الوقت على النطاقين الوطني والعالمي, ما أدى لحملة تضامن واسعة أطلق سراحي إثرها, بينما أغفل أمر التحقيق الذي طالبت به تماما. وهكذا ظل مرتكبو تلك الجريمة طليقي السراح, وتوالى سقوط ضحايا التعذيب بأيديهم وتحت إمرتهم, منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر, فلا يعقل والحال على هذا المنوال أن يطلب مني ومن الألوف الذين استبيحت أموالهم وأعراضهم ودماؤهم وأرواح ذويهم, هكذا ببساطة أن يعودوا لممارسة ”كافة“حقوقهم السياسية وكأن شيئا لم يكن.

إن ما يميز تجربة التعذيب الذي تعرضت له في الفترة من 30 نوفمبر إلى 12 ديسمبر 1989م ببيت الأشباح رقم واحد الذي أقيم في المقر السابق للجنة الانتخابات أن الذين قاموا به ليسوا فقط أشخاصا ملثمين بلا هوية تخفوا بالأقنعة, وإنما كان على رأسهم اللواء بكري حسن صالح وزير الدفاع الراهن ورئيس جهاز الأمن حينئذ, والدكتور نافع علي نافع الوزير ورئيس جهاز حزب المؤتمر الوطني الحاكم اليوم ومدير جهاز الأمن حينئذ, وكما ذكرت في الشكوى المرفقة التي تقدمت لكم بها بتاريخ 29 يناير 1990 من داخل السجن العمومي وأرفقت نسخة منها لعناية اللواء بكري, فقد جابهني اللواء بكري شخصياً وأخطرني بالأسباب التي تقرر بمقتضاها تعذيبي, ومن بينها قيامي بتدريس نظرية التطور في كلية العلوم بجامعة الخرطوم, كما قام حارسه بضربي في وجوده, ولم يتجشم الدكتور نافع, تلميذي الذي صار فيما بعد زميلي في هيئة التدريس في جامعة الخرطوم, عناء التخفي وإنما طفق يستجوبني عن الأفكار التي سبق أن طرحتها في الجمعية العمومية للهيئة النقابية لأساتذة جامعة الخرطوم, وعن زمان ومكان انعقاد اللجنة التنفيذية للهيئة, ثم عن أماكن تواجد بعض الأشخاص - كما ورد في مذكرتي- وكل ذلك من خلال الضرب والركل والتهديد الفعلي بالقتل وبأفعال وأقوال أعف عن ذكرها. فعل الدكتور نافع ذلك بدرجة من البرود والهدوء وكأنما كنا نتناول فنجان قهوة في نادي الأساتذة. على أي حال فإن المكانة الرفيعة التي يحتلها هذان السيدان في النظام من ناحية, وثبات تلك التهم من ناحية ثانية, يجعل حالة التعذيب هذه من الوضوح بحيث تصلح أنموذجا يتم على نسقه العمل لتسوية قضايا التعذيب, على غرار ما فعلته لجنة الحقيقة والوفاق الخاصة بجرائم النظام العنصري في جنوب أفريقيا.

قبل الاسترسال فإنني أورد بعض الأدلة التي لا يمكن دحضها تأكيدا لما سلف ذكره:-
• أولاً: تم تسليم صورة من الشكوى التي تقدمت لسيادتكم بها للمسئولين المذكورة أسماؤهم بها, وعلى رأسهم اللواء بكري حسن صالح. وقد أفرج عني بعد أقل من شهر من تاريخ المذكرة. ولو كان هناك أدنى شك في صحة ما ورد فيها - خاصة عن السيد بكري شخصياً- لما حدث ذلك, ولكنت أنا موضع الاتهام, لا هو.
• ثانيا: أحال مدير السجن العمومي مجموعة الثمانية عشر القادمة معي من بيت الأشباح رقم واحد بتاريخ 12 ديسمبر 1989 إلى طبيب السجن الذي كتب تقريرا مفصلاً عن حالة كل واحد منا, تحصَّلت عليه وقامت بنشره منظمة العفو الدولية في حينه. وقد أبدى طبيب السجن ومديره وغيرهم من الضباط استياءهم واستنكارهم الشديد لذلك المشهد الذي لا يكاد يصدق. وكان من بين أفراد تلك المجموعة كما جاء في الشكوى نائب رئيس اتحاد العمال الأستاذ محجوب الزبير وسكرتير نقابة المحامين الأستاذ صادق شامي الموجودان حاليا بالخرطوم, ونقيب المهندسين الأستاذ هاشم محمد أحمد الموجود حاليا ببريطانيا, والدكتور طارق إسماعيل الأستاذ بكلية الطب بجامعة الخرطوم, وغيرهم ممن تعرضوا لتجارب مماثلة, وهم شهود على كل ما جرى بما خبروه وشاهدوه وسمعوه.
• ثالثا: إن جميع قادة المعارضة الذين كانوا في السجن حينئذ, السيد محمد عثمان الميرغني رئيس التجمع الوطني الديمقراطي والسيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة والسيد سيد أحمد الحسين زعيم الحزب الاتحادي والسيدان محمد إبراهيم نُقُد والتيجاني الطيب زعيما الشيوعي وغيرهم, كلهم شهود بنفس القدر, وكما يعلم الجميع فقد تعرض السيدان الصادق المهدي وسيد أحمد الحسين وغيرهم من قادة المعارضة لنفس التعذيب على أيدي نفس الأشخاص أو بأمرهم وكتبوا شكاوى مماثلة.
• رابعا: قام بزيارتي في السجن العمومي بالخرطوم بحري بعد انتقالي إليه مباشرة الفريق إسحق إبراهيم عمر رئيس الأركان وقتها بصحبة نوابه, فشاهد آثار التعذيب واستمع لروايتي كاملة, كذلك فعل كثيرون غيره.
• خامسا: تم اعتقال مراسل الفاينانشيال تايمز السيد بيتر أوزين الذي كان خطابي بحوزته, فكتب صفحة كاملة دامغة في صحيفته العالمية المرموقة عن ما تعرضت له وتعرض له غيري من تعذيب, وعن محادثته الدامغة مع المسئولين عن تلك الانتهاكات وعن تجربته الشخصية.

إنني أكتفي فيما يخص حالتي بهذا القدر من الأدلة الدامغة, ومع أن هذا الخطأب يقتصر كما يدل عنوانه على تجربتي كحالة اختبارية, إلا أن الواجب يقتضي أن أدرج حالة موظف وزارة الإسكان السابق المهندس بدر الدين إدريس التي كنت شاهدا عليها, وكما جاء في ردي على دعوة نائب رئيس المجلس الوطني المنحل الأستاذ عبدالعزيز شدو للمشاركة في حوار التوالي السياسي بتاريخ 18 أكتوبر 1998 (مرفق), فقد تعرض ذلك الشاب لتعذيب لا أخلاقي شديد البشاعة, ولم يطلق سراحه إلا بعد أن فقد عقله وقام بذبح زوجته ووالدها وآخرين من أسرته. كان في ثبات وصمود ذلك الشاب الهاش الباش الوسيم الأسمر الفارع الطول تجسيد لكرامة وفحولة وعزة أهل السودان. وكان أحد الجنود الأشد قسوة - لا أدري إن كان اسم حماد الذي أطلق عليه حقيقياً- يدير كرباجه على رقبتينا وجسدينا نحن الاثنين في شبق. وفي إحدى المرات اخرج بدرالدين من بيننا ثم أعيد لنا بعد ساعات مذهولاً أبكم مكتئبا محطما كسير القلب. ولم تتأكد لي المأساة التي حلت بِبَدرالدين منذ أن رأيته ليلة مغادرتنا لبيت الأشباح منتصف ليلة 12 ديسمبر 1989 إلا عند اطلاعي على إحدى نشرات المجموعة السودانية لضحايا التعذيب هذا الأسبوع, ويقتضي الواجب أن أسرد تلك اللحظات من حياته وأنقلها لمن تبقى من أسرته, فكيف بالله نتداول حول الوفاق الوطني بينما تبقى مثل هذه الأحداث معلقة هكذا بلا مساءلة.

أعود لمبدأ تسوية حالات التعذيب على أساس النموذج الجنوب أفريقي, وأطرح ثلاثة خيارات متاحة لي للتسوية.

الخيار الأول
الحقيقة أولا, ثم الاعتذار و”التعافي المتبادل“ بتعبير السيد الصادق المهدي

هذا النموذج الذي تم تطبيقه في جنوب أفريقيا. إن المفهوم الديني والأخلاقي للعفو هو الأساس الذي تتم بموجبه التسوية, ويختلط لدى الكثيرين مبدأ العفو مع مبدأ سريان حكم القانون ومع التعافي المتبادل. فكما ذكرت في خطابي المرفق للسيد عبدالعزيز شدو فإنني أعفو بالمعنى الديني والأخلاقي عن كل من ارتكب جرما في حقي, بما في ذلك السيدان بكري ونافع, بمعنى أنني لا أبادلهما الكراهية والحقد, ولا أدعو لهما إلا بالهداية, ولا أسعى للانتقام والثأر منهما, ولا أطلب لشخصي أو لهم إلا العدل وحكم القانون. وأشهد أن هذا الموقف الذي قلبنا كل جوانبه في لحظات الصدق بين الحياة والموت كان موقف كل الزملاء الذين كانوا معي في بيت الأشباح رقم واحد, تقبلوه وآمنوا به برغم المعاناة وفى ذروة لحظات التعذيب. إن العفو لا يتحدد بموقف الجلاد ولا بمدى بشاعة الجرم المرتكب, وإنما يتعلق بكرامة وإنسانية من يتسامى ويرفض الانحدار لمستنقع الجلادين, فيتميز تميزا خلقيا ودينيا تاما عنهم. فإذا ما استيقظ ضمير الجلاد وأبدى ندما حقيقيا على ما ارتكب من إثم, واعتذر اعتذارا صادقا عن جرمه, فإن الذي يتسامى يكون أقرب إلى الاكتفاء بذلك وإلى التنازل عن الحق المدني القانوني وعن المطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقت به, بهذا يتحقق التعافي المتبادل. هذا هو الأساس الذي تمت بموجبه تسوية معظم حالات التعذيب والجرائم التي ارتكبها عنصريو جنوب أفريقيا ضد مواطنيهم.

إنني انطلاقا من نفس المفهوم أدعو السيدين بكري ونافع ألا تأخذهما العزة بالإثم, أن يعترفا ويعلنا حقيقة ما اقترفاه بحقي وبحق المهندس بدرالدين إدريس في بيت الأشباح رقم واحد, وأن يبديا ندما وأسفا حقيقيا, أن يعتذرا اعتذارا بينا معلنا في أجهزة الإعلام, وأن يضربا المثل والقدوة لمن غرروا بهم وشاركوهم ممارسة التعذيب, وائتمروا بأمرهم. حين ذلك فقط يتحقق التعافي وأتنازل عن كافة حقوقي, ولا يكون هناك داعيا للجوء للمحاكم المدنية, ويصبح ملف التعذيب المتعلق بشخصي مغلقا تماما. ولنأمل أن يتقبل أولياء الدم في حالة المهندس بدر الدين إدريس بالحل على نفس المنوال.

لقد أعلن السيد إبراهيم السنوسي مؤخرا اعترافه بممارسة التعذيب طالبا لمغفرة الله. وهذا بالطبع لا يفي ولا يفيد. إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم, ولا يليق أن يصبح أمر التعذيب الذي انقلب على من أدخلوه وبرروه أن يكون موضوعا للمزايدة والمكايدة الحزبية. إن الصدق مع النفس ومع الآخرين والاعتذار المعلن بكل الصدق لكل من أسيء إليه وامتهنت كرامته, وطلب العفو والغفران, هو الطريق الوحيد للخروج من هذا المأزق بكرامة, فإن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله. وإن طريق التعافي المتبادل هو الأقرب إلى التقوى. فإذا ما خلصت النيات وسار جناحا المؤتمر الوطني والشعبي لخلاص وإنقاذ أنفسهم من خطيئة ولعنة التعذيب الذي مارسوه فسيكون الطريق ممهدا تماما لوفاق وطني حقيقي صادق وناجز.

الخيار الثاني
التقاضي أمام المحاكم الوطنية

إذا ما تعذر التعافي المتبادل بسبب إنكار تهمة التعذيب أو لأي سبب آخر, فلا يكون هنالك بديل عن التقاضي أمام المحاكم, ذلك في حالة جدية المسعى للوفاق الوطني على غرار ما جرى في جنوب أفريقيا. غير أن حكومتكم فيما علمت سنت من التشريعات ما يحمي أعضاءها وموظفيها والعاملين في أجهزتها الأمنية من المقاضاة. فالجرائم ضد الإنسانية وحقوق الإنسان كالتعذيب, لا تسقط بالتقادم ولا المرض ولا تقدم السن ولا لأي سبب من الأسباب, كما شهدنا جميعا في شيلى وإندونيسيا والبلقان وغيرها. كما أن هذا الموقف لا يستقيم مع دعوتكم للوفاق ولعودة المعارضين الذين تعرضوا لأبشع جرائم التعذيب. وليس هنالك, كما قال المتنبي العظيم, ألم أشد مضاضة من تحمل الأذى ورؤية جانيه, وإنني مستعد للحضور للخرطوم لممارسة كامل حقوقي الوطنية, بما في ذلك مقاضاة من تم تعذيبي بأيديهم, فور إخطاري بالسماح لي بحقي الطبيعي. ذلك إذا ما اقتنعت مجموعة المحامين التي سأوكل إليها هذه المهمة بتوفر الشروط الأساسية لمحاكمة عادلة.

الخيار الثالث
التقاضي أمام المحاكم الدولية لحقوق الإنسان

ولا يكون أمامي في حالة رفض التعافي المتبادل ورفض التقاضي أمام المحاكم الوطنية سوى اللجوء للمحاكم في البلدان التي تجيز قوانينها محاكمة أفراد من غير مواطنيها وربما من خارج حدودها, للطبيعة العالمية للجرائم ضد الإنسانية التي يجري الآن إنشاء محكمة عالمية خاصة بها. إنني لا أقبل على مثل هذا الحل إلا اضطرارا, لأنه أكرم لنا كسودانيين أن نعمل على حل قضايانا بأنفسنا. وكما علمت سيادتكم فقد قمت مضطرا بفتح بلاغ مع آخرين ضد الدكتور نافع في لندن العام الماضي, وشرعت السلطات القضائية البريطانية في اتخاذ إجراءات أمر الاعتقال الذي تنبه له الدكتور نافع واستبقه بمغادرة بريطانيا. وبالطبع تنتفي الحاجة لمثل تلك المقاضاة فيما لو أتيحت لي ولغيري المقاضاة أمام محاكم وطنية عادلة, أو لو تحققت شروط التعافي المتبادل الذي هو أقرب للتقوى. وإنني آمل مخلصا أن تسيروا على طريق الوفاق الوطني بالجدية التي تتيح لكل المواطنين الذين تشردوا في أصقاع العالم بسبب القهر السياسي لنظام ”الإنقاذ“ أن يعودوا أحرارا يشاركون في بناء وطنهم.

وفقنا الله وإياكم لما فيه خير البلاد والعباد.
فاروق محمد إبراهيم

/

Post: #20
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-21-2008, 04:41 AM
Parent: #10



التجديد الذي يريده الترابي هدم للأصول وعبث بالفروع- ح2
التاريخ 16:46:08 10/5/2006 | القسم : ملفات و دراسات


محمد المهدي ولد محمد البشير

في يوم السبت 22/4/2006 كان الدكتور حسن الترابي، يلقي محاضرة في جامعة الخرطوم، ينتزع بها إعجاب اليساريين والعلمانيين، وعلى بعد أمتار منه كان علماء السودان ودعاتها يعلنون في مؤتمر صحفي، كفر الترابي وردته، وهو أمر لا أريد أن أثبته أو أنفيه. ولكنني أريد أن أطلع أبناء المسلين الغيورين على دينهم، وشباب التيار الإسلامي الذين يريدون الحق وإليه يسعون، على أقوال الترابي موثقة، أما من لا يسلمون بقدسية الأحكام القطعية، ولا بوجود ثوابت شرعية، فإني أعتذر إليهم مسبقا.
ما هي الأقوال التي أثارت حفيظة فقهاء الشريعة الإسلامية من المغرب إلى الحجاز ؟ وساقت إلى الدكتور حسن الترابي من جديد " نوعاً من الإمامة الفكرية – والكلام لأحمد إسماعيل في مقال له بعنوان جدل حول الترابي - لكنها ليست في الوسط الإسلامي كما كان في السابق، بل في أوساط العلمانيين، ففي الوسط الإسلامي لم يتصد أحد - عدا أفراد من حزبه - للدفاع عنه، في الوقت الذي تكتلت فيه ثمانون شخصية علمانية و ليبرالية للدفاع عنه" وجعل العلمانيين والتغريبيين يرحبون بأفكار الترابي " ويعتبرونها تحررية تجديدية، وأنها مفتاح للانطلاق من الجمود" كما نقل عنهم زياد أحمد سلامة في مقاله له بعنوان " المشروع النهضوي عند الترابي"
من هو المعنيون بالتجديد الذي يدعو إليه الدكتور حسن ترابي؟
يقول الدكتور عبد الوهاب الأفندي – في صحيفة الصحيفة 25-4-2006 - في مقال بعنوان " عن الشيخ الترابي وأزمة الحركة الإسلامية المعاصرة – " الإشكال في منهج الترابي هو أنه واجه رفضاً من التقليديين، دون أن يجد القبول عند الحداثيين والعلمانيين، فالحداثيون لا يقبلون بما هو دون الحل الجمهوري من تخلص بالجملة من الموروث الإسلامي الفقهي، أو على الأقل يدعون لما يسميه الدكتور محمد أركون ب "نقد العقل الإسلامي"، أي عملية تفكيك تحلل الموروث الإسلامي من الخارج، وتحكم عليه بأنه كان أسير واقع تاريخي معين، لا بقاء له خارجه، وبالمقابل فإن التقليديين يرفضون اجتهادات الترابي جملة وتفصيلاً، كما يرفضون منهجه" ويضيف"
وبين يدي الآن كتابان للدكتور محمد أركون، أحدهما بعنوان "الفكر الأصولي واستحالة التأصيل نحو تاريخ آخر للفكر الإسلامي" صدر بتاريخ 1999، والثاني بعنوان "أين هو الفكر الإسلامي المعاصر" صادر في بداية الثمانينات، وقد وجدت أن الترابي يستقي فكره من محمد أركون، ,أن بين الرجلين كثيرا من التقارب في الرؤى والأهداف، يصل أحيانا إلى درجة " التطابق" في الموقف من الدين، وتفسير صيرورته التاريخية، ومسار تطوره، وتى في المصطلحات.
يقول الأستاذ صلاح الدين الجورشي – وهو كاتب تونسي إسلامي يساري، اشترك مع الدكتور الترابي وآخرين في إصدار كتاب بعنوان " مستقبل الحركة الإسلامية أوراق في النقد الذاتي – في وصفه لما يريده الترابي ويسعى إليه، في مقاله المنشور بالحياة اللندنية بعنوان: " وقفة بين الترابي السياسي والترابي المثقف، حيث يقول " وما دعوة الترابي إلى تجاوز علم أصول الفقه، سوى مدخل لتغيير منهج فهم الدين، ووضع أهداف وأولويات جديدة، حتى يبقى المؤمن مشدوداً إلى الأمام، في سعيه نحو نموذج في حالة تجدد مستمر، بدل أن يكون عنقه ملتويا إلى الخلف، باحثا عن إسلام مغروس في الماضي، بقضاياه وملابساته وهمومه "
هذا الكلام لم يقله شانئ للترابي، وإنما حبرته يراع معجب به منافح عنه، يبشر بمعالم هذا التجديد المزعوم، الذي يتجاوز الماضي ويلغيه، وينفتح فيه النص الشرعي أمام عملية إعادة تأويل تتسع مع الزمن باطراد، يجعل النص الواحد يلغي نفسه ألف مرة.
و كتب الدكتور عبد الوهاب أفندي بحثا متخصصا عن الدكتور حسن الترابي بعنوان " "حسن الترابي ومحدودية الحركة الإسلامية الإصلاحية الحديثة" في كتاب عن الفكر الإسلامي المعاصر، " يصدر هذا الشهر عن دار بلاكويل في أكسفورد، " يتناول الكتاب – والكلام لأفندي - الذي ساهم في إعداده لفيف من الأكاديميين والمفكرين من مختلف أنحاء العالم جوانب متعددة من الفكر الإسلامي المعاصر، ومساهمات أبرز الشخصيات المعاصرة فيه"
الترابي له مذهب ظاهر وآخر باطن
يقرر الدكتور عبد الوهاب أن الدكتور حسن الترابي لا يقول جميع آرائه الفقهية علنا، وهذا نص كلامه: " كان للشيخ الترابي حلقة داخلية صغيرة من الأنصار يخاطبها بصريح آرائه الفقهية، بينما كان يدخر خطاباً آخر لـ"عوام الخلق "وقد نتجت عن هذا الوضع عدة نتائج، أولها بروز عقلية صفوية بين أعضاء هذه الحلقة الداخلية، تشبه إلى حد كبير ما انتقد الإمام أبو حامد الغزالي عن فلاسفة عصره، الذين كانوا يعتقدون التميز عن الأقران بفهم خاص للأمور يرتفع كثيراً عن فهم العامة. وأخذ يسود وسط هذه الصفوة المدعاة استخفاف كبير ببقية المسلمين وفهمهم للدين، بل وبكثير من تعاليم الدين" وهذه الحقيقة التي قاله كاتب محايد، يشهد لها ما قاله الدكتور جعفر شيخ إدريس الذي كان الترابي يتبع له عند انخارطه في تنظيم الإخوان المسلمين، في مقابلة أجرتها معه مجلة العصر الالكترونية، " هذا الترابي رجل (......) يقول في جلساته الخاصة خلاف ما يعلنه للناس ولا يزال حتى اليوم، وما كان يقوله في جلساته آنذاك أقل بكثير مما يقوله الآن" وقد ذكر هذه المسألة أيضا الشيخ الأمين الحاج، وقال بأن الترابي صرح لصحفي فرنسي اسمه "ألان شيفاليرييه"، بأنه يستخدم "التقية" لإخفاء النيات والعقائد، باعتبارها وسيلة سياسية مشروعة.
وإذا كان ما يكتمه الترابي من آراء أكثر شذوذا مما أعلنه، فتلك مصيبة عظمى
هل يقرأ الإسلاميون ما يكتبه الترابي؟
هناك مسألة أخطر من هذا كله كشف عنها حسن عبد الحميد في مقال له بعنوان" صعود وسقوط الترابي..قراءة في مسيرة مثيرة للجدل" حيث قال بأنه مما يحير الإسلاميين في السودان أن الإسلاميين في الخارج لم يستوعبوا ما يقولونه لهم عن انحرافات الترابي، لأن الكثيرين منهم ينظرون إلى الجانب السياسي في شخصية الترابي، ويعرضون عن "آرائه الفكرية الشاذة التي ظل يرددها منذ زمن بعيد بصيغ مختلفة، بل بعضهم لم يسمع بها أصلا" ويمثل على ذلك بأنه عندما التقى بالقاضي حسين – أمير الجماعة الإسلامية في باكستان – " سألناه هل قرأت كتب الترابي؟ أجاب الشيخ قاضي حسين: كلا، ولكني أُحسن الظن به"
حقيقة يحسن الاعتراف بها
كان كاتب هذه الأسطر يقرأ كتب الترابي، ومقالاته بعين المريد الذي يجسد مقولة" المريد بين يدي شيخه كالميت بين يدي غاسله" ولا يرى إلا نصف الحقيقة، وكنت مفتونا بالدكتور حسن الترابي وأعده – عن جهل وتقليد أو حسن ظن - إماما من أئمة الهدى، وأحد المجددين في الفكر الإسلامي الحديث، وتلك منقبة تعد للتيار الإسلامي في موريتانيا، الذي كانت نوافذه وأبوابه مفتوحة، تدخل منها أراء المدارس الفكرية الإسلامية بدون استثناء، وعلى الرغم من أن ابتعادي عن التيار الإسلامي " المؤسسة" وابتعادها عني قد أتاح لي أن أقوم بمراجعة نقدية ذاتية، لكثير من أفكاري وتصوراتي، وحتى تقليدي لبعض رموز التيار لإسلامي، وسمح لي بالانفتاح على رموز من التيار اليساري والعلماني، ومفكرين غربيين، بيد أن شخصية الدكتور حسن الترابي ظلت تطاردني، حيثما حللت، ولما سمعته يستهزئ في محاضرته الأخيرة بأحكام شرعية قطعية الثبوت، قطعية الدلالة، ويقول عنها بأنها "مجرد أقاويل وتخرصات وأوهام وتضليل" تغيرت صورته في ذهني، وطفقت أسأل نفسي هل أنا من أتباع محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، أم من أتباع الدكتور حسن عبد الله الترابي.
عندها بدأت أبحث في أقواله، بفكر الناقد، لا بعين المريد، فاتضح لي بجلاء أن المشروع الفكري الذي يبشر به الدكتور حسن الترابي، يستتبع هدم الإسلام من أساسه، وإقامة إسلام جديد مقامه.
عالم المشروع التجديدي الذي يبشر به الدكتور حسن الترابي
1 - تغيير مناهج التعامل مع النصوص قبولا وردا، وفهما واستنباطا.
2 – توسيع دائرة الاجتهاد ليشمل المجمع عليه بين المسلمين اعتقادا و تشريعا
3 – القول بأن من حق العوام الاجتهاد في أمور الدين.
4 – إباحة ما تضافرت أدلة الكتاب والسنة وإجماع المسلمين على تحريمه " كالخمر"
5 – إيجاب ما تضافرت أدلة الكتاب والسنة وإجماع المسلمين على عدم وجوبه كالجهاد على المرأة من حيث الأصل.
نماذج من تجديد الترابي
1 – موقفه من عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
ينفي الدكتور الترابي العصمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيره من الأنبياء، حيث يقول عن النبي – صلى الله عليه وسلم "ده شخص راق لكن ما تقولوا: معصوم ما يعمل حاجة غلط" ويضيف بأن النبي " يقول أخبار تطلع غلط"، ويصرح " هسع كلمة العصمة دي، الصحابة كانوا بيعرفوها، هسع لو جابوا الصحابة كلهم قعدوهم بيعرفوا عصمة النبي؟ وما عصمة النبي؟ يقولوا لهم النبي كذاب. يقولوا: كلا حاشا ما نبي كذاب، لكن ما بيعرفوا كلمة العصمة، دي كلمة عملوها المتكلمين".
ويضيف في صراحة لا مواربة فيها "الرسول بشر مثلنا يوحى إليه ماحَيْفَسر القرآن لهذا اليوم، لأنه لا يعرف هذا اليوم" وقال عن إبراهيم عليه السلام "كان شاكاً في ربه عابداً للكواكب قبل البعثة"، وقال بأن يونس عليه السلام "غاضب ربه وظن أنه لن يقدر عليه" وقال عن موسى عليه السلام " اعترف بجريمته، محاضرة ألقاها الترابي بجامعة الخرطوم في: 30/4/1995.
وسخر من رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول في حديث الذبابة" "في الأمور العلمية يمكن أن آخذ برأي الكافر، وأترك رأي النبي، ولا أجد في ذلك حرجاً البتة، ولا أسأل فيه أيضاً عالم الدين". قال ذلك في محاضرة له بجامعة الخرطوم بتاريخ 12/8/1982.
2 – الطعن في الصحابة واتهامهم بالكذب وإتباع الهوى في رواية الحديث، لهذا فإنه يرى أن المنهج الأسلم للتعامل مع ما رووه عن النبي – صلى الله عليه وسلم- هو "إذا رأينا نأخذ كل الصحابة أو لا نأخذ، قد نجيء بعمل تنقيح جديد. نقول الصحابي إذا روى حديثاً عنده فيه مصلحة نتحفظ فيه، نعمل روايته درجة ضعيفة جداً. وإذا روى حديثاً ما عنده فيه مصلحة نأخذ حديثه بقوة أكثر ويمكن تصنيف الصحابة مستويات معينة في صدق الرواية". محاضرة بجامعة الخرطوم (في: 30/4/1995)
ومعنى هذا أن أصل الدين الإسلامي مشكوك فيه، فالنبي صلى الله عليه وسلم غير معصوم، والصحابة يروون الأحاديث تبعا لمصالحهم، وهو ما يؤدي حتما إلى تكذيب قوله تعالى { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}، لأن السنة بيان للقرآن، ولو لم يحفظها الله تعالى لضاع القرآن والدين، فحفظ المبين يقتضي حفظ بيانه، وإذا كانت السنة كلها مثار شك، فمن أين يأخذ المسلمون أحكام دينهم؟
3 – الطعن في كتب الصحاح، حيث يقول عن صحيح البخاري "لازم لمن تجي تقوم تمتحن ضوابطه [أي البخاري] لمن تجي وأنت مؤتمن البخاري.. المسلمين.. آه.. آه.. آه خلاص ما في شيء.. من وثقه فهو كذا.. ومن جرحه فهو مجروح.. ومن عدله فهو عدل.. كل الصحابة عدول ليه؟ ما شرط يشترط ذلك في كثير أو قليل. يمكن لنا اليوم عندنا وسائل كثيرة جداً، البخاري ما كان يعرفها"!!.

Post: #21
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-21-2008, 04:53 AM
Parent: #2

عن الحل : كيف يكون الإسلام هو الحل ؟ !!


محمود الزهيري
[email protected]
الحوار المتمدن - العدد: 1897 - 2007 / 4 / 26


في البدء نريد أن يكون هناك قدر من التعقل والقبول لمثل هذه المناقشات التي يطرحها من سموا أنفسهم بالإسلاميين , في مقابل غيرهم من اللاإسلاميين , اي الكفرة المعاندين , المحادين لله ورسوله صلي الله عليه وسلم , ومن ثم فإن البداية تبدأ بحالة من السخونة في المناقشة التي نريد لها أن تكون علي قدر من الهدؤ والسكينة , ولكن من سموا أنفسهعم بالإسلاميين , جعلوا من أنفسهم هم أصحاب الحلول الإسلامية , وغيرهم في المقابل من الكافرين الذين هم نقيض للإسلاميين في مسماهم , ومن هنا يبدأ التنافر والخلاف والإختلاف بين من سموا أنفسهم بالإسلاميين , وكذا غير الإسلاميين حسب التصنيف المبتدع من أصحاب الحلول الإسلامية الجاهزة التي جنت علي المسلمين أيما جناية , وأضعفت من قوتهم أيما ضعف , وأذلت المسلمين إذلالاً مابعده إذلال , وأخرتهم عن الركب العلمي والحضاري , لدرجة أنهم لايذكروا في تاريخ العلم والحضارة ,وفي عالم القوة كانوا هم الضعفاء أمام الدول التي يتم النظر إليها بمنظار الكفر والتيه والضلال, واصبحت قضية القضايا التي تشغل بال وفكر وعقل من سموا أنفسهم بالإسلاميين هي العقيدة والشريعة الإسلامية الغراء , وأنهم يسعوا إلي تطبيق الشريعة الإسلامية تطبيقاً شاملاً للعودة بالمجتمعات الضالة إلي حظيرة الإسلام التي ستضم شتات الأمة الإسلامية ,و تجعل منها قوة فاعلة في ميزان القوي الدولية , ومن ثم تتحرر المقدسات المهانة تحت ربقة ذل الأسر والإستعباد البادي من سلطة الإحتلال في فلسطين , تحرير العراق , والشيشان , والبوسنة والهرسك ,وتحرير إقليم ناجورنو كاراخ المتنازع عليه بين أرمينيا وأذربيجان , ومعه إقليم كشمير المتنازع عليه بين السيادة الهندية , والسيادة الباكستانية , وحل أزمات بؤر الصراع في لبنان والخاص بمزارع شبعا , والأردن الجزء الخاص بالضفة الغربية , وأزمة السودان في إقليم دارفور وقبائل الجنجويد , وأسلمة النموذج التركي العلماني , وتأديب الدول العربية ذات النهج العلماني في السياسة والحكم , ومثالاً لها تونس , وبعض الدول التي تريد أن تنهج النهج العلماني الكافر حسب المفاهيم الخاصة بأصحاب الحلول الإسلامية الجاهزة !!
هذه هي هموم الإسلاميين المعاصرين والتي تختلف كل الإختلاف عن هموم المسلمين السابقين الذين ينظر إليهم نظرة الفاتحين للدول الكافرة والذين جعلوا الناس يدخلون في دين الله أفواجاً عن طريق الغزوات والفتوحات الإسلامية !!
ولكن حينما يردد الإسلاميين حسبما سموا أنفسهم ووصفوا ذواتهم بالإسلاميين دون غيرهم في إحتكار مرعب للإسلام وعقيدته وشريعته حسب مفهومهم التعصبي المتمترس بالمفهوم الإسلامي والمحتكر له في حالة من حالات الترعيب للغير والذي لايكون معهم في الوجهة والإتجاه لحل جميع المشاكل الحياتية عبر حلول إسلامية جاهزة مستمدة من عقيدة الإسلام وشريعته , ومن ثم من السهولة بمكان أن يطلق علي المخالف لهم حتي في مجرد التصور والفهم لحلول المشاكل المعاصرة , بأنه من الكافرين , وهذا حسب مفهوم تقسيم الدنيا إلي دار كفر , ودار إسلام , فمن لم يكن في دار الإسلام فحتماً يكون في دار الكفر , ومن لم يكن مسلماً , فحتماً يكون للكفر ملازم !!
أليس هذا هو المفهوم الدارج العمل به في المفاهيم الإسلامية التي يعتقد بها الإسلاميين ويجعلونها جزء من عقيدة الولاء والبراء , والمبنية علي أنه من لم يكفر الكافر أي غير المسلم , فحتماً ولابد أن يكون كافر, وتجري عليه أحكام الكفر بجميع إكسسواراتها , ومشتملاتها التي صنعتها أفكار الإسلاميين القدامي والمحدثين ؟!!
فحينما يستخدم الإسلاميين , شعار الإسلام هو الحل , ويؤكدوا علي حتمية الشعار في الأوساط السياسية والنقابية , والأوساط الشعبية والجماهيرية , بكل ماتتحمله هذه الأوساط من أزمات معاصرة لصيقة بحاجياتهم المعيشية والضرورية , والتي لم يصلوا منها إلي حد الكفاية من الحاجيات الغريزية , من طعام وشراب , وزواج , وسكني , وفرصة عمل , وضرورات الحياة البسيطة , فكيف يكون الإسلام هو الحل في مثل هذه التأزمات الملاحقة لهؤلاء الناس ؟!!
ناهيك عن القضايا التي تمثل في وجهة نظر الإسلاميين قضايا كبري ومصيرية , كقضية البنوك التي في مفهومهم بنوك ربوية تعمل في نشاطات الربا المحرم الذي توعد الله من يعمل به بالحرب والدمار , وقضية عمل المرأة في مجتمع مأزوم فقير , ومعدم ومحروم من أبسط الحاجيات الغريزية الضرورية والتي تخرج للعمل في جومن الإختلاط المحرم حسب المفاهيم الخاصة بالإسلاميين ايضاً , بداية من وسيلة المواصلات وحتي أثناء أداء الأعمال الوظيفية أو المهنية المكلفة بها أيضاً !!
وذلك كله دون النظر لقضية القضايا وأزمة الأزمات وهي قضية السفور والتبرج والزينة المحرمة في جو مشحون بالغرائز والشهوات التي لم تجد لها متنفس شرعي بسبب أزمات الفقر والبطالة والجوع الجنسي الذي لم يجد له مصرفاً شرعياً سوي جرائم الإغتصاب , وهتك العرض , والجرائم الجنسية الأخري كقضية التحرش الجنسي , ومن ثم يتم العروج إلي قضية النقاب , أم الخمار , أم الحجاب , وأيهم أولي في التطبيق والملائمة للمجتمع المأزوم !!
ناهيك عن أزمة الأزمات المخبؤة في جراب العولمة والثورة المعلوماتية الرقمية , وثورة الإتصالات التي جعلت من العالم كله عبارة عن شقق صغيرة في بناية كبيرة تجمع دول العالم كله فيها علي إختلاف دياناتهم وعقائدهم , وأجناسهم وألوانهم , وثقافتهم المتعددة والمتباينة بداية من عباد البقر لعباد بوذا , وذرادشت , وبراهما , واللادينين , مروراً بأصحاب الديانات السماوية الثلاثة اليهودية , والمسيحية , والإسلام , علي إختلاف مدي التباين الواقع داخل المنتمين للدين الواحد من داخل إطار الإنتماء الديني لدين من الأديان الثلاثة , والإسلاميين كفريق أوفصيل من ضمن الفصائل المكونة للفصائل الدينية المتعددة والمتباينة في الفكر والثقافة , لدرجة وصول التباين والإختلاف بين الفرق والمذاهب الدينية إلي العقيدة ذاتها !!
فماذا سيفعل الإسلاميين مع هذه الثورات العلمية والمعلوماتية وعصر السماوات المفتوحة دون إمكانية لرقابة او وصاية أو ولاية من أحد علي الإنسان المعاصر مهما إختلف دينه أو تغايرت عقيدته , أو تنافرت ثقافته مع الإسلاميين , أصحاب الحل الإسلامي الجاهز والمستمد من الشريعة الإسلامية الغراء برافديها العظيمين , القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة ؟!!
كيف يكون الإسلام هو الحل مع مصيبة الفقر , ومصيبة البطالة , ومصيبة المرض المتفشي ؟!!
هل للإسلام حل لهذه المشاكل بعيداً عن واقع المجتمعات المازومة , في الأطروحات المؤجلة للآخرة وثواب الآخرة فقط , وذلك حينما يعجز أصحاب الحلول الإسلامية الجاهزة عن مداراة خيبة الأمل في إيجاد حلولاً واقعية لهذه الأزمات والمصائب , وذلك عن طريق تطبيقات الشريعة الإسلامية المتعددة بتعدد رؤي القائمين علي تطبيقها من أصحاب الحل الإسلامي الراغبين في إقحام كلمة الإسلام في كل أمور الحياة الدنيا , حتي ولو كان الأمر يتعلق بأزمة المجاري والصرف الصحي , فإنهم يرون لها حلولاً إسلامية منطلقة من الإسلام , ومتمثلة في البحث عن آيات وأحاديث في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة تؤكد وتحث وتحض علي النظافة والطهارة , والمهم لديهم هو فقط منحصراً في الكيفية التي يفكرون فيها في البحث عن نص من النصوص الدينية التي يريدوا بها أن يصبغوا العمل العام بالصبغة الإسلامية مادام هناك آية أة حديث تمس الموضوع أو الأزمة , أو المشكلة من قريب أو من بعيد , متناسين أن الأمر يختص به القائم عليه في خبرته وعلمه ودرايته المهنية والفنية والعلمية , ولايهم النظر إلي دينه أو عقيدته , حتي ولو كان كافراً , والمهم هو في إتقانه للعمل وإجادته بما يعود علي المجتمعات بالنفع العام أو النفع الخاص !!
ولا أدري لماذا عقدة النقص المتمثلة في البحث عن نص تسيطر علي العقلية الإسلامية بوجه عام , مع أن مشاكل الحياة العامة والمعاصرة متجددة , ومتعددة بما يفهم معه أنها لانهائية في تأزماتها , فلماذا نلجأ دائماً للبحث عن نص , وهناك فرضية بسيطة مؤداها , إذا لم يكن هناك نص , فماذا يفعل أصحاب الحل الإسلامي الجاهز ؟
هل سيقولوا سنجتهد , ونأتي بأحد المشايخ , أو أحد العلماء ليقول لهم هذا حلال فاتبعوه , وهذا حرام فاجتنبوه !!؟
وإذا كان العمل العام , والمشاكل العامة من حق الجميع أن يبحث لها عن حلول واقعية مبنية علي أسس علمية صادقة , فلماذا يتم إقحام النصوص المقدسة التي قد تتيح قريحة البعض التوصل إليها , أو قد تغيب عن قريحة البعض , أو قد تتعارض مفاهيم النصوص مع بعضها ويتم تخليق مجموعة من الأزمات تصرف أصحاب الحل الإسلامي الجاهز عن المشكلة الأساسية ؟!!
فلماذا عقدة النص الديني تسيطر علي الأفهام والعقول , مع العلم بأن الإيمان ينقسم إلي قسمين نصف يختص به النقل , وهذا محدود في نصوصه , ونصف يختص به العقل , وهذا لامحدود ولانهائي , فلماذا يريد أصحاب الحل الإسلامي الجاهز أن يحكم المحدود , اللامحدود , وأن يحكم المتناهي , اللامتناهي ؟!!
ونعتقد أن الأزمة ليست في كينونة الإسلام هو الحل من عدمه , فهذا ليس محل جدال أونقاش من الأساس , لأن الأديان والعقائد لاتناقش علي الإطلاق لأن مجالها التسليم , أما حاجيات الناس ومصالحها الدنيوية والمعيشية التي تؤمن من خلالها حياتهم الدنيا , بما تحمله من أمور حياتية معيشية خاصة بطعامهم وشرابهم , وعملهم ومسكنهم , وعلاج مرضاهم وتعليم أبنائهم , ورعايتهم الرعاية الصحية والإجتماعية والتعليمية والتثقيفية , وتوفير الحياة الكريمة في جميع تفصيلاتها , مع إحترام خصوصيات الناس , وحفظ حرياتهم العامة والخاصة , وحمايتهم وحماية أمنهم في إطار منظومة الحق والواجب , والقائمة علي المعاملة , التي إختزلها الرسول محمد صلي الله عليه وسلم , وجعلها هي الدين في عبارة موجزة وبسيطة : الدين المعاملة !!
ومن ثم فالأزمة كامنة في كيفية أن يكون الإسلام هو الحل , بعيداً عن الوصاية , وإحتكار مفاهيم الدين , وبعيداً عن الحلول المؤجلة للآخرة , من خلال منظومة تحقيق الجنة الآنية , في إطار مجتمع مدني قائم علي الحرية والعدالة والمساواة , وعماده دولة المواطنة ؟!!
هذا هو السؤال !!
وننتظر الإجابة !!

Post: #22
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-21-2008, 04:58 AM
Parent: #2

ما وراء أكمة “الإسلام هو الحل”!
جواد البشيتي 11 يوليو 2007

ما وراء أكمة “الإسلام هو الحل”!

جواد البشيتي

“الإسلام هو الحل”.. هذا الشعار الذي ابتكرته (لمآرب سياسية ـ حزبية في المقام الأول) جماعة “الأخوان المسلمين”، أصلا وفروعا، إنَّما هو جوهر الفكر السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي.. والعلمي لكل الجماعات والأحزاب والمنظمات الإسلامية على اختلافها وتناقضها وتباينها؛ وأحسبُ أنَّ “الحل”، أو جزءا مهمَّا من “الحل”، لكل مشكلاتنا الكبرى، والتي بات حلها يُعدُّ “شرط بقاء”، يقوم، ويجب أن يقوم، على نبذ هذا الشعار المنافي لجوهر الإسلام بوصفه دينا، ولمنطق حياتنا الدنيوية بأوجهها كافة، وعلى تحرير عقول ونفوس العامة من الناس من أوهامه حتى يصبح ممكنا فهم تلك المشكلات في طريقة تسمح لنا بالتوصُّل إلى حلول واقعية وحقيقية لها، فالقول بشعار “الإسلام هو الحل” مع السعي إلى ترجمته بـ “لغة الواقع” لا يحلُّ أيَّاً من مشكلاتنا الكبرى، ويجعلها تتفاقم، ويَبْذُر بذور مشكلات وأزمات جديدة.

عندنا لم يَثْبُت ويتأكَّد إلا ما يُضاد وينفي شعار “الإسلام هو الحل”؛ أمَّا عندهم، أي في العالم غير الإسلامي على رحبه واتِّساعه، فالتجربة، أي تجربة المشكلات وحلولها، جاءت بم يُثْبِت ويؤكِّد أنَّ “الديمقراطية الحقيقية”، وليس “الديمقراطية الزائفة”، هي “الحل”، أو الطريق إلى حل كثير من المشكلات الدنيوية، أي المشكلات الحقيقية.

ونحن حتى الآن لم نجد جهدا فكريا يُبْذل، أو ينجح، في قضية في منتهى الأهمية هي “إقناع” العامة من الناس (المسلمين) بأنَّ الأخذ بالخيار الديمقراطي الحقيقي ـ العالمي لا يتعارض، ويجب ألا يتعارض، مع الإيمان الديني (الإسلامي). نحن لم ننجح حتى في إقناع الأحزاب السياسية، التي نَنْظُر إليها على أنَّها مظهر من مظاهر “الإسلام السياسي”، بضرورة وأهمية أن تُعْلِن على الملأ، قبل ومن أجل قبولها شريكا في الانتخابات السياسية، التزامها القيم والمبادئ الديمقراطية المعمول بها عالميا بوصفها قيما ومبادئ لا تَعَارُض بينها وبين جوهر الإيمان الديني (الإسلامي) ففشلنا في هذا الذي يجب أن ننجح فيه كان سببا في جعل تلك الأحزاب تفهم “الانتخابات” وتعاملها على أنَّها ما يشبه “حصان طروادة”، تَدْخُل فيه توصُّلا إلى الانقضاض والانقلاب على الديمقراطية ذاتها، وكأنَّ “الانتخابات” هي طريقها إلى سُلْطة تؤسِّس لمجتمع إنْ عَرَف “الانتخابات” فلن يعرفها إلا بوصفها حَفَّاراً لقبر تُدْفَن فيه قيم ومبادئ الحياة الديمقراطية.

ولا شكَّ في أنَّ هذا الفشل الفكري، أي الفشل في إقناع العامَّة من الناس (المسلمين) بأن لا تعارُض بين الديمقراطية وإيمانهم الديني، هو النجاح بعينه بالنسبة إلى الأحزاب الإسلامية التي تقف مع “الانتخابات” ضد “الديمقراطية”، وبالنسبة إلى الولايات المتحدة التي نجحت عَبْر “تجاربها الديمقراطية” في عالمنا العربي في أن تُقْنِع” العامَّة من العرب بأنَّها عدو لدود لحقوقهم القومية والديمقراطية، وبأنَّ “الديمقراطية” التي تريدها لنا إنَّما هي كل ما يذلِّل العقبات من طريق جَعْل، أو تركيز، السلطة في أيدي “أصدقائها”، أي في أيدي المعادين بمصالحهم وأهدافهم لمصالح وأهداف الأمَّة.

لقد حان لـ “العِلْم” بفروعه كافَّة أن يُرينا حقيقة مشكلاتنا الدنيوية (في السياسة والاقتصاد والاجتماع..) وأن يُنْشئ ويُطوِّر لنا، بالتالي، طرائق للحلول.. وحان لـ “السياسة” التي تستمد شرعيتها من “صندوق الاقتراع الديمقراطي الشفَّاف” أن تكون هي “المُقَرِّر”، فتأخذ وتُنَفِّذ من الحلول التي يقترحها “العِلْم” ما تَسْتَنْسبه الإرادة السياسية الحرَّة للمجتمع والأمَّة، فليس من ميزان لـ “الحلال والحرام” في حياة الناس السياسية والعامَّة غير هذا الميزان، الذي إن ظلَّ غائبا عن حياتنا الدنيوية يَحْضُر “التكفير” بكل صوره، وتضيق الفجوة، الضيقة أصلا، بينه وبين شعار “الإسلام هو الحل”، وتَحْضُر مع “التكفير” أدواته ووسائله وأسلحته المختلفة.. وجيوشه التي منها على سبيل المثال لا الحصر جماعات “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” التي فيها، وبها، يستمر حُكم الأموات للأحياء.

“الإسلام هو الحل” إنَّما هو شعار كل مَنْ يريد تأويل نصوص دينية بما يُوافِق مصالحه الدنيوية الضيِّقة، فإذا أنجز هذا التأويل المُغْرِض (سياسيا)” سعى في إظهاره للعامَّة من المسلمين على أنَّه هو الحل الإسلامي الذي لا حلَّ مُجْدٍ (دنيويا ودينيا) سواه، وسعى، من ثمَّ، إلى تكفير كل مَنْ يرى رأيا آخر في مشكلاتنا وحلولها، وكأنَّه هو وحده الذي يحق له احتكار “الحقيقة”.

Post: #23
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-21-2008, 05:22 AM
Parent: #22

العلمانية بين الدولة الدينية والدولة المدنية


عبدالله عبداللطيف المحامي
[email protected]
2006 / 7 / 10


لابد أن نقرر باديء ذي بدء أن العلمانية أبدا ليست ضد الدين كما يزعم ويقول كثير من أصحاب الإتجاهات السلفية والحركات السياسية ذات المرجعيات الدينية ، والعلمانية لا تحارب الأديان ، ولكنها منهج علمي يوفر الحرية للوطن والمواطن ويعمل علي إيجاد آليات للعمل الديمقراطي والحوار الحر وتداول السلطة في المجتمع بطريق سلمي .
وبهذا المعني ما أحوجنا إلي العلمانية كأداة عملية توفر التطور الحقيقي لمجتمعاتنا والتقدم وتوفير مناخ صحي لخلق أجيال جديدة تنمو في ظل مباديء الحرية والمساواة والقبول بالآخر ورفض التعصب والعنصرية ضد فئات بعينها وينمي قيمة التفكير النقدي لدي أجيال المستقبل .
والمعروف أن العلمانية بهذا المعني لا تجد حقها في الوجود إلا في مجتمعات تعرف قيمة الإنسان وتحترم حقوقه وتقدس حرياته ، أما في فترات التخلف فمن الطبيعي أن تنحسر قيم الديمقراطية وتصبح المطالبة بحقوق الإنسان وإحترام حرياته رجس من عمل الشيطان وهكذا تعرف العلمانية الآن كمرادف للكفر والإلحاد ونشر الفساد في المجتمع ومن ثم تصبح تهمة تعلق في رقبة من ينادي بها منهاجا لحكم الدولة .
بل أن أصحاب الخطاب الديني السلفي لا يعتبرون العلمانية رسالة كافرة ودعوة إلحادية وحسب، لكنهم فضلا عن ذلك يحاربونها كدين جديد من صنع البشر يحارب دين الله الآتي من السماء، وهكذا هي في نظرهم بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
ولست أدري كيف يفكر هؤلاء ؟ ولماذا يضعون الدين عقبة في وجه تقدم المجتمعات ولصالح الإنسان ؟ ما نعرفه أن الدين قوة لتقدم الإنسان وليس العكس ، أن خطابهم الديني ينبيء بمزيد من التخلف والتقهقر ، بدءا من محاربة الإبداع ، والدعوة إلي سجن المرأة ، إنتهاءا بتكريس الطائفية علي حساب فكرة المواطنة .
غريب أن تظهر في القرن الواحد والعشرين دعوة إلي ما يسمي بالدولة الدينية ، والتي هي بطبيعتها دولة ديكتاتورية ومستبدة ، يكون الحاكم فيها ظل الله في الأرض ، يحكم بإسم الله ويصدر التشريعات والقوانين بإسم الله ، ويرسم السياسات بإسم الله ، ومن يطيعه فقد أطاع الله ، ومن خالفه في الرأي أو حاربه وقاتله فإنما يخالف ويحارب ويقاتل الله ، مع أنه مجرد بشر ، قد يصيب وقد يخطيء ، لكنه في هذه الحالة تضفي عليه علامات التقديس ليصبح في الحقيقة هو الوكيل الوحيد والمتحدث الشرعي دون سواه بإسم الله .. أي إستبداد هذا ؟
إن خلط الدين بالسياسة يفسد الدين والسياسة معا.. إذ أن الدين ثابت ومطلق ومقدس ومنزه عن الخطأ، والسياسة متغيرة تبعا للظروف والمصالح، وأظهر دليل علي هذا النظر موقعة الجمل الشهيرة والتي كانت حربا بين فريقين يقود أحدهما السيدة عائشة زوجة النبي ، ويقود الفريق الآخر الإمام علي بن أبي طالب إبن عم النبي وزوج إبنته فاطمة ، والفريقان يتقاتلان في الحقيقة من أجل الحكم ، وإن كن كل منهما رفع المصاحف علي أسنة السيوف ، كيف تفسر هذه الموقعة من الجانب الديني ؟ أي فريق علي صواب وأيهما علي خطأ ؟ التفسير الديني يفسد الدين لا شك ، أما لو تعاملت مع الموقف علي أنه صراع سياسي من أجل نيل الحكم لأرحت وإسترحت وهكذا ينبغي عدم خلط الدين بالسياسة ولا السياسة بلدين .
أن الدولة العلمانية التي تحترم حرية وحقوق الإنسان وتتعامل مع مبدأ المواطنة بغير تمييز بسبب الدين أو اللون أو الرأي ... الخ في إطار من القيم الأخلاقية والديمقراطية التي تضمن آلية لتداول السلطة بمشاركة شعبية ، تللك هي الدولة العصرية التي تحتاجها مجتمعاتنا بحق دولة ترفع شعار الدين لله والوطن للجميع وتطبقه تطبيقا صحيحا .
لسنا في حاجة إلي كهنوت ديني يطبق علي حريات الأفراد والمبدعين في سلوكياتهم اليومية العادية .. لسنا في حاجة إلي من يزعم أنه يتكلم بإسم الله ويوزع صكوك الغفران والكفر علي الناس تبعا لمواقفهم منه طاعة أو تحفظا أو إعتراضا .
لسنا في حاجة إلي دولة ترعي الإرهاب الفكري بإسم الدين وترفع سلاح التكفير في مواجهة أية محاولة للتفكير .
لسنا في حاجة إلي دولة يقودها أمراء الجماعات ويهيمن عليها المهوسين دينيا الذين لا يفرقون بين النص المقدس وبين تأويله الذي هو من صنه البشر ومجرد إجتهاد قد يصيب وقد يخطيء وإن الإختلاف مع رأي إنسان ليس خروجا عن الدين والملة .
نريد دولة تحترم المرأة كإنسان وتعطيها الفرصة كامل الفرصة للتنافس في مجالات العلم والعمل مع الرجل يدا بيد وبنفس الظروف ولا يختصرها إلي مجرد جسد وأداة لمتعة لحظية .
العلمانية بهذا المعني لا تتصادم مع الدين إذا أبقينا الدين في دائرة العلاقة بين العبد وربه وتركنا إدارة الدولة للناس بلا سلطان من طبقة كهنوت أو رجال دين ، فالناس أدري وأعلم بشئون دنياهم .
الدولة الدينية بطبيعتها دولة مستبدة وديكتاتورية .. والدولة العلمانية بطبيعتها دولة تكرس الحرية والديمقراطية ..

Post: #24
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-21-2008, 05:35 AM
Parent: #22



الدولة الدينية ضد الدين
محمد العبدلي
[email protected]
2006 / 7 / 1


لن أتناول الأساس التاريخي لنشوء مصطلح العلمانية فهذا الأمر لم يعد مهما و هو يلهي القارئ عما أعتبرُه جوهريا : أي معنى و ملامح العلمانية و التي اكتسبت ثباتا و وضوحا أغنانا عن الخوض في أصل و نشأة العلمانية و الغوص في الجانب التاريخي الذي رأيت انه غير ضروري في هذه الحالة ، و بوسع القارئ أن يلجأ ، اذا أراد ، الى شبكة الانترنت و ماكنات البحث و خصوصا غوغل ليحصل على ما يريد بيسر . و الأمر الآخر الذي اعتبرته جوهريا و مهما أكثر من الخلفية التاريخية هو مقارنة الوضع الذي عليه الأمور الجوهرية التي تهم الإنسان وحريته و كرامته في كلا النظامين العلماني و الديني و أقصد بالأمور الجوهرية : الحريات الأساسية ، وحرية المرأة و حرية التعبير ، و الديمقراطية و الموقف من الفن والموقف من الديانات الأخرى و ليس ديانة واحدة معتمدة من قبل دولة ما تزعم إنها هي الوحيدة الصحيحة و الشرعية و ما دونها كفر.. الخ .

العلمانية و الديمقراطية
يسعى أعداء الديمقراطية إلى تفنيد العلاقة بين الديمقراطية و العلمانية قائلين " إن هناك أنظمة حكم علمانية و لكنها ديكتاتورية " . و على الرغم من إن هذه العبارة الموضوعة بين قويسات بحد ذاتها صحيحة. إلا أنهم على خطأ فادح حين ينفون العلاقة بين الديمقراطية و العلمانية انطلاقا منها و استنادا عليها . و الحقائق التي تترتب على الإجابة على هذا السؤال و بدقة ستؤدي إلى ما هو عكس ذلك أي :
أولا : إثبات أن لا وجود للديمقراطية بدون علمانية .
و ثانيا : أن لا وجود للديمقراطية بوجود دولة دينية " أي ثيوقراطية " .
فوجود العلمانية لا يعني بالضرورة إن النظام العلماني سيكون ، بشكل أوتوماتيكي ، ديمقراطيا ، ولكن كل نظام ديمقراطي يجب أن يكون علمانيا أولاً و قبل كل شيء ، إذ لا وجود للديمقراطية بدون علمانية .
و أخيرا و ثالثا : العلمانية لا تكفي و حدها لتكوين الديمقراطية رغم إنها أحد شروطها . و لتقريب الصورة نقول أن الهايدروجين هو أحد مكونات الماء ولكن الهايدروجين و حده ليس ماء . لا ماء بدون هايدروجين و لكن الهايدروجين و حده لا يكون ماء .
علينا ، لكي نؤسس ديمقراطية حقيقية ، أن نؤسس لعلمانية حقيقية ، أي أن نفصل الدين عن الدولة و نكفل حرية الأديان ، ولكن علينا أن ندرك في الوقت نفسه أن هذا المكون الأساسي للديمقراطية ، أي العلمانية ، لا يكفي لوحده .
فالحكم الديني هو بالضرورة شكل من أشكال الحق الإلهي ، و بالتالي فإن القائمين عليه يستمدون الحكم و أحكامه من الله الذي يسدد خطاهم كما يدعون ، وهم بذلك ليسوا بحاجة الى الرعية التي لا تدرك ما يضرها مما ينفعها .
و ليس بوسع أي كان أن يعطي مثالا واحدا على دولة ديمقراطية و هي ليست علمانية في الوقت نفسه ، على أن من الصحيح أيضا وجود دولة علمانية بدون ديمقراطية.
إذن : كل دولة ديمقراطية يجب أن تكون علمانية ، ولكن ليست كل دولة علمانية هي ديمقراطية .
هذه هي النتيجة الأولى .

الدولة الدينية ضد الدين ، الدولة العلمانية مع الدين
و التضليل الثاني الذي يسعى أعداء العلمانية إلى استعماله هو قولهم إن العلمانية هي ضد الدين و هذا أيضا غير صحيح بالمرة ، و إنما العكس هو الصحيح تماما ، الدولة الدينية هي التي ضد الدين . و العلمانية ، على عكس ذلك ، تحترم الدين ، فالسلطات في البلدان العلمانية الديمقراطية هي أكثر احتراما للأديان مما في البلدان الدينية أو غير العلمانية ، فالدولة الدينية تدافع عن الدين الذي تتبناه فقط بل و أحيانا عن وجهة نظرها الضيقة أو تفسيرها للدين أو منطق الطائفة ، فالمملكة العربية السعودية تمنع وجود أتباع ديانات أخرى على أراضيها و لا تسمح أيضا بدور العبادة الخاصة بالديانات الأخرى غير الإسلام ، على سبيل المثال ، إذن السعودية ضد الأديان لأنها تدعم دينا واحدا و ليس الأديان كلها، فلا وجود فيها للكنائس أو للمسيحيين أو أي معبد للديانات الأخرى حتى للديانات السماوية المعترف بها شرعا و التي نص عليها القرآن .
لقد قام الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز بطرد أتباع الديانات الأخرى من الجزيرة العربية ، و في الوقت الذي يفترض أن يقتدي المسلمون بالنبي لم يقتد المسلمون في هذه النقطة بالرسول مما يبين الطابع الانتقائي لهذه السنن فالرسول لم يطرد المسيحيين أو أتباع الديانات السماوية من الجزيرة العربية.
و تمنع إيران ، على سبيل المثال ، إقامة مساجد للسنة على أرضيها ، كما أن ليس بوسع حتى المتعاطفين معها أن يقولوا أن أتباع الديانات الأخرى زائدا السنة مثلا يتمتعون بحريات دينية مقارنة بأي دولة علمانية .
و لا يتوقف الأمر عند موقف الدولة الرسمي الذي ربما يكون محكوما باعتبارات دولية و ضغوط من منظمات حقوق الإنسان تجعله بمرور الوقت متساهلا نسبيا ، و هذا التساهل ليس رغبة بالتساهل أو احتراما للأديان الأخرى و لكن خوفا من ضغوطات الرأي العام العالمي . و لكن الدولة الدينية ، في الوقت نفسه ، تفسح المجال لفوضى وخروقات تتمثل في تدخل الأفراد الذين لا يمتلكون صفة قانونية في الأمور الشخصية للمواطن تحت واجهة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، و هؤلاء الأفراد " الآمرين بالمعروف و الناهين عن المنكر " كما يسمون أنفسهم ، يتعدون على الحريات القانونية و يمنعون أشياء عديدة لم يمنعها القانون و يُكرهون الناس في حياتهم الشخصية على تبني أمور ليس منصوصا عليها في قانون ، و هم يمارسون عملهم ضد امور ظاهرة مثل شرب الخمور أو ملابس النساء في حين يمارسون العديد من الموبقات و المحارم مثل القتل و السرقة و الإختطاف وحز الرقااب . و لكي نقارن ذلك مع الدول الأوربية نجد أن في جميعها بدون استثناء توجد مساجد و حسينيات و معابد لليهود و كنائس ومراكز عبادة أو طقوس للهندوسية أو البوذية ..الخ و الجميع يمارسون طقوسهم بكل حرية و يكسبون أتباعا ، و الدول العلمانية لا تحترم دينا لوحده تتبناه و تدافع عنه ، و إنما تحترم و تدافع عن جميع الأديان . و هي لا تضمن حرية العبادة و ممارسة الطقوس و تأسيس دور عبادة لدين واحد و إنما لجميع الأديان .
إذن الدولة العلمانية تحترم الأديان أكثر من الدولة الدينية .
هذه هي النتيجة الثانية .
بوسع المرء مثلا في دول أوربا أن يعتنق أية ديانة مهما كانت و أن يجد الكتب المقدسة لكل الديانات و بمختلف اللغات في المكتبات ، و بوسعه أيضا أن يمارس الطقوس الخاصة بها و أن يتراجع عنها و يعتنق غيرها دون أن يتعرض للمسائلة و العقاب . فلا قوانين أو أعراف تحاسب " المرتد " عن دينه حتى لو كان قد " ارتد " عن دين الأكثرية .
فمن مع الأديان في هذه الحالة و من هو عدوها ؟ لا شك أن الدولة العلمانية هي أكثر احتراما للأديان . و أن الدولة الدينية هي ضد الدين لأنها تتبنى ، كما قلنا ، دينا واحدا أو وجهة نظر طائفة من طوائف الدين .
العلمانية و التداولية
ـ و النقطة المهمة الأخرى هي إن العلمانيين لا يمنعون وصول الأحزاب الدينية الى السلطة بينما العكس صحيح . أي أن السلطة الدينية و الحكومات الإسلامية تمنع العلماني من الوصول الى الحكم حتى لو حظي بدعم جماهيري ، فالنظام العلماني في تركيا و المنصوص عليه في دستور البلاد لم يمنع الأحزاب الإسلامية من الوصول الى السلطة و احترم إرادة الناس حين اختاروا بواسطة صناديق الاقتراع الأحزاب الإسلامية في أكثر من دورة انتخابية . بينما الدولة الدينية لا تفعل الشيء نفسه ، أي لا توافق حتى على ترشيح العلماني ، فالمرشحون لشغل المواقع الرئيسية في الحكومة في إيران و الأحزاب جميعها لا بد أن تكون إسلامية وتمنع الأحزاب غير الاسلامية من العمل السياسي أو الترشيح في قوائم الانتخابات ، أما في السعودية فلا وجود للأحزاب أصلا ،
النتيجة " العلمانية تحترم خيارات الناس ، بينما الدولة الدينية لا تفعل ذلك .
هذه هي النتيجة الثالثة

العلمانية وحرية المرأة
نقطة أخرى : تفرض الحكومات الدينية الإسلامية الحجاب على النساء بينما الدولة العلمانية تمنح الحق الشخصي في اختيار الحجاب أو السفور على حد سواء ، و تحترم الدولة العلمانية الحرية الشخصية ، بوسع المرأة أن تكون محجبة أو سافرة في البلدان الاوربية و الذي يذهب الى أي عاصمة أو مدينة أوربية فأن بوسعه بسهولة أن يلاحظ العدد الكبير من المحجبات في الشوارع و المحلات و وسائط النقل وفي كل مكان ، في الوقت الذي تفرض الدولة الدينية الحجاب حتى على اتباع الديانات الأخرى و ليس بوسع احد أن ينكر أن ليس من حق النسوة الايرانيات أو نسوة السعودية أن يتخلين عن الحجاب ، بل وحتى أن النساء الأوربيات الزائرات و الصحفيات عليهن أن يضعن شالا على رؤوسهن . و بلغ الامر ذروته أن تمنع المرأة السعودية من قيادة السيارة رغم أن تنقل المرأة بواسطة السيارة أكثر حشمة من التجوال مشيا على القدمين ، و لا أعرف ما هي العلاقة بين الاسلام و منع المرأة من قيادة السيارة فإذا كانت قيادة السيارة حرام بموجب الشريعة فيجب عندئذ أن تكون محرمة على الرجل .
و الحجة غير المقنعة التي يسوقها انصار الحجاب أن المرأة في زمن الرسول كانت ملزمة بالتحجب ، و بالرغم من أن هذا موضع نقاش و شكوك ، و قد كتب عنه الكثير ، أجد نفسي اخاطب انصار الحجاب : اذا كان على المرأة أن تلبس كما في زمن الرسول فلماذا لا تجبر السلطات في إيران و السعودية مثلا الرجال على أن يلبسوا كما في صدر الإسلام ؟ ولماذا ينبغي للمرأة أن تلبس نفس الملابس التي كانت ترتديها في صدر الاسلام بينما لا يحرم على الرجل أن يلبس ملابسا من آخر طراز ؟
هذه الأمثلة و عشرات أخرى لسنا بصدد الإطالة فيها تثبت أن الإسلام يُستعمل انتقائيا من قبل الاسلامييين من أجل تثبيت القيم الذكورية المفروضة على المرأة بإسم الاسلام .
و رب قائل يقول : ما علاقة هذا بالعلمانية ؟ نقول له إن الدولة العلمانية حتى في أشد حالات ترديها لم تجبر المرأة على الحجاب بموجب قانون و لكنها في الوقت نفسه لم تلزم المرأة بالسفور ، و تحترم كلا الخيارين ، ففي زمن النظام السابق في العراق و رغم الحملة الأيمانية لم يحدث أن أكرهت امرأة على الحجاب رغم أن الحملة الإيمانية قد أطلقت العنان لدعاة الظلام و التخلف و في إحراج النساء و تعريضهن للضغط . أما دولة الملالي اليوم في العراق فقد نجحت في ذلك أيما نجاح و نشطت في فرض الحجاب على المرأة رغم إن السلطة ليست خالصة لهم و لو قيض لهم أن يكونوا في مركز القوة الحاسم لأرونا العجب و لما رأينا شطارتهم لا في البناء و لا و في إعادة الاعمار و لا في التنوير ولكن في تحجيب النساء الشيء الوحيد الذي حقق نجاحات باهرة .
ورب معترض آخر يقول : إن الدول الاوربية قد ألزمت النساء المسلمات بالتخلي عن الحجاب ، وهذا الكلام غير صحيح بالمرة ، ذلك إن المنع كان في قاعة الدروس التي يُحرّم فيها ارتداء أي طراز من الملابس يدل الى الانتماء الديني و في هذا منعت الدولة الرموز الدينية بمختلف أشكالها مثل ارتداء الصلبان ..الخ ، كما أن المحكمة العليا في العديد من دول أوربا قد إعترضت على قانون مثل هذا و اعتبرته تدخلا في أمر شخصي ، أما في الحياة اليومية : في الشوارع و الاسواق و أماكن العمل ..الخ فلا أحد بوسعه أن يمنع المرأة من ارتداء الحجاب ، و بمستطاع الذي يزور أي دولة أوربية أن يشاهد الآلاف من المحجبات كل يوم حتى باتت ظاهرة ملفتة للنظر بينما ليس بوسعنا أن نرى إمرأة سافرة واحدة في السعودية أو إيران.
الخلاصة : النساء في الدول الأوربية يلبسن ما يشأن ، و بالإمكان أن تشاهد هنا آخر طراز للملابس الحديثة أو آخر تقليعات الحجاب الإسلامي .
إذن الدولة العلمانية تحترم الحريات الشخصية و الفردية أكثر من الدولة الدينية .
هذه هي النتيجة الرابعة .

من يحارب الفن الدولة العلمانية أم الدولة الدينية
يكرس في العراق الآن موقف معاد للفن بكافة أشكاله ، وبوسع السلطة الجديدة أن تفتخر بأن العراق ليس فيه تقريبا أي شكل من أشكال الفنون و أن الفنانين مهددون في حياتهم و هو ما لم يشاهده العراق في كل عصوره ، فقد حُرم المغنون من الغناء ، ناهيك عن المغنيات اللواتي اذا غنين تكالبت عليهن السكاكين شيعية وسنية ، أما الرقص كفعل تعبيري راقٍ فإنه يعتبر في عرف رجال الدين من مختلف الطوائف عملا داعرا ولم يعد في العراق سوى قاعات عرض قليلة لعرض الأعمال التشكيلية و الفنية و يصعب حتى العثور على لوحات الخط العربي الذي يزخر بالآيات القرآنية إذ أغلقت جميع القاعات أبوابها ، هل هذا بسبب الإرهاب ؟ كما يسأل أحد السائلين أو يعترض أحد المعترضين ؟ عندئذ سأجيب ولكن الإرهاب هو إرهاب إسلامي أيضا و هذا لا يمكن أن يحدث في دولة علمانية مؤسساتية ، كما إني أسأل المعترض بدوري : أليس واجب الحكومة الحالية التي يسيطر على 80% من مقاعدها البرلمانية و وزاراتها الإسلاميون من كلا الطائفتين أن تقاوم الارهاب و تضمن للناس حياتهم و كذلك حقهم في ممارسة الفنون المسرحية و التشكيلية و الموسيقية الخ ؟ ثم هل سمعنا تصريحا واحدا من مسؤول حكومي أو رجل دين يدعو الى دعم الفنون أو على الأقل يدعو الى ترك الفنانين و شأنهم دون تدخل ؟ بالطبع ستكون نكتة مرة أن يدعو رجل دين على الأقل الى أن يترك الفنانون يمارسون فنهم بدون تدخل و بدون قيود أو على الأقل بالحد الذي كانت عليه الحرية في ممارسة الفن في زمن النظام السابق الذي يوصف بأنه ديكتاتوري . ولكي لا أطيل أقول إن الدولة الدينية على النقيض من الدولة العلمانية لا تحمي الفنون و الآداب وحرية التعبير، ولمن نسيَ و دأب على إلقاء اللوم على الإرهاب القاعدي و الوهابي أقول : صحيح إن الارهاب القاعدي كان الصورة الأكثر ظلاما و تخلفا للإرهاب الاسلامي و لكنني لا أعتقد أننا سنسمع في القريب العاجل إن السيد مقتدى الصدر مثلا قام بزيارة معرض للفنون التشكيلية أو أعجبته مقطوعة لموتزارت ( ربما ستعجبه المواقف السياسية المتأخرة لسعدي يوسف فيقرأ أشعاره و لكن هذا سيبقى استثناءا )! أو أن ننسى أن الذي بادر الى الوقوف بوجه حرية التعبير في بواكير انتصار الثورة الإسلامية كان آية الله الخميني حين أصدر حكم الموت على كاتب مثل سلمان رشدي بسبب كتاب . كما أن ليس بوسع أحد أن يقول أن ممارسة الفنون في إيران هي في أحسن حالاتها . كانت القاعدية كإتجاه ظلامي سني هي استجابة للظاهرة الخمينية في الاتجاه الظلامي الشيعي ، ليس لي فخر هذا الاكتشاف ولكن أحد المقالات الألمعية لـ أمير الدراجي قد أشار الى هذا قبلي بمنتهى الصواب .
إذن الدولة العلمانية تدعم و ترعى الفنون ، والدولة الدينية ضد الفنون .
هذه هي النتيجة الخامسة .

هل دولتنا الحالية علمانية أم دينية ؟
ومع ذلك سنجد من يقول و لكن هذه السلبيات التي تلصقها بدولتنا ليس له علاقة بموضوع العلمانية و الدولة الدينية لأن دولتنا ليس دينية .
إن دولتنا الحالية غير قابلة للتعريف لأنها نتاج وضع غير طبيعي ، وهي إضافة الى كونها في طور التكوين فإنها نتاج توازنات قلقة أعقبت حربا مدمرة و انهيار الدولة العراقية السابقة و مؤسساتها ، و الدستور و موازين القوى لم يحددا بشكل حاسم هذا الموضوع أي طابع الدولة ، ولكن من المؤكد أن الاتجاهات الدينية تحظى بنفوذ كبير و حاسم فهي التي تسيطر على كل شيء خارج إقليم كردستان . نجد في الوقت الحاضر إن هذا الإقليم المكان الوحيد الذي يُرعى فيه الفن و الفنانون . أما المناطق التي يسيطر عليها الاتجاه الديني بشكيليه السني و الشيعي فقد انتهت فيه تقريبا كل اشكال الفنون و غادر الفنانون في هجرة أخرى متوزعين على أصقاع الأرض .
و القوى العلمانية الممثلة بالقوى السياسية الكردية و قائمة العراقية ليس بوسعها حسم الأمور و لكن عدم تحديدنا لطابع الدولة العراقي فيما اذا كانت علمانية أم دينية لا يمنعنا من تحديد بعض ملامحها و خصوصا موقفها من الحريات و الثقافة .
فدولتنا الحالية لم تعين حتى ملحق ثقافي واحد في سفاراتها في الخارج و هذا الكلام موجه الى السيد وزير الخارجية ، في حين دعم النظام السابق من خلال سفاراته النشاطات الفنية و طبع العديد من الكتب الأدبية و الفنية و بروشورات المعارض الفنية و تحمل نفقات معارض و مهرجانات تشكيلية و مهرجانات شعرية و عين ادباءا مرموقين في مراكز الملحق الثقافي . هل يهدف النظام السابق الى الدعاية لنفسه ؟ صحيح ! أتفق مع هذا الطرح ، و لم لا ؟ ولكن السؤال : لماذا لا يقوم النظام الحالي بالدعاية لنفسه و بنفس الطريقة ، على الأقل في سبيل التصدي للصورة الدموية و المتخلفة التي تفرضها على وسائل الاعلام العالمية قوى الإرهاب و الميليشيات ؟ ولماذا لا تقوم وزارة الخارجية بتعيين ملحقين ثقافيين في السفارات العراقية في الخارج التي يسيطر على أغلبها الاسلاميون الذين يحضرون بإنتظام و دقة مجالس العزاء و الحسينيات و عمليات طبخ القيمة ، في حين لم يكرسوا حتى ساعة واحدة من أجل النشاطات الثقافية في الخارج ؟ و تزخر سفارات بأشباه الاميين و الجهلة ، أعملوا جردا لحملة الشهادات في سفاراتنا و ستتعرفون على الكارثة حيث الرقم يقترب من الصفر .
رب قائل يقول ولكن دولتنا ليس إسلامية !حسنا ماذا هي إذن ؟ هل هي علمانية ؟ لا ؟ من يسيطر على أغلب الوزارات العلمانيون ؟ أرني إياهم ؟ وزير الخارجية من حزب علماني ؟ هذا صحيح ولكن أليس السفراء و مدراء الدوائر في وزارة الخارجية و وزارة الثقافة هم من الاسلاميين في الغالب ؟ و أن العمل الوحيد الذي قامت به التشكيلة الجديدة للوزارة في الوقت الحالي و في حكومة الجعفري هو استبعاد مفيد الجزائري المثقف الوحيد من الوزارة و تعيين وزير لا يعرف أن الفاعل مرفوع ؟
محمد العبدلي

Post: #25
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-21-2008, 05:59 AM
Parent: #22

إلى أين يا أسامة بن لادن ؟
محمد يسر سرميني
[email protected]
2008 / 2 / 13


إذا سمعت أصوات الإنفجارات ورأيت أشلاء الأطفال والنساء والرجال تتطاير فاعلم أن أسامة بن لادن كان هناك.
إذا شاهدت بكاء الرجال وصياح النساء وانتشار الدمار فاعلم أن أسامة بن لادن مر من هناك .
إذا شممت رائحة البارود ممزوجا برائحة الدماء مترافقا مع أشلاء الأبرياء فاعلم أن أسامة بن لادن أعطى الأمر هناك .
إذا قيل لك أن من يفجر الأسواق والمنازل والحافلات و يقتل الأبرياء سيذهب إلى الجنة و أن المقتول سيذهب إلى النار فا علم انه جهاد أسامة بن لادن .
ورغم كل هذا .
لو جرت انتخابات في الكثير من المجتمعات المتخلفة لسمعت إن أسامة بن لادن هو الفائز الأكبر بها هل تعلمون لماذا ؟
اذهبوا إلى المساجد لتسمعوا كيفية التدليس على الشعوب والكذب .
وكيفيه تصوير القتلة والمجرمين على أنهم مجاهدين وأبطال .
ومن أبشع الفتاوى التي تطلق من على المنابر في المساجد وبعض شاشات الفضائيات ( إن الانتحاريين استشهادييون ) من أين أتوا بهذه الفتاوى لا ادري!.
من يفجر نفسه في سوق يكتظ بالبشر أو بمقهى أو بحافلة أو بوزارة أو بعزاء هذا القاتل المجرم يسمى استشهادياً وسيذهب إلى الجنة؟ .
و يأتيك من يقول بأنه يموت على نيته !
يذهب ويفجر نفسه بين الأبرياء ويقال له إنك استشهادي !
و مع أنه يعلم انه ذاهب لقتل الأبرياء يقال له أنه يموت على نيته اية نية هذه !؟
هذه الفتاوى و الأفكار و التدليس على البشر هي الوقود الذي يمد أسامة بن لادن ومنظمته الإجرامية بأسباب البقاء.
أليس أسامة بن لادن هو السبب في احتلال أفغانستان والعراق ؟.
هل كان يظن بان ضرب أمريكا سيمر بدون دفع الثمن ؟ أي عقل وأي فكر هذا ؟ أليس من الواجب أن يحاكم أسامة بن لادن لأنه السبب في احتلال أفغانستان و العراق ؟.
أليس من الواجب أن يحاكم أسامة بن لادن عن كل قطرة دم بريئة سفكها و يسفكها محاربوه وأتباعه في العالم .
لحساب من يقتل الأبرياء في العراق و الجزائر والمغرب ولبنان ولندن ومدريد و الكثير من دول العالم ؟.
إلى أين تريد الذهاب بنا يا أسامة ؟
وإلى متى ستستمر في الكذب علينا ؟
من تسميتك للقتلة بالاستشهاديين و محاولتك إقناعنا بان قتل النساء والأطفال والشيوخ والشباب في الشوارع من قبل مجرميك جهاد.
هل لنا أن نتخيل ولو للحظه واحدة بأنك لو كنت تملك قنبلة ذرية أو كيماوية ماذا كنت ستفعل بنا ؟
أتخيلك وقد دمرت كل العالم العربي و الفتاوى جاهزة : كل منا سيموت على نيته و انتم الاستشهاد يون ستفتحون أبواب الجنة بأيديكم !
فعلاً انه لزمن عجيب غريب يصبح فيه المجرم بطلاً والقاتل شهيداً.
إني لاستغرب من هذه الشعوب المسكينة ! كيف لها أن تسمح للجهلة و القتلة والمجرمين أن يقرروا عنها : كيف تؤمن ؟ وكيف تدخل الجنة ؟ وكيف تكسب رضا الله ؟ وكأن لا عقول لها تفكر و لا عيون لها تقرأ وكأنها لا تعرف أين الحق وأين الباطل وأين الطريق الذي يوصلها إلى الله وإلى الجنة .
إلى أين تريد أن تذهب بنا يا أسامة ؟
ألا يكفيك ما سفكت من الدماء ؟ الم تشبع من قتل الأبرياء و المساكين ؟.
إن البطولة ليست بنشر الموت و الدمار أنما البطولة بإسعاد البشر و البناء .
أما الذين يمشون مع هذا التيار فليس مطلوب منهم إلا شيء واحد:
أن يخرجوا من هذا التيار الجارف ويقفوا في مكان مرتفع وينظروا إلى أين يذهب هذا التيار لان من كان ، في قلب التيار لن يرى شيئاً ولن يعلم إلى أين يذهب ؟.
أما من كان يقف فوق مرتفع وينظر إلى التيار من عل فسيعلم إلى أين يذهب هذا التيار .
لقد قلت في السابق وأعود وأقول الآن .
ليس من حق احد أن يقرر عنا. كيف نريد أن نذهب إلى الجنة ؟ وما الوقت الذي نختاره للذهاب إلى هناك .
ولا يحق لأحد أن يشرح لنا كيف يجب أن تكون العلاقة بيننا وبين ربنا .
ولا يحق لأحد أن يقول لنا كيف نؤمن بالله وكيف نعبده .
لكل منا عقله ولكل منا طريقته .
لا أظن أن الله يقبل أن نذهب إليه وأيدينا مغمورة بدماء النساء والأطفال و الأبرياء و يدخلنا الجنة.
هل لديكم علم بأن الأنظمة الدكتاتورية والأحزاب الإسلامية على خلاف بكل شيء ومتفقون على القتل أحدهم بفتوىً ثوريةً والأخر بفتوى إسلامية .

Post: #26
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-21-2008, 06:24 AM
Parent: #1



الإسلاميون والمثقفون: مشروع اضطهاد


العفيف الأخضر
[email protected]
2003 / 7 / 1

نفض الإسلاميون المعاصرون الغبار عما هو معاد للثقافة والحياة في التراث لتكفير التفكير وتبديع الإبداع، حرم فقهاء القرون الوسطي الرسم، النحت، الفلسفة وحتى المنطق: "من تمنطق فقد تزندق" (السيوطي)، "المنطق يؤدي إلي الفلسفة وما يؤدي إلي الكفر كفر" (ابن الصلاح)، ويوم نكب ابن رشد أنشد فقهاء قرطبة في جوقة: اشتغلوا بالمنطق فقالوا حقيقة / إن البلاء موكل بالمنطق، إتكأ الإسلاميون علي هذا التراث الظلامي أي المعادي لنور العقل واستمدوا منه سلاحين من أسلحة الدمار الثقافي الشامل: الرقابة والقتل، يصف الكاتب الإيراني سركوهي الفصامية التي فرضتها الرقابة الإسلامية علي المثقفين علي هذا النحو: "يتساكن في كل صحفي وكاتب شخصان، أحدهما يكتب، والآخر يمحو ويحول الجمل إلي مجازات وتعابير مزدوجة المعني" (الاكسبرس 8/6/200)، أما حزب الله الإيراني الذي لا يمكن التنبؤ بالممنوع والمسموح في رقابته، فإنه كثيراً ما أحرق كتباً سمحت لها الرقابة الرسمية بالصدور، وأحرق الدور التي أصدرتها وطارد مؤلفيها.

لم يكتف الإسلاميون في اضطهادهم للمثقفين بالرقابة، بل عززوها بالتكفير والقتل. فقد ظل الخميني طوال حياته "يفخر بالفتوى التي أصدرها بقتل المفكر الإيراني أحمد كسراوي سنة 1947" (أمير طاهري)، ولما سئل الخميني عام 1979 عن سبب إصداره أمراً بإعدام المعارضين دون محاكمة أجاب: "لأنهم مذنبون ولا حاجة لإضاعة الوقت في محاكمتهم" (نفس المصدر). واصل خلفاؤه المتشددون باسم الشريعة، تطبيق شريعة الغاب علي المثقفين داخل وخارج إيران: تنص المادة 228 من " قانون الجزاء الإسلامي" على تبرئة الجاني: "إذا أثبت للمحكمة أن القتيل مهدور الدم" أي مرتد! وباسم هذا القانون الغابي رصدت مؤسسة الشهداء التابعة لمرشد الثورة جائزة بمليوني دولار إضافة إلي النفقات، لقتل الروائي سلمان رشدي. وباسم هذا القانون أهدر البوليس السياسي الإسلامي دماء 180 مثقفاً إيرانياً سجلوا على "القائمة السوداء" الشهيرة، اغتيل منهم أربعة، ولولا تدخل الرئيس محمد خاتمي لكان أعضاء القائمة اليوم تراباً في التراب!

حمام الدم الإيراني الذي دشنة الانقلاب الإسلامي في 1979 أيقظ في نفوس الإسلاميين خارج إيران الحقد علي الاخر المتأصل في نفسيتهم التي تشربت الآخر كمنتهك لـ "طهارة الأم" إذن كعدو برسم التصفية. مثلاً لا حصراً، شنق حسن الترابي في 1985 الفيلسوف المتصوف محمد محمود طه بتهمة "الردة"، وسنة 1999 أقرت محكمة الاستئناف في الخرطوم الحكم علي فنان ب 260 جلدة بالتهمة التفتيشية التي نفض الإسلاميون عنها الغبار: "الإساءة إلي الدين". في لبنان اغتال إسلاميون من جزب الله مهدي عامل وحسين مروة الذي كان علي فراش الموت! في مصر أقام إسلاميون دعوى الردة علي محمد عبد الوهاب من أجل أغنية "من غير ليه؟" وأصدروا حكماً بردة نصر حامد أبو زيد وغرس إسلاميون آخرون خنجراً في رقبة نجيب محفوظ تنفيذاً لفتوى بردته من أجل "أولاد حارتنا".بفتوى مماثلة اغتال إسلاميون فرج فوده، عندما سأل القاضي الجاني لماذا إغتاله؟ أجاب: لأنه علماني، ولما سأله مرة أخرى: ما معني علماني؟ أجاب: لا أعرف! ولما سئل القاضي محمد الغزالي، أحد أقطاب الإخوان المسلمين عن حكم الله في القتلة، أجاب بكل يقين المتعصب: "لقد نفذوا فيه حكم الردة الذي تقاعس الإمام عن تنفيذه"، عاد القاضي يسأله: وما حكمهم إذن؟ أجاب الغزالي: "رمز الإعتدال لقد افتاتوا على الإمام والافتئات (الاستبداد بالرأي) لا عقوبة له في الإسلام"، بعد سماع فتوى الغزالي بإهدار دم فرج فوده صرخ القاتل: "الآن أموت وضميري مرتاح" لأن وظيفة الفتوى هي استكمال تجفيف ضمير المتعصب الأخلاقي برفع الذنب عنه، ليغدوا جاهزاً ككلب الطريدة للانقضاض علي فريسته دون تفكير.
في الجزائر اغتال الإسلاميون أكثر من 60 مثقفاً بينهم الشاعر الطاهر جعوط والجامعي الجيلالي اليابس الذي تبنت جبهة الإنقاذ الإسلامية علي لسان رئيس بعثتها البرلمانية في الخارج أنور هدام اغتياله في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية، والجدير بالذكر أن متطرفاً تونسياً كتب معلقاُ علي اغتيال هذا المثقف الجزائري: "العلمانيون (التونسيون) المتحالفون مع النظام سيكون مصيرهم مصير اليابس"، وأخيراً لا أخراً، أصدر يوسف القرضاوي الذي يكاد ينعقد الإجماع علي اعتداله، فتوى بتكفير حيدر حيدر وتكفير روايته "وليمة لأعشاب البحر" و"تكفير كل من يقول عنها إنها إبداع" أي غالبية المثقفين والمبدعين والنقاد في مصر والعالم العربي حتى من يختلف معه في مضمونها السياسي مثلي. لا يشك لحظة في شاعريتها الخلابة. فتوى التكفير إهداراً لدم من تم تكفيرهم وتحريض لكل مؤمن على تنفيذ حكم التكفير فيهم ما استطاع إلي ذلك سبيلا!
اضطهاد الإسلاميين للمثقفين بمصادرة كتبهم، بمطاردتهم، بإصدار الفتاوى بقتلهم، بمحاكمتهم، بإعدامهم وباغتيالهم يأخذ بتكراره وانتظامه في الزمان والمكان حكم القانون. لا شك أن سؤالاً يرف على الشفاه: لماذا يكفر الإسلاميون التفكير والمفكرين ويبدعون الإبداع والمبدعين؟ كمشروع إجابة مفتوحة للنقاش أقدم خمس فرضيات متكاملة:


1- التعصب المتأصل في بنيتهم النفسية يوهمهم بأنهم يمتلكون المعرفة الإلهية التي لا مزيد بعدها لمستزيد. حقيقة المتعصب هي في الواقع وهم لذيذ يلوذ به كبديل عن حقيقة مريرة لا يستطيع مواجهتها دون أن يفكر في الانتحار، وهذا ما يجعله يعيش لا شعورياً كل معارضة لها أو حتى مجرد اعتراض عليها كعدوان شخصي عليه، كنفي للمعني الذي أعطاه بتعصبه لحياته، وهذا ما يهيؤه للعدوان والقتل كما لو كان في حالة دفاع شرعي عن النفس.


2- هم أيضاً مسكونون بروح تبشيرية تجعل رغبتهم في توجيه (LE DESIR DE DIRIGER )
البشرية و هدايتها إلي سواء السبيل هوسية. هذه الرغبة في التوجيه هي كما يقول علم نفس الأعماق، مزيج من النرجسية والسادية والميل إلي التلصص من ثقب الباب مما يجعل المصاب بها مدفوعاً دفعاً إلي فرض وجهة نظره علي الآخرين أي علي جميع الذين لا يؤمنون بها كما لو كانت إرادة إلهية فيما هي لا تمثل في الواقع إلا تعبيراً باتولوجياً عن بواعثه وصراعاته الشخصية اللاشعورية.


3- عجز النخب السائدة في الفضاء العربي والإسلامي والفاقدة لشرعية الإنجازات عن الفصل الضروري بين المواطن والمؤمن، بين الدين والسياسة، وتالياً بين الدين والبحث العلمي والإبداع الأدبي والفني حتى يتشرب الوعي الجمعي هذا الفصل الذي هو لب الحداثة.


4- التثبت في المرجعية الفقهية القروسطية التي لم تجدد بعد، أي لم تتكيف مع روح قوانين العصر التي هي حقوق الإنسان التي تقدم حرية التعبير والتفكير والاعتقاد وتساوي بين جميع المعتقدات، وتعتبر كل قانون مناقض لها فاقداً للشرعية وجديراً فقط بأرشيفات تاريخ الأفكار، لقد بات لزاماً على جميع دولنا التي وقعت علي مواثيق حقوق الإنسان التي صاغتها الأمم المتحدة أن تحترم توقيعها بإعادة تأسيس الفقه القديم علي أسس حديثة تنقذه من ماضويته. وذلك يعني إصدار قوانين تكفل لجميع الاتجاهات الأدبية والفنية والفلسفية والعلمية بالتعبير عن نفسها، وبحرية البحث والشك والتجريب وتحرير العقل والخيال من جميع العوائق، علي غرار ما هو سائد في القارات الخمس، فكل استثناء للذات من المكاسب الحديثة التي تتمتع بها جميع الذوات هو عنصرية ضد الذات.


5- الإسلاميون الذين احترفوا اضطهاد الفكر والإبداع هم في الواقع جلادون وضحايا في آن، جلادون لأنهم باسم الشريعة يطبقون شريعة الغاب علي الثقافة والمثقفين فيصادرون حرياتهم ويهدرون دمائهم. ضحايا، لأنهم لقنوا في معظمهم منذ نعومة أظفارهم تعليماً دينياً قديماً وعقيماً لم يخصب بعلوم الحداثة من سسيولوجيا الأديان، تاريخ الأديان المقارن، الألسنية وسيكولوجيا الأعماق. مثل هذا التعليم غرس أو رعي في وعيهم كراهية الحياة والأحياء وتالياً الانغلاق علي العصر أي تكفيره، وهم أيضاً ضحية إعلام لا يقل عن التعليم إياه في تخويف مستهلكيه من معانقة الحياة الحديثة كما هي: بوعدها ووعيدها.

حسبنا أن نعرف أن أحد المحامين الذي شارك في الإفتاء باغتيال فرج فوده كانت له حصة في التلفزيون المصري يطل منها بانتظام علي ملايين المشاهدين لغسل أدمغتهم تحضيراً لهم ليكونوا قتلة وقتلي، قتلة للمثقفين وقتلي من قوات الأمن

Post: #27
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-21-2008, 08:43 AM
Parent: #26

تاكيدا على فشل المشروع الحضارى
مسؤولية دينية وأخلاقية وقانونية

د. الطيب زين العابدين


قالت لى موظفة تذاكر البصات السفرية فى مطار هيثرو بلندن، وهى تتفرس فى تقاطيع وجهى: أظن أنك جاوزت الستين من العمر. قلت فى سرى وما دخلك أنت فى عمرى فأنا لم آتيك خاطباً يدك! وقلت لها جهراً: نعم ولكن لماذا تسألين؟ قالت: لأن تذكرة البص للمسنين الذين جاوزوا الستين من العمر تباع بنصف القيمة. وفر لى ذلك السؤال أكثر من خمسين ألف جنيه سودانى فى الرحلة من لندن إلى مدينة برايتون الساحلية فى جنوب شرق لندن. وعجبت أنها هى التى بدأت بالسؤال لتعطينى تذكرة مخفضة ما كنت أدرى بحقى فيها. هل يمكن أن يحدث هذا فى بلدى فيذكرنى موظف ما بأن لى حقاً نسيته أو جهلته؟
تذكرت هذه الحادثة العابرة وأنا أقرأ التحقيق المتميز الذى كتبته سمية سيد فى "الرأى العام" يوم الثلاثاء (6/2) الماضى بخصوص احتجاج المعاشيين على تأخير صرف معاشاتهم الهزيلة (بين سبعين الى مئة وخمسين ألف جنيه من العملة القديمة) فى كل من أم درمان والخرطوم والخرطوم بحرى، وأتأمل صورة الحاجة التومة بوجهها الحزين الجاد الذى وسمته أخاديد العمر وهى تتصدر كوكبة المحتجين وترفع بيدها اليسرى بطاقة المعاش ونظرتها الشاكية من الظلم تديننا جميعا، وكذلك الصور التى زينت بها "السودانى" صفحتها الأولى ليومين على التوالى، شيوخ وأرامل أنهكتهم السنون والأمراض يفترشون الأرض ويبدو على وجوههم التعب والحزن والحيرة، فى حين ظهر الغضب والاحتجاج على من هم أصغر سناً. وكل ما استطاعت أجهزة الدولة أن تفعله هو أن ترسل إليهم الشرطة لتفرقهم عنوة، وأن تقول لهم بصلف لا تأتوا مرة ثانية الا بعد أن تقرأوا فى الصحف أو تسمعوا فى الاذاعة بدء عمليات الصرف! ماذا كان شعور وزير المالية ووزيرة الرعاية الإجتماعية وهما يريان تلك الصور الحزينة الكئيبة الشاكية ظلمهما الى الله سبحانه وتعالى؟ هل ناما تلك الليلة قريرين كما يفعلان كل يوم؟
ماذا يقول رجل مثلى عاش جل عمره يدعو ويعمل لقيام نظام اسلامى يتسم بالعدل والرحمة والإستقامة عندما يقارن بين معاملة المسنين (مواطنين أو أجانب) فى بلد مادى علمانى نصرانى مثل بريطانيا وبين سلوك "الحكومة الإسلامية" التى دعونا وعملنا لها فى معاملتها للمعاشيين المسنين الذين أفنوا عمرهم فى خدمة الدولة؟ من أين لهم هذه القسوة والغلظة والظلم؟ والمقارنة الفارقة بين النظامين ليست وقفا فقط على معاملة المسنين بل تمتد الى مجالات أخرى كثيرة مثل إقامة العدل واحترام القانون وبسط الحرية للناس والصدق فى القول والأمانة فى التعامل والوفاء بالعهود والمواثيق واحترام الوقت والشعور بالمسئولية وأداء الواجب ونحو ذلك من القيم الراقية النبيلة ..لا نجدها فى بلادنا وفى معظم بلاد المسلمين ولكنها متوفرة فى الدول الغربية المادية العلمانية النصرانية، وبالطبع لا يمثل الالتزام بتلك القيم سلوكاً مطلقاً لدى كافة الحاكمين والمسئولين ولكنه السلوك الشائع الذى يحترمه المجتمع وتحرسه قوانين الدولة ومؤسساتها بالاضافة الى الرأى العام الحر ومنظمات المجتمع المدنى الفاعلة. ماذا يقول المرء فى تفسير هذه المفارقة العجيبة والتى تحيرنى كثيرا؟ كل هذه القيم التى يؤمن بها الغرب ويطبقها فى حياته العامة والخاصة هى من صميم قيم وتعاليم الاسلام قبل أن يعرفها الغرب ولكنها مهجورة فى العالم الإسلامى على مستوى الدولة والمجتمع. وأعجب لبعض الاسلاميين الذين لا يرون فى الغرب الا الانحلال الخلقى وشرب الخمر وتعاطى المخدرات، ولا يسألون أنفسهم لماذا اذن يتفوق الغرب (صاحب تلك الرذائل) سياسيا واقتصاديا وعسكريا وعلميا بل وأخلاقيا على دول العالم الإسلامى قاطبة وبفارق كبير؟
هل يمكن أن نفسر المفارقة فى السلوك بالاختلاف فى المستوى الحضارى بيننا وبينهم؟ ولكن ما بال بلاد اسلامية لها تاريخ حضارى طويل مثل مصر والعراق وايران تعانى أيضا من مظاهر السلوك البائس المتخلف؟ أم هو الاستبداد والتسلط الذى يحكم معظم بلاد العالم الاسلامى منذ عقود طويلة ويؤدى بالمجتمع المستكين الى الخنوع والذلة والنفاق؟ أم هو الفقر والعوز الذى يعم كثيرا من دول العالم الاسلامى؟ وقد تكون كل هذه الأسباب مجتمعة وأخرى غيرها تقف من وراء التخلف فى السلوك الاجتماعى والسياسى مهما كانت الشعارات الجوفاء التى ترفعها النخبة الحاكمة اسلامية كانت أم اشتراكية أم قومية. ينبغى أن يقاس المرء بسلوكه لا بدعواه "انما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، وقد يختلف الالتزام الأخلاقى بين أهل الدين الواحد "ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده اليك ومنهم من أن تأمنه بدينار لا يؤده اليك إلا ما دمت عليه قائما" أى ملازما له تطالبه وتقاضيه.
والحقيقة ان القيم السلوكية الفاضلة تتطلب قدرا من التضحية الشخصية لذا ينبغى أن يحرص عليها المجتمع ويحرسها ويدافع عنها والا ضعفت واختفت، بل قد تصبح مثار تندر وسخرية من المتحذلقين الضعفاء الذين يبررون انحرافات الحكام المسلمين بأن تلك القيم الفاضلة هى مجرد مثل عليا لا مكان لها فى دنيا الواقع، خاصة الواقع السياسى الذى يقوم على سلطة القمع والتمكين! وقد قالها من قبلهم قوم لوط «أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون"، أصبح الطهر عيبا عند المجتمع المنحرف يستحق دعاته الاخراج والإبعاد من البلد! والطهر يحتاج الى وعى اجتماعى واسع يسنده حتى لا يصبح سلوكا استثنائيا لفرد صالح يذهب بذهابه، وقد وصم القرآن قوم فرعون الذين قبلوا اعطاء الطاعة للحاكم المستبد رغم استخفافه بهم بأنهم فاسقين "فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين».
ولو قبلنا حجة التخلف الحضارى ووطأة الاستبداد على المجتمع وأثر الفقر والعوز على النفوس كأسباب تفسر المفارقة السلوكية، فلماذا الضعف البين بين سلوك حكومة جاءت لتحكم بالاسلام وبين حكومات أخرى فى نفس المجتمع لم ترفع شعار الاسلام ولم تدع الحكم به؟ هل هناك شك فى أن أركان الحكم الاسلامى هى العدالة والبيعة الطوعية والشورى والمساواة والتكافل بين الناس والحرية والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر؟ وأن من قتل نفسا واحدة كأنما قتل الناس جميعا، وأن الفقراء والضعفاء فى ذمة المجتمع وفى ذمة الحاكم، وأن القصد من العبادات هو تزكية النفس والسمو بالسلوك، وأن الحدود قصدت للردع بها أكثر من تطبيقها واقعا لذلك تدرأ بأبسط الشبهات، وأن مقاصد الشريعة كلها هى حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال، ويمكن تجاوز الأحكام القطعية حفاظا على تحقيق المقاصد بناءًعلى القاعدة الفقهية المتفق عليها أن "الضرورات تبيح المحظورات"؟ لماذا ضعفت هذه المعانى السمحة والأحكام الرحيمة فى التطبيق الاسلامى ليعلوا عليها الاهتمام بالشعائر والطقوس ولو كانت دون تزكية أو تطهر، وتطبيق الحدود دون تهيئة وعدالة، ولباس المرأة وفرزها من المجتمع، وسائر الشكليات والمظاهر؟ الغريب أننا فى الحركة الاسلامية كنا نقول بكل تلك المعانى المتقدمة ونواجه بها التيارات السلفية المحافظة قبل استلام السلطة واحتكارها والاستئثار بغنائمها. ولا غرو أن مصطلح الاسلام السياسى أصبح بعد التجارب الاسلامية البائسة غير جاذب اليوم كما كان فى زمان مضى، بل ربما أصبح صنواً لاستغفال الجماهير واستغلالها باسم الدين لتحقيق منافع ومكاسب ذاتية دنيوية.
وعودا لقضية المعاشيين التى أثارت تلك النفثة الحرّى حول التجربة الاسلامية فقد أعجبنى أن وقفت الصحافة بقوة تدافع عن تلك الفئة الضعيفة المستهانة التي أمر الله بالدفاع عنها ولو بالقتال "وما لكم لا تقاتلون فى سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا". وأحسب أن الرجال والنساء والأطفال الذين تجمعوا نهار الاثنين الماضى فى شارع العرضة ينتظرون جهاز الدولة الجاحدة الظالمة أن يمن عليهم بحقوقهم المكتسبة والمستقطعة عبر عشرات السنوات كان لسان حالهم يقول: ربنا أخرجنا من هذه البلدة الظالم أهلها ولو الى المقابر! ماذا يعنى حال ذلك الشيخ الذى افترش الأرض وظل يبكى قرب مبنى البلدية حتى تجمهر من حوله الناس فرفض الحديث الى الصحافة قائلا: شوفوا بعيونكم واكتبوا .. الموضوع لا يحتاج الى قول؟ وأولئك الذين رفعوا أيديهم الى السماء يدعون على من تسبب فى ظلمهم ويقولون: ليس هناك حاجز بين الله ودعوة المظلوم. فقد كتب كثير من الصحفيين يناصرون قضيتهم العادلة: سمية سيد فى الرأى العام، وزهير السراج وقير تور فى السودانى، وحيدر المكاشفى فى الصحافة، ومحجوب محمد صالح فى الأيام. وعجبت أن المؤسسات "الدينية" غابت تماما من الدفاع عن قضية أوضح من الشمس يؤيدها الدين والعرف والأخلاق والقانون! هناك اختلال ما فى القيم والأولويات لدى رجال الدين ومؤسساته. ليتنى عرفت مكامن الخلل!
ورب ضارة نافعة! لم لا يأخذ المجلس الوطنى المبادرة ويطلب توضيحا من وزير المالية عن مستحقات المعاشيين ولماذا تتأخر فى كل شهر؟ ولماذا لا يسأل وزيرة الرعاية الاجتماعية التى تستثمر أموال المعاشيين وصندوق التأمين الاجتماعى فى شراء الأراضى وبناء الأحياء السكنية فى حين تعجز عن دفع الرواتب الهزيلة الشهرية؟ ولماذا لا يصدر المجلس قانونا يلزم الدولة بتعديل رواتب المعاشيين ودفعها مقدما قبل كافة الرواتب؟ لماذا لا تقوم منظمات المجتمع المدنى التى تدافع عن حقوق الانسان بالدفاع عن حقوق المعاشيين؟ ان حقوقهم أولى وألزم. ولماذا لا يتولى بعض المستشارين والمحامين رفع قضية ضد الدولة لأنها تبخس المعاشيين حقوقهم فقد اقتطعت المعاشات من رواتبهم فى وقت مضى كان الجنيه السودانى يساوى فيه ثلاثة دولارات وهى الآن تعطيهم مستحقاتهم الهزيلة فى زمن يساوى الدولار الواحد ألفى جنيه؟ اللهم إنا نشهد بأن هذه الفئة من عبادك مظلومة ومستضعفة وأنت على نصرهم من الظالمين قدير!
!مشروع الحضارى

Post: #28
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-21-2008, 09:00 AM
Parent: #27


مأزق الهوية الإسلامية المتخيلة‏!‏

بقلم : السيد يسين


من أهم المشكلات التي تواجه الدولة العربية المعاصرة مشكلة الهوية الإسلامية المتخيلة‏,‏ ونقصد بهذه الهوية علي وجه التحديد نزوع بعض الجماعات الإسلامية ممن يطلق عليها جماعات الإسلام السياسي إلي ابتداع هوية إسلامية يريدون لها أن تحل محل الهوية العربية أو حتي محل الهوية الإسلامية المعتدلة‏.‏

وأصحاب هذا التوجه ينطلقون من مسلمة بسيطة وإن كان خطيرة مبناها أن الماضي وليس الحاضر أو المستقبل ينبغي أن يكون هو المرجعية التي تحسم التوجهات وتحل المشكلات الراهنة‏,‏ وبغض النظر عن الحلول العلمية التي تطبقها المجتمعات المعاصرة‏.‏

والغرض المعلن ـ كما قررنا في مقالنا الماضي ـ هو ببساطة استرداد الفردوس المفقود‏,‏ ويعنون به استعادة عصر الإسلام الأول‏,‏ بكل ما فيه من قيم وعادات وتوجهات‏,‏ ويتم ذلك من خلال لي عنق الآيات القرآنية والأحاديث النبوية‏,‏ لكي تتفق مع وجهات نظرهم المتشددة‏,‏ وهم يستخدمون في سبيل الترويج لأفكارهم المتطرفة المفارقة لروح العصر‏,‏ تكوين المنظمات العلنية والجماعات السرية‏,‏ ونشر الكتب وإذاعة الفتاوي التي تعكس وجهة نظر إسلامية متزمتة ومغلقة‏,‏ بل وممارسة الإرهاب المعنوي ضد المختلفين معهم‏,‏ والإرهاب الفعلي ضد الدولة العربية المعاصرة‏.‏

ومن أخطر الظواهر المصاحبة لهذه الموجة الدينية المتزمتة والمتشددة تواطؤ الدولة العربية المعاصرة بأجهزتها‏,‏ بما في ذلك المؤسسات الدينية التقليدية مع هذه الجماعات المتشددة التي اختلقت هذه الهوية‏,‏ وذلك لتدعيم شرعيتها السياسية المتهاوية‏,‏ أو لمجاراة الجماهير المتدينة‏,‏ لكي تثبت أنها ليست أقل إسلاما من هذه الجماعات التي أصبحت مصدر توتر اجتماعي حاد في المجتمع العربي المعاصر‏.‏

صعود وسقوط المشروع الحضاري
وقد وجدت هذه الأفكار الإسلامية المتشددة طريقها للتطبيق العملي في السودان حين نجحت الجبهة القومية الإسلامية في القيام بانقلاب عسكري‏,‏ واستولت علي السلطة كاملة في الثلاثين من يونيو عام‏1989,‏ وكان رائد هذه التجربة هو السياسي والمفكر الإسلامي السوداني حسن الترابي‏.‏

وقد أصدر الباحث السوداني المعروف الدكتور حيدر ابراهيم علي مدير مركز الدراسات السودانية كتابا بالغ الأهمية‏,‏ يوثق ويحلل نقديا هذه التجربة التاريخية التي تكشف بجلاء عن فشل هذه الهوية الإسلامية المتخيلة فشلا ذريعا في مجال السياسة والاقتصاد والثقافة والمجتمع‏.‏

والكتاب الذي نشره مركز الدراسات السودانية عام‏2004‏ بعنوان سقوط المشروع الحضاري هو الجزء الأول من دراسة شاملة لهذه التجربة السودانية‏.‏

ويقرر حيدر ابراهيم في مقدمة الكتاب ارتكزت التجربة الاسلاموية السودانية علي إيديولوجيا خيالية وغيبية أيضا‏,‏ وفي نفس الوقت لا تاريخية‏,‏ تظن ان الزمن توقف في تجربة سابقة يمكن استعادتها إلي ما لانهاية في مستقبل التاريخ البشري‏.‏

ومن الجدير بالإشارة ان جماعات الإسلام السياسي في مختلف البلاد العربية هللت وكبرت عقب الانقلاب العسكري الذي خطط له ببراعة منقطعة النظير حسن الترابي‏,‏ علي اساس أنها أول دولة إسلامية تنشأ في الوطن العربي مطبقة مبادئ الإسلام الحقة‏,‏ والتي ستكون منطلقا للغزو الفكري لكل ارجاء العالم العربي‏,‏ باعتبارها النموذج والقدوة‏,‏ وبغض النظر عن الفشل الذريع لهذه التجربة‏,‏ فإنه من المهم بمكان تفكيك خطاب هذه الهوية الإسلامية المتخيلة‏,‏ والتي مازال لها أنصار كثر في العالم العربي والإسلامي‏.‏

عناصر المشروع المتخيل
وللهوية الإسلامية المتخلية أركان متعددة سياسية ومعرفية واقتصادية وثقافية واجتماعية‏.‏

ولعل أبرز أركانها السياسية رفعها لشعار الشوري لنفي صحة الديمقراطية الغربية‏,‏ وتقوم هذه الدعوة علي اساس أن الإسلام له وجهة نظر سياسية خاصة تقوم علي الشوري‏,‏ وبالتالي فإن جماعات الإسلام السياسي وقفت معادية للديمقراطية الغربية علي اساس انها أفكار مستوردة لاتصلح للتطبيق في المجتمع الإسلامي‏.‏

وبالرغم من ان الشوري حقيقة من المبادئ الرئيسية في الإسلام‏,‏ إلا أنه عبر التاريخ الإسلامي لم يتح لها أن تطبق إلا في عصر الخلفاء الراشدين وبشكل محدود‏,‏ ويمكن القول بكل تأكيد أن الشوري بطل العمل بها منذ استيلاء معاوية بن أبوسفيان علي الحكم بالقوة‏,‏ ومن ثم لم يتح لها أن تصبح عبر الزمن مؤسسة لها قواعد وأركان وأعراف وتطبيقات‏,‏ وتحولت لتصبح مجرد شعار يرفع في مجال المقارنة العقيمة مع الديمقراطية الغربية‏.‏

ومع أن جماعات الإسلام السياسي في السنوات الآخيرة تنازلت عن معارضتها للديمقراطية وأعلنت قبولها بها‏,‏ وموافقتها علي مبدأ التعددية الحزبية‏,‏ إلا ان ذلك علي سبيل القطع مجرد تكتيك‏,‏ يسمح بقبوله في إطار العمل السياسي الشرعي‏,‏ وذلك لان هذه الجماعات قد سكتت عامدة متعمدة عن شرح ما تقصده بهدفها الرئيسي وهو أسلمة المجتمع أو تطبيق الشريعة الإسلامية في مختلف الميادين‏.‏

ونريد بإيجاز أن نكشف عن المسكوت عنه في هذا المشروع الإسلامي السياسي‏,‏ الذي اختلق هوية إسلامية هدفها تحكم الماضي في الحاضر والمستقبل‏.‏

وإذا كانت الشورى هي المكون السياسي الأساسي للمشروع فإن أسلمة المعرفة هي المكون المعرفي‏.‏

وأسلمه المعرفة مشروع واسع المدى أسسه الناشط الإسلامي طه جابر علواني مدير مركز البحوث الإسلامية في واشنطن‏,‏ وخطط له علي أساس فكرة خيالية ساذجة مبناها تلخيص المعرفة الغربية في مجال العلوم الاجتماعية والإنسانية‏,‏ ثم إعطاؤها لعدد من العلماء الاجتماعيين المسلمين لأسلمتها‏!‏

وقد تابعت بدقة صعود هذا المشروع وسقوطه‏,‏ من خلال مشاركتي في ندوات متعددة عقدت لمناقشة نتائجه‏,‏ والتي أثبتت أنها دعوة لا علمية من وجهة النظر المعرفية‏,‏ وليس لها من نتيجة سوي عزل الباحثين في العلوم الاجتماعية في العالم العربي والإسلامي عن سياق الفكر العالمي‏,‏ والتخندق في كهوف معرفية إسلامية مزعومة‏.‏

أما في مجال الاقتصاد فلدينا مزاعم وجود اقتصادي إسلامي متميز بمناهجه ونظرياته وتطبيقاته عن الاقتصاد العالمي‏,‏ وقد نشأ هذا الاقتصاد في الهند في الاربعينيات كمحاولة لإيجاد هوية إسلامية متخيلة في سنوات الاستعمار الانجليزي الأخيرة‏,‏ ودارت السنوات من بعد لتصعد حركة البنوك الإسلامية وتنتشر في عديد من البلاد العربية والإسلامية‏,‏ وتؤثر فعلا في السلوك الاقتصادي لملايين المسلمين‏,‏ غير أن هذه التجربة ـ وفق شهادات موضوعية متعددة ـ فشلت فشلا ذريعا‏,‏ لأنها ـ مثلها في ذلك مثل مشروع أسلمة المعرفةـ أقيمت علي أسس واهية‏,‏ لان هذه البنوك ـ علي عكس ما يدعي أصحابها ـ متكاملة عضويا مع البنوك الأخرى التي يطلق عليها ربوية‏,‏ وذلك لسبب بسيط مؤداه أنه لا يمكن اختلاق اقتصاد منفصل عن الاقتصاد العالمي‏,‏ استنادا إلي حجج دينية واهية عن تحريم الفائدة باعتبارها ربا‏,‏ وإذا ألقينا بالبصر إلي مجال الثقافة‏,‏ فإن هذا المشروع الإسلامي المتطرف يمارس التحريم في المجال الفكري والثقافي‏,‏ ويلعب ـ كما أثبتت التجربة في مصر وغيرها من البلاد العربية والإسلامية ـ دور محاكم التفتيش في العصور الوسطي الأوروبية‏,‏ فيقوم بدور الرقيب علي الأعمال الفكرية والأدبية والفنية‏,‏ ويمارس فيه التحريم بكل تزمت‏,‏ ويدعو لمصادرة الكتب والأعمال الفنية‏,‏ ويتهم أصحابها بالكفر والردة عن الإسلام‏.‏

ووصلت الفوضى مداها باستخدام دعوي الحسبة بطريقة فوضوية‏,‏ بحيث كان أي عابر سبيل يستطيع أن يرفع هذه الدعوي علي أي مفكر أو باحث أو مبدع‏,‏ والتفتت الدولة المصرية مؤخرا لهذا الخطر المحدق بحرية التعبير‏,‏ فألغت دعوي الحسبة‏,‏ وتركت هذه المسائل في يد النيابة العمومية‏.‏

وفي مجال القيم فان أصحاب هذا المشروع الإسلامي المتشدد من غلاة الرجعيين‏,‏ وهم يحكمون الماضي وقيمه وحلوله في مشكلات الحاضر‏,‏ ولذلك هم يرفضون قيم الحداثة بما تنطوي عليه من احترام حقوق الفرد‏,‏ وتحكيم العقلانية باعتبار أن العقل هو محك الحكم علي الأشياء‏,‏ ويميلون إلي اعتقال المرأة في البيت‏,‏ وحرمانها من حق العمل‏,‏ وينزعون إلي تحريم الاختلاط بين الجنسين في المدارس والجامعات‏,‏ راجع الموقف في الكويت حيث أصدر مجلس الأمة الكويتي بتأثير التيار الإسلامي المتشدد قرارا بمنع الاختلاط في الجامعة‏,‏ ولم تستطع الحكومة لأسباب متعددة تنفيذ هذا القرار‏.‏

وفي هذا السياق اشتدت الدعوة إلي الحجاب باعتباره كما يزعمون فريضة إسلامية وليس هذا صحيحا‏,‏ بل بدأوا بالدفاع عن النقاب‏..‏ باختصار التزمت في الملبس والانغلاق في الفكر‏,‏ والعداء في مجال التفاعل الحضاري مع الآخر‏,‏ هي السمات الأساسية لهؤلاء الذين يروجون للهوية الإسلامية المتخيلة‏.‏

ومما لاشك فيه أن الدولة العربية المعاصرة نظرا لممارساتها الانتهازية السياسية في تعاملها مع جماعات الإسلام السياسي‏,‏ والتي تتمثل أساسا في الاعتماد علي الدين أحيانا للدفاع عن شرعيتها السياسية المتهاوية‏,‏ وفي المغالاة وخصوصا في مجال الإعلام‏,‏ في إذاعة البرامج الدينية التي يسيطر عليها فقهاء التشدد والتزمت‏,‏ لإثبات أنها ليست أقل إسلاما من هؤلاء‏!‏

وها هم اليوم يضغطون علي الدولة العربية المعاصرة للدخول في حلبة النشاط السياسي المشروع‏,‏ حتى ينفذوا للجماهير استعدادا لإعلان دولتهم الإسلامية‏,‏ علي الطريقة الترابية السودانية‏,‏ وفي نفس الوقت تضغط قوي خارجية متعددة لإدخالهم في السياسة المشروعة‏,‏ لتغيير طبيعة النظم السلطوية‏!‏

من هنا يظهر المأزق المزدوج ونعني‏,‏ مأزق المجتمع العربي الذي تهدده هذه الجماعات المتطرفة‏,‏ ومأزق الدولة العربية المعاصرة التي تآكلت شرعيتها السياسية‏,‏ لأنها لم تشأ أن تخضع لمبادئ الحداثة السياسية وأولها الليبرالية وليس آخرها تداول السلطة‏!‏

سقوط المشروع الحضاري في السودان -الحلقة الاولى
لماذا لم يتكرر النموذج الإيطالي في الخرطوم؟


تأليف :د. حيدر ابراهيم

كان انقلاب الجبهة الإسلامية القومية في صبيحة الجمعة 30 يونيو 1989 اختباراً حقيقياً لصدقية ديمقراطية الحركات (الإسلاموية) ولإيمانها بالتداول السلمي للسلطة عن طريق الانتخابات والاختيار الحر. كما ان قادتها جعلوا من السودان مختبراً أو معملاً لاجراء تجربة حكم إسلامي أو مشروع حضاري إسلامي من دون ان يملكوا رؤية فكرية واضحة ولا كوادر مؤهلة لتطبيق تغييرات إسلامية معاصرة في بلد شديد التعقيد بسبب تنوعه الثقافي ومساحته وموقعه الاستراتيجي.

ومن البداية وجد (الإسلامويون) أنفسهم مواجهين بتعليل وتسبيب قيام الانقلاب، وبالذات في الحالة السودانية. كان عليهم تقديم منطق قوي لعقلنة الانقلاب على نظام سياسي كانوا جزءاً أصيلاً منه. فقد حصلوا على اثنين وخمسين نائباً في برلمان (1986ـ 1989) من مجموع 301 نائب. وشاركوا في أكثر من تشكيل حكومي ائتلافي وتقلدوا مناصب وزارية سيادية.

فالترابي، على الرغم من عدم فوزه بمقعد برلماني، الا انه كان وزيراً للخارجية وللعدل، ثم تولوا رئاسة الجمعية التأسيسية في واحدة من الترضيات الكثيرة، وصاروا حكاماً للأقاليم ومحافظين. وكانت لديهم هيمنة على غالبية الصحف بسبب قدرتهم المالية، اذ كانت هناك أكثر من خمس صحف يومية تعبر عن الجبهة الإسلامية بالاضافة لاختراقات عدد من الصحف الأخرى ومن الصحفيين.

قصدت القول، ان (الإسلامويين) السودانيين كانوا أكثر نظرائهم استفادة واستمتاعاً بثمار الديمقراطية، مهما كانت سلبيات هذه الديمقراطية في مجتمع نامٍ مثل السودان. فهم لم يتعرضوا للقمع والتهميش كما حدث لنظرائهم في بلاد عربية أخرى، بالذات تلك التي حكمها عسكر.

ففي السودان، حتى النظم الديكتاتورية لم تخص (الإسلامويين) باجراءات قمعية محددة غير تلك التي تفرضها طبيعة هذه النظم الشمولية للاحتفاظ بالسلطة المطلقة. لذلك كشف انقلابهم عن موقفهم الانتهازي من الديمقراطية باعتبارها مجرد وسيلة تمكنهم من العمل والانتشار وممارسة الضغوط على الآخرين.

جأ (الإسلامويون) الى ذكر أسباب ظرفية أي نتيجة أسباب مباشرة استوجبت القيام بالانقلاب بالاضافة للسبب الاستراتيجي وهو تحقيق البرنامج والأيديولوجيا التي تؤمن بها الحركة (الإسلاموية) وتسعى الى تطبيقها عند استلام السلطة. وكان التبرير الأخير يقوم على فرضيتين تحاول الأولى اثبات فشل وعجز النظام الديمقراطي وعدم صلاحيته لظروف السودان. والثانية والتي لم يفصح عنها في البداية: تطبيق الشريعة الإسلامية وقيام نظام إسلامي أو مشروع حضاري إسلامي.

مبرر فشل الديمقراطية

اقتبس الباحثون في السياسة جملة الجنرال ابراهيم عبود في بيان الانقلاب السوداني الأول (17 نوفمبر 1958) باعتبارها تدل على فلسفة العسكريين في الانقلاب وعلى وجهة نظر واسعة الانتشار. اذ بعد ان قدم صورة قاتمة للأوضاع القائمة آنذاك، يقول: «ونتيجة لذلك ومن المسلك الطبيعي ان ينهض جيش البلاد ورجال الأمن لايقاف هذه الفوضى».

فقد تحدد الانقلاب وصفه المسار الطبيعي للتطور السياسي. وهذه هي طريقة حل الأزمات أي بالقضاء على الديمقراطية نفسها، مما يعني امكانية التضحية بالديمقراطية عوضاً عن تطويرها والصبر عليها.

فالديمقراطية عند الانقلابيين جميعاً وعلى رأسهم (الإسلامويون) السودانيون (الجبهة الإسلامية القومية) ليست مبدأ ولا قيمة فكرية وأخلاقية بل هي واحدة من أدوات الوصول الى السلطة السياسية. وهذا الفهم الأداتي للديمقراطية سبب الاستخفاف بالممارسة الديمقراطية، فقد كان الإسلامويون وراء حل الحزب الشيوعي رغم عدم دستوريته، كما ان أهم مكونات الديمقراطية هي قبول الآخر المختلف.

وحاولت الحركة الإسلاموية افشال التجربة الديمقراطية من خلال مؤسساتها نفسها بالذات البرلمان والصحافة. ففي البرلمان اشتهر عضو الجبهة الإسلامية محمد الحسن الأمين «بنقطة النظام» كطريقة لتعطيل العمل. بالاضافة للغياب عن الجلسات والتهديد بمقاطعة الحضور. وكان الهدف ان يعجز البرلمان عن القيام بمهامه الدستورية. أما الصحافة فقد هبطت الجبهة الإسلامية القومية بأخلاقيات العمل الصحفي وبلغة الحوار والخلاف الى درك سحيق وهنا أيضاً الغاية تبرر الوسيلة. وكانت صحافة الجبهة بعيدة عن قيم وخصال السودانيين.

ولم تعد الصحافة سلطة رابعة كما هو متوقع. ورغم ذلك جاء البيان الأول، ليقول: «أيها الشعب السوداني الكريم ان قواتكم المسلحة المنتشرة في طول البلاد وعرضها ظلت تقدم النفس والنفيس حماية للتراب السوداني وصوناً للعرض والكرامة وتترقب بكل أسى وحرقة التدهور المريع الذي تعيشه البلاد في شتى أوجه الحياة وقد كان من أبرز صوره فشل الأحزاب السياسية بقيادة الأمة لتحقيق أدنى تطلعاتها في الأرض والعيش الكريم والاستقرار السياسي حيث مرت على البلاد عدة حكومات خلال فترة وجيزة .

وما يكاد وزراء الحكومة يؤدون القسم حتى تهتز وتسقط من شدة ضعفها وهكذا تعرضت البلاد لمسلسل من الهزات السياسية زلزل الاستقرار وضيع هيبة الحكم والقانون والنظام. أيها المواطنون الكرام، لقد عايشنا في الفترة السابقة ديمقراطية مزيفة ومؤسسات دستورية فاشلة وارادة المواطنين قد تم تزييفها بشعارات براقة مضللة وبشراء الذمم والتهريج السياسي ومؤسسات الحكم الرسمية لم تكن الا مسرحاً لإخراج قرارات السادة.

ومشهداً للصراعات والفوضى الحزبية وحتى مجلس رأس الدولة لم يكن الا مسخاً مشوهاً، أما رئيس الوزراء فقد أضاع وقت البلاد وبدد طاقاتها في كثرة الكلام والتردد في السياسات والتقلب في المواقف حتى فقد مصداقيته..

أيها المواطنون الشرفاء: «ان الشعب مسنود بانحياز قواته المسلحة قد أسس ديمقراطية بنضال ثورته في سبيل الوحدة والحرية ولكن العبث السياسي قد أفشل التجربة الديمقراطية وأضاع الوحدة الوطنية باثارة النعرات العنصرية والقبلية حتى حمل أبناء الوطن الواحد السلاح ضد اخوانهم في دارفور وجنوب كردفان علاوة على ما يجري في الجنوب من مأساة وطنية وانسانية».

الحق على الطليان

يلاحظ أي شخص يقوم بتحليل مضمون هذا البيان المغالطات الكثيرة التي يحتويها، كما ان البيان بتضليله يكشف مبكراً كيف سيكون حكم الانقاذ. هناك خلط متعمد بين فشل بعض الأحزاب وفشل الديمقراطية نفسها، ويحاولون اثبات فشل الأحزاب بتعاقب الحكومات. هذا دليل ضعيف والا كيف نفسر ما يدور في ايطاليا وعدد الحكومات التي تتعاقب خلال عام واحد فقط أو منذ الحرب العالمية الثانية؟

كل عدم الاستقرار الايطالي لم يبرر الانقلاب وفي الوقت نفسه لم يؤثر على الاقتصاد ليسبب التدهور. يتحدث البيان عن ديمقراطية مزيفة وهذا يعني أنهم يريدون أخرى غير مزيفة ولكن مطلب عدم التزييف لا يأتي بالدبابات وقوانين الطوارئ وأجهزة الأمن. ولا يحترم البيان الشعب السوداني ـ حسب الفقرة الثانية ـ الذي، مسنود بانحياز قواته المسلحة «قد أسس ديمقراطية بنضال ثورته في سبيل الوحدة والحرية» فهل من المنطق القضاء على ديمقراطيته بدعوى العبث السياسي؟

ويربط البيان بين الديمقراطية والوحدة الوطنية، ويحمل السياسيين اثارة النعرات العنصرية والقبلية حتى حمل أبناء الوطن الواحد السلاح ضد اخوانهم. ومن يتابع ما حدث الآن في دارفور وجنوب كردفان، يتأكد له ضرورة الديمقراطية. فالانقلابيون رغم العنف الزائد لاخضاع تلك المناطق لم يستطيعوا حل المشكلات بل أوصلوها حد الكارثة.

يبدو ان كل الأسباب التي حاول (الإسلاميون) ايرادها لاثبات فشل الديمقراطية وتبرير انقلابهم، صارت ضدهم لهم. فكأن البيان الأول يصف مآل الانقاذ الحالي. وفي فقرة أخرى يقول البيان: «أيها المواطنون الشرفاء، قد امتدت يد الحزبية والفساد السياسي الى الشرفاء فشردتهم تحت مظلة الصالح العام مما أدى الى انهيار الخدمات المدنية وقد أصبح الولاء الحزبي والمحسوبية والفساد سبباً في تقدم الفاشلين في قيادة الخدمة المدنية وأفسدوا العمل الاداري وضاعت على أيديهم هيبة الحكم وسلطات الدولة ومصالح القطاع العام».

يعلم الجميع الآن سجل الانقاذ في التشريد والفصل التعسفي والذي لم يتوقف، فقد جاءت الخصخصة لتكمل الفصل للصالح العام لأسباب سياسية. كما ان الانقاذ تسببت في خروج جماعي من السودان وافراغ البلاد من العناصر الحية سياسياً واقتصادياً. ويقدم السر سيد أحمد صورة قلمية ومعلومات احصائية جيدة، يكتب «يروي سليمان خضر وهو شيوعي اعتقل عدة مرات في بدايات عهد الانقاذ .

وكسرت يده وهو تحت التعذيب في بيوت الأشباح، انه عندما طلب أذناً بالسفر الى الخارج للعلاج كانت هناك مماطلة في الاستجابة لطلبه. ونتيجة لالحاحه وضغوط بعض المنظمات الدولية بخصوص حالته، استدعاه أحد ضباط الأمن ليعرض عليه ان يتم تسهيل خروجه شريطة عدم عودته الى السودان مرة أخرى وأن له مطلق الحرية في الانضمام الى المعارضة الخارجية ان كان يرغب في ذلك.

ويعتقد بعض المراقبين ان نسبة لا تقل عن 80 في المئة من الناشطين السياسيين والنقابيين الذين تحفظت عليهم الانقاذ عامي 8919 ـ 1990 هاجروا الى الخارج، مشكلين الجسم الكبير للتجمع الوطني الديمقراطي بسبب المضايقات التي تعرضوا لها وعمليات الاحالة الى الصالح العام، التي جعلت كسب العيش من الصعوبة بمكان في مجتمع تسيطر الدولة على النشاط الاقتصادي فيه.

وتشير أرقام رسمية الى ان اجمالي عدد الذين أحيلوا الى المعاش منذ عام 1904 وحتى العام 1989 بلغ 32419 موظفاً، بينما شهدت الفترة بين (30 يونيو 1989 و 29 سبتمبر 1999) احالة 73640 موظفاً، أي ان الذين أحيلوا الى المعاش في عهد الانقاذ يتجاوز ضعفي الذين أحيلوا الى التقاعد خلال كل العهود الاستعمارية والوطنية من مدنية حزبية وعسكرية سابقة» (صحيفة الشرق الأوسط 20 مايو 2001).

حاول البيان تقديم مبررات للانقلاب مركزين على فشل الديمقراطية. ولكن الوجه الآخر للمسألة، هو فكرة التمكين لدى (الإسلامويين) لأن الديمقراطية بسبب الحريات والمعارضة لا تعطيهم السلطة المطلقة اللازمة لتطبيق المشروع الحضاري.

وهنا يلاحظ ان تفاصيل المشروع الإسلامي على أرض الواقع تصطدم بموضوعات الحريات وحقوق الانسان. لذلك لابد من وجود سلطة سياسية قوية وموحدة ولها الغلبة على الآخرين.

وقد قالها معاوية بن أبي سفيان وسار عليها الكثيرون من بعده بما في ذلك الجبهة الإسلامية بعد استيلائها على السلطة: «أما بعد فإني والله ما وليتها بمحبة علمتها منكم، ولا مسرة بولايتي، ولكني جالدتكم بسيفي هذا مجالدة». وقد قالها رجال الانقاذ كثيراً بألفاظ مختلفة ومعنى واحد.

استمر رجال الانقاذ في تبرير وتسبيب قيامهم بالانقلاب. ثم صاروا يذكرون أسباباً مباشرة. وبعد حين أرجع رجال الانقاذ قيامهم بالانقلاب الى ابعادهم عن السلطة بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في منتصف مارس 1989 قبل أشهر قليلة من الانقلاب. وكانت القوات المسلحة قد رفعت مذكرة القيادة في العشرين من فبراير 1989 والتي اعتبرها البعض انهياراً دستورياً وبداية نهاية للحكم المدني. ثم شرعت الجبهة الإسلامية القومية في اضعاف النظام المنتخب حتى يصل درجة تجعل أي تحرك عسكري مقبولاً.

فانطلقت المظاهرات من بداية ابريل تحت دعاوى مختلفة مثل تأييد قوانين سبتمبر 1983م حين بدأت مناقشات تجميد القانون الجنائي، أو استغلال سقوط بعض الحاميات العسكرية في الجنوب مثل اكوبو. واضطر وزير الداخلية مع تصاعد المظاهرات، الى اذاعة بيان في 17 ابريل 1989 يناشد فيه التجمعات السياسية التوقف عن تسيير المواكب والمظاهرات.

ولكن نائب الأمين العام للجبهة على عثمان محمد طه، صرح في اليوم نفسه لصحيفة حزبه «الراية» قائلاً: «ان المظاهرات سوف لن تتوقف الى ان يتم تطبيق الشريعة الإسلامية (عبد الرحمن الأمين ـ ص 189) ثم سادت الفوضى والضعف وقد ساهمت الجبهة في ذلك واستغلت هذه الأوضاع للقضاء على النظام المنتخب.

وكانت الجبهة في حل من الالتزام بحماية الديمقراطية. فقد رفضت التوقيع على اعلان الدفاع عن الديمقراطية. ولم يؤد زعيمها قسم الولاء للدستور لأن الترابي لم يكن نائباً في الجمعية التأسيسية. كما أنها لم تشارك في الحكومة الأخيرة التي أطاح بها الانقلاب، لذلك ليس للجبهة وزراء التزموا بحماية حكومتهم. هذه مواقف فقهية وليست سياسية ولكن الجبهة وظفتها حسب فهمها للدين والسياسة.

وقائع لقاء سري

سعت الجبهة الإسلامية الى الوصول الى السلطة السياسية وهذا وضع عادي لأي حزب ولكن من المهم تحديد وسائل الوصول هل هي صندوق الانتخابات أم على ظهر الدبابات؟

كان الخيار العسكري مطروحاً منذ استيلاء النميري على السلطة في 25 مايو 1969م وتحالف الأخوان المسلمين والامام الهادي المهدي الذي دخل في مواجهة عسكرية مبكرة في مارس 1970م مع النظام، وفقد الأخوان المسلمون أحد قادتهم د. محمد صالح عمر واعتقل الشيخ محمد الصادق الكاروري وفر مهدي ابراهيم الى اثيوبيا. ثم كانت معسكرات التدريب لاعداد جيش شعبي يهدف الى الاطاحة بنظام النميري عن طريق القوة.

أوردت صحيفة «الشرق الأوسط» ما أسمته وقائع لقاء سري تم بين الفريق عمر حسن أحمد البشير ومحمد ابراهيم نقد السكرتير العام للحزب الشيوعي، في منزل المحامي عبد الباسط سبدرات وزير التربية والتعليم حينذاك وسأل نقد البشير عن بداية التفكير في تكوين تنظيم إسلامي داخل القوات المسلحة فأجابه البشير بأن ذلك كان عام 1971م بعد ان نفذ الشيوعيون انقلابهم بقيادة الرائد هاشم العطا الذي أعدمه النميري. وقال البشير انه شعر بالخطورة على الإسلام من ذلك الانقلاب.

وعلى المستوى الشخصي أحس بالقلق على أفراد أسرته ممن ينتمون الى الحركة الإسلامية، وأضاف البشير: «كنت حينما حدث انقلاب الشيوعيين في الفاشر ومعي زميلي فيصل علي أبو صالح (وزير الداخلية سابقاً) وكنا إسلاميين ومتدينين. وفكرنا كثيراً وسألنا أنفسنا: هاهم الشيوعيون ينظمون أنفسهم داخل الجيش ويغيرون النظام لمصلحتهم.

فلماذا لا نعمل نحن من أجل الإسلام؟ ومنذ ذلك التاريخ بدأنا نعمل لتجميع من نثق فيهم من الضباط وكنا نختار المتدينين الذين يؤدون الصلاة ولا يشربون الخمر وهكذا.. وكان لنا صوتنا داخل القوات المسلحة ودورنا في الاطاحة بجعفر نميري حتى كتب الله نجاح الحركة والعمل لانقاذ السودان» (الشرق الأوسط ـ 26 يوليو 1991).

يحلل الشيخ حسن الترابي العلاقة مع الجيش بطريقة مختلفة، ففي سؤال: الى أي مدى نجحت الحركة الإسلامية في السودان في تجاوز القسمة بين ما هو مدني وعسكري؟ يجيب بأن «من فضل الله وتوفيقه للحركة الإسلامية انه هيأ لها شيئاً من البصيرة حتى تحاول ان تستدرك كثيراً من عيوب الطبقة التي نشأت فيها، وهي الصفوة المتعلمة التي لم يكن أخطر ما فيها هو القطيعة بين ما هو مدني وما هو عسكري، ولكن القطيعة بين الصفوة والجمهرة العامة».

ويضيف بأن الحركة حاولت ان تعالج بعض أمراض الشرائح الداخلية ومن بينها الغيرة بين ما هو مدني وما هو عسكري. ومن جهة يقول بأنهم قسموا الصفوة عموماً ازاء قضية الإسلام واستنصروا بالجماهير ـ حسب قوله ـ مما سهل هزيمة «الطبقة الليبرالية العلمانية»، ثم أصبحت ان تتجاوز الحركة المكر والاستعمار في الجانب الآخر: العسكري والمدني.

يضيف الترابي: «.. فالحركة الإسلامية لم تقصر علاقتها على عناصر محددة تجند سرياً وتنظم ولا يمكن ان تفلت أبداً من المراقبة الوثيقة ولكنها آثرت ان تخاطب القوات المسلحة خطاباً عاماً مفتاحاً، وبهذا الانفتاح دخلت قطاعات كبيرة من القوات المسلحة في الجامعات وتأهلت للدراسات الإسلامية الشرعية. وبعد انتفاضة الحركة الإسلامية (هكذا!!) أصبحت الحركة تدافع عن القوات المسلحة وعن تعزيزها وعدم تخذيلها بتمجيد المتمردين وانحازت الحركة الإسلامية انحيازاً واضحاً للقوات المسلحة».

ويورد الترابي سبباً آخر لوجودهم داخل الجيش «.. ان القوات المسلحة كلها تستمد من المدارس، والمدارس غلبت عليها الوطنية في الخمسينيات، ولذلك كان الضباط الذين تولوا السلطة في آخر الخمسينيات من هذا القرن وطنيين، وغلبت عليها اليسارية في الستينيات وغلب الإسلام في السبعينيات من هذا القرن. ولذلك كان الضباط الذين تولوا السلطة إسلاميين بالضرورة، لأن المناخ العام كله كان إسلاميا». (مجلة قراءات سياسية، السنة الثانية، العدد الثالث، صيف 1412هـ ـ 1992م ص 17ـ 18).

تاريخ من خيال

يقدم حسن مكي، مؤرخ ومنظر الحركة، على الرغم من الصفات التي تضفي عليه، تاريخاً خيالياً لدور الجبهة الإسلامية في السودان وبعد شطحات بعيدة عن الأكاديمية والموضوعية، يصل مكي الى مسببات اللجوء الى العمل الانقلابي ابتداء من انتفاضة ابريل 1985م، يقول: «في هذا السياق، عقدت الحركة الإسلامية اجتماعاً وقررت بنتيجته تحريك الجيش ضد النميري، معتبرة ان الظروف مؤاتية للاجهاز على السلطة» ويضيف: «والحركة الإسلامية التي كانت جاهزة عام 1985م للانقضاض على النميري كانت أكثر جمهورية عام 1989.

لكنها كانت لديها مشكلة تتمثل في طريقة اخراج مشروع السلطة طرحت الحركة استلام السلطة على ان يكون الإخراج اخراجاً وطنياً، ويتماشى مع طبيعة القوى الاقليمية الموجودة. ورأت انه لابد ان يكون في الحرب خدعة، بحيث يقوم الانقلاب على الطرح القومي والاعلان انه يأتي للقضاء على الحركة الإسلامية .

ولعقد مصالحة مع جون قرنق وتم اشراك عناصر الاستخبارات المعروفة باتصالاتها بالأميركيين والمصريين في الانقلاب». (مجلة شئون الأوسط، العدد 38، فبراير 1995، مركز الدراسات الاستراتيجية والبحوث والتوثيق، بيروت، ص 15ـ 16).

يمارس (الإسلامويون) «خدعتهم» باستمرار حتى ان اتضحت بنية وسياسات السلطة، وعند كل أزمة أو محاولة للانفتاح يعود الانقاذيون الإسلامويون الى نفي الأيام الأولى. وبعد سبع سنوات سئل البشير عن أسباب نفي الانقلابيين لأي علاقة مع الجبهة الإسلامية في بداية الأمر، وأجاب عكس المعلومات التي سبق ذكرها: «أؤكد لك انه لم تكن هناك في بداية الأمر أي علاقة لثورتنا الانقاذية بالجبهة القومية الإسلامية أو قادتها أو عناصرها. ويعلم الجميع اننا قمنا آنذاك باعتقال كل القيادات السياسية بما فيها الدكتور حسن الترابي.

ولكن التنظيم الذي كان يجمع بيننا كضباط عسكريين داخل الجيش السوداني كان إسلامياً، يهدف الى تطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد، ومن هنا كان التقاؤنا بالجبهة الإسلامية، وهو التقاء في المبادئ والبرامج وليس التقاء تنظيمياً» (مجلة الوسط العدد 224 بتاريخ 13 مايو 1996).

كشف الشيخ حسن الترابي في مؤتمر صحفي عقده يوم 18 ديسمبر 1999 مع تفاقم الخلاف مع الرئيس السوداني، انه رأى البشير لأول مرة في حياته في الليلة التي سبقت انقلاب الثلاثين من يونيو 1989 وأضاف: «ليلتها اتفقنا على ان يذهب هو الى قصر الرئاسة وأنا الى السجن العمومي». (الحياة ـ 19 ديسمبر 1999).

وبرر الظروف التي أدت بهم كحركة إسلامية الى تنظيم انقلاب عسكري: «أغلقت في وجوهنا جميع الأبواب لممارسة العمل السياسي اذ تعرضنا للاعتقال في عهد الرئيس السابق جعفر النميري كما تعرضنا للابعاد عن الحكومة الموسعة التي كان يرأسها الصادق المهدي الذي اعترف فيما بعد بالضغوط التي مارسها عليه القادة العسكريون لابعادنا. كذلك اعترف لنا نميري بالضغوط الدولية عليه لاعتقالنا» (الحياة ـ 19 ديسمبر 1999).

كشف الصراع بين الترابي والبشير حقيقة التآمر العسكري على الديمقراطية. وفي تصريح للبشير عقب خلافه مع الترابي، قال: بأنه ملتزم بعضوية الحركة الإسلامية منذ ان كان طالباً في المرحلة الثانوية. وأضاف: «اننا نفذنا قرار الحركة الإسلامية باستلام السلطة ولا نزال على العهد». وأعلن انه لن يسمح بحل المؤتمر الوطني مثلما حلت الحركة الإسلامية «اننا لا نخجل من الزي العسكري».

وأكد ان الجيش السوداني سيظل حامياً للشريعة الإسلامية (الراية القطرية 15 ديسمبر 1999) وبعد أيام قليلة كان الترابي يقود حملة دعائية ضد البشير في الصحف، ومن بين ما قاله ان البشير اضطلع بدور ثانوي في تنفيذ الانقلاب واتهم جناح البشير «بسرقة الثورة من صانعيها ومنفذيها». وكشف عن أسماء أفراد الميليشيات التابعة له والتي نفذت عمليات الاعتقال لكبار السياسيين ورجال الدولة آنذاك واعتقاله هو شخصياً ومساعده ابراهيم السنوسي ( «البيان» ـ يوليو 2000).

في حوار مع د. علي الحاج أجراه الأستاذ عبد الوهاب همت ومتداول في الصحيفة الالكترونية في الانترنت نجد هذه المعلومات الخطيرة، رغم ان الحاج قال بأن الوقت لم يحن بعد لكشف الكثير حول ما يتردد أخيراً عن المحاولة الانقلابية المنسوبة الى حزبكم المؤتمر الشعبي والخلافات بينكم والمؤتمر الوطني (الحزب الحاكم) هل نحن أمام مسرحية جديدة من الإسلاميين كما حدث في انقلاب 30 يونيو 1989 حينما ذهب البشير الى القصر وذهب د. الترابي الى السجن حبيساً وما هي أسباب هذه الخلافات؟

الخلافات الداخلية أمر عادي ولكن نهجنا ان أي خلافات تحسم داخلياً بالشورى والتشاور وفي الأخير نصل لرأي جماعي وهذا هو ما يخرج للاعلام.. أما عن انقلاب 30 يونيو 89 فقد كان قراراً اتخذته هيئة الشورى في الجبهة الإسلامية القومية ولم يكن قراراً فردياً وهيئة الشورى تتكون من 60 عضواً وأن النصاب كان مكتملاً عندما تم اقرار الانقلاب وكان هناك حوالي 3 أو 4 أشخاص غير موافقين على القرار.

ولكن ما حدث أو ما يتعلق بذهاب الترابي للسجن أسيراً والبشير للقصر رئيساً فقد كانت هناك مجموعة ثالثة عليها ان تسافر خارج السودان وأنا كنت على رأس وفد من الأحزاب الأخرى ذهبنا الى أميركا وبريطانيا وكل ذلك كان جزءاً من التكتيك (وهذا الكلام أصرح به للمرة الأولى) أما تخطيط الانقلاب فقد أوكل أمره للأمين العام .

وقد طلب منه مجلس الشورى ان يختار الأشخاص المناسبين لأن الأمر يحتاج لدرجة عالية من السرية وقد اختار الأمين العام الدكتور حسن الترابي 6 أشخاص وقد كنت أنا ضمن هؤلاء السبعة أشخاص وقد خططنا للانقاذ قبل فترة وكل ذلك مدون وموجود.. أما عمر البشير فلم يكن عضواً في هيئة الشورى لذلك فهو لم يكن يعلم بأي شيء عن أمر الانقلاب لأن العسكريين الإسلاميين غير موجودين كفصيل ممثل داخل هيئة الشورى ونحن لا نعرفهم الا بالأسماء الحركية وقد كان الأمين العام يقوم بالتنوير كل ثلاثة أشهر على مسار الأمر.

طريقة تفكير

الرئيس عمر البشير ذكر في لقاء تلفزيوني أجراه معه أحمد البلال الطيب عن الكيفية التي قام بها في تمويه الضباط وتحركه من ميوم الى الأبيض ومن الأبيض الى الخرطوم وذكر مجموعة من الوقائع كيف تقول ان دوره كان ثانوياً؟

كما ذكرت لك نحن لا نعرف عمر البشير بالاسم لأننا نستخدم أسماء حركية وسط الجيش وعندما تم احضار عمر البشير من ميوم لم يقم عمر البشير بذكر أسماء الأشخاص الذين أحضروه وهم الأخوة عمر سليمان من أبناء كردفان الذي لا يزال يتعرض للاعتقال لأنه من المؤتمر الشعبي..

كما لم يذكر اسم النحيلة الذي كان يقيم معه عمر البشير في الأبيض ومن ثم تحرك للخرطوم وقد كان حضوره للخرطوم للتنفيذ فقط لا غير.. البيان الأول كان جاهزاً قبل حوالي 3 أو 4 أسابيع من الانقلاب وقد تم تسجيله في شريط فيديو بمباني منظمة الدعوة الإسلامية بالخرطوم وكل الذين ساهموا في هذا الموضوع ما زالوا أحياء.. الحركة الإسلامية مسئولة عن كل ما يتعلق بأمر الانقاذ وهدفنا لم يكن اقامة ديكتاتورية مدى الحياة فقد كانت لدينا خطط مرحلية تنفذ على فترات..

أما في ما يتعلق بأن السلطات قد وضعت يدها على المحاولة الانقلابية الأخيرة واعتقلت مجموعة من الضباط بدعوى أنهم كانوا يجتمعون في القيادة العامة فلماذا لم يتم تسجيل لمحاضر اجتماعاتهم أو تصويرها ونشرها لوسائل الاعلام اذا كان الأمر صحيحاً. هذه مجرد كذبة وفبركة من قبل أشخاص جهلاء لا يجيدون صنعة الأمر.. في موضوع الانقاذ فقد أدينا بيعة وقسماً مغلظاً لم يكن هدفنا ان نستعلي على الناس ونكون.... نحن فقط.. لأن الحركة الإسلامية لا تفكر بهذه الطريقة.






كتاب ـ سقوط المشروع الحضاري في السودان ـ 2

في مواجهة انتقاد التحرك الانقلابي، رجال «الإنقاذ» يستعينون بمدفعية ثقيلة من أجهزة الإعلام


تأليف :د. حيدر ابراهيم

في سؤال للشيخ الترابي يقول: «من خلال التجربة التي قمتم بها في الثلاثين من يونيو 89 يتساءل الشارع لماذا لا يعتذر الترابي للشعب عن هذا المسلك ويطلب العفو منه؟. طبعاً نحن لسنا الحركة السياسية الوحيدة التي دبرت انقلاباً في هذا البلد فحزب الأمة كان هو الأول والحزب الشيوعي كان الثاني ونحن الثالث، والحزب الاتحادي هو حزب رفض أن يدخل هذه الساحة إلا أن يكون من كرام المواطنين الذي يؤيدون نظام عبود لأنه قام بغالبه من تراث أقرب إليهم.

ثانياً: نحن تحدثنا عن الخطأ (ايش) تعني هذه اللغة ويريد بعض الناس بلغتهم هم يريدون أن أقول للفرد منهم أعتذر إليك وأرجو أن تعفو عني فأنا أعتذر إلى الله سبحانه وتعالى. فمن اليوم الثاني بعد خروجي شهدت الندوة في الجامعة وتحدثت عن أين كان الخطأ وأين كان الصواب، لكن بعض الناس على وتيرة!! ويريدون أن يجلس الترابي تحت أقدامهم ليقبلها ويقول لهم أعتذر إليكم (طيب) ليعتذر السادة الكبار الذين أيدوا عبود ويدانوا.

فأنا أقول إنه في السياسة يجب أن نترك الأمر للشعب يدين من يدين ويسحب ثقته ورصيده ويعذر من يعذر حتى ولو أخطأ أو تجاوز، لأن كل السياسيين خطاءون، والفساد لم يكن هنا بل في كل النظم وفسادات الرأي كل مرة هي التي تشغل صحفنا وكلامنا حتى يذهب هؤلاء ونبكي على الماضي (ما بكيتم من شيء إلا وبكيتم عليه) أنا أعرف السودانيين، فقد قامت الثورة ضد عبود من كل أنحاء البلد .

وبعدها خرج عبود بعد فترة إلى السوق جرى الناس وراءه يرددون (ضيعناك وضعنا وراك يا عبود) فهذه أخلاق الشعب، لكن أنا أتكلم عن التقويمات وهذا التقويم ليس من الترابي بل من كل المؤتمر الشعبي ومن كل حركة الإسلام.

د. الترابي كيف تقيم تجربة حكم الإسلاميين في السودان؟

كانت محاولة للرجوع إلى الأول. دستور أشبه بدستور المدينة وانتخابات مثل انتخابات عثمان وعلي ولا تشبه ولاية العهد التي تأتي بالقوة وبسط حريات مثل المدينة وعهود مع الآخرين، وحاولنا هذه لكن من أول مرة (بتعصب) ولذلك ما رسخت في الناس، والشعب لم يمارس حرية لذلك لم تعش (حوار أجراه كمال الصادق وعماد عبد الهادي، في صحيفة «الأيام» 25 مارس 2004).

ملابسات انقلاب

يحاول الشيخ الترابي أن يبرر الخطأ بخطأ فهل قيام الآخرين بالانقلاب يعطيهم الحق في الانقلاب على الديمقراطية؟ ومثل هذا التفكير يسقط الوازع الأخلاقي، إذ طالما هناك من يقوم بجريمة أو خطيئة، فيمكن للاحقين أن يجعلوه سابقة أو قدوة!

يقول علي عثمان محمد طه عن الانقلاب: «إن هذا الانقلاب لم يكن انقلاباً حزبياً بالمعنى المباشر، صحيح أنه قد تكون للجبهة الإسلامية وللعناصر الإسلامية نصيب كبير في آلية ذلك الانقلاب لكن بالقطع أن الانقلاب روحه وجوهره ومضمونه كان عملاً وطنياً استدعته الضرورة الوطنية التي فرضتها المهددات التي كانت تضغط على وجدان ونبض كل مواطن يريد أن يعيش في أمان ويريد أن يرى الأمور تسير إلى الأمام في ظل ما كان يكتنف الأوضاع من تدهور وضبابية وتخبط» (صحيفة الرأي العام 9 يوليو 2002).

عالجت كثير من الكتابات الجيدة التي نشرها حيدر طه وعصام ميرغني (أبو غسان) وعبد الرحمن الأمين والسر أحمد سعيد، ملابسات قيام الانقلاب ووصفوا الظروف السابقة واللاحقة لتنفيذ وإنجاح الانقلاب. لذلك لن نعيد متابعة الأحداث ولكن نهتم بطريقة التفكير والموقف من الديمقراطية.

مما جعل القوات المسلحة بديلاً تدخره الجبهة لإدارة الصراع عوضاً عن التداول السلمي للسلطة. وهذا يكشف عن ثانوية الديمقراطية كأولوية في فكر الجبهة وممارساتها وهذه سمة مازالت تلازمهم على الرغم من الفشل السحيق الذي لازم مشروعهم الحضاري الذي جاء عن طريق الانقلاب. ولم يفطنوا بعد إلى أن غياب الديمقراطية هو مقتل المشروع.

ظن «الإسلامويون» السودانيون أن العالم العربي على أبواب ثورة إسلامية ستعم المنطقة. وقد كان هتاف الطلاب «الإسلامويين» بعد الثورة الإيرانية يبشر بتعميم الثورة مرددين: إيران في كل مكان! فقد كان «الإسلامويون» مترددين في استخدام العنف الثوري والانقلاب في السودان ولكن ضعف الحكومة المنتخبة كان مغرياً كما أن الأوضاع الإقليمية فتحت شهيتهم لتجاوز التردد.

وبدأت «البروفة» بما أسمته الجبهة الإسلامية «ثورة المصاحف» ضد حكومة الائتلاف الحزبي ـ النقابي ـ العسكري التي أبعدتها من السلطة في فبراير 1989. ونشط «الإسلامويون» في رمضان / إبريل 1989 ولكن لم تصل البروفة إلى نهايتها إذ لم يتجاوب معها الشارع السوداني لأن شعاراتها الخاصة بتطبيق الشريعة لم تكن أولوية كما أن الحكومة كانت منتخبة بغض النظر عن عيوب الليبرالية .

ولكنها تختلف عن الدكتاتوريات الانقلابية التي قامت ضدها الانتفاضات والثورات الشعبية. ويرى أحد الباحثين «الإسلامويين» أن الحركة لم تكن تسعى حينها إلى قلب الوضع وإنما تهيئة الظروف للتغيير الذي سيأتي. ولكن ـ حسب الأفندي ـ فأن الثورة «التي جهد الإسلاميون السودانيون في احتوائها كانت قد انفجرت فعلاً في أنحاء أخرى من العالم العربي.

اشتعلت الثورة في شوارع الجزائر في أكتوبر من العام 1988م. الصراع في تونس وصل نقطة حرجة في العام 1987م حيث أدى لإزاحة بورقيبة من دون أن يحسم قضايا أساسية. شوارع مصر اشتعلت بما يشبه الحرب الأهلية. اليمن هربت إلى الأمام من مشاكلها بالديمقراطية أولاً والوحدة ثانياً من دون أن تتجاوزها تماماً، والأردن والمغرب فعلا شيئاً من ذلك. ثم جاء زلزال الخليج وحربها فصدع النظام العربي من أساسه». (الأفندي: 19).

كان للمناخ العام دوره في أن يسارع الترابي في إظهار جانب لينيني في شخصيته من خلال موقفين: إدراك جيد للأزمة الثورية أي التوقيت، ثم اندلاع الثورة في أضعف الحلقات، فالثورة الشيوعية ـ الاشتراكية اندلعت في روسيا وليس انجلترا أو ألمانيا. كما حدث التغيير الإسلامي في العالم العربي في السودان وليس مصر ولا المغرب.

واعتمد الترابي على الخارج مقتبساً فكرة الدولة القاعدة التي يروج لها القوميون العرب (مثل نديم البيطار وغيره). وبالفعل فتح السودان في مطلع التسعينيات لكل الإسلامويين المطاردين في بلادهم واستضاف السودان من أسامة بن لادن حتى راشد الغنوشي ومحمد الهاشمي الحامدي.

من الملاحظ أن نجاح الانقلاب تسبب في توجه شمولي قوي داخل الحركة «الإسلاموية» وتنكر الكثيرون لكل المواقف المؤيدة للتعددية حتى وإن كانت غامضة عند البعض. ولكن بعد الإنقاذ لم يعد مفهوم الديمقراطية أو التعددية يثير الاهتمام بل اعتبر المؤيدين للتعددية السياسية أقلية مارقة لا يأبه لها ـ كما قال المهندس الطيب مصطفى (10 فبراير 1998) واضطر د. الطيب زين لكي يرد عليه أو يجادله بأنهم ـ أي الداعين للديمقراطية ـ ليسوا مجموعة صغيرة شاذة، يكتب:

«والحقيقة غير هذا تماماً فالحركة الإسلامية السودانية وقفت دائماً مع التعددية السياسية وعملت بمقتضاها في الساحة السياسية، أما التغيير الذي طرأ من بعض قادتهم في الآونة الأخيرة فالسبب الرئيسي فيه هو ما حدث صبيحة 30 يونيو حين استولى انقلاب عسكري على السلطة ووجدت الحركة الإسلامية نفسها في موقع التمكين في النظام الجديد.

أراد هؤلاء البعض أن يتمسكوا بالرزق الذي ساقه الله إليهم! وليس هناك من غرابة أن يسعى السياسيون المحترفون إلى التمسك بتلابيب السلطة حين تتاح لهم الفرصة ولكن لا يجمل بنا أن ننسب ذلك إلى حكم الإسلام الذي منع أتباعه حتى من تزكية النفس ومن طلب الولاية، ولا ينبغي لنا أن نتنكر لموقف الحركة الإسلامية الأصيل من قضية هي أم القضايا في العمل السياسي المعاصر.

والموقف الذي تتخذه الحركة الإسلامية السودانية من قضية التعددية سيؤثر كثيراً على مواقف الآخرين من الحركات الإسلامية التي تناضل في بلاد كثيرة لتنتزع حق المشروعية في العمل السياسي وتنافس الآخرين على نيل ثقة الجماهير وتمثيلها في الأجهزة التشريعية ومن ثم تكوين الحكومات أو المشاركة فيها إن حظيت بالأغلبية المناسبة.

ومثل ما يتذرع الطيب وبعض إخوانه بما حدث في الجزائر وتركيا ضد الحركات الإسلامية ليدافعوا به عن احتكارهم للسلطة ومنع الأحزاب الأخرى عنها سيتذرع آخرون بما يحدث في السودان ليقولوا ان الحركات الإسلامية غير جديرة بحرية العمل السياسي لأنها لا تؤمن بهذه الحرية لغيرها». (الرأي العام 15 فبراير 1998).

حماس للتغيير

بعد سنوات يأتي قيادي كان من المتحمسين للتغيير خاصة وأنه من العناصر الشمولية التي شاركت في حقبة النميري كوزير للداخلية وتقلد مناصب تنفيذية ودستورية مختلفة. يردد أحمد عبدالرحمن الكلام نفسه الذي قال به المعارضون في رفضهم لانقلاب الجبهة: ـ «أولاً يجب أن يترسخ فينا قناعة أن هذا الوطن لا يمكن أن يحكم إلا بمشاركة كاملة وواسعة من كل أهل السودان في صناعة القرار وفي توزيع عادل لما يتوفر من مال وإمكانات .

وهذا لا يمكن أن يؤمن إلا بالأخذ بنظام فيدرالي متطور جداً وغير نمطي» وندهش حين نجد أن أحد رجال المشروع الحضاري، يدعو: «لماذا لا نسعى لتكوين أحزاب وفقاً للموديل الأميركي تكون مهمتها قاصرة على تكوين الحكومة! هكذا يصل تأصيل السياسة الإسلامية في الحركة. ويكرر أثناء الحوار إعجابه بالنموذج ويقول مرة: «هنالك مثال أمامنا لا أجد حرجاً في الإشارة إليه هو مثال الولايات المتحدة الأميركية» (أخبار اليوم 24 يونيو 2004).

في حوار مع د. جعفر شيخ إدريس الذي يرى أن الحركات الإسلامية تفتقر إلى تصور وسائل تغيير الحكم وكيفية التعامل مع الحكومات وكيفية ممارسة الحكم. أجاب: «هذه مسألة واقعية فالحركات الإسلامية لم تتفق حتى الآن حول تصور لتغيير أنظمة الحكم فالبعض يقول بالانقلابات والبعض بالديمقراطية وعن نظام الحكم لا يوجد تصور حتى الآن عن كيف يكون شكل نظام الحكم وعندما أقول هذا لا أستثني نفسي فنحن كحركات إسلامية قصرنا في هذا الأمر» (حوار أجراه صبري الشفيع في صحيفة الرأي الآخر 12 مايو 1998).

في مقابلة نشرت أخيراً في « اسلاميك لاين نيت» بتاريخ 29 سبتمبر 2003 حاور مراسل الموقع والمهندس أبو العلا ماضي وكيل مؤسسي حزب الوسط المصري (ذا التوجه الإسلامي) والدكتور أحمد عبد الله مستشار الشبكة، الشيخ حسن الترابي، ويمثل الحوار وثيقة هامة في فهم دوافع وملابسات وظروف، نورده كاملاً للتاريخ والتوثيق.

في سؤال عن تقويم تجربة الحركة التي بدأت بالدعوة والانتشار ثم المشاركة في عهد النميري ثم السيطرة الكاملة على الحكم في ظل حكومة الإنقاذ وانتهت بالصدام والاستبعاد عن السلطة والسجن. أجاب بأن الدعوات الدينية والحضارية تبدأ بشعارات عامة ولغربتها عن المجتمعات التي تولد بها فهي دائماً ما تحاط بالشبهات ولكن لصدقها دائماً ما تجتاز العقبات وتبلغ مرحلة الانتشار وتتواكب عليها الابتلاءات وهذا ما حدث في السودان.

ويقول أنهم لم يكن من الممكن أن يصلوا إلى السلطة ديمقراطياً بسبب معارضة الغرب الصريحة لذلك كان لابد من اللجوء لوسائل أخرى «ومن قراءتنا للتاريخ الذي أكد في جميع مراحله على أن الديمقراطية لا تولد إلا عبر الثورات بدءاً من الثورة الفرنسية، ومروراً بما حدث في إنجلترا وأميركا، فقد رأينا أننا لا نستطيع الوصول إلى السلطة إلا بمنهج الثورة الشعبية، إلا أننا قد أخذنا عهداً على أنفسنا ألا يكون حكماً قبلياً أو طائفياً أو عسكرياً».

ويمضي الترابي ليقول: «وعندما صعدنا إلى السلطة في السودان، وبدأنا نحكم بالشورى وسلطة الشعب، واعتمدنا الحرية أساساً لكل الناس كفروا أو آمنوا ما اتخذوا اللسان سبيلاً للتعبير لا السنان، فإن نظام الحكم الذي تعاهدنا معه، وأقسمنا اليمين قبل الوصول للسلطة، عندما تمكن تفارق معنا فرقاناً بيناً، لأن بنيته العسكرية والذهنية لا تنتمي لهذه الأفكار، وإنما نيته قائمة على الغدر بالعهود».

ولكن ما الذي دفع إلى هذا الصدام المروع على الرغم . . . بينكم؟

شح المال من ناحية، ومحاولتنا الدعوية إقامة علاقة «عزة» مع العالم لا «عزلة»، نأخذ منه ويأخذ منا، نجادله ونحاوره، ولكن على قدم المساواة، كل تلك العوامل حركتها عقلية العسكر من ناحية، والتحريضات الكثيرة على الإسلام وأهله من قبل تملك السلطة والمال في العالم من ناحية أخرى، كل هذا أدى في النهاية إلى الفرقان المبين. ولكننا كنا نود أن نختلف ونتحاور، إلا أنهم أبوا إلا ما رأوا.

ولذلك زجوا بنا في السجون، ولكن نحن لسنا مفاجئين، فالصحابة قتل بعضهم بعضاً عندما جاء الصراع على السلطة والخلافة الراشدة القائمة على الانتخاب الحر والعقد والمساءلة تحولت وانهارت انهياراً كاملاً، وهذه كانت تجربتنا الأولى في البلاد، ومن يدري؟ لعل القادم يكون أكثر خيراً.

ولكن ألا تتفق معنا يا دكتور في أن العامل الرئيسي لفشل هذه التجربة يكمن في خياراتها المبدئية، فأنتم عندما قبلتم الوصول للسلطة عن طريق انقلاب عسكري كنتم ترسمون هذه النتائج بأيديكم قبل أن تحدث؟

يا أخي هذه كانت ضرورة، فالعهود القديمة رفضت أن تفسح مجالاً لنا، وحتى الديمقراطية في الغرب ـ كما قلت لكم ـ لم تنجح هكذا بدون ضغوط وثورات، ولكن الخطأ من وجهة نظري هو عدم اللجوء للناس والقيام بثورة شعبية، فالاعتماد على العسكر هو الذي أوقعنا في هذا الخطأ، فحين قالوا لهم: «أخرجوا هؤلاء من الحكم أو نخرجكم» أسرعوا بإخراجنا والزج بنا في السجون، ولكنني أؤكد مرة أخرى أنها كانت ضرورة، فلم نكن لنصل إلى السلطة بدونها.

مبرر المشروع الحضاري

أما المبرر الاستراتيجي اللاحق، فهو ادعاء العمل على تأسيس مشروع حضاري يقوم على تطبيق الشريعة الإسلامية. وبعد أن تم تثبيت السلطة أمنياً، بدأ النظام تدريجياً في الإفصاح عن وجهه لذلك نلاحظ في 1991 وما بعده ظهور بعض المنظرين والمبررين للانقلاب العسكري بقصد تحويله إلى ثورة وتجديد ومشروع حضاري عوضاً عن كونه انقلاباً وعملاً تآمرياً قامت به فئة قليلة حسنة التنظيم والمباغتة.

وهذا التحويل يقصد به إنزال العسكر من رماحهم التي استخدموها في الفصل الانقلابي ويتقدم مثقفو الطغمة ليملأوا أجهزة الإعلام تنظيراً وتجميلاً وتبريراً، وهذا ما لا يستطيعه العسكر وهم أصحب شعار: «البيان بالعمل» أو «احكموا علينا بأعمالنا» وكان من الواضح أن انقلاب الجبهة الإسلامية يحتاج إلى مدفعية ثقيلة من الإعلام وتزييف الوعي في الداخل والخارج.

ومن الواضح أن النظام كان يدرك ضعف قاعدته الشعبية في السودان، لذلك اهتم بعلاقات الخارج وصورته لدى الآخرين بغض النظر عن تقويم شعبه له. وقد قام الإسلامويون في الخارج بدور مهم في مساندة إخوانهم السودانيين وكأنهم استندوا على المبدأ القائل: «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً». وقد قام «الإسلامويون» غير السودانيين بتنسيق حملة إعلامية تمتد من اليمن والأردن ومصر وشمال إفريقيا وفلوريدا في الولايات المتحدة وماليزيا.

وفي الوقت نفسه نشر الإسلامويون السودانيون في الصحف والمجلات الأجنبية أكثر مما كتبوا في الداخل، مثل مجلة قراءات سياسية (مركز لدراسات الإسلام والعالم ـ تامبا، فلوريدا) مجلة الإنسان (دار أمان للصحافة والنشر (بقطر) ثم صحف الشعب المصرية والقدس في لندن والمستقلة (لندن) وكثير من الصحف الأردنية واليمنية.

رغم هذه الكثافة والانتشار فإن «الإسلامويين» لم يقدموا فكراً عميقاً بل اكتفوا بالملاحقة الإعلامية الدفاعية ورد الهجوم والنقد، وتسريب المعلومات الكاذبة ضد المعارضين. فقد قدموا الدعاية بطرائقها الشمولية التي تجيدها النظم الدكتاتورية القمعية التي تقصي الآخر وتنفي الحوار والاختلاف. اكتفى «الإسلامويون» بالتلفزيون والإذاعات والصحف الرسمية في تكوين وعي زائف لدى مؤيديهم وكان سباب وصراخ الرائد يونس اليومي سوط عذاب على الشعب السوداني، استمر خلال الفترة الأولى واختفى في ركام التاريخ مثل سلفه يونس بحر في إذاعة برلين أثناء الحرب النازية.

حاول المنظرون الإسلامويون في كتاباتهم الخارجية أن يكونوا منهجيين وعقلانيين في تقديم مشروعهم الحضاري باعتباره تجديداً في الفكر الإسلامي تنزل على الواقع السوداني أو على تجربة الانتقال للحكم الإسلامي في السودان. والدليل على نهاية المشروع «الإسلاموي» أن الأسماء التي كانت تدافع وتنافح عن المشروع ابتعدت بعد سنوات قليلة ولم تعد تحس بالانتماء تماماً للنموذج القائم في شكل سلطة الإنقاذ الحالية، ومن هؤلاء:

التيجاني عبد القادر حامد، محمد محجوب هارون، الطيب زين العابدين، عبد الوهاب الافندي. ولم يبق سوى كتاب الأعمدة اليومية الذين يلاحقون الأحداث العابرة والتي غالباً ما تكون مظاهر خارجية لحقائق أعمق.

ولكن الحركة «الإسلاموية» الحاكمة تكتفي بمخاطبة أجزاء دنيا من العقل وقد ترضى بمجرد الانفعالات والعواطف. الكتاب الإسلامويون والأكاديميون بالذات حين ينشطون في السياسة فهم يتنازلون تماماً عن العلمية والمنهجية في تفكيرهم وأقوالهم. ويقعون بسهولة في تزييف الأيديولوجيا ودهموية الشعارات، على الرغم من كل محاولات التشبث بقدر من الموضوعية والعلمية.

فيفترض في أي مفكر أو عالم أو أكاديمي أن يبدأ بتعريف وتحديد المفاهيم أو المصطلحات خاصة حين يكون قد شرع في تطبيقها على بشر. فنحن الآن أمام «مشروع حضاري» يطبق من دون أن يرهق مفكرونا بتحديد ماذا يقصدون بهذا اللفظ الذي تحول إلى تشريعات وقوانين وممارسات وأدوات لقمع الناس أو لتمييز الناس؟

ثم ألا يحتاج هذا المشروع إلى تنظير وتعميق فكري؟ وهذا يظهر في الإصدارات والكتابات التي تتناول الموضوع على مستوى أعلى من المقابلات الصحفية والأحاديث الإعلامية. يشهد الجانب الفكري فقراً مدقعاً لا يتناسب مع الضجيج وأعداد المتعلمين داخل النظام.

من البداية نلاحظ تعدد تسميات التجربة السودانية، فهي المشروع الحضاري أو المشروع الإسلامي السوداني أو مشروع النهضة الحضارية الشاملة أو النموذج الإسلامي في السودان. وهناك من يرى عملية التحديث والحداثة من منظور إسلامي. لذلك نصطدم بمفهوم واسع وليس شاملاً يقول كل شيء ولكن لا يقول شيئاً.

فالترابي حين يرى النموذج أو المشروع الحضاري من خلال دور الحركات الإسلامية، فهو يقصره على التوحيد، يحدد واجبها بقوله: «أن تبدأ بإحياء التوحيد في الحياة السياسية حتى تكون إخلاصاً لعبادة الله لا ابتغاء للسلطة، وتجرداً للخير العام، لا حباً في إرضاء شهوة السلطة والسيطرة على الآخرين. وحتى تكون علاقات السياسة علاقات أخوة في الله ووحدة وعدالة.

ولا تصبح علاقات صراع سياسي ـ كما هي في العالم قاطبة ـ صراع أحزاب وطوائف وشخصيات وأقطار» (حسن الترابي، في كتاب: المشروع الإسلامي السوداني: قراءات في الفكر والممارسة، الخرطوم، معهد البحوث والدراسات الاجتماعية، 1995، ص 11) والفكرة الأساسية في المشروع الإسلامي ـ حسب الترابي ـ هي انتفاء الصراع، وهذا ما يميز مشروعه عن النموذج الغربي بدءاً من صراع الإغريق القدماء كما يعبر عنه المسرح والدراما وانتهاء بصراع الاقتصاد والعلاقات العالمية والتعددية كما يظهر في المجتمعات الحديثة. باختصار تتحقق في المشروع الإسلامي الوحدة والانسجام.

معالم مشروع

ويحدد منظر آخر معالم المشروع الإسلامي السوداني بطريقة طموح تجعل منه مقدمة للمشروع الحضاري الإسلامي الشامل. يكتب أمين حسن عمر: «فمشروع السودان للإنقاذ الذي يأتي توطئة من بين يدي النهضة الشاملة بإذن الله يصلح أن يكون نموذجاً للمشروع الحضاري الشامل» (المرجع السابق، ص 37) ثم يعرف قائلاً: «ومشروع النهضة العربية والإسلامية مشروع انبعاث حضاري.

وذلك أنه يمثل استمراراً لحضارة كانت قائمة بل كانت رائدة، ولها أفضال كثيرة في كل ما آل إليه العالم المعاصر من رفاهة وتقدم، ولذلك فإن دعاة الحضارة العربية والإسلامية لا يطالبون بمقعد بين الأمم المتحضرة، بل يطالبون بهذا المقعد في الطليعة والمقدمة. وهم لا ينافسون على مقعد شاغر بين الأمم المتقدمة، وإنما يطرحون مشروعهم بديلاً للمشروع السائد.

ويقدمون أنفسهم قيادة بديلة للعالم على طريق التقدم الاجتماعي والحضاري». (المصدر السابق، ص 23) والسودان حين اختار مشروعه أصبح مؤهلاً لهذا الدور الذي لا يحتاج لقوة مادية أو تكنولوجية لأن المقاصد مختلفة، فيختم الباحث: «يمكن أن نلخص غاية مجتمع النهضة والرشد ومقاصده بأن نقول أن المجتمع يقصد إلى الإحسان، الإحسان في عبادة الله ليتخلص من كل عبودية أخرى لأهواء الناس أو الحاجة أو الآخر المستبد» (المصدر نفسه، ص 35).

والمشروع ينتهي كما عبر باحث آخر إلى تكامل المجتمع، حتى يستطيع إقامة العدل: «فهو مجتمع رباني عادل مشحون بالقيم الأخلاقية العالية، إذ هي ضمانته الكبرى للبقاء والنماء» (أحمد الطاهر إبراهيم: حركة التشريع وأصولها في السودان. الخرطوم، مطبوعات الحركة الإسلامية الطلابية، 1995، ص 90).

يتردد مصطلح الحداثة والتحديث في كتابات بعض «الإسلامويين» حين يصفون النموذج السوداني، وهذا ما نلاحظه في كتابات عبد الوهاب الأفندي الأخير: «الثورة والإصلاح السياسي في السودان، لندن، ابن رشد، 1995). ولكن الأفندي يعجز عن الربط المنطقي والتاريخي بين التحديث والأسلمة، وذلك لوجود أكثر من تحديث في السودان كما ذكر، على الرغم أنه يقرر بثقة قاطعة:

«ربما يكون السودان البلد الوحيد في العالم الإسلامي الذي تطابق التحديث فيه مع مزيد من الأسلمة والتعريب». (الكتاب المذكور، ص 86) ولكنه يقول في الصفحة نفسها: «ومن هذا التفاعل بين الإحيائية الصوفية والتحديث الإسلامي ولدت حركة المهدية، التي انبثقت من رحم الطريقة السمانية، ومن الرفض الشعبي لـ «التحديث» الذي سعت إليه الإدارة التركية المصرية. نحن أمام «تحديثين» وكالعادة لم يعرّف أو حتى يحدد مظاهر كل تحديث.

وحين يتابع تاريخ الحركة الإسلامية التي تتبنى المشروع أو النموذج الحالي، يقول أن التوجه الإسلامي «وضع الإسلام على قمة الأجندة السياسية، وربط التحديث والبناء القومي بالإسلام» (ص 111). ويقدم وصفاً للنموذج أو ما يسميه بالبعث الجديد تظهر من خلاله التناقضات يقول: «أن بعض مظاهر البعث الجديد جمعت بين خواص الثورة الحديثة وبين خواص البعث الإسلامي الأول، فمثلت بالتالي مزيجاً شديد الانفجار من المطالب والرؤى الحديثة والدوافع والحوافز التي وفرها الإسلام الأصيل» (ص 211).

ويذكر الباحث أحد التناقضات الرئيسية: «أن مفهوم الدولة الحديثة القابضة والمسيطرة على كل نواحي الحياة غريب على الإسلام وقيمه وتقاليده» (ص 205) ووجود الدولة الحديثة من الشروط الأساسية لعملية التحديث ويستحيل في غيابها نجاح عملية التحديث بالذات في المجتمعات العالمثالثية.

ومن جهة أخرى هناك «إسلامويون» يرفضون مبدئياً ربط مفهوم التحديث بالنهضة الإسلامية أو بالبعث الإسلامي، ويفضلون مصطلح تجديد. لأن المقصود «مشروع إحياء واستمرار وتقدم (أي مشروع تجديد حضاري) لا مشروع لحاق وتنافس وتقدم في سياق الحضارة الغالبة أي ليس مشروع حداثة بل مشروع تجديد (أمين حسن عمر في كتاب المشروع الإسلامي السوداني، ص 23). (د. حيدر إبراهيم علي، جريدة الحياة اللندنية، 4 يوليو 1996)


Post: #29
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-21-2008, 09:45 AM
Parent: #28



اقرا فتنة السلطة والجاه ...الهمز واللمز بين اخوان السودان

انقر هنا


http://maali-maaliabusharief.blogspot.com/2008/01/blog-post.html

Post: #30
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-24-2008, 04:39 AM
Parent: #29

المُنبتُّون... سودان جديد بعقل قديم؟ «3»

حيدر ابراهيم علي

ازدهرت الحركة الشعبية لتحرير السودان ـ للمفارقة ـ مع عصر تراجع الآيديولوجيات، بسبب انها بشرت في ذلك الوقت بآيديولوجيا التنمية والتقدم. ورغم ان فكرة الديمقراطية السياسية لم تكن ذات اولوية قصوى، باعتبار ان الديمقراطية الاجتماعية ـ الاقتصادية متقدمة عليها وسوف تحل تلقائيا مشكلات التجارب الديمقراطية المتكررة في السودان.
ويعتقد البعض ان الحركة الشعبية تراجعت بعد انهيار المعسكر الاشتراكي عن مواقفها وتوجهاتها الماركسية. ولكن لو اردنا الدقة مع سقوط نظام منقستو هيلامريام في اثيوبيا بالاضافة لزياد بري في الصومال، وفشل تجربة المعلم نايريري في تنزانيا، وغرق انجولا في الحرب الاهلية، وموزمبيق في المجاعة ومشكلات التخلف الاقتصادي وفي نفس الوقت تصاعدت موجة «ديمقراطية جديدة» حسب الفهم الصيني في صناعة غربية! فهي ديمقراطية يمكن ان تكون خالية من التعددية ولكنها تحقق الحكم الراشد. وهي معادلة صعبة فشلت لاحقا او على الاقل ركدت. وقد انجبت موسفيني وكابيلا وافورقي وزيناوي ولم يكن قرنق خارج هذه المدرسة.
على المستوى الداخلي، لم تدخل الحركة الشعبية مثل حركات التحرر الوطني المسلحة الى العاصمة وتستلم السلطة وتهزم «العدو» بالقوة. ولكنها دخلت في مفاوضات مضنية وطويلة، وذلك لان كل طرف يرى نفسه نصف منتصر او على الاقل ليس مهزوما. فليس هناك من يملي شروط المنتصر ولا يوجد من يقبل وضعية المهزوم. ووجدت الحركة الشعبية نفسها جديدة في سلطة سياسية ظل الطرف الآخر يبني فيها منذ يونيو 1989 وحتى يناير عام 2005 اي توقيع اتفاقية السلام الشامل.
سلطة اعطيت صفة التمكين يختلط فيها البشري مع الإلهي والمقدس مع المدنس وبالتالي يصعب فيها تحديد موقف او رؤية. فالكل ممكن وغير ممكن في نفس الوقت. وهنا برز انبتات الحركة الشعبية عن اي مرجعية فكرية جديدة. وجاءت الحركة الى السلطة وهي تفتقد الرؤية والبرامج والآليات في نفس الوقت. وهنا برز انبتات الحركة الشعبية عن اي مرجعية فكرية جديدة. وجاءت الحركة الى السلطة وهي تفتقد الرؤية والبرامج والآليات في نفس الوقت. وحتى الشعار وقد اصبح خاليا من الافكار والتنظير «السودان الجديد» لم يتجسد واقعيا لا في السودان ككل الذي تشارك الحركة الشعبية في حكمه ولا في الجنوب الذي تكاد الحركة تنفرد بحكمه وادارته. وقد كشفت الشراكة انبتات الحركة الشعبية حين نشبت ازمة الشريكين ـ كما سميت في ادبيات الخلاف ـ بين رؤيتين مفترضتين باعتبار تاريخ الطرح الاسلاموي والسودان الجديد. اذ لا يعقل ان تظل حركة او تنظيم سياسي لمدة ثلاث سنوات في حكومة لا يجد فيها اي اثر لرؤيته وبرامجه وسياساته. هذا وضع مستحيل حدوثه لو كان للحركة اي رؤية او مرجعية تعود اليها في تقييم ادائها. فقد استطاع حزب المؤتمر الوطني ان يفرض سياساته البراقماتية ـ فهو بدوره لا يمتلك رؤية ـ ولكن لديه مخططات للاستمرار في الامساك بالسلطة او بالاصح الاستفادة من ثمار السلطة. اذ لم تعد هناك دولة وطنية كاملة السيادة بعد كل التدخلات الاجنبية التي حدثت عقب ازمة دارفور.
حصرت الحركة الشعبية نفسها في الاشخاص ولذلك كانت معركة التعديلات الوزارية. ففي الاحوال العادية يفترض ان يكون اي عضو خاصة لو كان قياديا او وصل لدرجة ترشيحه او تعيينه في مجلس الوزراء، ملتزما برؤية وبرنامج الحركة. ولكن لغياب الإثنين، يظل الجانب الشخصي حاسما. فهناك اعضاء قد يمثلون اجواء عامة تفضلها اغلبية الاعضاء او قد لا يقعون مباشرة في هيمنة الشريك وفقا للاغراءات المعروفة. هذا هو المعيار فقط لمعرفة الالتزام او عدم الالتزام بخط الحركة. وقد اضطرت الحركة في فترة قصيرة الى فصل اعضاء يفترض انه تم تصعيدهم خلال فترة طويلة وبعد تمحيص واختبار.
وما تزال الشخصنة تسود العمل السياسي ولذلك استطاع البعض تكوين مراكز قوى متمحورة حول ذواتهم. وهذا وضع طبيعي في غياب المرجعية اذ يكفي ان تكون مثل هذه الشخصيات ذات براعة في العلاقات العامة وقادرة على ارضاء نزوات معينة لدى الشلة التي تلتف حولها وتمجدها وتلمعها، وترضى بدورها شهوة العظمة والشهرة والضوء.
كان من اكبر اخطاء الحركة وهذا بدوره ناتج عن غياب الرؤية ثم البرامج المفصلة، انها لم تخلع سريعا لباس المقاتل لتتحول الى حركة سياسية مدنية وجماهيرية. وكانت لديها هذه الفرصة بسبب الفراغ الحزبي والسياسي الذي خلقته الانشقاقات والمطاردة وبعض الاحزاب عن قواعدها. وهنا كانت الاسئلة الحقيقية والحارقة: كيف يمكن ان تتحول الحركة الشعبية لتحرير السودان الى تنظيم مطابق لهذا الاسم او الصفة؟ اي ان تتحول فعليا الى حزب سياسي لجميع السودانيين وليس مجرد حركة اقليمية؟
يشترط مثل هذا التحول ان تؤكد الحركة على تاريخها الحقيقي وليس المتخيل. وذلك يعني انتسابها المباشر لحركة التحرر الوطني السوداني التي انطلقت منذ نهاية اربعينيات القرن الفائت. وان تتبنى مشروع القوى التقدمية واليسارية في الحركة الوطنية اي مشروع الثورة الوطنية الديمقراطية، باعتبارها الشروط اللازمة للنهضة والتقدم بعد الاستقلال. ومن ناحية اخرى كانت هذه العناصر هي التي وقفت الى جانب الحركة في الشمال وقدمتها كحركة مقاتلين من اجل السودان الجديد، وهو ايضا شعار الثورة الوطنية الديمقراطية، وليس كمتمردين كما كان يصفهم رأي عام رسمي وشعبي عريضين. ويمكن القول إن هذه العلاقة والتوجه حكما التعامل منذ عام 1983 وحتى مؤتمر القضايا المصيرية باسمرا عام 1995 ثم تذبذبت العلاقة حتى قبيل اتفاقية السلام الشامل عام 2005م. وبعد ذلك ظهرت عناصر تحاول التشكيك والابتعاد عن الحلفاء الطبيعيين. وساعدت في استفراد الوطني بالحركة، فقد باع لهم المؤتمر فكرة الاتفاق كعجل مقدس لا يمكن نقده او لمسه. حتى كان تصريح باقان اموم هذا الاسبوع والذي اكد على روح ومضمون وجوهر اتفاقية السلام وما التفاصيل الا تأكيد او اضرار بهذه الروح. لذلك اي اختلاف في التفاصيل لا يعني رفض الاتفاق.
لنترك جانب التحالف والاصدقاء والمتعاطفين، ونأتي الى العضوية نفسها: هل استطاعت الحركة تكوين عضوية صلبة وملتزمة ونشطة، وهنا لا نتحدث عن العددية، تساعد في عملية تحول الحركة الى حزب سياسي جماهيري قومي؟
اعتقد ان خطأ الحركة الاستراتيجي كان في تكوين ما يسمى قطاع الشمال. فهو يذكرني بالامانات التي تكونها الاحزاب او المنظمات للمرأة والطفل او ذوي الحاجات الخاصة. اذ لا ادري الحكمة وراء إفراد قطاع للشمال وهل هذا امتياز اضافي ان يكون المرء عضوا في الحركة زائدا كونه في قطاع الشمال ام العكس، كونه من قطاع الشمال انه ناقص العضوية. فالحركة بوعي او لا وعي، تكرس تقسيمات اقل ما فيها من ضرر انها تخلق كيانا موازيا للجسم الاساسي للتنظيم، وهذا ايضا شكل ممكن لمراكز القوى الخطيرة التي تستطيع ان تعزل كل الشماليين عن المجرى الاساسي للتنظيم الام. ويمكن للمؤتمر الوطني ان يكون له قطاع الجنوب لاسباب خاصة به اقلها تعطيل او مراقبة الحركة في الجنوب. ولكن الحركة في اتجاه تحولها الى تنظيم سياسي قومي لا يوجد اي مبرر منطقي مفهوم لمثل هذا التقسيم الانفصالي معكوسا والذي يقلل من قومية الحركة.
وقع في يدي تقييم لوضعية كردستان في العراق بين سقوط صدام ونيلها لشكل من اشكال الحكم الذاتي. وهنا وجه مقارنة مع الجنوب السوداني ولكن الدراسة تتحدث عن عوامل نجاح كردستان والذي نفتقده في تجربة الجنوب. اذ يرى الكاتب نزار آغري ان اهم اسباب نجاح الكرد يعود الى الانشغال بالحال الكردي على ارض الواقع وان تنأى الحكومة الكردية بنفسها عن المزاعم الكبيرة لتقوم بخطوات صغيرة وتدريجية على طريق تطوير كردستان واحداث تغيير في مستوى معيشة الناس الساكنين هناك «صحيفة الحياة اللندنية 1/9/2007م» ومن ناحية اخرى، اشار رئيس الاقليم الى ان مفتاح الحل في مستقبل زاهر للعراق يكمن في نشر ثقافة التسامح وعدم الحنين الى الماضي وجراحاته لان ذلك يجعل الجميع اسرى لعذاباتهم السابقة ويعطل قدراتهم على التبشير بمستقبل افضل للعراق. هل يمكن ان ينسحب مثل هذا الفهم على أبيي مثلا؟ وغدا الهاجس ان تكون كردستان مركزا للتجارة والاستثمار والنمو الاقتصادي وبالفعل تعمل في الاقليم شركات من كل انحاء العالم. وهناك تركيز على اعادة اعمار القرى وزيادة الانتاج الزراعي في الريف. ووصل الاستقرار في كردستان لدرجة تحولها الى مركز ثقافي واسع، وعلى المستوى الشخصي وصلتني دعوة من الاخ فخري كريم لمهرجان ثقافي في اربيل عاصمة الاقليم لم استطع للاسف تلبيتها لكني ارى تجربة الاستقرار والتحول بنفسي.
نجد انفسنا مطالبين بالحوار مع الحركة الشعبية بسبب ادعائنا اننا اصحاب قدر مشترك ولا نريد للحركة ان تحارب لنا معاركنا مع الرجعية والظلامية. ولا نريد ان نتمسح ببندقية الحركة ونلتقط ثمار كفاحها السلمي والمسلح ونحن قاعدون. ولكن لو ارادت الحركة الشعبية تأسيس سودان جديد لا بد لها من عقل جديد يستوعب تاريخها ثم يبني علاقات مع الآخرين ومحاولة التقارب والتحالف والتفاهم دون اقصاء او تعالٍ. وهذا ما اتمنى ان يكون في أجندة من يحضرون للمؤتمر الثاني في مايو القادم.

الصحافة
23/2/2008

Post: #31
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: Murtada Gafar
Date: 02-24-2008, 05:19 AM
Parent: #30

الأخ الكيك

شكراً جزيلاً لهذا التوثيق الدقيق، والذي لم يغادر كبيرة ولا صغيرة إلا أحصاها. ودسامة هذا التوثيق نابعة من كونها أتت من أكاديميين مرمومقين وكتاب لهم صيتهم وكمان شهد شهد من أهلها "الطيب زين العابدين". لم أجد حزباً محاطاً بهذا الكم من الكراهية مثل تنظيم الأخوان المسلمين المتحول إلى جبهتي الميثاق والجبهة القومية الإسلامية والمنقسم إلى المؤتمرين الوطني والشعبي. لنواصل هذا التوثيق.

مرتضى جعفر

Post: #32
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: Mohamed Elgadi
Date: 02-24-2008, 05:36 AM
Parent: #30

Thanks الكيك
very important documentation post...
Please add this PR from the Group Against Torture

Quote: Thursday, January 11, 2007
حول نداء البشير للمصالحة وتراضي النفوس



في خطابه يوم الأحد 7 يناير2007 بمناسبة ذكري الإستقلال أطلق الرئيس البشير ماأسماه "نداء المصالحة الوطنية لاستعادة الحقوق والتراضي".ولم يفصح أكثر عن ماهية هذا النداء الغامض.

إن إستعادة الحقوق وتراضي النفوس التي يتحدث عنها الرئيس لن تتم في رأينا إلا وفق مبدأ الإعتراف التفصيلي بالجرائم التي أرتكبت ومازالت ترتكب في حق عشرات الألاف من ضحايا العنف والتعذيب في بيوت الاشباح علي امتداد الوطن

: إننا نري إن كان الرئيس جادآ في نداءه هذا أن يشرع في إتخاذ الخطوات التالية
1
الإعتذار العلني من قبل رئيس الجمهورية للضحايا وأسرهم وللشعب السوداني والمجتمع الدولي مع التعهد باجراء اللازم في جهاز الدولة لعدم تكرار هذه الجريمة دون حساب
2
تكوين لجان كشف الحقيقة لكشف كل جرائم التعذيب والقتل التي تمت منذ 30يونيو 1989 مهمة هذه اللجان استماع علنآ لشهادات ضحايا العنف وأن تستدعي كل المتهمين ليدلوا بحقيقة دورهم في العنف ويطلبوا العفو من الضحايا وأسرهم
3
تكوين لجان لتعويض الضحايا وأسر الشهداء وفق مبادئ الأعراف والقوانين الدولية

إن تراضي النفوس لن يتم إلا بعد ان يتقدم نافع علي نافع ; صلاح قوش; وغيرهم من كبار المسؤلين إلي لجان كشف الحقيقة ويقرواامام الضحايا ماارتكبوه من تعذيب في بيوت الأشباح

محمد القاضي

ع/ المجموعة السودانية لمناهضة التعذيب
Amherst, MA
USA
Jan 11, 2007
Tel.

Post: #33
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-24-2008, 07:20 AM
Parent: #32

شكرا
للاخوين
مرتضى
ومحمد القاضى
على مشاعركما النبيلة واضافتكما المهمة ونواصل التوثيق ..لنحصن الاجيال القادمة التى يريدون خداعها بالاكاذيب ..اقراوا هنا


الانتقال من ديكتاتورية إلى أخرى وصراع الهوى والهوية
كتاب سوداني توثيقي يكشف تتابع انقلابات الإسلاميين ضد بعضهم بعضا

محمد الحسن أحمد

يكشف كتاب «الترابي والإنقاذ صراع الهوى والهوية»، لمؤلفه الدكتور عبد الرحيم عمر محي الدين أحد الإسلاميين الذين تولوا مناصب عديدة في الحركة والدولة كيف بدأ الصراع بين الترابي والبشير الى ان اطاح البشير بكل ما تبقى من الحركة واضحى هو الحاكم بأمره. ويُحسب مؤلف الكتاب على المنحازين لجانب جماعة البشير عندما وقعت المفاصلة، ومما يضفي مصداقية توثيقية للكتاب، ان الكاتب اعتمد على تدوين شهادات نقلها عن السنة من خططوا للانقلاب ومن عايشوا وشاركوا في صناعة القرار والانقسام. ويقع الكتاب في 660 صفحة من الحجم المتوسط. وقد صدر حديثا.
أول ما يلفت الانظار في هذا الكتاب هو ما جاء فيه من ان البشير لم يكن المسؤول العسكري في خلايا الجبهة الاسلامية وسط القوات المسلحة وانما المسؤول هو العميد عثمان أحمد الحسن الذي كان من رأيه ان يترك امر ادارة السلطة التنفيذية للعسكريين، وان تكون علاقة المدنيين بالثورة علاقة غير مباشرة تقتصر على الاشراف والدعم السياسي الشعبي، لهذا السبب اتجه المكتب الخاص بالحركة لاستبداله بالعميد عمر البشير الذي كان قد وصل الخرطوم من الجنوب في طريقه لبعثة دراسية عسكرية بالقاهرة.
في هذا الصدد يدور الحوار التالي بين مؤلف الكتاب والفريق عبد الرحيم حسين الذي يشغل الآن منصب وزير الدفاع حيث يقول الوزير «هناك مسألتان بخصوص العميد عثمان، أولا: هو بطبيعة تفكيره وتكوينه قلق وهذا الدور يحتاج الى برود أعصاب.. ثانيا: كانت له رؤية في العلاقة، وقد كان يرى اننا كمجموعة عسكرية يجب ان ندير الدولة بينما تقوم الحركة الاسلامية بادارة سياسة الدولة من الخارج وتنصح من غير تدخل مباشر».
«مداخلة: الأخ عبد الرحيم انت الآن في لحظة صفاء الا تعتقد ان رؤية العميد عثمان كانت صحيحة؟»
«الجواب: نعم.. كانت صحيحة لكن توقيتها لم يكن صحيحا. العميد عثمان كان في الفترة الأولى فترة الاعداد للانقلاب يرأس كل الاجتماعات، الأخ عمر البشير لم يكن موجودا، كان في الجنوب». (ص 192). من هذه الافادة يتبين ان العسكريين منذ البداية كانوا يرغبون في تولي كل السلطة المباشرة، لكن مسؤولهم الاول جاهر بهذه الرغبة فاستبعد، وقبل البشير ويتبين من رد عبد الرحيم حسين ان رأي العميد عثمان كان صحيحا ولكن توقيته لم يكن صحيحا بمعنى ان وقته يحين بعد التمكين من السلطة! ولعل هذا ما فعله البشير لاحقا، وفي الوقت المناسب!
لكن العميد عثمان الذي شغل منصب المسؤول السياسي في مجلس الثورة لم يستمر في السلطة الا قليلا بسبب خلافاته التي من بينها اعتراضه على غزو العراق للكويت فغادر مجلس الثورة واستقال.
وبالنسبة لهذه الاستقالة يسأل مؤلف الكتاب، عبد الرحيم حسين في مداخلة: يقال ان العميد عثمان عندما قدم استقالته قال للاخوان: «أنا مشيت لكن الله يستر عليكم من أبو عمير ده بيعملها فيكم.. هل سمعت هذا الكلام؟
جواب: هذا الكلام لا يشبه عثمان!
أيا كان ظاهر أو باطن الاجابة فإن ما نسب للعميد عثمان قد وقع بالفعل، فالبشير قد انقلب على الجماعة. ولكن الترابي نفسه كان قد سبقه مبكرا بالانقلاب المدني على كيان الحركة الاسلامية!
لقد فاجأ الترابي بعد نجاح الانقلاب واصبح هو الحاكم المطلق اخوته في قيادة الحركة الاسلامية بطلب حل التنظيم. وهنا يقول المؤلف في ص 131. الحركة الاسلامية التي كانت عبارة عن السلم أو المصعد الذي صعد عليه من صعد لمواقع السلطة واتخاذ القرار في السودان كانت هذه الحركة، كمؤسسة وتنظيم أول ضحايا الانقاذ حيث تم نحرها على اعتاب الاحلام الكاذبة فحل مجلس شوراها ودعى اعضاؤها الابكار الى حفل وداع وزعت لهم فيه المصاحف اعترافا بدورهم في ماضي الحركة، وايذانا بانزالهم الى المعاش الاجباري.. فصار البعض بعد ذلك يحكم باسم الحركة، حيث ذهبت المؤسسة وبقي الافراد يجتهدون حسب هواهم ومزاجهم ولا رادع أو رقيب وحسيب عليهم بعد ذهاب المؤسسة الشورية.
ويستنكر المؤلف حل الحركة ويشير في ص 207 الى ما يلي: «لم يكن التفويض الذي تم منحه للامين العام للحركة الاسلامية (الترابي) تفويضا عاما وانما كان مختصا بادارة وتنفيذ عملية الاستيلاء على الحكم ومن بعد تكون الحركة الاسلامية هي الحاكمة بمؤسساتها وليس بأشخاصها» ثم يضيف، لكن الذي حدث هو ان استمرأ الذين اشرفوا على أمر تنفيذ الانقلاب من عضوية المكتب الخاص والعسكريين الامر، وغيبوا الحركة الاسلامية تماما، حيث تم اختزال الحركة الاسلامية كلها في ثمانية أو عشرة أشخاص هم الذين يقررون في أمر السودان ويحكمون باسم الحركة من غير تفويض أو مباركة، فاصبح الذي يدير السودان ويتخذ القرارات هم: الامين العام (الترابي) ونائبه والرئيس «البشير» ونائبه واربعة آخرون!! من الذي فوض هؤلاء ومن أين استمدوا الشرعية؟ لا أحد يعلم!! لذلك أصبح السؤال الدائر وسط عضوية وقيادات الحركة الاسلامية هو: من يحكم السودان؟». بالطبع الذي كان يحكم السودان وقتها هو الدكتور الترابي ومن اصطفاهم من الجماعة. وكان ذلك بحق انقلابا على الحركة الاسلامية بكل مؤسساتها. ومن بعد ذلك سعى لتصفية العسكريين اذ أصر على حلّ مجلس الثورة وكان له ما أراد باستثناء اصرار البشير على ان يظل محتفظا برتبته العسكرية!
وتحت عنوان: اعتلت الثقة عندما تم حل المجلس العسكري ورد في صفحة 194: «ان البشير قبل على مضض حل المجلس العسكري، لكنه تأبى وتمنع من تقاعده العسكري بحجة ان وجوده في الجيش يشكل ضمانة لتأمين الثورة. كلمة حق وراءها ما وراءها من تحسبات وتحوطات وتوقعات. فلولا الزي العسكري لما استطاع اخضاع الترابي للمعاش الاجباري، وحل المجلس الوطني وتجميد عضوية الامين العام للحزب الحاكم الذي لم يكن أمينا عاما فحسب بل كان رئيسا فعليا للسودان يقع تحت امرته بطريقة مباشرة وغير مباشرة كل التنفيذيين من البشير الى ادنى تنفيذي في الدولة». «لذلك فطن البشير لهذا الأمر مبكرا. وقرر قراءة الواقع والاستفادة من تناقضات الحركة الاسلامية الذين شغلتهم المناصب والسعي وراءها والتمسك بها وبالمزيد منها مهما كلف الثمن حتى صار بعضهم (يحفر) لبعض ويتآمر عليه بأخس واوضع انواع المؤامرات التي تفتقد الاخلاق والوازع الديني» ثم يقول المؤلف: «كان البعض يأتيه (اي البشير) متطوعاً شاكياً من هيمنة الترابي وانصاره وتهميش الرئيس الذي ـ في كثير من الاحيان يستمع الى القرارات المهمة والرئاسية مثله مثل غيره من عامة الشعب.. كانت مثل هذه الشكايات تجد صدى وهوى في نفس الرئيس الذي يرى ان مصيره سيؤول الى مصير اعضاء مجلس الثورة المحلول، لذلك كان يعلم ان هذا التهميش سيقود حتماً الى المواجهة». وفي هذه المعمعة ظهرت على سطح الاحداث مذكرة العشرة، وهم مجموعة من الكوادر الاسلامية صاغوا مذكرة تنتقد انفراد الترابي بالسلطة وتطالب ببسط الشورى ووجود المشاركة. وكانت تلك المذكرة السانحة التي استغلها البشير للاطاحة بالترابي، ولكي ينفرد هو بالسلطة ويضع الترابي في السجن ويعلن الطوارئ ويحل البرلمان. واختصارا لهذا المشهد نحاول استعراض شهادات بعض رموز الحركة الاسلامية كما وردت في متن الكتاب. ونبدأ بما قاله الدكتور بكري عثمان سعيد في صفحة 236، ايدنا مذكرة العشرة لانها هدفت للشورى وحكم المؤسسات، ولانها كما قيل جاءت ضد دكتاتورية الترابي. ولكن يرى الكثيرون اننا لم نجد شورى ولا حكم مؤسسات، بل تحولنا من دكتاتورية الترابي الى دكتاتورية من هم اقل منه علماً ومعرفة. مما جعل البعض يشعر بأن المذكرة هي عبارة عن تحول من دكتاتورية الى اخرى اسوأ منها. بينما يقول احمد عبد الرحمن القيادي البارز في الجبهة الاسلامية والمؤتمر الوطني في ذات الصفحة: قد اصبحنا موظفي علاقات عامة تديرنا المجموعة الامنية. وهو نفس الرجل الذي قال للبشير بعد اعتقال الترابي في فبراير 2001: كرسي الحكم الذي تجلس عليه الآن ظل الترابي والحركة الاسلامية يعملون له طيلة الخمسين سنة الماضية فلا يمكن ان تعتقل الترابي بهذه الطريقة ولا تشاور احداً! اذن علينا ان نكون جاهزين ونبل رأسنا. غضب الرئيس البشير من تعليق احمد على اعتقال الترابي، ولكنه سارع في اليوم التالي بزيارة احمد في منزله! ويعتبر احمد عبد الرحمن وهو احد ثلاثة اسسوا الحركة الاسلامية من المهمشين حتى الآن!
لكن هذه الفاصلة بين الترابي والبشير والتي أدت الى اعتقال الترابي وتصفية كل من وقفوا معه من مواقع السلطة ومطاردتهم والتضييق عليهم وسجنهم وتعذيبهم كل ذلك ادى الى تفجير ازمة دارفور التي لم تنطفئ حتى الآن واضحت تهدد وحدة وأمن كل السودان· لقد فجرها الاسلاميون من جناح الترابي وفقاً للشهادات الواردة في كتابهم هذا، ونستعرض جانبا من ذلك في ما يلي تأكيداً لهذه الحقيقة، ففي صفحتي 140/141 يورد الكاتب حديثا للترابي عن الخلافات وفجورها فيقول الكاتب: فما نورده هنا من اقوال الترابي ينطبق عليه وعلى مجموعته لما شهدناه في ندواتهم التي اعقبت انشقاقا وما فيها من الترويج والتشنيع بالخصوم والتلويح بالملفات الخطيرة والاسرار المشتركة ونفس الاسلوب غير الكريم استعملته السلطة الحاكمة في تصفية حساباتها مع خصومها السياسيين بقيادة الترابي وانصاره، فمارست ضدهم ابشع انواع التشديد والمطاردة والسجن والتجني وتلفيق التهم والتشهير السياسي، ونسيت السلطة سذاجة من بعض اجهزتها غير الحكيمة، ان المؤتمر الشعبي الذي وصم بالعنصرية وسيطرة عنصر معين عليه، انه اذا كبت في الخرطوم نتيجة للقبضة الامنية فلا مجال انه سيجد متنفسا خارج الخرطوم.
وقبل هذه الازمة الخطيرة يحسب عليهم جميعا جناح الترابي وجناح البشير انهم كانوا وراء تحويل مشكلة الجنوب من سياسية الى جهادية دينية الى درجة تعذر معها الحل الا باتفاق صاغوه هم مع حركة قرنق يمنح الجنوب حق تقرير المصير ويعبثون الآن بهذا الاتفاق على نحو سيفضي في الغالب الى انفصال الجنوب عن الشمال، ويكشف الكتاب الكثير عن بدعة عرس الشهيد في الجنة التي ابتدعها الترابي عن قتلاهم.. في الجنوب، ومن افكاره لاحقا صياغة مذكرة تفاهم مع قرنق قبل وصول الجناح الاخر الى الاتفاق وكيف ادت تلك المذكرة الى اعتقال الترابي من جديد بحسبانه تحالف مع قرنق العدو وقتذاك وانتكس عن فتاوى الجهاد والمجاهدين!
ونختم استعراض هذا الكتاب الذي حوى الكثير من الوثائق والشهادات العامة ومحاضر لقاءات الاسلاميين مع الرئيس مبارك وعمر سليمان وغيرهما من المسؤولين بعد وقوع الشقاق نختم بشهادتين احداهما ليس عمر الامام أحد مهندسي انقلاب الانقاذ والثانية عن علي عثمان نائب الترابي سابقا ونائب البشير في رئاسة الجمهورية حاليا.
يقول يس: قلت للبشير في مرحلة الخلاف وقبل قرارات رمضان: انا لدي اقتراح اذا يمكن توافق عليه ام لا.. وهو ان الحركة هي القائدة وانت الآن نضجت وفي الدورة القادمة نرشحك انت لامانة المؤتمر الوطني ونعد شخصا بالقرب منك حتى يتهيأ لرئاسة الجمهورية.. وحسن الترابي يقود الحركة الاسلامية وفعلا رشحت له اربعة او خمسة اشخاص هم علي الحاج، علي عثمان، عوض الجاز، عبد الله حسن احمد، ابراهيم السنوسي، قال لي البشير انا موافق وبعد يومين أو ثلاثة قابلت البشير فقال لي إنه قابل وتشاور مع بعض الناس وقالوا له ان رئاسة الجمهورية هي الاساس وهي التي تحل المشاكل وان الحزب وخلافه ماذا يعني تمسك البشير بالرئاسة؟ قطعاً انه قرر سلفاً عدم التفريط فيها حتى لو دعا الأمر الى الاطاحة بالحركة نفسها وهذا ما سندركه في الحال عندما نسوق ما قاله المؤلف في صفحة خمسين من الكتاب وهو يتحدث عن النائب بقوله: «الاستاذ/عثمان محمد طه رجل عف اللسان.. ثاقب النظر.. مهذب في حديثه.. وضعه الخلاف بين أمرين احلاهما مر.. اما ان ينحاز لشيخه ويقف ضد البشير والقوات المسلحة وبذلك تدخل الحركة الاسلامية بكاملها في تجربة الحزب الشيوعي مع نميري وإما ينحاز للبشير ويضحي بحبه للترابي ويحفظ ما تبقى من دولة الحركة الاسلامية ويعصمها من خطر المواجهة مع المؤسسة العسكرية.

الشرق الاوسط

Post: #34
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-24-2008, 07:34 AM
Parent: #32

البيان الاول لانقلاب الترابي في الاهرام وليس اذاعة امدرمان
محمد طه محمد احمد
الوفاق

هل كان قادة الشعبي يتوقعون ان تنسب السلطات كل السلاح الذى وجدوه في 5 مخازن بالخرطوم وامدرمان والخرطوم بحري هل كانوا يتوقعون ان تنسبه للمجهول او لقوي خفيه تزكر الناس بقصه (ه.ج ويلز)(الرجل الخفي)؟
وبعد اكتشاف السلاح وشهاده الاستاذ محمد الحسن الامين عضو المكتب القيادي للمؤتمر الشعبي واعلانه البراءه من المضي في خط مجموعه تريد سفك الدماء وازهاق الارواح بعد هذه الشهاده هل يريد من تبقي من قاده المؤتمر الشعبي ان تنسب السلطه الانقلاب للمجهول او للرجل الخفي ؟
كلا انه الرجل الظاهر حسن الترابي وقد اعلن في الحوار الذي اجرته معه الصحفيه المصريه اسماء الحسيني البيان الاول للانقلاب .
ان حسن الترابي هو الحزب والحزب هو حسن الترابي ولن يصدق احد ان الدكتور عبد الله حسن احمد مازال مخدوعا.
نعم حينما اشترط الرئيس البشير اعاده الشرعية للمؤتمر الشعبي ولكن بشرط التبرؤ مما فعله الترابي وعزله فان هذا الشرط علق علي المستحيل .ان الحزب هو حسن الترابي والترابي هو الحزب ولاشعبي يلتف حول الترابي ولا يحزنون .
ان اكبر التجني علي التاريخ وعلي الحاضر وعلي المستقبل ان يطلق الترابي علي حزبه (المؤتمر الشعبي)مع العلم ان الشعب السوداني اسقط الترابي مرتين في الدوائر الجغرافيه فقد اسقطه اهله في الجزيره وفاز ضده الحاج مضوي محمد احمد ثم اسقطة اهل الخرطوم في انتخابات 1986بالدائره 27الصحافه جبره وفاز فيها المحامي حسن شبو مرشح الاتحادي الديمقراطي.
اذا فلماذا يطلق الترابي علي مجموعته حزب المؤتمر الشعبي وهو بلا شعبية ؟
لقد تباينت ردود قيادات حزب المؤتمر الشعبي حول الشرط الذي قدمه المشير عمر البشير رئيس الجمهوريه للتنظيم من خلال التنوير الذي تم بمجلس الوزراء المتعلق بفك الحظر عن نشاط الحزب نظير عزل الشيخ الترابي عن القياده والتبرؤ منه بجانب اعلان التنظيم الحزبي مجددا رفضه للعنف كوسيله للسلطة .
ففي الوقت الذي اوضح فيه عبد الله حسن احمد الامين العام بالانابه للتنظيم انتظار وصول العرض بصورة رسميه من رئيس الجمهوريه للحزب ليقوم بدراسته والرد عليه سارع عضوان بالمكتب القيادي للحزب برفض العرض جملة وتفصيلا وقال كمال عمر امين الدائره العدليه ان مازكره الرئيس ياتي في اطار الوصايا الامر الذي لا يمكن لحزب مستقل ان يقبله .وقال محمد عبد الواحد عضو المكتب القيادي ان علي الحكومه منح الشيخ الفرصه للدفاع عن نفسه اولا.
وقال عبد الله حسن ان علي رئيس الجمهوريه تقديم عرضه بصوره رسميه للتنظيم ليدرسه ويقول كلمته فيه دون ذلك يعتبر مازكر تحصيل حاصل .
وقال المهندس محمد عبد الواحد عضو المكتب القيادي امين التنظيم بولاية نهر النيل ان الحزب اصلا لايمكن ان يدين امينه العام دون سماع حجته حول ماتزكره الحكومه واستدرك بالقول الشيخ الترابي ليس كبيرا علي المحاسبه ولكن لايمكن ان نحكم عليه من وجه نظر الحكومه وحدها ودعا عبد الواحد رئيس الجمهوريه منح الترابي الفرصه امام القضاء للدفاع عن نفسه مبينا ان الله سبحانه وتعالي عاتب نبيه داؤد لانه حكم دون الاستماع لحجه الاخر وذاد، طالما قبلنا بحكم الشرع علينا منح الناس الفرصه للدفاع عن انفسهم بالاستماع اليهم ومن ثم نحكم لهم او عليهم .
وقال كمال عمر امين الدائره العدليه عضو المكتب القيادي ان دعوه البشير للتبرؤ من الشيخ وعزله تعتبر بمثابه فرض الوصايا علي التنظيم الامر الذى لايكمن ان يقبله احد واوضح ان كل ما تردده الحكومه تجاه الشيخ مجرد نكايه سياسيه وقال ان للحزب اطره المتعلقه بالمحاسبه سواء للامين العام او لاعضاع التنظيم لكنه اوضح ان الحكومه شرعت بالفعل في محاكمه المؤتمر الشعبي بغرض استصاله من خلال استخدامها للاجهزه المختلفه دون ان تتيح للحزب الرد علي الاتهامات التي تسوقها .
واضاف ان ماتمارسه الحكومه الان يرمي الي اضعاف موقف الحزب امام المؤسسات العدليه وذاد لو كانت ترغب في اجراء محاكمات عادله كان عليها الاتتحدث الا بعد اصدار قرار من الاجهزه العدليه واردف حتي وزير العدل يتحدث الان عن بيانات كأنما الامر وصل الي حد الادانه .واشار ان نيابه الجرائم الموجه ضد الدوله تتحدث لاجهزه الاعلام وترفض الرد علي مطالبات هيئه الدفاع عن معتقلي المؤتمر الشعبي المتعلقه بتحديد اسماء المتهمين وعددهم والاتهامات الموجه اليهم واوضح رغم ذلك نحن علي استعداد للمحاكمات .
وكان الرئيس قد هدد بقطع رأس حسن عبدالله الترابي المعتقل منذ مارس الماضي بعد ان اعتبره المدبر المباشر للمحاوله الانقلابيه التي كشفت حكومته عن احباطها الجمعه الماضيه قبل تنفيذها.
واشترط البشير لعوده حزب الترابي لممارسه نشاطه السياسي في البلاد ان يصد بيانا يعزل فيه الترابي عن قيادته الحزب بعد ادانته قبل ان يصف المحاوله بانها ورخيصه قبيحه ودنيئه.
وجاءت الحمله التصعيديه للبشير ضد الترابي وحزبه اثناء لقاء له مع رؤساء النقابات والفعاليات السياسيه ورؤساء تحرير الصحف في مجلس الوزراء .
وقال البشير ان الترابي ضالع بشكل مباشر في التخطيط للمحاوله الانقلابيه الاخيره واضاف ان كثيرا من قيادات الشعبي لاتعرف عن المحاوله شيئا ومضي ان الترابي الذي نعرفه لايخطر الا شخصا واحدا من انصاره باللمسات الاخيره للحدث المحدد .وحسب البشير ان اللمسات الاخيره للمحاوله الانقلابيه وقف عليها الترابي بنفسه عندما كان طريح الفراش بمستشفي ساهرون الذي نقل اليها المعتقل الشهر الماضي ،بعد ان اعتبر خروج الترابي الي المستشفي كان ادعاء منه حتي يجد الفرصه للتخطيط ووضع اللمسات الاخيره للمحاوله التخريبيه .اما اعلان العزله عندما نقل من الستشفي الي منزل في ضاحيه كافوري الفاخر بالخرطوم بحري فكان تمويها منه حتي اذا وقعت المحاوله يقال بانه لاعلاقه له بها وهو في العزله .
وصعد البشير من هجومه حين قال ان الترابي نحبه ونحترمه ونقدره وكدنا نقول في يوم من الايام لا اله الا الله ومحمد رسول الله والترابي ولي الله ...ولكن العمل مع الناس والاحتكاك بهم يكشف معادن الرجال واضاف ان المحاوله التخريبيه اسلوب رخيص وقبيح ودنيئ وشدد علي ان كل هذا العمل مسؤليه الترابي .
وهدد البشير بقطع راس اترابي حين قال انا اذا اصدرت قرارا بقطع راسه افعلها وانا مطمئن لله سبحانه وتعالي ...ولكن نحن انشأنا اجهزه ونريدها ان تعمل، ونوه ان بعض قيادات الشعبي اعتقلت وهي لاتعرف شيئا عن الاعتقال وان اخرين اعتقلوا احترازيا واخرين للتمويه وهناك من اعتقل للحمايه . واشترط البشير للسماح للشعبي بممارسه نشاطه بان يصدر بيانا يدين فيه الترابي ويعزله عن قياده الحزب وقال حينها سنسلمهم الدور اليوم قبل الغد .وشدد ان اي حوار او حديث مع الشعبي من دون اتخاذ هذه الخطوه يعتبر خيانه للامانه وطبقا للرئيس السوداني ان نائب الترابي في الشعبي عبد الله حسن احمد متاكد من ان الترابي هو الذي رتب للعمليه .
ووصف البشير حديث الترابي وحزبه عن التهميش بالمزايده، وتساءل :لماذا لم يتحدثوا عن التهميش والكتاب الاسود عندما كانوا معنا في السلطه حتي العام 1999 من ناحيته تعهد علي عثمان محمد طه النائب الاول للرئيس السوداني باقامه الحق كاملا علي كل من يثبت تورطه في المحاوله التخريبه التي استهدفت العاصمه واحبطتها السلطات الامنية الجمعه الماضيه ،وقال:سنحاكمهم بنفس القوانين التي شرعوها ولن نسن قانونا جديدا اجرائيا كان او موضوعيا ولن ناخذ بريئا بجريرة مذنب ولكن المذنب سنقيم عليه الحق كاملا.
ونفي طه بشده ان يكون التأمر الذي تم يندرج تحت لافته صراع الاسلاميين ،مؤكدا انتهاء هذا الصراع وحسمه ووصفه بانه صراع عرض أمن البلاد واستقرارهاللخطر واصبح صراعا بين الطرف الذي خطط لادارته والمواطنين كافه.
وحذر طه في جلسه طارئه لمجلس الوزراء السوداني حول المحاوله الانقلابيه من استغلال ما تم الاتفاق عليه في بروتوكولات نيفاشا السته كاجنده سياسيه لايه طرف من الاطراف .وقال ان هذه دعوه لاهل الجنوب ليفرقوا بين حقوقهم التي اعترفنا بها وسجلناها وتبنيناهاووقعنا عليها في بروتوكولات السلام وبين ان تصبح تلك الحقوق مطية وركوبا لتحقبق اجنده وطموح سياسي لهذا الطرف او ذاك .
واكد استمرار الحكومه في الحوار مع القوي السياسيه المعارضه والدفع بالعمليه الديمقراطيه الي الامام بقوله الصبر والمصابره تؤدي لاخواننا في الوطن حقهم ،بان يكون لهم الرأئى وفي أن نعترف بهم في كيانات سياسيه.
محمد طه محمد احمد / رئيس تحرير صحيفه الوفاق /الخرطوم
29/9/2004

Post: #35
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-24-2008, 07:43 AM
Parent: #32

من سقطات الترابي !!
( وتجعلون رزقكم انكم تكذبون) صدق الله العظيم


بدأ الدكتور حسن الترابي ، زعيم حزب المؤتمر الشعبي ، هذه الأيام يستعيد نشاطه ، ويهيئ نفسه ، ليعود مرة اخرى للسلطة ، طارحاً نفسه ، بديلاً عن جماعته السابقة ، بعد ان ابعدوه وكفروه .. ولما كان مشروعه ، الذي وضعه ، واقام على اساسه انقلاب يونيو89 ، قد سقط عملياً ، فانه فضل ان يكون ظهوره بفتاوي مثيرة ، بعضها قديم وبعضها جديد ، قصد منها ان يبدو اكثر تقدماً ، وتحرراً ، وانحيازاً للمرأة ، وليؤكد لتلاميذه الذين تمردوا عليه ، انه لا زال المرجعية الدينية للجماعة الاسلامية ، وانهم يستمرون ، الآن ، في الحكم دون مرجعية دينية !!

ولست هنا ، بصدد مناقشة محتوى فتاوي الترابي ، التي اجاز فيها للمسلمة ، ان تتزوج الكتابي ، وان تؤم الرجال في الصلاة ، وتتساوى معهم في الشهادة .. ولكن ما يهمني هو ان الترابي نفسه ، لا يؤمن بهذه الفتاوي ، ولقد سبق له ان تبرأ منها ، ومن فتواه القديمة ، بعدم قتل المرتد !! بل انه رغم دعاوي المساواة والحرية ، في فتاويه الراهنة ، رفض في ذلك الوقت حتى (الاختلاط) ، ولم يسمح للمرأة الا بالخروج للصلاة !! وحين كان الترابي يرتدي ذلك الرداء السلفي ، الذي انكر به كل دعاوي التجديد ، لم يكن أيضاً مؤمناً به !! وانما قال ما قال ، لارضاء جهات ، كان ينتفع منها مادياً ، مما يدل على ان الرجل ، لم يكن في أي وقت، يؤمن بأي شئ ، مما يقول به من الدين !! بل لعله يؤمن فقط ، بمصلحته الشخصية ، المترتبة على هذه الفتاوي ، التي يذيعها تارة ، وينكرها تارة أخرى ، وهو في كل الاحوال ، انما يرتزق من كذبه !!
فلقد ارسل الشيخ عبد العزيز بن باز، مفتي السعودية ، في الثمانينات، خطاباُ للترابي يجري نصه هكذا ( من عبد العزيز بن عبد الله بن باز الى حضرة الاخ المكرم الدكتور حسن الترابي وفقه الله لما فيه رضاه آمين .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعده .
فاشفع لمعاليكم بهذا نسخة من الرسالة الواردة ممن سمى نفسه عبد البديع صقر صاحب مؤسسة الايمان المؤرخة في 24/11/1400 ه راجياً من معاليكم بعد الاطلاع عليها التكرم بالافادة عن صحة ما نسب اليكم من الآراء لنعرف الحقيقة والشبهة التي اوحت لكم بهذه الاقوال ان صحت نسبتها اليكم امناقشتكم فيها على ضوء الأدلة .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الرئيس العام لادارة البحوث العلمية والافتاء و الدعوة
والارشاد
أما الخطاب المرفق الذي كتبه الشيخ صقر فقد جاء فيه :
( صاحب الفضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز
رئيس دوائر الفتوى و الدعوة بالمملكة العربية السعودية حفظه الله
بواسطة مركز الدعوة الاسلامية بدبي
السلام عليكم ورحمة الله
لقد جاءنا من القطر السوداني ما يفيد ان رجلاً اسمه الدكتور حسن الترابي يشغل وظيفة وزير هناك للشئون الدينية او نحو ذلك ينشر افكاراً غريبة منها :
1- انه لا يرى اقامة الحد برجم الزاني .
2- وانه لا يرى في الدين شيئاً يمنع زواج المسلمة من الكتابي .
3- وان الردة ليست في الخروج من دين سماوي الى دين سماوي آخر بل الشرك فقط .
4- وانه ليس في الخمر حد وانما هو التعزير .
5- وان القواعد الاصوليه وقواعد علم المصطلح الحديث امر غير ملزم لكل المسلمين ......) ( المصدر للوثيقتين : د. محمد وقيع الله : التجديد والرأي والراي الآخر ص 144-146 )

هذه هي التهم فما هو رد الترابي عليها ؟! قال ( لم يقع مني في كتاب او خطاب عام ان اشرت الى غير المعروف في حكم الزاني المحصن ) ( المصدر السابق ص 147 ) هذا مع ان المعروف في حكم الزاني المحصن ، الرجم بالحجارة حتى الموت .. فهل حدث ان رجم أي شخص حين كان الترابي مستشار النميري في تطبيق قوانين سبتمبر 1983 ؟! بل هل حدث ذلك في كل فترة حكم الانقاذ - التي كان الترابي عرابها- رغم رفع الشعارات الاسلامية ؟! ألم تبدل العقوبة- رغم وجود النص - بادخال الشبهة ، وتحويل العقوبة الى الجلد ، بدلاً عن الرجم في كل القضايا ؟!
يواصل الترابي فيقول ( والفصل الثاني افتراء وتلفيق فقد كان في سياق بحث بالانجليزية في مسلمي أمريكا اذ قلبت وجوه فقه الاسرة واسرار الحكمة فيه وتطرقت للتزاوج من المشركين والنصوص المانعة التي قطعت فيه منذ الهجرة للتنافر البعيد بين الطرفين . ثم تعرضت للكتابيين وقربهم النسبي لنا مما اباح طعامهم ومحصناتهم وجعل طعامنا حلاً لهم أما نساؤنا فقد ذكرت اتفاق الفقهاء على منع ذلك استصحاباً لحرمة الفروج الا بتحليل وسداً لذريعة فتنة من قوامة الكتابي على مسلمة ....) ( المصدر السابق ص 148) وهكذا ينكر الترابي الفتوى التي يحاول ان يصبح بها بطلاً هذه الايام ، ويدعي بسببها ، انه نصير المرأة ، حتى ان بعض الحركات النسائية ، تريد ان ترفع فتواه كدليل على الطرح الاسلامي التقدمي !! ثم انه يؤكد لابن باز اتفاقه التام ، مع فقهاء السلف ، في منع المسلمة من زواج الكتابي ، حتى لا تقوم قوامة من كافر على مسلم .. ولما كان الترابي ، لا يتورع في استغلال الدين لمصالحه ، فقد كان ارضاء ابن باز سبب تلك الفتوى ، كما ان معارضة تلاميذه في الانقاذ واظهارهم بالتخلف ، هو سبب الفتوى المعاكسة الحالية . ويمضي الترابي ، في الكذب ، فيقول ( وما جاء في الردة تلفيق أيضاً اذ لم يحدث ان رتبت حكماً على التمييز بين ما يرتد اليه والمرتد ) ( المصدر السابق ص 149) .. وقد تكون التفاصيل ، التي اشار اليها الترابي ، في هذه النقطة صحيحة ، ولكن ما قصده الشيخ صقر، هو ان الترابي حدد ان هناك ردة ، لا تعتبر ردة ، ولقد حدث هذا مراراً ، اذا كرر الترابي كثيراً ( ان الردة الفكرية لا غبار عليها ) !! وعن موضع الاختلاط قال الترابي ( اما الاختلاط فكلمة لا استعملها استبشاعاً وانما رايت كيف يمنع النساء مما كن يشاركن فيه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كالمسجد والعيدين والخروج للحاجة بحجة سد زريعة الاختلاط ....) (المصدر السابق ص 150 ) فالترابي اذاً ، لم يدع للاختلاط ، وانما طالب للمرأة ، بما كان لها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، مثل شهود الصلاة، والعيدين فهل رأى الناس مثل هذا النفاق ؟! من الذي منع المرأة في السودان من هذه الاشياء حتى يدافع لها الترابي عنها ؟! وهل حقاً هذا هو المدى الذي يريده الترابي للمرأة ويلزم به عضوات تنظيمه ؟! أم ان الموضوع مجرد محاولة ماكرة لارضاء الفقيه السعودي ، الذي كان قد افتى بعدم جواز قيادة المرأة للسيارة ؟!

أما التهمة التي خاف منها الترابي حقيقة ، فاتهام الشيخ صقر، بان تلاميذه لهم نزعة صوفية ومشيخية .. وكان سبب خوف الترابي ، علمه بان انزعاج الشيخ الوهابي ، من الصوفية لا يدانيه شئ آخر .. ولذلك قال ( اما شباب السودان فلا تسودهم نزعة صوفيه أو مشيخية وانما هي كلمة تحريش الى عالم سلفي ) !! وهكذا لم يتردد الترابي ، بالتضحية بكل ارثه الصوفي، وحلفاؤه من الصوفية ، الذين كونوا معه الجبهة القومية الاسلامية ، في سبيل ارضاء الشيخ ابن باز !! لماذا حرص الترابي على ارضاء ابن باز على سبيل دينه ؟! اسمعه يقول ( واننا اذ نشكرك على سالف دعمك للمجاهدات الاسلامية بالسودان نرجو ان تخاطب عنا اخواننا الحاملين علينا ظلماً ) !! ومعلوم ان ابن بازلا يدعم من نفسه ، وانما هي حكومته ، فهل كان هذا الدعم كافياً ليبيع به الترابي دينه ؟! ولو كان الترابي على يقين من علمه ، وعلى ثقة بربه، لرفض من الاساس تدخل هؤلاء الفقهاء العرب ، فيما يجري في بلادنا ، ولأصر على ما قال ، دون تنازل منه ، ولسألهم عن عجزهم ، عن اقامة الدين ، في بلادهم ، ثم مطالبة غيرهم به .

ولم يكتف الترابي ، بانكار فتاوي التجديد والمساواة ، بل اتهم من اثاروا حوله الشبهات ، بانهم اعتبروه من تلاميذ الاستاذ محمود محمد طه فقال ( وزج بي في زمرة محمود محمد طه السوداني وهو رجل تنبأ ثم تأله وانكر جل شعائر الاسلام وشرائعه ) !! ولم يقم الترابي بطبيعة الحال ، بتقديم اي دليل ، على ما ذكر في شأن الاستاذ محمود ، ولم يكن اصدقاءه من امثال ابن باز يحتاجون الى دليل .. ولعل ما ازعج الترابي ، في نسبته للاستاذ ، ليس ما يدعي من تكفير الاستاذ ، وانما لأن ذلك يعني ان تنسب الافكار التحررية ، التي ادعاها الى الاستاذ ، لأن ذلك يظهره على حقيقته ، كسارق لهذ ه الافكار، دون ان يحسن اقتباسها ، ودون ان ينسبها الى مصدرها ..

وحين سئل الترابي ، بواسطة بعض الصحفيين ، ابان الاحتفال بذكرى استشهاد الاستاذ محمود محمد طه ، في يناير الماضي ، صرح بانه لا علاقة له باعدام الاستاذ ، وقال في الجامعة ، انه لم يحدث ان قابل الاستاذ ، او عارضه او كفره !! ولكن في هذه الوثائق العجيبة ، التي نشرها عن اعجاب بالترابي، تلميذه د. محمد وقيع الله ،يجري الحوار هكذا :
( * لماذا وافقتم على اعدام زعيم الحزب الجمهوري الشيخ محمود محمد طه ؟!
- لأن الشيخ طه مرتد واصبح قاعدة للغرب لانه يريد ان يجرد المسلمين من فكرة الجهاد ليصبحوا عرضة للتسلط الغربي كما يريد ان يدخل الماركسية والراسمالية والليبرالية الغربية في بطن الاسلام كما جعل من نفسه إلهاً ينسخ أركان الشريعة ....
• الا تخشى ان يمتد هذا السلاح اليكم وفي السودان من يكفرونك ويعتبرونك خارجاً عن الاسلام ؟
- لهم ذلك ان شاءوا والامر متروك في النهاية للشعب ونحن معروفون لديه معرفة واسعة....) ( المصدر السابق ص 159 – نقلاً عن جريدة الأهالي المصرية حوار أمينة النقاش مع الترابي بتاريخ 1/5/1985)

ولقد صدق حدس الصحفية النابهة ، وتم اتهام الترابي ، بواسطة تلاميذه ، بما سبق ان اتهم به الاستاذ محمود ، معاوضة لفعلة .. ولكن يبقى الفرق بين الرجلين ، هو الفرق بين العارف الذي يظل رغم كل شئ ، ثابتاً على مبادئه ، والمدعي الذي يكذب ويتحرى الكذب .

د. عمر القراي

Post: #36
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-24-2008, 07:53 AM
Parent: #35

البشير يهدد بقطع رأس الترابي بتهمة التدبير للمحاولة الانقلابية في السودان

سودانيز اون لاين
9/27 12:12am

هدد الرئيس السوداني عمر البشير بـ«قطع رأس» الدكتور حسن عبد الله الترابي زعيم حزب المؤتمر الشعبي المعارض المعتقل منذ مارس (آذار) الماضي، بعد ان اعتبره المدبر المباشر للمحاولة الانقلابية التي كشفت حكومته عن احباطها الجمعة الماضية قبل تنفيذها.
واشترط البشير لعودة حزب الترابي الشعبي لممارسة نشاطه السياسي في البلاد ان يصدر بيانا يعزل فيه الترابي عن قيادة الحزب بعد ادانته، قبل ان يصف المحاولة بانها «رخيصة وقبيحة ودنيئة».
وجاءت الحملة التصعيدية للبشير امس ضد الترابي وحزبه اثناء لقاء له مع رؤساء النقابات والفاعليات السياسية ورؤساء تحرير الصحف السودانية في مجلس الوزراء. وقال البشير «ان الترابي ضالع بشكل مباشر في التخطيط للمحاولة الانقلابية الاخيرة»، واضاف «ان كثيرا من قيادات الشعبي لا تعرف عن المحاولة شيئا»، ومضى «ان الترابي الذي نعرفه دائما لا يخطر الا شخصا واحدا من انصاره باللمسات الاخيرة للحدث المحدد». وحسب البشير فان اللمسات الاخيرة للمحاولة الانقلابية وقف عليها الترابي بنفسه عندما كان طريح الفراش في مستشفى «ساهرون» التي نقل اليها من المعتقل الشهر الماضي، بعد ان اعتبر خروج الترابي الى المستشفى كان ادعاء منه حتى يجد الفرصة للتخطيط ووضع اللمسات الاخيرة للمحاولة التخريبية. وقال «اما اعلان العزلة عندما نقل من المستشفى الى منزل في ضاحية كافوري الفاخر بالخرطوم بحري فكان تمويها منه حتى اذا وقعت المحاولة يقال بانه لا علاقة له بها وهو في العزلة».
وصعد البشير من هجومه على الترابي حين قال «ان الترابي نحبه ونقدره ونحترمه وكدنا نقول في يوم من الايام لا إله إلا الله ومحمد رسول الله والترابي ولي الله... ولكن العمل مع الناس والاحتكاك بهم يكشف معادن الرجال»، واضاف ان «المحاولة التخريبية اسلوب رخيص وقبيح ودنيء»، وشدد على ان «كل هذا العمل مسؤولية الترابي».
وهدد البشير بقطع رأس الترابي حين قال «انا اذا اصدرت قرارا بقطع رأسه افعلها وانا مطمئن لله سبحانه وتعالى... ولكن نحن انشأنا اجهزة ونريدها ان تعمل»، ونوه الى ان بعض قيادات الشعبي اعتقلت وهي لا تعرف شيئا عن الاعتقال وان اخرين اعتقلوا احترازيا واخرين للتمويه وهناك من اعتقل للحماية. واشترط البشير للسماح للشعبي بممارسة نشاطه «بأن يصدر بيانا يدين فيه الترابي ويعزله عن قيادة الحزب»، وقال «حينها سنسلمهم الدور اليوم قبل الغد»، وشدد «ان اي حوار او حديث مع الشعبي من دون اتخاذ هذه الخطوة يعتبر خيانة للامانة». وطبقا للرئيس السوداني فان نائب الترابي في الشعبي عبد الله حسن احمد متأكد من ان الترابي هو الذي رتب العملية.
ووصف البشير حديث الترابي وحزبه عن التهميش بالمزايدة، وتساءل: «لماذا لم يتحدثوا عن التهميش والكتاب الاسود عندما كانوا معنا في السلطة في حتى العام 1999». من ناحيته، تعهد علي عثمان محمد طه النائب الاول للرئيس السوداني بإقامة الحق كاملاً على كل من يثبت تورطه في المحاولة التخريبية التي استهدفت العاصمة واحبطتها السلطات الامنية الجمعة الماضي، وقال: «سنحاكمهم بذات القوانين التي شرعوها ولن نسن قانوناً جديداً اجرائياً كان أو موضوعياً ولن نأخذ بريئاً بجريرة مذنب ولكن المذنب سنقيم عليه الحق كاملاً». ونفى طه بشدة ان يكون التآمر الذي تم يندرج تحت لافتة صراع الاسلاميين، مؤكداً انتهاء هذا الصراع وحسمه ووصفه بانه صراع عرض أمن البلاد واستقرارها للخطر واصبح صراعا بين الطرف الذي خطط لادارته والمواطنين كافة.
وحذر طه في جلسة طارئة لمجلس الوزراء السوداني حول المحاولة الانقلابية من استغلال ما تم الاتفاق عليه في بروتوكولات نيفاشا الستة كأجندة سياسية لاية طرف من الاطراف. وقال هذه دعوة لاهل الجنوب ليفرقوا بين حقوقهم التي اعترفنا بها وسجلناها وتبنيناها ووقعنا عليها في بروتوكولات السلام وبين ان تصبح تلك الحقوق مطية وركوباً لتحقيق اجندة وطموح سياسي لهذا الطرف أو ذاك.
واكد استمرار الحكومة في الحوار مع القوى السياسية المعارضة والدفع بالعملية الديمقراطية الى الامام بقوله «الصبر والمصابرة تؤدي لاخواننا في الوطن حقهم، بأن يكون لهم الرأي وفي ان نعترف بهم في كيانات نظمناها بالقانون ونتحاور معهم الآن لتطوير تلك الادوات القانونية في الاطار السياسي».
وشدد طه على ان الحكومة عازمة على اكمال الحوار مع التجمع الوطني المعارض اضافة لمجموعات شرق السودان واعداً اهل دارفور الذين استغلت قضيتهم فيما جرى من تآمر استهدفت به العاصمة القومية بمنحهم حقهم الكامل.

Post: #37
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-24-2008, 09:11 AM
Parent: #36

الأستاذ الخاتم عدلان في الاضواء الثلاثاء 2 نوفمبر 2004

الترابي والأفندي وحركتهما:
حركة تزاود في الحق، وتكابر، وتنابذ في الخطاب،
تهاتر وتشاقق وتنافق وتزدوج في المعايير.
وتحكم البلاد!



ألمحنا فيما سبق إلى أن الترابي يحاول عن طريق التمييز بين التدين والدين، أن يحقق هدفين، وهو لا يهمه في كثير أو قليل وجود تناقض صريح بين هذه الهدفين. فهو يحاول من جانب، أن يتخلص من قيود الفقه، بمذاهبه كلها، باعتباره تدينا خاصا بعصر معين تحت تأثيرات فلسفية معروفة، هي على وجه التحديد فلسفة أرسطو ومنطقه الصوري المرفوض فيما يبدو من قبل الترابي، رفضا يبدو أنه مطلق. وربما يكون الترابي محقا في ذلك من حيث المبدأ. ففكرة أن الفقه الإسلامي مرتبط بعصره وخاضع له، فكرة قال بها الكثيرون، لفتح الأبواب أمام اجتهاد جديد يناسب العصر. المفارقة أن الترابي الذي يدعو لها هنا كان من بين مقاوميها ورافضيها الأكثر شراسة وتنطعا.
ينادي الترابي الآن بهذه الفكرة ليفتح المجال لتدينه وتدين حركته، وليجد الحرية للمناداة بآراءـ وخاصة في مجال المرأة والفكر السياسي، من حيث المبادئ والآليات، يرفضها الفقه التقليدي. ولكن الترابي لا يطبق القاعدة التي رفض على أساسها الفقه القديم، على فقهه هذا الجديد. وهي الإقرار بأن هذا تدينه هو وتدين حركته، ويمكن أن يكون للآخرين مفاهيمهم حول الدين والتدين، دون حجر عليهم من قبله. وهو بدلا عن التزام هذه القاعدة، من قواعد المنطق الصوري التي ما تزال صحيحة حتى إشعار آخر، فإنه يفعل العكس تماما ويقول أن تدينه هو الدين، وأن من لا يؤمن بما يؤمن به فهو كافر وفاسق وظالم. أي أن الترابي لا يفتح باب الإجتهاد والتجديد ليلج منه الآخرون بما لديهم من رؤى وأفكار يمكن أن تكون مخالفة أو مناقضة لفكره ومنهجه، بل يفتحه ليعيد إغلاقه بصورة أكثر إحكاما مما كان عليه من قبل. وهذا هو جوهر التجديد الديني بالنسبة للترابي. فهو ليس تجديدا في حقيقة الأمر، بل هو نوع من الإغتصاب والنهب والمصادرة.
بعد إزاحة الفقه التقليدي من الطريق، وهي إزاحة مؤقتة وظاهرية كما سنوضح، يقول الترابي أنه سيرجع مباشرة إلى الأصول، أي القرآن والسنة، ليخرج منهما المعاني الأصلية، التي غابت عن الآخرين، بحكم محدودية معارفهم وطاقاتهم الذهنية. وبذلك يحق له أن يطرح برامج حركته باعتبارها دعوة لتحكيم القرآن والسنة، في مقابل الأفكار الوضعية الضالة التي يدعو إليها الآخرون. وقد كان ذلك هو مدخله إلى ما أسميناه الإبتزاز الديني الذي نجح فيه أيما نجاح.
ولكن هل صحيح أن الترابي يقدم منهجا ربانيا في مواجهة المناهج الوضعية التي يقدمها الآخرون؟ هذا هو السؤال الذي نحاول الإجابة عليه حاليا. متناولين القضية على مستويين: مستوى عمل الحركة عندما كانت في المعارضة، ومستوى منهج الدولة عندما استولت عليها هذه الحركة. ولنبدأ بالمستوى الأول ونرجئ الثاني إلى حين.
يقول الترابي في وصفه لمنهج حركته ما يلي:
" بيد أن سنة تطور الحركة الإسلامية الحديثة أن تبادر عفوا في كل عمل جديد، ثم تؤصله فقها وتؤطره تنظيما ليطمئن الخاطر الديني ولينتظم الأداء ويصبح العمل كسبا حركيا كاملا." كتاب الحركة الإسلامية: التطور، المنهج، الكسب. ص 184.
فالملاحظ هنا أن الحركة تتصرف بعفوية في كل عمل جديد، أي أنها لا تعتمد منهجية محددة ، تسمح لها بإتيان أعمال معينة، تعتبرها خيرة ومرغوبة، وتعصمها عن أعمال أخرى باعتبارها محظورة أو خاطئة، من منظورها الديني، بل تقوم عفوا بما تراه خادما لمصلحتها، وقاهرا لأعدائها، ودافعا بها نحو أهدافها في التمكين، ثم تأتي بعد ذلك لتجد له التأصيل الفقهي. أي أن الفقه خادم هنا للحركة وليس هاديا لها، والنظرية تابعة للتطبيق وليست سابقة عليه، والتأصيل هو التبرير والتلفيق والإعتذار، وليس الرجوع إلى أية ينابيع، صافية أو مقدسة. ومثل هذه الممارسة، لا يمكن وصفها بالممارسة الربانية، بل هي من بين كل الممارسات الوضعية، أكثرها وضاعة، و أوغلها في الفجور. وحصادها الحقيقي هو إباحة كل الوسائل، حتى وإن كان من ضمنها القتل، لأن من يقدم عليها يعرف أن له شيخا يحميه، ومنظرا يجد له المخارج الفقهية مهما كانت ورطته. ويمكننا أن نجد التفسير الحقيقي لمسيرة الحركة التي امتلأت بكثير من الجرائم، يرتكبها أصحابها بضمير يبدو عليه الإرتياح، ولمخازي أخلاقية تمثل الغذاء اليومي لأعضائها وقادتها، أقدموا عليها دون تردد، ويضاعفون " كسبهم " منها كل يوم. وعليك أن تلاحظ أن التبرير والتأصيل الفكري، هدفه ليس أكثر من طمأنة الخاطر الديني! فالدين بالنسبة لهذه الحركة، عندما تنخرط في "العمل" ، ليس أكثر من خاطرة، وفكرة طارئة.
ولنستمع إلى الترابي نفسه وهو يصف أخلاق حركته:

كانت الحركة أحيانا تعارض كيفما أتفق، وقد تلقى نفسها مفتونة بحمية المعارضة أن تزاود في الحق وتكابر بينما أن تحب أن يكون ولاؤها بالحق دون عصبية وقيامها بالسلطة دون ميل، أو تنابذ في الخطاب وتهاتر بينما تعلم أن واجبها أن تقول التي هي أحسن وتدفع بها، أو تشاقق في العلاقة وتهاجر وحقيق عليها أن تبشر ولا تنفر وتجمع صف الأمة ولا تفرقه، أو أن تنافق بظاهر من الموقف وتزدوج بمعاييرها وأولى لها أن تصدق وتستقيم في المخبر والمظهر وأن تقيم الميزان. ص 211
حركة تفتنها حمية المعارضة، فتزاود في الحق، وتكابر، وتنابذ في الخطاب، وتهاتر، وتشاقق في العلاقة وتهاجر ( وهو يخلط هنا بين الهجر والهجرة ) وتنافق وتزدوج في المعايير. وهي تفعل ذلك مع علمها التام بأن واجبها أن تدفع بالتي هي أحسن، وتبشر ولا تنفر، وتجمع صف الأمة، وتصدق وتستقيم في المخبر والمظهر وأن تقيم الميزان. أي أنها لا تأتي هذه المنكرات لجهلها، بل تأتيها بعد علم، وتتورط فيها عن اختيار. وليس لدينا ما نقوله في هجاء مثل هذه الحركة أكثر مما قاله عنها في هذه الكلمات، صاحبها ومؤسسها، ومؤلف كتبها ومثالها البشري. وإن للحقيقة لأساليب غاية في المكر في بعض الأحيان، إذ تعلن عن نفسها من أفواه أعداء جعلوا مهمة إخفائها و خنقها وتمزيقها وقتلها، رسالة حياتهم.
وفي الحقيقة فإن مثل هذه النصوص تكثر في مؤلفات الترابي، وتدفع المرء للإعتقاد أنه في بعض اللحظات يفقد السيطرة كليا على خطابه، ويسيطر عليه لاوعي لا يعرف الكبت أو الأسرار. ومن حسن حظ الحقيقة أن كتابات الترابي لا تخضع للمراجعة من قبل أتباعه، لأن منهم من يعتقد أن ما يقوله هو الحق المطلق، ومنهم من لا يفهمه ويؤمن به دون حتى قراءته، ومنهم من يعرف أن رطانته تقع في إطار التبرير و الإعتذار والتعمية، ولذلك لا يأبهون بها كثيرا، لأنهم منصرفون " للكسب والجيب"!
وما دمنا نتحدث عن أخلاق الحركة فدعونا نتأمل ما قاله الدكتور عبد الوهاب الأفندي، متحدثا هنا، كما كان يفعل طوال عقدين، وحتى نهاية التسعينات، من مواقع التلمذة والإنبهار والإفتتان، بشيخه الترابي.
في كتابه الثورة والإصلاح السياسي:
يقول عبد الوهاب الافندي أن الأخوان عندما كانوا متحالفين مع نميري لم يكن بمستطاعهم أن يدافعوا عن أنفسهم عندما شملتهم الجماهير بغضبها " بسبب القيود التي وضعوها على حريتهم في الكلام. فلم يكن بوسعهم أن يبرروا دعمهم للنظام بالإفصاح عن تفاصيل البرنامج الذي وضعوه لتوسيع الحركة سرا وإعدادها لوراثة النظام حين تحين ساعته." ص 230،
ويستمر الأفندي ليقول:
(وكانت النتيجة أن اهتزت سمعة الأخوان عموما والترابي خصوصا... وقد أوشك الترابي لذلك أن يفقد مكانته كرمز إسلامي يتعالى على المناصب والمكاسب.. ) ثم يذهب الأفندي إلى النتيجة المذهلة التالية:
( وقد أدخل هذا الوضع مفهوما جديدا في الأدبيات السياسية والأيديولوجية وهو مفهوم التضحية بالسمعة. فالمتعارف عليه أن أهل المبادئ يضحون بكل شيء، المال والأسرة والحياة لتثبيت مبادئهم. ولكن الشيء الذي يحرصون عليه هو فوق كل شيء هو سمعتهم وسمعة حركاتهم. ولكننا نجد هنا لأول مرة قيادة سياسية قررت أن التضحية بسمعتها ثمن مقبول تدفعه مقابل خدمة أهدافها الطويلة المدى.) ص 230-231
والملاحظة الأولى هي أن تحالف الحركة مع قوى سياسية أخرى يبرم بغرض ضرب هذه القوى، وليس خدمة أهداف مشتركة معها، أي تحويل التحالفات إلى صفحات من الغدر، وسلسلة لا تنتهي من أعمال التآمر، والتي يعترف بها الأفندي هنا، التي لا تقتصر على النميري ونظامه، بل تمتد إلى التحالف مع الصادق المهدي بغرض الإطاحة به، والتحالف مع عمر البشير وجماعته في القوات المسلحة، بغرض ذبحها في منعرج اللوى، وتحميلها كل الخطايا السابقة، والتحالف مع قرنق لمحاربته عندما يقوى العود، والتحالف مع القوى السياسية الأخرى، ورميها جميعا بالكفر لإزاحتها في الدورة الثانية من دورات التمكين، هو منهج أصيل من مناهج الحركة، يلتصق بها كجلدها، ويغوص أكثر مما تغوص الجلود والأظافر.
الملاحظة الثانية هي أن الترابي لم يستطع أن يدافع عن ممارساته على أيام النميري، حتى بعد أن سقط ذلك النظام، وصارت للجبهة الإسلامية خمس صحف يومية، سيطرت على الفضاء الإعلامي بالتلفيق والأكاذيب والإفتراءات على كل القوى السياسية، سيطرة تكاد تكون كاملة. وهو لم يستطع أن يدافع عن تلك الممارسة، ليس لأنه فرض على نفسه الصمت، بل لأن الممارسات نفسها لا يمكن الدفاع عنها! إذ كيف يمكن الدفاع عن تخزين العيش والملايين جائعة؟ وكيف يمكن الدفاع عن إكتناز الأموال والأغلبية الساحقة يطحنها الإملاق؟ وكيف يمكن الدفاع عن تبرير حالة الطوارئ والقمع، بالادعاء أنها ممارسة معروفة في الإسلام، استنها النبي الكريم؟ وكيف يمكن الدفاع عن مبايعة النميري إماما للمسلمين؟ والبيعة، كما يعرف الأفندي، ليست نوعا من الصمت، بل هي نوع من الكلام الجهير، والأيادي المرفوعة للسماء، على مرأى من الشعب كله والعالم أجمع!
الملاحظة الثالثة هي أنك عندما تضحي بسمعتك فإنك لا تستردها! لا يمكن أن تصبح عادلا وقد شاركت في الظلم، ولا يمكن أن تكون كريما وقد اقتلعت اللقمة من الأفواه الجائعة، ولا يمكن أن تكون أمينا وقد أضمرت الغدر بكل ما ربطتك به الصلات، عامة أو خاصة، ولا يمكن أن تكون صادقا وقد كذبت على رؤوس الأشهاد مرات لا يحصيها العد، ولا يمكن أن تقول كلمة حق في وجه سلطان جائر وأنت تبايعه على المنشط والمكره.
ولا اعتقد أن كل ذلك قد فات على الأفندي، ولكن رغبة التبرير لديه كانت أقوى من سلطة المنطق، وأكثر إغراء من إلتزام الصدق والحق. وهو في ذلك إنتاج ترابي خالص ونقي، وتستحق كتاباته، وخاصة عن الترابي، فحصا وفضحا وكشفا، لأنها تحتوي على إلتواءات فكرية لا نجدها إلا عند أستاذه الأفعى.
والملاحظة الرابعة، هي أننا نعرف أن الأدبيات السياسية والأيديولوجية المعاصرة آخذة في الميل نحو الديمقراطية والشفافية والإستقامة وحقوق الإنسان، أي أنها آخذه في تخطي ممارسات الترابي التي تنتمي إلى عصور الإنحطاط في الفكر السياسي والأيديولوجي، والتي يتمسك بها الترابي، في نفس الوقت الذي تهجرها العقول النيرة، وحركات الشعوب الطالعة، والشاخصة نحو المستقبل. أما محاولة تبرير ممارسات الترابي المشينة، والمدمرة للسمعة، باعتراف الأفندي، بإدراجها كمقولة جديدة، في الفكر السياسي والأيديولوجي، ومعاملتها كإحدى السوابق، فإنها لمحاولة بائسة، بؤس تلك الممارسات نفسها.
والنقطة الخامسة والأخيرة، عن التضحية وهي مقولة أخلاقية. فعندما نشب الخلاف، ليس حول حياته أو سمعته، بل حول مكانته وقيادته: هل قال الترابي عندها ما كان قد قاله لمحمد الهاشمي الحامدي، في لحظات التداعي الودودة:
" عمر بالنسبة لي هو أنا، حتى وأنا جالس هنا في بيتي، أي أنه يمثل أشواقي وأشواق أهل السودان إلى الدولة الإسلامية العزيزة... ما يجري في السودان إذن، ليس معلقا بشخص، بالترابي أو البشير أو بغيرهما، وإنما هو حركة تاريخية قوية، وليس الأشخاص فيها إلا رموزا وأسماء فقط.." (كتاب حسن الترابي: آراؤه واجتهادا ته في الفكر والسياسية ص ص 106-107)
أم كان له قول وفعل آخرين؟
جواب نتركه للقارئات والقارئين.

Post: #38
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-24-2008, 09:35 AM
Parent: #37

العُلَمَاءُ وسِجَالُ التَّكْفير

بقلم: كمال الجزولي

لم تكن قد خبت، بعدُ، نار الشقاق التى أشعلتها النخبة الاسلاموية الحاكمة فى السودان حول مفهوم (العاصمة القومية) الوارد فى (إعلان القاهرة) بتوقيع المهدى والميرغنى وقرنق أواخر مايو الماضى، وبلغت بها، أو كادت، حدود (التكفير)، حين اندلعت نار أخرى أكثف لهباً وأشد ضراوة، هذه المرة على أيدى (كوادر) قيادية فى أقسام مختلفة من حركة الاسلام السياسى، أكثرهم مجهول الهوية، وبعضهم يطلق عليه إعلام الحركة لقب (عالم)، وبعضهم الآخر يشغل مواقع سياسية نافذة فى أجهزة الدولة، نشطوا جميعهم، فجأة، خلال الشهرين المنصرمين، فى إصدار (الفتاوى) التى (تكفر)، بالجملة، و(تهدر دماء) شرائح من مثقفى الجماعة المستعربة المسلمة فى البلاد تسميهم (معتنقي الديمقراطية والاشتراكية والموالين للنصارى)، لا لذنب اقترفوه سوى أنهم لا يرون ما ترى الحركة ونظامها فكرياً وسياسياً! بل و(تكفر) تنظيماً بأكمله فى مجال العمل الطلابى (الجبهة الديمقراطية)! كما تخصص الجوائز لمن يأتى برأس أيِّ من (المستهدفين) من المفكرين والأكاديميين والكتاب والشعراء والصحفيين والمحامين والقضاة والمعارضين السياسيين بواقع مليون دينار للرأس (أقل من أربعة آلاف دولار)!


ولو لم تكن هذه (الجردة التأديبية) قد جاءت من فوق مناخ العنف المتصاعد منذ مطالع عقد التسعينيات من القرن المنصرم، مما نتج عنه اغتيال الفنان خوجلي عثمان وإصابة زميله الفنان عبد القادر سالم، بل وحصد أرواح المصلين فى مساجد العاصمة وبعض المدن الأخرى، لأمكن اعتبارها محض (فرقعات) لا قيمة لها. أما والشواهد طازجة، فإن من سوء التدبير الاستخفاف باحتمالاتها المفجعة، فثمة دائماً مجرمون على استعداد للقتل (من أجل حفنة دولارات)، ومجانين يتصورون أنهم يتقربون إلى الله زلفى بإزهاق الأرواح! ولعل ذلك بالتحديد هو ما حدا بقرابة الخمسمائة مفكر وأديب وفنان وصحفى وغيرهم للتوقيع على مذكرة فى هذا المعنى إلى رأس الدولة بتاريخ 2003/7/21 يُطالبون فيها السلطة باتخاذ الاجراءات الكفيلة، لا بتأهيل الخرطوم كى تصبح عاصمة للثقافة العربية بعد أقل من عامين فيما هو مقرر، بل بضمان سلامتهم وحماية أرواحهم، لا أكثر ولا أقل!!


شدَّد رأس الدولة، خلال حديثه فى اليوم التالى مباشرة إلى وفد من (هيئة علماء السودان)، على ضرورة «التوسط فى الطرح، والابتعاد عن التطرف، وأن من يعتقدون أن الدولة لا تحقق الأمن مخطئون» (الرأى العام، 2003/7/23). هذه البادرة، وبصرف النظر عن صحة التقدير الذى قد يعتبرها غير كافية بمجرَّدها لمواجهة تهديد بهذا الحجم، أكدت، على الأقل، أن جمر القلق من عاقبة الأمر يومض أيضاً، بقدر أو بآخر، على الضفة الأخرى. ولكن، هل تكفى لإخماده كل التعبيرات المغرقة فى الغموض والمغالطات التاريخية مما صدر حتى الآن من أولئك المعنيين بتوجيه رأس الدولة، المستظلين بمظلة السلطة؟!


لقد عبَّر الأمين العام للهيئة البروفيسير محمد عثمان صالح، فى نفس اللقاء، عن أن هيئته تتوسط فى طرحها الدينى وتعارض كل تطرف (المصدر). وأكد وزير الارشاد والأوقاف، فى خطبة الجمعة، أن «هيئة العلماء.. تعلم عدم جواز تكفير المسلم مهما كانت الأسباب، و.. أن تكفير المسلم جريمة دينية لا ينبغى قبولها»، أما الهيئة نفسها فقد ذهبت إلى أبعد من ذلك، فى البيان الختامى لمؤتمرها الثانى، حيث أكدت أن علماء السودان مشهود لهم بأنهم «أبعد الناس عن مجازفة التكفير واتهام النيَّات» (الحياة، 2003/7/27).


ومع ذلك فإن المرء لا يستطيع أن يمنع ذاكرته من استعادة مواقف لا تسند، للأسف، هذه الدفوع الموغلة فى الاطلاق، ومن أمثلتها:


(1) أنه، وبمناسبة الحديث الذى نسبته بعض المصادر للأستاذ على عثمان طه، نائب د. الترابى فى الأمانة العامة للجبهة الاسلامية القومية سابقاً، ونائب رئيس الجمهورية حالياً، من تصريح أدلى به خلال مخاطبته لطلاب جامعة الخرطوم، مساء 2000/2/15، ومفاده أن «الحكومة لا تمانع فى الحوار حول مسألة فصل الدين عن الدولة إذا كانت هذه القضية تهدد وحدة السودان»، وقد نفته رئاسة الجمهورية لاحقاً ببيانها الصادر بتاريخ 2000/2/19، فإن د. الترابى قد سارع، رغم ذلك، إلى تأكيد الواقعة، وكان يشغل وقتها منصب الأمين العام للحزب الحاكم، معتبراً الحديث «كفراً ببعض الكتاب وإيماناً ببعضه»، بل «ليس فيه عقل أصلاً»! (الصحافة، 2000/2/21م).


(2) ثم عندما أبرم حزب الترابى، بعد إخراجه من السلطة، مذكرة التفاهم الشهيرة مع حركة قرنق بجنيف فى 2001/2/19، والتى أدانت النهج الانقلابى الشمولى، وانتهاكات حقوق الانسان، وعدم الاعتراف بواقع التعدد السودانى، ونادت بإلغاء القوانين المقيدة للحريات، وإطلاق سراح المعتقلين، والتوصل لاتفاق سلام عادل، ووحدة طوعية، وديمقراطية تضمن التداول السلمى للسلطة، وتمنع التمييز بين المواطنين على أساس الدين أو الثقافة أو العرق أو النوع أو الاقليم.. الخ، سارعت الأمانة العامة (لهيئة علماء السودان) إلى إصدار بيان بتاريخ 2001/2/22م أدانت فيه المذكرة، واعتبرتها «فتنة وبغياً ومهدداً للشريعة». وخلصت، على لسان البروفيسير نفسه، إلى وجوب توجيه «النصح والاستتابة» للترابى «حتى يثوب إلى أمر الله وأمر السلطان عما اكتسبه من إثم»، ودعت «لأخذ الباغين مأخذ الجد، ومعاملتهم بالحزم والحسم، حيث لا عدوان إلا على الظالمين» (الصحافة، 2001/2/23م). (3) وفى ذات السياق، وصف المجلس الأعلى للحج والدعوة والأوقاف، على لسان رئيسه الشيخ محمد ابراهيم محمد، د. حسن الترابى «بالخروج عن الملة و.. موالاة الكفار»، ودعا الدولة «لاتخاذ إجراءات قوية لردع الخارجين» (المصدر نفسه).


(4) وعندما اتخذ حزب الترابى، بعد ذلك بشهور، موقفاً مؤيداً (لطالبان) خلال حرب اميركا على أفغانستان، أصدرت (جماعة من العلماء) بياناً، وقعه عنهم محمد عبد الكريم وسليمان أبو نارو وعبد الحى يوسف وآخرون، هاجموا فيه موقف د.الترابى وحزبه المؤيد (لطالبان) خلال حرب اميركا على أفغانستان، حيث برَّأ البيان (دعاة الاسلام) من ذلك الموقف، ومن الترابى وحزبه الذين «لا يتخذون دين الله وشرعه دليلاً، أو يبغونه عوجاً ويريدون أن يتخذوا بين الكفر والاسلام سبيلاً»، ودعوا للتبرؤ مما عدُّوه، صراحة، هرطقة وإلحاداً من الترابى، ونصحوا بعدم الاغترار به: «الحذر الحذر من اتباع كل ناعق، والميل نحو كل مارق، فإنما يهدم الاسلام جدال المنافق بالكتاب.. والحق أبلج لا يتبعه إلا مهتد مفلح، كما الباطل لجلج لا ينصره إلا ضال مخسر، واعتزال المسلم للباطل خير من تكثير سواده، والبراءة من أهله فى الدنيا أحرى من الملاعنة فى يوم معاده.. فالنجاء النجاء لمن أراد الله والدار الآخرة».


(5) أما إذا عدنا مع التاريخ إلى الوراء فإن الشواهد لا حصر لها على عدم دقة الحكم الذى أطلقه بيان الهيئة الختامى لمؤتمرها المار ذكره بأن «علماء السودان مشهود لهم بأنهم أبعد الناس عن مجازفة التكفير واتهام النيَّات». فلقد كفر (العلماء) المهدى أواخر القرن التاسع عشر لثورته على الاستعمار التركى حتى وصفهم بأنهم (علماء السوء). وكفروا بعض أمراء المهدية الذين بدرت منهم معارضات لحكم الخليفة عبد الله التعايشى فأراد التخلص منهم. ثم عادوا وكفروا الشيخ علي ود.عبد الكريم وغيره من (فقراء) الخلاوى بطلب من الادارة البريطانية التى خشيت من قدرتهم على تهييج الجماهير ضدها مطالع القرن العشرين.


وكفروا محمود محمد طه عندما ناوأ النميري عام 1985م فأراد التخلص منه. بل وتحفظ الذاكرة التاريخية بيان (علماء السودان) الذى أصدروه إبان معركة (الجزيرة أبا) عام 1970م بين نظام (مايو) اليسارى آنذاك، من جهة، وبين تحالف (الأنصار) و(الأخوان المسلمين) وغيرهم، من الجهة الأخرى، يصفون فيه تلك الأحداث».. بالفتنة المتدثرة بثوب الاسلام، و..إن مبادئ مايو لا تخرج عن مبادئ الاسلام التى تقوم على العدل والاحسان ومحاربة الظلم والفساد، لذلك فإن الوقوف بجانبها واجب دينى قبل أن يكون واجباً وطنياً، والخروج عليها خروج على أمر الله، ومخالفة صريحة لأهداف ومبادئ الاسلام» (الأيام، 1970/4/3م).


فهل تكفى، بعد كل هذا، فى باب التعامل مع (مذكرة المثقفين)، محض تطمينات لفظية تصدر عن (علماء السودان) بأنهم إنما يتوسطون فى طرحهم الدينى، وأنهم يعارضون كل تطرف، وأنهم يعلمون بعدم جواز تكفير المسلم مهما كانت الأسباب، وأنهم يعلمون أن تكفير المسلم جريمة دينية لا ينبغى قبولها، وأنهم مشهود لهم بأنهم «أبعد الناس عن مجازفة التكفير واتهام النيَّات»؟!

Post: #39
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-24-2008, 09:39 AM
Parent: #37

11/23 2:57م
خطاب مفتوح للسيد محمد مهدي عاكف المرشد العام لجماعة الأخوان المسلمين
بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الأخ الكريم الأستاذ/ محمد مهدي عاكف، المرشد العام لجماعة الأخوان المسلمين
تحية من عند الله طيبة مباركة وسلام

طالعت بمشاعر من الحزن والخيبة والشفقة تفاصيل الحوار الذي أجري معكم علي الموقع الإلكتروني لصحيفة سودانيز أونلاين بتارخ 2 نوفمبر 2004م. مستصحبا تاريخاً مجيداً لهذا المنصب الكريم الذي إنتهي الي فضيلتكم مرشداً عاماً لجماعة الأخوان المسلمين، إذ تأسس علي تقوي من الله ورضوان، في فاتحة عهد الصحوة الإسلامية المجيدة وفي خضم المحنة المتطاولة بأمة المسلمين، وما أشبه الليلة بالبارحة حيث قام الإمام الشهيد حسن البنا لأول القرن الماضي بدعوة سواء للإسلام متجردا من العصبيات الطائفية مؤسساً لبناء جديد علي أصول الدين الخالدة ولكن علي صور متجددة في سلسلة الإحياء الإسلامي الموصولة في تاريخ المسلمين، كلما بلي فيهم الدين أو نسوا حظا مما ذكروا به، مثابة تعيد الدور الإجتماعي لرسالة الأنبياء كما جاء في وصف المفكر الإسلامي العظيم مالك بن نبي للإمام البنا.
وقد كانت الحركة الإسلامية في السودان بعضاً من صحوة المسلمين التي إنتظمت عالمهم كافة من وقع الصدمة التي تبدت لهم من بؤس أوضاعهم وترديها الي قوة الغرب الغازي وطغيانه. إلا أن بركات حركة الأخوان المسلمين قد غشيت حركة الإسلام في السودان، رسائل هادية في الفكر للمرشد الأول ومذكرات ونظم وتجارب، ثم الفيض الغامر للأئمة الأعلام سيد قطب، ومحمد الغزالي، وسيد سابق، والبهي الخولي، وغيرهم كثير، ولكنها كذلك إنفتحت لمناهل أخري في حركة الصحوة الأولي فجاءها من الجزائر الفكر النهضوي لمالك بن نبي ومن باكستان كتب الأستاذ أبو الأعلي المودودي ومن الهند أبو الحسن الندوي ومن سوريا الدكتور مصطفي السباعي، وألهمتهم ثورة محمد مصدق والكاشاني في إيران أوائل الخمسين، كما فعلت الشهادة الوضيئة لسيد قطب منتصف العقد الستين. فأمة الإسلام أمة واحدة مهما بدت غير ذلك ومهما صورها أعداؤها وضاقت الآفاق ببعض أبنائها ودعاتها.
الأستاذ الكريم مهدي عاكف:
أسوق اليكم هذه المقدمة لأذكركم رحابة المد الإسلامي المعاصر وأنظر فيما صدر عن لسانكم في المقابلة المشار اليها: (أن الأنموذج في السودان لم يكن بنموذج أصلاً وأنه لم يؤثر عليكم مطلقاً بل كان جملة من الأقوال والأفعال غير المفهومة). أما نحن فنقول أن الحركة الإسلامية السودانية هي في التقويم الموضوعي لجملة المراقبين من المسلمين أو ممن هم خارج الملة أول تجربة لحركة إسلامية في العالم السني تبلغ تمام السلطان، وهي قد إستفادت من تجارب الإسلام كافة، وكانت أكثر فائدتها من الحركة الأم في البلد المجاور الشقيق (مصر)، صوابها تسترشد به وخطأها تعتبر منه، علي ذات منهج القرآن الكريم إذ يقص علينا سوابق الأمم بخيرها وشرها، رشدا وهدي أو موعظة وعبرة، فلا يعرف المؤمن قول المرشد أن التجربة في السودان وفشلها لم يؤثر مطلقاً لأنها أصلاً لم تكون بنموذج. وقد كان حرياً بالمرشد أن يبسط لنا في أنفسنا قولاً بليغاً (في المهالك التي أوقعوا أنفسهم فيها )، فقد كانت أكبر عبرة السودان من الهلكة الكبري التي تردت فيها الحركة الإسلامية في مصر بعد القومة والنهضة التي عطفت اليها قلوب الملايين، وتبعتها كذلك في إبتلاءات الإخفاق حركات إسلامية كثيرة سبقت تجربة السودان ولحقتها، بعضها بما كاد به الأعداء وبعضها بما كسبت أيدينا كلنا ف حركة الإسلام المعاصرة. وقد أنكر المرشد في الحوار المشار اليه : (لا يوجد عمل سري في جماعة الأخوان المسلمين نهائياً)، بعد أن صدرت الكتب والدراسات التي تحمل وجهات نظر متباينة في شأن التنظيم السري الخاص من داخل صف الحركة ومن خارجه، إذ أصبح كسب الجماعة فيه تاريخاً ينفع الناس تأمله وتقويمه ودراسته، لكن المرشد علي ما له من سالفة في التاريخ حتي كأنه ما يزال قائماً فيه ينكر التاريخ، فلا غرو ولاغضاضة أن ينكر تجربة السودان الي جواره وبين يديه، ولا غرو كذلك ولاغضاضة أن لايفهم المرشد ما قالت الحركة الإسلامية في السودان، لأن فهم أقوالها – وهي كتب وبرامج ونظم ودساتير أضحت موضوعا لدراسات ثرة عميقة في أرقي جامعات الدنيا ومراكز بحثها، وكذلك لدي جملة تجارب الإسلام المعاصرة وحركاته، ذلك أن فهم الكسب الفكري والعملي للحركة الإسلامية السوداني يقتضي من المرشد تواضعاً شديداً وصبراً أشد، فهي تأتي من بلد أدني في مسيرة التاريخ الذي يوالي تأثيره علي المرشد، لكن المسلمين يسعي بزمتهم أدناهم، وأمة النبي الخاتم كالمطر لا يدري أوله خيراً أم آخره.
لقد كان آخر ما قدمت الحركة الإسلامية السودانية من (أقوال) هو دستور للبلاد نفاخر ونتحدي به، لأنه أرد أن يعيد الرشد للسياسة الإسلامية منذ الخلافة الراشدة، وحوله دارت رحي معركة الخلاف الذي شق صف الحركة. ولا نشك أن المرشد لم يكلف نفسه بالوقوف عليه، فالدستور مقالة ولكنها ثمرة فعل بذلت فيه عقول كثيرة أفكارا كثيفة وسعت في سبيل بلوغه كسوب عميقة وارتوي غرسه بدماء عزيزة غزيرة لشهداء أبرار، لا يبدو في ظاهر أمر الدنيا أنهم أقل مضاءاً وبذلاً من شهدا حركة الإسلام في مصر، سوي أن أعدادهم متكاثرة ومدهم متصل دفاعا عن الأنموذج الذي لم يعني المرشد في شئ، ولكنه عني أعداء الإسلام في صراعهم الحضاري معه وكادوا له بما وسعهم. ولكنه كذلك أنموذج هفت اليه قلوب كثيرة علي إمتداد ساحات العمل الإسلامي في العالم فلم تنقطع وفودهم نحو السودان، وراعهم ما أصابه من محنة ضربت صفه، فهبوا اليه من أرجاء الدنيا يبتغون إصلاح ذات البين، ويعلمون أن الإسلام يخسر بإنحسار هذا المثال أو إنكساره فما من فكرة بقيت ثابتة إذا إضطرب من يحملها أو سقط، منهم أفذاذ قاموا بالإصلاح والحسني من نفس صف الجماعة التي تتولون اليوم أمر إرشادها وإن تأخر المسعي الرسمي بإسم الجماعة.
بل إن صف الحركة الإسلامية في السودان لم ينقسم علي مقولة غامضة أو مواقف مجهولة ولكن حول جوهر ما حملته وثيقة دستور البلاد، وهو لا يبعد كثيرا عما عبر عنه فضيلة المرشد في ذات المقابلة (أنا شخصيا أري أن الأخوان المسلمين يحملون أرقي حضارة علي مستوي التاريخ في تفهمهم لمعني الحرية وتداول السلطة والصدق والأمانة).
فضيلة الأستاذ المرشد : لقد جاءت عباراتكم عن الشيخ حسن الترابي زعيم الحركة الإسلامية في السودان لنصف قرن بادية الغرابة حتي لا نصفها بأكثر من ذلك، فهو بنص حديثكم : هي علاقات كانت أكثر من طيبة مع قائدها الأسبق السيد صادق عبد الله عبد الماجد الذي كان موجودا قبل حسن الترابي ولكن عندما جاء هذا الترابي إختلفنا معه كثيرا وإنقطعت صلتنا به ولم نعد نعرف عنه شيئا). ثم في موضع آخر : (ولو قابلت الترابي هذا وجاء وجلس أمامي فسأقول له هذا الكلام ولدي كلام آخر سأقوله له في حينها)، ثم في موضع آخر: (شوف أنا لا أوافق عليه بكل المقاييس ولو كنت قابلت هذا المدعو الترابي كنت سأقول له كلاما كثيرا جدا فنحن أولا لا نتفق معه مطلقاً وليست لدينا إتصالات معه لا من قريب ولا من بعيد ونحن نعلم جيدا انه الآن بالسجن). إلا أنه سوي الغرابة في الأفكار فهنالك الغرابة في الأسلوب التي يحزن المرء أن تجئ من الموقع الذي توالي عليه ائمة في البلاغة من لدن حسن البنا الي مصطفي مشهور كانوا يقولون للناس حسنا. فالشيخ حسن الترابي لا يعوزه إسم الإشارة الذي كرره المرشد وقد بلغ صيته الآفاق منذ منتصف القرن الماضي ، مفكرا إسلاميا عالميا وأكاديمياً تبسط له أرفع المنابر في ارفع معاهد العلم والإستراتيجية والسياسة، وتتسابق عليه وسائل الإعلام العربية والغربية ويحدثها بأكثر من لسان، ذلك قبل ان يسمع الناس بإسم السيد المحترم مهدي عاكف ولعلهم لن يسمعوا به لولا أن آل إليه منصب المرشد العام، فعلي ساحة العالم هنالك من يري الشيخ حسن الترابي علما وحجة وإماما جديرا بالإقتداء، وعلي ساحة العالم هنالك من يختلف معه ويراه غير ذلك وغالبهم – خاصة في إطار حركة الإسلام – يحترمه إحتراما عميقاً لا يخترمه تنابذ بالألقاب كما فعل فضيلة المرشد . وإذ أنني لا أجد في هذا المقام ما يدفعني للحديث أكثر عن الشيخ الترابي وتأثيره وشهرته فهي واضحة بذاتها، أذكر فضيلة المرشد أن الخلاف الذي زعم أنه قطعه عن كل علم بالحركة الإسلامية في السودان لم يكن مع شخص الشيخ حسن الترابي، فهو بوصفه مفكرا مجتهدا مسؤول عن فقهه وإجتهاده، ولكن الموقف الرسمي من التنظيم الدولي لجماعة الأخوان المسلمين هو قرار المؤسسات العليا في الحركة الإسلامية السودانية منذ أوائل العقد الثمانين للقرن الماضي، إذ عرضت البيعة علي الحركة الإسلامية في السودان للتنظيم الدولي ، وإنتهي إجتهادها وبإجماع هيئتها القيادية علي رفضها، وفتح ذلك السبيل لحوار فكري وتنظيمي في مناخ من السماحة والأخوة بين المؤمنين، عبر وفود رفيعة للتنظيم الدولي، ضمت وجوها كريمة منهم من قضي نحيه ومنهم من ينتظر ، مثلوا عدة أقطار عربية. وكان الإختلاف بين رؤية التنظيم الدولي الذي يري أن البيعة له بنص لا ئحة مكتب الإرشاد للعام 1948م والتي تخول للتنظيم الأم في مصر إنشاء فروع له في البلاد العربية، وبين رؤية المكتب القيادي لحركة السودان والذي رأي أن فكرة البيعة يعوزها الفقه والإيجابية، فالأوفق أن لا يقتصر الأمر علي قيادة مصرية وتنظيم عربي، بل ينفتح لكل حركات الإسلام في آسيا وفي أفريقيا، علي مناهج الحوار والتداول والتناصح والتوالي الفكري والتنظيمي، وعبر الوسائل مما أتاحت ثورة الإتصال والإنتقال، كما أن لكل قطر ظرفه الخاص وشعابه الدقيقة التي يفقهها أهله، فالحركة في السودان مثلا - منذ أوائل العقد السعبين الماضي وضعت خطتها الإستراتيجية نحو التغيير والتمكين وبلغت ذلك بحمد الله قبل الأجل المضروب أول الخطة، وكذلك قد يكون الأمر لباكستان أو نيجيريا من خارج عالم العرب. وقد إقترحت الحركة الإسلامية قي رسالة مكتوبة بعنوان (الأصول الفكرية والعملية لوحدة العمل الإسلامي 1983م)، وأسست ذلك علي فكرة التنسيق المتدرج صعودا نحو أكمل وحدة هي غاية وجود المسلمين بدلا عن البيعة والإندماج والإتباع . أم أن الأستاذ صادق عبد الله عبد الماجد هو زعيم الحركة الإسلامية في السودان قديما قبل الشيخ حسن الترابي علي حد قول المرشد، فتوهم لا أصل له، إذ لم يكن الأستاذ الصادق عبد الله يوما زعيما للحركة في السودان إنتخابا من أجهزتها أو زعامة بالأمر الواقع والإجماع الشعبي والتاريخي كما هو حال الشيخ الترابي. إلا أن الأستاذ الصادق وثلة محدودة معه خرجت لأول العهد الموسوم بالمصالحة الوطنية في السودان 1978م بمواقف وآراء علي القرار التنظيمي الرسمي وأدي ذلك بالمؤسسات التنظيمية المحلية أن تصدر قرارا بفصله ومعه بضع أفراد لم يكن من بينهم سوي الأستاذ صادق عبد الله من يوافي عضوية الصف القيادي الأول وقت ذاك. لكن التنظيم الدولي عامل تلكم الجماعة المحدودة وكأنها التنظيم الشرعي الأصل إذ رضيت أن تبذل له بيعة تزيداً علي الولاء القديم وساوي بينه وبينها في مناسبات عابرة علي قسمة ضيزي كما في موسم الإنتخابات للعام 1986م. لقد ظل الأستاذ صادق عبد الله يمحض قلمه في عمود يومي في صحيفة سودانية هجوما وتجنيا علي الشيخ الترابي والحركة التي يقودها وقد مضي علي ذلك في غالب سنوات حكم الإنقاذ التي يزعم المرشد ان الترابي (أوقع بالسودانيين فيها ما لايرضوه)، فلم يضر الشيخ الصادق عبد الله أذي من نفوذ الترابي، بل أن الشيخ الترابي لم يحدث قط أن بسط يده أو لسانه بالرد عليه فالله إنما يتقبل من الصالحين سنة إبني آدم، وتمتع الشيخ الصادق بحريته وحركته وعمله بما فيها عضوية مؤسسات أنشأها التنظيم الذي يقوده الترابي. حتي إذا وقع الإنشقاق الكبير بين قيادة الدولة ومن تولوا المناصب الأعلي فيها وبين الشيخ الترابي والحركة الإسلامية في العام 1999م، وعلي قضايا بينة أعلاها حرية الناس وإختيارهم، وإلتزامهم العهد وميثاقه ثم الحكم الإتحادي لأقاليم السودان كافة، حتي إذا إختلف الناس علي القضايا وأقصي الشيخ الترابي بقوة السلطان وطغيانه، سارع إخوتنا من جماعة الشيخ الصادق وعقدوا تحالفاً مع الحكم الراهن الذي يستشعر فضيلة المرشد إضطرابه وخطله : (ويدعوا لحوار جامع لكل المتخاصمين السودانيين وأن عليهم أن يعتدوا بالتجارب الديمقراطية التي حدثت في العالم وأنه بدون الحوار الجامع فلن تحل المشكلة مطلقا). والحق أن الترابي لم يبلغ في منهجه ونصيحته للنظام ما بلغ المرشد، بل دعاهم بمصطلح إسلامي أصيل هو (التوالي السياسي)، وأن يؤسس الحكم علي أصول الشوري والحرية الأتم، فغلب الإستبداد وكره المستبدون أن يهدد ذلك كرسيهم. إلا أن الذي يجدر ذكره في هذا المقام أن اول من سارع لنصرة الطغيان الوجوه الأبرز في الجماعة المبايعة للتنظيم الدولي، ممن فسح له تنظيم الترابي دائرة إنتخابية وفاز فيها ونال بها عضوية البرلمان الذي أقر ذلك الدستور بالإجماع، لكن العضو المؤقر علي مسلك مريب مضطرب نهاز أشتهر به، كان أول شهود المحكمة الدستورية ضد البرلمان الذي حله الرئيس بغير حق. أم الآخر في صف الجماعة المبايعة فقد غلب عليه ما يحفظ ويروي من شعر الجاهلية وتاريخها علي ما يفسر من آي الذكر الحكيم، فقد كان كذلك أبرز شهود الطغيان في جولة النظام الآخيرة ضد حزبنا المؤتمر الشعبي، إذ إلتزم غالب قيادات الأحزاب مهما تكن مجافاتهم لمناهج الأخوان في السياسة الإسلامية، إلتزم غالب هؤلاء موقفا عدلا وسطا لم تستخفه دعايات الطغيان وحضور نائب الرئيس لذلك الجمع، إلا من أخ لنا في الإسلام قدبم داعيا الي الحسم والهدم والردم . وهنا لنا وقفة شديدة الأهمية مع فضيلة المرشد.
فضيلة المرشد العام لجماعة الأخوان المسلمين:
لقد تناهت الينا من المصادر الوثيقة القريبة قرار نظام الخرطوم تصفية الشيخ حسن الترابي عبر محاكمة صورية يعقبها حكم نافذ سريع بالإعدام، ولم يلبث رئيس الجمهورية أن كرر أمام عيون العالم الراصدة وآذانه المرهفة أنه لا يضيره أن يقطع عنق الشيخ الترابي وهو مطمئن الي الله، تعالي سبحانه عن ساقط القول علوا كبيرا ، وقد كانت تلك المرة الثالثة في عامين التي يصدر فيها مثل هذا التصريح علي ملأ عام ومن ذات الرئيس، ولا ريب أن فضيلة المرشد قد سمع ذلك عبر كل وسائل الإعلام التي ظلت تردده ليوم كامل أو يومين وظل صداه يرتد إحتجاجا علي نظام الخرطوم من أهل الصدق والأمانة إلا من صمت تام للتنظيم الدولي.
يأتي ذلك من نظام مضطرب مأزوم تحيط به البلاءات لعلها بما كسبت أيادي القائمين عليه في فتنة لم تصب الذين ظلموا خاصة، فهي اليوم تهدد كيان السودان التاريخي الموحد منذ العام 1820م إلا أن غالب عسف النظام وقمعه يقع اليوم علي عضوية المد الأوسع للحركة في السودان وقيادتها وحزبها المؤتمر الشعبي، بعد أن برأ الي الله مما تردي اليه الحكم وإستقل حزبا بإسم ونظام ومواقف ، ولكن النظام لم يشأ أن يخلي بيه وبين الناس ولو إحتراما لدستوره الذي يتيح حرية التعبير والتنظيم ويمنع الإعتقال والحبس بالشبهات، وتلك قصة أخري من ظلم ذوي القربي يملأ تفصليها صفحات كثيرة، ولكن يهمنا هنا فقط المخطط الآخير الذي يريد أن يخلي الساحة من المؤتمر الشعبي لصالح ترتيبات مقبلة يتوهم النظام أنها لن تتم له هناءتها وإستقرارها بوجود المؤتمر الشعبي سيما أمينه العام الشيخ الترابي. ولقد رضي الحزب المبايع الصغير دوره في الإعداد لمخطط التصفية، أما أن يتورط المرشد العام لجماعة الأخوان المسلمين نفسه في مخططات الفراعين فهذا ما يدعونا بأن نبسط القول ونطيل الوقوف، فلماذا هذا الحوار وفي هذا الوقت بالذات ‍؟ ‍ولماذا هذا النمط من الخطاب نحو الشيخ حسن الترابي والمرشد وهوكما يقول يعلم جيدا أنه في السجن. إن يقيننا الذي ترشدنا اليه بصائرنا أن الحوار وتوقيته وأسئلته قد أعدت من قبل نظام الخرطوم ولكن لماذا ينساق المرشد العام له بكل هذا الحماس، قد أزال الشك باليقين مما ظللنا نرقب ونتأمل من تصرفات ومواقف التنظيم الدولي في المرحلة الآخيرة .
لقد شاهدنا وفد الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين بقيادة الشيخ يوسف القرضاوي يزور الخرطوم بعد أن إشتدت أزمة إقليم دارفور وبلغ صداها كل أركان الدنيا، وشاهدنا كذلك ذات الشيخ القرضاوي يصرح لتلفزيون السودان ساعة وصوله مطار الخرطوم بأنه إنما جاء (لإصلاح ذات بين إخوتنا الذي إختلفوا في السودان)، وكانت تلك بشري فالقرضاوي لعله أقرب العلماء قربي للسودان وللشيخ حسن الترابي، ولكن الشيخ القرضاوي قضي نحوا من اسبوع في السودان دون أن يلتمس زيارة للترابي وقد وافي الأيام الأشد سخاءاً في منح النظام فرص الزيارة لما يطلبها نحو الشيخ التراب ، وقد غادر الشيخ البلاد وإلتمسنا له العذر خاصة بعد أن فتحت الزيارة للعضو الأبرز في الوفد بعد الشيخ القرضاوي والأقرب الي السودان والي الشيخ الترابي وهو الدكتور محمد سليم العوا والذي سبق له أن زار السودان في العام 1989م وصرح في مقابلة صحفية (أن الشيخ حسن الترابي يتميز بعلم ديني غزير ونظرة فاحصة الي ماضي المسلمين ونظرة ثاقبة الي مستقبلهم)، وقد رايناه ورآه العالم اجمع يتحدث في قناة الجزيرة عبر برنامج بلاحدود لساعتين من الزمان ويعلن أنه إلتقي الشيخ الترابي لمدة ثلاثة ساعات في محبسه بالخرطوم إلا أن ما جري عبر تلك الساعات الطوال لم يجد تعبيرا بكلمة واحدة من الدكتور العوا ولم يتجرأ مقدم البرنامج علي طرح السؤال الذي ظل يطرح نفسه في الصمت المتواطئ للرجلين.
إننا نعلم أن الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين رغم التصريحات الكبيرة التي بشرت بسعته وإنفتاحه قد ولد في أحضان التنظيم الدولي للأخوان المسلمين ولا غضاضة في ذلك لو أنه فعلا مضي علي ما أعلنه مؤسسوه في لقاء الإفتتاح بمدينة لندن، كما نعلم أن نظام الخرطوم كان حاضرا بممثليه ولا غضاضة في ذلك أيضاً لو أنه فقط وجهت الدعوة لأهل الطرف الآخر من حركة الإسلام في السودان، أما ان العمل الأول للإتحاد العالمي بزيارة السودان في إطار محنة دارفور وأزمة إنشقاق الصف الإسلامي، فقد جاءت بإقتراح من وفد المؤتمر الشعبي الذي أفرغ وسعه حتي يلقي الشيخ القرضاوي ويبلغه في لندن بالمقترح ويحدثه عن خطورة الموقف وتحديدا عن مؤامرة النظام لتصفية الشيخ حسن الترابي.
فضيلة الأستاذ المرشد :
تواترت ملاحظاتنا علي إجتهادكم منذ أول صعودكم للمنصب في أن تطيب العلاقة بين حركة الأخوان المسلمين والحكومة في مصر عبر تصريحاتكم كافة مهما بدت الحكومة صادة عن ذلك، ولكننا نراه جانبنا موقف خير نرجو له تماما وبركة، أما أن تجير قضية السودان لا سيما قضية دارفور والمحنة التي يحاصر فيها الشيخ حسن الترابي وحركته لصالح ذلك فهذا ما لانرضاه ولا نري أن سيثمر في المدي القريب أو البعيد فالمؤمنون شهداء بالحق ولو علي أنفسهم.
لقد جرت تصريحات الشيخ يوسف القرضاوي وحديث الدكتور العوا عليهما بعد زيارتهما للسودان سخطاً شديداً من عامة المراقبين السودانيين وبدت شهادتهما عن دارفور كمن يكتم الحق أو يزوره – مهما كنا خاصة نقدر غير ذلك - ، وفي هذا الصدد نحيلكم الي ما نشر في أعقاب ذلك بالمواقع السودانية الإلكترونية التي إزدحمت بالتعليقات والرسوم الكاريكاتيرية مما لا نرضاه لهذين الشيخين الكريمين خاصة .أم أكثرها غرابة فهو تصريح رئيس وفد الأطباء المصريين الي دارفور الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح نقيب الأطباء وعضو جماعة الأخوان المسلمين الذي تحدث عن طهارة المنطقة من أيما حادث إغتصاب في نفس اليوم الذي إعترف فيه وزير العدل السوداني بوجود حالات لهذه الجريمة المنكرة وبعد إعتراف وزير الخارجية السوداني بوجود مشكلة في دارفور وأن عدد القتلي لا يزيد علي خمسة آلاف.
ان المثال القريب هو عبرة الاكراد في شمال العراق اذ صب عليهم صدام حسين نيرانه التي لم تعرف الرحمة وسط صمت تام من المسلمين لا سيما جيرانهم العرب، بحجة الاستغلال الاميركي للاحتجاج لتقوية حجج اميركا لغزو العراق، الا أن أميركا غزت العراق على اية حال، وارتد الموقف الذي يكتم الحق والشهادة فتنةً للأكراد عن أصولهم الحضارية والثقافية نحو موالاة الاجنبي.
إن نظام الخرطوم بسجله المثقل لا يستحق أن تتحول من أجله حركة الأخوان المسلمين الي هيئة علاقات عامة تمسح عن كاهله الأوزار وتقف من أجله في صف الجنجويد ولو كانت تخشي علي السودان من مغبة التدخل الدولي والغازية الأجنبية.
الأستاذ الكريم فضيلة المرشد :
إن المشهور عن جماعة الأخوان المسلمين في مصر هو تحفظها الشديد إزاء وسائل الإعلام وهو أمر محمود في بعض وجوهه خاصة إذا أشارت السوابق الي ضرورة الحذر خوف التشويه والتحوير. ولا ننسي أننا في تاريخ قريب قد رأينا من ينتحل بطاقة الصحافة ليتولي التصفية المادية الجسدية لقائد عسكري في بلد إسلامي معروف.
إن الصحفي الذي إختاره المرشد العام لإعطائه المقابلة موضوع هذا الخطاب قد ظهر إسمه في المواقع الإلكترونية بغير سابق تاريخ وليؤسس بنيانه علي مشاقة الحركة الإسلامية وتشويهها مدفوعا بأجندة نظام الخرطوم، وقد نالت أول سهامه المسمومة المستشار السابق للرئيس السوداني الدكتور غازي صلاح الدين والذي كتب مقالا طويلاً في الرد عليه، مبينا أن له سوابق كثيرة مع الصحافة إلا أنه ليس من بينها من إدعي أنه لقيه وأجري معه حوارا صحفيا إختصه به سوي هذا المنتسب زورا الي الصحافة، وهذه أزمة ما تزال تتفاعل في القضاء بعد أن أوقفت الصحيفة التي نشرت مقابلة المسشتار كل تعامل معه. كما نشر نفس الرجل مقابلة مع النائب الأول للرئيس السوداني شديدة الإضطراب والغرابة بما لا يضاهي إلا مقابلة المرشد العام لجماعة الأخوان المسلمين.
فضيلة الأستاذ المرشد :
إن آخر ما نتمناه أن نكون معكم علي خلاف عبر صفحات الخطاب العام ووسائل الإعلام، وما نزال نرجو أن يكون الحوار المذكور قد لحقه بعض التلبيس مما عرفنا من مسلك الصحفي الذي أجراه رغم سعة إنتشاره وغياب أي نفي له أو تصويب من قبلكم، إلا أن دواعي هذا الرد تثيرها شجون كثيرة ليس أقلها الصمت الذي يطبق علي التنظيم الدولي إزاء محنة الشيخ الترابي وحزب المؤتمر الشعبي وضلوع من يمثله داخل السودان في المؤامرة وقد تكاثرت السهام بغير حق وإمتدت فروع التآمر الأخطبوطي، فالحق أحق أن يتبع وأن يصدع به مهما يكن مراً، والأجدر بأخوة الإسلام أن تمحض النصح في ساعة شديدة الخطر علي الأمة كأنها تكون أو لا تكون ولكن أكثر الناس كأنهم لا يعلمون.

المحبوب عبد السلام المحبوب
الناطق الرسمي بإسم المؤتمر الشعبي في الخارج
23 نوفمبر 2004م

Post: #40
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-24-2008, 10:12 AM
Parent: #37

العرب و الاسلاميون و محنة دارفور

هلال زاهر الساداتي - القاهرة


حركت مأساة دارفور الدامية مشاعر الناس في كل مكان في العالم الذين تربط بينهم وشيجة إنسانية ووصلت إلى أعلى هيئة دولية تفصل في خصومات الدول و مشاكلها وهى لا تبنى قراراتها على الظن أو الشك ولكن بما يثبت لديها من أدلة و إثباتات , و اصدر مجلس الأمن قرارا بما يشبه الإجماع عدا أثنين من الدول امتنعت عن التصويت وهما الباكستان و الصين و يأمر القرار حكومة السودان لوضع حد للفظائع التي يرتكبها الجنجويد وان تنزع سلاحهم وان تيسر وصول الإغاثة إلى المنكوبين من سكان دارفور , و أمهلت حكومة الجبهة شهرا لإنجاز ذلك الأمر وان لم يتم ذلك فستفرض عقوبات عليها

لقد ظلت حكومة الجبهة تصر أمدا طويلا على النفى و الإنكار و المغالطة على وجود فظائع في دارفور بينما كانت آلتها الجهنمية الجنجويد تعيث أبشع الفساد في الأرض تقتيلا و تعذيبا للرجال و النساء المدنيين الأبرياء , واغتصابا لحرائر النساء , وحرقا للمساكن , و سلبا للممتلكات , و قلعا للزرع , واخراج الناس من ديارهم يهيمون في القفار بلا ماء أو طعام , و حتى الذين نفدوا بأرواحهم لاجئين في الجارة تشاد طاردتهم عصابات الجنجويد الدموية الهمجية للاعتداء عليهم . مما قرأناه من تقارير شهود العيان من منظمات دولية محترمة و صحفيين و موظفي إغاثة و أعضاء جمعيات إنسانية و خيرية و موفدين من هيئة الأمم المتحدة ختمها كوفي عنان السكرتير العام للأمم المتحدة و كولن باول وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية , وكل هؤلاء أفادوا و قرروا أن ما يحدث في دارفور اكبر كارثة انسانية في العالم اليوم . ونحن الذين لم نذهب إلى دارفور شاهدنا على شاشة التلفزيون ما نقلته لنا قنوات الفضاء العربية وغير العربية من دارفور من صور الدمار و العذاب الذي صب على أهل دارفور من الاثنيات الإفريقية غير العربية , وبدت الصورة واضحة جلية لكل ذي عينين , ولا يراها أو يتجاهلها إلا من كان كفيفا أو أعمى بصيرة أو مغرضا , و برغم ذلك كله ظل وزراء الجبهة يكذبون و ينكرون و يضللون وكان اعلاهم صوتا وزير الخارجية الذي كان أكثرهم إنكارا ثم يرضخ في اليوم الثاني و يثبت ما أنكره بالأمس مما يستحق معه وصفه بصوت الكذب أو وزير النفى و الإثبات ! و كلهم على هذه الشاكلة فان نظام الجبهة القومية الإسلامية أسس من أول يوم على الكذب و بينهم و بين الصدق خصام دائم , وهم لا يعملون بما جاء في كتاب الله في قوله (( ولا تلبسوا الحق بالباطل و تكتموا الحق و انتم تعلمون )) ( البقرة/42 ) وقدر يآن ايقلاند مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية أن الحصيلة الإجمالية للقتلى في دارفور يمكن أن تكون بلغت خمسين ألف شخص حتى الآن منذ 17 شهرا ..

ونذكر ناس الجبهة إن كانوا مسلمين و مؤمنين حقا بقول الله تعالى : (( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها و غضب الله عليه و لعنه واعد الله له عذابا عظيما )) , أخاطب متعلمي الجبهة بهذا التذكير لأن الجنجويد في جهلهم و حيوانيتهم مثل أنعامهم سواء فهم تتار القرن الواحد وعشرين , وان كانت هذه المذبحة لآلاف الأنعام دون داع لحركت الشفقة في قلوب وان قدت من حجر فما بالك إذا كانت تلك الآلاف من الضحايا من البشر ؟!

قرأت آخر تقرير صدر من منظمة العفو الدولية Amnesty International بتاريخ 19 يوليو 2004 باللغة الإنجليزية على موقعهم في الإنترنت و التقرير طويل و بالتفصيل مبنيا على شهادات أدلى بها اللاجئون و اللاجئات في تشاد لأعضاء و عضوات منظمة العفو الدولية , وقد رفعوا هذا التقرير لمنظمة الأمم المتحدة وحكومات الدول و منظمة الاتحاد الأفريقي و عديد من المنظمات الأخرى وقد ركز التقرير على اغتصاب النساء و الإساءة إليهن وآذيتهن من قبل الجنجنويد وقوات الحكومة من القوات المسلحة و الدفاع الشعبي وطلبت المنظمة من هيئة الأمم المتحدة إيفاد لجان تحقيق للنظر في هذه المعلومات ومن بعد تقديم المتهمين للعدالة لينالوا جزاءهم ولتعويض الضحايا عن ممتلكاتهم ومعاناتهم .

وذكرت المنظمة أن الاغتصاب أستعمل من جانب الجنجويد وقوات الحكومة كسلاح من أسلحة الحرب غايته تحقير وأهانة والحاق العار بالمستهدفين فالنساء ينبذهن أزواجهن و ينظرون إليهن كعار لاهلهن , والرجال ينكسرون لانهم يعيرونهم بأنهم ليسوا رجالا يدافعون عن نسائهم , وتتغنى الحكامات من الجنجويد بذلك .. ومن تعقيدات الاغتصاب هو حمل بعض النساء ووضعهن أطفالا غير مرغوب فيهم بحسبانهم أولاد العدو والعار , وهناك أخطار أخرى جسيمة من انتقال الأمراض الجنسية وأخطرها الإيدز , فعواقب الاغتصاب جسمية ونفسية واجتماعية . والقانون الدولي يجرم الاغتصاب وكذلك قانون العقوبات السوداني ووضع لها عقوبة رادعة ربما تصل إلى الإعدام . و أنقل بعض شهادات الضحايا , ويمكن الاطلاع عليها في تقرير المنظمة في الإنترنت لمن يقرأون الإنجليزية, وقالت المنظمة إنها رمزت بالأحرف الأولى لأسماء الضحايا واحتفظت بالأسماء الكاملة لديها نسبة للحفاظ على سلامة الضحايا من انتقام السلطات أو الجنجويد :

قالت م وهى امرأة في الخمسين من العمر من بلدة فوربرنقا : (( لقد هوجمت القرية خلال الليل في أكتوبر 2003 , وجاء العرب بالسيارات والخيول . قالوا : (( يجب قتل اى امرأة سوداء حتى الأطفال ))

وفي مقابلة للاجئ من كنيو مع امنستى انترناشونال أجرتها معه في تشاد في مايو 2004 قال أن مقاتل من الجنجويد قال لهم (( قال لنا عمر البشير يجب أن نقتل جميع النوبة . لا مكان هنا للزنوج مرة أخرى ))

(( عبيد ! نوبة ! هل عندكم اله ؟ تفطرون رمضان ؟ حتى نحن أصحاب البشرة الفاتحة لا نراعى الصيام ؟ انتم السود القبيحين تدعون ذلك .. نحن ربكم ! ربكم هو عمر البشير ! . (( أنتم السود قد أفسدتم البلد . نحن هنا لنحرقكم , سنقتل أزواجكن وأبناءكن وسنضاجعكن ! وستكونون زوجات لنا )) هذه كلمات مجموعة من الجنجويد كما نقلتها مجموعة من نساء المساليت في معسكر (Goz Amer) لللاجئين في مقابلة مع منظمة العفو الدولية في مايو 2004 . لقد أخرج نظام الجبهة شيطان الجنجويد من القمقم فهل يستطيعون إدخاله في قمقمه مرة أخرى ؟ ومما أطلعت عليه كتابات كثير من الكتاب الصحفيين المصريين و كذلك دعوة مرشد الإخوان المسلمين المصريين لمؤتمر إسلامي لبحث مشكلة دارفور , و من أسف شديد – لم تخرج آراءهم عن نظرية المؤامرة الخارجية علي النظام في السودان من أمريكا و اليهود و الصليبيين و يقصدون بهم المسيحيين , و أنها مقدمات لما حدث في أفغانستان و العراق و انهم يتسابقون للاستحواذ علي بترول السودان , و مشكلة الكتاب الصحفيين المصريين , وهم اقرب إلينا من غيرهم , انهم يجهلون السودان و يصدرون في كتاباتهم عن هذا الجهل حتى انهم يخطئون في كتابة أسمائنا و أسماء القبائل و المدن , ومن ذهب منهم مؤخرا إلى دارفور تبني وجهة نظر الحكومة من أفواه المسؤولين و لم يذهبوا إلى معسكرات المنكوبين في تشاد و لم يشاهدوا القري المحروقة و لم يتكلموا عن المجازر التي راح ضحيتها الآلاف المؤلفة من المدنيين و اغتصاب النساء , و السلب و النهب و انتهاك حقوق الإنسان و الجرائم ضد الإنسانية , الشيء الذي وثقته تقارير لجان هيئة الأمم المتحدة و منظمات الإغاثة و المنظمات الإنسانية الدولية و منظمات حقوق الإنسان بالذهاب و العمل في دارفور ولا يزالون يعملون هناك في دارفور و تشاد . لم نسمع منهم تنديدا أو استنكارا أو شجبا -كعادتهم – لما يحدث من بشاعات و فظائع في حق إخوانهم من المسلمين السودانيين و إن كانوا لا يعلمون فسكان دارفور كلهم مسلمين من عدة قرون و كثير منهم حملة و حفظة قرآن , و العرب , حكامهم و شعوبهم ران عليهم صمت كصمت القبور و نستثني منهم الشيخ الغيور زايد بن سلطان و شعب الإمارات الذي بادر بإرسال الاغاثات و حكومة و شعب مصر الشقيقة فالعرب نجحوا من زمان في القول و رسبوا في الفعل , و لعله دار في خلدهم إن الحرب دائرة بين العرب و الزنوج فانحازوا بحميتهم الجاهلية إلى صف العرب , و لو دري أعراب جنجويد السودان رأي العرب في انتمائهم إليهم لما اشططوا في أوهامهم العرقية !

و أقول لاخوان مسلمي مصر المنحازين لنسختهم السودانية من إخوان السودان , لا تماروا في الحق و لا تجاملوا رصفاءكم في السودان علي حساب الحقيقة و علي حساب أهل دارفور .. يا سادة ! إن أهلنا في دارفور تراق دماءهم في كل يوم , و إن نساءهم يغتصبون , وان منازلهم تحرق , وان ممتلكاتهم تسلب , وانهم يطردون من أرضهم . إننا سودانيون فحسب فينا المسلمون و فينا المسيحيون وفينا الوثنيون و لا إكراه في الدين أو العقيدة , و عشنا امدا طويلا عروبيون و زنوج في وئام و سلام , و قضية دارفور هي قضية سياسية اجتماعية حلها في إرجاع الحقوق إلى أهلها و تهيئة العيش الكريم و إعطاء إنسان دارفور حقه في الثروة و السلطة , و ليس إنسان دارفور و حسب بل جميع أهل السودان في شرقهم و غربهم و شمالهم و جنوبهم

و بينما كان المسلمون يتجادلون و يدعون إلى مؤتمر للكلام كانت دول الغرب المسيحية كأمريكا و فرنسا و بريطانيا و منظماتها الإنسانية و الخيرية تسارع بإرسال الاغاثات بالمؤن الغذائية و الأدوية و أطقم العاملين من أطباء و عاملين إلى دارفور و ما زالوا يعملون هناك لتخفيف معاناة أهلنا و إنقاذهم من الموت جوعا أو الأمراض , كما تعمل حكوماتهم لكف شرور الجنجويد … هذه هي أعمالهم , فأين انتم منهم ؟!


هلال زاهرالساداتي–القاهرة

Post: #41
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-24-2008, 10:16 AM
Parent: #37

هلال زاهر الساداتى - مصر


اعتراف الدكتور غازى صلاح الدين العتبانى

هل تعتذر الإنقاذ للشعب السوداني


اجرت صحيفة الزمان اللندنية حديثا مع الدكتور غازى صلاح الدين العتبانى و نقلته عنها صحيفة سودانايل الإلكترونية بتاريخ 19 يونيو 04 , و كان الحديث بمثابة الاعتراف أو إن شئت التقويم لاداء الحركة الإسلامية أو من يسمون أنفسهم الإسلاميين في السودان , و الدكتور غازي من القادة التاريخيين لجماعة الإخوان المسلمين السودانية بمسمياتها و تلونها و تشققها من إخوان مسلمين إلى جبهة ميثاق و إلى جبهة قومية إسلامية و إلى مؤتمر وطني و مؤتمر شعبي و البقية تأتي حسب الظروف و المصلحة كالحرباء تتلون تبعا للمحيط الذي توجد فيه , و هم في كل الأحوال نفس الأشخاص و يحملون نفس الأفكار و المنهجية و الأيدلوجية النفعية الانتهازية التي تبيح كل طريقة مهما كانت في سبيل الوصول للغاية و هي هنا إرضاء حب السلطة و إشباع شهوة المال لهم فحسب دون الآخرين الممثلين في الشعب السوداني بل في بقية المسلمين !

و الدكتور غازي انفق شبابه و حارب بالسلاح في سبيل معتقده و تسنم وظائف رفيعة منها أمانة المؤتمر الوطني ثم اختلفت به السبيل مع زملائه فاستقال , ولكن ما يهم حقا هو صحوته و رجوعه إلى الحق و هذه فضيلة تسجل له فقد ذكر في إفادته لصحيفة الزمان أن ( الحركة الإسلامية دمرت السودان و لم تكسب شيئا و حكومة الإنقاذ ليست و حدها أمام المسئولية ) .

يأتي هذا القول أو الاعتراف بعد خمسة عشر عاما حسوما صال و جال فيها الدكتور في حمي الإنقاذ و شارك في جميع أعمالها بل خطاياها في حق السودان و شعب السودان !! و أنا أتحدث هنا من موقع انتمائي لفئة المواطنين الذين كافحوا ضد الاستعمار حتى جاء النصر و ارتفع علم الاستقلال خفاقا و الحمد لله الذي جعلني أسرع عند المغرم و اعف عند المغنم , و استشرفنا المستقبل باشواق مشرئبة إلى العيش الكريم و العدل و الكرامة , وان ينهض وطننا الحبيب من وهدة التخلف و مرارة الحرمان , وان يكون لنا شأن بين أمم الأرض , وذكر حميد بين شعوب الدنيا , ولكن , وآسفاه !!

تبخر الحلم في الفضاء , و تناثر هباء في الهواء , فان من تولوا أمورنا من حكام مدنيين و عسكريين منذ الاستقلال شغلتهم أمور أخرى من أهمها حرصهم علي البقاء علي كراسي الحكم , خلاف توفير كريم المعيشة و بسط العدل و الارتقاء بالوطن و مواطنيهم , .. ثم جاءت كارثة الجبهة بانقلابهم المشؤوم في 30 يونيو 1989 , هذه الآفة التي أحالت نهارنا ليلا , و أمننا خوفا , و ما تبقى لنا من كفاية العيش إلى جوع و متربة , و ما تبقى من فضلة في العافية إلى أسقام مهلكة و موت موعود ! بدعوى الجهاد زجوا بالشباب الأيفاع من كراسي الدرس في المدارس و حصولهم للشهادة الثانوية إلى ميدان القتال , و آخرين من الشبان امسكوا بهم قسرا من الشوارع و قذفوا بهم إلى محرقة الحرب , فقضوا نحبهم عند أول اشتباك لهم , و حرقت الإنقاذ حشا كل أم , ورملت كل زوجة , و يتمت كل طفل , و الذين دفعوا بهم إلى هذا المصير القابعين في الخرطوم كبرت كروشهم و اكتنزت أجسامهم بالشحم و جيوبهم بالمال , و يلوحون بعصيهم عاليا في الهواء شاقين حناجرهم بالتهليل في احتفالات زائفة !

أقول بضمير مستريح أن حقبة الاستعمار التي عايشناها و المستعمرين الذين يسمونهم الكفار , كانت حقبة فيها من العدل و من الرخاء و من حقوق الإنسان ما افتقدناه في عهد الجبهة , فلم تكن هناك مجاعات و عوز و كان الفقير يجد كفايته من الطعام , و كان التداوي متاحا مجانا لكل المواطنين , و كان التعليم الجيد موفورا لأبناء الشعب دون تمييز , وكان التوظيف و الترقية في وظائف الحكومة بمعيار الكفاءة و الجدارة و تكافؤ الفرص للجميع , وكان القضاء مستقلا ولا يعتقل أو يسجن المواطن إلا بحكم قضائي أمام محكمة مدنية ليست استثنائية أو عسكرية و كانت حرية الصحافة و التعبير مكفولة إلى حد بعيد فالصحف تكتب ناقدة , و حرية التنظيم في أحزاب مكفولة , و الليالي السياسية تقام , و المظاهرات تنظم , و إن كانت هناك اعتقالات أو محاكمات فإنها كانت تتم في حدود القانون, و لم نسمع بالتعذيب أو بيوت الأشباح الذي ابتكرته حكومة الإنقاذ في ابشع صورة لانتهاك حق الإنسان و إذلاله , و مارست الجبهة هذه الأساليب الوحشية غير الإنسانية مع معارضيها و مع الكثيرين من الأبرياء , وكثير منهم قضوا نحبهم تحت وطأة التعذيب !! انه عار الدهر لهذه الحكومة الظالمة , وهنا يحضرني قول الإمام بن تيميه و هو ( إن الله قد ينصر الدولة الكافرة – بعدلها – علي الدولة المسلمة بما يقع فيها من مظالم .) و أيضا المقولة التي صارت دستورا للحكم الرشيد و هي ( العدل أساس الملك ) , و احسب أن الدكتور غازي و من معه من كهول الإنقاذ قد عاشوا هذه الفترة تحت حكم الاستعمار التي أتحدث عنها , و ذكر الدكتور غازي إن حكومة الإنقاذ ليست وحدها أمام المسؤولية , و أنا أوافقه في هذا فان الذين يتحملون الأوزار و الخطايا مع الإنقاذ الذين تحالفوا معهم من الإخوان المسلمين و شق من أنصار السنة و بعض الطرق الصوفية و المنشقين من الأحزاب الكبيرة , ناهيك عن الإساءة للحكم الإسلامي و تشويه حكم الدين و تضييع الفرصة الشاردة لتبيان حكم شريعة الإسلام الراشد و الذي أظهروه للعالم قسوة و ظلما و استغلالا , و عدآء غير مبرر مع جيراننا من الدول , و تعاملهم بغل مع مواطني بلدهم من المسلمين و غير المسلمين و كأنهم أعداء الداء !! في حين جعلوا السودان ملجأ و ملاذا للإرهابيين في العالم و منحوا الجنسية السودانية لشذاذ الآفاق و المجرمين المطلوبين من حكوماتهم !!! و من أسف و أسى لم يكن الشعب السوداني الطيب ليستحق كل هذا القدر من الإذلال و الهوان ! فهل يعتذر أهل الإنقاذ عن الأذى الشديد الذي سببوه للسودان و أهل السودان ؟!

و هل يشفع الدكتور غازي اعترافه بالاعتذار و الندم عن التدمير الذي تسببوا فيه ؟!


هلال زاهر الساداتي – القاهرة

Post: #42
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-24-2008, 10:21 AM
Parent: #37

بسم الله الرحمن الرحيم

النائب الأول يكذب لكنه يتجمل: والرئيس يُضحك ربات الخدور البواكيا

صديق محمـد عـثمان

في ليلة القبض على عناصر المـؤتمر الشعبي في مارس الماضي بتهمة الإنقلاب أو المحاولة التخريبية أو المحاولة التخريبية الإنقلابية أو ..........إلخ ، كان السـيد حسن ساتي الإقتصادي المعروف والمدير السابق لبنك الشمال عائدا إلى منزله في ساعة متأخرة من الليل عندما فوجئ بسيارات الأمن تحيط منزله من كل جانب ، وأفراده يشهرون البنادق الكلاشنكوف من كل شرفة ، فأوقف سيارته وأرخى الزجاج ودار بينه وبين ضابط الأمن الحوار التالي:
السيد حسن ساتي: في شنو يا اخوانا ؟!!
الضابط: نحـن ناس الأمن .
السيد ساتي : أيوه أنا عارف إنتو ناس الأمن لكن في شنو؟!!
الضابط : عاوزينك تمشي معانا .
السيد ساتي: ليه عملت شنو؟!!!
الضابط : عاوزين تعملوا إنقلاب.
السيد ساتي: نحن منو؟!!
الضابط : إنتو ناس الشعبي.
السيد ساتي : ونقلب شنو ؟!!!
الضابط: تقلبوا الحكومة .
السيد ساتي: ياتو حكومة؟!!! يا أخي والله أنا قايل نفسي عملت لي عملة كبيرة كسرت لي بنك أو عندي شيكات رجعت !!!
حينها لم يتمالك ضباط وأفراد الأمن أنفسهم فانفجروا بالضحك . ولكن السيد حسن ساتي بعقلية أهل الإقتصاد التي تتعامل مع الأرقام ونتائج عملياتها الحسابية المباشرة 1+1=2 واصل مفاجأته لضباط الأمن حتى أثناء التحقيق معه في مكاتبهم حول إنضمام بعض منسوبي الشعبي سابقا لحركة العدل والمساواة بدارفور فقد رد على الضابط المتحري المتذاكي الذي أراد إستمالته بحساب أنه من الشمال ، فقال له السيد ساتي : يا أخي المسألة لا علاقة لها بالشمال والغرب أو الجنوب لكن إذا قلت لي الآن أن الطائرات ضربت دنقلا فلن أنتظر الإذن من حسن الترابي للدفاع عن أهلي وهذا ما فعله هولاء .
في التنوير الذي عقده النائب الأول للرئيس السوداني علي عثمان محمد طه لمجلس الوزراء يوم السبت الماضي بشأن المحاولة الإنقلابية المزعومة التي كانت ستحصد أرواح السادة الوزراء أثناء أدائهم لصلاة الجمعة في أكثر من 65 مسجدا بالعاصمة !!!ولا تستغربوا فذلك عدد وزراءنا !! أعلم أنكم الآن أدركتم لم هي أوزارنا كثيرة!! كذب السيد علي عثمان وهو يجتهد في مداراة حقده على الشيخ الترابي، وذلك عندما قال: «سنحاكمهم بذات القوانين التي شرعوها ولن نسن قانوناً جديداً اجرائياً كان أو موضوعياً ولن نأخذ بريئاً بجريرة مذنب ولكن المذنب سنقيم عليه الحق كاملاً». كنت أستمع لكلمات السيد النائب وفي أذنيّ صدى كلمات سابقة له بعد قرارات الرابع من رمضان، فقد سألناه في لقاء داخلي: كيف تقولون في بيان حل المجلس الوطني أن أجله إنتهى وأنتم تعلمون أنه لم ينته؟!! فقال: والله نحن عارفنوا ما إنتهى، لكن قلنا نحلوا ولغاية ما الناس يتغالطوا أجله إنتهى ولا ما إنتهى يكون فعلا إنتهى!!. كذب السيد النائب لأنه سنّ القوانين الإستثنائية منذ الرابع من رمضان وعطّل الدستور، واصدر قانون الأمن الوطني بأمر طارئ ليعدل قانون الأمن الوطني للعام 1998 والذي كان في مسودته الأولية يحظر الإعتقال التحفظي فوق ثلاث ليال فتظاهر عليه نواب السلطة فجعلوها شهرا كاملا إرضاء للعقلية الأمنية التي إقترحت ثلاثة أشهر، السيد النائب يكذب لأن قانونه الإستثنائي ألغي تحديد الشهر وجعلها شبه مفتوحة، يكذب ولكنه يُجمّل كذبه ليصدقه الناس، ولم يجد غير صاحب الحقد الجاهلي القديم يصدقه وينشئ قصائد الغزل السياسي في أذن مراقبه العام فُتنثر بلا دلالة وفي غير قلة في الصحائف السوداء أو يتمتم بها صاحب أسماء في مواتنا . أما السيد الرئيس المرؤس فلم تسعفه حصافة ولم تمهله حملة التعبئة المنظمة وغسيل المخ فواصل ما كان بدأه في ولاية النيل الأبيض في إفتتاح شركة السكر ، يوم وكزه الهمّاز المشاء بالنميم ليحذره قبل الصعود إلى منصة الخطاب من ذكر "شيخ حسن" بسوء ، والمعنى ألا ينسى ذكره بكل منكر، ولم يقصر رئيسنا الهمام وهو يمرر أصبعه فوق حنجرته لبيان العقوبة التي يتمنى إنزالها بالشيخ "المرتد"!!! وما تمناه قبل عام ونيف في بلد أوربي أمام الجالية السودانية هناك، فبينما يتجمّل الذين يدفعونه للشر، يندفع الرئيس فيكشف التدبير كله والهدف الحقيقي من وراء مسرحيات الإنقلاب ..التخريب ال....، «انا اذا اصدرت قرارا بقطع رأسه افعلها وانا مطمئن لله سبحانه وتعالى... "ويقهقه بن آوى واشترط البشير للسماح للشعبي بممارسة نشاطه «بأن يصدر بيانا يدين فيه الترابي ويعزله عن قيادة الحزب»وقال «حينها سنسلمهم الدور اليوم قبل الغد»، وشدد «ان اي حوار او حديث مع الشعبي من دون اتخاذ هذه الخطوة يعتبر خيانة للامانة»!!!. إذن فالحملة كلها وراء ذلك الشيخ القابع خلف أسوار عالية زادوا عليها هذه المرة أسلاكا شائكة ليتميزوا عن حائط شارون ويزايدوا عليه، والذين يدفعون بالرئيس لم يحسبوا حساب هذه المباشرة التي تفسد التخطيط، يومها لم يكن متنبئ "العُشة الصغيرة " بجوار الرئيس فعبدالرحيم يتحدث بعصاه حين تغالبه عجمة أهلنا الدناقلة، أما قوش الذي كان ظهوره وسط الحضور وأمام الكاميرا فقط لإثبات كذب روايتنا حول عدم رضاه عن ما يجري، فهو وإن يكن شايقيا فلم يجالس عبدالله محمد خير ولم يتعرف إلى حميد إلا رقما في كشوفات معتقلي سجن بورتسودان ذاك، ولكنه أخيرا بدا بالإستماع إلى رائعة ودجبارة "نصيبك يصيبك" لذلك يحذر نصيبه المحتوم ، لأنه وحده يعلم أن "الدم بجيب الدم" أو كما قال، يومها غاب المتنبئ فانقلب مجلس الكافور سمرا سُمّاره مدفوعي القيمة.
عجبت سيدي الرئيس وأنا أستمع إليك تحكي عن الطائرات التي كانت ستقصف مصفاة الجيلي للبترول !! عجبت لأن ملايين دولاراتنا من حرّ مال الحركة الإسلامية هي التي إشترت إمتياز شفرون يوم كانت خزينتك العامة لا تسد رمق الشهيد مهندس د.محمود الشريف الذي كان يسعي لرفع رواتب مهندسيه في هيئة الكهرباء ومن بينهم المهندس يوسف محمد صالح لبس " أبو السارة" ، راعي الإبل الذي تعلّم منها الصبر والجلد والتحمل والطاعة، مرشحنا القادم للرئاسة في إنتخابات لا يُزوّرِها والٍ ولا يسرق صناديق إقتراعها مدير أمن ، هذا إن أبقيتم عليه ، أما إن ذهب إلى ربه كإخوته الذين قتلتم حتى الآن، فجيشٌ من الشهداء ينتظره هناك ليرفع تمامهم إلى نبيهم وقائدهم (ص)، كما ظل يفعل منذ فشلا حتى الميل أربعين و68 والأمطار الغزيرة والمطر الرُشاش ، ولكن قبل ذلك أسأل د.عيسى بشري عن "نصف النبي" ولي الله يوسف لبس وليس حسن الترابي ، فقد دخل معه د. عيسى سجنك الذي مكث فيه الأشهر الطوال يسألنا د. عيسى بعد خروجه وقد قضى مع يوسف ثلاثة أشهر فقط في كوبر يسألنا: ليه ما قلتوا لينا عندكم نصف نبي في السجن ؟!! فسألناه وما ذاك فقال لنا : أنهم بعد شهر واحد فتكت بهم الأمراض المزمنة وأضطروا إلى الطلب الذليل بالذهاب إلى المستشفى، وطلب إرسال الطعام من الخارج أو بالأحرى تهريبه، إلا شخص واحد ظل لا يطلب أبدا وإن عُرض عليه يرفض في إباء !! ذاك هو سعيد بن جبير فاقتله ليكون آخر من تقتل !!! أما حديثك عن ضرب البترول فمثل حديثك عن معرفتك حسن الترابي وإلمامك بتفاصيل إنقلابك الذي لم تقم به.... هل سألت نفسك ولماذا يضرب الشعبي البترول؟!!
سيدي الرئيس إن كنت تجهل فاسأل جار النبي، ود.عثمان عبدالوهاب الذي راودتموه للخروج على الشيخ حسن الترابي في جهلٍ بليد بأقدار الرجال ومعادنهم، أو كنت لا تعرف فسأل عبدالعزيز عثمان ، وجمال زمقان الذي لا تحب، وعماد الدين حسين الذي تكره ، أو كنت تنسى فسأل الذين يمثلون أنهم هوامينك وهم فوقك قاهرين، ما بال أموال التصنيع الحربي و جياد، أو فسأل وزراء ماليتك أنى لخزنتهم أن تدفع مليون دولار يوميا لعشر سنوات 36.500.000$ ؟!!.
نعم سيدي الرئيس نحن أيضا نفضل الحديث المباشر في الهواء الطلق، ذات يوم إنتفخ الرئيس نميري مثلما تفعل أنت الآن، واستدعي مستشاره الشيخ الدكتور حسن الترابي ليعرض عليه أوراقا من إستراتيجية التمكين- عفوا سيدي الرئيس فهذه إستراتيجية الحركة التي دخلت بها المصالحة مع نظام جعفر نميري – كان جهاز امنه قد عثر عليها، وسأل إن كانت الأوراق صحيحة فاجابه الشيخ أنها صحيحة ولكنها قديمة !! وأُخذ النميري فالأوراق التي أمامه تتحدث عن مضاعفة عضوية الحركة عشرة أضعاف في فترة زمنية قصيرة ، والأخطر أنها تتحدث عن مؤسسسات كاملة للمجتمع المدني في الإقتصاد والدعوة والعمل الطوعي وغيره خارج إطار السلطة الرسمي ، أتدري ما أخطر ما إرتكبته الحركة منذ 1989: أنها ذبحت هذه المؤسسات قربانا تحت أقدام سلطتك الخرقاء.
هل سألت نفسك لماذا ننقلب عليك؟!! وهل يعقل أن ننقلب على حكومة نقودها بالزمام والرسن إلى حيث نريدها أن تمضي غير مأسوف عليها ؟!!! قل يا سيدي ماذا كسبت أيديكم منذ المفاصلة غير الركض المضني خلف مبادرتنا التي لم ولن تتوقف؟!! أليست مذكرة التفاهم هي التي ساقتكم إلى سهل نيفاشا لتبصموا بالعشرة؟!!، أوليس حوارنا مع التجمع هو الذي ساقكم إلى جدة في غير الأشهر الحرم؟!!! لم نزر أسمرا لجلب السلاح كما تعلم وإلا فمن أين أتى سلاح إنقلابك؟!!! زرنا أسمرا بالتنسيق مع الحركة الشعبية وقيادة التجمع التي تعرف كيف تجعلكم تتذللون للرئيس أسياس أن يسمح لكم بالزيارة!!! كتبنا خطابات إجتماعاتنا باحزاب التجمع ونحن نعلم أن الأمر لا يحتاج إلى طلب رسمي ممهور بالتوقيع فنحن في أسمرا والتجمع كان هناك، ولكن الخطاب الذي كتبناه الواحدة ظهرا كان في أيديكم الرابعة عصرا، وفي الخامسة كنتم جميعا عالقين على خطوط الهاتف تطلبون الوسطاء لدى الرئيس أسياس بدأً بوزير خارجيتك حتى نائبك دون أن يسعفكم العقل والتدبير أن الذي أوصل الخطاب إليكم كان يبتسم وهو يستمع لتوسلاتكم.
كنا جميعا معا وكنا نستجديكم العودة إلى خطتنا الأصيلة بإطلاق الحريات وإعادة الحقوق لأهليها، ولكن بعد كل سواد ليل يقضيه الشيخ مع السيد الصادق في حواروجدال حول ضرورة التحول الديمقراطي، كان السيد الصادق يقضي هار اليوم التالي في مكاتب الأمن فوق كرسي خشب ، وأبيتم علينا مجرد إنتخاب الوالي فإذا بكم اليوم تقبلون إقتراح مفوض اللاجئين بحكم ذاتي لدارفور، والرجل كان يفكر بصوت عال فقط كما قال للصحفي "تعودت أن اتحدث أفكاري" فإذا وزير خارجيتك ووزير عدلك يقبلان مقترحا غير رسمي ولا مكتوب ولا موجه إليكم. إعترف أحد وزراؤك بأن مذكرة التفاهم لم يكن فيها ما يجرّم ولكنه قال: نحن شعرنا أنه بوجود الشيخ في الساحة السياسية فلن نمتلك المبادرة أبدا، إجتماعات مكتبنا السياسي تناقش ندوات شيخ حسن ومؤتمراته كل يوم في ولاية، ومجلس الوزراء يرقب في حذر إشاراته إلى جون قرنق والميرغني، وفي تبرير عدم فرض الإقامة عليه في منزله قال سيادة الوزير أنها صعبة لأن الشيخ لو إلتزم غرفته لا يخرج منها للازم الصحفيين والإعلاميين داره فاذا قيل لهم أنه قد حرك أصبعا في قدمه تساءلوا أي قدم هي اليسار أم اليمين؟!! وسيكون لكل واحدة دلالتها عندهم!! نعم حبستموه لثلاثة أعوام فأنتج: عبرة المسير ، والجهاد ، والإرهاب وهجمات الحادي عشر من سبتمبر، والسياسة في الأصول، والتفسير التوحيدي ، قل لي سيدي الرئيس ماذا كتبتم في صحائفكم غير قتل أنفس خمسة الآف في دارفور بحسب وزير خارجيتك وقتل محمد أحمد أبو الريش الفتى السمهري اليافع والمهندس علي أحمد البشير الذي ترك مقعد دراسة الهندسة السنين ذوات العدد يزود عن حياض دولة المدينة، ذلك المثال الذي طالما حلمنا به ونحن ننام علي أنغام سيد قطب يدغدغ أحلامنا أن كلماتنا مثل عرائس الشمع فإذا متنا لأجلها نُفخ فيها الروح بأمر ربها فمشت بين الناس حسناء تأخذ الألباب.
قلت لأحد ضباط أمنك إقتلوا حسن الترابي لأنه الوحيد الذي قال لنا بعد المفاصلة "كفوا أيديكم" ، ثم رمى بحبل الرسن حول رقبة حكومتك وحبل الزمام في رُغم أنفها وقال لنا روضوها فإنها ناشز، ورغم أننا منذ أربعة أعوام نستمتع بتمارين الترويض القاسية لحكومة يقودها ضابط مظلات سابق مترهل سياسيا ، ولكننا سئمنا والشيخ لا يطلق أيدينا فاقتلوه لتنطلق أيادٍ لا قِبل لكم بها، حينها ستلبسون اسم ولي الله حسن الترابي رُقية ولن تجدي لأن " من علق رُقية أو دية أوكله الله لها".
تكلم سيدي الرئيس كل يوم بل كل ساعة، وأمرنا فأنت رئيسنا ...، مرنا أن نتخلى عن الشيخ ونتبرأ منه بعد أن عجز جلادوك أن يثنوا الشهيد شمس الدين إدريس عن درب النبوة والشهيد " المهيب" عبدالرحمن سليمان، وبعد ان أعيتهم مراودة خليفة الشيخ والسنوسي وعثمان عبدالوهاب وآخرين، فالخائن يرى الناس كلهم خونة أو هكذا يحب، وإذا ساء فعل المرء ...، ولم يجدوا غير المسكين محمد الحسن الأمين يذبح كرامته وفحولة قبائل الجعليين على النصب، ولكن قبل أن نستجيب لأوامرك يا صاحب الجلالة المفدى لنا طلب بسيط، قل لنا وللأخرين لماذا الشيخ وحده؟!!
منذ المفاصلة ظللت أقص على جميع الإخوة حكاية الزعيم مانديلا الذي تلا في خطاب تنصيبه آيات الشكر والعرفان لكاسترو والقذافي وعرفات وكل المغضوب عليهم من امريكا، ولدهشة الجميع أضاف اسماء سجّانيه الذين كما قال حملوه وهو ضعيف واطعموه بايديهم في روبن ايلاند، يوم كان بينه وبين جماهير المؤتمر الوطني الأفريقي مياه المحيط المالحة، ثم رفع إثنين منهم إلى فرقة حمايته الخاصة، لابد أنك كنت هناك في حفل التنصيب، أو لعلك غبت أو فاتك هذا الدرس!!! مانديلا حمل سجانيه إلى قصر الرئاسة المسمى مبنى الوحدة في بريتوريا ذات التاريخ العريق في الكراهية والبغضاء وإحتقار الآخر لمجرد اللون، فتسامى فوق كل ذلك الإرث، وأنت تتمنى ذبح من حملك إلى قصر الرئاسة في الخرطوم ولكن مهلا... أين أنت من مانديلا الذي سار من موزمبيق على قدميه حتى دخل جوبا ليُقبض عليه خطأً ثم يُرحل إلى الخرطوم ليجد نفسه في ضيافة الفريق عبود يقلده وساما عرفانا لما يقوم به من أجل قضية شعبه. أتذكر سيدي الرئيس ماذا قال مانديلا للصحفيين عن حسن الترابي يوم وقفت أنت وموسوفيني وموقابي الرئيس الدوري لمنظمة الوحدة الأفريقية؟!! في صيف العام 1997يومها قال للصحفيين أنكم إتفقتم على عدم الإدلاء بتصريحات حول الإجتماع وستكتفون بتصريحاته هو وموقابي، وعندما إحتج الصحفيون قال لهم أنه سيدلهم على رجل أهم من الرؤساء الأربعة لأنه يتكلم في قضايا الفكر،واشار إلى حيث يقف الشيخ غير بعيد ، حينها وكز نائبك عبدالرحيم ليذهب ويقف جوار الشيخ ليمنعه من الحديث للصحفيين!!
داعبنا السيد جون قرنق بقوله انه سمع عن الثورات التي تأكل بنيها ولكن تلك التي تأكل آبائها لم يسمع بها إلا عندنا، فضحكنا وقلنا له لأننا مميزون في كل شئ !! أولسنا كذلك سيدي الرئيس ....!!!
صديق محمـد عثمان- لندن

28/9/2004

Post: #43
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-24-2008, 10:32 AM
Parent: #42

بسم الله الرحمن الرحيم
مذكرة العشرة... مذكرة العشرة الآف

العبرة بمنهج الإصلاح لا عدد المصلحين
صديق محمد عثمان

حملت أخبار الخرطوم أن مجموعة من الإسلاميين رفعت مذكرة لرئيس الجمهورية بصفته رئيسا لحزب الحكومة تنتقد فيها طريقة الأداء والتعاطي مع عدد من القضايا الوطنية الملّحة أبرزها أزمة دارفور والإتفاق مع الحركة الشعبية، وطريقة التعامل غير القانوني مع المؤتمر الشعبي، وأبرزت صحيفتا الحياة والشرق الأوسط اللندنيتين مصدرين لخبرهما بتاريخ الأحد 05.08.04 هما الدكتور الطيب زين العابدين الأستاذ الجامعي، وعبدالله بدري الأمين السابق لحزب المؤتمر الوطني بولاية الخرطوم، حيث نقلت الصحيفتان عن الدكتور الطيب زين العابدين أن المجموعة بدأت صغيرة وتطورت لتضم وزراء ومسئولين كبار في الحكومة لمعالجة الأوضاع التي تشبه تلك التي سبقت أجواء العام 1999 التي قادت إلى إنشقاق الحزب وخروج المؤتمر الشعبي ،في إشارة إلى أن المذكرة الحالية تشبه مذكرة العشرة في ديسمبر 1998 والتي قال عنها قيادي في المؤتمر الوطني حسب الشرق الأوسط " انها جيرت لصالح مجموعة" . وقد عددت الشرق الأوسط على لسان الدكتور الطيب زين العابدين بعض أسماء المجموعة كامثال الدكتور غازي صلاح الدين مستشار السلام السابق والطيب مصطفى وزير الدولة بوزارة الإتصالات والدكتور حسن مكي ومحمد يوسف محمد وأحمد عبدالرحمن محمد أمين مجلس الصداقة الشعبية . والخبر في مجمله خير لأنه على الأقل يدل على أنه لا يزال بين "الإسلاميين" أصوات يمكن أن ترتفع، ولكن ليس للخبر أكثر من ذلك لجهة التأثير على الأحداث في السودان، لأسباب عدة أهمها أن المجموعة ليست الأولى فقبل أن ينفّض سامر الإسلاميين عن الإنقاذ – ولا أقصد الإنشقاق الأخير – سعت مجموعات مشابهة لتحقيق ذات الأهداف وأول هذه المجموعات كانت مجموعة القيادات الوسيطة أوائل التسعينات وأعني 1991، 1992من بينهم التجاني سينين فك الله أسره وجبريل النيل ، وعباس علي السيد وابراهيم كرتي وأخرين ، وكان حظها التشريد والتشتيت وتفرق دمها بين المحافظات البعيدة ووزارات الولايات ولا يزال بعض شخوصها حاضرين في كل محاولات الإصلاح ولكن غالبهم آثر الإبتعاد خاصة بعد " الفتنة" الأخيرة إلتزاما بأن "الجالس فيها خير من الواقف" الذي يقرأ مبتورا منزوعا من سياقه بعيدا عن أحكام التحكيم الدولية {وإن طائفتان من المؤمنين إقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتي تفئ...} ولا أقول أن الإسراف في فشل محاولات الإصلاح السابقة سبب كاف لتثبيط الهمم فالمؤمن مدعو إلى عدم اليأس من الإصلاح حتى حين يسرف في الخطايا على خاصة نفسه، ولكن ينبغي مراجعة منهج الإصلاح، وأول ذلك كما تقرأ الآية السابقة ان الشروع في الإصلاح يستلزم الإستعداد للخطوة التي تليه في حال فشله وهي نصرة المظلوم والتي قد تقتضي القتال وقد وصفه المولى تعالى بالمكروه {كتب عليكم القتال وهو كره لكم} ولكنه ذكّرنا بأن { وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم } وقد يسئل سائل وما الخير في قتال المؤمن؟!! ولكن سيدة كبيرة السن في معسكرات نازحي دارفور تعلم الكثير عن الخير الوفير في قتال المؤمن الباغي، فتقول وقد طلب إليها الرجوع إلى بلدتها التى أحرقتها الطائرات المشتراة بحر ّ مالها " يا ولدي انت كان ضبعة دخلت قفص الجداد واكلت منو والباقي شرد انت بتتطلع الضبعة أول ولا ترّجع الجداد داخل القفص عشان الضبعة تكمل الباقي" -وللخالة العتبى حتى ترضى نفسها المروّعة لتحريفي كلماتها القوية التي فقدت جرسها بالتحريف ولكن الغاية تقريب المعنى لبعض أهلنا الجلابة أولاد البحر-.
وثاني الأمور في مراجعة منهج الإصلاح أن تُراجع الجهة التي تُرفع إليها مذكرات الإصلاح، فصحيح أن السيد الرئيس هو رأس الهرم التنفيذي اسما ولكن جميعنا يعلم أن الظرف والطريقة الإستثنائية التي أتت بالرئيس إلى هذا المنصب وإلتباس المنهج - عمدا – حول من يحكم، وكثرة إستغلال البعض ، الذين ترفع في مواجهتهم المذكرة الحالية ، لشخص الرئيس ومنصبه في صراعهم الذاتي ضد مجتمعهم ثم ضد خاصة جماعتهم قد جردت الرئيس من السند، ومن الخطأ المتعمد في فهمنا لرد الأمر إلى أولي الأمر أن نفهمه على أنه رأس الدولة دون أن نفهم أن ولي الأمر الذي يرد إليه النزاع هو المختار من الأمة بعقد مبايعة بين طرفين وعهد ولاء،بما يجعل الأمة فوقه أي أنه أدنى مراتب ولاية الأمر فإذا تقاعس هو عن فض النزاع أو عجز أو تنازع هو نفسه مع آخرين فإن ولى الأمر من بعد الله والرسول هو الأمة .
إن الحديث عن الإصلاح دون إتخاذ ما يلزم من إستعداد هو نوع من الحرث في البحر، والقتال ورد في معرض الحديث عن الإصلاح لأنه قوة مادية قاهرة، ونفوس الباغين تردعها القوة المادية وبعيدا عن أضابير التاريخ وحكايا الأمم السالفة يقف واقعنا المعاش اليوم شاهدا على أن البغاة تسوقهم أسباب القوة المادية سوقا إلى سهل نيفاشا ليبصموا على أضعاف ما كانوا يتوهمون أنهم باذلوه ثمنا لبقائهم،وينسوا سيل الإتهامات لدكتور علي الحاج "مخترع " حق تقرير المصير !!! ذلك أن ماديتهم هي التي سولت لهم أنهم أقوياء بما يمتلكون من أسباب السلطان فانبهروا بها حتى إذا رأوا قوة أكبر ذُهلوا بها عن اسباب قوتهم فخضعت لها نفوسهم، وثابت أن الرسل أُرسلت إلى أقوامها بمعجزات مادية قاهرة فوق ما يتباهون به من أسباب الحياة الدنيا، كأن ينتق الله سبحانه وتعالى من الصخر الجامد ناقة ذات روح تمشي بين الناس الذين تفننوا في نحت الجبال وتصميمها بيوتا وبرعوا فيه وانبهرت أعينهم به حتى عميت أن ترى قوة الله وبراعته في الكون الأوسع، فلما عتوا عن أمر ربهم وعقروا الناقة ضيقا عن عجزهم مجاراة خلق الروح جاءتهم القوة القاهرة، أما رد الأمر إلى الأمة فليس إستنكافا عن رد الأمر إلى الرئيس البشير ولكن التجارب الحديثة اثبتت أن السيد الرئيس لم يحكم مطلقا قبل ديسمبر 1999 بحسب مقولته هو في بيان أسباب إعلان حالة الطوارئ الذي لم يكتبه هو أيضا ، وبعد ديسمبر 1999 بحسب رأي أهل المذكرة أنفسهم الذين يشتكون من إحتكار الأمر في أيدي جماعة صغيرة، إذن إذا كان الرئيس ليس هو ولي الأمر أو لا يستطيع القيام به فلم تكرار رد الأمر إلى من ليس بيده الحل والعقد؟!!، وما أعنيه هو أن المجموعة ينبغي أن تكون مستعدة إلى مد الأمر أبعد من مستوى القصر الجمهوري وأن تتخذ لها سيارات ذات دفع رباعي تصلح للسير على دروب وعرة في صحراء العمل السياسي الذي خلّفته تجربتنا الماحقة في دارفور، وفي تيجان الجنوب الوحلة بصراع الأفيال الذي دار بيننا والحركة الشعبية هناك . وبالعربي الفصيح لماذا لا ينطلق مستشار السلام السابق إلى مسارات التفاوض الحر مع الحركة الشعبية وهو أكثر طلاقة وحرية هذه المرة عنه في المرات السابقة ومعه نسيبه وصديقه الدكتور حسن مكي المسكون بقضايا القرن الأفريقي كله والباحث الأكاديمي المهتم بقضية الجنوب الدكتور الطيب زين العابدين، وقد لمسنا من الدكتور جون قرنق في لقاءنا الأخير معه في أسمرا منتصف يوليو الماضي إهتمامه بإحداث إختراقات فكرية جريئة وجديدة تمهد لعلاقة سوية للجنوب والشمال في ظل وطن واحد. كذلك لماذا لا ينطلق الأستاذ أحمد عبدالرحمن محمد أمين الصداقة الشعبية المعروف بعلاقاته الإجتماعية الواسعة التي لم يكن يضاهيه فيها سوى المرحوم الدكتور عمر نورالدائم، لماذا لا يطلق أحمد عبدالرحمن لعلاقاته العنان لتتوظف لصالح حوار وطني جاد وصادق مع أصدقاء الجبهة الوطنية القدامى ؟!! بلا وعود بالوزارات الزائلة وهو أدرى الناس بزوالها منذ زمن وزارة الداخلية .
ينكر البعض أنه كان للحركة الإسلامية خطة سابقة للإنقاذ تضع مواقيت للتطور الدستوري على مستوى الدولة ليرد الأمر إلى وليه وهو الشعب ويعيد الحياة السياسية بضوابط وهوادي رشد الممارسة، والتطور التنظيمي على مستوى الحركة بما يفتح الأمر لعامة الناس من أن تحتكره جماعة الحركة تصدهم باسم سابقة الإنتساب على حساب سبق الكسب، وفي هذا لا أزال أذكر أن أولى الإجتماعات بعد خروج الشيخ الدكتور حسن الترابي من المعتقل عقب الإنقلاب قد ناقش فتح الأطر التنظيمية لتستوعب الوافدين الجدد من العسكر الذين كانوا مخفيين تدابير تقية حتى عن الأطر التنظيمية أو الوافدين الجدد من الذين هفت قلوبهم للمشروع المعلن فتجاوزوا ولاءاتهم القديمة وتقدموا نحو الحركة ذراعا وكان ينبغي للحركة أن تتقدم نحوهم أميالا، ولكن ذلك لم يكن رأي أناس لا يزالون يحسبون أنفسهم في قيادة الحركة إذ ما كاد الإجتماع ينفضّ حتى همس أحدهم في أذن جاره : أرايت صاحبك (يعني الشيخ ) خارج من السجن جاهز عاوز يزحنا ويحكم هو!!!. ولقد ذكرت يومها مقولة ابي سفيان حين رأى جيوش المسلمين تدخل مكة من كل جانب وهو واقف بجانب العباس عم النبي (ص)يقول:لقد أصبح ملك ابن اخيك كبيرا يا عباس . ولكن العباس يلفت نظر أبي سفيان إلى النبي (ص) وهو يُحني رأسه حتى تكاد لحيته تلامس ظهر راحلته وقد راح في تسبيح عميق إمتثالا للتعاليم {إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمدربك وإستغفره إنه كان توابا} والهيئة كلها لم تكن هيئة ملك فَرِحٍ بنصر ، يقول العباس لأبي سفيان:بل هي النبوة يا ابا سفيان . ولكن هل سمع أبا سفيان قول العباس؟!! والسفيانيين كُثر في كل زمان ومكان إذا رأووا جنازة يؤمها خلق كثير تمنوا أن يكونوا هم المحمولين !!! والآن وقد إستدار الزمان واتضح أن صاحبنا ذلك لم يحكم هو رغم أنه نجح في معارضة مشروع التطور التنظيمي نحو الإنفتاح، كما اتضح أن الشيخ أيضا لم يحكم لأنه لم يدفع خطته نحو النفاذ وفاضل بين مشورة أبوبكر الصديق ومشورة الفاروق عمر رضي الله عنهما في أسرى بدر (أسارى المعهود القديم في حركة الإسلام ) وراقت له مشورة أبوبكر أن يأخذ الفدية من قومه وأهله ، ونفرت نفسه عن نصيحة الفاروق أن يقدم الأطر القديمة ويضرب أعناقها والله يغنيه عن الفداء، الآن حان الوقت ليُدفع بتلك الخطة إلى النفاذ الفوري فتكمل مراحل التطور الدستوري الذي يفتح الأمر كله منافسة حرة للناس كافة فيكفي خمس سنوات عجاف من محاولات "رأب الصدع" و"التعايش السلمي" ومحاولات الرتق التي تختتم تجاربها بعبارات "أعجل ما تيسر" لتنسد في وجوهنا أبواب اليسر بالدرجة التي تجعل الحاج النيجيري الذي مرّ بدارفور عام 1999 في طريقه إلى الحج وترك بعض متاعه هناك وديعة ، وتركنا نستعجل ما يتيسر ، يعود هذا العام ليأخذ متاعه ولكنه يفاجأ بتجنيده في قوات مراقبة سوء معاملة الحكومة لمواطنيها بأمر من الرئيس أوباسانجو !!! فيتمتم بلهجته النيجرية المحببة في تلاوة القرآن : "إن بأد اليسر أُسرا" ، لفرط وقع الأمر عليه .
كنت قد كتبت في مقال سابق أنه من الخير للقوى السياسية أن تبادر إلى إحداث إختراقات في صفوف جماعات النظام لصالح التحول نحو الديمقراطية، والآن وقد برزت هذه المجموعة من جماعات النظام فإنه من المفيد لها أن تمد محاولتها للإصلاح أبعد من من قصر الرئاسة في الخرطوم فلم يعد الأمر كله يدار من هناك ، وكما يعرف السادة أعضاء المجموعة وكما ينبغي لهم أن يتوقعوا فإن الطريق ليست معبدة فرغم سيرنا عليها نحن أهل الشعبي قبلهم إلا أننا لم نعبدها إلا بمقدار طاقتنا ولا يزال فيها الكثير من النتؤات والحفر ليس أقلها جماعات المعارضة الشابة الحديثة التجربة وجماعات اليسار غير المنظم من أصحاب الهوى غير الراشد وإن تطاول عمره على غرار "سفه الشيخ الذي لا حلم بعده" والتي تتمنى إختفاء النظام دفعة واحدة ويؤلمها أن ينجو من سفينة النظام المعطوبة وسط أمواج عاتية أحد، ولكن سيجدون بعض التمهيد في أصحاب التجارب من أهل الجبهة الوطنية واليسار المنظم الذي مشى المشوار قبلنا كلنا وأسعفته سنوات المناحة المنظمة بإسم النقد الذاتي أن يتوافر على حرية تسمح لهامش الخطأ في التجارب الإنسانية أن يكون فادحاً.
ويا مصلحي المؤتمر الوطني ومهمشيه إتحدوا !!!!
صديق محمد عثمان
لندن
7/9/2004

Post: #44
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-24-2008, 10:34 AM
Parent: #43

القرضاوى و أزمة دارفور- مواصلة السقوط

لم يفتح الله بكلمة واحدة على الشيخ المصري الأصل القطري الجنسية يوسف القرضاوى الداعية المعروف و هو يرى عبر القنوات الفضائية مأساة أهل دارفور. لم فتح الله عليه بكلمة و هو يرى النساء المسلمات وهن يغتصبن وتحرق منازلهن ويقتل بعولهن و أولادهن من الشباب كما تغتصب أيضا بناتهن. لم يفتح الله عليه بكلمة ورقم القتلى من المسلمين وصل إلى 50 ألفا و المهجرين من ديارهم المليون ونصف المليون شخص. لم يفتح الله عليه بكلمة طيلة السنة ونصف السنة و المأساة ماثلة أمام الجميع. سنة ونصف السنة تحرك فيها العالم لمساعدة المساكين من أهل دارفور وممارسة الضغط على حكومة السودان و تدخل مجلس الأمن و أعطى حكومة السودان مهلة شهر لحل هذه المأساة الإنسانية و إلا....... هنا تدخل الشيخ الملياردير ووصل للسودان مع نهاية المهلة لا لينصف المظلوم ويرد الظالم عن ظلمه وكلا الفريقين من المسلمين ولكن قبل أن يتوجه الشيخ المتأنق دائما إلى دارفور ويرى الأشياء على أرض الواقع ليتثنى له الحكم كما هو مفترض بإى مسلم عادل يخاف الله إختار أن يقف على منبر النظام في الخرطوم و أن يتبنى وجهة نظر الفئة الباغية أن مشكلة دارفور هي من صنع الاستعمار وهى استهداف للدولة الإسلامية الناشئة في السودان من الغرب المسيحي. ونسى الشيخ أو تناسى أن المتحاربين من الجانبين من المسلمين و أنه كان عليه أن يسدى النصح لحكومة السودان بكف يدها عن فقراء المسلمين في دارفور وأن تكون مسئولة عن رعيتها كما كان يفعل سيدنا عمر بن الخطاب و هو يقر المسئولية الشخصية له كحاكم لو تعثرت بقرة في العراق فما بالك بعباد الله من المسلمين.

الشيخ الوقور الذي يحاول أنشاء أول مرجعية إسلامية موحدة رغم أن الإسلام ليس به كهنوت أو بابوية استهل رئاسته للإتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي أنشأه في لندن وليس في مكة أو أي من البلدان الإسلامية استهل هذه الرئاسة بالدفاع عن السلطان و القوة الباغية فيا لها من محنة تنتظر المسلمين إذا كان البابا الأول لهم هو القرضاوى.

شخصياً لم أكن أتوقع أن يقف الداعية المشهور موقف الحق و ينصر مستضعفي دارفور نظراً لمواقفه السابقة التي جانبت الصواب في كثير من قضايا المسلمين الحيوية ولكني توقعت من الشيخ الجليل أن ينأى بنفسه من الدخول في مثل هذا الصراع حتى لا يتعرض لغضبة احد طرفي النزاع وكلاهما من المسلمين كما ذكرنا. عير أن الطرف المعتدى عليه من المسلمين السود الفقراء الذين لا يملكون قوت يومهم ولا يتوقع منهم أن يطالوا الشيخ وليس لهم من الإمكانيات المادية التي يمكن أن تؤثر على خطاب فضيلته الذي اجترأ على الحق و و قف بجانب الطغاة.

نحن نقول مهلاً فضيلة الشيخ قبل أن ترشح نفسك و تذكيها لمنصب البابا الأول للمسلمين عليك أن تطهر نفسك من ما علق بها من شوائب ملذات الدنيا الفانية و تختار الوقوف إلى جانب الحق فالساكت عنه شيطان أخرس.

هشام احمد جميل
أبوظبى
7/9/2004

Post: #45
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-24-2008, 10:41 AM
Parent: #44

القرضاوي يتآمر على قضية دارفور

برز لنا الشيخ القرضاوي يوم الجمعة في ثياب الواعظين ومشى في الارض يهدي ويسب الغرب في قضية دارفور. فقد جاء الشيخ الى السودان او جيء به من قبل حكومة الإنقاذ لانقاذ ما يمكن انقاذه وهي حملة تنفق فيها المليارات لتلقي الدعم السياسي من الشخصيات والدول الاسلامية والعربية التي تكيل في القضايا الانسانية بمكيالين. انهم يدينون ممارسات الكيان الصهيوني ضد الفلسطينيين ولكنهم يتغاضون او يباركون ممارسات النظام السوداني ضد مواطني دارفور بل يطلبون النصر من رب العباد!.
لقد عمل الشيخ بالقول المأثور" انصر اخك ظالما او مظلوماً" بفهم الجاهلية الاولى. لان اهل دارفور معهم الغرب وامريكا والتي هي ضد الاسلام والمسلمين اذن هو يقف في معسكر الايمان معسكر الانقاذ. لقد تناسى الشيخ القرضاوي وقوفه خلف امريكا ابان حرب الخليج وأثناء التدخل الامريكي في يوغسلافيا والذي كان لصالح المسلمين ولم يكن لصالح المسيحية. ماذا تغير يا شيخنا ولا هذا فن الفتوي؟

هكذا كانت خطبة الشيخ القرضاوي احد علماء البلاط الملكي في الوطن العربي ومن العلماء الخمس نجوم الذين يشار اليهم بالبنان حيث يطل علينا في قناة الجزيرة ابتغاء مرضاة الله" وليس من اجل حفنة من الدراهم.
لقد سئم الناس هذه الشخصيات أمثال الشيخ القرضاوي والشيخ الترابي الذي جاء بهذه الكارثة الماثلة الآن وغيرهم من الذين يفصلون الاسلام على مقاسهم او حسب هوى الحكام.
عيب يا شيخنا مش كده عيب عندما يعزف شيخ مرموق على أنغام نفس الاسطوانة المشروخة، فأنت لم تأت بجديد بل قلت ما تقوله الحكومة من ان الثوار أنفسهم هم صناعة اسرائيلية وهم بذلك يزيدون اسرائل كل يوم شرف انها دولة يمكن ان تقف مع الحق ولو في دارفور.
ان كنت لا تدري فارجع الى التاريخ الاسلامي واعرف اهل دارفور حق معرفة واعمل انهم من كسوا الكعبية عندما كان العرابة حفاة عراة.وهم ليس حديثي العهد بالدين الاسلامي ولا في حاجة الى فتاويك التي تكرس الظلم والاستبداد.

انها مهزلة التاريخ الاسلامي الحديث ان يتغاضى الشيوخ الذين يظنون انهم يملكون الحقيقة الايمانية وحدهم عن موت المواطنين المسلمين الابرياء من اجل ارضاء الحاكم ويسوقون لبضاعة خاسرة لا تخدم القضية ولا الاسلام بل تجتثه من جزوره.

بدلا من هذا القول المردود عليك الأجدر بك ان تلبس حزام ناسف وتنظم الى مقاتلي الشيشان. لان الطقس في روسيا بارد خير من هجير الحر في دارفور مع الحكومة وجنجويدها.

لقد حاول شيخنا ان يقنع المسلمين من على منبر المسجد الذي - وظف لغير الله - بان ما يحدث في دارفور هو من كذب ولا وجود لقتل من مليشيات الجنجويد وان كان هناك قتل فهذا ابتلاء من الله لاهل دارفور ربما لانهم وقفوا ضد الانقاذ – التي تحكم بما انزل الله- وعلى اهل دارفور ان يتوبوا الى الله عسى ان يغفر لهم الله.

هل هذه تعاليم الإسلام التي تعلمتها يا شيخنا وتريد ان تعلمها لأجيال المسلمين الذين يرون بأم أعينهم نساء واطفال قتلى بصور وحشية. هل تريدهم ان يفرحوا لجرائم القتل الجماعي في دارفور والتفجيرات العشوائية في العالم باسم الإسلام؟

هل تريدنا ان نقول للغرب دع الحقيقة جانبا واتركنا وشاننا نموت بشرف على ايدي الجنجويد الذين هم خير لنا وانتم شر لنا.

انا لا ادري عن أي دين يتكلم القرضاوي حتماً ليس عن الإسلام الدين الحق الذي جاء به النبي الأمي. لكننا حقاً نعيش في عصر اضمحلال الإسلام وجهالة العلماء المسلمين. فالاسلام بسبب هؤلاء أصبح وحشا يقتل ببشاعة وأصبح رمز للكذب والنفاق والتضليل وقتل الاطفال والناس وكل ما هو منافي لتعاليمه السمحة.

ان ما تقوله يا شيخنا لن يمنع اهل دارفور من دخول النصرانية ان ارادوا وهذا حق طبيعي ولو كان الارتداد عن الدين ياتي بهذه السهولة لما بقي مسلم واحد في دارفور بسبب فتاويك الحكومية. فهنيئا لك بحكومة الإنقاذ.

شكرا لليهود والنصارى والخزي والعار للعرب والمسلمين في قضية دارفور


الهادي عيسى حسين
طرابلس – ليبيا

4/9/2004

Post: #46
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-24-2008, 10:48 AM
Parent: #44

جرائم الإبادة الجماعية في إقليم دارفور وسياسة الاحتواء

غاب صوت العقل وضمير الإنساني وتعطلت لغة الحوار وبدأ لغة المدافع ثم العكس ودارت الدوائر ما بين هذا وذاك دماء سالت كالبحور ومئات الآلاف من الأبرياء قتلوا وأكثر من مليون نسمة شردوا في العراء وآخرون أجبرهم نظام الجبروت الدموي البقاء في معسكرا حول المدن الكبرى عد خصيصا لإحكام السيطرة عليهم وإعادة اعتقالهم وتعذيبهم بحجج واهية لتصفيتهم كما حصل في معسكر (مايو) بضواحي الخرطوم أكبر دليل، وهي معسكرات لا تصلح لإيواء البشر، ويمكن أن يكون سجنا يوضع على مدخله لافتة مكتوب عليها معسكر اللاجئين.
وآخرون شردوا إلى مناطق صحراوية قاحلة دون مأوى، إنها مدبرة ومدروسة ومحكمة من قبل النظام الإجرامي في الخرطوم وهذه جريمة من جرائم النظام في حق أمة بكامله ينافي الأخلاق والأعراف، وفاق جرائم الإبادة التي وقعت في رواندا وكوسوفو، وإنها جزء من استراتيجية النظام الفاسد في تنفيذ مخططه الإجرامي لتطير العرقي في دارفور ضد القابل ذات الأصول الإفريقية.
وكل متابع لأحداث دارفور يرى أن قادة النظام الإجرامي أعدوا لهذه الكارثة الإنسانية منذ وصولهم في السلطة ويظهر ذلك جلياً من فظاعة الجرائم التي ارتكبت وكفاءة مليشياتها في شن حروب إبادة جماعية تحت حماية جوية من القوات النظامية، والانهيار النسيج الاجتماعي الموروث بين قبائل دارفور بسرعة هائلة ومفاجئة مما يصعب معها إعادة بنائها في المنظور القريب مع أنها عامل أساسي لحل مشكلة دارفور ومن ثم استقراره السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي.
فنظام الجبهة الإسلامية هو نظام إجرامي أتقن كل أساليب الإبادة في السودان عموماً وفي إقليم دارفور خصوصاً، واستحدث آلة الجنجويد لتنفيذ مخططه الإجرامي كما استحدث من قبل بيوت الأشباح وجهاز أمن خاص به لتصفية خصومه السياسيين من قادة الأحزاب والنقابات وعموم الشعب السوداني واليوم لينقل حرب تصفية حساباته إلى أرض دارفور لتنفيذ مخططاته بعيداً عن أنظار العالم.
وعندما انكشف النظام على حقيقته قادة حملة دبلوماسية شرسة لتضليل الرأي العام العالمي بأن ما يجري في دارفور مجرد أحداث نهب مسلح خارج عن قانون نظامه وتارة يسميه النظام ما هي إلا حروباً قبلية...؟ وعندما وجد نفسه بأنه لم يكسب في تلك الجولة، ذهب إلى مفاوضات أبشي التشادية تحت ضغوط دولية عالية ومع ذلك خضع النظام العالم كله ليخرق وقف إطلاق النار في اليوم التالي من الاتفاقية، وعندما توالت عليه الضغوط دولية وإقليمية وداخلية ذهب النظام إلى العاصمة التشادية ـ إنجمينا (1) لمفاوضة الطرف الآخر، الذي حكم عليه بالفشل قبل انعقاده وعاد كل طرف أدراجه، وحاول النظام في حينه أن يحمل الطرف الآخر مسئولية فشل المفاوضات، ويطلب من الحكومة التشادية بطرد وفود الطرف الآخر، وردحت الحكومة التشادية لتنفيذ طلب النظام، وبالفعل طردت الوفود المتفاوضة من إنجمينا، هذا دليل على أن الحكومة التشادية لم تكن في موقف الحياد وبالتالي أصبحت غير مؤهلة في قيادة الوساطة وهنا كان على الفرقاء إيجاد دولة أخرى محايدة في إجراء مفاوضات على أرضها ولديها قدرات وإمكانيات تؤهلها لإدارة المفاوضات ت\نفسها للوصول إلى سلام عادل.
ما بين مفاوضات مدينة أبشي وإنجمينا حاكت مؤامرات كثيرة ضد مواطن في إقليم دارفور، أطرافها النظام الإجرامي في الخرطوم والنظام التشادي، الذي لا يدري حتى الآن مدى التلاعب والخداع لدى نظام الجبهة الإسلامية في السودان، حيث أنه له سجل حافل في نقض الاتفاقيات وعدم احترامها للعهود..، فالسؤال البديهي: هو ماذا حدثت لاتفاقية الخرطوم للسلام ما بعد الأحزاب الجنوبية في التسعينيات..؟ فلذا على النظام في تشاد أن ترتقي إلى مستوى المشكلة والأمانة لقيادة المفاوضات بجدارة للوصل بها إلى بر الأمان (كالإيقاد).
إنما يريده النظام من مفاوضات إنجمينا الذي وقع بموجبه وقف إطلاق النار لمدة 45 يوماً هو لكسب مزيدا من الوقت لارتكاب جرائمه وإخفاء آثاره التي ارتكبت من قبل من طرف الجنجويد وهم عبارة عن بقايا وفلول الدفاع الشعبي والإرهابيين الذين بقوا في السودان وبقايا قوات التجمع العربي الذي يقود جهود حثيثة من اجل تعريب إقليم دارفور بعد أن يقوم النظام بالقضاء على القبائل الزنجية، ويريد أيضا كسب مزيدا من الوقت في انتظار نتائج الانتخابات القادمة في الولايات المتحدة الأمريكية، وثم ما يتوصل إليه النظام والحركة الشعبية في جنوب السودان ليعيد ترتيب أوضاعه من جديد وتبدع في تنفيذ مخططاته الإجرامية.
فعلى المجتمع الدولي الضغط على الفرقاء وخاصة النظام في الخرطوم لوقف مخططاته وفتح ممرات آمنة لوصول المعونات والأدوية للمتضررين والتحقيق في تلك الجرائم ومحاكمة المسئولين فيها (قادة النظام ومليشياته المختلفة منها الجنجويد).
بالأمس القريب قاد وزير خارجية النظام بعض المراقبين إلى دارفور للوقوف على الأوضاع هناك، يبدوا أن زير الخارجية ضلل المراقبين هذه المرة أيضاً،
عندما زار بعض المعسكرات التي تم تجهيزها للزيارة، فنحن ندعو المجتمع الدولي على رأسه الأمين العام للأمم المتحدة/ كوفي أنان مسئولي منظمات الدولية التي تتبنى مشكلة حقوق الإنسان لزيارة تلك المناطق ليشهدوا على فظاعة الجرائم التي ارتكبت وتحديداً في القرى التالية على سبيل المثال وليس الحصر، 1- كتم والقرى المجاورة لها، 2- بوة 3- هشابة والقرى المجاورة لها، 4- فونو 5-ساني جندي 6-ديسة والقرى المجاورة لها، 7- انكا 8-مسبت والقرى المجاورة لها 9- أم حراز والقرى المجاورة لها 10- كل القرى المجاورة لوادي أمبار، 11- أوروري12- ليل 13-أم مراحيك 14-أم شك 15-كربيا 16-كاي تجارو 17- بري 18- أور شي والقرى المجاورة لها 19- آر كوري والقرى المجاورة لها 20-أمبرو والقرى المجاورة لها 21-فوراوية والقرى المجاورة لها 22- كرنوي والقرى المجاورة لها 23 طينة والقرى المجاورة لها 24-جكترا والقرى المجاورة لها حتى وادي هور شمالا على الحدود التشادية السودانية 25- أو قمرة والقروى المجاورة لها، هذا بالنسبة القرى التي تقع في منطقة دار الزغاوة.
أما القرى التي تقع منطقة دار المساليت أقصى غرب دارفور الموازية للحدود التشادية السودانية وإفريقيا الوسطى السودانية وهي على سبيل المثال على النحو التالي:1-منطقة وادي باري التي تقع شرق مدينة الجنينة كلها 2- منقطة فوربرنقا أقصى جنوب دار المساليت 3- منطقة هبيلا كجقسكي جنوب مدينة الجنينة وما حولها، 4- منطقة مستري التي وما حولها 5- منطقة بيضة وما حولها 6- ومنطقة كونقا حرازة أقصى جنوب غرب الجنينة 7- كل المناطق التي تقع شمال مدينة الجنينة 7- منطقة كلبس وما حولها حتى حدود مع منطقة كتم وكبكابيا شرقا ومنطقة طينة أقصى الشمال حدود مع دار الزغاوة، 8- أقصى غرب الجنينة حتى مدينة أدريه السودانية التشادية 9- منطقة مورني شرق هبيلا كجقسكي، 10- منطقة أفندي وقروما وهبيلا كناري وما حولها.
وكل قرى مناطق جبل مرة ووادي صالح وما حولها شرقا وغربا وجنوبا وشمالا حتى ومنطقة أم دخن أقصى جنوب غرب دارفور الحدودية مع إفريقيا الوسطى وتشاد مع السودان.
أي نظام في العالم تقترف كل هذه الجرائم وتحاول جاهدا إخفائها والهروب من العدالة وحكم الضمير.
يجب أن يقدم قادة هذا النظام الإجرامي مليشياتها، ذات الأجنحة المتعددة، مثل الفرسان والقريش 1 والقريش 2 والقريش 3 وأخيرا الجناح الرئيسي الذي قام بهذا الإجرام إلى العدالة حتى تكون عبرة وعظة على كل سفاكي وشاربي دماء الأبرياء في كل العالم.
أما الطرف الثاني في هذا الصراع سواء كان حركة تحرير السودان او العدل والمساواة او شخصيات أخرى هي نتيجة طبيعية على تلك السياسات الذي اتبعه النظام في الخرطوم وحلفائه من المليشيات في حق أهل دارفور كما وحدثت في أهل جبال النوبة والجنوب والأنقسنا وأبيي وشرق السودان وغيرها.
نتمنى أن تكون المفاوضات في إنجمينا خطوة نحن الأمام إلى تحقيق العدل والمساواة لكل أهل دارفور أولا والسودان ثانياً بفضل جهود هؤلاء المناضلين الذين رهنوا أرواحهم ثمناً للدفاع عن الحق، كما نتطلع إلى مفاوضات سياسية ناجحة ومشاركة واسعة يضم كل الفرقاء حتى يتوج لتك النضالات بالنصر والنجاح، لأن أبناء إقليم دارفور قادرين على ردع مخططات النظام وكل أجنحته، أبناء دارفور على الإطلاق ليسوا دعاة للحرب وإنما أجبروا على حل السلاح طلباً للأمن والحرية والسلام، لأن كل الأنظمة والحكومات السابقة وخاصة النظام الحالي الحاكم يتركوا وسيلة لمطالبة الحقوق المشروعة إلا السلاح.
إن مفاوضات القادمة في إنجمينا أسباب فشلها بدأت الآن تلوح في الأفق ونحن نجملها على التالي:
1- تصرفات النظام التشادي تجاه قيادات وفود المتفاوضة (إبعاد وعدم منح تأشيرات بعض القيادات للدخول في تشاد للمفاوضات).
2- عدم مصداقية نظام الخرطوم في احترام الاتفاقيات (اتفاقية الخرطوم للسلام وأبشي 1 وإنجمينا الآن).
3- تقارب النظامين، في الخرطوم وإنجمينا والاتفاقيات الأمنية التي تمت من قبل بينهما بخصوص منطقة دارفور.
4- قلة الخبرة لدى الوسيط لإدارة المفاوضات والتأثير على الأطراف لاتخاذ القرارات المصيرية التي تؤدي إلى نقلة نوعية هذه المفاوضات كما تحدث في نيفاشا الكينية
5- عدم إلمام الوسيط التشادي بجذور المشكلة في دارفور وذلك واضحا من الورقة التي قدمت إلى المفاوضات وعدم تمكنهم من جمع كل الفرقاء في دارفور.
تضاف إلى الأسباب أعلاه أن النظام في الخرطوم يحاول جاهدا لإحداث خلل وشق الطرف الآخر انطلاقا من سياسة الاحتواء والخداع والاستقطاب، وزرع الخلافات بين أبناء دارفور لينسيهم من القضية الأساسية ويلجأ بعد ذلك إلى استيعاب الذين ينشقون من صف أهل دارفور بحثاً عن المال أو المناصب إلى نظامه، وتخدع العالم كله بأن هناك مزيدا من الحريات والديمقراطيات، وسجله حافل في هذه المجالات، وهكذا ترى جلياً في الذين انشقوا عن الأحزاب التقليدية التي كانت لديها قواعد انتخابية في المناطق المهشمة كحزب الأمة الذي الآن انشق أكثر من فصيل بفعل النظام وكذلك حزب الاتحادي الديمقراطي الذي انشق أيضاً إلى فصائل متعددة بفعل مغازلة النظام الماكر وكذلك فصائل الثورية الجنوبية التي انخدعت باسم السلام الخرطومي في التسعينيات من القرن الماضي، كما انشقت الجبهة نفسها في النزاع بين من هو أولى باستحواذ مناصب الرئيسية والتي تعددت منابرها إلى المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي وفي النهاية أن الأول هو الذي خدع الأخير مع أن المؤتمرين وجهين لعملة واحدة، وعليهما مسئولية ما جرى ويجري في كل ربوع السودان وخاصة في مآسي دارفور الحالية.
ففي إطار سياسة الاحتواء وصفقات المال والمناصب الذي يتبعه هذا النظام لاحتواء أكبر عدد ممكن من مثقفي دار وقياداتها لهو أكبر دليل أيضاً على أن هذه الحركة الإسلامية مازالت تمارس سياسة فرق تسد لأجل تفويت فرص أبناء المناطق المهمشة لترتيب أوضاعها الاستراتيجية المستقبلية في كل المجالات، في الاستقرار السياسي بمنظور أفكار النظام المخادع.
كما ظهرت في الآونة الأخيرة من انشقاقات الأحزاب بما يسمى العائدون بصفقات فردية أو شخصية مع النظام في الخرطوم ويُجْرَى لهم مهرجانات واستقبالات لأجل توصيل رسالة ما للعالم والشعب السوداني بوجه الخصوص، فهكذا استقبل نظام الجبهة الإسلامية وفي وقت متزامن مع ترتيب أوضاع الحركة الإسلامية التي توصلت في اختيار نائب رئيس الجمهورية، علي عثمان طه أميناً عاماً للحركة الإسلامية في السودان، فهذا دليل على أن قدوم الدكتور/ فاروق أحمد آدم، القيادي البارز في كل الحركات الإسلامية منها حركة الإخوان المسلمين إبان دراسته في مراحل دراسته الأساسية ثم ينقلب إلى وجهة الجبهة الإسلامية بقيادة الشيخ الترابي ثم خروجه من حظيرة الشيخ إلى فضاء حزب الاتحادي انتقاماً من نظام شيخه ثم عودته إلى الحظيرة القديمة الجديدة (المؤتمر الحاكم) لهو دليل على الاحتواء السياسي كل الجبهات المشكلة السودانية المعقدة.
للأسف الشديد كان الدكتور/ فاروق أحمد آدم، مكان تقدير واحترام كل أبناء السودان وأبناء دارفور بصفة خاصة لأنه كان قيادياً بارزاً ومحنكا سياسيا ونائبا برلمانيا بارزاً، فإذا هو يطل على الشعب السوداني المغلوب على أمره بوجه العموم وأبناء بلده المنهك بصفة أخص عبر الفضائية السودانية (المواجهة يوم الجمعة قبل الماضي) طل خجولة جداً والارتباك كان واضحاً عليه ليدلي أمام الشاشة الصغير بتصريحات خجولة وكاذبة عن لقاءاته بقادة الحركة الثورية النضالية مع المهمشين في ألمانيا الاتحادية في إطار المهمشين الذي عقد هناك في العام الماضي، والاتصالات التي كان يجريها معهم وما هي إلا كانت معلومات استخباراتية دقيقة مدفوعة الثمن مقدماً..!؟، فمن كلامه للواجهة أنه قال: خرج من السودان مديوناً وخرج من القاهرة إلى استراليا مديوناً ثم عاد للحظيرة الأخيرة مديوناً، ولكن عودتك إلى السودان مديونا هذا تضليل كبير، فنحن نسأل سعادة الدكتور، لمن كان هذا الدين وما هي نوعيته ولماذا ألزمت نفسك بكل هذه الديون، هل هذه الديون هي ديون ترضية وتقديم خدمات للنظام كمكافأة أم هي صفقات تجارية على حساب أهالي دارفور الغلابة.؟
وتحدث مطولا عن حلولا للأزمة في دارفور كان من الأجدر به أن يطرحها من خلال الحزب الاتحادي الديمقراطي عندما كان في حكومة ائتلافية عام 1987م ونائبا برلمانيا من دارفور أين بصماته الإصلاحية والتنموية في دارفور، وتحدث أيضا عن خروجه من الحزب الاتحادي الديمقراطي وقال بالحرف الواحد عندما طرح فكرة الإصلاح داخل الحزب الاتحادي الديمقراطي اصطدم بغواصات الحزب الاتحادي تحديدا (حاتم السر،.. وفتح شيلا) السؤال الذي يطرح نفسه هو غواصتان أخرجك من الحزب الاتحادي الديمقراطي من القاهرة وكيف تحل أزمة دارفور بكامله فيها مليون غواصة ومليون دبابة ومليون آلة إبادة جماعية (الجنجويد).
نقول له حمد لله علي السلامة في ارض الوطن تكسوه رائحة جرائم إبادة وتطهير عرقي وكنا نتمنى لك عودة في ظل ظروف طبيعية ولكن هذا خيارك يمكن أن تكافئ بوزير دولة لشئون دارفور أو وزير دولة لشئون اللاجئين هو العاصمة (بأي حالة عدت يا دكتور العزيز) كان أمال أهل السودان ودارفور بصفة خاصة فيكم كبيرة ونتمنى أن يكون كذلك ونتمنى أن لا تلحق بقطار هذا النظام الإجرامي وتكون شاهدا علي تلك المجازر.
فعلى المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية الضغط علي النظام في الخرطوم لتنفيذ ما اتفق علية في أنجمينا مؤخرا واحترام الاتفاقيات لأن ما توصل إليه الطرفان خطوة إلي السلام ولكن معرض للانهيار والفشل طالما نظام الخرطوم طرفا فيه حتى لا تكون كالهدوء التي تسبق العاصفة.
أن نظام الخرطوم لا تحترم المعاهدات والاتفاقيات وسجله حافل بالرجوع عما يتوصل إليه ويضلل العالم كله ليعود إلي تنفيذ مخططاته كما خضع العالم اجمع بخصوص الإرهاب عشرات السنين.
لضمان نجاح أي مفاوضات قادمة في انجمينا يجب مراعاة النقاط التالية:
1- توسيع قاعدة المشاركة لتشمل كل أطراف الصراع في دارفور.
2- حياده الدولة التي ترعى المفاوضات أو إيجاد البديل إذا دعت الضرورة لضمان نجاح و عدم الدخول في صفقات فردية مع النظام في الخرطوم.
3- وقف الأعمال العدائية ونزع سلاح الجنجويد ومراقبة دولية لكل مراحل التفاوض.
4- الابتعاد عن التعصب وإجراء مصالحات عن طريق الإدارات الأهلية كما كانت في السابق.
5- أن تتجه كل أبناء دارفور نحو ترميم العلاقات بين القبائل التي انهارت أثناء الحرب وإعادة النسيج الاجتماعي وروح الأخوة بين أبناءه للوصول إلي الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي الذي نصبو إليه جميعا.

مصطفى موسى خميس
عضو التحالف الفدرالي الديمقراطي السوداني
22/4/2004

Post: #47
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-24-2008, 10:56 AM
Parent: #46

شياطين الأنس و الجن

هلال زاهر الساداتى-مصر

تحدث الدكتور إبراهيم احمد عمر الأمين العام للمؤتمر الوطني ( الجبهة القومية الإسلامية سابقا ) في اجتماع حزبه بالخرطوم متكلما عن المرحلة المقبلة و هي مرحلة السلام في السودان و التي ستزال فيها القيود عن الحريات و تعود التعددية الحزبية و حرية الكلام و الاجتماع و الصحافة , و هي الحريات التي حرموا الشعب السوداني منها طيلة مدة حكمهم التي بلغت أربعة عشرة سنه , و مما قاله انه ستظهر لهم شياطين الجن و الأنس , و لعل الدكتور يقصد المعارضين لهم من الأحزاب الأخرى بالقول أو بالكتابة , و الدكتور رجل أكاديمي مرموق و لا أظن أن التعبير خانه أو اشطط في تعبيره , و لكن ربما جاءت تلك المقولة عفويا لتكشف عن فكر حزب الدكتور التسلطي الذي لا مجال فيه للآخر , بل فيه إقصاء للآخر , و طبقا لذلك حكمونا أربعة عشرة سنة بالحديد و النار و القهر و القمع و تكميم الأفواه و التعذيب في بيوت الأشباح , فهو إذا منطقي مع نفسه و مفاهيمه … و نحن نعرف شياطين الجن معرفة قرآنية و لكن نختلف مع الدكتور في توصيفه لشياطين الأنس , و نختلف فيمن يستحق هذا الوصف بناء على ما يأتيه من أعمال , و يقول المثل السوداني ( الجمل ما بشوف عوجة رقبته ) , و طبقا لهذا المثل سأورد بعض الشواهد و الوقائع التي حصلت و ما زالت تحدث في وطننا منذ أن ابتلينا بحكم الجبهة , و ليت الدكتور يحفز ضميره بينه و بين نفسه و ربه و أن يزيل عن بصيرته غشاوة الحزبية المتعصبة , و ضلال الهوى المتحيز , ثم يجيب على ما يأتى من أسئلة , و ليطمئن بالا فان أوان الحساب لم يأت بعد ..

ابتداء من هم الذين تسلطوا على الحكم بالخديعة و الغدر و الكذب بادعاء أن القوات المسلحة هي التي قامت بالانقلاب , كما أن لهم صلة بالجبهة القومية الإسلامية !؟

و من الذي أقام حكما غاشما مبنيا علي القهر و القمع و كبت الحريات !؟ ومن الذي أشاع الظلم بطرد العاملين في أجهزة الدولة المختلفة من أعمالهم تحت مسمي الصالح العام !؟

و من الذي ادخل في السودان أساليب وحشية غير إنسانية في معاملة المعارضين و منها التعذيب البدني و النفسي في بيوت سرية!؟

و من الذي استباح المال العام و بلغ المختلس من أموال الشعب السوداني المليارات من الجنيهات حسب تقارير المراجع العام و لم يحاسب أحد !؟

و من تسبب في هجرة الملايين من السودانيين شيبا و شبابا و أطفالا و عائلات بأكملها في اكبر هجرة في تاريخ السودان إلى ارض الله الواسعة بعد أن عز العيش في وطنهم و عزت لقمة الخبز و ضربتهم المهانة و الإذلال في دولة بوليسية ليس للعدل فيها منفذ !؟

و في عهد من تدهورت العملة إلى درك اسفل و صار الجنيه لا يسوى شيئا فألغوه و أبدلوه بالدينار و ما زال الحال علي حاله من السوء !؟

و عندما تسلطت هذه الفئة علي الحكم كان الدولار يسوي ثلاث جنيهات سودانية و تباهي أحد الانقلابيين و هو العقيد صلاح كرار بأن الدولار كان سيسوي عشرين جنيها لولا انقلابهم , و لكن بعد حين من حكمهم صار الدولار يسوي ألفين و ستمائة جنيها !؟

وفي عهد من تدهور التعليم إلى اسفل سافلين و هجر المعلمون المهنة لأنهم لا يتقاضون رواتبهم بالشهور و السنين و تصدعت مباني المدارس و شحت الكتب المدرسية و ألغيت الداخليات و جلس التلاميذ علي الأرض !؟

و صار التعليم وقفا علي القادرين ماليا في المدارس الخاصة !؟

و في أي عهد انحط العلاج في المستشفيات و انعدم الدواء و صار العلاج لمن يستطيع الدفع بعد أن كان مجانا , و استشرت الأمراض و استجدت أنواع منها لم تكن معروفة مثل الإيدز و السرطان و أصبحت الملاريا مألوفة مثل الصداع !؟

و في عهد من هدد الجوع و سوء التغذية حياة الناس و طبقا لإحصاءات الجهات المسؤولة اصبح 94% من الشعب السوداني تحت خط الفقر , أي اصبح 6% فقط هم المستأثرين بمقدرات و ثروات الشعب السوداني و هؤلاء هم بالطبع أعضاء الجبهة القومية الإسلامية ومن سار في ركابهم !؟

و من قضي علي مشروع الجزيرة و الذي كان المورد الأول للخزينة !! ومن ادخل المز راعين السجون لعدم قدرتهم علي سداد القروض ذات الربا الفاحش الذي يقدر ب 60% فائدة علي القرض !؟ ومن استولي علي أموال البنوك و أموال أصحاب المعاشات الذين تعرضوا للمسبغة و الإذلال !؟

ومن ادخل جرائم الغش و الإضرار بالناس باستيرادهم أغذية و سلع منتهية الصلاحية , و لم يمثل واحد من المجرمين أمام القضاء !؟ و من استولي علي الأموال المرصودة لمشروعات حيوية تقدر بمليارات الجنيهات مثل طريق الإنقاذ الغربي ولم يتعرض للمحاسبه واحد من المتسببين في ذلك !؟

ومن باع مؤسسات و شركات القطاع العام الرابحة بابخس الأثمان للقطاع الخاص من تجار الجبهة و شردوا العاملين بها !؟

ومن أجج أوار الحرب في الجنوب بعد أن كادت الحرب تنتهي باتفاقية الميرغني – قر نق و ضحي بآلاف الشباب تحت مسمي الجهاد !؟ ومن أحيا النعرات العنصرية و القبلية البغيضة بل حرض و سلح عصابات الجنجويد في دار فور و استباحوا أرواح المواطنين و أعراضهم !؟

و أخيرا و ليس آخرا من شجع الخرافة و الدجل و الشعوذة و افرغ الدين الحنيف من محتواه و صيره صورة و شكلا في شعارات و هتافات و دقون و جلابيب قصيرة و زبيبة صلاة مصطنعة علي جبهة الوجه !؟

و بعد , عندما يجيب الدكتور بينه وبين نفسه – و أمام ربه , بكل تجرد و صراحة , فحينئذ سيتبين له و سيري بوضوح من هم شياطين الأنس …

هلال زاهر الساداتي
25/3/2004

Post: #48
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-25-2008, 04:55 AM
Parent: #47

السودان : التجربة المتفردة والفشل المركب

"الحلقة الشريرة" وخصوصيات انقلاب الفريق البشير

انتحار الإنقاذ و "مسك الختام"



الانقلاب العسكري الذي حدث في صبيحة 30 من يونيو 1989م لم يكن مفاجئا لكونه حلقة جديدة في الدائرة الشريرة التي ظلت الحركة السياسية السودانية حبيسة جدرانها ، من نظام ديمقراطي يطيح به انقلاب عسكري تسقطه انتفاضة شعبية تأسس لنظام ديمقراطي جديد يمهد بدوره الطريق للعسكر لتسلم السلطة مرة أخرى. وخلال ما يزيد عن 45 عام هي عمر الدولة المستقلة في السودان نجح العسكر في الاستيلاء على السلطة ثلاثة مرات [ الفريق إبراهيم عبود في عام 1958م ، المشير جعفر نميري في عام 1969م والفريق عمر البشير في عام 1989م ] وفشلوا في عشرات المرة الأخرى ، لكنهم قضوا في السلطة ما مجموعه 34 عام كاملة ، فيما بلغ مجموع الفترات الديمقراطية بما فيها المراحل الانتقالية 11 عاما فقط.

لكن جديد الانقلاب الأخير ارتبط بأنه حمل إلى السلطة وللمرة الأولى الحركة الرئيسية من بين حركات الإسلام السياسي الراديكالي في السودان. ورغم أن قيادة الانقلاب نجحت في الأيام الأولى وبدعم استخباري ودبلوماسي مصري في التمويه على هوية الانقلاب الحقيقية على الأقل خارج حدود السودان ، إلا أن الوجه الحقيقي سرعان ما بدأ يتكشف واضطرت "قيادة الجبهة الإسلامية القومية" أن تخرج للعمل السياسي العلني وقامت بتكليف قياداتها المعروفة بتولي وظائف رفيعة في النظام الجديد.



مؤشرات مبكرة


من بين العديد من العوامل والوقائع التي يمكن اعتبارها دلائل مبكرة للفشل أن الحركة الإسلامية السودانية كما يحلو لزعيمها ومؤسسها الحقيقي الدكتور حسن الترابي تسميتها تعجلت الوصول إلى السلطة دون تمعن حقيقي في بواطن الواقع السوداني الذي ستتحكم في مفاتيحه. هنا سنتحدث عن حقيقتين رئيسيتين تتعلقان بالتركيبة المتميزة لبلد كالسودان وبالصيغة التي اختارها إسلاميو السودان للاستيلاء على السلطة.

السودان بلد قارة هو أكبر بلدان القارة الأفريقية حيث تفوق مساحته 2.5 مليون كيلومتر وهو يمتد من عمق المناطق الاستوائية في القارة السوداء إلى داخل الصحراء الكبرى ما بين خطي العرض 3 و 22 درجة شمال. ويتمتع السودان بحدود مباشرة مع تسعة دول وبحدود عبر البحر الأحمر مع المملكة العربية السعودية. في داخل هذا الفضاء الشاسع تتعايش قوميات متنوعة تعطي لهذا البلد ثروة بشرية وثقافية غير محدودة. أكثر من 100 قبيلة تنحدر من أصول أفريقية وعربية وكثير منها نتاج لتزاوج عربي-أفريقي يتحدث أفرادها 120 لهجة ولغة محلية بجانب اللغة العربية التي تعتبر وسيلة التواصل بين مختلف القبائل والقوميات مع حضور للغة الإنجليزية وخاصة في جنوب السودان باعتبارها كانت ولوقت قريب لغة التعليم والعمل فيه.

أما المعتقدات الدينية ، فالإسلام هو الدين الأوسع انتشارا لكن ممارسته لا تخلو من أبعاد ونكهة محلية تميزه ، وسيطرة كاملة للمذهب السني . تليه الديانة المسيحية بمذاهبها المختلفة ويعتنقها ما لا يقل عن 20 في المائة من السودانيين وتتركز غالبية المسيحيين في جنوب السودان. أخيرا هناك أقلية من معتنقي الديانات المحلية والأفريقية ويتوزعون في هلال يمتد من الجنوب الشرقي إلى الجنوب الغربي يشمل كل مناطق جنوب السودان.

هذا التنوع لم يكن مصدر قوة للسودان ، بل ظل على الدوام موضوع نزاع استغله المستعمر البريطاني لإضعاف الحركة الوطنية وبذر الخلاف بين أبناء الوطن الواحد. واستمر الحال على ما عليه ما بين الحكومات الوطنية التي سيطرت عليه النزعات العربية-الإسلامية ومواطني الأقليات بسبب تبني هذه الحكومات لسياسات تكرس هيمنة الشمال العربي-المسلم على الجنوب الأفريقي-المسيحي كما جرت العادة على نعت أطراف النزاع السوداني. وكان نتاج ذلك حرب أهلية ما زالت رحاها دائرة في السودان منذ العام 1955م. يضاف إلى ذلك تداخل قبلي مع دول الجوار التي تعاني بدورها من صراعات مماثلة مما جعل التدخل في القضية السودانية الداخلية سمة ملازمة للعلاقات مع الجيران. وقد أدى إعلان الرئيس السوداني الأسبق جعفر نميري لتطبيق قوانين الشريعة الإسلامية في البلد في عام 1983م بدفع من قيادات الجبهة الإسلامية القومية إلى إضفاء بعد جديد على "حرب الجنوب". ومن هنا كان تولي هذا التنظيم للسلطة مؤشر على أن البعد الديني سيأخذ كامل أبعاده في هذه الحرب.

الحقيقة الثانية أن الدكتور حسن الترابي ورفاقه اختاروا الانقلاب عسكريا على تجربة وفرت لهم كل الحريات التي كانت الأحزاب الإسلامية تشكو من انعدامها في بقية البلدان العربية والإسلامية الأمر الذي ألب عليهم منذ اللحظة الأولى منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني في العالم الغربي والتي وضعت السودان على قائمة أجندتها. كما أن الانقلاب مثل إشارة البداية لوصول حركة إسلامية للسلطة في بلد سني الأمر الذي حول السودان إلى معمل اختبار ينظر إليه الجميع : من جهة ، دعاة أن الإسلام "دين ودولة" ليبرهنوا من خلال نجاح التجربة على صلاحية "الإسلام لكل زمان ومكان" وقدرات هذا الدين على التكييف في داخل كل بيئة يطبق فيها. ومن جهة أخرى ، المنادون بفصل كامل "للدين عن الدولة" باعتبار أن الأحزاب الإسلامية هي أحزاب سياسية مثل غيرها تستغل الدين لغرض كسب المؤيدين لبرنامج اقتصادي-اجتماعي وأن التجربة السودانية ستكون الحكم على صحة منظورهم.



الطريق إلى السلطة


لكن قبل الدخول في حصيلة 12 عام من حكم "الحركة الإسلامية" في السودان لابد أن نعرج للحديث وبسرعة عن التطور الشديد الذي شهدته هذه الحركة منذ استقلال السودان وحتى منتصف الثمانينات مما حولها من حلقات صفوية لأعداد محدودة من المثقفين المرتبطين بحركة "الأخوان المسلمين" في مصر إلى تنظيم ذو قاعدة سياسية واقتصادية أتاحت له الانفراد بالسلطة على حساب بقية الأحزاب السياسية في السودان. ومن المؤكد أن مثل هذا التطور ما كان ليحدث لولا تولي رجل بأبعاد الدكتور الترابي لقيادة الحركة التي تأسست في السودان في منتصف الأربعينات والخمسينات من خلال مجموعات الطلاب العائدين من فترات دراسية في الجامعات والمعاهد الدينية في مصر. وتعززت قدرات الحلقات الوليدة بعد أن باشر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حملته على حركة الأخوان المسلمين دافعا عدد كبير من القيادات والأئمة إلى التوجه لدول أخرى من بينها السودان. وواصلت الحركة عملها في السودان تحت اسم "جماعة الأخوان المسلمين" كحركة صفوية محدودة النفوذ السياسي والاجتماعي لكنها ذات حضور قوي في أوساط الحركة الطلابية التي مثلت فيها البديل المتاح عن اليسار المرتبط بالحزب الشيوعي السوداني أحد أقوى الأحزاب الشيوعية الأفريقية والعربية في ذلك الوقت.

سياسيا ، اختارت الحركة العمل تحت عباءة الأحزاب الطائفية الكبرى في السودان [ طائفتي الختمية و الأنصار ] لتمرير برنامجها السياسي والذي انحصر حتى عام نهاية الدكتاتورية العسكرية الأولى في عام 1964م في الدعوة لمشروع "الدستور الإسلامي". لكن الدور الذي لعبته بعض كوادر التنظيم في التحرك الشعبي في أكتوبر من ذات العام للإطاحة بالفريق إبراهيم عبود ، لفت الأنظار إلى عدد من القيادات الشابة في داخل هذا التنظيم وفي مقدمتهم الدكتور حسن الترابي الذي نجح في العام الذي يليه في الفوز بمقعد في البرلمان السوداني المنتخب. وكان واضحا أن الدكتور الترابي ليس وحده بل هو يحمل راية تيار داخل هذا التنظيم يطالب بتغييرات كبيرة في مناهج وأساليب عمل الحركة. ونجح هذا التيار عبر ضربات متتالية وعلى مدى 15 عام في السيطرة على مقاليد الأمور في داخل التنظيم الذي شهد تغييرات كبيرة:

أولا ، أنجز الترابي تحول كبير في البنية التنظيمية من خلال إخراج التنظيم من عمل الحلقات الصفوية التي أصبحت تمثل حلقات الطلائع القيادية إذا قارناها بالأحزاب الشيوعية إلى بناء تنظيمات جماهيرية ذات قاعدة واسعة ومفتوحة لكل التيارات الإسلامية التي تتبنى مبدأ "الحاكمية لله". وجرى ذلك على فترات مختلفة بدأت "بجبهة الميثاق الإسلامي" في النصف الثاني من الستينات مرورا بالعمل تحت عباءة "الاتحاد الاشتراكي السوداني" التنظيم الحاكم على زمن الرئيس نميري الفترة التي أعقبت المصالحة الوطنية في عام 1977م وحتى سقوط هذا النظام في 1985م ، ومن ثم إنشاء الجبهة الإسلامية القومية في عام 1985م في فترة الديمقراطية الثانية ، وصولا إلى قيام "المؤتمر الوطني" كتنظيم واحد وجامع لدعم نظام الفريق البشير ، وانتهاء بالإعلان عن قيام حزب المؤتمر الشعبي في عام 2000م بعد الطلاق مع جناح الرئيس عمر البشير ونائبه علي عثمان محمد طه.

ثانيا ، نأى الدكتور الترابي بتنظيمه عن حركة الأخوان المسلمين وعن الإسلام التقليدي الذي تنادي به. وتبنى الدكتور الترابي اطروحات أقل ما توصف به أنها غير معهودة تتسم "بالبراغماتية" حتى في فتاويها الدينية وهي التي يشار إليها عند الحديث عن التجربة السودانية "بفقه الضرورة". وانتهى الأمر بقطيعة مع التنظيم العالمي للإخوان المسلمين وتكوين المنشقون عن الدكتور حسن الترابي لتنظيم يحمل نفس الاسم. وهو ما يفسر التعاطف الكبير الذي أظهرته تنظيمات الأخوان المسلمين مع الفريق عمر البشير في صراعه مع الدكتور حسن الترابي.

ثالثا ، ركز الترابي على ضرورة المشاركة النسائية في العمل السياسي وفتح أبواب التنظيم وقوائمه الانتخابية للنساء المتعلمات ، كما أظهر التنظيم وعيا مبكرا بأهمية بناء التنظيمات الجماهيرية مستفيد في ذلك أيضا من تجربة خصمه الحزب الشيوعي السوداني حيث أقامت الحركة في المراحل المختلفة من عملها تنظيمات شبابية ونسائية وفئوية وشاركت في العمل النقابي بنشاط رغم أن دورها فيه ظل محدودا لوقت طويل.

أخيرا ، عمل التنظيم على إنشاء مؤسسات وهيئات اقتصادية ودفع كوادره إلى دخول عالم الأعمال. ونجح الحزب انطلاقا من المصالحة الوطنية التي فتحت أمامه أبواب العمل العلني في بناء قاعدة اقتصادية قوية من مؤسسات التمويل والمصارف والشركات أتاحت له السيطرة على قطاعات اقتصادية هامة وتوفير التمويل لأنشطة التنظيم وتوفير مستويات معيشة مرتفعة لكوادره ومؤيديه.



حصاد سنوات السلطة


حقق الإسلاميون في السودان حلمهم في الوصول إلى الحكم والذي يبدو أنه كان يمثل غاية في حد ذاته. فمنذ اليوم الأول للانقلاب لجاءت قيادة الجبهة الإسلامية إلى التغطية على هوية العمل العسكري لعلمها أنه سيواجه برفض شعبي. بل لأنها ذهبت كما ذكر الدكتور الترابي في فترة لاحقة إلى إقرار ذهاب بعض قيادات التنظيم للسجن مع بقية قيادات الأحزاب السياسية للتمويه حول طبيعة السلطة الجديدة. وظل قادة الانقلاب يكررون القول بأنهم ضباط وطنيون لا انتماء لهم ، لكن ذلك لم يكن كافيا لمنع تسرب المعلومات حول الهياكل الموازية للحكم التي أقامها التنظيم.



الأمن قبل كل شئ


هذه لم تكن المشكلة الوحيدة التي واجهها النظام الجديد في أيامه الأولى. فقد وضح جليا أن الانقلاب العسكري نفذ لقطع الطريق أمام قرار البرلمان بتطبيق قوانين الشريعة الإسلامية تمهيدا لعقد "المؤتمر القومي الدستوري" لإيجاد حل سلمي لقضية الحرب في الجنوب وأن القادمين الجدد يفتقرون لبرنامج حكم واضح وحدد المعالم. لذا لجأ الحكام الجدد للتجريب في التعامل مع معضلات تسيير الشؤون اليومية للدولة على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى في جانب العلاقات الخارجية. الجانب الوحيد الذي ظهرت فيه قدرات النظام الجديد منذ ساعاته الأولى كان الجانب الأمني-الاستخباري. وبدا جليا أن التنظيم يتمتع بكادر أمني و استخباري مدرب وجاهز لتولي مهامه منذ اللحظة الأولى واتضح لاحقا أن الغالبية دربت في أفغانستان في فترة الحرب ضد السوفيت وما تلاها وكذلك في إيران والأردن. لكن ذلك لا يعني أن منظور جديد مختلف للتعامل مع القضايا الأمنية قد طبق وهذا كان من أولى مظاهر الفشل. النظام الجديد أعطى الأولوية لتأمين بقاءه في السلطة من خلال مجموعة إجراءات لا تختلف عن تلك التي تتبناها كل الأنظمة الدكتاتورية بغض النظر عن طبيعتها الأيديولوجية ، يمينية كانت أم يسارية : حل الأحزاب السياسية ، اعتقال المعارضين ، حل النقابات العمالية ، فرض حالة الطوارئ ، وقف إصدار الصحف غير الحكومية ، فصل وتشريد المشكوك في ولائهم من العمل ، الخ ... أكثر من ذلك أن الأجهزة الأمنية للنظام جعلت من تعذيب المعارضين ممارسة مؤسسية كما تؤكد تقارير المنظمات الحكومية وغير الحكومية التي ترصد انتهاكات حقوق الإنسان.

وترافق ذلك مع إنشاء عدد من الأجهزة الأمنية ذات الاختصاصات المتشابهة والمتداخلة بغرض أن تراقب بعضها البعض مما قاد إلى انفلات حقيقي في الممارسة الأمنية وتحول هذه الأجهزة إلى سلطة داخل السلطة للحد الذي وصلت فيه إلى المشاركة في تدبير عملية اغتيال الرئيس حسني مبارك في أديس أبابا في عام 1996 م دون مراجعة المستويات السياسية العليا في الدولة. وأصبحت لهذه الأجهزة الكلمة العليا في كل ما يتعلق بالحرب في الجنوب والتعامل معها ، السياسة الخارجية والتعامل مع دول الجوار وصولا إلى علاقات الحكم مع تنظيمات المعارضة. ووفر مفهوم "التمكين" الغطاء الأيديولوجي بجانب "فقه الضرورة" بالطبع لكل هذه الممارسات التي تتعارض في كل تفاصيلها مع اطروحات حركات الإسلام السياسي حول "قيمة الحرية" في حياة الإنسان.



العودة للمربع رقم 1


على المستوى السياسي لم يكن أداء النظام الإسلامي متميزا بل على العكس اتسمت الممارسة بالتقليدية. فبعد 12 عاما في السلطة ما زالت القضايا الرئيسية تراوح مكانها أو تراجعت إلى الوراء ولعل الشاهد الرئيسي على ذلك هو قضية الحرب في جنوب السودان. احتلت قضية وقف الحرب موقعا متقدما في أولويات النظام : من جهة رفع النظام شعار الحسم العسكري ورفع شعارات الجهاد وعبء المقاتلون إلى مناطق العمليات [ مليشيات الدفاع الشعبي ] ، لكن النتيجة كانت استمرار الحرب واتساعها لتشمل مناطق لم تمسها من قبل وخصوصا في الشمال. وقاد تبني شعارات الجهاد والحرب الدينية إلى كسب الحركة الشعبية لتحرير السودان لدعم العالم الغربي وخاصة الهيئات والمنظمات الكنسية التي وجدت في شعارات الإسلام التي يرفعها النظام مبرر للتدخل.

ومن جهة أخرى حاول النظام البحث عن حل سلمي لهذه القضايا من خلال إتباع سياسة "فرق تسد" التي مارسها المستعمر البريطاني لكن هذه المرة من خلال استغلال الخلافات والتناقضات داخل الحركة السياسية الجنوبية. ولم تحقق هذه السياسة أيضا أهدافها وانقلب السحر على الساحر بعد أن استخدمت التنظيمات الجنوبية هذه السياسة نفسها لفرض اجندتها على الحكم . وانتهى الأمر بالنظام لقبول مبدأ "تقرير المصير" لجنوب السودان والتخلي عن سياسات الأسلمة والتعريب القسري للجنوب.

وبالطبع رفع الفريق الحاكم شعارات تطبيق الشريعة الإسلامية وأسلمة الحياة السياسية لكن ذلك تم عبر خطوات لا تختلف عن ما يطبق في بلدان أخرى تتبنى أنظمة علمانية. فقد بدأ النظام بحظر الأحزاب السياسية والأنشطة المستقلة مستخدما آلته الأمنية في قمع أي محاولات معاكسة. وحاول الحكم بناء تنظيم سياسي جامع لملء الفراغ السياسي في البلاد في بداية سنوات التسعينات ، وذهب به الأمر إلى تبني نظام المؤتمرات الشعبية الليبي في خطوة أقل ما توصف به أنها انتهازية تستهدف دعم ليبيا في وقت عانى فيه النظام من العزلة. ولم يختلف عمل هذا التنظيم عن عمل أي حزب حاكم وحيد من حيث الهيمنة على العمل السياسي والتبعية للجهاز التنفيذي وتحول إلى منبر "تطبيل" للنظام. وبعد سنوات من التجريب الفاشل عاد النظام ليطرح صيغة محدودة من التعددية حاول إضفاء غطاء إسلامي عليها بتسميتها "التوالي" مع وضع خطوط حمراء أطلق عليها "ثوابت الإنقاذ" تشكل أسوار ما هو مسموح به.

والآن عاد النظام إلى مغازلة الأحزاب السياسية التي حظرها ليدعوها للعودة وممارسة أنشطتها في داخل الإطار السياسي والقانوني الموجود مع وعود بتحسينه. بل مد الفريق البشير يده لحزب الأمة الذي كان حزب الأغلبية عند استيلائه على السلطة من أجل الدخول في تحالف حكم ، لكن هذا الأخير رد دعوة البشير دون أن يرفضها نهائيا. وتظل الخطوة الحاسمة لإخراج الحكم من عزلته هي موقفه من قضية الحريات ومتى استعداده لإطلاقها بما يسمح بعودة الأحزاب السياسية وهو ما يعني في نفس الوقت سقوط أحد ركائز "المشروع الحضاري".

على المستويات الاقتصادية والاجتماعية لم تكن ممارسة النظام بأفضل من أدائه السياسي ، فقد تراجعت شعارات "العدالة الاجتماعية والمساواة الاقتصادية" لتحل مكانها سياسات التحرير الاقتصادي وفق روشتات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وهي نفس السياسات التي تظاهر الإسلاميون لمقاومتها في فترة الحكم الديمقراطي. وبلغ الفقر مستويات غير مسبوقة إلى درجة أن الحكومة عقدت مؤتمرات لمحاربته بعد أن بلغت نسبه ما يزيد عن 85 في المائة من السكان وفق التقديرات الرسمية. وأصبحت خدمات التعليم والصحة سلع يطاولها القادرون واختفت الهياكل التطوعية للعلاج والدواء والتعليم التي طالما تغنى بها منظرو الحركة الإسلامية للترك الساحة خالية أمام المدارس والمستشفيات الخاصة. ووجه جل صرف الدولة لتمويل الحرب في الجنوب وأجهزة الأمن وتكاليف جهز الدولة في الشمال.



"تثوير" السياسة الخارجية



جاء الحكم الجديد بشعارات لا تقل ثورية عن تلك التي كان يرفعها اليسار في سنوات الستينات والسبعينات ، لكن هذه المرة بمفردات جديدة. من "نصرة المستضعفين" إلى مشروع قلب أنظمة الحكم القائمة في الدول العربية ومساعدة التنظيمات الأصولية للوصول للسلطة فيها. زعزعة الاستقرار في دول الجوار ودعم الحركات المعارضة فيها . مرورا باستقبال الثوريين من كل حدب وصوب ابتداء بكارلوس وانتهاء بأسامة بن لادن وغيره من قيادات التنظيمات الراديكالية. وانتهاء بإنشاء "المؤتمر الشعبي العربي-الإسلامي" الذي مثل قناة الاستقطاب الدولي وبداية لتكوين "أممية إسلامية".

لا توجد دولة في المحيطين الأفريقي والعربي لم تجأر بالشكوى من توفير النظام السوداني الملجأ والدعم للحركات المعارضة: مصر ، تونس ، الجزائر ، ليبيا ، تشاد ، إريتريا ، أوغندا ، أثيوبيا على سبيل المثال ولا الحصر. بل تعدى الأمر الدول القريبة ليطال حتى الولايات المتحدة التي لم تتردد في ضم السودان لقائمة الدول التي تدعم الإرهاب.

لكن هذا الخطاب الثوري سرعان ما بدأ في التراجع أمام مقتضيات البقاء في الحكم. صحيح أن الكثيرين دهشوا لقرار النظام تسليم "كارلوس" إلى فرنسا في صيف الغام 1996م ، لكن هذه الدهشة ستتواري خجلا الآن بعد أن تكشف وباعتراف سفير السودان في الأمم المتحدة أن الخرطوم حاولت مقايضة أسامة بن لادن بعلاقات عادية مع واشنطن في عام 1996م. وصار من المعلوم الآن أن النظام سلم إسلاميين إلى كل من ليبيا ومصر في نفس الوقت الذي كان يرفع فيه شعارات الإسلام الراديكالي. ولعل الموقف الذي تبنته الخرطوم منذ اعتداءات نيويورك وواشنطن في شهر سبتمبر الماضي وتعاونها الأمني الكامل مع السلطات الأمريكية بل واستقبالها بعثة استخبارية أمريكية على أراضيها منذ أكثر من عام خير دليل على أن "المشروع الإسلامي" لم يكن سوى حجاب أستخدم للتغطية وأن "أمريكيا وروسيا لم يدنو عذابهما بعد".



"مسك الختام"


المتابعون للتطورات في السودان يتذكرون أن "مسك الختام" كان أسم عملية كبيرة قام بها الجيش السوداني ومليشيات الدفاع الشعبي في منتصف التسعينات كانت تستهدف حسم التمرد المسلح في الجنوب نهائيا. ولا حاجة بنا للقول هنا ماذا كانت النتيجة. لكننا سنستخدم نفس الاسم للحديث عن عملية أخرى نفذها الفريق البشير للتخلص من غريمه الدكتور حسن الترابي وقادت إلى انشقاق الحركة الإسلامية الحاكمة وأعلنت نهاية التجربة الإسلامية في السودان.

بدأت الخلافات تعصف بالتنظيم الحاكم منذ اللحظات الأولى للانقلاب بعد أن عمد الدكتور الترابي إلى إبعاد شيوخ التنظيم الإسلامي لصالح تصعيد العناصر الشابة التي تدين له بالولاِء. أي أن هذه السياسة لم تكن موجهة فقط ضد المعارضين بل شملت أيضا أعضاء التنظيم ويبدو أنها هدفت إلى تقليل نفوذ القدامى لصالح فرض سيطرة الشيخ حسن الترابي المطلقة على مصير الحركة. وترافق ذلك مع سياسة إبعاد تدريجي للعسكريين الذين نفذوا الانقلاب العسكري وإغراق للمؤسسات الحكومية بالمؤيدين لبناء دولة التنظيم.

ومع استمرار الحكم وتعقد المشاكل تزايدت الخلافات التي بدأت كخلافات حول الخيارات السياسية لكنها تطورت لتصبح خلافات حول المواقع والمغانم والنفوذ. هدف الدكتور الترابي كان تحويل الدولة إلى دولة الحزب حيث تبدأ كل الأمور من عند الزعيم وتنهي إليه. بالمقابل استشعر الفريق البشير وعدد من المحيطين به وخاصة عناصر الجهاز الأمني للنظام بالخطر الذي يحدق بهم. فبادروا بخلق تيار يعارض توجهات الدكتور الترابي ووجد هذا التيار الدعم من الخارج [ دول الجوار والدول الغربية ] التي كانت تبحث عن صيغة للتخلص من الوجه الإسلامي للنظام ممثلا في الدكتور الترابي على خلفية سهولة ترويض تيار السلطة.

من جانبه ، وجد الدكتور الترابي الفرصة في قرار إبعاده عن قيادة البرلمان في ديسمبر 1999م الفرصة لتبني خط سياسي جديد يدعو بالكامل للتخلي عن التوجهات "الشمولية" وينتقد ممارسات الحركة الإسلامية في السلطة ويدعو لانفتاح ديمقراطي حقيقي. وذهب الترابي إلى حد توقيع اتفاقية مع الحركة الشعبية لتحرير السودان للعمل على إقامة نظام ديمقراطي تعددي في تجاوز واضح لاطروحات الأسلمة.وانتهى الأمر برفاق الأمس إلى تبادل اتهامات الخيانة ووضع الدكتور الترابي في السجن طوال الأشهر القليلة الماضية.

وهكذا "انتحرت" التجربة التي فشل أعدائها في إسقاطها بالقوة من الداخل والخارج ، لتفتح الطريق أمام آلاف الأسئلة حول ما سيكون عليه مستقبل الإسلام السياسي في السودان.

رشيد سعيد











Post: #49
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-25-2008, 05:01 AM
Parent: #47



رسالـــــــة إلــــى كــــل الفعاليـــات العربيـــة السودانية المثقفــــة ردا علـــى الكتابات غيـــر المسئولـــة للناطــــق الرسمـــي باسم مايسمـــي بحـــزب المؤتمـــر ((الشعبي))

سودانيزاونلاين
11/27 9:07ص

هاأنذا ...أعيش بروحي فقط ...أفكر بها ...أناضل بها بمفردي ...وأتغذى من رحلاتها في عالم لا تنتهي أفكاره وأحلامه وصعابه وأزماته أيضا..هذه الروح أبت أن تنكسر ...وترفض أن تنكسر...وكانت رغم ما يعانيه الجسد من إرهاق كبير على استعداد دائم لأن تخوض غمار أعتى المواجهات وأشدها شراسة على مر التاريخ,فقد هبت هذه الروح الآن من سجن الصمت المطبق طوال فترة طويلة ماضية ودفعتني لأن أمسك بالقلم والذي هو سلاحي الخالد وأوضح مواقف طوال مرت بي على مدار فترة مؤلمة ماضية من تاريخ حياتي في الخارج .
وكما هبت هذه الروح في سبيل قضايا وطنية من ذي قبل وجدتها تثور الآن وتتفجر بالطاقة أيضا لتبحر بي بعيدا عن آلامى وتقف بحسم وقوة وشموخ كبير في مواجهة خطر ينهش في وجدان الأمة السودانية وضميرها ومستقبلها ...هو خطر سيوف التكفير الأعمى والقابعين في قهاوي لندن وبرلين وغيرهم من المهرولين خلف الدعومات الغربية والذين قاموا من قبل بضرب هذا الشعب باسم الدين الإسلامى ,بل وطعنوا الدين الحنيف في اعز ما يملك وهو عدالته وبساطته ورحمته بالناس....هبت هذه الروح حين رأت سهام الغدر تنال منها وهي راسخة بالحرية فيما هي تشكل عدوانا على دين الله واصل الرسالة المحمدية الخالدة بتحريف الكلمات والأحاديث.
اخوتي القابضين على الجمر:-
إننا لو خضنا في القصص والكلام فلن نصل إلى النهاية مطلقا لأن النهاية قد تكون مؤلمة لما وصل إليه الحال الآن في بلادنا العزيزة بكل صراحة ووضوح وقد نهضت في الفترة الماضية وبكل ما أملك من جهد جهيد وبامكانيات شخصية بدفع أطر القضية السودانية في كل المحافل الدولية بكل حياد وموضوعية وعلى الرغم من كل الصعوبات التي واجهتني والمهاترات والمواقف التي وقعت فيها بسبب السياسيين والمسئولين السودانيين ومواقفهم المتقلبة بين الحين والآخر وما أكثرها إلا أن عزيمتي لم تقهر ولن تقهر أبدا رغم كيد الكائدين ومؤامراتهم الدنيئة التي يحيكونها ضدي ليل نهار لكسر عزيمتي وفرض أطروحاتهم الفاشلة والتي ثبت فسادها على مدار فترة مضت من عمر النضال.
أخوتي الأعزاء:-
ليفهم الجميع مجددا الآن إنني لا أتحامل على المدعو حسن الترابي هذا ولكن ما دعانى بالفعل لكتابة هذه السطور واسترجاع شريط ألام الماضي هو الكتابات غير المسئولة إلى شخص غير مسئول ولا علاقة له بعالم السياسة مطلقا وأنما تعلق به ممن تعلقوا مع الطوفان الذي دمر بلادنا على مدار سنوات مضت من عمرها وقد ادعى هذا المزعوم أنني قمت زورا وبهتانا بتحريف حديث صحفي لفضيلة السيد محمد مهدي عاكف المرشد العام لجماعة الأخوان المسلمين ومع أن هذا الشان لا يخصني مباشرة ألا أن فضيلة الشيخ المحبوب عبد السلام رضي الله عنه وعن من تبعه من الصحابة الصادقين أجمعين (عديمي الكرامة والضمير)والإنسانية الذين كانوا يقولون في معسكرات الدفاع الشعبي (لن نذل ولن نهان ولن نطيع الأمريكان) وهاهم الآن يهرولون بأيديهم وأرجلهم في محاولة يائسة بالفعل نحو أمريكا ولو للحصول على حفنة قليلة من الدولارات تكيفهم شر الحوجة وفي لحظات أظنهم في غني عن ذلك لأن ماقاموا بنهبه من ثروات الوطن والشعب السوداني قد أغناهم عن الذهاب لأمريكا(وأخصه بالقول بذلك)قد أفتي بالتحريف المطلق للمقابلة وجاء باستندات وأحاديث من وحي خياله المريض في محاولة يائسة منه للمزايدة الفعلية على دور فضيلة المرشد العام في الخروج للوسائل الاعلامية والافتاء بعدم صحة هذا الحديث وقد أشار إلى شخصي بأننى مدفوع باجندة نظام الخرطوم وهو لم يقصد ذلك مباشرة وإنما قصد القول أننى من (كلاب النظام)بصورة أدق وهذا ما دعانى الآن لفتح الموضوع الآن على الرغم من أننى لست في حوجة للدخول في مهاترات مع هذا الحزب وعلى الرغم من أننى في كبرياء كبير عن الخوض في مثل هذه المواقف التي تحدث بين الحين والآخر وقد يشار فيها إلى بشكل أو بأخر إلا أن المسالة الآن قد فاقت كل الحدود للدرجة التي يصعب فيها الصمت.
فقد فوجئت بشدة عندما رأيت رد الناطق الرسمي لحزب المخلوع حسن الترابي يزين صفحات المنابر الطاهرة للنضال الوطني العربي والأفريقي وليس السوداني فحسب بل وأنه قد ذهب بخياله المريض وفكره ليدنس صفحات صحف بعينها في العالم العربي ومن ضمنها صحيفة (الشرق الأوسط) في محاولة جاهدة منه للوصول إلى فضيلة المرشد العام لإبلاغه بوجهة نظره المريضة وللمزايدة على دوره في الرد بالنفي القاطع لهذه المقابلة وهو يعلم تماما أن هذه المقابلة لا تشكيك فيها وأنا حرصت فعليا على الرد عليه بكل صراحة ووضوح وأريد هنا أن أوضح حقيقة مؤلمة لهذا الشعب المستغفل والمغلوب على أمرة ولعل هذا الشعب الواعي المتفهم يدركها جيدا قبل أن أقولها له,فلقد تعود حزب الترابي بالقيام بالمناورات التي لافائدة منها مطلقا بين الحين والآخر في محاولة جادة منه للتملص من القديم والإتيان بوجه جديد لتمضي بعد ذلك حلقة جديدة من حلقات الاستغفال والادعاء ضد الشعب السوداني وكأننا في مسلسل لا ينتهي وكأنه لا يوجد في السودان غير هؤلاء الأشخاص,وليس هذا فحسب بل أن هذا الحزب أصبح في كل مرة يستهدفني وكأنه لا يوجد صحفي غيري في هذه الأرض وقد تميزت كل كتاباته باستغفال شديد للشعب السوداني وللمثقفين السودانيين الذين يلتقونني ويتحدثون معي في مثل هذه الأمور,فهي حملة ضد الفكر وضد الثائرون على القديم وهذا هو مجمل بنودهم ووثائقهم الزائفة التي تميزت بالاستغفال المطلق وهذا الأمر لم ينكره زعيمهم شخصيا عندما ذهبت إليه صحفية معروفة وقال لها أن الشعب السوداني قد تم استغفاله وكان عندها في كبرياء شديد رغم ماوصل اليه من وضع وإلا كان عليه أن يقول أننا قد قمنا بالفعل باستغفاله عندها كنا سنقول عنه انه بدأ يحس بما فعل ولكن أبت نفسه ذلك حتى في أشد حالات حصاره لايريد أن يعترف بجرائمه ضد الشعب السوداني .
إخوتي الشرفاء:-
لقد أراد المزعوم من خلال رسالته المشبوهة لفضيلة المرشد العام المزايدة الفعلية على دور فضيلة المرشد والتنظيم الدولي للإخوان المسلمين في التدخل في الشأن السوداني تحت ستار الأخوية الإسلامية لإطلاق سراح زعيمهم الذي أحرق السودان والسودانيين بنار أفكاره البغيضة وهو قد قصد برسالته هذه زج الإخوان المسلمين في معارك مع النظام السوداني والوضع السوداني والذي كانوا فيه يقفون موقف المحايد الواضح جدا على مدار الفترات وأن مايؤسفنى أن أقوله لكل مثقفي السودان الآن أن هذا الحزب وبمجرد خروجه من السودان وبكل صراحة وبعد أن طرد من بيت الأسرة سعى بكل ما يملك من جهد جهيد في تجنيد العشرات من أبناء هذا الشعب السوداني في محاولة يائسة منه للعودة بقوة لمغازلة أحلام الماضي التي عرفت حينها بعصر (تمكنا)وعصر محاولات الاغتيالات الفاشلة في دول الجوار الشقيق وعصر التشريد والدمار والمفاهيم الزائفة التي أودت بحياة مليوني قتيل واربعة ملايين مشرد وهذا فعله رجل واحد فقط اذن لو حدث وان جاءنا رجل ثاني مثله فلا سودان هناك ولم يكتفي بذلك بل هناك الكثير من المعلومات التي نملكها عن النشاطات المشبوهة لهذا الحزب ولكن لكل مقام مقال و نذكره بان مثل هذه الأمور أصبحت أثارتها تتم بمشيئة الله تعالي وفي الوقت الذي نريده نحن لا غيرنا وعندها ستتضح الأمور.
فإذا كان هذا المدعوالمحبوب يدافع الآن وبشراسة عن ما يحدث لحزبه في الداخل وهذا حق له فليقل أولا من الذي أوجد هذه الحالة في السودان ؟؟من الذي وضع السيخ والحديد بمخزن جامعة الخرطوم لضرب الطلاب في الداخليات والمدن الجامعية ؟؟؟ومن الذي أوجد حالة العنف والفتنة بين الطلاب في السودان مع العلم بان الحركة الطلابية السودانية ومنذ نشأتها لم تكن في حاجة لهذه الأشياء ومن...ومن ..ومن ...ومن....ولو تحدثنا لأكثرنا في الحديث ولدخلنا معه في مهاترات لافائدة منها مطلقا..فكل الردود التي قد تأتي من الممكن جدا ان تكون قد نمت في خيال مريض لا يحس ولا يشعر مطلقا بمعاناة شعب ذاق مر الهوان في عمره.
إخوتي الشرفاء:-
أن مايحدث لمجموعة الترابي على أيدي امن النظام في الخرطوم أمر يزعجنا نحن كثيرا فعلى الأقل أن هؤلاء سودانيين ولا نقبل مطلقا أن يحدث لهم ذلك ولكن ذلك بما كسبت أيديهم وان الله ليس بظلام للعبيد فهذا الشئ هم قد فعلوه ولا يختشون من قبل في أبناء الشعب السوداني ....فعلوه ولم تردعهم أنفسهم المريضة ....فعلوه في كل كبير وصغير من أبناء الشعب السوداني ...والآن ردت إليهم أعمالهم جملة وتفصيلا وأن أولئك الذين يخرجون إلى الفضائيات ووسائل الإعلام الغربية للحديث عن الوضع السوداني ومن وجهة نظرهم الخاصة التي يرون فيها مصلحتهم أولا بلا دراية ولا فهم ولا مصداقية فليسوا صادقين مطلقا فيما يقولون وفي النهاية ولا هم لهم سوى السلطة فقط – السلطة ولا شئ سواها وقد نأسف نحن البسطاء عندما نرى أن هؤلاء السياسيين لاهم لهم الآن إلا مغازلة ذلك الكرسي العتيق الذي يزين حجرة واحدة هي كل أحلامهم في الدنيا والآخرة في القصر الجمهوري السوداني وفي اعتقادي لو كان هذا الكرسي قد دعي إليه صاحب الفضيلة علي الحاج أو هذا المزعوم المحبوب عبد السلام لكان قد هرول إليه بسرعة البرق وان لم يجد فبحمار النوم سيصل إليه.
اخوتي الشرفاء:-
أنني في اشد الحيرة والاستغراب الآن من تصريحات هذا الشخص والذي أعطى له الأعلام وزنا لايستحقه بكل المقاييس وأعضاء حزبه المرتعشين والمتسكعين في قهاوي لندن وبرلين ليل نهار ولاهم لهم سوى المخططات اليائسة في الوصول إلى كرسي السلطة ولو كانوا رجالا على حد قولهم في كل لحظة (بأننا سنحرر الشعب السوداني فلماذا لم يذهبوا ويحرروه أن كانوا صادقين),وأن كل ما يردده المحبب هذا عن التوالي السياسي وعن مشروعات في السابق لم تكن إلا لمصلحة الترابي وأعضاء حزبه فقط وإلا فليقل لي ماذا نال منها الشعب السوداني سوى الدمار والخراب والتشريد ولأول مرة في تاريخ السودان يصل إلى القاهرة يوميا عشرات الآلاف من اللاجئين الذين تحفل بهم دفاتر مفوضية اللاجئين بالقاهرة بل وأصبحوا يقومون بالمظاهرات حتى يتاح لهم منبر للدفاع عن انفسهم بعدما لاقوه من قسوة التعذيب داخل بيوت الأشباح وأوكار الأمن والاجرام في السودان ولو كان في هذا التوالي الذي قاله خيرا لما فكروا أصلا في الوصول إلى هنا لأن بلادهم العزيزة أولى لهم من العيش في بلاد الغربة فانتم من دفعتموهم لذلك بفكركم المدمر وانتم من فعلتم كل ذلك بهم والان تأتي لتقول لهم بان الترابي وضع (التوالي السياسي)ولا يختشي في ذلك –ولا يختشي ...ولعله قد يكون نسي بعض النكات التي كانت تطلق في هذا الموضوع...
اخوتي المناضلون:-
أن الذي يحدث الآن في الخرطوم بين جماعة الترابي وهذا النظام أنا لا علاقة لي به مطلقا وأشهدكم وأشهد الله على ذلك وقد حرصت حرصا تاما في الفترة الماضية على عدم الاتصال رسميا بهذا الحزب المزعوم أو بالحكومة في الخرطوم ولعل القارئ العزيز قد يكون قد تابع كل الأخبار التي أرسلها وتنشر في المواقع العربية والعالمية باستمرار حيث أنني لم اقصر مع كل فصائل النضال السودانية في الداخل والخارج وحرصت على التواصل الكبير معهم و أتحداهم جميعا الآن أن يخرج واحدا منهم ويقول أن (عبد الناصر الضوي)قد قصر معنا أو تحفظ على إخبارنا ولم ينشرها ....أتحداهم في ذلك...وإننى اشهد الله والشعب السوداني بأننى قد ذهبت للرجل بمفردي وتناولت معه بالتفصيل هذا الحديث ولا توجد لي أي علاقة بهذا النظام الذي يحكم في السودان الآن والجميع يعرف ذلك ولكن مع كل ذلك فان هذا الرجل غير المسئول وأتحداه أن يكون في طور المسئولية ...يصر على اتهامي زورا وبهتانا بهذا الاتهام الباطل وأنا أساله سؤالا الآن هل هو الأقرب لنظام الخرطوم أم أنا الذي خرجت منه قبل سنوات طوال –طوال جدا بعد أن نالني من الترابي ومن ضربات أجهزة الأمن ما يكفى وزيادة....
أخوتي الأعزاء المناضلون والقابضين على جمر القضية:-
أن تاريخي الصحفي العملاق حقيقة لا يسمح لي في الخوض في هذه المهاترات بأكثر من ذلك ولكن أقول لحزب الترابي ولكل من فيه أنه إذا كنتم تقولون من قبل أن نظام العصابات في الخرطوم قد فتح عليكم باب جهنم للحصار والدمار والتعلل بعلل واهية لاخفاء معالم جريمته في دارفور فصدقني أنا سأفتح عليكم أبواب جهنم السبعة وعندها لن ارحم تنظيمكم هذا لا في الداخل ولا في الخارج وكل ماهو مطلوب منكم الآن وبحكم منصبك السياسي الذي تسمونه(الرفيع)أن تحترم نفسك جيدا فانا لست ممن يذهبون للوقوف بابواب السفارات الغربية ولا باب المسئولين الغربيين لطلب الدعم منهم من اجل بيع زمتي لهم أو من اجل ان اخطط لقلب نظام الحكم في البلاد ولست من عبيد السلطة الذين استهوتهم انفسهم لبيع زممهم للغرب من اجل فرض انفسهم على الشعب في السودان وعليك أن تعرف الان مع من تتحدث بكل دقة واعتبار وان تتفرغ لتنظر في شئون حزبك هذا الذي تسميه حزبا وهو لا يساوي أن يكون جمعية خيرية بدلا من التوجه ناحيتي لأنني لست ممن يشتكون أو يذهبون للنظام في الخرطوم لبيع ذممهم له حتى يوظفهم في إدارة أموره السياسية ولكن صدقني أنا ولافخر ممن يعملون وبدقة متناهية وبكل تجرد والحمد لله وان لم تقتنع فاذهب إلى جبهات النضال في العالم العربي في مواجهة إسرائيل وليس في مواجهة حكومة السودان وأسألهم من يكون (عبد الناصر الضوي) وعندها ستحترم نفسك جيدا لو عرفت أننا في منزلة رفيعة عالية وان مانحمله من تراب في احزيتنا انت ولا حزبك لا تساويه لكنت قد تركت ما تقول وتتحدث وأنت لست أهلا لهذا الحديث في أي وقت من الأوقات.
أن رجائي الأخير من هذا الذي يدعي نفسه ناطقا رسميا هو ترك المهاترات التي لا فائدة منها و أنا أقول له عبارة واضحة جدا فإذا كنت في انتظار بيان من المرشد العام للإخوان المسلمين لكي يقوم بتكذيب الحوار أو اذالة اللبس فيه وتوضيحه فأنت في عالم من الأحلام الواهية وقد تكون بانتظار البترول أن يخرج من تحت منزلك سواء كان من الخرطوم أو في لندن التي ذهبت اليها انت ومن معك هاربون بعد ان كنتم تقومون بدفع الناس اليها للهروب من جحميكم ولعلها تكون من المعجزات الجديدة في العالم أذا حدث ذلك فأنت حيث تجلس لا فرق فانه لن يفعل ذلك ليس فقط لأن العمل الصحفي موثق جيدا وهو واضح (جدا جدا جدا) ولا مجال للتشكيك فيه ولكنه بالفعل في كبرياء تام عن الرد على مثل هذه التفاهات التي يطلقها هذا المحبوب عبر الصحف ووسائل الإعلام فهو قد قال ذلك ولا اكون واثقا في نفسي الى هذه الدرجة التي تجلعني بروفسيرا في عالم الصحافة فمن الممكن أن يقول فضيلة المرشد ان هناك حرفا ناقصا او نقطة ناقصة أو عبارة أنا قلتها هنا أو هناك والكمال لله وحده ولكن ان يقوم بتكذيب وتحريف مقابلة بأكملها فهذا مالم يحدث ولن يحدث وإلى هنا قد انتهت معركتك تماما معي واعتقد انك لن تغامر مرة أخرى فأنت مدفوع بنغمات بالية عفا عليها الزمن وان لم يعفو عليها الزمن فلها يوم لن تخلفه هي ولن نخلفها نحن موعدا,كما أرجو منك وليس شاكرا التحدث عن نفسك فقط فالنائب الأول أنت لست لسانه ولا عينيه ولا أريد أن أعيد عليكم مواجع الماضي عندما وصل لمنصبه وهوموجود ويسمع وغازي صلاح الدين يعرف اين يجدني جيدا وهو كذلك موجود ويسمع وأنت لست معنيا بالحديث بالنيابة عنهم لأن لهم لسان يتحدثون به وكل ما عليك أن تقوم به هو الاعتذار لأن ذلك هو منزلة (الكرام الشرفاء)هذا إذا كنت أنت بالفعل منهم وهذه هي السياسة فعلا وإلا الفوضى وتشويه سمعة المناضلين الشرفاء....
وتفضلوا بقبول موفور الاحترام والتقدير,,,,,,,
أخوكم
عبد الناصــــر الضــــوي
القاهــــــرة

Post: #50
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-25-2008, 05:03 AM
Parent: #47

عن الرأي العام
الاحد:21مارس2004

علي اسماعيل العتباني

Email: [email protected]

من التوالي السياسي إلى منظومة موالاة أفورقي والتجمع

جدية الترابي تجاه الديمقراطية فضحتها مصطلحاته العجيبة والغامضة التي ألهى بها الناس

... من النكات التي تحكى.. أنه عندما تم اعتقال رؤساء الأحزاب مع الدكتور حسن الترابي إبان فاتحة الحقبة الإنقاذية كان الدكتور الترابي يصلي بتلك المجموعة وكان يصلي خلفه السيدان الميرغني والمهدي وغيرهما من رموز الأحزاب الديناصورية القديمة.. ولاحظ الناس أن الدكتور حسن الترابي كان دائماً ما يرفع يديه بعد الصلاة داعياً الله وكان يؤمِّن على ذلك السيد محمد عثمان الميرغني فإذا بعمنا وأستاذنا السيد أحمد عبدالرحمن (شفاه الله ورده الى أهله وأبناء وطنه بالعافية موفور الصحة).. يلتفت الى الميرغني ويقول له إن الترابي يدعو الى تأمين رجاله وتمكين مشروعه فعلى ماذا تؤمِّن أنت؟!!.. ومنذ ذلك اليوم انقطع الميرغني عن الصلاة خلف الترابي.. ولكن يبدو أن (شطارة) الترابي جاءت به مرة أخرى ليصلي خلفه في دارفور.. ذلك بعد إدخال (حركة تحرير السودان) والمقاتلين المتمردين في دارفور الى حظيرة التجمع الذي بات يرأسه علناً وشكلاً السيد محمد عثمان الميرغني ولكن الآن أصبح يديره جزئياً ومن خلال أكثر مفاصله فعالية الدكتور حسن الترابي.

ومهما يكن فقد استمتعنا في الأسبوع الماضي بالاستماع الى ما بثته الفضائية الأريترية من حلقتي النقاش مع الدكتور علي الحاج.. كما استمتعنا بالإطلاع على الحوار الذي أجرته (البيان) الإماراتية مع الدكتور حسن الترابي. ولقد تابعنا هاتين النافذتين لأنهما مثلتا نقلة كبيرة انطوت على أن الدكتور حسن الترابي من موقعه المرجعي والتوجيهي والتنفيذي في ولادة وتشكيل وإدارة مشروع الإنقاذ الذي أفسد العلاقات مع دول الجوار والذي مهد لعدم الاستقرار في المنطقة بتقلباته السياسية والحركية حيث صرح يوماً لأجهزة إعلام الإنقاذ بأن أكبر غلطة ارتكبتها الأحزاب هي إخلاء الساحة الداخلية ولجوئها الى الخارج مما مكنهم من ملء الأوعية الإدارية والمجتمعية والاقتصادية والتمدد في الساحة بدون مقاومة سياسية في الداخل.

فهاهو الدكتور الترابي الآن يقفز على أكتاف التجمع ثم يسعى للتحالف مع ركيزة اسرائيل في المنطقة الرئيس أفورقي الحليف الأكبر لاسرائيل والعدو الأكبر للحركات الإسلامية في المنطقة.. ولعل من المفارقات أن الدكتور الترابي يستطيع وبكل سهولة أن يعبر من عقيدة التوالي السياسي التي شغل بها الناس وهو المصطلح الذي لم يكن له معنى ولم يكن له تفسير محدد وقاطع بأية لغة قانونية الى عقيدة الموالاة السياسية لأسياس أفورقي الخصم العنيد لدكتور الترابي منذ بدايات الإنقاذ.

وهذا يقودنا مباشرة الى قضية الدستور الذي تحدث عنها (الرجلان) الترابي وعلي الحاج وقولهما إن مفارقتهما للنظام جاءت نتيجة لعدم احترام النظام للدستور.

ونسألهما بادئ ذي بدء هل هما احترما الدستور وهل احترما دستور الفترة الانتقالية وماذا فعلا بذاك الدستور.. ويمكننا أن نرجع الى الدستور ونتساءل عن كيف تم الاستفتاء على الدستور وهل هما مقتنعان بتلك الطريقة التي تم بها إجراء الاستفتاء على الدستور التي كانت مهزلة في التاريخ السوداني أدارها الترابي وساعده فيها علي الحاج وآخرون. ذلك الدستور الذي كان يحشى بالأوراق أينما توقف به الطريق والذي فاز بنسبة غير صحيحة لأن الترابي كان يتابع التقارير الأمنية التي تحدثت أن هناك ما يشبه المقاطعة لذاك الدستور.. الشئ الذي يجعلنا نتساءل هل ذاك الدستوركان هو الذي خرج من اللجنة القومية لإعداد الدستور التي كان يرأسها مولانا خلف الله الرشيد.. فليسأل الناس الأستاذ خلف الله الرشيد.. ولكن المعلوم أن مسودة الدستور عندما كتبت وأجازتها اللجنة القومية أخذها الدكتور حسن الترابي وذهب بها الى واد مدني الى منزل (الوالي) هناك وعكف أياماً وجدد صياغتها وأدخل تلك المصطلحات العجيبة كالتوالي السياسي التي رفضتها اللجنة.. فلو كان الترابي جاداً في (الديمقراطية).. وجاداً في التعاطي مع التعددية.. فلماذا جاء وقتها بتلك المصطلحات العجيبة والغامضة التي لم تكن لها مرجعية إلا في رأسه والتي لم يعرفها الفقه السياسي.. ثم يمكننا الآن أن نتساءل من هو الذي لم يحترم الدستور والذي قبل أن يجف مداده إذا بالترابي يتحدث عن التعديلات الدستورية وعن استحداث منصب رئيس الوزراء ونزع صلاحيات رئيس الجمهورية التي أعطاها له الدستور وعن تعديلات سياسية مستنبطة أخرى من بنية الدستور. فلماذا كانت العجلة في إدخال تعديلات على دستور أُجيز في نفس العام وهل سمع الناس بدستور يجاز في نفس العام ثم تجرى عليه تعديلات أساسية.. لكن الناس حول الترابي وقتها كلهم كانوا يعلمون لماذا يسعى الترابي لاستحداث منصب رئيس للوزراء وكانوا يعلمون أن صراعه كله كان على المنصب الأول الذي يمكنه من تحريك كل الملفات ولأنه كان يعتقد بأنه ببنائه للمؤتمر الوطني وبإجازته لدستوره والتعديلات التي كان يسعى لإدخالها عليه يستطيع أن يعزل رئيس الجمهورية عن منصبه ثم يقود بعد ذلك انتخابات (مزورة) وكالحة كانتخابات الدستور وطريقة الاستفتاء عليه لتأتي به وبمؤسسية مطبوخة ومصنوعة رئيساً للجمهورية.. ولكن قطع الذين من حوله وهم الأنداد والتلاميذ والأتباع الطريق أمام مشروع الترابي.. نعم صحيح قطعته المجموعة الحاكمة الآن ولكن السؤال لماذا قطعت الطريق أمامه؟..

لعل الأسباب تنطوي على موضوعية ومنطقية إذا نظرنا إليها من باب المسؤولية تجاه السودان وتجاه مصيره ومستقبله.. ومن بعد ذلك يمكن للناس أن يستقرئوا منهج أهل الإنقاذ من تلك الفاصلة التاريخية التي يعبر عنها بالمفاصلة ويؤرخ لها بالرابع من رمضان. أليست الإنقاذ ومنذ تلك الفاصلة هي التي فتحت أبواب الحوار مع الآخر وظلت تنادي وتؤمن لساحة العمل السياسي والحريات وبدأت في مفاوضات عسيرة مع الحركة الشعبية للوصول الى وقف إطلاق نار شامل في جنوب السودان ووقف الحرائق والعمل بجدية لترسيخ السلام في السودان.

والدكتور حسن الترابي فقد صلته بالإنقاذ يوم عجز أن يوجه (البيان الأول) بينما الذي وجَّه البيان الأول هو الذي حمل رأسه على كتفه وهو الرئيس عمر البشير.. ولو لا قدر الله فشلت الإنقاذ حينها لذهب الرئيس عمر البشير الى المشنقة ولعاد الترابي الى بيته.. ولذلك لم يذهب الترابي الى السجن لأنه فقط أراد أن يؤمن نجاح الانقلاب ولكنه أراد في الأساس أن يؤمن نجاة نفسه.. ولو كان يريد تحمل المسؤولية (والرائد لا يكذب أهله) ويريد المصارحة والمكاشفة والشفافية تجاه الشعب السوداني لذهب بنفسه وأذاع البيان الأول وتحمَّل المسؤولية سواء كانت ربحاً أو خسارة. ولكنه أن يحمل غيره المسؤولية لينعم هو بثمرات الحصاد ولم يشق بدفع الضريبة ولم يشق بالمطلوبات فإن ذلك يعد ضرباً من الميكافيلية السياسية التي لا تتفق مع خلق الإسلام ولم نجده في سنة النبي صلى الله عليه وسلم.. إذ لم يكن النبي صلوات الله وسلامه عليه يتستر بالرجال أو غيرهم.
ثم إن التمويه بالنسبة لهذه القضية لم يكن فقط على الشعب السوداني ولكن حتى على الحركة الإسلامية التي ضربها التمويه أيضاً.. لأنها حينما حلت بعد شهور من البيان الأول قام بحل الحركة الإسلامية الدكتور حسن الترابي بنفسه ولم يجمع مجلس شورى الحركة الإسلامية وإنما جزأه الى ثلاثة أجزاء وكل جزء جعله يجتمع بمعزل عن الجزء الآخر ليستصدر منه قراراً بحل الحركة وقراراً بإقامة حركة انتقائية بديلة وكان العذر وكانت الحجة غريبة ومضحكة وهي أن الأسباب الأمنية لا تمكن من الاجتماع وذلك بعد نجاح حركة الإنقاذ والنظام في عز التمكين حيث أصبحت الحركة الإسلامية هي المهيمنة على مقاليد الأمور وبعد شهور من نجاح الحركة يكون مضحكاً جداً أن لايستطيع مجلس شورى الحركة الإسلامية أن يجتمع لأنه إن اجتمع بكامل عضويته يسبب ذلك مشاكل أمنية ويسبب حرجاً.. ولكن كان من الواضح أن القضية لم تكن تتعلق بالحرج أو المشاكل الأمنية بدليل أن هناك العديد من الأعضاء حدد لهم مكان وزمان الاجتماع في أماكن بعيدة ذهبوا إليها ولم يجدوا اجتماعاً. ولذلك نقول إن الدكتور حسن الترابي كان يريد أن يكون عقل الحركة الإسلامية مجزأ وأن لا يجتمع هذا العقل وأن لا يكون هناك صوت إسلامي موحد وأن لا يكون هناك مركز قوة ولذلك لجأ الى استصدار قرار حل الحركة الإسلامية بالقطاعي.. وأعضاء مجلس شورى الحركة الإسلامية في 1989 كلهم شهود على تلك المسرحية. إذاً، من الذي عبث بالمواثيق ومن الذي عبث بالحركة الإسلامية ومن الذي انتهك العهود؟؟؟

ونعود للمسألة الثانية وهي مسألة الشفافية ومحاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك من قبل أفراد غير سودانيين وغير منتمين الى الحركة الإسلامية السودانية. ورغم أن هذه القضية قضية حساسة إلا أننا نسأل الدكتور حسن الترابي والدكتور علي الحاج لماذا أخذا يلوحان بهذه القضية بعد أن تم اقصاؤهما.. ولماذا أخذا يلوحان بهذه القضية بعد أن تم فصلهما.. ولماذا لم يثيراها أيام عزهما يوم أن كان الترابي رئيساً للمجلس الوطني وأميناً للحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني. وكان علي الحاج يمسك بين يديه دفة الحكم الفيدرالي وكان يمسك بين يديه عدة مفاصل للملف الأمني وملف السلام وبعض ملفات العلاقات الخارجية.. لماذا انتظرا بعد أن أصبح علي الحاج لاجئاً في ألمانيا وبعد أن ازدادت مرارات الترابي وأخذت تسيطر عليه عقدة (عليَّ وعلى أعدائي) وأخذ يسعى بالسبل كافة لهدم المعبد بمن فيه. لماذا الآن وليس الأمس؟ ونسأل الدكتور علي الحاج أين الشفافية التي يتكلم عنها في أموال طريق الإنقاذ الغربي.. وهو الذي كان يدخل ويخرج وحقيبته مملوءة بملايين الدولارات للمفاوضات في فرانكفورت والمفاوضات في عنتيبي ونيروبي وأبوجا هل يملك رصيداً بتلك الأموال وكم هي؟ ولمن ذهبت؟ ومن أين خرجت؟.. ثم إن علي الحاج الذي يتكلم أن الرئيس البشير لم يقابل الترابي إلا بعد حادثة الرئيس حسني مبارك فهذه تعني ثالثة الأثافي؟.. ونسأله هل كان يعتقد حقيقة أن الدكتور الترابي كان مجرد بيدق في النظام وهل الترابي بهذه التضحية؟.. ثم هل كان هو نفسه مجرد جندي مشاة ولم يكن في النواة الداخلية الصلبة التي تتدبر القرارات وتخرجها؟.. وكيف يرضى الدكتور علي الحاج لنفسه أن يكون مجرد بيدق وجندي مشاة إذا كانت الأمور تدار بتلك الطريقة؟.. وأنه لم يكن يعلم شيئاً.. وهو الذي اجتمع مع لام أكول في فرانكفورت ومن حقيبته خرج مشروع تقرير المصير.. وهو الذي كان وراء طريق الإنقاذ الغربي والحكم الإقليمي أو الفيدرالي كما يقول؟.. فإذا كان الدكتور علي الحاج يقف وراء كل هذه الملفات الخطيرة فكيف يكون مجرد جندي مشاة في النظام؟.. وكيف يكون آخر من يعلم؟ ونسأل الدكتور علي الحاج حينما يتحدث عن العهود أين عهده تجاه الحركة الإسلامية التي حُلَّت؟.. وأين عهده تجاه الشعب السوداني؟.. وأين عهده أمام الجمعية التأسيسية المقبورة وهو الذي أقسم بكتاب الله وغيره من النواب على حماية الدستور والشرعية؟ فعلى الأقل فإن الرئيس عمر البشير لم يكن معه في ذلك العهد ولم يكن عضواً في الجمعية التأسيسية؟ فأين كانوا هم؟.. ثم الآن ما موقفهم تجاه رئيس الجمهورية الشرعي؟ .. وهل يمكن أن نقبل في فواتح القرن الحادي والعشرين بأن تكون هناك دولة داخل دولة؟ الدولة المعهودة والمعروفة التي يرأسها الفريق البشير ودولة أخرى داخل دولة يديرها الترابي وعلي الحاج كما كانا يخططان.. من يقبل بذلك؟

والآن نسألهما في سعيهما للتحالف مع الرئيس أفورقي في ظروف مصيرية صعبة والسودان يواجه قضايا صعبة وأسئلة مصيرية تتعلق بتحقيق السلام والاستقرار وتتعلق بتطلعات الشعب السوداني وتوقه للتعددية السياسية ومناخ الحرية.. فهل يسعيان للتحالف مع نظام الرئيس أفورقي من مركز قوة؟ وماهي مكونات القوة في موقف الترابي وعلي الحاج تجاه الرئيس أفورقي؟ ما نظنه أنهم سيكونون بيادق وجنود مشاة في دفة النظام الدولي.. لأن الرئيس أفورقي نفسه هو مجرد حليف لاسرائيل وحليف للعقل الصهيوني في هذه الظروف المصيرية الصعبة.

ولكن كذلك يبقى مثل هذا التحالف قصير النظر لأنه تحالف ضد السودان كجسر للثقافة العربية والإسلامية.. وتحالف ضد الحركة الإسلامية السودانية.. وتحالف ضد الإطار الموضوعي الذي تبنى فيه دولة السودان البلد والحدود والديمرغرافيا.. ولمصلحة من يتم تدمير التجارة على طريق الخرطوم بورتسودان؟ ولمصلحة من يتم حرق شرق السودان بعد أن أسهموا بالقدر المعلى في حريق غرب السودان؟!.. وهل أصبحت عقدة (عليَّ وعلى أعدائي) حقيقة شاخصة ومستحكمة بهذه الصورة؟.. حتى يريد علي الحاج الموجود في ألمانيا أن يحرق شرق وغرب السودان وكذلك يفعل الترابي مع التجمع الديمقراطي المعارض فقط لتقويض نظام الإنقاذ. ولذلك يبيحون لأنفسهم التحالف مع الشيطان نفسه ويعتبرونه جائزاً في هذا السبيل.

ولعلنا نعجب ونسأل إذا كانوا يضحكون على عقول أهلهم وذويهم وعقول المتحالفين معهم بقضية تحالف النبي صلى الله عليه وسلم مع النجاشي.. فالنبي عليه صلوات الله تحالف مع النجاشي لأن النجاشي آمن به أولاً.. ولأن النجاشي كان سجله قائماً على العدالة (رجل لا يظلم عنده أحد) فهل رؤية الترابي وعلي الحاج أن أسياس أفورقي (رجل لايظلم عنده أحد).. وأين سجله في حقوق الإنسان وعلى الأقل نحن هنا في السودان نجد الترابي يتمتع بالحرية.. وهو الشخص الذي اصطنع مصطلح التوالي السياسي لينقض على العملية الديمقراطية بينما الحكومة قفزت من شرك (التوالي) الى التعددية السياسية ووسعت إطار الحريات.. ولكن الترابي الآن يسعى للتحالف مع أكبر ديكتاتور في المنطقة الذي قضى على الأخضر واليابس في بلاده والذي أشعل الحرب مع إثيوبيا والذي دمر الشعب السوداني والذي احتل الجزر اليمنية ويسعى لتدمير التجارة في كل منطقة القرن الإفريقي والذي دمر حركة الثقافة العربية والإسلامية في أريتريا والذي صفى الاستثمارات العربية في أريتريا.. فما هي مقومات مثل هذا التحالف؟.. ثم إن المؤتمر الشعبي الآن يعمل فلماذا لايعود علي الحاج نفسه الى البلاد سواء دخل السجن أو خرج منه طالما أن هنالك حريات وطالما أن هنالك سلاماً يجري الإعداد لترسيخ حقيقته وترتيباته.. وطالما أن السلام سيغير هياكل السلطة وسيغير بنية البلد.. فلماذا يريدون إقامة هذا الحريق؟

ونسأل الآن ما يفعله الترابي وعلي الحاج اللذان يدعيان الآن أنهما لا يباليان عن فتح الخمارات والمراقص وإعادة الربا والمناداة بتعددية الشرائع والتحالف مع الشيوعيين كما قال الترابي إن صلاته مع الحزب الشيوعي مستمرة ومع قيادة الحزب الشيوعي كذلك فإذا كان كل ذلك يتم فأين قيم الحركة الإسلامية القديمة التي كان يدعو إليها الدكتور حسن الترابي.. وما الذي يدعو مفكر سياسي وإسلامي أن يدهش المراقبين بين كل فاصلة زمنية وأخرى وأن يغير من سلوكه السياسي وأن يناقض ما كان يقوله ويغير في التكتيك وينقلب على القيم التي قامت عليها الحركة الإسلامية والمواثيق التي قامت عليها الحركة السياسية والمبادئ التي تربى عليها الإسلاميون الحركيون وهذا يدعونا للسؤال: ماذا تبقى من الترابي وماذا تبقى من علي الحاج وماذا تبقى من الحركة الإسلامية التي نذروا أنفسهم وعاهدوها على العمل بإخلاص لتنزيل رؤيتها الشاملة في عمارة كل مفردات الدنيا وطلب رضوان الله في الدنيا والآخرة.

وماذا تبقى من علي الحاج وماذا تبقى من الحركة الإسلامية التي نذروا أنفسهم وعاهدوها على العمل بإخلاص لتنزيل رؤيتها الشاملة في عمارة كل مفردات الدنيا وطلب رضوان الله في الدنيا والآخرة.

Post: #51
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-25-2008, 09:46 AM
Parent: #50

قصة و شعر
يا ولدي : لا تركب معنا (2) / محمد أحمد عثمان-أستاذ مشارك-جامعة النيلين (الخرطوم)
By
Oct 10, 2007, 11:18




يا ولدي : لا تركب معنا (2)



محمد أحمد عثمان

7/10/2007م

في يونيو 89 نزعنا يا ولدي...

كل مفاصل أركان السلطة

كل الجيش وكل الأمن وكل الشرطة.

أخذنا الخدمة المدنية..

وكل مؤسسةٍ تملكها الدولة.

لكنا لم نفعل يا ولدي إلا جَهْدَ مُقِلْ

فالغيبوبةُ يا ولدي ..

لا تترك أحداً يفعل.

كنا نتكلمُ يا ولدي..

كنا نعبث.

نُخْصِى بعضاً..

نُقصِى بعضا.

كنا نتصارعُ يا ولدي..

من أجل السطوة والسلطة.

وكان البعض يموت..

من أجل (المشروع) لا من أجل الثورة..

أَيَّة ثورة.

والآخر منا: يَسْتَخلِفْ

يكنز مالاً ووظائِفَ..

يبني صِرحاً يجمعُ ثروة

وبعضٌ آخر يا ولدي..

يسعى لمؤامرةٍ كبرى..

لقلبَ السلطة وذبح المشروع وتصفية الحركة.

******************************

وكنا يا ولدي في الأحراش..

وبدلاً من إطلاقِ رُصاصة لصدر عدو..

يصابُ الواحدُ منا في ظَهْرِه.

كنا يا ولدي في الميدان بكبيرة من يتولي يوم الزحف..

نهربُ يا ولدي

نَخْلِفَ مفقودينَ وأسري.

نتركُ أسلحةً بملايين الدولارات..

بل بالمليارات

كانت يا ولدي أسلحةً لحماية ظهرِ وطن.

فغدت يا ولدي مدداً للأعداء.

أسلحةً جُلِبَتْ يا ولدي..

من قوت الشعب.

من وجع المرضي..

من أمصالِ حواصِلَ طفل.

ودموعِ يتامى وأرامل

جمعت يا ولدي من (حِلْيَة)

أخوات نسبية..

و (أساور) خنساوات الجبهة.

***************************

ولتركيز دعائمَ فعل الدولة

قاموا يا ولدي بحل "الحركة"..

وشَلَّ "الحركة"..

وقتل "الحركة".

قالوا زوراً حتى لا ترتطم "الحركة" مع الدولة.

حتى تلتحم الدولة مع التنظيم.

حتى تمتزج الكوفية بنياشين العسكر

ظنوا يا ولدي أن "التنظيم"..

ليس سوى "إسم عمل".

ظنوا يا ولدي أن "الحركة" شركة.

و العضوية..

ليست إلا أسهم شركة.

ولهذا باعوا يا ولدي كل الأسهم..

في بازار "الشيخ" وسوق "كبير العسكر".

**********************

ومن مذبحة الشورى خرج "المحظيون".

ومن مذبحة البدريينَ وأهل السَبْق..

خرج "المحظيون"..

غلمان "الشيخ"..

زبانية "الشيخ"..

وصنائِعَ حُسنَ نوايا "الشيخ".

بثقافةِ إفعل ما شئت..

وأصنع ما شئت..

لا تحفل بالحركة ولا بالتنظيم.

فليس هنالك "حركة" ولا "تنظيم".

لا يوجد غيرَ الخِصْي

لا يوجد غيرَ الكبت.

وليس هنالك بالحركة غير المحظيين

وأهل الخطوة.

فالآخرُ محظورْ.

واللامحظِيْ أطرش أبكم..

لا يفهم لا يتكلم.

***********************

وأخذ "المحظيون" كل ملفات الحركة.

أخذوا مصباح علاء الدين.

أخذوا الضوء الأخضر..

ومفاتيح التنظيم..

وتلابيب "الشيخ"..

وتابوت الشورى..

أخذوا كل شيوخ "الحركة"..

وأهل السَبْقِ وكل البدريين..

وشفرة دافنشي.

جعلوا من كل قواعدنا نُزلاء وأسرى

ومجرد كومبارس.

جعلوا من أهل الشورى نكرات.

************************

وعبس "الشيخُ" للآخر.

وتولى ثُلَّةِ أهل الحظوة..

وأهل الخَطْرة والخطوة.

فكل الآخر في الحركة..

إما أشعثَ أو أعمى.

لا يوجد في "الحركة" عند "الشيخ"..

إلا أهل "الحظوة"..

وأهل الحظوة وأهل الحظوة.

لا يوجد "بدريون" ولا "تنظيم"..

ولا "عضوية" ولا حتى "حركة".

لا توجد شورى.

فثوابت أمر الشورى زُهِقت

لا يوجد وحى..

وتخاطُرَ عن بعد.

إنقطع الوحي بموت "محمد"

ومات "عمر" .. وتلاشت صيحته نحو "جبل"

يوجد "شيخُ" وزُمرة

توجد بركات "الشيخِ" لأهل الحظوة..

ومحايات "الشيخِ" لأهل الخطوة.

**********************

ولهذا سرق "المحظيون" يا ولدي..

باسم "الشيخ" وباسم الكبت وباسم الصمت..

كل "الحركة".

وإرث "الحركة".

وتاريخ التنظيم.

لم يَدَعوا يا ولدي شيئاً إلا سلبوه.

حتى "الشيخ" يا ولدي أخذوه.

لم يبقي يا ولدي من فقه "الحركة"..

غيرَ شتاتٍ ناقص..

وخِطابٍ أبتر.

لم يبقي يا ولدي في "الحركة"..

غير مُعَّوق ومُلَّفقْ

لم يبقي يا ولدي من إرث الحركة..

غير المنشية والقصر.

**********************

وبعد قيام الإنقاذ..

وبدلاً عن نصف الشهر..

ذهب "الشيخ" حبيساً عدة أشهر..

ومضى الآخرُ يتبختر نحو القصر.

ونام "الشيخُ" بكوبر نومة أهل الكهف.

أما "غلمان" الشيخ فلم تأخذهم سِنَةٌ أو نوم.

وفي غيبة "شيخ"..

أوصدوا باب "الخَلْوة".

جمعوا كل ملفات "الحركة"..

وكل الأوراق المخفية.

وضعوا دراسة جدوى حصرية.

جعلوا كل الطُرُقِ تؤدي إلى "القصر"

وحفروا نفقاً بين "المنشية" و "كوبر".

************************

وبعد سقوط "الشورى" وموت "الحركة"..

ومجيء "صَفَرْ".

وبعد تَجَزَُّر أمرَ الدولة.

كتب "الشيخُ" يا ولدي "الإسلام والحكم"..

فلتأخذ يا ولدي "الإسلام" وتلزمْ..

ولكن ماذا تعني كلمة "حُكمْ " ؟

بعد زوال الحكم..

وبعد ضياع الفرصة والسانحة الكبرى.

وفي "عَمَّان" كتب رئيس وزراء عصر النكسة..

كُتُباً عُدَّة حول النكسة.

فمن يقرأ يا ولدي ثقافة عصر النكسة.

************************

ولتعلم يا ولدي..

لم يكن الامر توافُقْ..

بين "حبيسٍ" و "رئيس".

كان تَخاطُرْ بين الحَضْرَة والغَفْلة.

كان نزاعاً بين طَليقٍ ومُقَّيَدْ.

كان صِراعاً حول المستقبل.

حول "النعجة" من يضُمُمها يا ولدي..

وقداسة بقرة.

كان صِراعاً بين مُسَّيطر ومُهيمن.

كان نزاعاً بين حواري ومُعلِّم.

حرباً بين أبن القيم وتقيُ الدين.

ونزاعاً بين أبي مسلم وأبي جعفر.

كانت معركةً يا ولدي بغياب الجُمهور.

والخاسِرُ يا ولدي من يَحْقِرَ أمر الجمهور..

يَصفعُ بالشورى..

يَسْفَهُ بالتحكيم..

يجهلُ أنَّ الجمهورَ حَكَمْ.

كان صراعاً يا ولدي بين مَلَفَّاتْ.

مَلَّفٌ ناقص ومَلَّفٌ يحوى كل المعلومات.

مَلَّفٌ بتفاصيل ومَلَّفٌ لا يحوى إلا كُلِّياتْ.

ومَلَّفٌ غيرُ مُباح..

موصودٌ بالشمع الأحمر..

مطبولٌ بالضَبَّة والمفتاح.

************************

كان صراعاً يا ولدي بين "الكُلِيَّة" و "التفصيل".

والغالِبُ يا ولدي من يملكُ دَفَّة "فقه" التفصيل.

لا من يُصْدِرَ كُلِيَّات..

ويعجزُ عن فك طلاسِمَ بؤر التفصيل.

ولهذا كان "حسن نصر الله" في "بيروت"..

يرقُبُ باللحظة..

قِطْعَة أُسطولٍ تَجْنحُ في "صَيْدا".

كان مُلِماً يا ولدي بتفاصيل..

وبكُلِ عقالَ بعير.

كان مُلِماً يا ولدي بمجاهد يخرجُ من "حُفْرَة"..

وجنوبٍ يُحْرَقُ ومزارع شِبْعا.

ما كان له يا ولدي في "حزب الله"..

مفقودون ولا أسرى.

والحزبُ جَميعٌ يا ولدي..

من أعلاهُ إلى أدنى قِمَّه.

لا حظْوَة لا تدليلَ ولا تهميش لِهِمَّة.

*********************

ولتعلم يا ولدي..

ومنذ الرابع من رمضان

هنالك "حلقة" مفقودة

ولهذا لا يفقه أحدٌ ما يجري.

والملعب يا ولدي مظلم من تلك الحلقة المفقودة.

لا يفهمُ أحدٌ يا ولدي قانون اللعبة.

ولأن الملعب مُظلم..

عجزَ الجمهورُ عن الفُرْجَة.

حتى اللاعب يا ولدي في "الشعبي" أو "الوطني"

لا يُتْقِنُ فَنَّ اللعبة.

لا يعرفُ حتى نوع اللعبة.

لا يُسبِرُ غَوْرَ اللعبة.

والأحزاب يا ولدي..

عجزت عن فَّكِ طلاسم تلك "الحلقة".

والمتمرد لا يفقه يا ولدي..

في "الحلقة"..

وله ببلاد الفور "لعبة" غير اللعبة.

*************************

فماذا تعني يا ولدي تلك الحلقة المستترة؟!

وماذا تعني تلك اللعبة؟!

هل تعني أن تَحكُمَ وتُعارضْ؟!

هل تعني أن تبني وتهدم؟!

هل تعني أن تُصبح إقطاعياً..

يعملُ ضد نظام الإقطاع؟!

مثل المدعو "بدرو باراما"..

في قصة كارلوس.

هل يعني ان تصبح ملكيا

يعمل ضد القيصر؟!

هل يعقل ان تغدو سَيِّدَ حتى تضحى عبداً؟!

هل هذا ما نعنيه بقصة حواء وآدم

والنفس الواحدة الخنثي؟!

هل يعني ان تصبح في (الحلقة)؟!

لا ذكراً أنت ولا انثي؟!

لن نقبل يا ولدي أن نبقي غنماً تسعي..

مُراحاً يُسْلَخْ ومُراحاً يرعي.

***************************

مازلنا يا ولدي نبكي ذكرى الرابع من رمضان

مازلنا نذرفُ دمعاً في أطلال الرابع من رمضان

مأساة (صَفَرْ) وفجيعة نَزْغَ الشيطان

ونسينا يا ولدي في دِمَنِ الأطلال

قصة يوسف والأسباط.

وذكرى الجِبْ.

ودموعٌ حَرَّى ملتهبة.

ودمٍ كاذب.

وكيف بكى يعقوب حتى أبيضَّت عيناه.

نسينا يا ولدي مأساة ابني آدم..

ولماذا قتل الأَخُّ أخاه؟!

ولماذا قتل يزيدُ (سبَط) رسول الله؟!

ولماذا ذبح المأمونُ أخاه؟!

ولماذا نحر (القابوس) أباه.

ولماذا سفكت (بنظير بوتو) دماء أخيها.

ولماذا طرد الإبن أباه.

فالغيرة يا ولدي وصراع السلطة والدنيا..

أمراضٌ لا تشفي..

كربٌ وبلاء.

********************

قالوا يا ولدي لولا مُذكِّرة العشرة

ما كان الرابع من رمضان.

ظنوا يا ولدي لولا سَلْبِيَّة (على عثمان)

ما كان الرابع من رمضان.

هذا يا ولدي مَحْضَ هُراء.

فلتعلم يا ولدي لولا حَلْ (التنظيم).

وحل (المجلس) و(الحركة)

ما كان الرابع من رمضان.

ولولا (تبعيضَ) القرآن وذبح الشورى..

ما كان الرابع من رمضان.

ولولا نفي البدريين وأهل السبق وأهل الرأي

ما كان الرابع من رمضان.

ولتعلم يا ولدي لولا (غِلمان) الشيخ..

ما كان الرابع من رمضان.

ولتعلم يا ولدي علم يقين

لو بَقِيَ (التنظيم) فوق (الشيخ) وفوق (العسكر) و(الدولة )

ما كان الرابع من رمضان.

******************

ولتعلم يا ولدي أن مُذكِّرة العشرة

خرجت من سورة عَبَسَ.

ولأنا كنا نَهْزأُ بالقرآن..

نسينا أمر الشورى.

نسينا جَرْحَ مُتون الفُسق..

عند مجيء الفاسِقِ بالأنباء.

نسينا سبر بحور الفتنة..

وفَكَّ طلاسم شِفَرْ الإسناد.

ولهذا فلماذا نَكْظَمُ حُزناً يا ولدي

في ملهاة الرابع من رمضان؟!

*********************

هل تذكر يا ولدي إن سبقت سُلْحُفةٌ أرنب؟!

لم يكن الأرنب يحفل..

أو يعمل.

كان الأرنبُ يعبث..

ويُجادل ويهاتر ويناور.

والسلحفُ يا ولدي يسعي..

يَجْهد ويُثابر.

كنا يا ولدي مثل أرانب.

وكان الشعبُ سلاحف.

سبقونا يا ولدي..

كشفوا عورتَنا..

علموا أنا نكذب.

أضعنا يا ولدي ثقة الشعب.

فقل لي يا ولدي كيف تعود الينا ثقة الشعب؟!

************************

وقديماً صرع الجِبْتُ (كُلَيْب).

وقضي جَسَّاسُ على حُلْم قبيلة.

وحصانٌ من خشبٍ يا ولدي خرق القلعة بطروادة.

هذي يا ولدي أبعاد (كُلَيْب) الطاغوت..

وغيلة جَسَّاسْ وهتك حصانٍ خشبي لأمن الدولة.

هذا يا ولدي حصاد عصور سَفَرتْ وقرونٍ وسطي.

هذا يا ولدي (جُحْرَ الضَّبْ).

فلتقرأ يا ولدي (السُنَّة).

دخلنا يا ولدي (جُحْرَ الضَّبْ).

واستوطن حزبُ الله (جوفَ الأرض).

أكلوا يا ولدي دبابات بني صهيون.

وكنا نَسلِقُ يا ولدي بيضَ الضَّبْ.

**********************

فلماذا نقبعُ يا ولدي في (جُحْرَ الضَّبْ)؟!

لماذا لا نخرجُ كالإسلام من جُنْحِ قُرونٍ وسطي؟!

نبني ديواناً وخراجا..

نبني أمْنا .

نُتْقِنُ فَنَّ الحرب..

نُنُشْئِ حِسْبَة.

لم نتقن شيئا يا ولدي..

غير ثقافة فقه الجزية.

لم نوجد سوقاً يا ولدي غير نِخَاسة زمنَ الرِق وزمنَ الرِدَّة .

هذا يا ولدي حصاد سنين عددا.

كانت تمضي حِقَباً حِقَبا.

تتبددُ يا ولدي سَرَبا.

كرهابٍ لا يروي غُلَّة.

**********************

وأرقُب زمنك يا ولدي وتَعجَّبْ.

فالمتمرد يا ولدي من فوهة بندق..

يُصْدِرُ طلقة..

ويُعْلنُ ثورة.

وَيحرِقُ قرية.

ويفرض جزية.

ويصنعُ من صرخة طفلة (صولة)..

ليبني دولة.

يَجْلبُ كل هجينَ الأرض..

وكل شذوذ الأمم المتحدة.

يقتسم السلطة والثروة.

أما نحن يا ولدي

لا نُصْدِرُ إلا رأياً أو فتوة.

في الفقة التجريدي لا في فقه الدولة.

في الحور العين ونزول مسيح وإمامة مرأة.

نُرَوِّجُ للأمريكي يا ولدي طلباً للغزوِ وللنُصْرَة.

وباسم التجديد نستعدي يا ولدي..

أهلَ النَقْلِ وأهَل السُنَّة.

في زمن يسعي فيه الأمريكي

لبذر الفتنة بين الشيعة والسُنَّة.

وبذر شقاق بين السُنَّة والسُنَّة.

لنبقي يا ولدي حزباً أبكم أطرشَ..

لا يخشي إلا السجنَ وبطش الدولة.

************************

ولهذا نتساءل يا ولدي

هل هذا سيناريو؟!

أم هذا منهجَ حزبٍ..

يبحثُ عن تغييرٍ أو يُحْدِثَ ثورة.

ومن جدب الحزب وموت الحزب..

يراه الكُثْر مجرد (سيناريو) .

و(السيناريو) يا ولدي تراه بعضُ الحركة عصي وموسي..

تلقفُ كيد السحرة.

ويراه البعض قداسة جبل الطور وسيناءْ ..

ألواحاً ووصايا عشرة.

والكُلُ (الشعبي)

يراهنُ يا ولدي ينتظرَ (السيناريو).

وكل لطيمٍ يا ولدي يحلمُ (بالسيناريو).

للعقْ العسل الأسود..

يَفْغَرُ فاهُ لِمَنٍ أو سلوى.

************************

في المؤتمر الشعبي..

نادوا يا ولدي بتحريرِ العقل .

هتفوا يا ولدي لسلطان الرأي.

فلماذا قمعوا يا ولدي العقل؟!

لماذا منعوا فضل الرأي؟!

كسروا أقلامَ الرأي.

ولماذا كسروا قلمي؟!

ولهذا خُذها منى يا ولدي..

يمكن للنعثل أن يَجْحَد أو يَحقِدَ

أو يُنْكِرْ..

لكن لم يولد يا ولدي من يكسر قلمي.

لم يولد من يسلُبَني نثري أو أدبي.

لم يولد من يُخْرِصَني.

فأنا حُرٌ يا ولدي..

ولهذا لن يأسِرَ أحدٌ عقلي.

*************************

فلنتساءلَ يا ولدي ..

لماذا زهقوا روح الشوري؟!

لماذا فرضوا لُغة الفرد؟!

ونهج الفرد.

ولماذا وضعوا نهجَ بُغاثْ الطير؟!

ولماذا جعلوا قواعدنا (أسري)

في خلوة (شيخ)؟!

حتى في (التصويت) لا توجد يا ولدي إلا قائمة (الشيخ).

والعضوية حُشِدَت يا ولدي من كلِ رقاعِ الأرض..

لا للترشيح بل للتصويت وإجادة فن البصم.

فليس على المجلسِ..

إلا أن يَبْصُم في قائمة (الشيخ)..

فليأخذها المجلس أو يلفُظها..

لن تعبر إلا قائمة (الشيخ).

ولهذا هاجر أمناءٌ للمؤتمر الوطني..

كانوا يا ولدي من قائمة (الشيخ).

وأمين العدلية النَمَطي..

غادر بِدَلالِه للمؤتمر الوطني.

حتى رئيس الشوري يا ولدي..

هاجر للمؤتمر الوطني.

لو كانوا يا ولدي خيارا للشوري..

ما رحلوا.

لم يرحل يا ولدي ..

إلا من كان خَياراً (للشيخ).

***********************

ولهذا فلتفهم يا ولدي ..

من رَحِمَ الجبروتْ يتولّد نهجُ الفرد.

ومذكرة العشرة يا ولدي

خرجت من رَحِمَ الضغط.

خرجت يا ولدي من رَحِمَ القهر.

فلماذا نلومُ العشرة يا ولدي..

ونمدحُ سلطة زمنَ الفرد؟!

ولماذا نعبد سلطان العقل؟!

أليس العشرة يا ولدي ..

أكثر من فرد؟!

وليس الفردُ سوي فرد؟!

هل يحشر يا ولدي في زَفَّة..

أم يحشرُ فرداً يوم الحشر؟!

أم أن العشرةَ يا ولدي تُحَسبُ

صِفراً في علم الجبر؟!

أم أن الواحدَ يُصبحَ (ملياراً)

بحساب (البيروني) وحواسيب العصر؟!

********************

ولتعلم يا ولدي

لا قيمة لفردٍ إلا بجماعة.

ولا قيمة لجماعة إلا بفعل جماعة..

وسعي جماعة..

حتى لا يَفْجَعُها ذئب.

ولا رأي لفردٍ يا ولدي

في غيبةِ شورى.

وغيابُ الشوري لا يعني يا ولدي..

غير الفوضي.

لا يعني غير ثقافة فقه (النَفْي).

ولتعلم يا ولدي..

ليس العقلُ بوحي.

ولهذا وجبت يا ولدي الشوري.

حتى نَتَزَّكي من مقصلة الفرد.

حتى لا نُحْرَمَ من حكمة (أعمي)..

أو بركة (أشعث أغبر).

*******************

وأقرأ يا ولدي تاريخ الإسلام.

فبعد غياب رسول الله..

وبعد بروز عصر الرِدَّة..

وبعد خروج العَبْسي وسُجاح والكَذَّاب..

ظهرت يا ولدي الفتنة الكُبري.

وخرج العسكر و(الجونتا)

غَصَبوا يا ولدي كل السلطة.

منذُ معاوية والحجاج وأبي جعفر وأبي مسلم.

حتى سيف الدولة وصلاح الدين..

والزنكي نور الدين.

غَصَبوا يا ولدي أموال الدولة.

باعوا السادة يا ولدي..

في سوقِ نِخاسة أهلَ الذِمَّة.

وأذلَّ العسكر يا ولدي علماء الأمة.

جلدوا يا ولدي مالِكْ.

ضربوا النُعمان والثَوري وأحمد.

صلبوا يا ولدي الأوزاعي وأبن جُبير.

حبسوا يا ولدي تَقِيُ الدين..

ليموتَ وحيداً في سجن القلعة.

**********************

لم يكن التاريخ الإسلامي يا ولدي..

إلا تاريخاً للجونتا.

وكان الفقهاء ..

إما بوقاً للأجناد وللعسكر.

نُدماءْ في مائدة السلطان..

أو نُزلاءْ في سجنِ السلطة.

وكان الرأيُ أو الفتوي..

في سَعَةٍ يا ولدي..

إلا في شأن الحكم أو السلطة.

وفي جَرَبْ الزمن الأمريكي وفي عصر الرِدَّة

ظنوا يا ولدي: أن إثارة رأي أو فتوي..

تُسْقِطُ دولةً أو تنزعُ مُلكاً

ظنوا يا ولدي من حبكة فتوي

تُصبح في العرف الأمريكي

من أهل الذِمَّة وأهل الجزية.

لن يرضي عنك الأمريكي يا ولدي..

حتى تدخل في مِلَّتِهِ حتى ترحلَ عن أهلَ المِلَّة.

وفقهُ (الشيخ) التجريدي..

يَشْطَحُ فوق سماوات ..

يغوصُ بعيداً في جوفِ الأرض ..

لكنا يا ولدي لسنا هناك ...

نحنُ هُنا في سَطُح الأرض.

*****************************

واقرأ يا ولدي التفسير (الخلدوني) للتاريخ.

نَقَّبْ عن تاريخ (توينبي)..

وقلعة مِسترا ووادي إسبارطة.

وحصان طروادة.

والإلياذة..

وقصة راسبوتين.

ولماذا طعنوا القيصر؟!

ولماذا قطعت (كليوباترا) ضفيرتها ؟!..

ولماذا أحرقَ (نيرون) روما؟!..

ولتقرأ يا ولدي عن (صِّفِين).

حتى تُدرك يا ولدي..

قصة (رمضان).

ففي (صفين) رفع السفيانيون المصحف..

فوق سِنانَ رماح..

لم تكفي يا ولدي ...راية عثمان

وقميص عثمان.

*************************

وأخترقَ الطابورُ الخامس ..

عسكر إبن أبي طالب .

قَبِلوا يا ولدي بالتحكيم ..

لوقف طِعانٍ ونزال..

ولحقن دماء.

حتى لا يُدْحَرَ إبن أبي سفيان .

وبعد الدَوْمًة والجندل ..

وبعد جدالٍ وجدال ..

وبعد تَصَدُّعً لجنة رأب الصدع ..

ولضرب (المشروع)..

لم يجدوا يا ولدي إلا تكفير (علي).

ولهذا نقضوا التحكيم ..

كانوا هم يا ولدي من أمروا بالتحكيم .

ولهذا إندفع (المشروع) السفياني..

وتراجع (مشروع) إبن أبي طالب.

*************************

ولإتمام الصفقة ...

قتل الطابورُ الخامس ..

إبن أبي طالب .

وبعد مراسم دفنه ..

طعنوا المشروع :

وطعنوا يا ولدي إِبْنَه.

طعنوا الحسن إبن علي ..

ولهذا صافَحَ إبن أبي سفيان

حتى يثبت معنى كلمة (سَيِّدْ)..

مقابل بِضْعَة مليارات.

كانت يا ولدي قسمة ثروة..

لا قسمة سُلْطة.

وَحَرَبَ الأمرُ علياً يا ولدي ..

بخروج (إبن العباس)..

وفِعْلَ الطابور الخامس..

وعَجْزَ أبي موسى ..

وجيوشٌ يا ولدي نكصت..

تاهت بين الأمصار .

وحصافة (إبن العباس) ..

دلته على موت (خِلافة).

ولهذا رحل إلى (صنعاء)..

وصادر بيت المال .

وبُكاءُ عليٍ يا ولدي ..

ورجاءُ عليٍ يا ولدي ..

لم يُرْجِعَ تلك الأموال .

ضاعت يا ولدي في أُتُنَ الفتنة..

وخلافة حُكمٍ راشد..

أمسى دِمَناً ..

أصبح بعضاً من أطلال.

كان الطابورُ الخامس يا ولدي ..

طابور خوارج .

كان تَنَّطُع باسم الدين ..

في (الدَوْمَة) وفي (صَّفِين)..

سُنًّة من سبقوا يا ولدي ..

في كلِ زمانٍ ومكان.

***************************

ولهذا خُذها مني يا ولدي ..

لا تحفل (بالسيناريو)..

فذاك طريق (السبئية)..

وطريق (إبن العلقم).

ظَنَّ السبئيةُ أن (علَي) إلاه

عبدوا يا ولدي صهر رسول الله

وركب (إبن العلقم) دبابة (هولاكو)..

عند سقوط بغداد.

لا تسمع يا ولدي ..

لا يوجد غير طريق (السَبْطَين)..

طريقُ الحسن بن علي ..

وطريقٌ كَرْبٌ وبلاء.

فأنظر يا ولدي ..

أيَّ طريقٍ تسلك.

لا تَقْبَع يا ولدي خلف جدار الصمت..

وجدارَ الخلوة وكتاب (الطبقات)

وسبحة (نعثل)..

ودعوة ( قُطْبٍ) يعبث ..

تبحثُ عن شِبْرٍ في الجنة..

حتى لا تحصُدَ يا ولدي ..

أفدنةً في النار .

*************************

فلماذا لا نتغِّير يا ولدي .

كل الأشياء تتغَّير يا ولدي.

حتى الطقس إحتبس لهيباً وتغِّير.

لكن (الشعبي) يا ولدي لم يتغير .

والشعبُ تغير..

عرف الغثّ وعرف المُنْكر .

وكلُ شعارات التهليل..

كانت يا ولدي تضليل.

فلماذا يا ولدي لا نخجل ؟!

ولماذا لا نرحل ؟!

صرنا يا ولدي نتلوّن مثل الحرباء.

صرنا يا ولدي راحِلةً جرباء.

صرنا مثل القُنْفذ نتكَّور.

صرنا يا ولدي نَتَبلْور.

صرنا نتشظى نتجَّمد نتحجَّر.

صرنا يا ولدي نتكرر..

فلماذا يا ولدي لا نَتَبَخَّّر..

حتى نغدو وَدَقاً أو سُحُباً أو مطرا.

تضربُ ساحاتاً أخرى ..

لكن ليس هنا .

حتى نَخْرجَ من أنفسنا .

*********************

وأنظر يا ولدي ما فعل الآخر ..

وأنظر ماذا فعلنا ؟!

ففي اسطنبول وأزمير..

غابً (اربكان)..

وجاء دور (اردوجان).

فأعاد الحزبُ بناء أياصوفيا..

جَدَّدَ عصر الفتح .

وثبوا يا ولدي فوق الأناضول..

وآسيا الوسطى .

خاضوا يا ولدي البحر الأسود..

ومضيق البسفور.

عبروا يا ولدي البحر (القزويني)..

ليس لجني الكافيار..

بل لإعادة مجد بني عثمان .

أعادوا يا ولدي ذكرى (سليمان القانوني).

وأعدنا يا ولدي ذكرى (سليمان الزغرات)..

وعجوبة ...

نسخنا طبقات ود ضيف الله .

أخذوا يا ولدي في سنوات خمس ..

كرسي الجمهورية ورئيس الوزراء..

والسلطة التشريعية .

عبر خِيارْ الشعب .

حصدوا يا ولدي ثقة الشعب ..

وحصدنا يا ولدي فشلاً.

وحصدنا غضبة شعب..

وباسم الليبرالية التركية ...

وباسم الشعب التركي ..

وعزم رجال..

وصبر رجال..

ومكر رجال ..

يعودُ حجابٌ وخِمار.

تتفكَّكْ يا ولدي العلمانية ..

وتسقطَ كل قلاع العسكر .

********************

وفي لبنان وبنت جبيل ..

سَطَّر حزب الله ملحمة العصر.

دكوا حصونَ بني صهيون..

لأول مرةً ..

في تاريخ بني مُرَّة.

سحقوا دبابات الميركادا .

رفعوا رايات النصر بقمة جبل الزيتون.

أعادوا يا ولدي ذكري خيبر..

وذكرى جيش (محمد).

عملوا يا ولدي في صمت .

عملوا يا ولدي بشكيمة أهل العزم.

نَقَبوا يا ولدي الأرض .

سمقوا فوق جبال الأَرز.

فمن يخرقُ يا ولدي الأرض ..؟!

ومن يَبْلُغَ طولاً لجبل ؟!

كنا نسمُرُ يا ولدي ..

كنا في غيبوبة ..

كنا يا ولدي نتكلم ..

لا زلنا يا ولدي نتكلم

حول عذاب القبر..

وحكم الخُنثى المشكل..

وهل خُلِقت حواء من ضلعٍ أعوج؟!

لم نتكلم يا ولدي عن خولة بنت الأزور

وسيف الله المسلول وابن أبي وقَّاصْ..

وأبي محجن

*********************

وفي (غَزَّة)..

لم نفهم يا ولدي صمود (حماس).

لم نفهم يا ولدي ألا تخشى (حماس) الناس.

لم نفهم يا ولدي حصار قريش بني هاشم .

لم نفهم يا ولدي كيف يُقاوم شعبٌ أعزل؟!

كل الأعراب يا ولدي رفضوه..

نبذته كل الأنظمة العربية..

ومنظمة المؤتمر الإسلامي..

والأمم المتحدة ..

وجامعة الدول العربية.

قتلوا يا ولدي حُداتَه..

من أحمد ياسين حتى الرنتيسي.

ولتذكر يا ولدي قتل الطفل (الدُرَّة)..

وبشاعة فعل يهود.

قتلوا يا ولدي حتى نساءَ فلسطين ..

وشيوخ فلسطين ..

لم يَدّعوا يا ولدي طِفلاً أو طِفلة ..

من وادي دمونة حتى دير ياسين .

سجنوا حتى الأغرار المرموقين ..

حبسوا فتيات وبنات لم يبلغن العشرين .

جعلوا من شعب فلسطين ..

جَوْعى ويتامى وأرامل.

جعلوا منه شتاتا..

جعلوا منه شعباً نازح ..

لا يملكُ حق العودة..

فالداخِلُ يا ولدي هولوكوست ..

والخارج يا ولدي مَنْفي ومُخَّيم

من (صبرا) وشاتيلا حتى تل الزعتر.

**************************

ورغم الشِدَّة والترهيب ..

ورغم العُزلة .

ورغم الموت ورغم رصاص بني صهيون ..

ورغم الصمت العربي ..

لا زال الشعبُ يُقاوم ..

ويُجاهد ويُصادم..

لا يركع ويساوم ..

لا يُعطي دَنِيَّة .

لا تطبيع ولا تدجين ولا ترغيب ..

ولا هُدْنة ..

*************************

ولكن قل لي يا ولدي..

كيف يقاومُ مُتْخًمْ؟!

كيف يناضلُ من لا يفهم ؟!

كيف يُصادِم من لا يعشقُ طعم الدم؟!

كيف يجاهد ُ من يدعو القوات الدولية لعُقر الدار؟!

كيف يقاومُ من يرفَعُ راياتاً بيض؟!

كيف يقاومُ من يَتَهَجَّنْ؟!

هذا يا ولدي زمنَ الخوف وزمنَ الإفك وزمنَ الرِدَّة.

ولأنا لا ندرك أعداء الأُمَّة..

نُتْقِن يا ولدي فَنَّ النوم .

من يدرك يا ولدي ويقاوم ..

لا يعرف طعم النوم ..

*************************

وتَطَّلع يا ولدي نحو الماسون الأمريكي ..

وبني صهيون ..

شِرارَ الأرضِ وشُذَّاذ الآفاق .

أخذوا يا ولدي سامي الحاج..

بجريرة كميرات التصوير ..

حتى لا تتكشَّف عورات المارينز..

وجرائم أبناء الأفعى ببلاد الأفغان .

واليومَ أرادوا (كوشيب) و (هارون)..

وغداً (كرتي) و (علي عثمان).

وستحوي القائمة يا ولدي (نافع) و (الجاز).

لا يعلمُ يا ولدي أحدٌ مُحتوياتِ قوائمهم ..

حتى (أوكامبو) لا يعرف يا ولدي أسماء.

ولهذا لن يسلمَ حتى رئيس الجمهورية من قبضتهم ..

وأقرأ يا ولدي Target America ..

لتعلمَ أن (الشيخَ) يمكن أن يُقْحَمَ في القائمةِ السوداء.

**********************

فأقرأ يا ولدي كليلة ودمنة ..

لتُدرِك مأساة الثور الأبيض والأسود .

وأرصد يا ولدي ما يجري في لبنان والأرض المحتلة..

فالأمريكي في لبنان وبنارٍ صاخبةٍ..

يَسْتنسِخُ حرب الداحس والغبراء.

وفي الأرض المحتلة يزرعُ يا ولدي (هولوكوست)

وفي دارفور إنسان رخيصة حرب بسوس..

كُليبَ وجَسَّاس..

يستثمرها الأمريكي بهجين الأمم المتحدة ..

والقوات المختلطة ..

والعملاء والمرتزقة ..

والطابور الخامس..

وبقايا مماليك ..

وصعاليك .

********************

ما كنا يا ولدي نقبلُ قواتاً دولية .

فلتقرأ يا ولدي تاريخ المَكْ إمامَ الجعليين.

ولتقرأ يا ولدي تاريخ المهدية ..

ومجازر كرري .

ما كنا نرضى يا ولدي لقحاتَ هجين .

ما كنا نقبلُ غازَّياً ودخيل .

وبعد (حلايب) و (شلاتين)..

لا زلنا يا ولدي نُضْرَبَ (بالغُليون).

لا زلنا يَصْفًعُنا الذُلْ

فمقاومة البصرة وبغداد ترفض قواتاً دولية ..

طهران يا ولدي تأبى القوات الدولية .

دمشق يا ولدي تأبى القوات الدولية .

(حماس) يا ولدي ترفضُ قواتاً دولية.

لا يقبل (أفغاني) بالقوات الدولية.

وحزب الله لا زال يعانِقُ داناته.

**********************

فلماذا نهلل يا ولدي للقوات الدولية ؟!

ولماذا قَبِلَ (الإنقاذي) بدخول هجينٍ ومُهَجَّن؟!

ولماذا قبل الكل دخول القوات الدولية ؟!

لا يقبلُ يا ولدي بالقوات الدولية..

إلا (إتانٍ) حائل ترقُبُ (طلعة) فحل.

حتى تَتمخَّضَ يا ولدي لولادة (بغل)..

لا لولادة أمَّة.

***************************

ومن أجل (المشروع) يا ولدي مات شهيد.

سقط شهيدٌ تلو شهيد .

وقضى ألفُ شهيد.

وشهيدٌ في ظَهْرِه طعنوه ..

ثم نعوه .. في عُرسِ شهيد.

ذرفوا عليه دموعَ إخوة يوسف

في قبره كتبوا لزومياتِ سَقْطَ الزِنْد..

(هذا ما جناه عَلَّي أبي : وما جنيتُ على أحد).

هذا أبنه يا ولدي

تركوه في قلب الطريق ..

بلا دليلَ ولا رفيق..

يهيمُ فوقَ متاهة الطُرِقِ البهيمة..

بعد أن ضَلَّ الطريق ..

وأضاعَ خارطة الطريق..

وتاه في قلبِ الظلام .

قُلْ له يا ولدي ..

عصروا أباك ..إستنفذوه.

بددوا طاقاتِهِ..

سرقوا نضارة عمره ..

لم يأبهوا لجهادِهِ ورِباطِه

لم يحفلوا بدمائه ..

ألقوا به في الجِبِ صوب جماجم (المشروع).

رقصوا عليه بمأتم الأعراس .

شربوا عليهِ: كَرْمة نَخْبِة.

رموه في جوف الظلام ..

وفي سراديب العَدَمْ.

هذا إبنه يا ولدي .

قُلْ له : لن تُرَعْ ..

لا لن تضيع..

ولن تُضام .

قُلْ له يا ولدي فلتفتخر بأبيك

وأغفر لأمك عُرسها .

لا تبتئس .

ما ضَيْرها أن أعرست .

ما ضَرَّك أن أعقبت .

فأبوك في وجدانها ..

بجوانح الأمل المُعَّبأ باللقاء.

قل له يا ولدي : أرواحُهم قد تلتقي .

قل له يا ولدي : ظنوا أباك قد هَلَكْ

وأباكَ حَيٌ لم يمت .

قل له يا ولدي ..

إنه في الخالدين.

*****************************

وأحذر يا ولدي أن تنسى الشهداء.

فالشهداءْ أطهر منا .

وصبابة مسك شهيدٍ يا ولدي أكرَمَ منا .

وذكرى كل شهيدٍ يا ولدي أطيبَ منا .

وكل مجاهد ومرابط يا ولدي ..

اشرَفَ منا .

*************************

وختاماً يا ولدي ..

فلتقرأ تاريخ أبيك ..

وتاريخ (الحركة)..

وأبناء (الحركة).

كان الواحدُ منا يا ولدي مرآة أخيه ..

وصوتَ أخيه .. وَبْوحَ أخيه ..

وسِرَّ أخيه ..

ورَجْعَ صداه .

كنا يا ولدي لا يلقى الواحد منا ..

في الحُلْم وفي الصحوة إلا أخاه .

وكان الواحدُ مِنّا يا ولدي : يحبُ أخاه ..

في الله .

كحُبِ أخيه ..

لأُمِهْ وأبيه .

كنا يا ولدي جسداً واحد

كنا سياميين بقلوبٍ مُلتصقة.

كنا يا ولدي نُسُكاً وصلاه..

نعملُ (للحركة) من أجل (الحركة).

و (بجاء الحق) كنا نُزْهِقُ وُداً

ويغوثَ ونَسْرا.

ما كان الواحد منا يدُسً صُواعاً في رحل أخيه.

وكنا يا ولدي في عصر الظلمات..

وقبل الردة .

كنا لا نعبد يا ولدي فرداً كان ولا صنما .

كنا نهتفُ ضِدَّ الطاغوت ..

نهتفُ ضِدّ الظلم .

كنا يا ولدي من أجل الثورة ..

نهتف في كل الطرقات ..

(للمشروع) لا للذات.

كنا يا ولدي نُزلزِل أركان السجن ..

نَهُزَّ صُروح المعتقلات .

كنا نكسِرُ هيبة مشنقةٍ لَخْناء ..

نموتُ وقوفاً .. لا نركع .

كنا يا ولدي لا نُعطي دَنِيَّة .

وبعد الإنقاذ : وفي معركة التحرير

كنا يا ولدي برباط مجاهد نحمي ثغور ..

نعيدُ الأرض المغتصبة ..

نزحفُ نحو النصر.

كنا يا ولدي بكفاح شهيد ..

نعرفُ معنى الأرض..

ومعنى العِرْض ..

ومعنى الرفض .

كنا بدماء شهيدٍ يا ولدي ..

ندفع ثمن العِزْ.

كنا يا ولدي مثل نُجومٍ تَسْطعْ..

تُشِّعُ ضياء

كنا قِمماً يتفجَّر منها الماء.

كنا مثل بُحورٍ تزخرُ..

تُسْفِرُ عن صدفات.

كنا أنقلا من صفحةَ ماء.

كنا كصفاء سماء .

كنا يا ولدي رياضاً..

فإذا نحن يباب.

صرنا يا ولدي جوهرةً تحرسها أفعى.

صرنا كطيور الزينة..

حُبِست في أقفاص..

من أجل الفُرجة والمتعة.

صرنا مثل دُمىً نُصبت في متحف.

صرنا يا ولدي نَكراتْ.

كنا يا ولدي صِرْحاً..

فإذا نحنُ خَراب.

*******************************

وبعد سقوط (المشروع).

وبعد جريرة صمتْ.

أصبحنا يا ولدي من فرط العجز ..

نخشى حتى رؤية باب الحق .

نخرصُ يا ولدي عن قولة حق.

نخشى أن نرفُضَ أو نَحْتَّجْ .

نخاف الحبسْ : نهاب الأسر .

ومن فرط الخوف ..

صرنا يا ولدي نسكت من أجلِ فتات.

نموت أمام الموت مئات المرات.

صرنا يا ولدي لا نقرعَ صوت العقل ..

لا نعبدُ إلا رأي الفرد .

*****************************

لم يبقى يا ولدي من (المشروع)..

غير بُغاثَ الطير ..

وَرخَمْ الطير..

لم يبقى يا ولدي غير البوم .

ولهذا لا تسمعْ يا ولدي ..

فليس هنالك مشروع ..

ولا حَرَماً للمشروع.

هنالك يا ولدي مأساة (الحركة) و (التنظيم).

هُناك دراما (سنمار).

فأحرص يا ولدي أن تقرأ قصة (سنمار)

وتعيد قراءة قصة (سنمار).

ولهذا لا تركب معنا يا ولدي ..

حتى لا تدفَعَ جزية (سنمار).

حتى لا تصبح في طيبة (سنمار)

وسَذاجة (سنمار)..

كي لا تلقى يا ولدي مصيره.

ولهذا لا تأمل يا ولدي بِرِهاب ..

فَقَطْرة ماءٍ أو نُغْبَة ماءْ ..

خيرٌ يا ولدي من ألفَ سراب .




Post: #52
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-25-2008, 09:59 AM
Parent: #50

أركتابيز (الحركة الإسلامية)
بقلم: محمد أحمد عثمان
في قاموس أكسفورد تعني كلمة (أركتايب) archetype (النموذج الأول) وهي مشتقة من الأصل اليوناني (arkhe) وتعني (الأول) وtupos وتعني (النموذج). ومن هنا قصدنا بعنوان المقال: (نماذج الحركة الإسلامية) من (التحرر الإسلامي) إلى الإخوان المسلمين وجبهة الميثاق الإسلامي حتى الجبهة الإسلامية القومية فالمؤتمر الوطني. ولم تكن (الحركة الإسلامية) ولأكثر من نصف قرن بمفهومها الأيديولوجي ونموذجها الأول وما أنبثق عنه من مسميات وأفكار وشخوص ونماذج متعددة- تستهدف غير إحداث مسيرة تغيير أنماط ثقافة المجتمع بما يتسق مع قيم ومفاهيم الإسلام بالحوار والمحاججة والقبول والتوافق. وكما ينتقل البشر بمقتضيات النص المقتضب (وفي أنفسكم أفلا تُبصرون) من المهد للطفولة والشباب والكهولة والشيخوخة كذلك تنتقل الحركات الإسلامية رغم تبديل أسمائها ولافتاتها عبر الحقب والمراحل المختلفة من الشباب والفتوة إلى الكهولة والشيخوخة والعجز وربما الموت.
ولعلنا ومنذ نشأة (الحركة الإسلامية) لا نزال نذكر اسماء غيِّبها الموت وأضحت جزءاً من تاريخ الحركة وصوراً منصوبة على الجدران مثل بابكر كرار وعلي طالب الله والرشيد الطاهر بكر، فالأيام دول ولا يبقى إلا وجه ربك ذي الجلال والإكرام. ويؤكد (قانون تناقص الإنتاج) أو (الغِلَّة) LDR عند الاقتصاديين هذا المعنى في إطار الثوابت والعوامل المتغيرة. ويُشكل هذا القانون مُنحنىً طبيعياً من ثلاثة مراحل. مرحلة الزيادة المستمرة للإنتاج. ومرحلة بلوغ الهضبة أو الثبات constant، ثم مرحلة تناقص الإنتاج.
وتعكس المرحلة الأولى بأبعاد الزيادة المستمرة للإنتاج في (قانون التناقص) والمتمثلة في المرحلة الجنينية للحركة الإسلامية منذ نشأتها حتى (الإخوان المسلمين) وجبهة الميثاق الإسلامي طبيعة زخم الخطاب الإسلامي التنظيري العاطفي وأثره الفاعل في المكونات البدائية لمجتمع متراجع فكرياً وفقهياً يعاني من الجوع الديني والشغف نحو المثالية ويسعى للتطلع نحو المستقبل والتغيير والخروج عن النمطية. والخطاب الإسلامي في تلك الآونة كان يطرحه المتأنقون بالبدلة وربطة العنق واللحى الخفيفة المُنمَّقة التي تضوع منها رائحة العطور الباريسية العبقة. وليس التقليديون بالجبة والكوفية والقفطان وبخور العود والروائح الزيتية ومساويك الأراك. ولمقتضيات التطلع نحو التغيير يستجيب وبالضرورة أفراد وجماعات من النخبة والطبقة الوسطى وقاع المجتمع لدواعي نداء جاذبية الخطاب الإسلامي في الاستقطاب بمجتمع تغلي فيه قدور الأحزاب التقليدية المتمسكة بإرثها التاريخي والديني وشاراتها الصوفية التي تأبى وفق نشأتها وجذورها الاجتماعية وماضيها الخروج عن مؤسسية النص الغريزي (إنا وجدنا آباءنا على أمة. وإنا على آثارهم مقتدون). وتتمثل المرحلة الثانية (لقانون التناقص الإنتاجي) في الجبهة الإسلامية القومية ببلوغها أقصى قمة الهرم الإنتاجي عقب نجاحها في انتخابات عام 1986م التي أعقبت الانتفاضة التي أطاحت بالنظام المايوي. لتدخل (الحركة الإسلامية) مرحلة الثبات منذ خروجها على اللعبة الديمقراطية في يونيو 1989 وحتى ديسمبر 1999 عندما تَسَّمت بالمؤتمر الوطني National Congress وحذفت كلمة (إسلام) من عنوانها الحزبي. وكانت في سابق عهدها تتزين بالمصطلح الإسلامي بلافتات التحرر الإسلامي- الإخوان المسلمين- جبهة الميثاق الإسلامي- الجبهة الإسلامية القومية. وربما أوحى هذا السلوك لخصوم الحركة الإسلامية إلى القول بأنها كانت تستخدم مصطلح الإسلام وشعاره من أجل تضليل المجتمع بأهداف الوصول إلى السلطة.
وبعد أزمة ديسمبر 1999م أو (أحداث رمضان) ترك المنشقون المنهزمون إرث المؤتمر الوطني للقابضين على زمام السلطة ليضحى حزباً شبيهاً بالحزب الوطني بشمال الوادي. بينما اتخذ المطرودون من الإنقاذ لافتة المؤتمر الشعبي (People's Congress) على مُسمى حزب الشعب الباكستاني (Peoples Party) لآل بوتو. ولأن التاريخ يعيد نفسه من نقطة الإرتكاز كما يقول الفيلسوف الألماني (نيتشه) وكما تقلصت بريطانيا العظمى الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس إلى Little England فقد تقلّصت ثورة يوليو الناصرية من الحزب الواحد إلى الحزب الوطني كمنظومة هلامية من أحزاب متعددة مثل حركة كفاية والإخوان المسلمين وحزبي التجمع والوفد.. إلخ. وتحوّلت ثورة الإنقاذ الوطني بأسباب الصراع الإسلامي- الإسلامي على السلطة إلى المؤتمر الوطني ضمن متوالية متعددة من الأحزاب التقليدية والعروبية والأيديولوجية والجماعات المتمردة ومن وضعوا السلاح بأسباب قسمة الثروة والسلطة. وربما تشابهت مآلات (الحركة الإسلامية) بشمال وجنوب الوادي عقب انشقاق جماعة الإخوان المسلمين إلى فريق أحمد حسن الباقوري وزير الأوقاف المنحاز للسلطة وفريق الهضيبي المناوئ لها. وما حدث ببلادنا عقب أحداث رمضان وصفر. وكما كان الصراع السياسي في عصر الملكية المصرية بين الملك فاروق والإمام حسن البنا تجدد الصراع في مرحلة ما بعد الملكية بين عبد الناصر والهضيبي أو بصيغة أخرى بين الجيش وجماعة الإخوان المسلمين. وربما اتخذت أشكال الصراع أبعاداًَ دموية بشمال الوادي أودت برموز الجماعة وقياداتها إلا أنها كانت مجرد اقصاء وعزل بجنوب الوادي لم ترق إلى مستوى التصفيات الجسدية. وأراد عبد الناصر بمرتكزاته القومية وشخصيته العسكرية التحرر من قبضة (السلطة الدينية) كما فعل نابليون عندما أجلس البابا (بيوس السابع) خلفه وأقام مراسم التنصيب بنفسه بوضع التاج الإمبراطوري على رأسه خلافاً للعادة قائلاً (هذه ليست مجرد لوحة فلندخلها ولنمشي فيها) وبالفعل دخل نابليون التاريخ ومشى فوق ظهر البابا. وعقب استعار الخلاف بين الإسلاميين بعد أحداث رمضان وصفر، طالب الرئيس عمر البشير بحزم لجان رأب الصدع المتعددة من الداخل والخارج وحسماً للنزاع حول ثنائية قيادة الدولة بأن يقوم الترابي بتقديم البيعة له على غرار ما فعله الترابي في مرحلة سابقة بعصر السدانة المايوي عندما بايع الرئيس الأسبق جعفر نميري على إقامة الدين وتطبيق الشريعة حتى تستقيم الأمور وتستقر.
وبعد أن تجذرت (الحركة الإسلامية) بين قطبي رحى المؤتمرين (الوطني) و(الشعبي) بأسباب احتدام الصراع حول قضايا الشورى والحرية واحترام المواثيق والعقود وفق أطروحات (المؤتمر الشعبي) اتهم الرافضون بالمؤتمر الوطني لقبضة (الفرد المطلق) والرجل الخارق (السيوبرمان) حسن الترابي بذات الاتهامات التي رماهم بها بالإضافة إلى فوضى الخروج على المؤسسية التي بأسبابها تم الفتك بالحركة الإسلامية وحل التنظيم في السابق حتى لا يتداخل العمل الحزبي ويتنازع مع دولاب أعمال الدولة بوعائها الإداري وسلطتها التنفيذية المتمثلة في الحكومة. ولعله ومنذ ذلك التاريخ لا يزال الصراع محتدماً ومستمراً بين المؤتمرين (الوطني) و(الشعبي) ويسعى كل منهما لتفكيك الآخر. وتعكس بانوراما الصراع على مسرح الأحداث صيغة السيف الخشبي لدنكشوت المؤتمر الشعبي الذي يصارع طواحين الهواء بثقافة الشمولية والرجل الخارق وجماعة الحرس القديم النفعية المتأصلة داخل الحزب بينما تعكس شيزوفرينيا الخطاب الخارجي للشعبي الدعوة إلى الحرية والديمقراطية والشورى. وليس للشورى وبالضرورة معنى سوى تأصيل الهيمنة الجماعية وتفكيك نصوص سلطة الفرد المطلقة والذي يتناقض بالطبع مع النزعة الفردية لحسن الترابي. وعندما نطالع ثقافة المؤتمر الشعبي الموجهة نجدها تتشابه مع ثقافة الطريقة السمانية حيث تقول كتبهم ومدوناتهم أن إسحاق (ع) هو الذبيح بينما يقدم أئمتهم في خطبة عيد الأضحى إسماعيل (ع) بأنه هو الذبيح الذي تم تّّلهُ للجبين.
ولعلنا وعند الوقوف على دِمنْ وأطلال (الحركة الإسلامية) بمراحلها المختلفة منذ نشأتها وصعودها نحو القمة وحتى سقوطها عند سفح الجبل بأسباب خوائها الروحي وتفككها الجماعي وجنوحها عن الشورى وخروجها على المؤسسية نجدنا نردد مثل لبيد بن ربيعة حسرات الأطلال المتمثلة (دمنٌ تقطع ما يبينُ كلامها). ولم تسقط الحركة الإسلامية إلى هذه الهوة السحيقة إلا بأسباب ونقائص الشمولية البربرية التي أودت بمكونات الشخصية الاعتبارية للمنضوين تحت لوائها بعد هيمنة نظرية التلقي Reception theory في ظل إرادة سلطة (الفرد المطلق) الذي يملك ناصية (العقل المطلق). وهذه أوهام سقط فيها أبو العلاء المعري من قبل عندما قام بتمجيد العقل ومنحه صفة الإمامة المطلقة: (يرتجي الناس أن يقوم إمامٌ/ ناطقٌ في الكتيبة الخرساءُ) (كذب الظنُ لا إمام سوى العقل/ مشيراً في صبحه والمساء) وبمفهوم ميتافيزيقا الحضور Logocentrism ظن أبو العلاء بعقله أنه سوف يعيد صياغة تفسير الكون بغيبة وشهوده وأنه سوف يتربع على قمة التجديد في عصره وسوف يبز كل من سبقوه: (وإني وإن كنت الأخير زمانه/ لآتٍ بما لم تستطعه الأوائل). ورغم فصاحة أبي العلاء وخياله الخصب وأسلوبه وعباراته وبلاغته في (رسائله) التي قلما يجود الزمان بمثلها وبالأخص رسالة الغفران التي اقتبسها دانتي لاحقاً في (الكوميديا الإلهية) ورغم إبداعه الذي تتقاصر له هامات المبدعين بعبقريته في (الفصول والغايات- وسقط الزند واللزوميات) أدرك بالفعل هوس إمامة العقل وأباطيله وحدوده القاصرة: (في كل جيلٍ أباطيلٌ ملفقةٌ/ فهل تَفرَّد يوماً بالهدى جيلُ). وتلكم هي فكرة التدافع العقلي بين الأجيال في تفسير الأشياء وتأويلها.
ولهذا آثر الإنزواء والإنطواء بعد سقوط نظرية (التفَّرد العقلي) والخرافة المقصودة intentional fallacy في سجونه الثلاث: (أراني في الثلاثة من سجوني/ فلا تسأل عن الخبر النبيث) (بفقدي ناظري ولزوم بيتي/ وكون النفس في الجسم الخبيث) وبعد وعظه لنفسه (وإياك وسّدٌ لا ضياء فيه). وبثقافة العابد المتبتل في كتابه (الفصول والغايات) ص279، وفي أتن ظلامية العزلة بأبعادها الثلاث وبمرتكزات (أغد على ذكر الله وأمس إليه فنعم الصاحب والضجيع) (وإذا كانت اللحى الشيب لا تكف عن قبيح، فكن ثدا ما حييت) (وصِدْ أفعال الخير فإن صادتها ليسوا بكثير. ومت وإناؤك من الصدقة ضديد). قرر أبو العلا الخروج على البنيوية والتي تعني فيما تعني التضحية بالنص من أجل النموذج. وعلى عكس أبي العلاء إتخذ (الشيخ) بنيويه إمامة العقل لإقامة نموذج (المشروع الإسلامي). وبعد حل التنظيم ومسخه من (جماعة) إلى (فرد) بأسباب تضحية (الشيخ) بنص (الشورى) من أجل نموذج (المشروع) المتوَّهم إنفرط العقد وسقطت المؤسسية بعد أن فتح (الشيخ) الباب على مصراعيه بفلسفة صراع الأجيال وفق نظرية أبي العلاء: (فهل تفرَّد يوماً بالهدى جيلُ). وكما حق (للشيخ) تفريغ النصوص من سلطاتها والتضحية بقدسية الثوابت الكبرى مثل الشورى حق للآخرين الخروج على لا قدسية سلطان (الفرد) المطلق- لا يهم إن كان الخروج بمذكرة عشرة أو إنقلاب أو ثورة. فالعملية تنم بمجملها عن خروج اللاعبين على قانون اللعبة. وفي غياب رقابه وحاكمية الحركة الإسلامية والتنظيم وأمر الشورى (فالملك) كما يقول مروان ابن الحكم (بعد أبي ليلى.. لمن غلبا). أما أبو ليلى فكان معاوية الثاني بن يزيد الذي مات قبل أن يتولى الخلافة. ولكن أبا ليلى في ثقافة (الحركة الإسلامية) فهو التنظيم والشورى. ولا يعني غياب الشورى سوى الإقصاء الجماعي والإخصاء والشمولية وعند ذلك ليس مهماً من يمتطي ظهر الناقة أهو من الدناقلة أم الجعليين أم البني عامر أم البرقو كما تقول الشاعرة الروسية آنا أخماتوفا: (عندما أرى رجال بيريا) («ومعهم بواب العمارة» «يطرقون بابي» «لا يهم بعد ذلك/ جَمال نهر اليانسو» «ولا يهم شروق الشمس وغروبها/ على صفحته» «ولا يهم في سيبيريا/ بياض القطب الشمالي).
رئيس جهاز المخابرات الروسي KGB في عهد جوزيف ستالين.

الصحافة
25/2/2008

Post: #53
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-26-2008, 06:49 AM
Parent: #52


نشر هذا الموضوع في جريدة الصحافة على حلقتين يوم 21 و 22 اغسطس 2004.

( خطابات الإسلاميين
الطيب مصطفى والحجج الأوهى من خيوط العنكبوت


الخاتم عدلان

تراجع الإنقاذ، وسيرها في طريق النهاية، يعكس ويشابه الخصائص العامة لبرنامجها الأصلي. وقد كان لبرنامج الإنقاذ، المسمى بالمشروع الحضاري، في سخرية جارحة من المشاريع والحضارات، ثلاث دوائر أساسية: دائرة محلية تتمثل في إخضاع السودان وأهله لقبضتها المحكمة، عن طريق النهب الإقتصادي الذي لا يعرف القواعد أو الحدود، وعن طريق القمع الدموي الذي لا يتوقف عند أية قيمة أخلاقية، أو إنسانية؛ ثم دائرة إقليمية تتمثل في بسط سلطة الجماعات الإسلامية المتطرفة،في كل الدول الإسلامية، بدء بالعربية منها، وفي كل الدول الإفريقية، بدء بالجيران، كما أوضح الدكتور غازي صلاح الدين لوزراء خارجية الإيغاد عام 1994. أما الدائرة الثالثة فهي العالمية، حيث يغزو المشروع الحضاري كل العالم، عن طريق الإرهاب، وتصدير الثورة، وتدشين الألفية، أم أنها المليونية؟، السعيدة لامبراطورية أرضية يحكمها أشياخ فوضتهم العناية الإلهية.
ولم تدخر الإنقاذ وسعا في تدشين حروبها على كل هذه المستويات، وفي نفس الوقت. وإذا تأملنا هذا المشروع بمنطق العقل، لقلنا أن القائمين عليه مجموعة فقدت رشدها، ولكننا إذا قلنا ذلك، وقد قلناه، فإن الرد علينا، من قبلهم، سهل وميسور، وهو أننا لا نفهم في الرياضيات السياسية العليا والدقيقة، التي تجعل فئة قليلة، في بلد فقير، وبإمكانيات قريبة من الصفر نسبيا، تتمكن من هزيمة قوى الإستكبار في كل العالم، بمحض الإرادة والتصميم. وإذا كنا نسخر، وقد سخرنا، من شعارات أن أميركا قد دنا عذابها، فما ذلك إلا لأن بصائرنا، فيما ظنوا وتوهموا، رانت عليها غشاوة تمنعها من رؤية القوى الهائلة، الكوكبية، المتأهبة لنصرة المشروع الحضاري.
على المستوى المحلي، إنتصر المشروع الحضاري، وما كان له أن ينتصر، بالمكر الثعلبي الذي يحمل بعض اصحابه إلى الأسر ويحمل الآخرين إلى القصر، وبالغفلة المفضية بأهلها إلى الإنتحار السياسي، من قبل حكام تلك الفترة، ومعارضيهم على السواء. وانتصر بإخلاء الساحة الإقتصادية من الرأسمالية العريقة، ومصادرة الثروات العامة والخاصة إنتصارا لمفهوم دولة الغنائم والجبايات، دولة الطفيلية المصاصة للدماء، والتي وصل عنفها ضد من جمعوا أموالهم وفق قواعد النشاط التجاري المحترمة، والمعترف بها، إلى درجة القتل والتصفية الجسدية، لحيازتهم قدرا قليلا من الدولارات. كما أخلت الساحة الفكرية والثقافية، من خيرة ممثليها، بكل ألوان طيفهم، لتفسح المجال، لصوت واحد مشروخ، يدعي احتكار الحقيقة ومعرفة الأسرار، ويعتقد أن الخطاب الإنساني إن لم يعتمد لغة العنف والإقصاء، والحرب والدمار، لا يكون جديرا باسم الخطاب..
إنتصرت الإنقاذ على المستوى المحلي، ولكنها هزمت هزيمة فادحة على المستوى الإقليمي نتيجة لأعمالها الإرهابية التي توجتها بمحاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك عام 1995، كما هزمت هزيمة لا تقل فداحة على المستوى العالمي، نتيجة لأعمالها الإرهابية التي تمثلت في محاولة تفجير مبنى التجارة الدولي عام 1993، ومحاولة تفجير مبنى الأمم المتحدة في نفس العام، وأنتهت المهزلة بأحداث 11 سبتمبر 2001، عندما ووجهت السلطة العابثة بنتائج أعمالها، وبإيوائها لأسامة بن لادن وحركته الإرهابية، فخضعت خضوعا منكرا، وسجدت سجودا لا يصاحبه السهو، لقوى الإستكبار التي كان قد دنا عذابها، ولكن بالمعنى الصحيح للشعار، أي العذاب الذي توقعه هي على الإنقاذ وليس العكس.
وإذا كانت الهزيمتان على المستويين الإقليمي والدولي كاملتين ، فإن الأنقاذ بتوقيعها على أتفاقيات نيفاشا لإقتسام السلطة والثروة، وتقرير المصير، وإعطاء وضعية مميزة للمناطق المهمشة الثلاث، قد منيت بنصف هزيمة. وإذا أعطينا نسبا لهذه الدوائر الثلاث، من حيث أثرها على سقوط الإنقاذ كنظام: ولنقل 10% للدائرة العالمية، و15% للدائرة الإقليمية، و75% للدائرة الوطنية المحلية، فإن المشروع الكلي للإنقاذ يكون قد خسر بالنقاط. ومع أن هذه النسب اعتباطية إلا أن أي تعديل لها سيؤدي إلى نفس النتيجة. ولكن ذاكرة الإنقاذيين القصيرة، وهوائية شعاراتهم، تسعفهم هنا أيضا، إذ أن خطاباتهم الحالية توحي بأنهم ربما نسوا كليا، الأبعاد الأصلية لمشروعهم. فليس منهم من يتحدث الآن عن بناء الإمبراطورية الأصولية الشاملة، وحتى عندما تحرك أخيلة الأندلس ألسنة بعضهم، حلما وتمنيا وسلوى، فإنهم سرعان ما يسحبون تصريحاتهم. صار هم الإنقاذيين، بكل مجموعاتهم، هو هم الضبعة التي انفردت بالطريدة، ولا تريد أن يشاركها أحد في التهامها. ومع أن الهم مشترك بينهم جميعا، فإنهم يدافعون عنه بطرق وأساليب غاية في التباين. فمنهم من يقبل إتفاقات نيفاشا، مع محاولة جعلها التنازل الأخير الذي تقدمه الإنقاذ، ومنهم من يريد أن يقدم تنازلات أخرى طفيفة، لتوحيد الشمال ضد الجنوب والمهمشين، أقاليم وفئات، ومنهم من يمنى النفس بالبقاء عن طريق صفقة مع الحركة الشعبية تزور فيها الإنتخابات ويقهر فيها الخصوم، ومنهم من يتبنى موقفا أكثر جذرية فينادي بفصل الجنوب نفسه، باعتباره مصدر الهزيمة الداخلية للإنقاذ.
سأتناول هنا مواقف الداعين إلى انفصال الجنوب وعلى راسهم الناطق باسمهم السيد الطيب مصطفى، الذي كان وما يزال، أحد المشرفين على إعلام الإنقاذ وخطابها، والذي يستمد أهميته من موقعه ذاك، ومن علاقاته المباشرة بقمة السلطة. وأول ما لفت إنتباهي في طروحات السيد الطيب مصطفى، هو أنه بينما كان مع أخوته، يستخدم خطابا دينيا في ضرورة تعريب الجنوب وأسلمته، وإخضاعه عسكريا وسياسيا، وكسب أرضه "للإسلام" ، ويتبنى لغة دينية في وصف مآلات موتاه من الإسلاميين، الذين يسميهم الشهداء، فإنه يستخدم لغة علمانية صرفة في الدعوة إلى فصل الجنوب! وقد جاء "المنفستو" الذي نشره في يناير الماضي، داعيا فيه إلى فصل الجنوب، خاليا كليا من الإعتبارات الدينية. وليس ثمة إيحاء هنا، بأن السيد الطيب مصطفى قد تخلى عن خطابه الديني الأصولي، إذ سرعان ما يعود إليه عندما يصطدم بمعارضين لمشروعه، ولكن الإشارة تتعلق بإخضاعه الخطاب الديني للآخر العلماني، إذا أقتضت أغراضه الآنية ذلك، مثبتا أن " فقه الضرورة" لا تحده الحدود ولا تقف أمامه الحواجز بما في ذلك الدينية منها.
ويمكن تلخيص حجج الطيب مصطفى، ودون التورط معه في مكرور القول، في حجج قليلة هي التالية:
* نحن نحتاج إلى نهج جديد في التعامل مع قضية الجنوب، يجعلنا " نتجاوز العصبيات الصغيرة سواء كانت فكرية أو جهوية في سبيل الخروج من نفق الأزمة إلى بر الأمان."
* الجنوب هو السبب في تخلف الشمال، وذلك للخسائر البشرية والإقتصادية والإجتماعية والسياسية التي نجمت عن حرب نصف القرن. ولولا حرب الجنوب لكان الشمال حاليا في وضع متفرد، على الأقل إفريقيا، من حيث نموه وتقدمه، لان كل الأموال والمقدرات التي اهدرت في الحرب كان يمكن أن تنصرف إلى التنمية.
* ليست هناك أية مقومات للوحدة بيننا وبين الجنوبيين وذلك لاختلاف " العرق والدين واللغة والعادات والتقاليد والوجدان والمشاعر المشتركة". وربما لوعي الجنوبيين أنفسهم بهذه الإختلافات فإنهم يسعون عمليا إلى الإنفصال رغم كل ما يردده زعماؤهم، من باب المكر والتكتيك، عن إيمانهم بوحدة البلاد. ويشهد على ذلك لقاء الأخ عبد العزيز الحلو بولاية أريزونا مع فرع الحركة الشعبية هناك، والذي دعت فيه مقاتلة من الجيش الشعبي، إلى طردالعرب من الجنوب. وقال فيه عبد العزيز الحلو، أن المحال التجارية والبارات لم يعد يملكها الجلابة او الإغريق بل يملكها تجار من المنطقة.
* بناء على تلك الحيثيات يدعو الطيب مصطفى إلى فصل الشمال عن الجنوب، وينادي بالإسراع في ذلك، لأن من الحكمة بتر العضو المصاب بالسرطان من الجسم، بدلا من تركه يعدي كل الجسم، ويؤدي إلى الفتك به في نهاية المطاف. وعلينا أن نتحلى هنا بحزم الجراحين، فلا نتردد في بتر الجزء المريض، حتى إذا كان بتره يؤدي بالضرورة إلى بتر أجزاء أخرى، وذلك عملا بنفس مبدأ التضحية بالجزء في سبيل الكل. أي أن احتمالات إنفصال جبال النوبة، على سبيل المثال، والمصير المجهول للمسلمين في الجنوب، يجب ألا يثنينا عن منهجنا في الجراحة القاسية. بل علينا أن نسرع بالإنفصال: " إنقاذا لمستقبل أجيالنا الجديدة وتكفيرا عن جريمة كبرى ارتكبناها في حق وطننا وأهلينا."
وسأحاول في هذا المقال أن أتعرض لحجج السيد الطيب مصطفى وتوضيح أنها بما تظهره وتبطنه، تعبر عن الإنهيار الذاتي للمشروع الحضاري، في دائرته الثالثة، والأخيرة، وهو عرض لا تخطئه العين، للهزيمة الكلية التي تنتظره.
يقول السيد الطيب مصطفى أننا في حاجة إلى نهج جديد، في التعامل مع الجنوب، وتصل به الصراحة إلى القول بأن علينا أن" نتجاوز العصبيات الصغيرة سواء كانت فكرية أو جهوية في سبيل الخروج من نفق الأزمة إلى بر الأمان." وعندما يتحدث السيد الطيب مصطفى عن "عصبيات فكرية" فإنه يقصد أولا وأساسا، الفكر الذي قاد إلى إشعال الحرب في الجنوب بغرض اسلمته وتعريبه. وهو جوهر منهج المشروع الحضاري نحو الجنوب. وحينما يدعو إلى ذلك فإنما يدعو بصريح العبارة، ودون لف أو دوران، للتنازل عما ظلت الإنقاذ تصرخ من جميع أبواقها، وبأفواه كل دعاتها، بأنه واجب ديني لا يمكن التنازل عنه حتى إذا اجتمع على رفضه الثقلان. وعبأت الإنقاذ كل موارد البلاد، وجيشت الآلاف المؤلفة من زهرة شباب السودان، شمالا وغربا وجنوبا وشرقا ووسطا، لتحقيق ما أسمته واجبا دينيا مقدسا. بل أدرجت في حربها تلك من أجل نشر"الإسلام"، ليس الملائكة وحدهم، بل القرود والأشجار. ولم يبخل السيد الطيب مصطفى على هذه الحرب،بوسائل إعلامه وساحات فدائه، بل لم يبخل عليها حتى بفلذات كبده الأربعة، والذين توفي منهم أحبهم إليه. مما يوضح مدى إيمانه بتلك الفكرة، ومدى استعداده للتضحية من أجلها، كما يوضح في نفس الوقت، والحق أحق أن يقال، درجة من الإتساق الفكري، وتلازم القول والعمل، لم تتوفر للكثيرين من أخوته. مشكلة الطيب هي أن الموقف الفكري، المتمثل في التفسير الأصولي، الحرفي، للإسلام، والذي أعطاه كل شيء، وجاد له بأعز ما يملك، كان فكرا خاطئا، وعدوانيا، مجانبا لمقتضيات الرشد، ومتنكبا لطريق الوطنية ومصلحة الوطن. إن أي مشروع يعبيئ شباب أمة ما، ليس من أجل التنمية والخير والنماء، والإحتفال بالحياة والإقبال عليها، وإنما لقتل أخوة آخرين في الوطن، أو حملهم قسرا على الإيمان بأفكار يراها ولا يرونها، وتمجيد الموت والفناء، في غير معترك، لا يمكن أن يكون فكرا رشيدا. ولن تكون نتيجته سوى هذه المرارة الطاغية والمسمومة التي يعبر عنها السيد الطيب مصطفى في كل حرف يكتبه. ولا يرجى من الثاكلين والثاكلات إتزانا، إلا بعد لأي وحزم كبير وصبر جميل.
نحن فعلا في حاجة إلى منهج جديد نحو الجنوب، ومنهج جديد نحو الوطن، ومنهج جديد نحو السياسة. وإذا كان السيد الطيب مصطفى قد طوح من قبل، إلى جانب الإخضاع والقهر وفرض الصغار (بفتح الصاد) على الآخرين، فإنه بدعوته لانفصال الجنوب، وعدم مبالاته بانفصال أجزاء أخرى، إنما يطوح، في رد فعل نفسي قاهر، إلى الجهة المعاكسة تماما، ويدعو إلى تقليص الوطن، ليناسب قدرته هو ، وقدرة الإنقاذ على التحكم والسيطرة.
هذا المنهج الجديد، الذي تحتاجه بلادنا، أرسيت قواعده في نيفاشا، حيث طرحت القضايا الحقيقية التي تهم الشعب، وهي الديمقراطية، وإقتسام السلطة، والثروة، وإعطاء الناس حقهم في تقرير مصيرهم، واتخاذ القرارات المحددة لحيواتهم، بواسطتهم هم أنفسهم، وعلى أدنى المستويات إليهم. ورؤية نيفاشا ليست رؤية إنقاذية، إنها رؤية معاكسة لتوجهات الإنقاذ ومفروضة عليها، ليس من قبل المجتمع الدولي وحده، وإنما بواقع البسالة الاسطورية التي حاربت بها الحركة الشعبية، محاولات قهر شعبها وإذلاله وإبادته، على يدي دعاة المشروع الحضاري. وربما تحاول الإنقاذ حاليا، ومن خلال خلق منافذ جانبية، تنكرها عندما تشتد الضغوط، مثل دعوة الإنفصال، إلى تجريب بعض الحيل التي ربما تعينها على التنصل عن بعض ما التزمت به ولكن هيهات.
ولا يتورع الأستاذ الطيب مصطفى عن قلب الحقائق بصورة كلية، عندما يقول أن الجنوب هو سبب تأخر الشمال، لأن المقدرات البشرية والإقتصادية التي ضاعت هدرا في الحرب ضد الجنوب، كان يمكن أن تسخر لتنمية الشمال. صحيح بالطبع أن ضياع المقدرات والموارد كان يمكن، مع تغييرات أخرى جوهرية، أن تؤدي إلى تنمية الشمال والجنوب كليهما، إذا لم تقم تلك الحرب اللعينة. ولكن هل سعى الجنوب إلى إشعال تلك الحرب؟ هل استجدى الجنوب الإنقاذيين ليمطروه بالقنابل، ويرسلوا إليه الدبابين، والمهووسين والمأجورين لحرق الأخضر واليابس وقتل الأعزل والبريئ؟ هل كان الجنوب يستصرخ الرساليين ليهدوه إلى جادة الحق والصواب؟
لا تتحججوا بتمرد أغسطس 1955، فتلك حادثة إجرامية ومؤسفة، جرت فيها التحقيقات وحوكم فيها البعض، ولقوا جزاءهم. وكان يمكن لحكومة مسئولة أن تتخذها عبرة تستقي منها الدروس، وتحاول رفع الحيف التاريخي الذي ألم بشعب الجنوب، وبناء جسور الثقة بين الإخوة في الوطن، ورتق النسيج الوطني بما يؤلف الناس ويوحد أهدافهم. وما يزال السودان في انتظار مثل أولئك الحكام، وربما تكون نيفاشا قد وضعت أقدامه بصورة نتمنى لها الرسوخ، على هذا الطريق.
شعار أن حرب الجنوب هي السبب في تخلف الشمال، كلمة حق أريد بها باطل، كما قال على بن أبي طالب. وباطلها هو أن الحرب دمرت الجنوب واضرت به وآذته بأكثر من عشرات المرات مما فعلت ذلك بالشمال، وباطلها أن بعض المهووسين أرادوا عن طريقها فرض رؤاهم القاصرة على كل الوطن، وتشكيله على صور ذهنية كونوها في مرحلة المراهقة الفكرية والعمرية، ولا يريدون التنازل عنها، للمكاسب الدنيوية البحتة التي عادت عليهم عن طريقها، وباطلها أنها يمكن أن تتجاهل موت أكثر من مليونين من أهل الجنوب، شيوخا ونساء وأطفالا، لتتحدث عن ظلم الجنوب للشمال.
يقول الطيب مصطفى أنه لا توجد مقومات لتوحيد الجنوب والشمال، لاختلافات العرق والدين واللغة والعادات والتقاليد والوجدان والمشاعر المشتركة. وهب أن عبارته هذه صحيجة بصورة كاملة، وهي ليست كذلك كما سنوضح، فهل يمنع هذا من عيشنا معا؟ لا أعتقد ذلك، لأن قيام الحقوق على أساس المواطنة، والديمقراطية، وضمان المساواة، والعدالة، وتكافؤ الفرص، وحكم القانون والمساواة أمامه و في حماه،،و توفر الخدمات، وحماية الكرامة الإنسانية، ومحاربة التمييز والعنصرية والإستعلاء العرقي والديني، كفيلة باقناع الناس المختلفين بالعيش في كينونة جامعة لأن مصالحهم تقتضي ذلك، وليست مصالحهم سوى حقوقهم نفسها.
ولكن ، ولحسن الحظ، فإن عبارة السيد الطيب مصطفى ليست صحيحة. وهو نفسه يشهد بذلك. فقد قال هنا أن هناك اختلاف في الأعراق، ووضعه كعائق أمام الوحدة. ولكنه يقول في مقاله ذاته أن الزنوجة تجري في دمه ودماء أبنائه. وهذا قول عظيم، يوضح أن الطيب مصطفى قادر إذا أراد، أن ينطق بالحق وينشره بين الناس. فالزنوجة تجري في دمائنا جميعا، أنكرنا ذلك أم أقررناه. الزنوجة تجري في دمائنا جميعا، بصورة لا نستطيع أن نخفيها عن الناس، حتى ولو توهمنا أننا يمكن أن نخفيها عن أنفسنا. وقد صحا السودانيون صحوا مزلزلا على تلك الحقيقة في أقطار الشتات، عندما رفض العالم تمييزهم على أساس الشمال والجنوب، أو الغرب والشرق، ورأى فيهم شعبا واحدا، بينه تمايزات طفيفة في الألوان والقسمات، تكاد لا تراها العين الأجنبية، ولا تخرج عما ألفه هؤلاء الأجانب من أختلافات من هذا النوع بين شعوبهم نفسها. رفض العالم المتخلف حضاريا ان يميز بينهم معتبرا إياهم متساوين كليا في العبودية، ورفض العالم المتحضر أن يقبل أن سواد بعضهم مختلف عن سواد الآخرين، وتصرف أفضل ممثليه على أساس أن اللون لا يمكن أن يستخدم لسلب الكرامة الإنسانية، أو الإنتقاص من الحقوق.
وحدة الأعراق، إذن، وليس اختلافها، هي الواقع الحقيقي للاغلبية الساحقة من أهل السودان. وقد آن الأوان للاعتراف بهذه الحقيقة التي هربنا منها كثيرا، وطاردتنا مطاردة النعمان للنابغة:
وإنك كالليل الذي هو مدركي وإن خلت أن المنتأى عنك واسع
وقد طالبت زعماءنا السياسيين، الذين " فلقونا" بأنسابهم الشريفة، أن يثوبوا إلى الحق، ويخرجوا لنا أشجار أنسابهم الإفريقية، ففي ذلك رتق لجروح غائرة حفروها في الجسد السوداني بالغرور والإستعلاء والأكاذيب.
ولان السيد الطيب مصطفى لا يستطيع أن يأكل تمره ويحتفظ به، في نفس الوقت، فإنه لا يمكن أن يقول أن الزنوجة تجري في دمه ودماء أبنائه ويتحدث في نفس الوقت عن اختلاف الأعراق. أما اختلاف الدين، فتلك حجة لا تصمد أمام الفحص الدقيق. ودعوني أشير هنا إلى نقطة ذكرتها في بداية هذا المقال، حول علوية نوع معين من الخطاب العلماني، سأبين أنه ليس صحيحا، على أي خطاب آخر في دعوة السيد الطيب مصطفى للإنفصال. فبحسب المشروع الحضاري فإن اختلاف الدين ، يدعو إلى الجهاد، وإلى توحيد الدين، ليكون كله لله، عن طريق السيف وغير السيف. ولكنه هنا، وفي مفارقة أخرى لذلك المشروع، الذي بانت شروخه الداخلية العميقة، يقول أن اختلاف الدين مدعاة للإنفصال.
اختلاف الدين ليس مدعاة للإنفصال، لأن قيام الحقوق على أساس المواطنة يعني مساواة الناس في المجالات التي ذكرتها، وفي غيرها مما لم أذكر، بصرف النظر عن أديانهم. وإذا نظرنا إلى خارطة العالم اليوم، وطبقنا قاعدة أن أختلاف الدين يبرر تفكيك الأوطان، لما أبقينا إلا على أربع أو خمس نظم، في كل العالم، يمكن أن تستوفي شرط وحدة الدين. وقد تخطت البشرية، ومنظماتها، ومشاريعها لحقوق الإنسان، ذلك الوعي البدائي الذي يجعل وحدة الدين شرطا لوحدة الأوطان. ووصلت البشرية إلى ذلك من خلال ويلات وحروبات وخسائر لا يحصيها العد. وهذه في الحقيقة هي حجة العلمانية القاهرة في التمييز بين السياسي والديني، لمصلحتهما كليهما، ولمصلحة الإنسانية كلها، وشرط بقائها على هذا الكوكب. والعلمانية لا مهرب منها ولا مفر، لأنها حركة مجتمعات من أجل التحكم في مصائرها، بعيدا عن الأوصياء الأرضيين والسماويين، ولن ترد الإنسانية عن ذلك مواقف بعض الناطقين عن الهوى، والمتشبثين بأهداب الماضي البعيد.
ومع ذلك فإن القول بأن هناك اختلافات دينية مطلقة بين الشمال والجنوب، لا يسنده الواقع. ومن المفارقات العجيبة، ألا ينتبه السيد مصطفى إلى حجم المسلمين الجنوبيين، ولا يتعامل معهم إلا كلاجئين، في جمهورية الشمال التي تريد ضبعة الإنقاذ أن تنفرد بها كليا.
وربما يكون موقفه ذاك ناتجا عن يأس شديد، من واقع تجربة الإنقاذ في نشر الإسلام في جنوب السودان. وإذا أخذنا ما أورده المؤرخ دوغلاس جونسون، في كتابه عن الأسباب العميقة لحروب السودان الأهلية، فإن الإنقاذيين كانوا مبشرين ممتازين بالمسيحية في الجنوب، لأن عدد الذين اعتنقوا المسيحية في الجنوب خلال عقد واحد من حكمهم، يفوق عدد الذين اعتنقوا ذلك الدين في كل الحقبة الإستعمارية بكل مؤسساتها الكنسية المتعددة، والكبيرة الإمكانيات، والطويلة المكث.
وفي تطور معاكس، وبالغ الدلالة على خطل توجهات الإنقاذ، وعلى المستوى الثقافي ككل، فإن الحركة الشعبية لتحرير السودان، قد ساهمت مساهمة ضخمة في نشر اللغة العربية، باعتمادها لغة رسمية للخطاب بين جنودها ومؤسساتها، وهي المتهمة بمعاداة الإسلام واللغة العربية. وقد أبان الدكتور منصور خالد، في أكثر من واحد من مؤلفاته القيمة، كيف تصرفت الحركة الشعبية في هذه القضية، بأفق واسع، وروح وطنية عميقة، على عكس متهميها الذين لا يجيدون إلا التضليل. وما تهجمات الطيب مصطفى، على منصور خالد، بما تنطوي عليه من العنف اللفظي، والتصغير، والتي هي عينة معبرة عن خطاب الإسلاميين الأصوليين الذين يضلون طريقهم دائما إلى المجادلة الحسنة، ما تلك التهجمات سوى ضيق بمثل هذه الحقائق الجارحة التي يعبر عنها الدكتور منصور خالد.
بعبارة أخرى فإن إيراد اختلاف اللغة كداع من دواعي الإنفصال، يعبر هو الآخر عن تجاهل مسبق، من أدعياء الحدب على العربية، لعملية تحدث أمام أعيننا تتمدد فيها اللغة العربية، لتصبح بالفعل لغة التخاطب المشترك في كل أنحاء هذه الوطن. أما العادات والتقاليد، فبصرف النظر عن تشابهها الصاعق للعين البصيرة، فإنه ليس سببا للإنفصال، بل هو مصدر للغنى ودعوة للتفاعل، ومستودع للنهوض الثقافي المتعدد الوجوه. وإذا تحدثنا عن المشاعر المشتركة فإنها تنشأ من خلال التجارب والمشاريع الوطنية التي يمكن أن يجمع أهل البلاد على إعطائها تفسيرا واحدا وإيجابيا: مثل التنمية، وإنتشار المدارس، والمستشفيات، وامتداد الطرق، وزيادة الدخول، وتوفر العمل، ونظافة الإنتخابات وعدالتها، وتولي الناس من جميع الأقاليم للوظائف الوطنية الكبرى لاعتبارات الكفاءة وحدها، وعلوية القانون على تمايزات الأفراد، كما توحد المشاعر كذلك بالنهضة العلمية، والثقافية، والأدبية، وتفجير ينابيع الفرح الشعبي والترفيه، وتسوية ميادين المنافسة الشريفة في كل أنواع الرياضيات، وفتح المجال أمام ظهور رموز وطنية موحدة، رول موديلز، في كل مجالات الحياة، ومن كل قوميات السودان. وليس غريبا أن تكون مثل هذه الرؤية غريبة كليا على أهل الإنقاذ، لأن ضخامة أنواتهم لا تسمح لخيالهم بالإنطلاق. ولأنهم كونوا مفاهيمهم الأولى عندما كانوا مسجونين في قفص الندرة الحديدي، الذي يولد الشراهة المفترسة والمتوحشة، وما يصاحبها من عواطف الكراهية والرغبة في الإقصاء .
الأسباب التي يوردها السيد الطيب مصطفى تحت باب الإختلافات، والتي يسوقها كدواع للإنفصال، أوهى في الحقيقة من خيوط العنكبوت، وهذا ما يحمله على مطاردة الهنات والأخطاء، ليثبت أن الحركة الشعبية، وليس هو ومنبره، هي التي تدعو إلى الإنفصال. ومن هنا أورد ما ذكرته تلك المقاتلة المجهولة في الجيش الشعبي، حول طرد العرب من الجنوب وبعض مناطق الشمال. وليس من شك أن عبارة تلك "المقاتلة"، هي عبارة خاطئة كليا، ولكنها لا تعبر في حقيقة الأمر عن الرأي الرسمي للحركة الشعبية لتحرير السودان، كما يعرف ذلك الطيب مصطفى دون ريب.
موقف الحركة الشعبية تعبر عنه بروتوكولات نيفاشا، وبروتوكول مشاكوس الإطاري، وهي بروتوكولات تغلب الخيار الوحدوي، وتضعه فوق كل الخيارات الأخرى، ولكنها تشير في نفس الوقت إلى ضرورة جعل الوحدة خيارا جذابا لأهل الجنوب ولكل أهل الأقاليم والمناطق والفئات المهمشة. وأضيف من جانبي إلى ضرورة جعل الوحدة جذابة لأهل الشمال أنفسهم، وتوضيح أن مصلحتهم تتمثل في إعادة صياغة المعادلات السياسية والثقافية التي قام عليها السودان المعاصر، بما فيها من اختلالات عميقة، جعلت فئة قليلة من الطفيليين العتاة، المنقادين لشهواتهم الضخمة وشهيتهم غير المحدودة للتملك والملذات، تستأثر بثروات البلاد وتدفع الملايين في الشمال إلى العيش تحت سقف الفقر والإملاق. ولا تكون الوحدة جذابة إلى على أنقاض الإنقاذ وإلحاق هزيمة كاملة بها عن طريق صناديق الإقتراع، وعن طريق تمسك المهمشين بقضاياهم والدفاع عنها بكل مرتخص وغال.
ولم ترد عبارة جعل الوحدة خيارا جذابا، إلا لأن أهل الجنوب لن يقبلوا الوحدة، بأية حال، إذا استمر النهج القديم، نهج الإنقاذ، كصيغة وحيدة للتعامل معهم من قبل الشماليين. ولا يكفي هنا أن يقول الشماليون أن الإنقاذ لا تمثلنا، بل هم مطالبون بأن يطرحوا بصورة إيجابية مثالا آخر للتعامل بين الشمال والجنوب. وهم مدعوون إلى ذلك بكل تنظيماتهم السياسية والاهلية ومنظمات مجتمعهم المدني. وعليهم أن يبدأوا في ذلك اليوم قبل الغد. وأن يكشفوا عن هذه الروح الجديدة في التعامل مع ملايين الجنوبيين الذين يعيشون الآن في الشمال. ولا ننسى أن الشباب، باستعدادهم الخير لقبول التوجهات الجديدة والتعبير عنها، يمكنهم أن يلعبوا دورا رائدا في هذا المجال.
ليس سرا كذلك أن قيادة الحركة الشعبية نفسها، يمكن أن تختار الإنفصال، إذا استمرت المعادلات والعقليات القديمة، عقليات الإستعلاء والإقصاء والتحقير والقمع، على ما كانت عليه قبل التوقيع على اتفاقات نيفاشا. وهذا هو جوهر ما عبر عنه عبد العزيز الحلو، في تلك الندوة بأريزونا التي أوردها الطيب مصطفى كدليل على حقد الحركة الشعبية وعنصريتها. ربما نجد ما نحتج عليه في خطبة الأخ عبد العزيز، من حيث استخدامه لتعميمات مثل الجلابة، التي يمكن أن يفهم منها البعض كل أهل الشمال، كما حاول الطيب مصطفى ان يثبـت، وربما ننبه عبد العزيز إلى ضرورة استخدام لغة ومصطلحات دقيقة عندما يتحد\ث عن هذه القضايا المعقدة، وأن يقاوم النزعة الشعبوية، ليطرح موقف الحركة الشعبية الواضح، وهو أنها تدعو إلى الوحدة كخيار مقدم، إذا حدثت التغييرات المحددة التي تعبر عنها بمصطلح السودان الجديد. ولكننا لا يمكن أن نقبل ما حاول أن يوحي به الطيب مصطفى حول أن الخطاب لم يكن سوى نفث حار للأحقاد العنصرية. فهو عندما يتحدث عن سيطرة الحركة الشعبية على الجنوب وبعض الأقاليم، وحول إقامة علاقات سياسية مع الأحزاب السياسية في الشمال، وحول محلية التجارة في تلك الأقاليم، وعدم حيازة الجلابة هناك على البارات والمحلات، إنما يعبر عن واقع ماثل أمام عينيه، وهو واقع التحرير. وإذا كان في فقه الضرورة ما يسمح للجلابة بامتلاك البارات في المناطق المحررة، فلا أعتقد ان الأخ عبد العزيز سيمانع في ذلك! كما يعبر كذلك عن أمان مشروعة للمهمشين في أن يصيروا أطباء ومهندسين، مثلهم مثل الطيب مصطفى، وأن يسكنوا الصافية أو المنشية، بناء على كدحهم وتفوقهم وليس عن طريق النهب والجباية. وهو أمر كان على عبد العزيز أن يكون صارما في توضيحه، لمقاومة التوجهات والنزعات الشعبوية، التي يمكن أن تكون تدشينا لطفيلية جديدة.
وبما أعرفه شخصيا عن عبد العزيز الحلو، فإنني أستطيع أن أقول أنه، على الأقل، أكثر وحدوية من الطيب مصطفى. ولذلك فإن إيراد خطابه في سياق التبرير للإنفصال ، محاولة غير موفقة. ومن النقاط الهامة التي أريد أن أنبه لها قادة الحركة الشعبية هنا، أن يحذوا حذو الدكتور قرنق نفسه، في الرد على التهجمات، سواء على الحركة ككل، أو على مواقفهم الشخصية. وقد توقعت من عبد العزيز الحلو، أن يتصدى لما قيل عنه ويفنده أمام الناس جميعا. وهو أمر يقوم به على خير وجه بعضهم، من سياسي السودان الجديد، مثل باقان أموم وياسر عرمان. ولكن الحركة تحتاج إلى النزول بكل ثقلها إلى معركة كسب العقول والقلوب الدائرة الآن شمالا وجنوبا، وتحتاج إلى كل كوادرها المقتدرة، وهي ليست بالقليلة.
وبناء على نقاطه السابقة، والتي أوضحنا تهافتها، يدعو الطيب مصطفى إلى فصل الجنوب عن الشمال، ويورد حجة طبية، هي أن الحكمة تقتضي بتر العضو المصاب بالسرطان حتى لا يعدي بقية الجسم. ولا أريد أن أدخل في حجاج مع السيد الطيب مصطفى حول أن هذا ربما لا يكون الخيار الوحيد. ولكني أجيب عليه بسؤالين: هل أصيب الجسم السوداني، بسرطان بالجنوب، أم بسرطان بالإنقاذ؟ وهل الأسهل بتر الجنوب أم بتر الإنقاذ؟
حول هاذين السؤالين يدور الصراع الآن.
ظللت أعتقد طوال السنوات الماضية أن هولاكو المغولي، يحكم السودان منذ الثلاثين من يونيو 1989، حتى قرأت مقال الطيب مصطفى الذي يحذر فيه من هولاكو آخر في طريقه إلى الخرطوم. وقد كنت صبورا فسمعت وقرأت حجج الطيب مصطفى حتى نهايتها، وتأكد لي تماما أن ما ظللت اعتقده طوال تلك السنين، كان صائبا وصحيحا، وأن تحذيرات الطيب مصطفى لا هدف لها سوى إعطاء هولاكو العجوز فرصا أخرى للحياة. وهذا ما سأوضحه في مقالة لاحقة.
الخاتم عدلان

Post: #54
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-26-2008, 06:59 AM
Parent: #53



ما أنزل الله... وما أنزل الترابي:
التكفير المنفلت يضع الترابي على رأس المتطرفين الغلاة:
الخاتم عدلان
الاضواء 14/10/2004

كتب حسن عبد الله الترابي كتابه السياسة والحكم: النظم السلطانية بين الأصول وسنن الواقع في حالة نفسية شبيهة بتلك التي كتب بها سيد قطب كتابه معالم في الطريق في منتصف الستينات وهو في السجون الناصرية. بل توصل إلى نتائج مشابهة تماما لما توصل إليه سيد قطب من حيث تكفير المجتمعات وغربة الإسلام وتهميشه في الحياة. وربما تكون هذه استناجات غريبة جدا، على السياسيين السودانيين الذين استقبلوا الترابي وتعاملوا معه على اساس أنه عرف قدر الحرية والديمقراطية من خلال التجربة، وتاب إليها توبة نصوحا، ومنهم من شرع في التعاهد والتفاوض معه على هذا الاساس. كما برز من بين المثقفين النكوصيين من ينصبه مجددا للإسلام وباعثا لنهضة السودان الحديثة، ومنهم من يعلق عليه آمال الخلاص لشعب السودان. وهذا كله لأوهام نشرها الترابي نفسه عن نفسه.
يقول الترابي في كتابه هذا أن فصل الدين عن السياسة كفر صريح، بصرف النظر عن مراعاة من يفصلها لفرائض الدين في حياته الخاصة، أي أنه لا يشفع له أنه يؤمن بالله ورسوله، يقيم الصلاة ويخرج الزكاة ويصوم رمضان ويحج إلى البيت. ولا يكتفي الترابي بذلك، بل يقول أن المجتمعات الإسلامية التي فصلت الدين عن السياسة منذ الخلافة الأموية والدولة العباسية وما لحقهما من نظم حتى يومنا هذا، كلها كافرة وفاسقة وظالمة.
ويضج الكتاب في أغلب صفحاته التي فاقت الخمسمائة صفحة بمثل هذه الأحكام، ولكن يتفرد منه الفصل الأول المعنون " الدين والفصال" الذي كتب بمداد من الهوس الديني الذي صار عبادة سافرة للقوة والسلطة. وبينما يلجأ الترابي إلى بعض الحجج فإن حجته الأقوى هي إيراد آيات سورة المائدة التي تقول أن من لم يحكم بما أنزل الله أولئك هم الكافرون والظالمون والفاسقون.
ونحن سنورد مقتطفات توضح أن ما ذكرناه أعلاه لم يكن تقحما على الرجل أو إفتراء عليه. ثم نحاول بعد أن ذلك أن نوضح أن الترابي عندما حكم فإنما حكم بغير ما أنزل الله، وأن خطايا الكفر والفسوق والظلم، إذا كانت تصح على الناس لأنهم لا يحكمون بما أنزل الله، فإنما تصح عليه هو أولا وقبل كل الآخرين.
يقول الترابي:
" والقرآن صريح في خروج الذين يحكمون بغير ما أنزل الله من الدين، لا يدعون كفارا بجملة الملة، ولكنهم من حيث ما فعلوا بالحكم كافرون، ظالمون وفاسقون، وقد ينسبون إلى الإسلام ولكن غشيهم الإرتياب ولما يدخل الإيمان في نفوسهم." ( ص 52)
ويلج الترابي بعد ذلك فيحدد أنواع الكفر، والتي منها كفر مطلق وأنواع خاصة من الكفر نورد منها ما يهمنا هنا:
" وقد يصدق الإنسان بأصل الرسالة الدينية ولكنه في الدنيا مفتون، مشرك، غير موحد، فإما حصر دينه في حياته الخاصة لأنها أقل عرضة لبلاءات الدنيا وضغوطها الكثيفة وخياراتها المختلفة...... وهذا الإنحصار بالدين هو اكثر الظواهر التي تعتري الديانات ضلالا يشق منهج التوحيد فيه. وإن من مقتضى ما سبق هجر ذلك الإنسان دينه في مجال السلطة وعلاقات السيطرة الآمرة والسياسة الحاكمة للمجتمع والمعيش ومعاملات تصريف المال والمتاع." ( ص 24-25"
أغلب الذين تلقوا تعليما غربيا كافرون، لأنهم لا يؤمنون بالإسلام السياسي:
"أما الشرائح الغالبة من المثقفين نتاج الثقافة الغربية فقد أصبحت لا تدين بدين الإسلام الذي يوحد الحياة كلها بسياستها عبادة، بل بدين الغرب الوضعي الذي طغى في مجالات التعليم ووسائل الثفافة وأهل هذه الشرائح لوظائف الحكم.." ( ص47)
غالب دول المسلمين فاسقة وخارجة عن حكم الله:
" غالبها دول سلطانها فاسق عن سلطان حكم الله." ( ص 76)
المسلمون أنفسهم منافقون:
" المسلمون جميعا غلب عليهم النفاق" ( ص 69)
هذا الخروج عن الدين ليس جديدا كما كان يعتقد سيد قطب، بل هو قديم قدم الإسلام ذاته:
" فقد ضل المسلمون عن الهدى منذ سقوط الخلافة الراشدة قرونا...."
وهذا الأمر لا يستثني اصحاب النبي، بل يشملهم ويتحملون خطيئته:
" وتلك خطيئة وقعت بين الصحابة، والخلف يؤثر الصمت لا يجرؤ على إنكارها لأنه يوقر الصحابة كانهم أئمة معصومون من الخطأ في الشريعة. " ( ص 47)
ولا يتوقف الأمر على الدين الإسلامي وحده بل يشمل كل الأديان التي صارت مسخا لا يهدي إلى الرشد:
" وظاهرة إنحسار غالب ديانات العالم، إمسخت فاصبحت هويات فارغة قد يهيج بينها التناكر الأعمى ولكنها لا تهدي في الحياة إلى رشد أو نظام." (ص 56)
ويمكننا أن نورد مقتطفات أكثر تؤكد هذه المعاني حتى درجة الإملال، لأن الرجل يردد حجة واحدة بتفاريع لا حصر لها شأن كل المدمنين، ولكن هذه تكفي في الدلالة على أن الترابي يكفر الإنسانية الحاضرة والغابرة، والآتية بطبيعة الحال، لأنها لا تؤمن بفكره. وقبل أن نذهب أبعد في موضوعنا نود أن نورد بعض الملاحظات على النصوص التي أوردناها أعلاه، رغما عن أنها تنطق عن نفسها:
أولا: ألاحظ عرضا أن الترابي يورد نص الآيتين 44 و45 ولا يورد نص الآية 47 " وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون." لم يورد هذه الآية لخشيته من كشفها للسياق الذي وردت فيه الآيات الثلاث مجتمعة، والتي وجهت لأهل الكتاب. وهو يكشف هنا أن القرآن نفسه لا يقف عقبة أمام أهدافه المسبقة، والدنيوية البحتة. كما أن الترابي يفسر هذه الآيات من مواقع التطرف والغلو، لأن حركته الأم، حركة الأخوان المسلمين المصرية، بل وجماعة الجهاد، أعلنتا أنهما لن تكفرا المجتمع بالإستناد إلى تلك الآيات التي وردت في سياق خاص، والتي يؤدي تطبيقها إلى فتنة وطنية، بل وعالمية لا تبقي ولا تذر. والواقع أن تفسير الترابي يضعه صفا بصف مع تنظيم القاعدة والتنظيمات الأصولية الأخرى التي تكفر المجتمعات إستنادا إلى هذه الآيات بالذات. وإن واجب المثقف في حقيقة الأمر هو تجنيب المجتمع مزالق الفتنة وليس القذف به في مستنقعها كما يفعل الترابي دون تردد، في خيانة سافرة للعلم والثقافة. هذا إذا لم نذكر الحركات الإسلامية التي توصلت من تجاربها المريرة ، والكوارث التي جرتها على مجتمعاتها، أن خير توقير للدين هو جعله أمرا خاصا بين العبد وربه مثل حزب العدالة والتنمية في تركيا برئاسة رجب طيب أردوغان.
ثانيا: إذا كانت الإنسانية بغالبيتها الساحقة كافرة في تعريف الترابي، وإذا كانت قد ظلت كذلك منذ موت النبي، فكيف له هو أن يحملها على الإيمان؟ كيف يحملها على الإيمان وقد كانت المجتمعات بسيطة فأصبحت مركبة، وكانت وسائل المعرفة محدودة فاصبحت لا حصر لها، وكان القاعدة الفكرية هشة فصارت تهزم الخيال في تعقيدها، وكانت التعددية غير معترف بها، فصارت الآن جزء لا يتجزأ من المواثيق الدولية لحقوق الإنسان؟ هل لديه يا ترى غير العنف إن استطاع إليه سبيلا؟ أو ليس العنف جزء لا يتجزأ من مثل هذا المشروع الذي يطرحه الترابي ويبشر به في لغة صيغت من نسيج الهذيان؟
ثالثا: إذا كان الدين لا يحتوي في داخله على عناصر الهداية التي تحمل الناس على الإيمان، كما يوحي تحليله، فمن أين للترابي أن يأتي بهذه العناصر؟
رابعا: هل يمكن تبعيض الكفر والإيمان؟ بمعنى أن تكون مؤمنا من زاوية العبادات الشخصية كافرا من زاوية البرامج السياسية؟
رابعا: وهذا هو اعتراضنا الاساسي، فإن الترابي يحول السياسة وهي تختص اساسا بتوفير حقوق الناس وكرامتهم ومعاشهم، بصرف النظر عن مللهم ونحلهم وأديانهم وأجناسهم، ليتوفروا بعد ذلك على ممارسة أشكال ارقى من الوجود إذا شاءوا، وبمحض اختياراتهم، يحول هذه الممارسة الإنسانية البسيطة والمباشرة، إلى جدل أيديولوجي لا يمكن أن يوحد الشعب مطلقا، بل لا يمكن أن يوحد فئة واحدة أو حزبا واحدا أو جماعة منغلقة، حتى إذا كانت مرتبطة بآلاف الخيوط السرية والمعلنة، وتجربته الشخصية شاهد شاخص على ما نقول.
ولكن الترابي منذ ان ظهر في الحياة السياسية في السودان أوائل الستينات، ظل مصدرا للشقاق الوطني والفتنة الأهلية، لا يعيش إلا في ظلها ولا تزدهر مقدراته إلا في أجوائها. فهو قد كان باحثا عن السلطة والقوة منذ أن شب عن الطوق. وصار في مسيرته الشخصية المشؤومة مسئولا بصورة مباشرة، وبقدر طاقة الفرد على أن يكون سببا في الكارثة العامة، عن أربع فتن وطنية، أولاها حل الحزب الشيوعي، وثانيتها تحويل حرب الجنوب إلى حرب دينية، وثالثتها الإنقلاب على الديمقراطية ورابعتها المساهمة المعترف بها في استغلال المظالم الواقعة في دارفور، وهو الذي يستغل المظالم ويفاقمها دون أن يرفعها، فساهم في إشعال الحرب هناك وفتح المجال لعصبته الأقربين، ليدمروا ذلك الجزء من وطننا. وما يزال نهر الدماء يهدد بالجريان. كما كان له دور مباشر ومشهود كذلك في أكبر جريمة في تاريخ البلاد هي إغتيال الأستاذ محمود محمد طه لرأي يحمله عن الدين.
ما هو الجرح النفسي العميق الذي يجعل الترابي يحمل كل هذا الحقد على المجتمع؟ أو لم يكن في مقدوره أن يوظف طاقاته غير العادية في خدمة الناس وتيسير حياتهم، بدلا من هذا الشطط واللهاث والدم؟ أو ليس هناك بعد نفسي، يتخطى الطبقات والأديان والأعراق، يحرك هذا الرجل؟
ولماذا يريد الترابي أن يكون فوق جميع البشر، حارسا على ضمائرهم ومهيمنا على حيواتهم؟
أذكر أننا عندما كنا بمدرسة مدني الثانوية منتصف الستينات، اقام الترابي ندوة لجماعته من الإخوان المسملين. وعندما عاد الطلاب من تلك الندوة كانت تسري فيهم روح الهوس الذي ظل يتصاعد بعد ذلك، ومنهم من لم ينم تلك الليلة. واسترعت إنتباهي عبارة أحدهم عندما قال: أرأيت كيف يستشهد بالقرآن، حتى أن كلامه صار جزء من القرآن وصار القرآن جزء من كلامه؟
وأعتقد أن ذلك الطالب الذي لا أذكر اسمه حاليا، قد لخص سر الترابي تلخيصا لا مزيد على دقته وبلاغته. فمنذ أن أمسك الترابي بالقلم وأطلق اللسان، كان همه الأوحد أن يحقق مماهاة كاملة بين أفكاره الخاصة والنص القرآني. أي أن الجهد الأساسي للترابي انصب على ربط نصوصه بنصوص القرآن، وفتح القنوات بين تلك النصوص لتسيل القداسة القرآنية في النصوص الترابية. ولا يصعب على الترابي بعدها أن ينصب نفسه ناطقا باسم القرآن، ولا يصعب عليه وهو ينطق بفكره وأوهامه، أن يزعم أنه يحكم بما أنزل الله. ولا يصعب عليه بعد ذلك أن يجود هذه الممارسة بخلق وتطوير آليات غاية في الخفاء، مدسوسة في ثنايا نصوصه المتشحة بالغموض والإلتواء، تجرد الناس، وخاصة أتباعه من كل استقلال فكري، وتضعهم في حالة من الإنبهار والتنويم المغناطيسي، لا يفيقون منها، إلا بتراكم المصالح الدنيوية التي لا يمكن التنازل عنها حتى للإعتبارات الدينية، خاصة وهم يعرفون أن الإعتبارات الدينية خلطها الرجل بأهوائه الخاصة وأهدافه المفارقة. وهي نتيجة لا مفر منها بالنسبة لكل من يصل حد الإفراط في الإغتراف من المعين، حتى ولو كان معينا لا ينضب. إذ تتراكم التناقضات والأكاذيب، ويكون المقربون هم الذين يرون عري الإمبراطور بصورة لا تتوفر لسواهم من الناس. وبقدر ما كان السحر كليا، والإنجذاب كاملا، فإن النفور الذي يحل محلهما يقوى حتى يفوق الوصف والإحتمال.
لا نملك إلا أن نتوقف هنا لنكشف في الحلقات المقبلة الآليات التي تسوق للترابي أن يقول أن حكمه الخاص هو حكم الله.


الخاتم عدلان

Post: #55
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-26-2008, 07:09 AM
Parent: #54

الآليات الترابية لاختطاف الدين:
الخصائص البشرية والحيل الفكرية.

الخاتم عدلان


لحظة إكتمال المشروع الشمولي، السياسي الإجتماعي، والذي يمثل الخير المطلق في أذهان أصحابه، هي نفسها، نظريا على الأقل، لحظة تبرير كل الوسائل في الوصول إليه. ولأن ذلك المشروع يمثل الخير المطلق، فإن الواقع الماثل بين اليدين، يمثل الشر بهذه الدرجة أو تلك. وإذا كانت الوسائل المستخدمة في الوصول إلى الخير المطلق، المترائي في الآفاق كإغراء لا يقاوم، تقع في إطار العالم الواقعي، المنتصب كعقبة كؤود أمام تحقيق ذلك المثال، فإنه لا يكون مستغربا أن تنطوي تلك الوسائل على الشر. ومن هنا فإن الفعلة الإجتماعيين من أنبياء المشروع، لا يتورعون عن التورط، بصورة مؤقتة، في شرور يبررونها بالإضطرار، ويعزون أنفسهم بأنهم سيتحللون منها على أعتاب المجتمع الجديد الذي يحلمون بإقامته، فيتطهر الخطاة من خطاياهم، ويغسل القتلة ايديهم من الدماء.
ولكن المفارقة الماساوية هي أن المؤقت يابى أن يزول لأنه أصبح طبيعة ثانية، والخطايا تستبد بالضمير وتستعبده، والدماء تعلق بالايادي كما علقت بيدي الليدي ماكبث، لا تغسلها مياه المحيطات ولا تزيل رائحتها كل عطور الهند العابرة للصحراء العربية والقارات. ولأن المجتمع المثالي نفسه لا يخلو من الإبتلاءات الجديدة، الأكثر خطرا من كل ما شهده بناة المشروع في المجتمع القديم، فإنهم يلجأون إلى وسائلهم الشريرة ذاتها، ولكن على مستوى أكبر، وبشراسة تفوق كل ما سبقها. ولا يفعلون ذلك من أجل الوصول إلى حلم يظل نقيا، مهما تورطوا هم في الأوحال، بل للدفاع عن وضع قائم تظهر خطاياهم بارزة على جبهته كما كانت تظهر أفعال وخطايا دوريان غراي، على وجهه، في مسرحية أوسكار وايلد الشهيرة.
وربما يكون هذا مدخلا مناسبا للبحث في الآليات التي استخدمها حسن عبد الله الترابي، وحركته، خلال اريعين عاما من المسيرة الدموية، المدفوعة ظعائنها بالحداة الكاذبين. وليس ثمة إدعاء بأننا قادرون على إحصاء هذه الآليات كلها، والوقوف على تجسيداتها المحددة في الواقع، إذ أن هذا جهد جماعي أنجز بعضه وبقي معظمه.
وربما تكون أولى الآليات وأهمها هي إعادة صياغة الإنسان نفسه وتأهيله لخدمة المشروع. ولا يوجد تنظيم سياسي في السودان إستطاع أن يعيد صياغة وتشكيل الطينة البشرية الوافدة عليه، مثل تنظيم الترابي المتعدد الأسماء. وقد صار ممكنا الإشتباه في كون الشخص أخا مسلما، أو جبهة إسلامية، بمجرد رؤيته، ولكن الشك يصبح يقينا بمجرد شروعه في الكلام وتعاطيه في لغة الجسد. وتتداعى حينها سلسلة كاملة من الأفعال والأقوال التي يمكن أن تنسبها إليه بهامش صغير من الخطأ لا يتجاوز هوامش الأخطاء في أفضل إستطلاعات الرأي الحديثة. هذا لا يشمل بالطبع المجموعات الصغيرة التي يرسلها التنظيم للغوص في التنظيمات الأخرى وكشف الثغرات التي يمكن نحرها بالإستناد عليها، فإولئك يصاغون في قوالب مختلفة، أكثر إتقانا ودقة، من القالب العام.
وبمجرد إكتمال اليقين لدى الوافد الجديد بأنه انخرط في خدمة أعظم المشاريع فإن ترسانة من الوسائل الناجعة تعرض عليه. ولا تستمد هذه الوسائل، قيمتها من ذاتها ، بل من عظمة المشروع، ومن وضاعة القوى التي تحاربه. ولعل أنجع هذه الوسائل على الإطلاق هي العنف، تهزم به الحجج الأقوى التي تبتدعها الشياطين، وثانيتها الأكذوبة، لتجعل الحقيقة هي ما نقول وليس ما نكتشف، و الإفتراء لتصوير العدو في الصورة التي نريد، وليس في الصورة التي تظهره عليها الوقائع، والابتزاز لإحراج الآخرين بالدين، ووضعهم دائما في مواقع الدفاع، أو إدخالهم قسرا إلى زرائب الكفر، والأنانية لأن الشخص الرباني أجدر بنيل نعم الله من الشخص الشيطاني، واقرب لأن يوظفها في خدمة الخير وبسط العدالة.
وإني لأزعم أن شخص حسن عبد الله الترابي كان هو التجسيد الأكمل لهذه الصورة التي رسمتها في هذه السطور.
دعونا نتأمله في لقطة قديمة ترجع إلى عام 1968، أي قبل ست وثلاثين وسنة. كان وقتها يجلس على نصر كبير حققه عن طريق الإبتزاز الديني لزعماء ذلك الزمان، الذين حركهم كالدمي في جريمة حل الحزب الشيوعي ودحر الديمقراطية الثانية، وكان يوشك أن يمرر، عن طريق آلية الإبتزاز الفتاكة ذاتها، ما سماه حينها بالدستور الإسلامي. دار حينذاك هذا الحوار معه بوصفه ممثلا لللجنة الفنية للدستور:
السيد موسى المبارك: جاء في مذكرة اللجنة الفنية نبذة عن الدستور الإسلامي في صفحة 7 أن يكون رأس الدولة مسلما، أود أن أسأل هل لغير المسلمين الحق في الإشتراك لانتخاب هذا الرئيس؟
الدكتور حسن الترابي: ليس هناك ما يمنع غير المسلمين من انتخاب الرئيس المسلم. الدولة تعتبر المسلمين وغير المسلمين مواطنين.
السيد فيليب عباس غبوش: أود أن أسأل يا سيدي الرئيس، فهل من الممكن للرجل غير المسلم أن يكون في نفس المستوى فيُختار ليكون رئيساً للدولة؟
الدكتور حسن الترابي: الجواب واضح يا سيدي الرئيس، فهناك شروط أهلية أخرى كالعمر والعدالة مثلاً، وأن يكون غير مرتكب جريمة، والجنسية، وما إلى مثل هذه الشروط القانونية.
السيد الرئيس: السيد فيليب عباس غبوش يكرر السؤال مرة أخرى.
السيد فيليب عباس غبوش: سؤالي يا سيدي الرئيس هو نفس السؤال الذي سأله زميلي قبل حين - فقط هذا الكلام بالعكس - فهل من الممكن أن يُختار في الدولة - في إطار الدولة بالذات- رجل غير مسلم ليكون رئيساً للدولة؟
الدكتور حسن الترابي: لا يا سيدي الرئيس.
(انتهى النص)
كان الترابي يتحرك على أرضية ثابتة عندما أجاب على سؤال الراحل موسى المبارك، لأن السؤال لم يكن ينطوي على خطر كبير، وهو هل يشارك غير المسلمين في إنتخاب الرئيس المسلم؟ أي هل من حقهم أن يختاروا من يتكفل بقمعهم؟ أجاب الترابي على السؤال بالإيجاب، ثم حاول أن يكسب لدستوره ما لم يكن ينطوي عليه، وهو أن الدولة تعتبر كل سكانها مواطنين، موحيا بمساواة لم تكن سوى وهم. ولكن الأب فيليب عباس غبوش، وقد انتبه لخطورته منذ وقت مبكر، يساله سؤال المواطنة الحقيقية، وسؤال الحقوق والمساواة: هل من الممكن للرجل غير المسلم ( غابت النساء عن وعي الرجلين، وهذه قضية أخرى) أن يكون رئيسا للدولة؟ ويقول الترابي أن الجواب واضح، وان هناك شروط أهلية أخرى كالعمر والعدالة... الخ. أي أنه يذهب ليعدد صفات أخرى لم يكن السائل مهتما بها، ليصرف إنتباهه عما يهمه بالفعل. ولكن الرئيس يدرك حيلة الترابي فيطلب من الأب غبوش تكرار السؤال، ولا يملك الترابي حينها إلا أن يقول: لا ياسيدي الرئيس.
هذه آليات في الخداع والمكر والتفادي والتضليل ظل الترابي يجودها طوال العقود وقد وصلت إلى قمتها في مسرحية الأسر والقصر، ثم بدأ السحر ينقلب على الساحر في جبرية لا ترد.
ويهمنا في هذه المسألة كذلك أن الترابي عندما أجاب فإنه كان يزعم أن ذلك لم يكن رايه هو بل هو راي الإسلام. ودعونا نقفز ثلاثين عاما لنقرأ المادة السابعة والثلاثين في الدستور الذي كتبه الترابي، والذي ما يزال قائما في السودان، حول نفس الموضوع الذي اثاره الأب فيليب غبوش عن الدستور الإسلامي:

شروط أهلية الرئيس في الدستور:
المادة37:
يشترط للترشيح لرئاسة الجمهورية أن يكون المرشح:
أ‌- سودانيا
ب‌- سليم العقل
ج- بالغا من العمر 40 سنة.
إختفت هنا إسلامية الرئيس. ولكن الترابي ظل ينطق باسم الإسلام في الحالتين. وليس غائبا علينا بالطبع إعتقاد الترابي بأن الأغلبية المسلمة لن تنتخب رئيسا غير مسلم، وأن إثبات الإسلام ليس سوى تحصيل الحاصل كما يقول في كتابه الجديد، ولكن المسألة هي مسألة الترشيح، التي يمنعها الدستور الإسلامي الأول، يبيحها الدستور الإسلامي الثاني، والناطق باسم الإسلاميين هو نفس الشخص.
إختطاف الإسلام من قبل الترابي وحركته:
وفي الحقيقة فإن اختطاف الإسلام، كنز الرأسمال المعنوي الذي لا يدانيه كنز، قد صار منهجا مكتملا لدى الترابي وحركته، ووصل إلى درجة التغيير الجوهري في شروط الإنتماء الإسلامي ذاتها. فإذا لم تكن تعمل على سيادة الإسلام السياسي، وإذا لم تتبن رؤية الترابي في ذلك ، فأنت لست مسلما. وقد حاول الترابي أن يحقق ذلك من خلال آليتين، أولاهما الخلط بين الدين والتدين، والثانية، وهي مشتقة من الأولى ومترتبة عليها، تحويل العمل السياسي كله إلى عبادة.
يقول الترابي في كتابه قضايا التجديد: نحو منهج أصولي:
الدين والتدين:
وليس الدين إلا محاولة توحيد بين المثال الأعلى المنزل من السماء، وواقع الإبتلاء الظرفي القائم في الأرض، فالمثال والواقع ينطويان على مفارقة هي صميم الإبتلاء. والتدين هو محاولة توحيدهما حتى تدار الحياة بظروفها المتقلبة بوجه يلتزم الحق الواحد في كل حال. فالمحاولات تتقلب مع تقلب الظروف والإبتلاءات، وصور التدين بسبب هذا العنصر قد تتقلب لتضمن ثبات جوهر الدين. ص 238 قضايا التجديد نحو منهج اصولي.
في هذا التعريف ليس هناك أي فرق بين الدين والتدين من حيث كونهما محاولة لتوحيد المثال والواقع. وكان يمكن أن يكون كلام الترابي مقبولا لو تصالح هو مع أشكال غير محدودة من التدين تناسب تعددية الرؤى في المجتمع البشري. ولكنه لا يقبل ذلك بل يقول أن تدينه هو التدين الوحيد، ويحكم كما رأينا، من نصوص أوردناها ويمكن أن نورد العشرات من أمثالها، بكفر كل الآخرين، الحاضرين منهم والغائبين. ولكننا نصدع الترابي بالقول الثقيل التالي:
ليس هناك مثال ديني سياسي!
ليس هناك مثال ديني للدولة، وليس هناك مثال ديني للحكم، وليس هناك مثال ديني للاقتصاد، وليس هناك مثال ديني لحل المشاكل الوطنية، وخاصة مشاكلنا السودانية الماثلة.
ليس هناك مثل هذا المثال بالنسبة لنا، وهذا واضح لأننا نقوله هنا، ولكن ليس هناك مثل هذا المثال بالنسبة لك ايضا وهذا ما سنقيم عليه الدليل من اقوالك المثبتة وأفعالك المشهودة.

الخاتم عدلان
الاضواء
26/10/2004

Post: #56
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-26-2008, 07:22 AM
Parent: #55

الدين وحقوق الإنسان والعلمانية
(د.عبدالله النعيم)



في يوم 20 يناير2007، استضافت الرابطة السودانية بمدينة هاملتون -أونتاريو، كندا- الأستاذ الدكتور عبدالله أحمد النعيم في محاضرة باللغة الانجليزية، بعنوان "الإسلام، حقوق الإنسان، والعلمانية" (Islam, Human Rights, and Secularism).. حضر المناسبة عدد كبير من سكان مدينة هاملتون والمدن المجاورة، من السودانيين وغيرهم من المهتمين والمهتمات بموضوع المحاضرة، من مختلف الخلفيات الثقافية والجيلية، وقد اتضح تفاعل الجمهور مع طرح المحاضرة من خلال أسئلتهم وتعليقاتهم، متنوعة المشاهد، التي تلت التعليقات الافتتاحية من جانب الدكتور النعيم..

برغم أن هذه المحاضرة قد جرت في ظروف محلية، وقبل فترة، إلا أننا نقدم اليوم تلخيصا للعرض الذي احتوته لكونه متجاوزا لمناسبة وحيثيات المحاضرة، ولأن هذا الطرح يلخص جانبا كبيرا من الإنتاج الفكري للدكتور النعيم الذي قدمه، وما زال يقدمه، في محافل كثيرة، على مستويات عالمية وأكاديمية شتى، نذكر منها المحاضرة التي ألقاها الدكتور مؤخرا في جامعة إيموري الأمريكية، بولاية أتلانتا، في مناسبة سنوية يرعاها مركز دراسات القانون والدين بالجامعة، في 29 يناير2007، وهي مناسبة ذات مستوى عالمي، تحدث فيها الكثير من خبراء العلاقات القانونية والدينية في العالم قبل اليوم، ومنهم المطران الجنوب أفريقي الشهير ديسموند توتو، كما أن الموضوع معروض بوفرة وتفصيل أكبر في كتاب الدكتور النعيم الذي صدر مؤخرا بالانجليزية بعنوان "مستقبل الشريعة"*، وقد تمت عدة ترجمات للكتاب للغات عالمية، وتستمر الآن ترجمته للغات أخرى، ومنها اللغة العربية.. هذا علاوة على أننا، في بعض النقاط التي سنأتي عليها، سنتوكأ على تعقيبات أخرى لم يذكرها الدكتور في هذه المحاضرة المعنية، ولكنه ذكرها في تناوله العام للموضوع في مناسبات وكتابات آخرى متعلقة بموضوع المحاضرة..

العلاقة التكاملية بين الدين والعلمانية

وضح الدكتور أن طرح المحاضرة في أساسه هو عن الدين وحقوق الإنسان والعلمانية، وأنه استبدل اسم "الدين" باسم "الإسلام" في عنوان هذه المحاضرة على أساس السياق الذي قامت عليه المحاضرة، وهي تخاطب جالية ذات أغلبية مسلمة، وفي ظروف عالمية ومحلية ملتصقة بالدين الإسلامي خصيصا، علاوة على أن الدكتور نفسه يتحدث عن الموضوع من واقع فهمه الديني الشخصي المستمد من كونه مسلما..

يقول الدكتور النعيم أن العلاقة بين الدين وحقوق الإنسان والعلمانية هي في الواقع علاقة تكاملية، بخلاف الطرح الشائع لمناقضة المفهوم الديني لمفهوم العلمانية، والطرح الشائع أيضا لبعض المدارس الفكرية، الدينية والعلمانية، التي تقول بتناقض العلاقة بين الطرح الديني ومفهوم حقوق الإنسان العالمي المعاصر، كما هو معروض في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تبنته هيئة الأمم المتحدة.. يعود الأمر في هذا الخلط، بالنسبة للدكتور النعيم، إلى أن الفهم الديني العام للقوانين التاريخية التي استندت على أديانها هو فهم يعطيها صفة الاستدامة والبقاء المطلق، ويربطها بأساس الطرح الديني.. كمثال لهذا الأمر، يضرب الدكتور مثالا بالشريعة الإسلامية، ويتحدث عن فهم المسلمين العام في هذا الموضوع حين يظنون أن تطبيق الشريعة الإسلامية في كل زمان ومكان هو مطلب أساسي، وجزء لا يتجزأ من كون المرء مسلما، في حين أن أصل الموضوع هو أن الشريعة الإسلامية، في كثير من جوانبها، هي عبارة عن قوانين ذات سياق تاريخي محدد، تفقد صلاحيتها بفقدانه، وبالتالي فإن استمرارية الدين غير متعلقة باستمرارية هذه القوانين، لأنها قوانين مؤقتة، ناسبت زمانا سابقا معينا، ولأن الفهم الأصيل لوظيفة القانون في المجتمع يقتضي تطور هذا القانون وتغيره بصورة مستمرة مع تغير وتطور المجتمع، وهو أمر لا مفر منه..

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن الشريعة الإسلامية نفسها تفقد صفتها "الإسلامية" حين تطبيقها في اطار الدولة، لأنها، بمجرد تطبيقها في هذا الاطار تصبح قوانينا علمانية، وليست دينية، وذلك لأن الدولة، في أساسها، ليست كيانا دينيا، وإنما هي منظمة مجتمعية تخدم مصالح الناس المعيشية المباشرة.. يقول الدكتور أن الدولة ليس لها دين، فهي لا تصلي ولا تصوم ولا تحج، وأن الزعم بإمكانية وجود "دولة إسلامية"، على سبيل المثال، هو زعم فاسد في أصله، ومفسد حين محاولة تطبيقه، ذلك لأن الدولة الإسلامية هي غير ممكنة منطقيا، ولم يحصل أن كانت، ولن تكون (يقول الدكتور بهذا القول، مع تركيزه على الصيغة العامة للتاريخ الإسلامي، وفي هذه النقطة يرد على من يعترض بمثال دولة النبي محمد -دولة المدينية- أنها كانت استثناءا مؤقتا (too exceptional to be relevant)، وأنها انتفت بمجرد انتقال النبي إلى الرفيق الأعلى، ولا يمكن اليوم الاحتذاء بها، قانونيا ومنطقيا، إلا لو زعمنا بوجود نبي آخر بيننا اليوم).. يقول الدكتور أن الزعم الذي يزعمه دعاة تطبيق الدولة الدينية هو زعم فاسد ومفسد.. هو فاسد لأنه غير ممكن منطقيا، ومفسد لأنه يصور لولاة الأمر في الدولة أن القوانين التي يأتمرون لها هي قوانين إلهية معصومة، مما يجعلها غير قابلة للنقد والمسائلة، من ثم التعديل، حين تثبت المحكات عدم صلاحيتها وضرورة تغييرها أو تطويرها..

في نفس المسار، يقول الدكتور أن أي قانون ينبع من الفهم الديني لا يعني بالضرورة أنه ديني، فهو يتخذ هيئته العلمانية بمجرد تطبيقه في اطار الدولة، وذلك لأن تطبيق الأحكام الدينية في هيئة قوانين مدنية هو في الأصل يعبر عن فهم الحكام للدين، وليس هو الفهم الوحيد والصحيح، فالأحكام الشرعية تختلف في الكثير من تفاصيلها باختلاف المذاهب، رغم أنها جميعها مذاهب تنتمي لنفس الدين، ولأن الدولة نفسها هي مؤسسة علمانية، كما ذكرنا سابقا (التعريف المعتمد للعلمانية عند الدكتور هو: التفرقة بين نظام الدولة وبين الدين، أي دين، بحيث لا تتحيز الدولة لدين من الأديان، أو تخدم مصالح معتنقيه أكثر من غيرهم من مواطنيها لمجرد سبب انتمائهم الديني.. العلمانية، باختصار أكبر، هي "حياد الدولة تجاه الدين").. في هذا الأمر يشير الدكتور لمثال دولة الخلافة الراشدة، ويقول بأنها لم تكن دولة إسلامية، وإنما دولة علمانية كان للدين الإسلامي تأثيرا مباشرا عليها، بسبب واضح من كونها دولة أغلبية مسلمة، مسيطرة على زمام السلطة فيها، ولكونها امتدادا لدولة النبي، ولكنها ليست هي دولة النبي.. وفي توضيح أكثر لهذا الأمر يقول الدكتور أن الدولة، رغم كونها علمانية بطبيعتها، فهذا لا ينفي أن سياسة هذه الدولة قد تتأثر بالدين، بسبب تأثر رأي قادتها بخلفياتهم الدينية، وبسبب أن الشعوب، في ممارستها الديمقراطية، تتأثر، في إدلائها بأصواتها وتوجيهها لحكومتها، بخلفيتها الدينية أيضا، وبالتالي فإن سياسة الدولة قد تأتي متأثرة بالدين لدرجة كبيرة، ولكن هذا لن يغير من طبيعة الدولة في أصلها، وهي أنها علمانية، وتصبح العلاقة الديالكتيكية هنا بين علمانية الدولة وتأثر سياستها بالدين، هي علاقة يجب الحفاظ عليها دون أن يتغول الدين على الدولة أو تتغول الدولة على السياسة المتأثرة بالدين عند مواطنيها، من أجل العملية التطورية المستمرة للدين والدولة سويا.. بهذا الطرح يشير الدكتور إلى أن الشريعة الإسلامية يمكنها الاستمرار في حياة المسلمين في اطار المجتمع، وفي صور سياسات الدولة عموما، عن طريق التزام المسلمين بتعاليمها في ممارساتهم المجتمعية، ولكن ذلك لن يصل لمستوى الدولة، كما لن يكون باعتبار ديني، وإنما باعتبار "المنطق العام" عند الأغلبية المواطنة -التي قد تكون مسلمة في بعض الدول- بصفة مواطنتها لا دينها، بما يحفظ حقوق الأقليات الدينية فيها، وليس من مصلحة المسلمين، كغيرهم، أن يصل الأمر لمستوى الإخلال بعلاقة الدولة والدين، للأسباب التي سبق ذكرها، وبالتالي فإن النظام العلماني هو في الحقيقة ضروري بالنسبة للمسلمين ليتمكنوا من معيشة الشريعة الإسلامية في اطار مجتمعاتهم إذا أرادوا ذلك، لأن نقاء الشريعة الإسلامية متعلق بعدم ربط هويتها ووظيفتها مع هوية ووظيفة الدولة (وهي هوية ووظيفة علمانية)، وبهذا تتجلى العلاقة التكاملية بين الدين الإسلامي والنظام العلماني بالنسبة للمسلمين، كمثال يمكن سحبه على بقية الشرائع الدينية في الأديان الأخرى في علاقتها مع الدولة..

حقوق الإنسان بين التأكيد والتطبيق

بعد هذا التوضيح لمعنى العلاقة التكاملية بين الدين والعلمانية، يأتي الدكتور للحديث عن مفهوم حقوق الإنسان.. في معرض الحديث عن هذا الأمر، يقدم الدكتور طرحا منهجيا لمراحل المشروع الإنساني في تنزيل المفاهيم إلى أرض الناس، ومشاركتهم لبعضهم فيها.. يشير الدكتور لمراحل هذا المشروع المستمر بعبارة الـ(3Cs)، في اللغة الانجليزية، وذلك لأن هذه المراحل، الثلاثة، التي يعرضها الدكتور تبدأ في الانجليزية بالحرف (C)، وهي:
Concept > Content > Context
أي: المفهوم > المحتوى > السياق

يضرب الدكتور النعيم المثال لهذا الأمر بمحتوى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.. يقول الدكتور أن المحتوى الموجود في هذا الإعلان هو محاولة لتجسيد مفهوم، وهو مفهوم متعلق بجوهر الإنسان وقيمته، لمجرد إنسانيته، بغض النظر عن لونه أو عرقه أو لغته أو دينه وثقافته.. هذا المفهوم الكبير، لكي يجد له سبيلا إلى التجسيد القانوني، لا بد أن يتنزل إلى شكل محتوى معين، يضع الخطوط العريضة للقنوات التي عبرها يستطيع هذا المفهوم أن يكون ماثلا في دنيا الناس، وهو ما أتت به الصورة المعروفة اليوم للإعلان العالمي لحقوق الإنسان.. ومن ثم، بعد الانتقال من مرحلة المفهوم إلى مرحلة المحتوى، تأتي المرحلة الأخيرة، وهي مرحلة السياق.. المقصود بالسياق هنا هو الظروف الموضوعية التي يقنن من خلالها المحتوى، حسب تنوع المشاهد البيئية والمجتمعية المختلفة التي يخاطبها.. الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يمنح الدول الأعضاء في الأمم المتحدة حق التقنين الخاص لمحتوى الإعلان، ليتناسب سياقيا مع طبيعة وظروف المجتمعات التي تعيش في تلك الدول، طالما لم يخل هذا التقنين بأي بند من بنود الإعلان.. هذا هو السياق، أي القانون المختص بالدولة المعينة في سبيل تطبيق محتوى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومعروف أن السياقات البيئية والمجتمعية تختلف في عالمنا اليوم من دولة لدولة..

عليه فإن محتوى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، رغم كونه إعلانا عالميا، ولا يمكن تبنيه إلا كصيغة عالمية، إلا أنه يحتاج لمفهوم يؤكد مصداقيته عند الناس، ولسياق من أجل تطبيقه، وهنا تكمن المشكلة، بين التأكيد والتطبيق.. ذلك لأن تجارب البشر المختلفة في أنحاء العالم تجعلهم غير قادرين على التواضع على مفهوم واحد لمعنى الإنسانية حتى اليوم، كما تجعلهم غير قادرين على تصور صيغة قانونية واحدة، شاملة، لكل الدول..

هنا يقدم الدكتور طرحه في أن الأساس في الموضوع يكمن في الاتفاق على المحتوى، وليس على المفهوم.. بهذا يقصد الدكتور أن لا حق للناس في أن يسائلوا مفاهيم بعضهم البعض المختلفة، طالما قادت هذه المفاهيم المختلفة إلى الاتفاق الراضي بصيغة المحتوى الموجود في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.. هنا يعود الدكتور لموضوع الدين، ليقول بأن الدين، كمدرسة مفهومية تقدم طروحات ومناهج في تناول معنى إنسانية الإنسان، ومعنى ارتباطه المصيري بمن حوله من الأحياء في المجتمع، المحلي والعالمي، وما حوله من الأشياء في البيئة، المحلية والعالمية، يصبح من أنجع المصادر المفاهيمية التي يرفد منها الناس لمحتوى حقوق الإنسان.. يقول الدكتور النعيم أنه، كمسلم، يجد نفسه محتاجا لمنظومة مفاهيمية تجعله مؤمنا بحقوق الإنسان، ومستعدا من بعد ذلك للدفاع عنها، والسعي في سبيلها، وأن هذه الحاجة يوفرها له دينه الإسلامي، كما أن أصحاب الأديان الأخرى يجدون استيفاء هذه الحاجة في أديانهم، فالإنسان بطبيعته لا يصمد في سبيل القضايا التي لا يؤمن بها، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان لا يقدم منظومة مفاهيمية تؤدي للإيمان بحقوق الإنسان، لأن ذلك ليس اختصاصه أساسا، إذ أنه ينطلق من قاعدة الاتفاق على قيمة الإنسان، وهذه القاعدة يأتيها الناس من مشارب شتى، ويأتيها أصحاب الأديان بالذات من انتمائهم الديني الذي تتشكل هويتهم الإنسانية من خلاله.. هنا يلعب الدين دور "التأكيد" الذي يحتاجه محتوى حقوق الإنسان، في حين تلعب العلمانية دور "التطبيق"، ليتلاشى بذلك الإشكال الذي كان موجودا في مسألة التأكيد والتطبيق، كما ذكرنا آنفا..

بالنسبة للعلمانية، فإن حاجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لها واضحة، فبما أن هذا الإعلان ينص على تساوي الناس في حقوقهم، بغض النظر عن خلفياتهم الدينية، فإن تطبيق مثل هذا المحتوى لا يكون ممكنا إلا في ظل نظام علماني، يعامل المواطن على أساس المواطنة، بغض النظر عن انتمائه الديني..

هذا ويعود الدكتور لتأكيد أن هذا الطرح لا يعني مسائلة الملتزمين بمحتوى حقوق الإنسان من قواعد غير دينية، فلهؤلاء، مثل غيرهم، حق اختيار الأرضية المفاهيمية التي ترفدهم للاتفاق على محتوى حقوق الإنسان، سواءا كانت هذه الأرضية دينية أو لا دينية، ويؤكد الدكتور على أن طرحه هذا يختص بأصحاب الإيمان الديني، والذين، من واقع انتمائهم هذا، يمارسون حقهم في محاولة إيجاد سببل للموائمة بين إيمانهم والتزامهم الديني وبين محتوى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.. يتطرق الدكتور النعيم بشكل خفيف أيضا لإشكالية الفهم الديني الذي يتبناه البعض ولا يتفق مع محتوى حقوق الإنسان، ليقول عموما بأن القضية المطروحة في محاضرته هذه هي قضية محدودة بمخاطبة المتدينين المؤمنين بحقوق الإنسان، وأن التطرق لمشكلة الفهم الديني الذي لا يدعم حقوق الإنسان هو قضية أخرى، لا تقل أهمية، ولكن إدخالها في هذا الطرح سيزيد من التعقيدات والتشابكات، والأفضل معاملة كل قضية على حدة، فالمتدينون الذين لا يؤمنون بعالمية حقوق الإنسان هم فئة بشرية تشبه أيضا فئات بشرية لا تؤمن بعالمية حقوق الإنسان أيضا ولكن لأسباب غير دينية، مثل النازيين مثلا، كما أن هنالك أمثلة كثيرة لدول إرهابية وقاهرة لشعوبها بدون قاعدة دينية، فالقهر والتسلط يستطيع أن يجد لنفسه المبررات في الدين كما يجدها في فلسفات أخرى، وكدليل على هذا أشار الدكتور لأمثلة تاريخية ومعاصرة من ديكتاتوريات اشتهرت حول العالم بتزمتها وقهرها لشعوبها بدون الاستناد على تبرير ديني.. يضع الدكتور كل هؤلاء الغير مؤمنين بعالمية حقوق الإنسان في سلة واحدة، ويؤكد أن هنالك مشكلة حقيقية في كيفية التعامل معهم، وأن وجودهم بالتأكيد يثير مسائلة عن إمكانية أن يأتي يوم يتفق فيه أهل الأرض على عالمية حقوق الإنسان، وهي مشكلة ما زال الناس حتى الآن يبحثون فيها ويصارعون من أجلها أوضدها كل يوم.. يختم الدكتور حديثه في هذه النقطة بالتأكيد على أن الأساس في محتوى حقوق الإنسان هو العالمية، وأن هذا المحتوى لا يمكن أخذه وتجزئته، أو تخصيصه على فئة معينة من البشر دون الآخرين، لأن ذلك يهدم جوهر هذا المحتوى، ويفقده معناه..

قضايا أخرى

تحدث الدكتور أيضا، من جراء المشاركات التعليقية والتساؤلية من جمهور المحاضرة، عن قضايا أخرى كانت جانبية عن الطرح الأساسي للمحاضرة، ولكنها متصلة به في محورها.. تحدث الدكتور، مثلا، عن أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لا يعني أن الفرد البشري كائن عالمي، وإنما على العكس، فالإنسان، كفرد، هو كائن مرهون بظروف أرضية معينة، مختصة ببيئته وثقافته وزمنه وتجربته الشخصية وموروثه الأسري، وغير ذلك، وهي ظروف لا تعمم على بقية الأفراد أو بقية العالم، وبالتالي فليس هناك إنسان عالمي.. لكن هذا لا يعني أن الأفكار العالمية هي أفكار غير صحيحة.. ذلك لأن هذه الأفكار هي في الأساس تخاطب العامل المشترك الجوهري بين هؤلاء الناس، وتخاطب الإمكانية التي تقدر على تقريبهم من بعضهم البعض رغم اختلافاتهم، وبالتالي فهي صحيحة، بل وضرورية، ونحن اليوم أصبحنا في عالم ترتبط فيه مصالحنا جميعا ببعضنا البعض، بصورة غير مسبوقة في التاريخ، وبصورة متسارعة نحو مستقبل أكثر ترابطا، في الخير وفي الشر.. يتحدث الدكتور عن هذا الأمر، ويضرب له مثلا بمثول الهيئة العامة للأمم المتحدة اليوم، وهي تمثل محاولة غير مسبوقة في التاريخ البشري لتحتوي واقعا جديدا غير مسبوق في التاريخ البشري..

تحدث أيضا الدكتور عن أن الضرورة العالمية لحقوق الإنسان تمتد أيضا إلى ضرورة معاملة الجميع وفق شروطها، مما يجعل كبار المسؤولين في الدول العظمى معرضا للمسائلة فيها تماما كغيرهم من الناس، ويشير بذلك، كمثال، لقضية دارفور، ولحرب العراق، وللقضية الفلسطينية..

يؤكد الدكتور على حقيقة الجرائم البشعة ضد الإنسانية في دارفور، وعلى ضرورة تدخل المجتمع الدولي في صورة الأمم المتحدة لمعالجة هذه الأزمة، إذ أن الظرف أصبح يتطلب ذلك، وتحدث عن الأحقية القانونية التي تسمح للمجتمع الدولي بالتدخل في دارفور عن طريق الأمم المتحدة، وذلك لأن هيئة الأمم المتحدة مؤسسة قانونية، ولها سلطات قانونية على أعضائها، والسودان منهم، وهي سلطات تواضعت عليها هذه الدول الأعضاء بموجب انتمائهم لهذه الهيئة.. يعود الدكتور في هذه النقطة للحديث عن أن كون الأمم المتحدة تشكل صيغة غير مسبوقة تاريخيا في علاقات الدول القديمة لا يعني أن صلاحياتها التي تدعو لها مشكلة دارفور تمثل تغولا على السيادة الوطنية للسودانيين على أرضهم، فالسودانيون أيضا أعضاء في الأمم المتحدة، ولهم حقوق في هذه الهيئة كما أن عليهم فيها واجبات، وحين يقصر السودانيون عن إيقاف الجرائم البشعة ضد أهل دارفور فليس من حقهم أن يمنعوا المجتمع الدولي من محاولة إيقاف هذه الجرائم، لأن أهل دارفور هم مواطنون قانونيون في المجتمع الدولي أيضا، ولهم حقوقهم التي تجب حمايتها فيه..

ويختلف الوضع بين دارفور والعراق، إذ أن الدكتور يقول أن ما فعلته الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها في العراق هو استعمار، ولا يشبه ما تحاول الأمم المتحدة فعله في دارفور.. يقول الدكتور أن تعريف الاستعمار هو: "أن تقوم دولة، أو دول، بفرض سيادتها على دولة أخرى بالوسائل العسكرية وبدون سند قانوني"، ومن ثم يقول بأن هذا التعريف ينطبق حرفيا على ما جرى في العراق، ولن يؤثر كون صدام كان حاكما ظالما، وكون أن الكثير من الشعب العراقي فرح بالاستعمار الأمريكي في وقتها، وربما لليوم، على حقيقة هذا الأمر، فهو استعمار من الناحية القانونية، بغض النظر عن أي وقائع أخرى، ويشير الدكتور في هذه النقطة إلى قصة الاستعمار الثنائي -الانجليزي المصري- للسودان، إذ يقول أنه من المعروف تاريخيا أن كثيرا من السودانيين كانوا مسرورين بقوات الاستعمار حين دخولها السودان، لأنهم رأوا فيها خلاصا لهم من قهر الدولة المهدية، ولكن هذه الحقيقة التاريخية لا تنفي الحقيقة الأخرى، وهي أن ما فعلته القوات الانجليزية المصرية في السودان كان استعمارا مستوفيا لكل الشروط الموضوعية لمعنى الاستعمار.. هنا يشير الدكتور لما ذكرناه من قبل من أن كون جورج بوش رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية ليس من المفروض أن يجعله في حصانة قانونية عن المحاكمة على ارتكاب جرائم حرب كما حوكم صدام حسين، وأن هذا الأمر ليس له مبرر قانوني، من الناحية المتعلقة بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان وبنود مجلس الأمن الدولي، ولكن عدم إمكانية هذه المحاكمة لبوش تجد تبريرها فقط في كونه رئيس هذه الدولة القوية القادرة، بقوتها، على مخالفة القانون الدولي دون الخوف من المحاسبة الدولية، وهو وضع يجعل الحكومة الأمريكية من أكبر المحاربين الفعليين لفكرة عالمية حقوق الإنسان، وإن زعمت بغير ذلك..

تعرض أيضا الدكتور لقضية فلسطين، وأشار لأن حقوق الشعب الفلسطيني لا تتجزأ من حقوق الإنسان العالمي، وأن مسؤولية اسرائيل تجاه ما تفعله بالفلسطينيين يجب أن تكون مثار محاسبة دولية صارمة، وأن فشل المجتمع الدولي في محاسبة اسرائيل على جرائمها في حق الشعب الفلسطيني، لأي أسباب كانت، هو من السلبيات التي تعود أيضا على إمكانية نجاح الفكرة العالمية لحقوق الإنسان، مما يجعل اسرائيل، والدول التي تقف معها أو تسكت على سياساتها، محاربات فعليات أيضا لهذه الفكرة..

كان هذا عرضا ملخصا لمجمل الأفكار التي تداولتها المحاضرة، وقد كانت هنالك مسائل أخرى تم التطرق لها خفيفا، كمسألة الهوية، وسؤال التجديد الديني في الإسلام، والحروب والكوارث الإنسانية في أفريقيا والعالم، والإيجابيات والسلبيات المعاصرة لهيئة الأمم المتحدة في تعاملها مع الآزمات البشرية المتعددة في العالم، والأمل الذي تمثله هذه الهيئة وإمكانيات تطوير فكرتها وصقل وسائلها..

تقديم: قصي همرور

*الموقع الالكتروني للدكتور النعيم، حيث يوجد كتاب "مستقبل الشريعة" بعدة لغات، إضافة لدراسات عدة متعلقة بالقضية، هو صفحة الدكتور في الموقع الالكتروني لجامعة إيموري التي يعمل بها كأستاذ في القانون:
www.law.emory.edu/aannaim

ياهو زاتو
سودانييز اوون لاين

Post: #57
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-26-2008, 07:30 AM
Parent: #56


ليس دفاعا عن العفيف الأخضر بل دفاعا عن علمانية الاسلام
د. أحمد صبحى منصور





1- فى سنة 1992 قدم لى صديقى الراحل د. فرج فودة بعض كتب راشد الغنوشى طالبا أن أكتب مقالا فى الرد عليها لينشر فى تونس . اعددت بحثا يتتبع الجذور الفكرية للغنوشى ويحلل هذا النمط من تفكير شيوخ الاعتدال فى الحركة السلفية الوهابية الاخوانية . ضاع البحث ولم تكن ظروفى المالية وقتها تمكننى حتى من الاحتفاظ بصورة منه.

فى العام الماضى بعد عام من زيارة بحثية لجامعة هارفارد فى بوسطن اتصل بى بعض المثقفين من بوسطن طالبين الانضمام اليهم فى الوقوف ضد مشروع بناء مسجد متطرف يشرف عليه القرضاوى والعمودى –الذى دخل السجن الامريكى بسبب مؤامرة اعترف بها لاغتيال ولى نعمته الأمير عبد الله ولى عهد السعودية- كان المطلوب منى هو تحديد ماهية المسلم المعتدل من المسلم المتطرف. وجدت نفسى ثانيا اتعامل مع أخطر طائفة انتجتها الحركة الوهابية فى عهد الملك عبد العزيز منشىء الدولة السعودية الثالثة الحالية ، وهو المنشىء الحقيقى لحركة الأخوان المسلمين فى مصر على غرار حركة الأخوان الوهابية فى نجد.

2- الأخوان فى نجد كانوا أعرابا شديدى البأس أرضعهم عبد العزيز وشيوخ الوهابية الجهاد على انه تكفير وقتل كل من ليس وهابيا . بقوتهم الحربية وبلائهم فى القتال وحبهم فى الوصول الى الجنة او الغنائم – كما صور لهم شيوخهم – تمكن عبد العزيز من توسيع املاكه الى أن ضم الحجاز وسيطر على الحج واتصل من خلاله بكل طوائف المسلمين وأعيانهم وتمكن من تصدير الوهابية للخارج. الاستيلاء على الحجاز كان نقطة فارقة فى علاقة عبد العزيز بالأخوان النجديين. تصاعد بينهما الخلاف الى أن ثاروا عليه فقطع دابرهم فى موقعة السبلة وقضى على زعمائهم فيصل الداويش وبجاد العتيبى وابن حثيلين فيمابين 1929- 1930، بعدها اطلق على الدولة الجديدة اسم عائلته السعودية سنة .1932 .

3- كان عبد العزيز يدرك انه بالاستيلاء على المنطقة الشرقية و الحجاز قد وضع الغاما تحت عباءته ، فأعداؤه الشيعة والصوفية فى الداخل ، والشيعة على مقربة منه فى ايران، وخصومه من ابناء الشريف حسين المطرود من الحجاز قد أصبحوا ملوكا على العراق والأردن، ثم هناك علاقته الحدودية المتوترة باليمن وعداء شيعة اليمن الزيدية له. الأهم من ذلك هو مصر التى قضت على الدولة السعودية الأولى ودمرت عاصمتها الدرعية سنة 1818 وارسلت حاكمها ابن سعود ليلقى حتفه فى الآستانة. مصر تعتبر الحجاز تابعا لها وهكذا كان منذ الدولة المملوكية ، ومصر هى التى تتكفل بنفقاته وكسوة الكعبة ولا يمكن أن ترضى على استيلاء عبد العزيز عليه، وفعلا حدث صدام بين القوات المصرية المرافقة للمحمل والأخوان الذين اعترضوا على الموسيقى ودخول المشركين المصريين الى البيت الحرام. كان لا بد من حل سياسى مع مصر يتمكن به عبد العزيز من اطالة عمر دولته الوليدة المحاصرة بالأعداء فى الداخل والخارج. لذا عمل عبد العزيزعلى تغيير التدين الصوفى السنى المعتدل فى مصر الى تدين سنى وهابى متشدد لتحويل مصر الى عمق مساند للدولة الجديدة بدلا من أن تكون عمقا مناوئا يقضى عليها عاجلا أو آجلا كما حدث من قبل..

عن طريق اثنين من عملائه السوريين فى مصر وهما رشيد رضا ومحب الدين الخطيب تحولت الجمعية الشرعية – اكبر جمعية صوفية مصرية – الى جمعية سلفية وهابية، وانشئت جماعة أنصار السنة لتكون ركيزة للفكر السلفى بقيادة الشيخ حامد الفقى ، ثم تطور الأمر بانشاء الشبان المسلمين – حركة شبابية شبه عسكرية. كل ذلك فيما بين 1926 الى 1927، ثم أخيرا تم اختيار شاب عبقرى من الشبان المسلمين هو حسن البنا لينشىء حركة سياسية لقلب نظام الحكم فى مصرهى الأخوان المسلمين سنة 1928.

4- الذى يعنينا فى موضوعنا الآن هو الجديد الذى قدمه الأخوان المسلمون للحركة السلفية الوهابية السعودية. لقد قدموا خطابا عصريا للفكر السلفى ، ابدع فيه فيما بعد الأديب اليسارى السابق سيد قطب فأجتذب اليه الطبقة المثقفة. الا ان ظروف مصر الليبرالية التى كانت تتمتع بحرية دون عدل اجتماعى ساعدت حسن البنا على تجنيد مئات الألوف من الشباب المتعلم الناقم فنشر خمسين الف شعبة للأخوان داخل مصر كما ساعد على انشاء التنظيم العالمى للأخوان المسلمين فى العالم العربى والاسلامى .

5- وبخلاف الأخوان النجديين الصحراويين - الذين وقفوا ضد عبد العزيز لاستعماله اللاسلكى والمتوسيكل واعتبروها من بنات الجن وكانوا ائمة لابن لادن فى صراحته ودمويته - فان الأخوان المصريين بزعامة حسن البنا قدموا نموذجا جديدا من الدعاة يتحدث بلغتين : لغة الاعتدال فى العلن ولغة الدم فى السر. كان هذا هو الطريق السريع الذى استطاع به حسن البنا أن يغزو العقلية المصرية والحياة السياسية فى مصر القائمة وقتها على تعدد الآراء والأحزاب والليبرالية. انشأ البنا التنظيم السرى للأخوان لاغتيال المختلفين معه فى الرأى ، فاذا اكتشفتهم السلطات أعلن البنا: ليسوا أخوانا وليسوا مسلمين الصدفة وحدها هى التى كشفت الجيش السرى للأخوان فى قضية العربة الجيب المشهورة. صدفة أخرى كشفت دور البنا والتنظيم العالمى للأخوان فى اشعال ثورة الميثاق فى اليمن والتى بادرت بقتل امام اليمن المناوىء لابن سعود مما اضطر السعودية للتنصل من الثورة بعد فشلها. هذان الحادثان أيقظا الدولة المصرية على حقيقة الآعتدال المزعزم للأخوان وحسن البنا فعاملتهما بنفس الكأس منذ 1948 وحتى الآن.

6- ولكن ما صلة هذه المقدمة الطويلة بتهديد الغنوشى للعفيف الأخضر؟

انها مقدمة ضرورية لفهم الجذور. وبدون فهم الجذور التاريخية والدينية لا تستطيع فهم الحركة السلفية المعاصرة

لقد قدم الأخوان المصريون نموذج الفقيه المنافق الذى يتخفى تحت ثوب الاعتدال لخداع الاخرين باسم الاسلام. هذا الصنف من الكوادر الأخوانية هو الأكثر خطرا لأنه يتسلل للآخر يحدثه عن تسامح الاسلام وهو يفتى سرا بالاغتيال وسفك الدماء. وشأن اى مخادع فلا بد ان يقع فى زلة لسان أو فلتة غضب فيظهر على حقيقته شرا لا سماحة فيه ولا أعتدال.

شيخ المعتدلين فى سورية – الشيخ البوطى – هو المسئول عن تجهيز الشباب واعداده لتقبل الفكر السلفى، وقد فعل هذا بنجاح ساحق خدع به دولة المخابرات البعثية العلوية النصيرية ووضعها فى مأزق . شيخ المعتدلين القرضاوى – عليه سحائب الرحمة والرضوان – أفتى فى ساعة تجلى فى مؤتمر عام بالقاهرة بقتل كل المدنيين الامريكان فى العراق. ظن الشيخ وهو محاط باتباعه يهتفون له ان السلطة دانت اليه و أصبحت أقرب اليه من حبل الوريد فتعجل وأفتى – لا فض فوه - ثم استيقظ فى الخليج فأنكرواستنكر. الدكتور محمد سليم العوا ظل سنين طوالا يخدع أقباط مصر بمعسول القول يخطب فى الكنائس ويبتسم لهم فى حنان فلما حدثت مشكلة وفاء قسطنطين كشر لهم عن أنياب سوداء لا ترحم . مثله أيضا المستشار طارق البشرى الذى كان يساريا فتأسلم وتأخون على نفس الطريق. كان البشرى حبيبا للأقباط ثم انقلب عليهم بسبب السيدة وفاء. ثم يظهر الآن راشد الغنوشى على حقيقته الدموية يهدد كاتبا مسالما بسبب اختلاف فى الرأى . تلك الحقيقة التى اكتشفتها من بين سطوره اللينة الهينة سنة 1992.

هذا النموذج المنافق مدعى الاعتدال صدره الأخوان المصريون الى السعودية – بلد المنشأ- فهناك أيضا مدعو الاعتدال فى السعودية، أغلبهم شيوخ رسميون للدولة السعودية يتكلمون طبقا للتعليمات ويفتون بالريموت كنترول لتأييد الاسرة المالكة. لكنهم لفرط سذاجتهم ينكشفون سريعا فتنطلق منهم الفتاوى المدمرة خارج المحظورات السياسية.

7- نأتى للسؤال الهام : كيف يمكن أن تتعرف على الفقيه المسلم والفقيه المتطرف ؟

باختصار الفقيه المسلم هو الذى يؤمن بحرية البشر المطلقة فى العقائد والفكر- ايمانا يجعله يدافع عن كل مضطهد فى فكره وعقيدته مهما كان فكره وعقيدته . الفقيه المسلم هو الذى يرى كل البشر ابناء لأب واحد وأمة واحدة وقد خلقنا الله تعالى أخوة متساوين وان اختلفت الأعراق والحضارات، بل ان هذا الاختلاف يدفعنا لنتعارف لا لنتقاتل. ( الحجرات13) الفقيه المسلم يؤمن باختلاف فى بعض التشريعات السماوية مرجعه التنافس فى الخيرات بين المسلمين وأهل الكتاب وليس التعصب الدينى(المائدة 4. الفقيه المتطرف هو الذى يقسم العالم الى قسمين: دار الاسلام ودار الحرب، ويؤمن بالحديث الكاذب عنوان الارهاب المنسوب كذبا للنبى محمد ، والذى يزعمون فيه انه قال: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله ..ألخ أو كما يقولون فى خطبهم : والصلاة والسلام على المبعوث بالسيف بين يدى الساعة ليظهره على الدين كله. الفقيه المسلم يفهم قوله تعالى ليظهره على الدين كله يعنى انزال القرآن الكريم وحفظه الآلهى لأنه أظهار الاسلام حجة على كل أديان البشر الى قيام الساعة بدون حاجة الى حرب ودماء . الفقيه المسلم يؤمن أن الله تعالى قد أرسل محمدا رحمة للعالمين وليس لقتال العالمين ، وأن الله تعالى لم يجعل الهداية مسئولية النبى ، بل مسئولية كل انسان فالله تعالى يهدى من يشاء الهداية من البشر. يبدأ الانسان بمشيئة الهدايه فيهديه الله تعالى . يختار الانسان الضلال فيضله الله تعالى . الانسان حر فيما يعتقد ومسئول امام الله تعالى فقط يوم القيامة على حريته واختياره، أما النبى فقد قال الله تعالى له ليس عليك هداهم انك لا تهدى من أحببت أفانت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ؟

باختصارالفقيه المسلم يرى الاسلام جوهر العلمانية الحقة الشريفة. أو قل العلمانية الحقة الشريفة هى جوهر الاسلام . وذلك موضوع شرحه يطول.

8- ويا عزيزى العفيف الأخضر أنت لا تحتاج لمثلى لكى يدافع عنك . تاريخك وكتاباتك هى الكفيلة بالدفاع عنك . جهادك فى سبيل التنوير هو خير من يدافع عنك.

الاسلام العظيم – دين الرحمة والعدل والسلام والتسامح وحقوق الانسان - هو الذى أضحى محتاجا للدفاع عنه ضد أعدائه الذين اهانوا اسمه العظيم فى سبيل احلامهم السياسية وطموحاتهم الدنيوية. يكفيك شرفا ان يكون أعداؤك هم أنفسهم أعداء الاسلام ، وان يكون دفاعك عن الحرية دفاعا عن اهم حقيقة اسلامية.

ويا عزيزى العفيف : لا تبتئس ولا تحزن فالله تعالى خير حافظا وهو أرحم الراحمين ..

Post: #58
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-26-2008, 07:38 AM
Parent: #57

أدناه ما جاء فى جريدة الرايه القطريه بتاريخ 4/12/2007

http://www.raya.com/site/topics/article.asp?cu_no=2&ite...e_id=24&parent_id=23

الدولة المدنية هي الحل!

بقلم : ضياء الموسوي (رئيس مركز الحوار الثقافي بالبحرين )

..تسمرت لحظات وأنا ألمح شعارات الأحزاب الاسلاموية في الأردن وهي ترفع شعار الإسلام هو الحل . تسلقت الي شفتي ابتسامة يخرج منها الغبار، غبار الذاكرة المرة، عندما كنت صغيرا، ومازلت برعما ينمو تحت تراب الخيمة الاسلامية، وأنا أصرخ في الميكروفون بشعار الإسلام هو الحل.

كلما سألني شاب عن معضلة اقتصادية أو سياسية أو سيكولوجية أقول له: الإسلام هو الحل.

هكذا كنت أردد الشعارات التي كانت تلف في سندويشات الأحزاب السياسية حتي اكتشفت أن الشعار يعني علي أرض الواقع أن دكاكين الأحزاب الإسلاموية هي الحل وليس الإسلام. كانت سندويشات تقطر منها دسومة البرغماتية بامتياز.

لم أكن ملتفتا أن هذه الأقراص المنومة من الشعارات كانت توضع إلينا في شاي الحزب، وأن المقصود بها هو أن شيخ القرية هو الحل.

كانت الدكاكين الحزبية تبيع علينا هذه الوجبات السريعة بعد أن تخزن عقولنا في ثلاجاتها المستوردة والمصنوعة من جلود الشباب الطرية، والضائعة في صحراء الأيديولوجيات الضيقة التي تأخذ من إسلامنا الجميل ما يصب في مصلحة البورصة وتلقي ما يتعارض مع مصلحتها الي المحارق.

تمر السنون وتنتهي المحارق وما زلنا نرجع الي ذات المصيدة ونكرر ذات الأخطاء، ذلك لأن الدكاكين السياسية هي هي. تتغير الأجيال ويبقي الشعار هو الشعار، محشواً بغبار التاريخ والعقلية الجامدة الاستاتيكية، لأنه لا يوجد هناك من يمتلك تصفية العقل بما علق به من أملاح الأفكار.

الاسلام شيء جميل، جاء ليوجد توازنا في الحياة، لكن من قال إنه يجيب علي الأسئلة الحديثة، الطبية، والهندسية، والصناعية؟ لقد أصبحنا نشاهد دكاترة مسلمين مصابين بعقدة النقص تجاه الغرب، فيستخدمون كحيلة شرعية، ولسد العجز الذاتي كل عضلاتهم، لإثبات أننا سبقنا الغرب في كل صغيرة وكبيرة من إظهار أننا نمتلك إعجازا علميا في كل صغيرة وكبيرة.

الغريب لقد حولوا الإسلام الي كتاب هندسي وطبي وسيكولوجي وذري يجيب عن كل شؤون الحياة، فأضاعوا بوصلة الحياة وأضاعوا هذا الشباب الشوزفريني التائه ما بين طلاسم التاريخ وتعقيدات الحاضر بحداثته وعولمته وأوروبته وحضارته وفوبيا المستقبل الغامض.

لسنا بحاجة في انتخابات الأردن او الكويت او البحرين او العراق الي استخدام مخدرات دينية، الدين منها براء لصالح دكاكيننا التي نفتحها علي ضفاف الغيبوبة الشرقية.

قوتك في مدي ما تملك من إجابات رقمية علمية، وما تمتلك من مشاريع واقعية، وليس مجرد شعارات تطلقها في الهواء وأنت عاجز عن ترجمتها الي واقع علي الأرض.

لقد ملأنا الأرض من مثل هذه الشعارات ومثل هذه الفتاوي. نحن بحاجة اليوم الي فتاوي تحرض علي اليقظة، وتحرض علي الوعي. يقول الشاعر الحداثي، أدونيس في إحدي مداخلاته: هل تتحول الفتوي الي شيء إيجابي؟ أفتوا لإقامة مراكز البحوث العلمية والمعرفية. افتوا بضرورة التقدم والابتكار.

نعم، إننا بحاجة الي فتاوي تعيد علاقتنا بالحياة، وتزيل الأتربة المتكدسة علي العقول، وتكنس كل النفايات المتراكمة علي عقولنا العربية والاسلامية.

ملأنا عقول الناس بفتاوي الطهارة والنجاسة ودماء المرأة من الحيض الي النفاس الي الاستحاضة حتي قال عالم دين مسلم : شيبتني الدماء !!.

حتي النصوص اختزناها عبر رؤيتنا الضيقة وقراءاتنا المحدودة. النص يكبر إذا قرأناه بعقل كبير، ويصغر إذا قرأناه بعقل صغير. لهذا لا تتعجبوا إذا أصبحت أغلب تفاسير المسلمين علي شتي مذاهبهم لقرآننا الكريم تفاسير مذهبية تنسج في مصانع طائفية، تستقوي بالأفكار المسبقة والأحكام الجاهزة، وتفصل حسب مدي تراكم الكلسترول الطائفي علي مفاصيل وعي المفسر ذاته.

يجب ألا نتعجب من الحساسية الجلدية ما بين السنة والشيعة، والتي تحولت الي مرض الصدفة والإحمرار والطفح الجلدي بينهم في العراق. إن هذا المرض انتشر في الأجساد والعقول والأنفس بسبب التفسيرات الملغمة والخطب المفخخة بفتيل الطائفية وبسبب الشحن الايديولوجي الذي يسكب كزيت حارق في عقول الصغار، في المعاهد والمدارس والمخيمات. العالم مشغول بغزو الفضاء وبالغزو الاقتصادي والتكنولوجي ونحن مشغولون بالنفخ الايديولوجي علي بعضنا البعض.

أكثرنا انشغالا بتوزيع منشيتات الوحدة الاسلامية في الصحف والكتب والمؤتمرات التقريبية هم رجال الدين، وهم أكثر الناس استخداما للكوميدية السوداء ضد عقائد الآخرين تحت الطاولة. هذا الانفصام يصنع لنا شبابا يحمل القضية ونقيضها. نحن بحاجة الي علماء يقطرون في عيوننا الفرح، فأوطاننا أصبحت فينيسيا تطفو هذه المرة علي الدموع، وليس علي الماء، وأصبح مسلسل الرعب يلتف علينا بسلسلة طويلة كسلسلة مسلسل جيمس بوند الشهيرة. يقول المعري:

هو عبء ثقيل علي الحياة من يظن الحياة عبئاً ثقيلا.

إن رفعنا لمثل هذه الشعارات تقودنا الي الانزلاق نحو البحيرات المذهبية الساخنة بالحقائق الوهمية.نحن نسير نحو سلسة من الأنفاق.

لو نظرنا الي الشعارات الأردنية فهي خاطئة، ولنا تجربة في العراق، حيث تحول حتي البسكويت الي بسكويت طائفي. قنوات طائفية ومدارس طائفية وأحزاب طائفية والنتيجة هو ضياع بلد بأكمله مكتنز بحضارة عريقة ضاعت بين ليلة وعشاها بعد دكتاتورية مازل البعض يبكي عليها. ديجول عندما جاء بمشروعه الاقتصادي قال له الشعب الفرنسي، إجلس في البيت، ونحن للأسف الشديد جعلنا من صدام رجل الضرورة!. أصبح العراق مشروع خسارة كبري، وكأنما أصبح هذا البلد بلد منذور للعذاب.

الحل للعراق هو ديمقراطية قوية للجميع بعيدا عن المذهبية. نعم أخرج السنة من غرفة الحكم بالبجامة، ولكن ليس الحل هو في أخذ الغرفة كاملة للشيعة أو السنة. الحل أن يشارك الجميع، وأن يخرج الشيعة من عقدة الماضي، وأن يخرج السنة من عقدة المستقبل. ان تغيير التوازنات في المنطقة كما هي العصا الأمريكية لا يمكن أن تخدم المنطقة فلابد -كما هو منهج العالم السوسيولوجي العراقي علي الوردي - من مراعاة القاع السوسيولوجي لتغيير أي مجتمع.

الديمقراطية منهج وتربية وسلوك لا يمكن أن تزرع علي الأرض ما لم تزرع في العقول والقلوب، فالديمقراطية لا يمكن أن تنمو بقرار رئاسي.

والسؤال: لماذا لا نستفيد من الغرب فالغرب قتلتهم الحروب وأكلت الحرب العالمية الأولي أكثر من 62 مليون فرد وما زالت جرائم الجيش الأحمر تلطخ التاريخ الغربي. يقول أوسكار دايلد: كلنا غاطسون في مصرف الماء، ولكن بعضنا ينظر الي النجوم.

كما يقول الماغوط في ديوانه سياف الزهور : البؤس هو الوحيد المتماسك في العالم العربي!.

هل لنا أن نكتب علي معاهدنا كما كتب سقراط علي معابد أثينا: أعرف نفسك بنفسك ثم جاء في العصر الحديث فرويد ليختهما ب واعترف بها ؟ أتمني ذلك. فنعترف بالهزيمة حتي نلتحق بالحضارة وإلا ستبقي الآفاق مسدودة. عودا علي بدء أقول: الحل هو بالدولة المدنية وليس الدولة الدينية، والدين لا ينمو إلا في ظل دولة دينية لذلك نقول: الدولة المدنية هي الحل.

Post: #59
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-26-2008, 07:47 AM
Parent: #57

فتوى الشيخ سليمان الخراشي..
في جواز نهب أموال العلمانيين وانتهاك حرماتهم!

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فقد دار بحث مع بعض الأخوة الأفاضل عن حكم التعامل مع العلمانيين والحداثيين والعصرانيين وغيرهم من أصحاب الفكر المنحرف والعقائد الباطلة. وهم إن كانوا في بلاد المسلمين ويقيمون معهم فهم مرتدون عن الإسلام ويتعامل معهم كما يتعامل مع المرتد وفق الشرع. والمرتد في اللغة : هو الراجع ، يقال : ارتد فهو مرتد : إذا رجع ، قال تعالى : { وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ } أي : لا ترجعوا . والمرتد في الاصطلاح : هو الذي يكفر بعد إسلامه طوعا بنطق أو اعتقاد أو شك أو فعل . والمرتد له حكم في الدنيا وحكم في الآخرة. أما حكمه في الدنيا ; فقد بينه الرسول صلى الله عليه وسلم وقد وردت جملة أحاديث صحيحة عن عدد من الصحابة: عن ابن عباس وأبي موسى ومعاذ وعلي وعثمان وابن مسعود وعائشة وأنس وأبي هريرة ومعاوية بن حيدة.
وقد جاءت بصيغ مختلفة، مثل حديث ابن عباس: " من بدل دينه فاقتلوه"(رواه الجماعة إلا مسلمًا، ومثله عن أبي هريرة عند الطبراني بإسناد حسن، وعن معاوية بن حيدة بإسناد رجاله ثقات) .(أورد ذلك الهيثمي في مجمع الزوائد: 261/6).
وحديث ابن مسعود: " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه، المفارق للجماعة" (رواه الجماعة).
وفي بعض صيغه عن عثمان: "..... رجل كفر بعد إسلامه، أو زنى بعد إحصانه، أو قتل نفسًا بغير نفس" (رواه الترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجة، وقد صح هذا المعنى من رواية ابن عباس أيضًا وأبي هريرة وأنس)، قال العلامة ابن رجب: والقتل بكل واحدة من هذه الخصال متفق عليه بين المسلمين .(انظر: شرح الحديث الرابع عشر من "جامع العلوم والحكم" بتحقيق شعيب الأرناؤوط- طبع الرسالة).
وأجمع العلماء على ذلك ، وما يتبع ذلك من عزل زوجته عنه ومنعه من التصرف في ماله قبل قتله . وأما حكمه في الآخرة . فقد بينه الله تعالى بقوله : { وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }
والردة تحصل بارتكاب ناقض من نواقض الإسلام ، سواء كان جادا أو هازلا أو مستهزئا ; قال تعالى : { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ }
ونواقض الإسلام التي تحصل بها الردة كثيرة . من أعظمها الشرك بالله تعالى ; فمن أشرك بالله تعالى ; بأن دعا غير الله من الموتى والأولياء والصالحين ، أو ذبح لقبورهم ، أو نذر لها ، أو طلب الغوث والمدد من الموتى ; كما يفعل عباد القبور اليوم ، فقد ارتد عن دين الإسلام ; قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ }
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم ويتوكل عليهم ; كفر إجماعا . وكذلك من جحد بعض الرسل أو بعض الكتب الإلهية ; فقد ارتد ; لأنه مكذب لله ، جاحد لرسول من رسله أو كتاب من كتبه . وكذلك من جحد الملائكة أو جحد البعث بعد الموت ; فقد كفر ; لأنه مكذب للكتاب والسنة والإجماع . وكذلك من سب الله تعالى أو سب نبيا من أنبيائه تصريحا أو تلميحا ; فقد كفر. وكذلك من شكك في النبوة ، أو ادعاها اوصدق من يدعيها بعد النبي محمد صلى الله عليه وسلم ; فقد كفر ، لأنه مكذب لقوله تعالى : { وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ } ومن جحد تحريم الزنى ، أو جحد تحريم شيء من المحرمات الظاهرة المجمع على تحريمها كلحم الخنزير والخمر ، أو طالب بالغاء حد من حدود الله كما ينادي العصرانيون وغيرهم من اهل العلمنة; فقد كفر . وكذلك متى جحد وجوب عبادة من العبادات الخمس الواردة في قوله صلى الله عليه وسلم : [ بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج بيت الله الحرام ] ومن استهزأ بالدين ، أو امتهن القرآن الكريم ، أو زعم أن القرآن نقص منه شيء ، أو كتم منه شيء فلا خلاف في كفره " . .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " ومعلوم بالاضطرار من دين الإسلام وباتفاق جميع المسلمين أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام أو اتباع غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ، فهو كافر ، وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض " . ...
وقال : " ومن سخر بوعد الله أو بوعيده ، أو لم يكفر من دان بغير الإسلام كالنصارى ، أو شك في كفرهم ، أو صحح مذهبهم ; كفر إجماعا " .
وقال : " من سب الصحابة أو أحدا منهم ، واقترن بسبه دعوى أن عليا إله أو نبي ، وأن جبريل غلط ; فلا شك في كفره " ; انتهى كلامه رحمه الله، وهذا يوضح كفر الروافض ومن تبعهم من اهل العقائد الباطلة .
ومن حكم القوانين الوضعية بدل الشريعة الإسلامية ; يرى أنها أصلح للناس من الشريعة الإسلامية ، أو اعتنق فكرة الشيوعية أو القومية العربية أو العلمانية بديلا عن الإسلام ، فلا شك في ردته .
وأنواع الردة كثيرة ، مثل من لم يكفر المشركين أو يشك في كفرهم أو يصحح ما هم عليه ، ومثل من يعتقد أن هدي غير النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه ، أو أن حكم غير النبي صلى الله عليه وسلم أحسن من حكمه ، ومثل من أبغض شيئا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومن استهزأ بشيء من دين الرسول أو ثوابه أو عقابه ، وكذلك من ظاهر المشركين وأعانهم على المسلمين ، ومن اعتقد أن بعض الناس يجوز له الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ; كغلاة الصوفية ، ومن أعرض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به ; كل هذه الأمور من أسباب الردة ومن نواقض الإسلام .
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله : " ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف ; إلا المكره ، وكلها من أعظم ما يكون خطرا ، وأكثر ما يكون وقوعا ; فينبغي للمسلم أن يحذرها ويخاف منها على نفسه ، نعوذ بالله من موجبات غضبه ، وأليم عقابه " .
هذه نماذج من نواقض الإسلام ، وهي أكثر مما ذكر بكثير ; وهي تنطق على اصحاب الفكر العلماني والحداثي والعصراني ممن يشككون في بعض تعاليم الدين ويستهزئون بالدين أو بأهله من العلماء الربانيين أو يسخرون من القرآن الكريم ويلهون فيه.
وتفصيل ذلك موجود في كتاب" اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم " لشيخ الإسلام ابن تيمية ، وكتاب " المسائل التي خالف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الجاهلية " للشيخ محمد بن عبد الوهاب ، وشرحها للعلامة العراقي محمود شكري الألوسي رحمه الله .
فمن ارتد عن دين الإسلام وثبت عليه ذلك كما في حال بعض من مرقوا من الدين, وسأذكر فقط عينة لهم كالزنديق تركي الحمد والعلماني عبدالله ابو السمح والعصراني منصور النقيدان وزمرته والعقلاني خالص جلبي وأتباعه والزيدي حسن المالكي ومؤيدوه والحداثي عبدالله الزيد وزمرته والخبيث مشعل السديري وغيرهم من أهل الزندقة والانحلال الفكري فهؤلاء عندما نطبق عليهم منهج الشريعة الإسلامية فهم مرتدون كفرة يطبق عليهم حكم الشرع وهو إنه يجب أن يستتاب ويمهل ثلاثة أيام ، فإن تاب ، وإلا قتل ;ويرى بعض أهل العلم عدم استتابته.
وقد نفذ علي كرم الله وجهه عقوبة الردة في قوم ادعوا ألوهيته، فحرقهم بالنار، بعد أن استتابهم وزجرهم، فلم يتوبوا ولم يزدجروا، فطرحهم في النار، وهو يقول:
لما رأيت الأمر أمرًا منكرًا **** أججت ناري، ودعوت قنبرًا
وقنبر هو خادمه وغلامه (انظر: نيل الأوطار: 5/8، 7 - طبع دار الجيل).
وقد اعترض عليه ابن عباس بالحديث الآخر: " لا تعذبوا بعذاب الله، ورأى أن الواجب أن يقتلوا لا أن يحرقوا، فكان خلاف ابن عباس في الوسيلة لا في المبدأ. وكذلك نفذ أبو موسى ومعاذ القتل في يهودي في اليمن أسلم ثم ارتد، وقال معاذ: قضاء الله ورسوله (متفق عليه).
وروى عبد الرزاق: أن ابن مسعود أخذ قومًا ارتدوا عن الإسلام من أهل العراق، فكتب فيهم إلى عمر، فكتب إليه: أن اعرض عليهم دين الحق، وشهادة أن لا إله إلا الله، فإن قبلوها فخل عنهم، وإذا لم يقبلوها فاقتلهم... فقبلها بعضهم فتركه، ولم يقبلها بعضهم فقتله (رواه عبد الرزاق في مصنفه: 168/10، الأثر رقم 18707).
وروي عن أبي عمرو الشيباني أن المستورد العجلي تنصر بعد إسلامه، فبعث به عتبة بن فرقد إلى علي، فاستتابه فلم يتب، فقتله (المصنف - المرجع السابق، الأثر 18710).
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية: أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل توبة جماعة من المرتدين، وأمر بقتل جماعة آخرين، ضموا إلى الردة أمورًا أخرى تتضمن الأذى والضرر للإسلام والمسلمين، مثل أمره بقتل مقيس بن حبابة يوم الفتح، لما ضم إلى ردته قتل المسلم وأخذ المال، ولم يتب قبل القدرة عليه، وأمر بقتل العرنيين لما ضموا إلى ردتهم نحوًا من ذلك. وكذلك أمر بقتل ابن خطل لما ضم إلى ردته السب وقتل المسلم، وأمر بقتل ابن أبي سرح، لما ضم إلى ردته الطعن عليه والافتراء. وفرق ابن تيمية بين النوعين: فالردة المجردة تقبل معها التوبة، والردة التي فيها محاربة الله ورسوله والسعي في الأرض بالفساد لا تقبل فيها التوبة قبل القدرة، (الصارم المسلول لابن تيمية ص368، مطبعة السعادة، بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد).
وقد قيل: لم ينقل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل مرتدًا، وما نقله ابن تيمية ينقض هذه الدعوى، ولو صح ذلك فلأن هذه الجريمة لم تظهر في عهده، كما لم يعاقب أحدًا عَمِل عمل قوم لوط. إذ لم تُعلن في عهده صلى الله عليه وسلم.
ويحق سلب أموال المرتدين وانتهاك حرماتهم سواء قتلوا أم لا، لأن حكم الشرع فيهم نافذ وتطبيقه مناط بالحاكم ولكن مضمونه يخص أمة الإسلام، على نحو ما قال الحنفية والمالكية في حديث "من قتل قتيلاً فله سلبه" وما قال الحنفية في حديث: "من أحيا أرضًا ميتة فهي له" -انظر "الخصائص العامة للإسلام" ص217). وهذا هو قول إبراهيم النخعي، وكذلك قال الثوري: هذا الذي نأخذ به (المصنف جـ 10، الأثر 18697)، وفي لفظ له: لايؤجل قتله خشية تفشي أذاه (ذكره ابن تيمية في" الصارم المسلول " ص321).
والذي أراه: أن تأخير حكم الله في المرتدين إخلال بشرع الله، ولذا يجب عدم التأخر في ذلك لكي لايتفشى ضررهم وخطرهم على أمة الإسلام. فهؤلاء المرتدون يدعون غيرهم إلى بدعتهم باللسان وبالقلم فالأولى قتلهم استئصالاً للشر، وسدًا لباب الفتنة.
إن المرتد الداعية إلى الردة سواء بنقدهم أحكام الإسلام أو تشكيكه فيها وبعث البلبلة في أذهان الناس ليصرف الناس عن الدين القويم هو ليس مجرد كافر بالإسلام، بل هو حرب عليه وعلى أمته، فهو مندرج ضمن الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا، والمحاربة - كما قال ابن تيمية - نوعان: محاربة باليد، ومحاربة باللسان، والمحاربة باللسان في باب الدين، قد تكون أنكى من المحاربة باليد، ولذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يقتل من كان يحاربه باللسان، مع استبقائه بعض من حاربه باليد. وكذلك الإفساد قد يكون باليد، وقد يكون باللسان، وما يفسده اللسان من الأديان أضعاف ما تفسده اليد.. فثبت أن محاربة الله ورسوله باللسان أشد، والسعي في الأرض بالفساد باللسان أوكد" ا هـ .(انظر: الصارم المسلول – لابن تيمية ص385).
والقلم أحد اللسانين، كما قال الحكماء، بل ربما كان القلم أشد من اللسان وأنكى، ولا سيما في عصرنا لإمكان نشر ما يُكتب على نطاق واسع. والمرتد لايجب موالاته ولا السكوت عنه ومن حماه أو دافع عنه فهو مرتد كذلك حتى لو لم يفعل فعل المرتد، فالله تعالى يقول: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) (المائدة: 51)
وأرى أن الاستتابة ليست للجميع وإنما هي للمخدوع غير المكابر، وجمهور الفقهاء قالوا باستتابة المرتد، قبل تنفيذ العقوبة فيه، بل قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب" الصارم المسلول على شاتم الرسول": هو إجماع الصحابة رضي الله عنهم، وبعض الفقهاء حددوها بثلاثة أيام، وبعضهم بأقل، وبعضهم بأكثر، ومنهم من قال: يستتاب أبدًا، واستثنى بعضهم الزنديق؛ لأنه يظهر غير ما يبطن، فلا توبة له، وكذلك سابّ القرأن الكريم أو الرسول صلى الله عليه وسلم وأهل العلم، لحرمة ذلك وكرامته، فلا تقبل منه توبة.
ولاتقبل توبة من سب الله تعالى أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم وأهل العلم : فلا تقبل توبته في أحكام الدنيا كترك قتله وتوريثه والتوريث منه ، وإنما يقتل على كل حال ; لعظم ذنبه وفساد عقيدته واستخفافه بالله تعالى .
ولاتقبل توبة الزنديق وهو المنافق . الذي يظهر الإسلام ويخفي الكفر; لأنه لا يبين منه ما يظهر رجوعه إلى الإسلام ، والله تعالى يقول : { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا } فإذا أظهر التوبة ، لم يزد على ما كان قبلها ، وهو إظهار الإسلام وإخفاء الكفر . .
ومن الزنادقة : الحلولية ، والإباحية ، ومن يفضل متبوعه على محمد صلى الله عليه وسلم ، ومن يرى أنه إذا حصلت له المعرفة ; سقط عنه الأمر والنهي ، أو أنه إذا حصلت له المعرفة ، جاز له التدين بدين اليهود والنصارى وأمثالهم من الطوائف المارقة عن الإسلام من الصوفية والرافضة والزيدية والمأسونية وغيرهم؛ ومن لايرى أن للإسلام تصرف شامل في حياته ومعاشه ويرى أن هناك ماهو أفضل منه كأهل العلمنة والحداثة وغيرهم من الملاحدة.
والثابت عن أهل السنة والجماعة هو سلب أموالهم استحلالا وسبي نسائهم تملكاً والفتك بهم تنفيذاُ لشرع الله سبحانه. وبالله التوفيق.
كتبه سليمان بن صالح الخراشي.

Post: #60
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-26-2008, 07:57 AM
Parent: #57

فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء في تحريم إهداء الزهور

فتوى رقم 21409 تاريخ 21/3 /1421 :
الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .
وبعد، فلقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من المستفتي محمد عبد الرحمن العمر، والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم 1330 وتاريخ 21/3/1420هـ ، وقد سأل المستفتي سؤالاً هذا نصه : ( لقد انتشرت في بعض المستشفيات محلات بيع الزهور ، وأصبحنا نرى بعض الزوار يصطحبون باقات - طاقات الورود - لتقديمها للمزورين ، فما حكم ذلك ؟
وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء ، أجابت بما يلي:
ليس من هدي المسلمين على مر القرون إهداء الزهور الطبيعية أو المصنوعة للمرضى في المستشفيات، أو غيرها. . وإنما هذه عادة وافدة من بلاد الكفر، نقلها بعض المتأثرين بهم من ضعفاء الإيمان، والحقيقة أن هذه الزهور لا تنفع المزور ، بل هي محض تقليد وتشبيه بالكفار لاغير ، وفيها أيضا إنفاقٌ للمال في غير مستحقه ، وخشيةٌ مما تجر إليه من الإعتقاد الفاسد بهذه الزهور من أنها من أسباب الشفاء ! وبناء على ذلك: فلا يجوز التعامل بالزهور على الوجه المذكور ، بيعاً ، أو شراءً ، أو إهداءً . انتهى.

-----
فتوى الشيخ عبدالعزيز بن باز في تحريم القول بدوران الكرة الأرضية


بسم الله وحده والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين عليه الصلاة والسلام، والحمد لله رب العالمين، القول بدوران الأرض قول باطل والاعتقاد بصحته مخرج من الملة لمنافاته ماورد في القرآن الكريم من أن الأرض ثابته وقد ثبتها الله بالجبال أوتاداً، قال سبحانه وتعالى {والجبال أوتادا} وقوله جل وعلا { وإلى الأرض كيف سطحت} وهي واضحة المعنى فالارض ليست كروية ولاتدور كما بين جل وعلا، وقد يكون دورانها او تغيرها من غضبه سبحانه، كما في قوله سبحانه: { أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ }. والجبال موضوعة في الأرض لترسيتها عن الدوران والتحرك، قال تعالى { وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} وقال سبحانه {وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} وَقَوْله " وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْض رَوَاسِي " أَيْ جِبَالًا أَرْسَى الْأَرْض بِهَا وَقَرَّرَهَا وَثَقَّلَهَا لِئَلَّا تَمِيد بِالنَّاسِ أَيْ تَضْطَرِب وَتَتَحَرَّك فَلَا يَحْصُل لَهُمْ قَرَار.
والأرض تدل على عظمة الخالق سبحانه وهي آية من آياته كبقية آياته العظيمة وقد ذكر الله سبحانه أن الشمس والقمر يجريان في فلك في آيتين من كتابه الكريم وهما قوله عز وجل في سورة الأنبياء { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} وقوله سبحانه في سورة يس: { لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } ولم يذكر أن الأرض تدور كما يزعمون.
ولو كانت الأرض تدور لأخبرنا بذلك الله سبحانه أو نبيه عليه الصلاة والسلام الذي تركنا على المححة البيضاء ليلها كنهارها لايزيغ عنها إلا هالك. والحمد لله رب العالمين.
عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

------

فتوى ابن عثيمين في تحريم تعلم اللغة الإنجليزية

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،
قال شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله في كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أهل الجحيم": ( فإن اللسان العربي شعار الإسلام وأهله ، ولايصح لمسلم التكلم بغيره ... ) ص203
وقد سُئل الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله عن الدعاء في الصلاة بالفارسية ؟ فكرهه . وقال: لسان سوء ولايصح الحلف بها ولا الصلاة ولاسائر العبادات. ص 204
وقد روى السلفي من حديث سعيد بن العلاء البرذعي حدثنا إسحق بن إبراهيم البلخي حدثنا عمر بن هارون البلخي حدثنا أسامة بن زيد عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلىالله عليه وسلم ( من يحسن أن يتكلم بالعربية فلا يتكلم بالعجمية فإنه يورث النفاق ) ص205
ومعلوم أن اعتياد التكلم بغير العربية حتى يكون عادة أمر غير مشروع لأن يورث محبة أهل تلك اللغة من الكفرة وهو مخالف لعقيدة الولاء والبراء من الكفار. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : (واعلم أن اعتياد اللغة يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيرًا قـويًا بينًا، ويـؤثر أيضاً في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين ، ومشابهتهم تزيد في العقل والدين والخلق) ص207
والذي أراه أن الذي يعلم صبيّه اللغة الإنجليزية منذ الصغر سوف يُحاسب عليه يوم القيامة ؛ لأنه يؤدي إلى محبة الطفل لهذه اللغة ، ثم محبة من ينطق بها من الناس ؛ هذا من أدخل أولاده منذ الصغر لتعلم اللغة الإنجليزية أو غيرها من اللغات .
فليتق الله من يريد جلب هذه اللغة إلى أبناء المسلمين ، والله الله أن يضيع من يعول ، وليتذكر قوله صلى الله عليه وسلم : ( ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاشٌ لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة ) رواه مسلم .اللهم هل بلغت ؟ اللهم فاشهد . انتهى.
استمع الى شرح زاد المستقنع – كتاب النكاح – الشريط الثاني الوجه الثاني .
----


Post: #61
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-26-2008, 08:11 AM
Parent: #57

فتوى الشيخ على الخضير في جواز الكذب وشهادة الزور لنصرة الأمة

فتوة طويلة نقتطف منهاالآتي:
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد:
المؤمن أخو المؤمن، ولابد أن ينصره حال طلب النجدة أو عند العلم بحاجته، ومن النصرة مؤازرته ودفع الضرر عنه. ومن ذلك الكذب؛ فالكذب يجوز لنصرة المسلم ولدفع الكافر أو العدو. فقد صح فى الحديث جواز الكذب لتحقيق مصلحة ومن المصلحة رفعة المسلم وذلة سواه (...)
و يقول ابن الجوزى رحمه الله (وضابطه أن كل مقصود محمود لا يمكن التوصل إليه إلا بالكذب فهو مباح إن كان المقصود مباحا، وإن كان واجباً فهو واجب ) وقال ابن القيم رحمه الله فى ( زاد المعاد ) ج 2 ص 145 : (يجوز كذب الإنسان على نفسه وعلى غيره إذا كان يتوصل بالكذب إلى حقه ، كما كذب الحجاج بن علاط على المشركين حتى أخذ ماله من مكة....، إلى أن قال : ونظير هذا الإمام والحاكم يوهم الخصم خلاف الحق ليتوصل بذلك إلى استعمال الحق ، كما أوهم سليمان بن داود عليهما السلام إحدى المرأتين بشق الولد نصفين ، حتى يتوصل بذلك إلى معرفة عين أمه) (...)
كما جاء فى كتاب ( مفتاح دار السعادة ) ج 1 ص 141؛ أن جثيم بن إياس قد شهد بالله العظيم على كفر ابراهيم الصابي حتى يقتل لأن في بقائه مفسدة للأمة. (...)
ومن الحرب حرب الأفكار، وهي أشد من حرب القتال، فيجب استخدام الخدعة ويباح الكذب فيها لإظهار أهل البدع والشركيات وأهل الفرق الباطلة من روافض وزنادق وأهل علمنة وحداثة وقرامطة وغيرهم بمظهرهم المخزي لكي لايغتر بهم عوام المسلمين؛ وإظهار أهل السنة وأصحاب العقيدة السليمة بمظهرهم اللائق بهم. (...)
وكما جاز الكذب لإنقاذ حق المسلم لنفسه؛ حق المال والرأي والعمل فكذلك يجوز له الكذب لأجل إنقاذ حق أخيه المسلم إذا لم يمكنه الوصول إليه إلا به وهو من التعاون على البر والتقوى ؛ على أن يكون ذلك حق للمسلم المعروف باستقامته وحبه لأهل الخير والفضل وذوده عن حياض الدين لا لغيره. و المرء كلما استطاع أن يلجأ إلى المعاريض فالأولى له أن يستخدمها لأن المقصود هو جلب نفع أو دفع ضر وإن أمكن بلفظ يبيحه الشرع ابتداء وفي هذا يقول أبو العباس القرطبي :[وفي هذا ما يدل على جواز المعاريض والحيل في التخلص من الظلمة بل نقول : إنه إذا لم يخلص من الظالم إلا الكذب الصراح جاز أن يكذبه ، بل : قد يجب في بعض الصور بالاتفاق بين الفرق ، ككذبة تنجي نبيا ، أو وليا ممن يريد قتله ، أو أمنا من المسلمين من عدوهم] 6/186 المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم ، وقال أيضا :[ وأما كذبة تنجي ميتا ، أو وليا ، أو أمما ، فذلك لا تختلف في وجوبه أمة من الأمم ن لا العرب ولا العجم]6/ 592المصدر السابق ، وقال النووي : [وقد اتفق الفقهاء على أنه لو جاء ظالم يطلب إنسانا مختفيا ليقتله أو يطلب وديعة لإنسان ليأخذها غصبا وسأل عن ذلك وجب على من علم ذلك إخفاؤه وإنكار العلم به وهذا كذب جائز بل واجب لكونه في دفع الظالم]15/124شرح صحيح مسلم .
ولهذا فإنه يجوز لك الكذب والشهادة وتغليظ اليمين لنصرة الدين الإسلامي ونهجه القويم ونصرة أخوك المسلم الصالح ممن يريدون به كيداً؛ وإذلال أهل البدع والضلالات والفرق الفاسدة؛ ونسأل الله أن يكون لك بذلك الأجر والمثوبة. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
كتبه: علي بن خضير الخضير
بريدة.



فتوى الشيخ عبدالله النجدي في تحريم لعب كرة القدم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .. ثم أما بعد :
فهذه هي الطبعة الثانية لرسالتي ( الكرة تحت أقدام الصالحين ) والتي مر عليها عاماً كاملاً وعدة أيام قليلة، وبحمد الله تعالى والشكر لله وحده فقد بارك الله فيها ووضع لها القبول والتأثير في قلوب إخواني من شباب الصحوة مما لم أكن أتوقعه أو يخطر على بالي أبداً .
لقد انتشرت هذه الرسالة الجديدة والغريبة في موضوعها في كل مدينة وفي كل بيتٍ تقريباً، حتى جاءتني الأخبار والثمار والاتصالات ممن يعرفني من المشايخ وطلاب العلم بالتبشير بأن رسالة ( الكرة تحت أقدام الصالحين ) قرأها شباب لا يحصيهم إلا الله تعالى من إخواني المحبين للدين من شباب الصحوة فتقبلوها إذْ أنها قائمة بالحق وعلى الحق ومن أجل الحق حيث قضت ونصَّت على تحريم لعبة كرة القدم بقوانينها وأحكامها الدولية، حتى إن أحد الشباب في منطقة الشمال قرأ رسالتي هذه فترك الكرة واللعب بها مع أنه يحبها ويلعبها يومياً غالباً، والأعجب من ذلك أنه قريب عهدٍ بالهداية كما نُقل لي ، وقد صرح هذا الشاب التائب من اللعب بالكرة للشباب ممن تاب معه أن تحريمها لم يخطر على باله، حتى قال : وأعجب دليل خوفني في الرسالة هو دليل تطبيق القانون الدولي لكرة القدم الذي كنا نعمل به إذا لعبنا بالكرة، ولم أكن أتوقع أنني ألعب بالكرة وأتحاكم فيها إلى قانون الكفار وإلى النظام الدولي لكرة القدم إلى آخر كلامه.
ولم يقف الأمر عند منطقة الشمال فحسب، بل تعداها بحمد لله تعالى إلى خارج منطقة الرياض كالقصيم وحائل والشرقية والحجاز وغيرها من المدن والقرى، حتى صرحت مجموعة في حفر الباطن بالتوبة من اللعب بكرة القدم مادام أن الأمر فيه قوانين دولية وتحاكم إلى الطاغوت الدولي للكرة وفيه تشبه بالكفار وأمريكا على وجه الخصوص، بل وصلتني أخبار مؤكدة في الرياض من أصحاب حلقات القرآن الكريم أنهم لما قرؤوا الرسالة توقفوا عند أدلتها احتراماً للحق الذي تحمله، فتابوا منها جميعاً، فلله الحمد والمنة .
ومما يسر المؤمن أن مجموعات من الشباب الطيبين لا عداد لهم يعرفهم أحد المشايخ تركوا الكرة نهائياً بعد قراءة هذه الرسالة فأشغلوا أوقاتهم برياضات جديدة كالسبـاق والسباحة وغير ذلك من اللعب المباح الذي لا علاقة له بالكفار وقوانينهم وأنظمتهم .
بل لقد حدا الأمر ببعض الشباب الملتزمين بعد قراءة الرسالة أنهم طبقوا الشروط المرسومة في آخرها لمن يريد اللعب بالكرة، وهؤلاء لعبوا الكرة لكنهم تركوا الارتباط بالقانون الدولي والألفاظ المرسومة لكرة القدم .
ومما يسر قلب المؤمن كذلك أن أحد الملتزمين ممن يلعب الكرة مع أصحابه قرأ الرسالة في أول يوم وزعت فيه في العام الماضي مما جعله يُصرح بتركها بلا رجعة، بل أخذ الرسالة معه إلى أصحابه فتابوا معه ولم يُكابروا، لأن الحق محبوب إلى النفوس المؤمنة، وتبع ذلك الشاب شباب لا حصر لهم في تلك المدينة وغيرها من مدن القصيم، فتركوا كرة القدم نهائياً وبعضهم طبق الشروط وترك القوانين الدولية والألفاظ النظامية والحركات الغربية فلله الحمد والمنة .
وبعد هذه البشائر وهذه الحقائق والأخبار في ترك الشباب اللعب بالكرة يوم أن تبين لهم تحريمها وأنها قائمة من أولها إلى آخرها على القوانين وعلى التحاكم إلى النظام الدولي الكافر ولا حول ولا قوة إلا بالله فإنني على يقين بإذن الله تعالى أن هناك الكثير والكثير من شباب الصحوة وطلبة حلقات القرآن الكريم سوف يتركونها ويُعادونها أو يلعبونها ـ إن كان لابد ـ بالشروط المرفقة يوم يقرؤون هذه الرسالة بتأمل وطلباً للحق بنية صادقة، وخاصة في هذه الطبعة الثانية والجديدة .
وفي ختام المقدمة الجديدة لهذه الطبعة الثانية والمزيدة والمنقحة فإن هذه الطبعة تتميز عن الطبعة الأولى بالمميزات التالية :
أولاً : ذكرت نشأت كرة القدم ومن الذي اخترع هذه اللعبة في أول الأمر.
ثانياً : ذكرت حقائق وأنظمة صادرة من القانون الدولي لكرة القدم يعمل بها شباب الصحوة إذا لعبوا بالكرة وهي صريحة بالحكم بغير ما أنزل الله والتحاكم إلى القانون الدولي بدلاً من التحاكم إلى القرآن والعياذ بالله من ذلك ونعوذ بالله أن نقدم حكم الطاغوت الدولي للكرة في الملعب على شرع الله تعالى، كما سيأتي تفصيله قريباً .
ثالثاً : أرفقت بعد كل دليل من أدلـة تحريم كرة القدم صوراً في كيفيـة اللعب بكرة القدم وكيفية النظام والقانون المسموح به لحركات اللاعبين للكرة داخل الملعب المربع والمخطط .
رابعاً : ذكرت حقائق جديدة صادرة من القانون الدولي تتعلق بالكرة وطريقة اللعب بالكرة والنظام المطلوب تحقيقه عند اللعب بها .
وأخيراً نسأل الله سبحانه وتعالى أن يبارك في هذه الطبعة الجديدة وينفع بها من قرأها واطلع عليها ونسأله سبحانه أن يُثبت من ترك الكرة حتى مماته ونشكره على تقبله للحق وعلى بغضه للكرة وقوانينها وأحكامها الدولية الذي كان في يومٍ من الأيام يُطبقها وينقاد لها وهي من الكفار وأذنابهم .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ،،،.
كتبه
عبدالله النجدي
الرياض ـ شهر ربيع الثاني 1423هـ



فتوى الشيخ ناصر الفهد في تحريم أداء التحية العسكرية!

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير الانبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين.
قال تعالى: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين}، ولما في أداء التحية العسكرية من مهانة للمسلم وخضوع وخنوع لبشر، مما قد يجعل الرجل التقي ينحني بالتحية العسكرية لمن هو أقل منه شآناً من ناحية التدين حتى وان علت مرتبته العسكرية وهذه المراتب إنما هي تقليد غربي يمحق الهوية الاسلامية ويستبدلها بالفكر الغربي. لهذا فإنه يحرم أداء هذه التحية على الصورة التي يمارسها العسكريون من رفع لليد حتى الجبين ومايصاحبها من خشوع وخنوع لايجوز إلا لرب العزة والجلال. {قل أمرت أن أعبد الله مخلصا له ديني}. والحمد لله رب العالمين.

ناصر بن حمد الفهد




فتوى هيئة كبار العلماء في السعودية بتحريم لعبة البوكيمون!

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد
فإن المسلمين في هذه الأزمان لا يفتأون أن يَخْرجوا من فتنة إلا ويُدخَلوا في أخرى ، ولا يزال أعداء الإسلام من يهود ونصارى وعلمانيين وحداثيين وماسونيين وغيرهم في محاولاتهم المتكررة في إفساد عقائد وأخلاق المسلمين ، ولن يطيب لهم بال حتى يخرجوهم من دينهم الذي ارتضاه الله لهم إلى عقائد الانحلال والتفسخ ، يقول الله سبحانه وتعالى ( ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء .. ) الآية ، والمطلع على أحوال هؤلاء المضللين يرى أنهم في محاولات جادة لتنشئة أبناءنا وتربيتهم على عادات الحضارات الكافرة الفاشلة ، وما اللعبة المسماة بـ ( البوكيمون ) إلا إحدى طرقهم في تسيير أبناءنا إلى الطرق الإلحادية ، إذ تقوم فكرة هذه اللعبة على النظرية الإلحادية ( داروين ) التي تقول إن الإنسان كان قردا ، حتى وصل إليّ أن بعض من يلعبها من الأطفال انتشر على ألسنتهم أن الصور الموجودة في هذه اللعبة تتطور وتنتقل من مخلوق إلى آخر وهذه هي نظرية داروين تماما .
والمتابع لهذه اللعبة يجد أنها لم تنتشر من أجل التسلية أو الترفيه كما يفهم البعض بل المعروف أن وراء هذه اللعبة أيد خفية منظمة تعمل في الخفاء لنشر أفكار هدامة عبر تلك الرموز والشعارات الموجودة فيها ، هذا عوضا عن ظهور الوثن النصراني فيها المسمى بـ ( الصليب ) والمجمع على تحريم رفعه ، والشعارات اليهودية كالنجمة السداسية ورموز الماسونية المنحرفة ورموز المعتقد الياباني القائم على أن في الكون إله آخر مع الله ، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ، وعوضا عن أنها تؤدي إلى البغضاء والشحناء وصرف الأبناء عما ينفعهم وكونها مشابهة للكفار والنبي عليه الصلاة والسلام يقول ( من تشبه بقوم فهو منهم ) ومن أكل أموال الناس بالباطل يقول الله سبحانه وتعالى ( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ) ومن القمار والميسر المحرمين يقول سبحانه وتعالى ( إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل انتم منتهون ) .
فالمتحتم في هذه المسألة تحريم بيع هذه اللعبة التي تبني في عقول أبناءنا الانسلاخ من الإسلام ويتحتم أيضا تحريم الدعاية لها ، فعلى أولياء أمور الأبناء وعلى المعلمين أن ينتبهوا لهذا الأمر وأن يمنعوا لعب وتداول الأطفال لهذه اللعبة ، وعلى الشركات التي تقوم بالدعاية لها أن تخاف الله سبحانه وتعالى وألا تنشر مثل هذه المحرمات ، وعلى الجميع مقاطعة الشركات و السلع التي تقوم بالدعاية لهذه اللعبة .
نسأل الله بمنه وكرمه أن يعز الإسلام وأهله وأن يذل الكفر وأهله إنه وحده القادر وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

Post: #62
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-26-2008, 08:31 AM
Parent: #61

فتوى الشيخ "" يوسف القرضاوي حول مشاركة المرأة في العمليات "الإنتحارية":

سألت مجلة فلسطين المسلمة في عددها الحالي آذار (مارس) 2002كم، فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي حول مشاركة النساء في العمليات الاستشهادية فيها، فقال:
(( إن العمليات الاستشهادية من أعظم أنواع الجهاد في سبيل الله، يقوم بها شخص يضحي بروحه رخيصة في سبيل الله، وينطبق عليه قول الله تعالى: "ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله"..
والمنتحر يائس من الحياة بسبب فشل ما، ويريد أن يتخلص من حياته، أما الاستشهاد فهو عمل من أعمال البطولة .. ومعظم علماء المسلمين يعتبرونه من أعظم أنواع الجهاد.
وعندما يكون الجهاد فرض عين كأن يدخل العدو بلداً من البلدان، تطالب المرأة بالجهاد مع الرجل جنباً إلى جنب، وقال الفقهاء: إذا دخل العدو بلداً وجب على أهله النفير العام، وتخرج المرأة بغير إذن زوجها والولد بغير إذن أبيه والعبد بغير إذن سيده والمرؤوس بغير إذن رئيسه لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. ولأن العام يتقدم على الخاص فإنه إذا تعارض حق الأفراد وحق الجماعة يتقدم حق الجماعة لأنه لتحقيق مصلحة الأمة، لذلك أنا أرى أن المرأة تستطيع أن تقوم بدورها في هذا الجهاد بما تقدر عليه، وقد يستطيع المنظمون لهذه العملية الجهادية أن يوظفوا بعض النساء المؤمنات في هذه القضية، وقد تستطيع المرأة أن تصل إلى ما لا يصل إليه الرجال.
أما قضية المَحْرَمْ، فنحن نقول أن المرأة تسافر إلى الحج مع نساء ثقات وبدون محرم، ما دام الطريق آمناً.. فلم تعد المرأة تسافر في البراري والصحاري بحيث أنه يُخشى عليها .. فهي تسافر في القطار أو الطائرة.
أما قضية الحجاب فإنها تستطيع أن ترتدي قبعة بحيث تغطي شعرها .. حتى عند اللزوم لو افترض أن تحتاج في اللحظات الحرجة أن تنزع الحجاب لتنفذ العملية، فهي ذاهبة لتموت في سبيل الله، وليست ذاهبة لتتبرج وتعرض نفسها، فهل نخاف عليها من السفور ونزع الحجاب، فالقضية محلولة وليس فيها أي مشكلة.
وأنا أرى أن من حق الأخوات الملتزمات أن يكون لهن حظ ودور في الجهاد، ولهن أن يساهمن في خط الشهادة)).







رأي بمنع استخدام حرف إكس الإنجليزي كالوارد في كلمةExplorer


وأيضا هذه ليست نكته فقد وردت في مقالة للسيد عمرو محمد الفيصل، مدير شركة الدليل لنظم المعلومات السعودية في جريدة سعودية، أورد فيها أنه تقدم لتسجيل أحد منتجا ت شركته لدى وزارة التجارة السعودية كنوع من الحماية الفكرية لذلك المنتج، و يقول: (بعد أكثر من عام وهذا يدل على شديد اهتمام الوزارة الموقرة، أرسلت الوزارة خطابا كريما ترفض فيه تسجيل المنتج بناء على طلب من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. يتلخص الأمر بأن المنتج الذي أردنا تسجيله اسمه برنامج المستكشف والذي ترجمته باللغة الإنجليزية هو
Explorer
وقد أشار العلماء الأجلاء بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (لا أدري ما علاقتهم بتسجيل العلامات التجارية) إلى أن الكلمة الإنجليزية تحتوي على حرف الإكس والتي لاحظت الهيئة بأنها على شكل صليب مما استفز مشاعرهم الإسلامية فأمروا وزارة التجارة بمنع تسجيل المنتج). ويواصل السيد عمرو محمد الفيصل تحليله للموقف فيقول: (الحقيقة أنني أكبر في رجال الهيئة غيرتهم الواضحة في حماية حمى هذا الدين ومن أن تتسلل العقائد الفاسدة إلى المسلمين في هذه البلاد دون شعورهم بالخطر المحدق بهم، ولكن يقظة القائمين على الهيئة حال هذه المرة ولله الحمد من وقوع كارثة لا يدري أحد عقباها.....أود من الهيئة الموقرة بالأمر على وزارتي التعليم والتعليم العالي لإلغاء علامة الزائد وهي علامة الجمع في الرياضيات وكذلك علامة الضرب حيث أنهما على شكل صليب وتخيلوا معي أن ألاف الطلبة والطالبات يستخدمون تلك الرموز الخبيثة في كل يوم ودون أدنى علم بالخطر الذي تشكله تلك الصلبان على عقيدتهم....كذلك أقترح أن تأمروا وزارة الإعلام بمنع أي كتاب أو مجلة مكتوبة بالأحرف اللاتينية حتى تستبدل حرف الإكس أينما يرد بهلال صغير من تصميم رجال الهيئة الأجلاء)....وكما هو واضح فإن هذه القضية كما أوردها السيد عمرو محمد الفيصل، لا تحتاج لأكثر من تعقيباته الهادفة المدروسة التي تضع مستقبل الأمة في أولوياتها، وهذا الجهل والتجهيل يفسر المعلومة التي تؤكد أن نسبة مستخدمي الإنترنت في الأقطار العربية لا تزيد عن 12% من مجموع شعوبها.

هذه الفتاوى اوردها الزميل بالبورد عبد الله عثمان من بوست سابق بسودانييز اوون لاين

Post: #63
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-26-2008, 09:54 AM
Parent: #62


العفيف الأخضر
[email protected]
الحوار المتمدن - العدد: 1182 - 2005 / 4 / 29


قدر العلمانية في الوطن العربي


العفيف الأخضر: العلمانية هي مفتاح المواطنة الكاملة بين الرجل والمرأة والمسلم وغير المسلم
ما هو تعريف العلمانية؟
يعرف معجم روبير العلمانية (بفتح العين)، نسبة إلى العالم (بفتح اللام) بأنها :"مفهوم سياسي يقتضي الفصل بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي، الدولة لا تمارس أية سلطة دينية والكنائس لا تمارس أية سلطة سياسية". وهذا التعريف للعلمانية هو الذي صاغه محمد عبده في قولته الشهيرة "لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين" وهو الذي صاغه الأزهري سعد زغول في قولته الشهيرة أيضاً:"الدين لله والوطن للجميع" وللتوضيح أكثر أقول توجد ثلاثة أنواع من الدول : الدولة الدينية، الدولة العلمانية، والدولة الإنتقالية. والدولة الدينية هي التي وجدت في العصور الوسطي، ولم تبق منها على أرض المسيحية إلا دولة الفاتيكان، وعلى أرض الإسلام الا الجمهورية الإسلامية الإيرانية والدولة السعودية والسودان ودولة طالبان التي سقطت سنة 2002؛ الدولة العلمانية هي الدولة السائدة اليوم في العالم المتمدن؛ والدولة الإنتقالية من الدولة الدينية إلى الدولة العلمانية وهي السائدة في الفضاء العربي الإسلامي. فما هي الدولة الدينية أي التيوقراطية theocratique كما تسمي في اللغات الأوربية؟ هي كما عرفها المؤرخ اليهودي فلافيوس يوسف Flavius Joseph ، القرن الأول الميلادي، والذي نحت كلمة التيقراطية:" موسى (...) هو الذي أسس الثيوقراطية، واضعاً السلطة والقوة بيد الله"،أي أن الحاكمية الإلهية، التي تشكل النواة الصلبة في مشروع الإسلاميين، هي لله وحده. الدولة الدينية، حسب تعريف المؤرخ اليهودي، هي التي تطبق الشريعة التي جاء بها العقل الإلهي، وليس القانون الوضعي الذي وضعه العقل البشري . فما هي الدولة العلمانية؟ هي التي لا تتدخل في الشأن الديني ولا تسمح لرجال الدين بالتدخل في الشأن السياسي، وهي لا تطبق إلا القانون الوضعي. فما هي الدولة الإنتقالية من الثيوقراطية إلى العلمانية ؟ هي الدولة التي ينص دستورها على أن الشريعة هي المصدر الأول للتشريع، ولا تساوي بين الرجل والمرأة وبين المسلم وغير المسلم في حقوق المواطنة وواجباتها. المرأة وغير المسلم في هذه الدول الإنتقالية نصف مواطن وأحياناً صفر-مواطن، إذ لا يحق للمرأة مثلاً الترشح لرئاسة الدولة ولا حتى لمنصب أقل شأناً، فالمرأة مازالت تعامل في كثير من الدول الإسلامية كناقصة عقل في الولاية وناقصة دين في العبادة، والمواطن غير المسلم مازال يعامل كأهل ذمة ليس له من المواطنة إلا الإسم، وهي تطبق القانون الوضعي في مجالات والشريعة في مجالات أخرى. أراهن على أن الدولة الهجينة القائمة اليوم في الفضاء العربي الإسلامي، الدينية نصفاً والعلمانية نصفاً، دولة انتقالية . التاريخ يعلمنا أن العلمانية السائدة في العالم لن تقف عند تخوم الفضاء العربي الإسلامي، الذي لا مستقبل له خارج مستقبل البشرية. لم يوجد في التاريخ استثناء ثقافي قاوم طويلاً الاتجاه التاريخي الفاعل في الحقبة؛ إذن المسلمون، مثل باقي البشرية، محكوم عليهم بتبني الحداثة وبالتالي العلمانية. تسع على عشر من دول العالم حصرت الدين في المجال الخاص، والشخصي والروحي، تاركة المجال السياسي العام للدولة المهتدية بالعقل البشري ، أي بمؤسساته وتشريعاته وعلومه وقيمه.الدولة الدينية تستشير، في إعداد مخططاتها الدنيوية كالسياسة والاقتصاد ، الفقهاء، إذا لم يكن الفقهاء أنفسهم في الحكم. أما الدولة العلمانية فتستشير ، في الشأن الدنيوي الذي هو مجال اختصاصها الوحيد، الخبراء. وهنا يطرح سؤال أساسي نفسه: لماذا ظهرت الدولة العلمانية في الأزمنة الحديثة فقط؟ لأن الحداثة هي التي عرفت الفصل بين الزمني والروحي، أي بين الاختصاصات الدنيوية والاختصاصات الدينية التي لكل منها فاعلوها الإجتماعيون: للدين المؤمنون والفقهاء، وللدنيا المواطنون والخبراء. في العصور الوسطي كانت الدولة الدينية تتدخل في كل شيء . لسبب بسيط هو أن كل شيء كان ديناً. لم يعد ذلك ممكناً مع العصور الحديثة، منذ حوالي 5 قرون، التي سجلت، في الفضاء الأوربي، انتصار العقل البشري على العقل الإلهي. وهكذا انتزع العلم الوضعي ، بثمن باهظ وصل أحياناً إلى حرق العلماء أحياء، شيئاً فشيئاً استقلاله عن العلم الديني. وقد قال غاليليو للمحكمة الدينية التي كان يقف أمامها بتهمة الزندقة لأنه ، عكساً للكتاب المقدس، اكتشف إن الأرض مكورة وتدور حول الشمس، وليست مركز الكون بل قد لا تساوى حجم حمصة بالنسبة للكون كله ... قائلا لقضاته :"الكتاب المقدس يعلمنا كيف نمشي إلى السماء لا كيف تمشي السماء". وهكذا بدأ العلم، الذي لا يقبل ضوابط من خارج مناهجه، يستقل. ثم شرع الإبداع الأدبي والفني يستقل عن الكتاب المقدس، الذي كف شيئاً فشيئاً عن أن يكون موسوعة فزيائية وطبية وأدبية وفنية ...إلخ، أخيراً أعاد البابا جان بول الثاني الإعتبار لغاليليو وداروين ... لكن القرآن مازال عندنا موسوعة علمية وطبية وجغرافية وأدبية وفنية وتكنولوجية، وويل ثم ويل للعلماء الذين يتجاسرون على اثبات حقائق علمية تعارض آيات الذكر الحكيم "العلمية" !.
التعارص بين العقل العلمي والعقل الديني، بين حقوق الإنسان [ = حرياته ] وحقوق الله على الإنسان [ = عباداته وأوامره ونواهيه ] ، هو الذي قاد الغرب ثم العالم كله إلى العلمانية، إلى الفصل بين ما هو ديني وما هو دنيوي، الذي هو شرط شارط لتقدم الحضارة البشرية. وليس أمام المسلمين طريق آخر للإلتحاق بقاطرة الحضارة بدلاً من الانتظار الطويل على رصيف التاريخ.
الفصل بين المقدس والدنيوي وليد الحداثة. كلما عدنا القهقرى في التاريخ لاحظنا أن الفصل بينهما هو الاستثناء النادر والجمع بينهما هو القاعدة، الذي يصل إلى أعلى درجاته عند القبائل البدائية حيث كل شيء مقدس، تاريخ القبيلة مقدس، أسلافها مقدسون، شعائر الحمل والولادة والجماع والصيد مقدسة، والسلوك اليومي لأفرادها مقدس. الحياة الإجتماعية للقبيلة خاضعة جميعاً إلى شعائر عصابية وسواسية قهرية. عند هذه القبائل انتهاك المقدس عقوبته القتل. لماذا؟ لأن فكرة نسبية المقدس لا يقبلها إلا عقل متطور، أي دماغ معرفي على درجة كافية من التعقيد والاطلاع. أما أدمغة البدائيين فلم تتطور بعد بما فيه الكفاية لتصبح قادرة على هضم نسبية المطلق الديني وقبول أولوية العقل البشري على العقل الإلهي. اقترح على الباحثين انجاز دراسات مقارنة بين تصورات البدائيين للعلاقة بين الديني والدنيوي وتصورات الإسلاميين المعاصرين لها. وسيفاجئون بشبة كبير بينهما يصل أحياناً إلى حد التماثل بخصوص عبادة الأموات والأسلاف واعتبار كل شيء ديناً، والتعلق الوسواسي القهري بالشعائرو بالمطلقات الدينية وتكفير النسبي، والسببي، والعقلي، والمتغير، والتطوري، والتاريخي، والمستقبلي. للبدائيين عذرهم، فخضوعهم للطبيعة يكاد يكون مطلقاً. تحكيم العقل البشري، أي العلم والتكنولوجيا، في الطبيعة لتحويلها إلى حضارة، تماثل، بالنسبة لمستوى وعيهم السلفي، انتهاكاً لعبادة الأسلاف لن يمر دون عقاب من هؤلاء الأسلاف الغلاظ الشداد والثأريين. رقهم النفسي لأسلافهم يشل عقولهم عن التفكير المستقل. رق الإسلاميين النفسي لأسلافنا ، أي للنبي والصحابة والتابعين،لا يقل شلاً لعقولهم من عبادة الأسلاف لدى البدائيين. العقل الإلهي الذي جاء به الأسلاف هو كل شيء. أما العقل البشري ، الذي جاءت به أدمغتنا ، فهو لا شيء. يقول المودودي السني:"الإنسان، كما يزعم، لاحظ له من الحاكمية إطلاقاً (...) المسلمون جميعاً، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا، لا يستطيعون تشريع قانون واحد (...) والحكومات لا تستحق طاعة، الناس إلا من حيث أنها تحكم بما أنزل الله، وتنفيذ أمره تعالي في خلقه". بالمثل يقول الخميني الشيعي :" ليس لهم [الناس] حق في تعيينه [الإمام] أو ترشيحه أو انتخابه. لأن الشخص الذي له من نفسه القدسية استعدادا لتحمل أعباء الإمامة العامة وهداية البشر قاطبة يجب ألا يعرف إلا بتعريف الله [ له] ولا يعين إلا بتعيينه. لذلك فليس للناس أن يتحكموا في من يعينه الله".
الإستشهادان ، السني والشيعي ، أفضل تعريف للدولة الدينية الإسلامية المعاصرة القائمة، في السودان وإيران، أو التي قد تقوم في بلدان أخرى.


متي دخلت العلمانية إلى العالم العربي ومن هم روادها؟


أول من ترجم كلمة Laicite بالعلمانية هو أحد مترجمي الحملة الفرنسية، لويس بقطر المصرى، في معجم فرنسي عربي طبع لأول مرة في مارس 1828، ثم تبني هذا المصطلح مجمع اللغة العربية بالقاهرة في معجمه "المعجم الوسيط" سنة 1960. العلمانية كنظام كامل ومشروع سياسي واع لم تدخل قط إلى العالم العربي. بعد لقاء العالم العربي بأوربا، عبر الاستعمار، بدأت الدول العربية الإسلامية تتخلي عن بعض الجوانب الإستفزازية من الدولة الدينية مثل تطبيق العقوبات البدنية كجلد شارب الخمر وقطع يد السارق ورجم الزانية، وعن جباية الجزية من مواطنيها غير المسلمين. السعودية مازالت تطبق هذه العقوبات البدنية، وقد صدر منذ اسبوعين حكم شرعي ، على كاتب سعودي للأسف لم أعد أذكر اسمه، بالسجن و 200 جلدة !! السبب؟ أساساً لأن السعودية لم تعرف الإستعمار الأوربي وبالتالي لم تدخلها بعض أنوار الحداثة. أما السودان الذي عرف الإستعمار وتخلي في ظله، عن الرق والعقوبات البدنية، لكن الدولة الإسلامية، التي أقامها الترابي بانقلاب عسكري، أعادت إليه الرق والعقوبات البدنية !!
رواد الفكر العلماني في الفكر العربي كثيرون . تقريباً جميع المثقفين الذين ينتمون للأقليات الدينية في العالم العربي كاليهود والمسيحيين خاصة في المشرق العربي، في مصر وبلاد الشام، مثلاً لا حصراً جورجي زيدان وشبلي شميل ويعقوب صروف، وميخائيل نعيمه، وجبران خليل جبران،وفرح أنطون وسلامه موسى إلخ . أما اليوم فالمطالبون بالعلمانية لا يعدون بالأفراد بل بالجموع. من هنا أهمية دمج الأقليات الدينية والقومية في المواطنة الحديثة في الدول العربية. الاعتراف لهم بالمواطنة الكاملة سيشكل رافداً ثرياً للحداثة السياسية، أي العلمانية والديمقراطية وحقوق الإنسان. مثلاً الشيعة في السعودية يطالبون بالعلمانية للخلاص من كابوس الوهابية التي تعاملهم كـ"كفار". ألم يقل فيهم ابن تيمية ، المرجع الأول للوهابيه:" من شك في كفرهم [= الشيعة] فقد كفر" !. كما تمثل الأقلية القومية الكردية في العراق حارساً يقظاً للحؤول دون إقامة دولة ثيوقراطية شيعية. وقد حذر رئيس الجمهورية العراقية، جلال الطالباني، من إقامة دولة دينية في العراق. وقد عبر قادة الشيعة العراقيين بمن فيهم رئيس الحكومة صراحة عن أنهم سيحكمون العراق كعراقيين لا كشيعة . وهذا هو لب العلمانية. أما رواد الحداثة المسلمون فهم نسبياً كثيرون إذا أحصيناهم في كل بلد عربي إسلامي. لكن ذلك صعب في مثل هذا الحديث السريع. حسبنا أن نذكر بعض الأسماء التي أثرت في النخبة الدينية الفكرية في البلاد العربية مثل رفاعة الطهطاوي ، ومحمد عبده، وقاسم أمين، ولطفي السيد، وطه حسين، وعلي عبد الرزاق، وكامل كيلاني، واسماعيل مظهر، وأحمد أمين، وكيف ننسي فرج فوده الذي، وإن لم يكن من رواد العلمانية، لكنه كان أول شهدائها، وفي تونس الطاهر الحداد، الذي علمن فقه القرون الوسطي بخصوص تحرير المرأة لمنع تعدد الزوجات وإلغاء عدم المساواة في الإرث بين الذكر والأنثى ، والحبيب بورقيبه الذي نفذ وصيته. ولكنه تراجع ، أمام تهديد الملك فيصل له بقطع العلاقات الدبلوماسية مع تونس وبتحريض فقهاء العالم الإسلامي على تكفيره ، عن إصدار قانون المساواة في الإرث .
هل فشلت العلمانية في العالم العربي بسبب مقاومة الإسلام لها أم بسبب ضعف الخطاب العلماني؟
فشلت العلمانية حتى الآن في الدخول إلى العالم العربي أساساً لأن الإسلام لم يمر بعد بالإصلاح الديني الضروري الذي مرت به المسيحية واليهوديةالأوروبيتان . الدين الذي تم إصلاحه هو الدين الحديث الذي يعترف بالفصل بين الاختصاصات والمجالات ، أي يقبل بأن يقتصر اختصاصه على الشأن الديني تاركاً للدولة مجال اختصاصها الذي هو الشأن الدنيوي. السبب الثاني لفشل دخول العلمانية ، كنظام سياسي كامل، هو جبن القيادات السياسية. الإسلام لم يقع إصلاحه في تركيا،والبرجوازية كانت ضعيفة والفلاحون يمثلون 90 % من السكان ، ومع ذلك فإن قيادة المسلم كمال أتاتورك ألغت الدولة الثيوقراطية العثمانية،الخلافة، وأقامت على انقاضها دولة علمانية لا تخجل من هويتها العلمانية.


هل العلمانية ضد الدين؟


رأينا في تعريف معجم روبير للعلمانية أنها الفصل بين الدولة والكنيسة، أي بين الديني والدنيوي ليس إلا. بريطانيا دولة علمانية تماماً كفرنسا، لكن ملكة بريطانيا تحمل لقب "حامية حمي الكنيسة" وبإمكان المملكة المغربية أن تكون علمانية ويحمل ملكها، لقب "أمير المؤمنين" ، وبإمكان تونس أن تكون علمانية ويحمل رئيسها "حامي حمي الإسلام". يجب أن يكون المرء جاهلاً بتعريف العلمانية في المعاجم الأوربية، لأن أوربا هي أرض ميلاد العلمانية، أو سيء النية ، ككثير من قادة الإسلام السياسي، ليقول أن العلمانية ضد الدين. خاصة وأن العلمانية اليوم في البلدان العلمانية الصافية، كفرنسا، باتت علمانية منفتحة على كثير من الجوانب التي لا تضير في شيء المواطنة الحديثة ، التي تفترض المساواة بين الرجل والمرأة والمؤمن وغير المؤمن في حقوق المواطنة وواجباتها كافة. حياد الدولة العلمانية الفرنسية إزاء الدين لم يمنعها من أن تبني،من مال دافعي الضرائب سنة 1921، جامع باريس الشهير تكريماً لذكري الجنود المسلمين المغاربيين الذين سقطوا في معارك الحرب العالمية الأولي دفاعاً عن فرنسا، ولم تمنع اليوم وزير الداخلية الفرنسي، فيليب دوفلبان، المسؤول عن الشئون الدينية، من تكوين مؤسسة إسلامية خيرية لجمع التبرعات من المحسنيين لبناء المساجد والانفاق على الجامعة والمعاهد الإسلامية التي هي برسم الإنشاء. وقد تلقت هذه المؤسسة بمجرد إنشائها 800 مليون يورو من متبرعين لم يكشفوا عن هويتهم. أما الدولة العربية العلمانية القادمة فإن علمانيتها لن تمنعها من مساعدة ديانات جميع مواطنيها على قدم المساواة. وهذه العلمانية هي التي ستسود مع الوقت أرض الإسلام. على غرار تركيا العلمانية التي يوصيها دستورها ببناء دور العبادة لمواطنيها على اختلاف دياناتهم. فأي مانع من احتضان الدولة العلمانية للتعليم الديني شرط أن تسهر على جعله تعليماً دينياً إصلاحياً حديثاً يكون مواطني الغد الذين يعرفون المواطنة الحديثة، التي لا تميز بين الرجل والمرأة وبين المسلم وغير المسلم في حقوق المواطنة، ويعترفون بها دون تردد أو شعور بالذنب. ولكي يكون التعليم الديني إصلاحياً وحديثاً يجب أن يدرس التلاميذ والطلبة الدين بمساعدة علوم الحداثة: تاريخ الأديان المقارن، سسيولوجيا الأديان، علم النفس، اللأنثروبولوجيا الدينية، الألسنية، الهرمينوطيقا (علم تأويل النصوص المقدسة)، والفلسفة، لتنمية الفكر النقدي لدي الأجيال الطالعة. في تونس يدرس طلبة الجامعة الزيتونية الدينية الفلسفة الإسلامية والفلسفة الحديثة طوال السنوات الأربع. ويدرس طلبة كليات العلوم بما فيها الطب الفلسفة الحديثة طوال مدة الدراسة الجامعية. فلا شيء كالفلسفة والعلوم الإنسانية لتحصين العقول ضد دعاية الإسلاميين الدينية - السياسية. مثل هذا التعليم الديني الإصلاحي والحديث ليس مستحباً من الدولة العلمانية في الفضاء العربي والإسلامي بل هو فرض وواجب عليها لإعادة صياغة الوعي الإسلامي التقليدي وتحصين وعي الأجيال الطالعة ضد التزمت، والتعصب والإرهاب والتمييز الديني، أي النرجسية الدينية التي تأمر باضطهاد دين لباقي الديانات بل ونسخها .


هل تشكل العلمانية قطيعة مع جذورنا الإسلامية؟


تشكل العلمانية قطيعة مع الدولة الأوتوقراطية والثيوقراطية ، أي الدولة الدينية والمستبدة، دولة الخليفة الذي لا يعزله إلا الموت او الكفر البواح، أي الصريح، دولة جلد شارب الخمر، وقطع يد السارق، ورجم الزاني والزانية حتى الموت، ودق أعناق المفكرين الأحرار باسم الردة، وهضم حقوق المرأة والمواطن غير المسلم باسم الشريعة ، وحظر النحت والرسم والشعر والغناء والبحث العلمي باسم فقه القرون الوسطى ، واستحلال هدر دماء المدنيين الأبرياء وقتل الأجنة في بطون الإسرائيليات كما أفتى القرضاوي واغتيال الرئيس السادات وجميع الحكام المسلمين كما أفتى راشد الغنوشي ، باسم الجهاد وفقه الولاء والبراء الإرهابي ... هذه الفظاعات هي جذورنا المتعفنة التي علينا أن نقطعها ونقطع معها. لكن العلمانية تشكل إعادة اتصال بأفضل ما في جذورنا الثقافية مثل العقل الإعتزالي والفلسفي اللذين أخضعا النص المؤسس للتأويل العقلي، والإسلام الصوفي والدرزي اللذين حققا اختراقاً لا نظير له في العصور الوسطي : إلغاء شريعة العقوبات البدنية والفصل بين الدين والحكم. طبعاً ، العلمانية، بما هي إحدى أهم منجزات الحداثة، لم توجد في دولة القرون الوسطي، التي كانت من حيث الأساس دولة دينية. العلمانية الواعية بذاتها كانت في عداد الأفكار اللامفكر فيها. ومع ذلك ففي تراثنا الإسلامي ملامح علمانية غير واعية بذاتها لكنها واعدة، عندما يأتي زمانها، بالعلمانية الحديثة. مر النبي مثلاً ذات يوم على بعض ملاك بساتين النخيل فوجدهم يؤبرونها [=يلقحونها] فقال لهم لو تركتمها لكان أصلح. إمتثلوا لنصيحته، لكن نخيلهم فسدت، فجاؤوه محتجين. فكان رده عليهم :" ويحكم إنما أنا نبيكم في أمور دينكم؛ أما أمور دنياكم فأنا وإياكم فيها سواء"، أي أن نبي الإسلام أقر بالفصل بين الدين وعلم الزراعة. وفي غزوة بدر أراد أن ينزل بجيشه في موقع ظنه حصيناً، فسأله خبير عسكري من الأنصار:" يا رسول الله، هل هو الوحي أم هي الحرب والخديعة؟"، فأجابه بصدقه المعروف:"بل هي الحرب والخديعة"، فقال له الخبير العسكري:" ليس هذا بموقع فلنجعل البئر وراءنا فنشرب ولا يشربون". فعلاً كان عطش قريش أحد أهم أسباب هزيمتها. هنا أيضاً أقر النبي بالفصل بين الدين والاستراتيجيا. ومعروف أن الإمام علي، مستلهماً هذه السنة التي تفصل بين الاختصاصات الدينية والدنيوية، قد طلب من ابن عباس، عندما كلفه بمجادلة الخوارج، أن يستخدم في جداله معهم السنة النبوية لا الآيات القرآنية لأن "القرآن حمال أوجه" كما قال الإمام ، أي قابل لقراءات تعددية متعارضة نظراً لكثرة الآيات المتشابهات، أي الملتبسات والغامضات ، إذ أن الآيات البينات [ = الواضحات ] لا تمثل إلا 6 % من القرآن.
يذكر المؤرخ المصري، حسين مؤنس ، أن الصحابة الذين رفضوا المشاركة في الحرب بين على ومعاوية الذين كانوا يسمون أنفسهم بـ" الجالسين على الربوة" ومنهم عبد الله بن عمر، وأبو هريرة الذي ينسب له أنه قال " أصلي وراء علي فالصلاة وراء علي أفضل، وآكل على مائدة معاوية فالأكل على مائدة معاوية أدسم، وأجلس على الربوة والجلوس على الربوة أسلم".قد بايعوا معاوية بعد اغتيال علي ، قائلين له، كشرط لمبايعته ، نحن للأمة في أمور دينها وأنت للأمة في أمور دنياها. وهذا التقسيم للعمل بين الخلفاء والفقهاء بذرة علمانية مازالت لم تأتي أكلها بعد.
معاوية نفسه أسس مقدمات العلمانية عندما توقف عن الصلاة بالناس وسمي إماماً يصلي بالناس بدلاً منه. هذا التقسيم بين إمامة الدولة وإمامة الصلاة مشروع دولة علمانية لم يكتمل بعد. وبعد معاوية توقف خلفاء الإسلام عن الصلاة بالناس بينما رؤساء الجمهورية الإسلامية الإيرانية الدينية مازالوا يصلون بالناس، بالطبع، لأنها جمهورية دينية تكابر في التسليم بالفصل الضروري بين الدين والسياسة. تقسيم العمل بين الفقهاء، الذين هم للأمة في أمور دينها، والخلفاء، الذين هم للأمة في أمور دنياها، تواصل لمدة 14 قرناً، خاصة في الشرق، دون استثناء يذكر. الخليفة حاكم شبه دنيوي، بشرعية دينية : شرعية بيعة أهل الحل والعقد وشرعية الدعاء له في صلاة الجمعة، وتدخل تجديداته الدينية في باب "المصالح المرسلة" مثل تحريم الحلال . تقليدا لعمر الذي حرم على المسلمين نكاح المتعة المباح بأحاديث يرويها البخاري ومسلم وبالآية :" فما استمتعتم به منهن فأتوهن أجورهن فريضة" (24 النساء). يروي الطبري أن هذه الآية جاءت في مصحف ابن عباس، الذي حرقه عثمان فيما حرق من مصاحف :"فما استمتعتم به من هن [ إلى أجل مسمي] فأتوهن أجورهن". لذلك قال علي، كما يذكر الطبري عن نكاح المتعة :"لولا أن عمر نهي عنه ما زني إلا شقي". وحرم عمر أيضاً على الفاتحين المسلمين الزواج من الفارسيات، اللواتي أقبل العرب على الزواج منهن أفواجاً أفواجاً ، حتى لا تبقي نساء الجزيرة العربية عوانس. عموماً كانت مطالب الفقهاء من الخلفاء محصورة في الشأن الديني والأخلاقي مثل مطالبتهم لهم بالسهر على تطبيق الشريعة أو الرفق بأهل الذمة كما فعل أبو يوسف صاحب أبي حنيفة، في كتابه "الخراج" عندما وصف لهارون الرشيد وصفاً مؤثراً التنكيل الذي يكابده الفلاحون عند أخذ الخراج منهم الذي قد يصل أحيانا إلى 90% من محاصيلهم . اعتبار جمهور الفقهاء السنة الشورى مجرد نصيحة غير ملزمة للأمير إقرار ضمني باستقلال الشأن السياسي عن الشأن الديني. بل إن الفقهاء السنة حرموا على أنفسهم التدخل في السياسة بالقاعدة القائلة :" طالب الولاية لا يولي". وقد شكلت هذه القاعدة عائقاً في وجه قيام حكومة فقهاء في الإسلام خاصة في المشرق. لم يشذ عن قاعدة طالب الولاية لا يولي، وقاعدة التقسيم الضمني للعمل بين الخلفاء والفقهاء منذ معاوية إلا الإسلام الوهابي الذي انتفض على الخلافة العثمانية باسم فقه شمولي متعصب لا يعترف بالفصل الطبيعي بين المجالين الديني والسياسي. تحالف الإسلام الوهابي مع آل سعود لتكوين المملكة العربية السعودية التي يحاول الجناح الإصلاحي فيها بقيادة الأمير عبد الله والأمراء المستنيرين كطلال بن عبد العزيز،التخلص من العائق الوهابي المتعصب وتحديث التعليم وشرط المرأة والتخلص من فقه "الولاء والبراء" الذي يحرم على المسلمين حكاماً ومحكومين تقليد حضارة غير المسلمين في أي شأن جل أو قل إلى درجة أن مفتى السعودية، آل الشيخ، كفر سنة 2004، بفتوى نشرتها "الأحداث المغربية" باعة الزهور لأنهم بذلك "يتشبهون بالكفار". كما حرم فقهاء الوهابية ، بمعية الشيخ يوسف القرضاوي ، الاحتفال بالمولد النبوي، الذي تحتفل به جميع بلدان العالم الإسلامي عدا السعودية وقطر الوهابيتين. لماذا حرموا ذلك؟ باسم فقه الولاء والبراءالعنصرى المنطوي على نفسه:"الاحتفال بالمولد النبوي تقليد للكفار، كما يقول القرضاوي، في احتفالهم بمولد المسيح" الذي كان يذكره نبي الإسلام محمد بـ"أخي عيسى" !.
شذ أيضاً عن قاعدة طالب الولاية لا يولي وعن قاعدة الفصل الضمني بين مجال الخلفاء ومجال الفقهاء ، الإسلام السياسي ، متمثلاً في الإخوان المسلمين ومن تناسل منهم، الذين كونوا حزباً دينياً سياسياً هدفه استعادة الخلافة وتكوين حكومة فقهاء لأول مرة في تاريخ الإسلام السني.


لماذا تتعارض الدولة الدينية مع الدولة العلمانية؟ وفي أي المجالات تحديداً؟


تتعارض الدولة الدينية مع الدولة العلمانية، لأن الأولي هي دولة القرون الوسطي حيث كان كل شيء دينا.ً والثانية دولة العصور الحديثة القائمة على الفصل المرن بين الشأنين الديني والدنيوي، اللذين لا يتعاديان بل يتكاملان، شرط أن يبقي كل منهما محصوراً في مجال اختصاصه الأساسي. تتعارض الدولة الدينية مع الدولة العلمانية خصوصاً في مجال المواطنة : التفاوت بين الرجل والمرأة وبين المؤمن والمواطن، أي المسلم وغير المسلم، تفاوت جوهراني Essentialiste في الدولة الدينية التي لا تعترف للمرأة بحقوق المواطنة وتعترف للمؤمن بدينها فقط بحقوقه كمؤمن لا بحقوقه كمواطن . أما غير المؤمن بدينها فتعامله كعدو بالقوة أو بالفعل. أما في الدولة العلمانية فالرجل والمرأة ، والمؤمن والمواطن متساوون كأسنان المشط لا فضل لأي منهم على الآخر في حقوق المواطنة. الدولة الدينية تتصرف مع رعاياها بمنطق العصور الوسطي التي تعتبر الإنسان قاصراً، أي عاجزاً عن وضع قوانين ينظم بها قواعد العيش المشترك، أي علاقة المواطنين بعضهم ببعض وعلاقة دول العالم بعضها ببعض.


لماذا يقرن الإسلاميون العلمانية بالإلحاد؟


لتأليب جمهورهم عليها،ولأن مبرر ظهورهم هو محاربة الحداثة . والعلمانية تمثل إحدى أركان الحداثة بما هي ذروة العقلانية الديمقراطية. لماذا يكفر الإسلاميون الحداثة؟ باسم الحاكمية الإلهية، التي هي لب مشروعهم الديني – السياسي و باسم فقه الولاء والبراء الذي يكفر خاصة منذ ابن تيمية التشبه بـ"الكفار"، أي تبني أزيائهم وعاداتهم وتقاليدهم وقيمهم وعلومهم ومؤسساتهم. لكن علينا نحن العلمانيين أن نمتلك شجاعة قناعاتنا ونصدع بها في وجه الإسلاميين الذين هم في الواقع رد فعل مذعور على الحداثة العالمية واحتمالات دخولها إلى أرض الإسلام. مخاوفهم في محلها. فالحداثة اليوم اتجاه تاريخي لا يصد ولا يرد. وستصل إلينا كما وصلت إلى قبائل الإسكيمو ! بل أجازف بالقول بأن الإسلاميين قد يكونوا أداة التاريخ اللاشعورية لإدخال العلمانية إلى أرض الإسلام. بعد ربع قرن من قيام الجمهورية الإسلامية في إيران، يتباهى طلبة قم بأنهم علمانيون. 75% من الشعب و86% من الطلبة، توقفوا عن أداء الصلاة، حسب احصائيات بلدية طهران.المسلم الذي لايمارس الشعائر الدينية هو مسلم علماني. المساجد والجوامع التي كان يصلي فيها في عهد الشاه 3000 – 5000 مصلي، لا يصلي فيها اليوم صلاة الصبح إلا 10 أشخاص وصلاة الظهر 25 شخصاً. 2 % فقط يصومون رمضان من شعب كان قبل ظهور الجمهورية الإسلامية صواماً قواماً ! السودان الصوفي، تخلت فيه نسبة مهمة من شبابه عن الإسلام بفضل حكم الإسلاميين . على العلمانيين أن لا يخشوا من استيلاء الإسلاميين على الحكم في أرض الإسلام خاصة في الدول التي تطبق الإسلاموية من دون الإسلاميين. فبعض البلدان لن تنتقل إلى العلمانية بسرعة قياسية، أي لن تتجاوز الإسلام السياسي والجهادي والسلفي إلا إذا طبقته وذاقت طعمه المرير عندئذ ستيأس منه. أطروحة فلسفة التاريخ الهيجيلية القائلة " لا سبيل لتجاوز مرحلة تاريخية إلا إذا تم تحقيقها" برهنت وقائع التاريخ على صحتها. خطأ لينين الكارثي على الحركة الاشتراكية هو قناعته الإرادوية بإمكانية "حرق المراحل"، انطلاقاً من "الحلقة الضعيفة في الرأسمالية" : روسيا. ماركس كان، كهيجل، مقتنعاً باستحالة حرق المراحل التاريخية وبضرورة تحقيق كل مرحلة تاريخية لتجاوزها. لذلك عارض ثورة عمال باريس 1871 لقناعته باستحالة المرور إلى الاشتراكية في فرنسا التي كانت مازالت حينها لم تحقق المرحلة التاريخية الرأسمالية التي ، لم تحققها يومئذ، في تقديره إلا بريطانيا.
العلمانية، كما هي سائدة في العالم، اتجاه تاريخي عارم. الإسلاميون لن يصمدوا طويلاً أمامه . لماذا؟ لأننا كلما عدنا إلى الوراء في التريخ وجدنا أن مساحة المقدس تغطي كل سطح الكرة الأرضية وكل سطح الحياة اليومية . فكل شيء مقدس، والإنسان لعبة الآلهة التي تتحكم في الكبيرة والصغيرة. لماذا؟ لأن العقل البشري ، أي العلم والتكنولوجيا ، كان مازال ، في مراحل تطوره الأولي، عاجزاً عن فهم وتفسير وتغيير العالم الذي يعيش فيه بقوانينه الخاصة. كان لابد له من الاستنجاد بالفكر السحرى الإحيائي، ثم بالفكر الأسطوري ثم بالفكر الديني ليفهم ويفسر ويغير عالمه. لكن في القرن السادس قبل الميلاد حقق العقل البشري، في مسار تطوره، قفزة نوعية فبدأ العقل البشري التحليلي والتجريبي ينافس العقل الإلهي في فهم وتفسير وتغيير العالم. هزم العقل أمام الأسطورة. لكن الحرب بين العقلاني والأسطوري ظلت سجالا . فما لبث أن نهض من هزيمته لينافسه يوما له ويوما عليه. لكن الاتجاه التاريخي كان دائماً متجهاً إلى فتح العقل البشري لمساحات أوسع فأوسع على سطح الكرة الأرضية وعلى سطح الحياة اليومية في مجال الفصل بين اختصاصات العقل الإلهي الروحية واختصاصات العقل البشري الدنيوية. مثلما قيد العقل البشري سلطة الملوك المطلقة ، قيد أيضاً سلطة العقل الإلهي المطلقة لكي تنحصر في المنطق الروحي الحدسي وتتخلي عن الباقي لمنطق العقل التحليلي وللتجربة العلمية . العقل البشري السوي ديمقراطي إذن يعطي ما لله لله وما لقيصر لقيصر. كيف حقق العقل البشري هذه الفتوحات العلمانية في عالمنا المعاصر؟ بالعلم والتكنولوجيا اللذين يساعدان العقل البشري على فهم وتفسير ما كان يتراءي للإنسان معجزة. مثلاً كان رائد الفلسفة العقلانية الحديثة، ديكارت، يعتقد أن قوس قزح لا تفسير عقلانياً له لأنه معجزة إلهية، أي من اختصاص العقل الإلهي. لكن لو تبني اليوم تلميذ في الباكالوريا (الثانوية العامة)تفسير ديكارت في امتحان الفلسفة لنال صفراً. لأن العلم يعلمه اليوم، وفي الباكالوريا بالذات، أن قوس قزح ظاهرة جوية ناتجة عن انكسار وانعكاس أشعة الشمس في قطرات المطر. تقدم العلم والتكنولوجيا اتجاة تاريخي لا رجعة فيه. فأمم العالم المتقدم تتنافس في اكتساب مزيد من العلم والتكنولوجيا ، وأمم العالم المتأخر تحلم بهما أو تسعى جاهدة لإكتسابهما. احتكار العقل العلمي والتكنولوجي لفهم وتفسير الظواهر الاجتماعية والظواهر الكونية لنزع القداسة المزعومة عنها، لا يماثله إلا احتكار المنطق الروحي لفهم وتفسير الظواهر الروحية حدساً. هذا الإحتكار العقلي والروحي معاً لا يتم بدون ممانعة ودون مقاومة من الإسلام السياسي المعاصر الذي يقاوم منطق العقل العلمي ومنطق الروح الصوفي . لكنها مقاومة محكومة بالفشل بمقياس الخط البياني للتطور التاريخي منذ ظهور العقل البشري في القرن السادس قبل الميلاد إلى الآن حيث تحكم في المتناهي في الصغر (الذرة) والمتناهي في الكبر (الأفلاك) والمتناهي في التعقيد (الدماغ الإلكتروني) . ولأن الإسلام الصوفي هو الإسلام الشعبي الذي لم يستطع الإسلام السياسي حتى الآن نزع الشرعية عن رسالته اللاعنفية والعزوفة عن التدخل في السياسة .


هل العلمانية ضرورية للمجتمعات العربية؟


نعم العلمانية ضرورية على مستوى الوطن وعلى مستوى العالم للعيش معا بين جميع مكونات المجتمعً. معظم المجتمعات في العالم تتشكل من طيف عريض من الديانات والطوائف والمذاهب الدينية المتعارضة وأحياناً المتحاربة. إذا اعتمدت الدولة ديناً أو طائفة أو مذهباً واحداً لإحدى فئات مواطنيها ، فإن باقي مواطنيها المستبعدين سيشعرون بالإحباط لأنهم لا يستطيعون التعرف على أنفسهم، وعلى هويتهم في دين الدولة أو طائفتها أو مذهبها وسيبقون خارج المواطنة الكاملة ... المخرج من هذا المأزق، الحامل للحروب الدينية، هو علمانية الدولة. في الدولة العلمانية رابطة المواطنة لا تقوم على الدين أو الطائفة أو المذهب، بل تقوم على العقد الإجتماعي ، أي العقل البشري ، أي مصلحة المواطنين المفهومة فهما صحيحا. وهكذا فالدولة العلمانية تستمد شرعيتها من العقد الاجتماعي ، لا من الدين، لتنظيم حياة المجتمع وتحقيق السلام الداخلي بين دياناته وثقافاته . بدوره المجتمع العالمي مكون من طيف لا حصر له من الديانات والطوائف والمذاهب. لا يوجد دين واحد يمكن أن يحظي يتراضي غالبية سكان المعمورة ، فعلي أي أساس يقوم تنظيم المجموعة الدولية،وربما ذات يوم تحويل مجلس الأمن الموسع إلى حكومة عالمية؟ على العقل البشري ، أي المصلحة المشتركة في العيش معاً بين البشر على اختلاف أديانهم ومشاربهم والتي تضمن الحد الأدني من مصالح غالبية سكان المعمورة. العقل ، أي المصلحة المشتركة هو الذي يمكن أن يؤسس الحياة العامة في المجتمع القومي والمجتمع العالمي معاً. أما أنماط السلوك والمعتقدات والأراء فهذه من اختصاص منطق الروح الحدسي لا منطق العقل التحليلي. الدولة العلمانية تتدخل عندما ينتهك الأفراد أو الجماعات ، باسم معتقداتهم ، القانون الوضعي. لن تسمح بختان البنات باسم التقاليد الفرعونية ولا برجم الزاني والزانية وغيره من العقوبات الهمجية باسم الشريعة. تطبيق الشريعة الإسلامية التي "نزلت مكتملة" كما يقول الإسلامي المصري محمد عوده، سيثير ولا شك احتجاج أتباع الديانات الأخرى فتكون فتنة ... فضلاً عن أن الأحكام والعقوبات الشرعية تقادمت وغدت متصادمة مع روح الشرائع الحديثة المتعارضة مع العقوبات البدنية كالجلد وقطع اليد والرجم وقتل المرتد ... فلا مفر إذن من الالتجاء إلى القانون الوضعي لتفادي هذه المخاطر. وإذا اختارت الحكومة تعليماً إسلامياً، تقليديا وجهاديا ، فإن ذلك سيستفز المواطنين غير المسلمين والمسلمين العلمانيين والمتنورين، فضلاً عن أن العلوم الإسلامية تقادمت، "العلوم الشرعية" ، تقادمت إلى درجة أن دراستها كبديل عن مواد التعليم الحديث سيكون ضرباً من المازوخية، من الإلتذاذ بعقاب الذات بإبقائها في الحضيض . لا يمكن لأمة حديثة أن لا تكون لها قيم أخلاقية تحتكم إليها في تنظيم العلاقات بين مواطنيها. إذا كانت المنظومة القيمية هي قيم "الحلال والحرام، والمندوب المستحب"، فإن هذه القيم لن يقبلها إلا الوعي الجمعي لقطاع من المسلمين، أما باقي قطاعات المواطنين فستنفر منها لأنها تتنافي مع أخلاقها الدينية الخاصة بها أو قيمها الإنسانية العلمانية . هنا أيضاً لا مفر من تبني المنظومة القيمية العالمية التي يقبل بها الجميع. وهذه لا يمكن أن تكون إلا منظومة أخلاقية علمانية مثل حقوق الإنسان التي هي اليوم، بما يشبه الإجماع العالمي، الأخلاق الكونية للبشرية المعاصرة، وهكذا فالشريعة الإسلامية ، والتعليم الإسلامي، خاصة التقليدي والجهادي، والأخلاق الدينية غدت مصدراً لتفتيت وحدة الأمة بالتوترات والحروب الدينية.
العلمانية هي مفتاح الحداثة السياسية. لأنها المبدأ الذي يفصل بين المؤمن والمواطن. إيمان المؤمن لنفسه، مقتصر على ضميره الفردي. لا علاقة له بحقوقه وواجباته كمواطن، المؤمن يمارس إيمانه الفردي في جامع أو كنيسه أو كنيس. فيما المواطن يمارس مواطنته، حقوقاً وواجبات، في حدود الوطن كله. لأن المواطنة حق مشاع لجميع المواطنين دون استثناء. السؤال هو كيف نصل إلى الفصل الضروري بين المؤمن والمواطن ، أي كيف نحقق المواطنة الحديثة التي لا تعرف ولا تعترف إلا بالإنتماء إلى الوطن؟ وكيف تحكم الدولة في الفضاء العربي الإسلامي مواطنيها بقوانين وضعية بالمعايير الدولية؟ بوسائل عدة في طليعتها تحديث التعليم وإصلاح الإسلام عبر إصلاح التعليم الديني، وقد أشرت إلى ذلك قبل قليل. وثانياً بالعمل دون كلل أو ملل – وهذه وصيتي لقرائي وأصدقائي – على إمتلاك فضائية علمانية لمنافسة "الجزيرة" الإسلامية الجهادية . الأثرياء العرب العلمانيون على قلتهم يستطيعون بإحسانهم إلى الفكر الحديث أن يتبرعوا لإنشاء هذه الفضائية . الأدمغة العربية المهاجرة قادرة أيضاً على تكوين جمعية إعلامية وجمع رأسمال كاف لتمويل مثل هذه الفضائية، الضرورية والممكنة. في انتظار ذلك ، لابد من الاستخدام المكثف لجميع المنابرالإعلامية و لمواقع الانترنت. أعلمتني د. إقبال الغربي، أستاذة علم الاجتماع وعلم النفس بالجامعة الزيتونية، أن 124 موقع انترنت يخصص كل منها صفحة لكتاباتي. وإن عدد المواقع التي تعمل على نشر أفكاري العلمانية مساوية لعدد مواقع الإسلاميين التي تروج لفقه الدولة الدينية : فقه الولاء والبراء وتكفير حوار الأديان والجهاد إلى قيام الساعة . حقاً سأفارق هذا العالم وأملي كبير في دخول العالم العربي والإسلامي ، الذي نذرت كل دقيقة من حياتي للإسهام ، فكرا وممارسة ، في تحديث عقلياته وقيمه ومؤسساته وإصلاح دينه ليصبح كباقي الديانات غير محارب للحداثة،و غير معاد للمرأة و لغير المسلم، وغير محارب للأديان الأخرى وغير كاره لمعتنقيها.
المهمة المركزية الأولي هي إصلاح الإسلام، عبر إصلاح التعليم الديني والخطاب الديني، بنسف فقه الولاء والبراء العنصرى الإرهابي في حق الآخر والظلامي في حق المسلمين الذين يحرم عليهم تقليد حداثة "الكفار" أي "تقليد الغرب"، الذي لا حداثة عربية أسلامية خارج حداثته وأقل من ذلك ضد حداثته . والمهمة الثانية هي نسف النرجسية الدينية التي تعتبر الإسلام الدين الوحيد في العالم. أما اليهودية والمسيحية فهما مجرد شريعتين سابقتين لشريعته التي نسختهما وحلت محلهما. جميع الأنبياء كانوا مسلمين من إبراهيم إلى عيسى . هنا تكمن إحدى الأسرار الدينية للإرهاب الإسلامي، وهكذا نفهم لماذا صرح الرئيس السابق للجنة الفتوى في الأزهر سنة 2001 بأنه " لا معني لحوار الأديان إلا إذا كان دعوة بابا الفاتيكان إلى الدخول في الإسلام" !.
أخصر الطرق لنسف النرجسية الدينية هو التعليم الديني الحديث الذي ينطلق من الآيات المسكونية الثلاث :" إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين، من آمن بالله واليوم الآخر، وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم، ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون" ) 2 6البقرة) والتي تكررت في المائدة (69) وفي الحج (17). لترسيخ فكرة أن اليهودية والمسيحية ديانتان وليس مجرد شريعتين منسوختين بالشريعة الإسلامية كما يقول الفقه الإسلامي القديم وفقه الإسلام السياسي والجهادي المعاصر . اعتبار اليهودية والمسيحية مجرد شريعتين منسوختين، واعتبار الإسلام هو الدين الوحيد الذي لا خلاص لمن لا يدخل فيه، وبالتالي لابد من "الجهاد إلى قيام الساعة" لإدخال البشرية قاطبة في الإسلام طوعاً أوكرهاً ... هو إحدى أهم الأسباب الدينية للإرهاب الإسلامي ولرفض قطاع واسع من مسلمي الغرب التكيف مع المجتمعات العلمانية ذات التقاليد المسيحية التي يعيشون فيها . تدريس حوارالأيان، كضرورة للمسلم، لفتح وعيه للتسامح الديني ومعاصرة العصر، مهمة أساسية للمدرسة الدينية الإصلاحية . وهذا ما وعاه صانع القرار التونسي : في الجامعة التونسية يوجد " كرسي بن علي لحوار الأديان ". أيضا في الجامعة الزيتونية التونسية يدرس الطالب في مادة الكتب المقدسة "الكتاب المقدس والقرآن" ككتابين مقدسين مؤسسين لثلاث ديانات : اليهودية والمسيحية والإسلام. تكثيف حوار الأديان مع اليهودية والمسيحية، عبر المؤتمرات الدينية والعلمية وعبر الفضائيات والمناقشات المشتركة في وسائل الإعلام، كفيل بتعميم وترسيخ فكرة حوار الأديان لتنوير وعي المسلم بحقيقة أن الإسلام دين بين الأديان وليس الدين الوحيد الناسخ لجميع الأديان والشرائع السابقة له . ترجمة البحوث التي تتناول الديانات الأخرى بما فيها ، الهندوسية، والبوذية، والشانتونية، والإحيائية من شأنه توسيع آفاق المسلم الدينية وجعله يفهم دينه فهماً تاريخياً ونسبياً في سياق الظاهرة الدينية العالمية. وعلى صياغة وعي إسلامي مسكوني يكون مدخلاً للتطبيع الضروري بين الدولة في أرض الإسلام والقيم العالمية والقانون الدولي ، ولتطبيع علاقات الإسلام، كدين،مع اليهودية والمسيحية وباقي ديانات العالم بما في ذلك الاحيائية التي نظم الترابي حرباً جهادية لإبادتها في جنوب السودان. بإمكان الإسلام المعاصر أن يتلاقح مع البوذية المسالمة التي ساعدت الوعي الجمعي الياباني على استقبال الحداثة الغربية وخاصة على عدم السقوط في فخ الجهاد والاستشهاد الذي سقطنا فيه نحن المسلمين، بسبب ثقافة الجهاد والاستشهاد الراسخة في وعينا الديني على مر العصور .
كل دولة مسلمة ستكيف المبادئ العلمانية مع واقعها الاجتماعي – الثقافي، مع الحفاظ على المعالم الأساسية لهذه المبادئ. المبدأ الأول،الاعتراف بالمواطنة الكاملة التي تسمح للمرأة بأن ترشح نفسها لحكم الرجال، ولغير المسلم بأن يرشح نفسه لحكم المسلمين. في البداية قد يكون ذلك حقاً رمزياً ، لكن مع تغلغل العلمانية في الوعي الإسلامي سيصبح حقاً فعلياً. كيف ننسي أن رئيسة جمهورية بنجلاديش، إمرأة، وبناظير بوتو انتخبت رئيسة لحكومة باكستان مرتين ؟ فلماذا لا تنتخب امرأة أوقبطي رئيساً لجمهورية مصر في المستقبل؟. المبدأ الثاني،هو حرية ممارسة الشعائر الدينية أي الإعتراف لجميع المواطنين بحرية ممارسة شعائرهم وبناء جوامعهم وكنائسهم ومعابدهم دون تمييز بينهم ودون تضييق عليهم . الدولة التي تشجع بناء المساجد وتضيق على بناء الكنائس تنتهك ولا شك مبدأ حرية ممارسة الشعائر الدينية. والمبدأ الثالث، تطبيق القانون الوضعي في جميع المجالات، خاصة الجزائية والمدنية. بل إني أقترح على المثقفين في العالم العربي بأن يطالبوا المجتمع المدني العالمي والأمم المتحدة والإعلام العالمي والدبلوماسية الدولية باعتبار تطبيق العقوبات البدنية الإسلامية جريمة . وهذا ما طالبت به سنة 2001 في " الجزيرة " فقرر الأمير خالد بن سلطان منعي من الكتابة في " الحياة " ! المبدأ الرابع، ترسيخ مبدأ حرية الضمير وحرية اختيار الدين. حرية الضمير تعني حق الإنسان في أن يأخذ بدين معين أو أن لا يأخذ بدين من الأديان. وهذا الحق يعترف له به القرآن :"فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"، يفسر محمد عبده هذه الآية :" من شاء أن يدخل فيه [الإسلام] فليدخل، ومن شاء أن يخرج منه فليخرج"، اعتبر الشافعي أن من حق المسلم إلى سن الخامسة عشر أن يختار أي دين يشاء ، فلماذا لا نلغي اليوم، في عصر حقوق الإنسان، حاجز السن ونجعله حقاً للمسلم مهما كان سنه؟. المبدأ الخامس، إصلاح التعليم الديني بالمواصفات التي سبق لي أن ذكرتها في هذا الحديث، إضافة إلى تدريس حقوق الإنسان، كما في تونس، لفتح الوعي الإسلامي للقيم الإنسانية الكونية التي لا تتناقض مع الخطاب الديني – الروحي ومع مكارم الأخلاق كالصدق والتضامن والرحمة والاستقامة بل تتكامل معها. تطبيق هذه المبادئ الخمسة يشكل مضمون العلمانية في أرض الإسلام بقطع النظر عن الشكليات القانونية أو الدستورية التي سيكتسيها هذا المضمون.
السؤال، كل السؤال، من يستطيع أن يحقق هذه المهام الجسام التي يتوقف عليها إصلاح الإسلام ومساعدة الوعي الإسلامي على تبني حداثة "الآخر"، التي لا حداثة بدونها؟ المراهنة على الأنظمة هي كالمراهنة على ربح الحصة الكبرى في اليانصيب (لوتو). المراهنة الصحيحة تكون على أصحاب المصلحة في فتح الوعي الإسلامي والواقع العربي الإسلامي للعلمانية. من هم أصحاب المصلحة في الفصل بين الدين والسياسة، وبين الدين والعلم، وبين الدين والإبداع الأدبي والفني ؟ هم الأقليات القومية والدينية والنساء الذين حرمتهم جميعاً الدولة الدينية من حقوق المواطنة الكاملة. أضف إليهم الأدباء والعلماء والباحثين والفنانين والمبدعين وجمهورهم، أي القطاع المتعلم والمتنور من المجتمعات العربية الإسلامية. هؤلاء جميعاً لا خلاص لهم من مقص الرقيب وسيف الجلاد إلا بالعلمانية التي تقطع دابر التعصب والإرهاب الدينيين وتتيح الفرصة للجميع، لمن يؤمنون بجميع الأديان ولمن لا يأخذون بدين من الأديان، للتعبير الحر والسلمي عن قناعاتهم دون مجازفة بالحرية أو بالحياة.
هذه القوى الحية مازالت ضعيفة عدداً وإمكانيات بسبب تقليدية وتأخر المجتمعات الإسلامية. من هنا الأهمية الحاسمة لتكوين جبهة عالمية لنشر العلمانية في أرض الإسلام قوامها المجتمع المدني العالمي، الإعلام العالمي، الدبلوماسية الدولية لمساعدة القوى الحية في البلدان العربية والإسلامية. هذه القوى العالمية لها هي أيضاً مصلحة في العلمانية لأنها معنية بتجفيف ينابيع الإرهاب. والدولة الدينية ، والتعليم الديني التقليدي الإرهابي، ونشر كراهية الآخر عبر نشر فقه الولاء والبراء، ورفض حوار الأديان وتكفير من يقلد الغرب أو يتعاون معه، كلها ينابيع دينية ثرية للإرهاب الإسلامي.
أقترح على هذه القوى العالمية والدولية اعتبار التعليم الديني السائد في معظم البلدان العربية والإسلامية تحريضاً على الإرهاب ، واعتبار الإعلام الديني السائد تحريضاً على الكراهية والتمييز الديني. كما أقترح أن تتضمن اتفاقات الشراكة الأوربية العربية، والشراكة الأمريكية – العربية بنوداً تحرم التمييز الديني ضد المرأة وضد المواطنين غير المسلمين. هذا التمييز الذي يجسده اعتبار الشريعة مصدراً أساسيا للتشريع. والشريعة تعتبر المرأة ناقصة عقل في الولاية وناقصة دين في العبادة، وتعتبر المواطن غير المسلم أهل ذمة، أي صفر – مواطن، وهكذا يساعد العالم الفضاء العربي الإسلامي على الخروج من تأخره التاريخي للإنخراط في الحداثة العالمية التي فاته قطارها منذ القرن السادس عشر عندما انخرطت المسيحية في الاصلاح الديني وغاص هو في الجمود الديني إلى الأذقان.

هل الديمقراطية ممكنة من دون العلمانية؟


كلا. لأن الديمقراطية والعلمانية الناضجتين ، خاصة في أرض الإسلام ، هما كوجه الورقة وقفاها. لماذا ؟ الديمقراطية الناضجة تفترض وجوباً الاعتراف بالمواطنة الكاملة للمرأة وللمواطن غير المسلم أو غير المؤمن . مثل هذه المواطنة الكاملة تفترض العلمانية، أي الإعتراف لكل مواطن بجميع حقوق المواطنة . أية ديمقراطية في الكويت ونصف السكان، النساء، محرومون من حقوق المواطنة، أي من حق أن يكن ناخبات ومنتخبات؟ لأن شيوخ الإسلاميين وشيوخ القبائل اتفقوا ، اعتماداً على فتوى دينية بعدم أهلية المرأة السياسية أصدرتها وزارة الأوقاف الكويتية سنة 1985، على رفض مشروع الحكومة الذي قدمته للبرلمان للإعتراف للمرأة بحقوق المواطنة السياسية . وأية ديمقراطية فيها طالما الشيعة مهمشون سياسياً ؟ وأية ديمقراطية في الأردن طالما البرلمان ، الذي يتحكم فيه تحالف الإسلاميين وشيوخ العشائر، يرفض مشروع قانون حكومي لتشديد عقاب المرتكبين لجرائم الشرف ضد النساء. وهكذا لا معنى للديمقراطية، التي تعتبر الولايات المتحدة غيابها سبب الإرهاب الإسلامي ، بدون الاعتراف أولاً بالمواطنة الحديثة للمرأة وغير المسلم وغير المؤمن. طبعاً تريد إدارة بوش ، عبر الانتخابات الديمقراطية استيلاء الإسلاميين على الحكم، كما صرحت وزيرة الخارجية الأمريكية ، كوندي ، في الأسبوع الأول من شهر إبريل – نيسان. لا مانع من ذلك فصعود الإسلاميين إلى الحكم في كثير من البلدان العربية الإسلامية سيكون، أكبر الظن، الطريق إلى العلمانية. لا يوجد شعب في أرض الإسلام أكثر علمانية من الشعب الإيراني الذي كان قبل ربع قرن شعباً من الملالي. لكن الثمن سيكون باهظاً : سيشنق العلمانيون على قارعة الطريق، وسترجم النساء بعشرات الآلاف وستنظم المجازر للأقليات الدينية والقومية ... وستصبح كل دولة إسلامية قاعدة لـ"القاعدة"على غرار ما حدث في إيران الخمينية والسودان الترابية وأفغانستان الطالبانية .
ما العمل؟
استصدار قرار من مجلس الأمن للتدخل العسكري في الحالات الأربع التالية : إذا شرع الإسلاميون في رجم النساء، وإذا نظموا مجازر للأقليات الدينية والقومية، وإذا حلوا الجيوش لتعويضها بالميليشيات الإسلامية التي ستشكل قاعدتهم الإجتماعية بعد يأس الشعب منهم، وإذا رفضوا التداول السلمي على الحكم بعد تجربة الجمهور لهم واليأس من وعودهم الخلاصية المستحيلة التحقيق. عندئذ يكون مجيء الإسلاميين إلى السلطة مقدمة لمجيء الحداثة في ركابهم ... لأن الشعوب ستكتشف أن لعب ورقة الدولة الإسلامية خاسرة، وأن مستقبلها جزء لا يتجزأ من مستقبل العالم وليس في ماضيها الذي مضي وانقضي إلى غير رجعة. ولعل هذا هو ما أدركه أخيراً منير شفيق عندما نصح الإسلاميين بالبقاء في المعارضة، كجماعات ضغط، والعزوف عن السلطة وعياً منه باستحالة تطبيق مشروعهم الذي تجاوزه التاريخ .

لماذا تسمح الإدارة الأمريكية لبلدان بكاملها أن تصبح قاعدة لـ "القاعدة"؟
رئيس مجلس الأمن القومي في ولاية كلينتون، الأولي ، انتوني بيرغر، قال في مقال له في التسعينات نشره في"فورين افريز" المتخصصة في السياسة الخارجية : في عهد الشاه كان الشباب الإيراني في جامعات أمريكا متعاطفاً مع الشيوعية. أما في ظل الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فإن أسلوب الحياة الأمريكية غدا المثل الأعلى للشباب الإيراني. وأضاف مبررا مساندة واشنطن لمجيء جبهة الإنقاذ الإسلامية إلى حكم الجزائر: وإذا حكم الإسلاميون في الجزائر، فالشباب الجزائري، المناهض لنا اليوم، سيصبح غداً متعلقاً بأسلوب الحياة الأمريكي.
صرحت مؤخراً شخصية أمريكية في حديث خاص مع أحد السفراء العرب بأن الرئيس بوش أكثر شعبية في إيران من خاتمي وخامينائي معاً.
بالتأكيد سيصبح "أسلوب الحياة الأمريكي" ، في ظل حكم الإسلاميين، هو المثل الأعلى للشباب العربي والإسلامي. لكن من العمي السياسي أن يأخذ صانع القرار الأمريكي قراراً استراتيجياً بدافع واحد وحيد هو اعتناق الشباب المسلم لأسلوب الحياة الأمريكي ! لكن ماذا عن مصير النساء ، والأقليات الدينية والقومية واستفحال الإرهاب ؟ من دون تحديد استراتيجية واضحة ومعلنة للتدخل العسكري الأممي أو الأطلسي في الحالات الأربع التي ذكرتها آنفاً ـ فإن الولايات المتحدة ستكسب دون شك تعلق الشباب المسلم بأسلوبها في الحياة ، كما في إيران ... لكنها ستخسر ، ومعها العالم كله، بتركها العالم العربي يغوص، تحت حكم الإسلام السياسي والجهادي، في الفوضي الدامية والإرهاب اللذين يشكلان التحديين الحقيقيين للحضارة المعاصرة.

Post: #64
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-26-2008, 09:59 AM
Parent: #62

العلمانية هى الحل
الخميس 25 سبتمبر 2003 14:38

خالد منتصر


*ما هى العلمانية؟

تعد العلمانية من اكثر الكلمات فى قاموسنا اللغوى تعرضاً للظلم البين والخلط الشديد عن عمد أو عن جهل، وهى قد اصبحت وصمة عار لكل من يتلفظ بها، أما من يجرؤ بأن ينتسب اليها فقد اقتربت رقبته من مقصلة التكفير واصبح هدفاً لحد الرده وكيف لا وهو منكر لما هو معلوم من الدين بالضرورة فى راى دعاة الدولة الدينية!!

والسبب فى هذا الموقف المعادى للعلمانية هو الخلط بينها وبين الالحاد،اما السبب الأقوى فهو أن العلمانية ستسحب البساط من تحت أقدام المستفيدين من دعوة الدولة الدينية والمنظرين لها فهى تدعو لحوار الأفكار على مائدة العقل وتعريتها من رداء القداسة الذى يغطيها به هؤلاء الدعاة للوصول إلى أهدافهم وهذا كله يجعل من السمألة مسألة بشرية بحتة،فإذا كان حديثهم عن البركة فى الاقتصاد الاسلامى حولته العلمانية لحديث عن محاولة خفض نسبة التضخم وزيادة الدخل القومى، وإذا كان كلامهم عن حكم الله حولته العلمانية الى كلام عن الديمقراطية والدستور لتنظيم العلاقات بين البشر، فالله جل جلاله لا يحكم بذاته ولكن عن طريق بشر أيضا لهم اهواؤهم ومصالحهم التى لابد من تنظيمها، واذا كانت قضيتهم هى قراءة الماضى فقضية العلمانية هى صياغة المستقبل..

وفى السبعينات ومع استعمال السادات للجماعات الاسلامية كمخلب قط ضد اليسار المصرى وسماحة بالخربشات فى جسد هذا التيار والتى كان لابد ان تتطور بعد ذلك الى نهش فى جسد صاحب الدار والراعى نفسه الذى تصور أن القط ما زال اليفاً ولم يعد الى أصله كنمر مفترس.. فى ظل هذا المناخ هوجمت العلمانية من حملة مباخر هذ النظام مما دفع مفكرا كبيرا مثل د. زكى نجيب محمود الى كتابة مقال فى جريدة الأهرام تحت عنوان "عين – فتحه – عا" محاولاً فيه تفسير معنى العلمانية التى كانت ملتبسة على الكثيرين،حتى أن مجرد نطقها بفتح العين أم بكسرها صار يمثل قضية تستحق الطرح على صفحات الجرائد، فيكتب زكى نجيب محمود بوضعيته المنطقية الساعية لتحديد الألفاظ وفك الغموض عن معانيها "سواء كان المتحدث مهاجماً كان أم مدافعاً، فكلاهما ينطق اللفظة مكسورة العين وكأنها منسوبة الى العلم مع ان حقيقتها هى العين مفتوحة نسبة الى هذا العالم الذى نقضى فيه حياتنا الدنيا (……)، ولو كل الفرق فى المعنى بين ان تكون العلمانية مكسورة العين او مفتوحة العين فرقاً يسيراً يمكن تجاهله لقلنا انه خطأ لا ينتج ضررا كبيرا،ولكن الفرق بين الصورتين فى نطق الكلمة فرق لا يستهان به مما يستوجب الوقوف والمراجعة" (1).. ويعلل زكى نجيب محمود هذا بان "كلمة العلمانية ليس لها وجود فى اللغة العربية قبل عصرنا الحديث فالكلمة هناك لها عند القوم اهمية وتاريخ على عكس الحال عندنا"(2)

ويعترض د. فؤاد زكريا على الضجة التى اثيرت حول استخلاص كلمة العلمانية بفتح العين من العالم او بكسر العين من العلم ويعتبرها ضجة مبالغا فيها لأن كلا من المعنيين لابد ان يؤدى الى الآخر "فالشقة ليست بعيدة بين الاهتمام بامور هذا العالم وبين الاهتمام بالعلم،وذلك لأن العلم بمعناه الحديث لم يظهر الا منذ بدء التحول نحو انتزاع امورالحياة من المؤسسات التى تمثل السلطة الروحية وتركيزها فى يد السلطة الزمنية، والعلم بطبيعته زمانى لا يزعم لنفسه الخلود بل ان الحقيقة الكبرى فيه هى قابليته للتصحيح ولتجاوز ذاته على الدوام،وهو أيضا مرتبط بهذا العالم لا يدعى معرفة اسرار غيبية أو عوالم روحانية خافية ومن ثم فهو يفترض أن معرفتنا الدقيقة لا تنصب إلا على العالم الذى نعيش فيه يترك ما وراء هذا العالم لأنواع أخرى من المعرفة دينية كانت ام صوفية (……) فالنظرة العلمية عالمانية بطبيعته" (3).

ومع تنامى التيار الأصولى الاسلامى وتصاعد سطوته الثقافية والسياسية والاقتصادية على المجتمع المصرى، كان لابد للعلمانيين ان يقدموا تعريفهم الخاص للعلمانية وان يحاولوا فك الارتباط الشرطى بين العلمانية والالحاد من أذهان الناس، فالمشكلة كانت قد انتقلت من برودة الأكاديمية الى سخونة الشارع والأمر لم يعد أمر نطق بالفتح او بالكسر وإنما اصبح غزلاً وتملقاً للمشاعر الدينية باسم محاربة العلمانية.. أصبح الأمر تخديراً مزمناً لكسب الجماهير المغيبة.. هنا أصبحت محاولة التعريف ضرورة ملحة وليست ترفاً دراسياً …

والمأساة تكمن فى أن كل ما يكتبه التيار الأصولى الاسلامى يستقى تعريفاته من أصوليين آخرين، وتظل الدائرة مغلقة لا تسمح باى تواصل حتى بقصد الفضول المعرفى.. فالأمانة العلمية تقتضيهم ان يستمدوا أراءهم عن العلمانية من تنظيرات العلمانيين انفسهم لها.. وعلى حد علمى انه حتى الآن لم يربط علمانى واحد بين العلمانية وبين الالحاد،فالعلمانية نظرة الى المعرفة والسياسة،والالحاد نظرة الى الدين واللاهوت..

وبقراءة متأنية لكتابات رموز العلمانية المصرية الحديثة نستطيع ان نقرر هذه الحقيقة ونعرف العلمانية بالايجاب وليس بالسلب.. بحقيقتها وليست بانها هى التى غير الالحاد حتى لا يصبح العلمانيون دائما فى موقف رد الفعل ودفع الهجوم، وحتى لا يقعوا فى الشراك اللزجة المنصوبة لهم من قبل المعسكر الأصولى والذى يجعلهم دائماً فى حالة استنفار مستمر وقسم دائم باغلظ الايمان ها نحن مؤمنون مثلكم بل وأكثر.. وينتهى المزاد بفوز التيار الأصولى بالضربة القاضية لأنه جر العلمانيين من ساحة الواقع الى حلبة الميتافيزيقا والتى يجيد اللعب والمراوغة عليها …

وبداية لنتفق على الأصل اللغوى لكلمة العلمانية (4) فالعلمانية هى المقابل العربى لكلمة Secularism فى الانجليزية او Seculaire فى الفرنسية،وأصول الكلمة تعنى يستولد أو ينتج او يبذر او يستنبت من الاهتمامات الدنيوية الحياتية،ومن هنا فإنها استخدمت كصفة أيضا لأصحاب هذه الاهتمامات الدنيوية،وللكلمة أيضا دلالة زمنية (saeculum)فى اللاتينية بمعنى القرن حيث انها تصف الأحداث التى قد تقع مرة واحدة فى كل قرن،فالدقة الكاملة لترجمتها كما يشير د. فؤاد زكريا هى الزمانية ان العلمانية ترتبط بالأمور الزمنية،أى بما يحدث فى هذا العالم وعلى هذه الأرض فى مقابل الأمور الروحانية التى تتعلق اساسا بالعالم الأخر،وقد كان المترجمون الشوام قديما يستعملون لفظ العلمانية كترجمة للكلمة الفرنسية LAIQUE او الانجليزية LAICISM وهى المأخوذة عن اللاتينية LAICUS اى الجماهير العادية او الناس او الشعب الذى لا يحترف الكهانة تمييزاً لهم عن رجال الدين،والمفهوم الثانى وان كان لا يستخدم الآن يؤكد المفهوم الأول ولا ينفيه فاللفظ قد تطور ليعبر عن التحول من حكم الاكليروس (الكهنوتى) إلى السيطرة المدنية (حكم الرجال العاديين) المعنيين بالشئون الدنيوية (الزمانية) هذا عن المعنى اللغوى والذى كما رأينا لا يعنى الالحاد من قريب او بعيد بدليل أن القس الذى لا يخضع لنظام كنسى محدد يطلق عليه Secular priest أى قس عالمانى وليس قسا ملحدا والا لكانت نكتة !!..

وسيرد المتربصون بالعلمانية ويقولون "هذا هو تعريف الغرب المختلف عنا شكلا ومضمونا فماذا عن تعريفكم أنتم ؟،واجابة السؤال هو ان تعريفات العلمانيين للعلمانية شأن أى تعريف فى اطار العلوم الانسانية تختلف باختلاف وجهة النظر والمدرسة الفلسفية التى ينتمى اليها صاحب التعريف ولكن فى النهاية تصب كل التعريفات فى مصب واحد..

وأول هذه الأنواع من التعريفات هو التعريف الذى يستند الى علاقة العلمانية بالدين :

• "العلمانية ليست هى المقابل للدين ولكنها المقابل للكهانة" (5)

• العلمانية هى التى تجعل السلطة السياسية من شأن هذاالعالم والسلطة الدينية شأنا من شئون الله" (6).

• "العلمانية هى فى جوهرها ليست سوى التأويل الحقيقى والفهم العلمى للدين" (7)



ثانيا تعريف من حيث حقوق المواطنة وأسسها الدستورية

• "العلمانية لا تجعل الدين اساسا للمواطنة وتفتح ابواب الوطن للجميع من مختلف الأديان هذه هى العلمانية دون زيادة او نقصان فهى لم ترادف فى اى زمان او مكان نفى الأديان (

• أسس الدولة العمانية تتمثل فيما يلى :

أ- أن حق المواطنة هو الأساس فى الانتماء بمعنى اننا جميعا ننتمى الى مصر بصفتنا مصريين مسلمين كنا ام اقباطا …

ب- إن الأساس فى الحكم الدستور الذى يساوى بين جميع المواطنين ويكفل حرية العقيدة دون محاذير أو قيود..

جـ- أن المصلحة العامة والخاصة هى اساس التشريع..

د- ان نظام الحكم مدنى يستمد شرعيته من الدستور ويسعى لتحقيق العدل من خلال تطبيق القانون ويلتزم بميثاق حقوق الانسان" (9).



ثالثا : التعريف الشامل من وجهه نظر معرفية وفلسفية

"التفكير فى النسبى بما هو نسبى وليس بما هو مطلق" (10) هذا هو تعريف العلمانية للدكتور مراد وهبه والذى جاء فى معرض حديثه عن رسالة فى التسامح للمؤلف الانجليزى جون لوك والذى خلص الى ان المعتقدات الدينية ليست قابلة للبرهنة ولا لغير البرهنة فهى إما ان يعتقد ولهذا ليس فى امكان احد ان يفرضها على أحد ومن ثم يرفض لوك مبدأ الاضطهاد باسم الدين ويترتب على ذلك تمييزه بين امور الحكومة المدنية وامور الدين، ويقرر مراد وهبه ان هذا التمييز هو نتيجة للعلمانية وليس سبباً لها فالعلمانية نظرية فى المعرفة وليست نظرية فى السياسة.. وهذا التعريف يتفق الى حد كبير مع تعريف آخر هو أن "العلمانية محاولة فى سبيل الاستقلال ببعض مجالات المعرفة عن عالم ما وراء الطبيعة وعن المسلمات الغيبية" (11).

• فى مصر علمانيون بلا علمانية

بذل الباحثون المصريون جهدا كبيرا فى محاولة تحديد البدايات الجنينية للعلمانية المصرية وفى اثبات ان مصر قد عاشت مراحل علمانية متعددة قبل الهجمة التتارية الأخيرة التى نكتوى بنارها فى الوقت الحالى.. فبعض الآراء ترجع ارهاصات العلمانية الأولى الى الحزب الوطنى(1879 – 1882) (12) الذى قاد الثورة العرابية بهدف نقل السلطة من ايدى الارستقراطية التركية الشركسية الى ايدى كبار الملاك والتجار الوطنيين وتستند هذه الآراء الى البيان التأسيسى للحزب والذى وضعه محمد عبده والذى نص فيه على أن الحزب سياسى وليس دينيا،وأن القاعدة فى المواطنة هى من يعيش على ارض مصر ويستظل بسمائها ويحرث ارضها بصرف النظر عن الجنس والدين والعقيدة،ويمضى الراى فى تتبع العلمانية المصرية ويقول "ان الحياة الاجتماعية السياسية ظلت بعد ذلك تحت قيادة الفكر الليبرالى العلمانى الى ان عجزت ليبرالية كبار الملاك فيما بعد الحرب العالمية الثانية عن مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التى كانت تطرحها ضرورات التطور المستقل فسقطت الليبرالية العلمانية لتحل محلها راديكالية ولكن أيضا علمانية تمثلت فى النظام الذى افرزته حركة 23 يوليو 1952 بكل ما أقدمت عليه من اصلاحات اقتصادية واجتماعية وإدارية وتعليمية كان مضمونها العلمى واضحا تماما. (13)

وقد تم تدعيم بعض جوانب هذا الرأى وملء فجواته من جانب علمانيين كثيرين بغرض اظهار ان هذه الصورة التى نعيشها الان انما هى ردة عن واقع متسامح سابق،ولا يهم ان كان الفرق بين الماضى والحاضر كميا او كيفيا او ان كانت علمانية الماضى مجرد قشرة هزيلة لواقع مهترئ.. فأما عن علمانية الوفد فقد ابرزوا دور سعد زغلول عند تشكيل أول وزارة مصرية بعد الاستقلال وضمه لخمسة وزراء اقباط من بينهم وزير للعدل، واستعان د. فؤاد زكريا فى كتابة "الصحوة الاسلامية فى ميزان العقل" بما رواه الاستاذ ابراهيم فرج (جريدة الوفد عدد يوليو 1989) عن كيف اعرب النحاس باشا للزعيم الهندى نهرو خلال زيارة له عام 1954 عن امله فى ان تكون الجمهورية المصرية جمهورية علمانية"، وفرج فوده (14) أيضا أعلن ان النحاس رفض الدولة الدينية ودعا للدولة العلمانية وهو ما يصفه فرج فوده بانه اعلان ثابت بشهادة مكتوبة لا يمكن انكارها لأنها أتت من ابراهيم فرج وهو من عرف باسم ابن النحاس …

اما عن المرحلة الناصرية فقد اعتبر البعض ان لب المشروع الناصرى موضوعيا كان علمانيا نتيجة لملابسات عديدة ونتيجة لطبيعة المرحلة التى نشأ فيها المشروع" (15).

وبعد هذه البراهين التى استمدت من خلال الأحزاب أو النظم السياسية إحتاج الأمر أيضا الى براهين أخرى من خلال مفكرين تعزى اليهم بدايات التفكير العلمانى أو تنسب اليهم مراحل عافيته وصعوده.. مفكرين امثال الطهطاوى حين قال "حب الوطن من الايمان" والتى تناقضت مع مقولة عبد العزيز جاويش" لا وطنية فى الاسلام" او مثل محمد عبده كا ذكرنا فى البداية أو الشيخ على عبد الرازق حين اصدر كتابه "الاسلام واصول الحكم" عام 1925.. أو طه حسين حين اصدر كتابه فى الشعر الجاهلى عام 1926.. أو سلامه موسى حين قال "إن اختلاط الأديان بالسياسة كان على الدوام مصدر الآم وحروب بينما السلم والرخاء كانا فى ابتعاد الدين عن السياسة وان تعاليم الاسلام والمسيحية تقرران أن الدين علاقة خاصة بين الانسان وربه وليس لأحد ان يجعل من نفسه رقيبا عليها (16)، أو المهاجرين الشوام مثل فرح انطون ويعقوب صروف وأمين المعلوف وجورجى زيدان (17).

وبالرغم من هذا الجهد الذى بذله الكثيرون فإن كل هذه الارهاصات المفترضة لم تكن انقباضات مخاض ما قبل الولادة بل كانت رعشات زفرات ماقبل طلوع الروح.. وللأسف فالجنين الذى منحتنا اياه تلك المراحل هوجنين مشوه الملامح هلامى القسمات،واذا كان الانتقاء التاريخى قد جمل الصورة فإن الانتقاء المضاد هو الذى سيظهر دمامة وقبح بعض خطوطها وألوانها وظلالها.. ولنتساءل أين هى العلمانية من قول سعد زغلول عن كتاب الاسلام واصول الحكم "قرأت كثيرا للمستشرفين ولسواهم فما وجدت ممن طعن منهم فى الاسلام حدة كهذه الحدة فى التعبير على نحو ما كتب الشيخ على عبد الرازق، لقد عرفت انه جاهل بقواعد دينه بل بالبسيط من نظرياته،والا فكيف يدعى ان الاسلام ليس مدنيا ولا هو بنظام يصلح للحكم (……) وما قرار هيئة كبار العلماء باخراج الشيخ على من زمرتهم الا قرار صحيح لا عيب فيه (1،أين هى العلمانية من قوله ايضا عن طه حسين امام مظاهرة الأزهريين" هبوا ان رجلاً مجنوناً يهذى فى الطريق فهل يضير العقلاء شئ من ذلك" (19).

أين هى العلمانية حين رمى عبد الناصر رموز اليسار المصرى فى غياهب السجون ولم يخرجهم منه الا بناء على تكتيك سياسى وليس بناء على اتضاح للرؤية أو تغيير للاستراتيجية ؟؟، أين هى عندما حافظ على خانة الديانة فى البطاقة الشخصية واتسعت فى عصره كليات العلوم الدنيوية الأزهرية القاصرة على المسلمين ؟..

ان العلمانية ليست مجرد نصوص قانونية متفرقة أو مواد دستورية متناثرة وانما هى روح تسرى فى المجتمع، وهذا الخلط هو الذى جعل شهيد التنوير المصرى فرج فودة يعتبر ان "الدولة التى نعيشها دولة علمانية المبنى والنظام" (20) ولذلك فأقصى الامانى لدى الكثيرين ان يظل الحال على ما هو عليه فى مقابل المستقبل المظلم الذى ينتظرنا على ايدى اصحاب الدولة الدينية اى بمعنى (اللى نعرفه احسن من اللى ما نعرفوش)..

حقا اننا نملك بعض العلمانيين بلا علمانية..بلا تيار حقيقى يسرى فى نخاع المجتمع "فالعالم العربى الحديث لم يعرف العلمانية قط كجزء من مشروع حضارى اشمل وانما عرفها حينا كثقافة تنويرية او كمجموعة من القوانين المنقولة عن الغرب (21).

وهذه فى الحقيقة هى اهم المشاكل التى تواجه العلمانية،مشكلة الأفراد الجزر المنعزلة التى لا تتجمع الا لتفترق، تطغى خلافاتهم الايدلوجية من اليسار واليمين على اتفاقهم المبدئى فيكونون هم انفسهم حملة اكفان علمانيتهم، ثم تأتى المشكلة الثانية وهى ان العلمانية المصرية حتى الآن لم تؤسس مشروعا وانما هى REFLEX أو ردود افعال،كما نلمس عضلة الضفدعة هكذا بقطب كهربى فتنقبض،هكذا كانت العلمانية.. مقال ينشر فى جريدة فيرد العلمانيون، حدث يجرى فى جامعة فيهب العلمانيون.. وردود الأفعال هذه مطلوبة بالطبع وبشدة لكن المفروض ان تكون احد جوانب الصورة لا أن تحتل كل الصورة بل فى بعض الأحيان الإطار أيضا..

وحين نرفع شعار العلمانية هى الحل فلابد من ان ندفع ثمن هذا الشعار كما دفعه الغرب منذ القرون جهدا ودماء.. فالعلمانية لا تقدم على طبق من ذهب او تهبط هبة من السماء.. واعتقد اننا ندفع الثمن حاليا فإما ان نشترى المستقبل او نقع غرقى ديون الماضى الى أبد الآبدين.

Post: #65
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-27-2008, 11:28 AM
Parent: #64

نأكل مما نزرع ..شعار أكل نفسه

طلحة جبريل
[email protected]

القاعدة المتبعة في بلادنا ومنذ 19 سنة هي "تدوير النخب". هذا أمر طبيعي له علاقة بطبيعة النظام، إذ توزع الأنظمة الشمولية المواقع والأدوار بين فئة قليلة من الناس، وهم أنفسهم الذين يتبادلون هذه المواقع بغض النظر عن قدراتهم على الابتكار.
النظام الشمولي غير قابل وليست له القدرة على تجديد النخب حتى داخل الحركة أو التيار السياسي الذي يهيمن عليه بسبب غياب الممارسة الديمقراطية داخل التنظيم، لذلك سنلاحظ بوضوح في حالة "الإسلاميين" الذين استولوا على السلطة واحتكروها منذ عام 1989، انهم استبعدوا كثيرين بما في ذلك الذين "صنعوا" الانقلاب ودفعوا بهم إلى خارج مراكز القرار والنفوذ لأسباب متباينة وفي بعض الأحيان إلى مناطق الظل المعتمة. ولان "الإسلاميين" طبقوا منهجاً يعتمد قاعدة "الشيخ ومريديه" أي أن كل ما يقوله "الشيخ" هو الحقيقة، وكل ما هو مطلوب من المريدين هو التنفيذ، لذلك عندما انقسمت حركتهم، كان لا بد من "شيخ" جديد يلغي دور "الشيخ" القديم، شرط أن يبقى دور المريدين كما هو مع الشيخين، أي الولاء والطاعة.
ربما لهذا السبب برز تيار جديد وسط الحركة الإسلامية، لم يصطف مع "الشيخ" الجديد، ولم يذهب مع "الشيخ" القديم، هذا التيار تعبِّر عنه حالياً مجموعة صغيرة من المثقفين يكتبون هنا وهناك، يقولون إن ليس لهم علاقة بالسلطة القائمة، ولم تعد تربطهم رابطة مع "الشيخ" القديم، لكن الذي يضعف موقفهم أنهم يعارضون من داخل النسق الفكرية نفسها ويستعملون الأدوات نفسها، من هنا فإن هذا التيار لا يمكنه أن يصل إلى العمل ضد السلطة القائمة في الخرطوم بل إن أقصى ما يمكن يصل إليه هو انتقادها لفظياً، وحتى لو أراد فإن الكثير من الشكوك والظنون ستحيط بحقيقة مواقفهم، خاصة أن بعضهم كانت لهم مواقع، والأهم من ذلك أنهم كانوا من أنصار الانقلاب على المؤسسات الشرعية التي كانت قائمة في البلاد، والسياسة ليست قفزات على الحبال. بالأمس كنت تكتب وتخطب وتبرر "الانقلاب" على المؤسسات الشرعية، واليوم تقول إن الجماعة قد ضلوا الطريق، ثم تدعو للعودة إلى المؤسسات الديمقراطية.
نصل من ذلك إلى أن "تجديد النخب" حتى من داخل النظام غير ممكن والبحث عن نخب جديدة داخل تيار المحسوبين على "الإسلاميين" مستحيل، أما الاستعانة بنخب وسط المجتمع السوداني الزاخر بالكفاءات، فمسألة دونها بيض الانوق كما يقول المثل. وسبب ذلك واضح وجلي، ويعود إلى طبيعة النظام الشمولية، الذي لا يمكن أن يتيح فرصة لشخص ما بشغل موقع متقدم في مؤسسات الدولة، طالما أنه خارج دائرة "المريدين"، ومن هنا لا يبقى خيار أمام الكفاءات سوى أن تعيش الإحباط.
ومسألة حصر دائرة صنع القرار في حفنة من الناس، وترك كثيرين تأكلهم الحسرة خارج نطاق هذه الدائرة، تطرح أشكالية اخرى أكثر تعقيداً، ربما تكون غائبة عن أذهان من بيدهم القرار، أو لعلهم يدركونها ولكن لا يكترثون، وهي مسألة تنفيذ جهاز الخدمة المدنية لاستراتيجيات خاطئة، تنفيذاً صحيحاً بل بكفاءة واقتدار.
في ظني ان الامر يحتاج الى شرح.
إذا كان الوزير يضع استراتيجيات خاطئة إنطلاقاً من فهم مغلوط او خاطيء للواقع، فإن الذين سينفذون هذه السياسة هم من الكفاءات والقدرات التي لا يتيح لها النظام الشمولي كما أسلفت فرصة تبوؤ مواقع متقدمة، وبالتالي ينحصر دورها في الجانب التنفيذي في مواقع عملها، وبما انها تملك كفاءة وخبرات متراكمة، فإنها عند تنفيذ اي سياسة يصبح من الطبيعي أن تنفذها بكفاءة كبيرة، بالتالي تسهم لكن دون ذنب في تكريس الخراب والدمار لأنها قادرة على فهم استرتيجية صانع القرار أو بعبارة أكثر تداولاً "تعليمات السيد الوزير" ولديها القدرة على تنفيذ هذه التعليمات بنسبة نجاح تصل إلى مائة بالمائة، وبالتالي يكون الخراب قد أنجز بالكامل.
وهنا أسوق واقعة نقلاً عن أحد الأصدقاء، تقول تفاصيلها إن استاذاً في إحدى الدول الأوربية، كان يشرف على اطروحات بعض الطلاب السودانيين في الدراسات العليا، ولاحظ أن معظمهم يرسبون في مادة تطبيق السياسات (implementation strategy )، وكان تعليقه أن رسوبهم هذا أفصل لبلادهم، لأن نجاحهم في هذه المادة سيعني أن قدراتهم في التنفيذ ستكون عالية، وبالتالي فإنهم سيطبقون استراتيجيات خاطئة تطبيقاً جيداً وهو ما سيعمق الازمة في البلاد. أما إذا كان مستواهم في تطبيق أو تنفيذ السياسات ضعيفاً، فإن ذلك في صالح البلاد لأن تطبيقهم غير الدقيق لسياسات خاطئة قد تكون فيه فائدة للبلاد.
وسأكتفي بمثال واحد من السياسات الخاطئة التي أدى تطبيقها إلى نتائج وخيمة.
بعد الذي حدث عام 1989، وكان الزمن وقتها زمن الشعارات التي تملأ سماء السودان جلبة وضجيجاً، رفع شعار "نأكل مما نزرع". ولأن الأكل في عرف شعوب العالم الثالث هو القمح، كان لا بد من تطبيق هذا الشعار في بلادنا، لأن الأمر يتعلّق بخيار استراتيجي. وكان أن تقرر تعويض المحاصيل النقدية بأخرى استهلاكية، حتى "تمزق البلاد فاتورة استيراد القمح" على حدّ الكلام الطنان الذي كان يقال أيامئذ ولا يزال يتردد. وكان مشروع الجزيرة من بين المشاريع التي تقرر أن تطبق فيها استراتيجية تحقيق الشبع الغذائي. والغيت زراعات القطن وزرع المشروع بالقمح، ولان التنفيذين كانوا من الكفاءات فقد زرعت مساحات شاسعة من الارضي بالقمح، وقيل للمزارعين انتهت عهود التسول حيث كنتم تحملون القطن لمؤسسات التسويق وتجود عليكم بما تشاء.
وكانت النتيجة تطبيقا جيداً من طرف الزراعيين والمزارعين لسياسات خاطئة. لكن لماذا خاطئة؟
هناك سببان الأول أن القمح كما يقول الزراعيون المختصون، زراعة القمح تهلك التربة لذلك يحتاج إلى دورة زراعية طويلة حتى يمكن أن "ترتاح" فيها الأرض وتزرع من جديد، والاستمرار في زراعة القمح يهلك حتماً التربة مما يجعلها أقل خصوبة.
السبب الثاني هو أن المحصول لم ولن يحقق اكتفاءً، اضافة إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج، وبالتالي تطاير شعار "نأكل مما نزرع" كما تطاير قبله شعار "استفتاء حول قوانين سبتمبر" الذي رفع مع البدايات.
وأتذكّر أنني التقيت أحد الزراعيين السودانيين في مؤتمر إقليمي وكان من المختصين في موضوع التربة والقى عرضاً قيّماً في ذلك المؤتمر بعنوان (من أجل تربة تخصب نفسها من تلقاء نفسها) . سألته بعد أن استمعت لعرضه المفيد، عن الأسباب التي جعلت أمثاله يسكتون عن ما حدث للتربة في مشروع الجزيرة، وجاء رده ممزوجاً بسخرية شديدة "إذا كان وزير الزراعة الحالي (كان ذلك قبل سنوات) هو صاحب قرارات الإحالة للصالح العام هل تريدني أن أعارضه من داخل وزارته كي أحال على الصالح العام والخاص أيضاً". وفي ذلك إشارة واضحة إلى أن كثيرين يعرفون لكنهم يتبعون القول الشائع "ما كل شيء يعرف يقال".

عن جريدة الصحافة 21 فبراير

Post: #66
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-28-2008, 05:07 AM
Parent: #65

واقرا هنا عن جرائم غسيل الاموال التى دمرت الاقتصاد السودانى ونشرت الحروب فى كل مكان فيه ....


من جرائم غسيل الاموال فى السودان ..اقرا واكتب ما تعرفه


عن جرائم غسيل الاموال فى السودان .... وكيف دمرت الاقتصاد السودانى




نقلاً عن صحيفة السودان الدولي عدد رقم 144 بتاريخ 1 / 4/2006


Quote: تدخل والي الخرطوم في عمليات الشراء والمفاضلة يتنافى وأخلاقيات المنصب السياسي
إعداد: محمد حسن عبدالله احمد
(الشريعة عدل كلها ، ورحمة كلها وحكمة كلها ، فكل مسألة خرجت من العدل إلى الجور ومن البر إلى الفجور وعن الرحمة إلى ضدها ، وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث ، فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل.
ابن القيم ،،
(إن غايتنا من إقامة الدولة هي السعادة القصوى للجميع وليست لأي طبقة معينة)
أفلاطون ،،
يقول د . محمد المرتضى مصطفى من على منبر الصحافة فى موضوع إحتمالات فشل وإنهيار الدولة السودانية: إن هذا الانهيار بدأ منذ أوائل السبعينيات - أى مع البدايات الخاطئة لنظام مايو ثم تسارع ايقاع الانهيار مع نظام الانقاذ نتيجة لقصور السياسات ، والآليات وتناقض المواقف وتطرفها - وقد كان نتاج ذلك كله دمار مؤسسات ، فساد ممارسات ، غياب أولويات و هدر إمكانيات .
دمار المؤسسات : -
عندما جاءت الانقاذ ومن اجل تثبيت اركان حكمها وإحكام قبضتها علي البلاد والعباد عمدت إلى تفكيك المؤسسات، تصفية وخصخصة وإلى الكفاءات والكوادر المؤهلة طرداً وإحالة إلى المعاش تحت شعار الصالح العام - ومن ثم أعادت هيكلة هذه المؤسسات وإسنادها إلى أهل الولاء الذى صار معياراً للاختيار فاعتلى وتسنم إدارتها من لاعلم له ولا دراية ولا خبرة فكانت النتيجة دماراً لهذه المؤسسات . إن الإحالة إلى الصالح العام من أكبر أخطاء وخطايا الإنقاذ التى دمرت بها الخدمة المدنية وقضت على المؤسسية الضابطة لأدائها .
لقد كانت هنالك وزارات كالأشغال العامة والطرق والإتصالات وفروعها هى الجهة المسؤولة والضابطة لأعمال الإنشاءات الحكومية ، إذ كانت تقوم بأعمال التصميم ووضع المواصفات الهندسية إعداد جداول الكميات والمناقصات ، فرز العطاءات وترسيتها ومن ثم الإشراف عليها سواء كان ذلك مباشرة أو عن طريق بيوت الخبرة الهندسية - وكانت تزخر بالكفاءات والكوادر المدربة المقتدرة لكن الإنقاذ عمدت إلى تصفيتها ومن ثم قامت الوزارات والمؤسسات بإنشاء إدارات هندسية خاصة بها فاقدة للخبرة والتأهيل .
كان نتاج ذلك كله أخطاء فى تصميم وتنفيذ المشروعات نورد منها الآتى :-
( أ ) تقرير اللجنة التى كونت للتحقيق فى إنشاءات وزارة الداخلية وانهيار عمارة جامعة الرباط والتى أفادت بأن هنالك أخطاء فى التصميم والتنفيذ وقصور فى الإشراف ( رأى الشعب العدد 27 ) .
( ب ) تشييد وسفلتة جميع الطرق الداخلية بولاية الخرطوم ولقد أعلن الدكتور عبد الحليم المتعافى تجميد العمل فى تشييد وسفلتة جميع الطرق الداخلية بالولاية ووقف جميع التصاميم الهندسية للطرق بواسطة بعض المهندسين السودانيين نتيجة للأخطاء المتراكمة التى صاحبت تشييد وسفلتة عدد كبير من الطرق داخل الولاية صرفت عليها أموال طائلة - وكان العائد فى النهاية لا يعبر عن الأداء السليم (أخبار اليوم العدد 3832 ) .
وكان رد إتحاد المكاتب الهندسية والمعمارية الاستشارية هو انه يلاحظ فى كل مشروعات الطرق الداخلية فى ولاية الخرطوم والتى تم تنفيذها حتى الآن لم يتم اختيار الاستشاريين بطرق التنافس المتعارف عليها لضمان الأسس الفنية الصحيحة والشفافية الكافية فى عملية الاختيار ، ولا يدرى كيف تم اختيار الاستشاريين لهذه المشروعات لضمان عدالة التنافس وماهية أسس التقييم التى اتبعت فى الاختيار بين المتنافسين بما يضمن توفر التأهيل والخبرة الكافية لمثل هذه المشروعات.
الصحافة العدد ( 4325 ) .
وتعليقاً على حديث الوالى ورد فى صحيفة الأيام العدد ( 8243 ) مقال بعنوان مأساة الهندسة فى السودان يوجه فيه كاتبه الأسئلة التالية إلى السيد والى الخرطوم:
سواء كان التقييم الهندسى أو المقاول المنفذ أو المستشار المهندس المشرف هو المسؤول هل تم كل ذلك عبر إعلان عطاءات كما كان يحصل فى غابر الزمان والمكان .
هل كونت لجان تنظر فى هذه العطاءات من مهندسين اختصاصيين ذوي تأهيل وخبرة .
فى تصريح سيادتكم ذكرتم أن الأخطاء المتراكمة صاحبت سفلتة وتشييد عدد من الطرق صرفت عليها أموال طائلة - لماذا إلى أن كبر العدد حتى تمكنتم من إدراك الخطأ - أين الرقابة ؟ .
ورغم بيان المكاتب الهندسية والمعمارية والاستشارية وأسئلة الكاتب لم يكن هنالك رد كافٍ من الوالى أو من يليه لتوضيح مآلات الحال فى شوارع الخرطوم .
كما كان النقل الميكانيكى مسؤولاً عن مواصفات الآليات والمركبات المستوردة - أدائها وملاءمتها للمناخ وضبطاً لطريقة شرائها واستيرادها وعندما تمت تصفيته صارت المؤسسات الحكومية تقوم بشراء آلياتها ومركباتها دون التقيد بمواصفات محددة وإنما حسب مرئياتها .
كان من جراء تصفية هذه المؤسسات الضابطة لأنشطتها اداءً ومراقبة ومحاسبة - أن انفتح المجال واسعاً للمسؤولين للقيام بأنشطة ليست من صميم عملهم . فهذا هو والى الخرطوم يقوم بجولات مكوكية خارج السودان للقيام بتنفيذ بعض المشاريع فى ولايته - فالوالى هو حاكم الولاية - وكان الأولى أن تقوم بهذا جهات الاختصاص فى الولاية ويجب ألا يتدخل الوالى فى عمليات الشراء والبيع والمفاضلة بين هذه الشركة وتلك من الشركات الأجنبية لتنفيذ هذا المشروع أو ذاك - إذ أن ذلك يتنافى مع مبدأ الشفافية المهنية وأخلاقيات المنصب السياسى .
أما نظام التعليم فقد أصيب فى مقتل وذلك نتيجة لاستعجال النظام تحقيق إنجاز سياسى سريع فقد تمت تصفية الداخليات فى المراحل الثانوية والتى كانت بوتقة انصهار لكل الجهويات والقبليات والعصبيات وساحة تلاقح فكرى واجتماعى وقومى - وملاذا آمناً للنوابغ من أبناء الفقراء توفر لهم البيئة التعليمية الصالحة والرعاية الصحية والمعيشية .
أما المناهج فقد تم حشوها حشواً بمواد ثانوية تثقل كاهل الطالب دون تجربتها واختبار صلاحيتها كما كان يحدث فى الماضى فصارت عبئاً على الطالب وهدراً لطاقته وتبديداً لإمكانياته .
أما التعليم الجامعى فقد وجهت له ضربة قاسية من خلال ثورة التعليم العالى وذلك بفتح هذا الكم الهائل من الجامعات دون أن توفر له البنيات الأساسية والكوادر الأكاديمية المؤهلة والقادرة على حمل الرسالة الجامعية ودون مراعاة لاحتياجات التنمية الاقتصادية من الكوادر الفنية والتقنية الوسيطة . وكانت النتيجة هذا المستوى المتدنى لخريجى هذه الكليات الذين يعيشون عطالة وبطالة تقعد بهم عن طرق أبواب الحياة ومسالك كسب العيش .
أما مستوى جامعاتنا فى تقرير أفضل جامعات العالم لعام 2005 م فحدث ولاحرج إذ جاء ترتيب جامعة الخرطوم على المستوى العالمى ( 5528 ) وجاءت الثالثة والأربعين فى قائمة أفضل مائة جامعة فى أفريقيا بينما سبقتها فى التصنيف جامعة دار السلام ( 13 ) وجامعة زمبابوى ( 16 ) وجامعة موريشص ( 20 ) - أما أفضل الجامعات فقد احتلتها جامعات جنوب أفريقيا ومصر . هذا هو حال جامعة الخرطوم التى كانت تعد بين أفضل الجامعات فى أفريقيا وذات الشهرة العالمية ويرجع ذلك التردى إلى إدخال نظام التعريب والزيادة الكبيرة فى أعداد الطلبة المقبولين وضعف ميزانيات الجامعات التى أدت إلى هجرة أعداد كبيرة من الأكاديميين أما بقية جامعاتنا الخمسة والعشرون فلم يرد ذكر لأية واحدة منها ، كل ذلك نتاج للتخبط وعدم التخطيط المنهجى السليم للسياسات التعليمية .
فساد الممارسات : -
نتيجة لتصفية المؤسسات عمدت الوزارات والمؤسسات الحكومية الاتحادية والولائية إلى إنشاء إداراتها الخاصة بها وأسندتها إلى أهل الولاء والقربى ونأت بها عن أهل الكفاءة والخبرة فسادت المحسوبية والمحاباة وصارت تلك المؤسسات إقطاعيات يتصرف المسؤولون عنها بما فيها وبمن فيها - وعليه ليس غريباً أن يأتى السودان ثانياً فى الفساد بعد العراق فى العالم العربى والمرتبة ( 129 ) للدول الأكثر فساداً - وذلك ضمن ( 145 ) دولة وفقاً للمؤشر العالمى للفساد - وذلك حسب تقرير منظمة الشفافية العالمية وإذا وضعنا فى الاعتبار أن العراق بلد محتل وبلا مؤسسات رقابة قابضة ، ضابطة فإن السودان يحتل المركز الأول بلا منازع - لقد ضجت وامتلأت صفحات الصحف بقضايا الفساد والإفساد فعلى سبيل المثال لاالحصر:
قضايا الاختلاس فى المؤسسات العامة والخاصة:
محاكمة موظف بالأسواق الحرة بتهمة اختلاس ( 3 ) مليارات جنيه - الصحافة العدد ( 4550 ) ، اختلاس كبير ببنك الشمال - فرع الكلاكلة - الوطن العدد ( 996 ) تقارير المراجع العام تقدر المبالغ المنهوبة فى 2003 م بـ ( 396 ) مليون دينار بينما بلغت ( 168 ) مليون دينار فى 2002 م يعنى ذلك تصاعداً فى الاختلاسات .
قضايا التزوير - تزوير بيع وشراء الأراضى وغيرها بيع ( 1692 ) قطعة بالعاصمة بالتزوير خلال ( 3 ) سنوات الرأى العام العدد ( 3030 ) .
قضايا غسيل الأموال .
استيراد البيض الفاسد .
ماذا يحدث فى الخطوط البحرية.
قصة سلفية الوزير وديون الطيار والسيارة الأيسوزو
الصحافة العدد ( 442 )
حول مأساة مخالفات طلمبات مشروع الحرقة بالجزيرة الصحافة
العدد ( 4519 ) - ويسألونك عن الحرقة مرات ومرات الوطن 5 يناير .
الشركة السودانية للمناطق والأسواق الحرة قصة السقوط من أعلى - تقرير المراجع العام - البنك المروج أستلم ( 78 ) مليون دينار دون وجه حق - الصحافة العدد ( 4416 ) .
على الدولة أن تفكك مراكز القوى فى قطاع الاتصالات -
الصحافة العدد ( 4410 ) .
انهيار قطاع أم انهيار مشروع الصحافة العدد ( 4414 ) .
تقرير مراجعة حسابات ولاية النيل الأبيض للعام المالي 2003 -
الوطن - أغسطس 2005 م .
المحصلة النهائيه لديوان المراجعة العامة كان كالآتى :-
جملة الاختلاسات بالولاية سنة 2001 م - كانت 168901 دينار
جملة الاختلاسات بالولاية سنة 2002 م - كانت 8190739 دينار
جملة الاختلاسات بالولاية سنة 2003 م للع- كانت 13292432 دينار
من استولى على اموال هيئة جبال النوبة واختفاء 300 جرار بعد حل المؤسسه عام 1991 لا-
الرأى العام 8 يناير 2006 م .
طريق الإنقاذ الغربى
هذا غيض من فيض وماخفى اعظم ومازال المسلسل مستمراً وذلك لعدم وجود قوانين وعقوبات رادعه تردع المفسدين . ولكن بعد ان بلغ السيل الزبى تحركت رئاسة الجمهورية وأعلنت محاربتها للفساد وشرعت وزارة العدل فى اجراء دراسات لسن قانون خاص بالجرائم المتعلقة بالأموال العامة وإيقاع أقصى عقوبة على الجناة تلك العقوبة التى تصل لحد الاعدام .ولكن ما قيمة القوانين والعقوبات اذا لم تطبق ولم تشمل الكبير قبل الصغير.
ولقد صدق رسول ( ص ) حينما قال ( انما أهلك من كان قبلكم انه كان اذا سرق فيهم الشريف تركوه وإن سرق فيهم الضعيف اقاموا عليه الحد ) .
الفساد :- الاسباب والدوافع -
السوداني العدد 98
يقول محمد علي المحسى المراجع العام الاسبق إن الفساد استشرى وأصبح معروفاً لدى منظمة الشفافية الدولية وان السودان يقبع في قاع القائمة الخاصة بالفساد في العالم.
أي اكثرها انتشاراً للفساد وليس في ذلك ادنى مبالغة لما نشاهده واقعا امام اعيننا اما اسباب الفساد فمتعددة بعضها سياسي وبعضها خاص بالنظم المالية والمحاسبية ولقد اجملها في الآتي :-
غياب المؤسسة السياسية الشاملة لكل وجهات النظر والتي تجعل كل فرد ينتبه الي ان هناك رقابه فاعلة في المؤسسة التشريعية التي يجب ان تمثل كل الاتجاهات السياسية ، لان إنفراد حزب واحد بالسلطة (جاء عن طريق انقلاب عسكري) لابد ان يقود الى تأسيس حماية لمناصريه وهذه الحماية هي التي تجعل للفاسدين غطاء لأخطائهم وهي ايضا تشجع الآخرين خاصة في غياب اجهزة رقابة فاعلة ومستقلة.
غياب او ضعف النظام المالي والمحاسبي لدولة يفتح الفرصة للفساد واهم جزء في الرقابه المالية هو وجود نظام الضبط الداخلي المتفق عليه من حيث التفويض الإداري لتنفيذ العمليات وتسجيلها والحفاظ على الاصول كافة ، وخريطة التنظيم الإدارى التى تحدد المسؤوليات والفصل بين السلطة والمسؤولية وبين العمليات والحفاظ على الأصول بعيداً عن المسؤوليات .
كيفية ضبط ومتابعة مصادر الإيرادات وكيفية ضبط المصروفات والتحقق من صحتها باستخدام المستندات الرسمية من إيصالات إستلام النقد واذونات صرف المبالغ المستحقة من جهة رسمية حسب التسلسل الوظيفى ويعتبر غياب استخدام الإيصالات الرسمية واذونات الصرف الرسمية أول مسمار يدق فى نعش الرقابة المالية .
عدم استخدام النظم عند إعداد المشروعات الحكومية - أى نظام العطاءات المقفولة - وتكوين اللجان الفنية المؤهلة لفتح مظاريف العطاءات ومراعاة الجوانب الفنية وترك منح العطاءات لأشخاص وفق أهوائهم ، كما حدث ويحدث الآن فى كثير من مؤسسات الدولة وفتح المجال للمساومة بعد فتح العطاءات .
تؤدى الأنظمة الشمولية والسلطوية المنتشرة فى كثير من بقاع العالم ( والتى تأتى عن طريق الانقلابات العسكرية ) إلى منح السلطة لقلة من الناس ليتحكموا فى رقاب الناس عن طريق استخدام السلطة والانتفاع من وراء ذلك إلى استلام الرشاوى والسماح بغسيل الأموال المهربة أو ذات المصدر غير الشرعى .
إفرازات العولمة والتى فتحت الباب واسعاً لتركيز الثروة فى إيدى محددة تمضى فى إنحسار .
الوسائل المستخدمة فى الحصول على أموال بغير وجه حق تختلف وتتعدد أنواعها وأشكالها - كالتركيز على البنية التحتية فى البلدان النامية كالسودان - ولأن الشفافية معدومة فإن الحصول على العقودات يتم عن طريق الرشوة والدخول فى شراكات مع المنفذين كما أن التنفيذ لايتم فيه التقيد بالأسس الصحيحة من حساب الاستحقاقات المالية .
إستخدام وسائل متعددة فى الفساد المالى والإدارى كالفواتير المزورة - أو العبث فى إدخال المواد المستوردة (الجمارك) وهناك العديد من الإتهامات فى هذا الصدد.
المساعدات الدولية هى واحدة من أوجه سوء استخدام الأموال العامة باعتبار إنه لا تحدها حدود معينة - كالأموال المحددة لمشروع بعينه يسهل تبديدها - ويتوقف مدى تبديد الأموال على الأشخاص الموكل إليهم أمر الإشراف ومدى التزامهم بالشفافية فى تنفيذ المهام الملقاة على عاتقهم .
فى باب استفهامات وتحت عنوان الاعتداء على المال العام كتب الاستاد احمد المصطفى ابراهيم أن اول داء فى الخدمه العامة هو ما عرف ببدل السفرية ونثرياته وهو آفة الخدمه المدنيه من اصغر ضابط إدارى لأكبر وزير اتحادى .اختلاق مبررات السفر وحجم الوفود المسافرة ومدة إقامتها كل ذلك بلا توصيف ولا تحديد فى لوائح الخدمة المدنية .
وثانياً العمولة: كثير من المعتدين على المال العام يعتبرون العمولة حقاً وشطارة وهذه العمولة تبدأ من دينار وتصل الى مليار ولذا تنتفخ الأوداج بسرعة وتبنى القصور.
داء ثالث هو مجال الادارات ومستحقاتها ومما يضحك ان هذه المجالس تحدد لنفسها ما تشاء أحيانا نسباً مئوية وأحيانا مبلغاً مقطوعاً فى نهاية السنة . والمضحك المبكى هو ان بعضهم عضو مجلس ادارة فى اكثر من مؤسسة .
وفى باب إليكم بجريدة الصحافة يكتب الطاهر ساتى - إنتبهو حزب الفساد السودانى - ويقول :-
أخيراً فى زمن نحسبه ضائعاً - انتبهت الحكومة وصرفت النظر عن مهاجمة القوى السياسية المعارضة وتفرغت تماماً لمهاجمة حزب الفساد .
اكتشفت الحكومة وهى فى بدايات الفترة الانتقالية أن عدوها الحقيقى هو الحزب الذى يشاركها في السلطة ويقتسم معها الثروة وهو الفساد . إلى أن يقول :
صار حزباً أقوى من القوانين واللوائح المالية ودواوين المراجعة والنظم الحسابية - صار حزباً أقوى من المحاكم والنيابات الخاصة منها والعامة - ويكاد يصبح دولة فى الدولة - بل دولة الدولة - لذا اعترفت به الدولة - وقررت القضاء عليه - ولكن بعد (الفأس وقع فى الراس).
مفهوم الفساد ومعاييره:
عن مفهوم الفساد ومعاييره يكتب محمود عبد الفضيل فى - المستقبل العربى العدد ( 309 ) نوفمبر 2004 م أن البنك الدولى وضع تعريفاً للأنشطة التى تندرج تحت تعريف الفساد على النحو التالى : -
إساءة استعمال الوظيفة العامة للكسب الخاص ، فالفساد يحدث عادة عندما يقوم موظف بقبول أو طلب أو إبتزاز أو رشوة لتسهيل عقد أو إجراء طرح لمناقصة عامة كما يتم عندما يقوم وكلاء أو وسطاء لشركات أو أعمال خاصة بتقديم رشاوى للاستفادة من سياسات أو إجراءات عامة للتغلب على منافسين وتحقيق أرباح خارج إطار القوانين المرعية ، كما يمكن للفساد أن يحدث عن طريق استغلال الوظيفة العامة دون اللجوء إلى الرشوة وذلك بتعيين الأقارب أو سرقة أموال الدولة مباشرةً .
ويشير التعريف إلى آليتين رئيستين من آليات الفساد : -
آلية دفع الرشوة والعمولة المباشرة إلى الموظفين والمسؤولين فى الحكومة وفى القطاعين العام والخاص لتسهيل عقد الصفقات وتسهيل الأمور لرجال الأعمال والشركات والأجنبية .
وضع اليد على المال العام والحصول على مواقع متقدمة للأبناء والأصهار والأقارب فى الجهاز الوظيفى وفى قطاع الأعمال العام والخاص .
وهذا النوع من الفساد يمكن تسميته بالفساد الصغير وهو مختلف تماماً عما يمكن تسميته بالفساد الكبير المرتبط بالصفقات الكبرى فى عالم المقاولات وتجارة السلاح والحصول على التوكيلات التجارية للشركات الدولية الكبرى المفقودة الجنسية .
ولقد تحدث بن خلدون فى مقدمته عن ( الجاه المفيد للمال ) وأشار فيها إلى الأحوال الكثيرة التى تختلط فيها التجارة بالإمارة إذ يكتسب البعض من خلال المنصب والنفوذ الإدارى ، فى أعلى مراتب جهاز الدولة أوضاعاً تسمح لهم بالحصول على المغانم المالية وتكوين الثروات السريعة وتكون عادة بمثابة ( ريع المنصب ).
لقد صك عالم الاجتماع الفرنسى بيير بورديو مفهوم ( رأس المال الرمزى ) ليقابل ( رأس المال المادى ) الملموس والمتعارف عليه . فهؤلاء الذين يقبضون على مقاليد ومكونات رأس المال الرمزى فى ثنايا هيكل السلطة لهم دور مهم فى إعادة إنتاج الفساد وسد الطريق أمام عمليات التراكم الإنتاجى .
يمكن حصر أهم مكونات اقتصاد الفساد على النحو التالى : -
إعادة تدوير أموال المعونات الأجنبية للجيوب الخاصة والتى تذهب إلى جيوب مسؤولين أو رجال أعمال كبار .
قروض المجاملة التى تمنحها المصارف دون ضمانات جدية لكبار رجال الأعمال المتصلين بمراكز النفوذ .
عمولات عقود البنية التحتية وصفقات السلاح .
العمولات والإتاوات التى يتم الحصول عليها بحكم المنصب أو الاتجار بالوظيفة العامة ( ريع المنصب ) .
ولقد اعتمدت منظمة الشفافية العالمية على تعريف البنك الدولى ومكونات اقتصاد الفساد أعلاه فى تصنيف السودان وترتيبه بين الدول العربية فى سلم الفساد ولا أظن أنها قد تجاوزت الحقيقة فيما توصلت إليه . لعل أخطر ما ينتج من ممارسات الفساد والإفساد هو ذلك الخلل الذى يصيب أخلاقيات العمل وقيم المجتمع مما يؤدى إلى شيوع حالة ذهنية لدى الأفراد تبرر الفساد وتجد له من الذرائع ما يبرر استمراره ويساعد فى استمرار نطاقه ومفعوله فى الحياة اليومية - إذ نلاحظ أن الرشوة والعمولة والسمسرة أخذت تشكل تدريجياً مقومات نظام الحوافز الجديدة فى المعاملات اليومية ، الذى لايجاريه نظام آخر .
وعندما تتفاقم ( مضاعفات الفساد ) مع مرور الزمن تصبح الدخول الخفية الناتجة عن الفساد والإفساد هى الدخول الأساسية التى تفوق أحياناً فى قيمتها ( الدخول الاسمية ) مما يجعل الفرد يفقد الثقة فى قيمة عمله الأصلى وجدواه وبالتالى يتقبل نفسياً فكرة التفريط التدريجى فى معايير أداء الواجب الوظيفى والمهنى والرقابى ، فيتم تعلية العمارات بلا تراخيص وبلا ضوابط ويتم تسليم المبانى والإنشاءات من دون أن تكون مطابقة للمواصفات - ويتم غش المواد الأساسية ويجرى تهريب السلع للاتجار بها فى السوق السوداء ويتم التعدى على أراضى الدولة بالاغتصاب والإشغال غير القانونى .
لأن المفسدين يملكون تعطيل القانون وقتل القرارات التنظيمية فى المهد - وعندما يتأكد المواطن العادى المرة تلو المرة أن الجزاءات واللوائح لا تطبق ضد المخالفات الصريحة والصارخة ، تصبح مخالفة القانون هى الأصل ، وهكذا عندما تضيع الحدود الفاصله بين المال العام (والمال الخاص) ويتم الخلط المتعمد بين المصلحه العامه والمصلحة الخاصة تنهار كل الضوابط التى تحمى مسيرة المجتمع من الفساد ، وتتآكل كل القيم والمثل التى تعلي من شأن الصالح العام

Post: #67
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-28-2008, 11:12 AM
Parent: #66

أنفاق..... وآفاق
الخاتم عدلان.
البديل الديمقراطي السلمي للإنقاذ (1)

الاضواء 16/9/2004

من الصعب في خضم هذه الأحداث التي يمر بها السودان، أن يمد الإنسان بصره متاملا فيما يمكن أن تاتي به السنوات القادمة من فرص أو كوارث. ولكن وبرغم هذه الصعوبة والعسر، من المهم أن يمتد البصر للتفكير فيما يمكن أن تؤول إليه الأمور، لأنه بدون ذلك فإن النوازل الكبيرة ستتضخم أكثر بنقص الإستعداد لمواجهتها أو إنعدامه. ونسبة لأن النوازل الكبيرة هي المحصول الأساسي للإنقاذ، فإن مثل هذا التأمل، والتصرف على أساسه، يصبح أمرا يتعلق بوجود السودان وأهله.
ولا أعتقد أن هناك مهددا أكبر لبلادنا وأهلها، من إستمرار نظام الإنقاذ الحالي، بمقدرته الاسطورية على صناعة الكارثة. ونظرة إلى ما يحدث الآن في دارفور، وما كان يحدث قبله في الجنوب، تكفي تماما في إلقام المعارضين لهذا الحكم، حجارة لا تتسع لها أفواههم.
وأقول في ضوء هذه الملاحظة أن السنوات الثلاث او الأربع ، التالية للتوقيع على اتفاقيات نيفاشا، واللاحقة للوصول إلى حل جزئي يحقق السلام ويوقف الإبادة الجماعية في دارفور، ينبغي أن تكرس كلها، وكل لحظة من لحظاتها، لإعداد البديل الديمقراطي للإنقاذ، عن طريق النضال السلمي. وهذه مهمة شديدة العسر، لطبيعة الإنقاذ، وتجذرها السرطاني في مواضع القمع والأذى، ومواقع القوة والإستطاعة، ولأوضاع معارضيها، باستنامة الكثيرين منهم لمنطق العجز والفشل، وقلة العزم والعزيمة، ، ولحالة التشتت والذهول التي تعيش في ظلها أقسام كبيرة من شعب السودان.
نقول إعداد البديل الديمقراطي، لأن إتفاقات نيفاشا، التي يذمها الكثيرون لنقائص نتجت عن هوانهم هم في موازين القوى، فتحت المجال واسعا للتحول الديمقراطي في السودان، بدعوتها إلى إجراء إنتخابات عامة مراقبة دوليا، في منتصف الفترة الإنتقالية أو بعدها بقليل. وهي بذلك أوجدت مخرجا ممكنا للبلاد من أسوأ النظم في تاريخها القريب والبعيد، كما خلصت المعارضة الشمالية من حرج عظيم ترتب على رفعها في لحظة مميزة من لحظات إنتهازيتها الأصيلة لشعارات كانت أكبر، على الاقل بعشر مرات، من مقدرأتها، الفعلية أو المتوهمة.
إنتهت إذن فترة المواجهة المسلحة "لإستصال النظام من الجذور"، التي رفعتها المعارضة الشمالية منتصف التسعينات من القرن الماضي، خالطة بين المناورات السياسية العادية والخيارات الإستراتيجية. وهذا سيكون بمثابة التكذيب المسبق لأية محاولة من قبل السلطة لإلصاق مثل هذه التهمة بأي من تلك القوى التي وقعت على مواثيق أسمرا للقضايا المصيرية، ولا نستثني من ذلك بالطبع، الحركة الشعبية لتحرير السودان، التي تضعها أوضاعها وارتباطاتها فوق مستوى التآمر. ولكن المواجهات العسكرية مع الإنقاذ لن تنتهي غالبا. وما يحدث في دارفور شاهد صارخ على ما نقول. وإذا وضعنا في الإعتبار تصرفات السلطة إزاء تحركات دارفور المسلحة، ينتابنا إحساس قوى أنها تتمنى أن تختار القوى المعارضة لها هذا الطريق بدلا عن المواجهة السلمية. فقد اقبلت السلطة على أعمال الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والتشريد والحرائق والإغتصابات، بدرجة من الحمية والحماس والجذرية، تجعلنا نعتقد أنها لم ترحب فقط بتطور الأحداث في ذلك الإتجاه بل دفعتها دفعا لهذه النهايات. ونسبة للدقة المتناهية التي تقيس بها السلطة موازين القوى، من مواقع عبادتها الطويلة المخلصة، التي تصل إلى مرحلة التبتل والخشوع، للقوة السافرة، في كل مظاهرها، وبكل أشكالها، فقد انتهزت الفرصة لتصفية حساباتها مع معارضيها في ذلك الجزء العزيز من الوطن، بهذه المواجهة الصاعقة.
ولكن مهما بلغت هذه المواجهات المسلحة، الإقليمية الطابع، من العنف والشراسة، فإنها لن تسقط السلطة في الخرطوم، وذلك لطبيعة الظروف التي أفرزتها والآفاق التي يتحرك فيها قادتها، وما تواجهه من ضعف شديد في البنية التحتية ونقص كبير في الجوانب اللوجستية، وذلك حتى إذا توفر لها دعم دولي، ومن عدم مبالاة لا يمكن التكهن بمداها متى ما أقتربت من الوسط والعاصمة. المواجهات الإقليمية المسلحة ستضعف السلطة دون شك، وستقوي من الإصطفاف الشعبي ضدها، ولكنها في نفس الوقت ستمكنها من تجريب آلتها القمعية في أوضاع متباينة، وتقويتها وتوسيعها بالمبالغة في تصوير الحجم الحقيقي لهذه الحركات، والتضخيم الكاذب لدور التدخل الأجنبي في أفعالها ونشاطها، وما يترتب على كل ذلك من مسوغات القمع والتضييق على الحريات والعمل السياسي، وإفساح المجال للديماغوجية السياسية وحملات التعبئة العسكرية خاصة للأقسام الرثة من المجتمع التي خلقتها هذه السلطة بكميات تجارية، كنقيض مباشر للثراء الفاحش لسادتها وانتهازييها وعملائها.
وإذا أكتفينا بهذه الملاحظات العابرة عن المعارضة الإقليمية باعتبارها مصدرا للمواجهات المسلحة، فإننا يجب أن نقول في نفس الوقت أن أحتمالات المواجهات المسلحة للسلطة، ستظل أمرا واردا ما بقي " قرينها" المسمى المؤتمر الشعبي. وطبيعة الصراع بينها وبين المؤتمر الشعبي لها خصوصيتها ومميزاتها : أنها ببساطة قصة موت معلن، يرشح لها توأمه كل من الشقيقين وهو يسعى دون هوادة لسحقه والحلول محله. والطبيعة الإستئصالية لهذا الصراع نابعة من وجود كينونتين متشابهتين في كل شيء، مع وجود فرصة واحدة للنجاة، ومقعد واحد في السفينة المنقذة من الطوفان الوشيك. الأيديولوجيا واحدة، البرنامج السياسي واحد، الشعارات والدعوات والتعاويذ هي ذاتها، والموقف العابد المتبتل للقوة في كل مظاهرها، متساو لديهما. وربما يشيرالتحليل السياسي والإجتماعي السليم، إلى ان الخيار الوحيد المفتوح أمامهما، والذي تكاد البداهة أن تمليه إملاء، هو أن يتحد الطرفان ضد الظروف القاهرة التي يواجهانها كلاهما، وضد القوى التي تتربص بهما معا. ولكن البداهة المرسلة والمنطق البسيط لا يصلحان في تقويم خيارات " الربانيين" الذين يرون ما لا يراه الناس، ويحكمون بما يتجاوز الفهوم القاصرة لغير ذوي الحظوة في الإطلاع على الغيب ومعرفة الطرق الخفية لمواجهة " الإبتلاءات."
عندما أحكمت حلقات الحصار الدولي والإقليمي، وسار التجمع الوطني في طريق إعداد قوات عسكرية لمواجهة النظام، كان في قلبها لواء السودان الجديد، الذي عمل على تحويل الشعارات إلى واقع، على عكس حلفائه من أهل الضغوط على الإنقاذ دون منازلتها، شعر الترابي، وهو الأكثر إهتماما بالإستراتيجية، والأرهف إحساسا بالمآلات النهائية، أنه لا يمكن إنقاذ نظامه إلا بذبح عظيم من بعض أبنائه الأكثر تلطخا بالدماء. وبدلا من إستشارة هؤلاء الابناء في ذبحهم، شأن الأنبياء، شرع في إجراءات الذبح بسرية كاملة، شأن المتآمرين. وبدلا من أن يذعن الأبناء لرؤية أبيهم، تغدوا به قبل أن يتعشى بهم. هذا شرخ لن يلتئم، وجرح لن يداوى، وكسر لا يجبره الدهر. فالمسلك نفسه يمثل منهجا قديما للدكتور حسن الترابي، ففي مسيرته المعوجة، الشديدة التعاريج، والمليئة بالكسب المشبوه، كان محتاجا في كل منعطف إلى ما تحتاجه الثعابين في كل عام من تغيير جلودها، بعد أن يكون الجلد القديم قد خدم أغراضه أ وضاق عن صاحبه أو هرأته السموم بنفثها المحموم. فعل الترابي ذلك بعد أكتوبر، فسمى تنظيمه جبهة الميثاق الإسلامي، بعد أن صار إسم الإخوان المسلمين مرادفا للتآمر والخيانة والعنف. ثم سماه الجبهة الإسلامية القومية بعد تعاونه المذموم مع النميري وتورطه في إغتيال الشهيد محمود محمد طه، ومشاركته في كل أعمال الدكتاتورية والقمع وتسويغه للطواريئ وسكوته عن نقل الفلاشا، واحتكاره من خلال البنوك الإسلامية لأقوات الشعب. ثم غير الإسم مرة ثالثة ليصبج المؤتمر الوطني بعد أن أستلم السلطة بليل، ذاهبا إلى الأسر ومرسلا البشير إلىالقصر، وتاركا المفاتيح كلها، في يد علي عثمان، من مال وأمن وقوات مسلحة وميليشيات شعبية. في كل هذه التقلبات لم يضطر الترابي إلى التضحية برجل واحد من رجاله. كان يكتفي بطي الرايات لان الشعب السوداني في تقديره لا يستحق أكثر من ذلك.
ولم تكن تلك المؤمرات تعود بخير كثير ورزق وفير، عليه وحده، بل كانت تعود بكل ذلك، وبكل وعود التمكين على حوارييه جميعا. وكان الحواريون يعجبون من المقدرات المعجزة لشيخهم العالم، في التخلص من المواقف الصعبة والإبتلاءات المرعبة. ولا بد أنهم انتبهوا في نفس الوقت إلى أن الشيخ لا يرده عن مطلوبه شيئ، ولا تثنيه عن غاياته عقبة، كما ولا بد أن يكونوا قد لاحظوا، وهم جميعا ذوو عيون مدربة على الملاحظة والرصد والبلاغ، أن أشلاء القيم العظيمة، مثل الصدق والإستقامة والوفاء والولاء والثقة والعرفان، دع عنك العدالة والمساواة والإيثار ونصرة الضعفاء، تلقى على الطريق دون شفقة ودون التفاته. ونسبة لأن الشيخ كان وقتها حريصا على الشورى فقد تورطوا جميعا بالموافقة على خططه ومنهجه. وجاءت السلطة لتجعل القلوب أكثر قسوة، والضمائر أكثر يأسا من الغفران، البشري أو الإلهي، والتضحية بالقيم العظيمة ممارسة يومية. ووقف الجميع في صف العراة عن الفضائل، بترتيب يراعي " كسبهم " من التآمر.
ولأن الذين ما زالوا يمسكون بأزمة السلطة يعلمون كل ذلك عن شيخهم، وعن أنفسهم، فهم يعتقدون أن كل خطوة يخطوها، حتى ولو كانت في أتجاه المصالحة، إنما تنم عن مؤامرة جديدة لم يستبينوا أبعادها بعد. وهكذا فإن تاريخ التآمر المديد ينتصب أمام أهل هذا التنظيم ليجعل كل عمل قائم على الثقة وحسن النوايا ضربا من الخيال المحض، والإستحالة الكلية.
لن يقبل الترابي أن يحتل موقعا أقل من مواقع أشخاص خلقهم بيديه، فهو يمكنه أن يتنازل عن الشريعة ولا يتنازل عن عبادة القوة والسلطان. ولن يرضى له أولئك الذين يمسكون بالسلطة حاليا، ولو كان قد صنعهم بيديه، أن يكون على رأسهم من جديد، لأنهم لا يأتمنونه حتى على رقابهم، دع عنك مواقعهم وامتيازاتهم.
ولم يبق إذن غير خيار واحد، هو خيار المنازلات الممتدة، حتى نهاية أحدهما أو كليهما. وفي هذاالإطار فإنهما، سيكونان مثل ديفيد لويد جورج، ا لذي قالت عنه مارغوت اسكويث، أنه لم يكن ير حزاما دون أن يضرب تحته، مع إختلاف أنواع " الضرب" بطبيعة الحال! ولن يتردد الترابي وحزبه في استخدام كل الوسائل المتاحة للعودة إلى السلطة. لن يكف عن ذلك لأن معناه الموت السياسي والمعنوي، وربما الجسدي كذلك. ولن يتأخر فيه، لأن بعد العهد بالسلطة سيحجب كثيرا من الفرص المواتية لضربها. ولكن الأمر الغالب أن مؤامرته كلها ستنكشف، وذلك وفق قانون التساوي في المكر. فمع أن المؤتمر الشعبي قد خلف وراءه بعض أخلص أتباعه المجهولين عندما غادر السلطة، فإن السلطة أيضا قد أرسلت بعض أخلص أعوانها للمؤتمر الشعبي. وهذا وضع يجعل الترابي على علم تام بما يدور في أروقة السلطة، كما يجعل السلطة على وعي تام بما يجري في أروقة المؤتمر الشعبي. وليس ثمة فرق هنا إلا في أن السلطة هي الأقدر على استثمار معرفتها عن الترابي وحزبه، من هذا الأخير. وهذا أحد المعاني لانقلاب السحر على الساحر. ستكون الضربات موجعة للطرفين، ولكنها تكاد أن تكون حتمية. ولن يأسف علىا لتآكل الذاتي للوحش الاسطوري المتعدد الأسماء والرؤوس، سوى الأغبياء او المنتفعون.
وتبقى مع ذلك الحقيقة الأهم بالنسبة للحركة الجماهيرية المعارضة: وهي أن السنوات الثلاث أو الأربع المقبلة يجب أن تكون هي سنوات الإعداد العسير والحاذق للبديل الديمقراطي للإنقاذ، عن طريق النضال السلمي الحازم والجسور. وهذا ما سنعالجه، دون إبطاء أو إطناب.
الخاتم عدلان

Post: #68
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 02-28-2008, 11:26 AM
Parent: #67


بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ العميد محمد أحمد الريح




لك التحايا العسكريه و المدنيه يا ايها الشامخ المصدام الشرس الصامد و القابض علي الجمر. يا من حملت رايه الصمود و المواجهه والتحدي في هذا الزمان الرخو مع بقيه الشرفاء من ابناء هذا الوطن الحبيب منهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر حتي تسلمها للاجيال القادمه نبراساً يضئ لهم الطريق، طريق الحريه والكرامه والديموقراطيه.
حقاً لقد كان مقالك هذا غلالة مدفعية زلزلت اركان الصمت المخيف حول هذا الجهاز و حرمته التي نالها من القتل و التعذيب والترهيب والتخويف والتشريد لابناء شعبنا الشرفاء.
فعلاً لقد كانت فتره الاربعه اشهر التي قضيناها في بيوت الاشباح فترة رعب وتعذيب و تنكيل وإذلال لا قبل لنا بها في مجتمعنا وقيمنا ولا علاقة لها بتطور العمل السياسي و ليس هنا المجال لشرح ما حدث لان ذلك يحتاج مقالات و كتب.
ولسوف احصر في مقالي هذا تأكيد و تفصيل ما تم لنا من المستشار سئ الذكر محمد الامين محمد الامين المدير الرسمي لبيوت الاشباح منذ أنشائها حتي عام 1996 وخاصة الذي بالقرب من عمارة Citi Bank .
لقد كنت بالزنزانة (9) منذ يوم 22 اغسطس 1991 والأمير نقد الله بالزنزانه (13) وكلنا كبلت أيادينا بالحديد على أبواب الزنازين لأسابيع. كان النقيب المدعو محمد الامين يحضر صباحاً ومساء يكيل علينا السباب و الشتائم و التهديد و الوعيد ما لم نعترف ونقر بأسماء بقية الضباط كل من له صلة بالانقلاب. وما أن يصل إلى زنزانة الأمير نقد الله يكيل له التهديد و السباب و الشتائم، قائلاً:
"انت عارف يا نقد الله إنت من هنا ماشي للقبر"
فيرد عليه الامير بثبات وقوه: "الكاتبو ربنا بحصل"
بعد المحاكمات الصورية و الحكم علينا رحلنا الي سجن سواكن. وبعد بضعه اشهر تم الافراج عن بقية الاخوه ومكثنا بالسجن الأمير نقد الله و شخصي لمده شهر بعدها نقل إلينا اللواء محمد علي حامد وعمر محمد عمر "الشهيد" و العريف الهادي مكي من سجن بورتسودان. كما بعد فترة قليلة أحضر لنا العميد محمد احمد الريح الذي حول من سجن شالا للعلاج بالسلاح الطبي بأم درمان ونقل لسجن سواكن قبل أن يستكمل فترة علاجه.
في احدي الايام أخطرنا بأن لدينا زيارة في المكتب وذهبنا و معي اللواء محمد علي حامد, العميد محمد احمد الريح, الاخ عمر محمد عمر الشهيد, كما كان بعض أقارب ألأمير نقد الله متواجدون في زيارة له . دخل علينا فجأة النقيب محمد الامين محمد الامين فتملكتنا الدهشه جميعأ خاصة نحن جميعنا، الأمير نقدالله والعميد محمد علي حامد ومحمد احمد الريح و عمر الشهيد وشخصي، يقف فجأة أمامنا الشخص الذي ذقنا منه صنوفاً من التعذيب والتهديد و الرعب لمد أربعه أشهر قاصداً إنكسارنا ولكن هيهات.
بعد السلام قال انه جاء طالباً العفو والتسامح والصلح بقيم الدين والمجتمع السوداني الاصيل. و انه جهز لنا شقه مفروشه ببورتسودان لكي نقضي فيها ما يحلو لنا اعتباراً من الان و كذلك يمكن ان تنزل فيها عائلاتنا حين تزورنا وانه نقل مديراً لأمن البحر الاحمر.
رد عليه الامير نقد الله:
"نسامحك؟! تذكر لمن كنت بتقول لي انت من الزنزانه 13 الي القبر وانا بقول ليك الكاتبو ربنا بيحصل".
رد عليه محمد الامين:
"معليش غلطه وانا طالب منكم عفوكم كلكم وعشان كده انا جايب ليكم كرامه"
و أمر السائق بإحضار الخروف من البوكس!!! فما كان من الامير نقد الله ومني ان قلنا له ما عايزين خروفك و شقتك وخروفك ده اكرم و اشرف منك و مفروض تنضبح انت مش الخروف فإرتعد وهرول خارج السجن وركب العربه ورجع الي بورتسودان.
بعد يوم من هذا اللقاء، أتي فرد من جهاز الامن وقال لنا أن ملف قضيتنا قد فتح مرة أخرى للتحقيق ويجب ان نذهب الي كسلا لبدء التحقيق هناك. ركبنا الحافله نحن الأربعة ووصلنا الي محطه هيا و تناولنا طعام الغداء. بعد اتصال لاسلكي مع سائق العربة أعادنا لسجن سواكن، أما نحن فكنا نعلم الأسباب وراء تمثيليه الشقه وإعاده التحقيق وكلها اعدت لمنعنا من مقابله مقرر حقوق الانسان كاسبر بيرو الذي حضر الي السجن لتفقد أحوال المعتقلين ولكن تم ابعادنا ولم يقابلنا و تلك ايضاً قصةُ اخري!!!
لقد كنت اشكو من الام القرحه في المعده و بالمناسبه اذكر انه ونحن في بيوت الأشباح مكبلين الايدي بأبواب الزنازين وقوفا لاسابيع ليل نهار في ذلك الصيف الحار من 1991 كان زبائيه الامن يحضرون جردلاً مليئاً بالماء ونحن عطشي ويفرغون فيه ماده بيضاء و يمررون الكوب و ما كان لنا إلا ان نشرب. أنا اجزم ان هذا المحلول هو السبب الاساسي لاَلاَم القرحه التي تطورت الى سرطان في المعده واحمد الله علي اللجوء للولايات المتحده الامريكيه حيث قمت باجراء عمليه ناجحه لهذا المرض العضال و ما زلت أتابع العلاج. وكذلك الأمير نقد الله، فقد كان يشكو من اَلام في العيون نتيجه لعصب عينيه بشده أثناء التعذيب كما عانى الأمير نقد الله من اَثار ذلك السم الأبيض الذي اشربوه لنا إلى أن اقعده المرض. ربنا اشفه من مرضه هذا ورد عافيته انك علي كل شئ قدير لنرفع الأكف تضرعاً لله ونتوجه اليه لشفاء الامير نقد الله الرجل الصنديد الهمام. كذلك تأثر العميد محمد احمد الريح من نفس ذلك السم الأبيض وما زال يعاني من القرحه والصداع النصفي الاليم. وايضاً لا انسي زميلي البطل الشجاع المناضل عليه رحمه الله اللهم اترك علي شبابيك رحمتك يا ارحم الراحمين واجعل قبره روضةً من رياضك. فقد خرج المرحوم العميد عبد العزيز النور خلف الله من السجن وهو يعاني من اَلام المعده بسبب ذلك السم الي ان توفاه الله.
عند التحويل لمستشفى بورتسودان، عاده نتحرك بعربه بوكس صباحاًًًً الي المستشفي و بعد المقابله نذهب سيراً على الأقدام الي سجن بورتسودان ومنها بالبوكس الي سجن سواكن.
كان في داخل سجن سواكن رجل فوق الستين من العمرمحكوم عليه بدفع ديه بمبلغ 120 الف جنيه. إتفقت المجموعه للسعي لأطلاق سراحه بجمع هذا المبلغ بالاتصال بتجار بورتسودان ذو المرؤه و الشهامه و الكرامه و الوطنيه. كانت الاتصالات تتم بحضورهم لنا، أو بذهابنا لهم بعد خروجنا من المستشفي. بعد انتهاء زيارتنا للمستشفي، في إحدى الأيام ذهبنا أنا و الأمير و قابلنا بعض التجار كل على حدة. أثناء تواجدي مع التجار داهمتنا مجموعه من رجال الامن وأمروا الحرس الذي كان يرافقني باحضاري لهم. أمرني الحرس بالركوب في العربه!! فرفضت في الوهله الاولي و لكن الحرس اصر علي فركبت العربه و لا ادري الي اين و بالقرب من بنك الادخار قفزت من العربه فلاحقوني مشهرين سلاحهم حتي نهاية حديقه البلدية وأخيراً أسندت ظهري علي جدار، و لا ادري جدار أي مبني و تحت تهديد السلاح قال ادخل هنا فرفضت فقال لي احدهم هذا الجدار بتاع الامن. فدخلت الجهاز وجدت حرس الامير نقد الله سالته اين الامير فرد علي قائلاً: "في الزنزانه" وكان معه بعض التجار في الحبس.
إقتداني رجل الامن داخل مكتب فوجدت النقيب محمد الامين فقلت له ماذا تريد منا بعد الاربعه اشهر من التعذيب المتواصل الي أن من الله علينا بحكم الاعدام ومن ثم السجن المؤبد. فقال لي انا جاييكم طالب العفو منكم و جايب معاي خروف كرامه وجهزت ليكم شقه و لعوائلكم. تقول لي انت و نقد الله شيل خروفك والخروف اكرم و اشرف منك و .. و... "

قلت له حسب ما اعلم ان كل تحركات السجين تتم بواسطه مدير السجن حسب اللوائح و التعليمات و الأوامر المستديمه للسجون فكان رده ان مدير السجون و لوائحه و تعليماته و اوامره تحت جزمتي.
فصمت برهه و أصبح يتكلم معي و انا صامت قائلاً لي بأننا أصهار و..و..و وأنا لا ادرك ذلك. بعد فتره قلت له هل سابقي معكم ام سأذهب للسجن. فنادي للنوبتجي لاحضار سائق العربه التي احضرتني لاذهب بها الي السجن. فرفضت و رجعت الي السجن سيراً علي الاقدام و تركت الامير نقد الله بالزنزانه ومعه الشابين اللذين زاراه في السجن و لم يرتكبا ذنباً سوى أنهم شاهدا وسمعا الحوار الذي جرى بيننا و بينه. كان أيضاً معه المرحوم طيب الله ثراه احمد الطيب شيخ العرب صاحب مكتب تخليص جمارك و بعض التجارالذين زارهم الأمير وقد حبسوا جميعهم لمده سبعه ايام بسبب هذه الزيارة.
عند عودتي، قابلت السيد مدير سجن بورتسودان و شرحت له أسباب التأخير و ما قاله لي النقيب محمد الامين محمد الامين وأخبرته بحبس الأمير نقد الله ومعه حرس السجن.
بعد سبعه ايام تم نقلنا الي سجن كوبر، قضينا ليلة في سجن بورتسودان و احضر الامير نقد الله من الزنزانه الي السجن قبل دقائق من اقلاع الطائره الي الخرطوم.
هذه الصوره الوحشيه والبشعه واللإنسانية و التي لا تمت لأخلاقنا السودانيه الاصيله ولا للاعراف و اللوائح إحدى المسلسلات التي تمارس يومياً علي كل المعتقلين الشرفاء من ابناء و بنات هذا الوطن. حدث كل هذا ويحدث تحت مسئولية جهاز الأمن تحت ستار الإرهاب والتخويف والتهديد والتصفيات الجسدية لحمل من يواجهونهم للإنكسار أو الهجرة ولكن أن يكرم هذا الرذيل الذليل المدعو محمد الأمين محمد الأمين ليكون مستشاراً لقنصلية السودان في دبي هذا ما لا يمكن السكوت عليه.
في ختام كلمتي هذه أرجو أن يسمح في العميد محمد أحمد الريح أن استعير الدعاء الذي سطره في كلمته الجريئة عن المدعو محمد الأمين:

" اللهم إنهم ظلمونا وما لنا من ناصر إلا أنت، اللهم أحبسهم في جلهم وعذبهم"
" اللهم أهلك الظالمين بالظالمين وأرنا فيهم عجائب قدرتك"
" اللهم إنهم تقووا علينا بقوتهم على ضعفنا ظلماً فأرنا قدرتك فيهم"
" اللهم يا رب انتقم من المدعو محمد الأمين محمد الأمين ومن أعانه
ومن رفعه ومن سلطه، إنتقم لنا منهم في ليلة لا أخت لها وساعة لا
شفاء منها وبنكبة لا انتعاش منها وبعثرة لا إقالة منها ونغص نعيمهم
وأرهم بطشتك الكبرى ونقمتك المثلى وقدرتك التي فوق كل قدرة
وسلطانك الذي هو أعز من سلطانهم وأغلبهم لنا بقوتك القوية ومحالك
الشديد وابتليهم بفقر لا تجبره وبسؤ لا تستره وكلهم في أنفسهم فيما
يريدون. إنك فعال لما تريد."
"اللهم عليك بمن ظلمنا، اللهم أسقم جسده وأنقص أجله وخيب أمله وأزل
ظلمه وأجعل شغله في بدنه ولاتفكه من حزنه وصير كيده في ضلال
وأمره في زوال ونعمته في انتقال وجده في سفال وسلطانه في اضمحلال
وعافيته في شر مال وأمته بغيظه إذا أمته وأبقه لحزنه إن أبقيته وق
عبادك شره وهمزة لمزه وسطوته وعداوته فإنك أشد بأساً وأشد تنكيلاً".


عـــمـــيــد أ. ح. هـــاشــم الــخـــيــر


سودانيز اوون لاين

Post: #69
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 03-02-2008, 07:08 AM
Parent: #68

اعفاء غازى صلاح الدين


بقلم: د. الطيب زين العابدين

صدر مرسوم جمهوري نهار السبت الماضي اعفى الدكتور غازي صلاح الدين من اعباء منصبه كمستشار لشؤون السلام «بناءً على طلبه»، واثار الاعفاء المفاجئ تساؤلاً و لغطاً في الاوساط السياسية والاعلامية وذهبت في تحليله شتى المذاهب.

فالاستقالة التي اعتمد عليها المرسوم كانت قد قدمت في شهر اغسطس الماضي قبل ان يقود الاستاذ علي عثمان النائب الاول لرئيس الجمهورية وفد المفاوضات الى نيفاشا ويعقد اتفاقية الترتيبات الامنية والعسكرية في الاسبوع الثالث من شهر سبتمبر.

ولكن تلك الاستقالة قد جمدت بوساطة من الدكتور ابراهيم احمد عمر الامين العام للمؤتمر الوطني الحاكم وبطلب من النائب الاول ، فواصل د. غازي بعدها عمله في مستشارية السلام وترأس الوفد الفني للمفاوضات في اكتوبر الماضي واصطحب معه خمسين من القيادات السياسية و المدنية والاعلامية و قال ان الاستقالة اصبحت شأنا من الماضي.

وفوجئ غازي نفسه بقرار الاعفاء لانه كان يتحدث قبل يومين فقط من القرار عن استعداداته لقيادة وفد المفاوضات المسافر الي نيفاشا مساء الاحد، فاذا برئيس الجمهورية يستدعيه صباح السبت ويخطره بانه قد قرر قبول استقالته «القديمة»! ولم يفصح غازي عما دار في ذلك الاجتماع ولكنه اصدر بياناً مقتضباً قال فيه: انه كان قد تقدم في وقت سابق باستقالته من مسؤولية ملف السلام لاسباب كان وما زال يراها جوهرية لحماية جهود السلام ولكن جرى اتفاق يقضي بتجميد الاجراء وفق ترتيبات تم التوصل اليها، واضاف بانه حرص في اضطلاعه بكل الاعباء التي تقلدها ان يكون اميناً للمبادئ التي حملها ودافع عنها طيلة مسيرته في العمل العام وانه سيظل اميناً على تلك المبادئ قولاً وعملاً حيثما حل.

كان غازي يرى ان دور النائب الاول ينبغي ان يأتي في نهاية المفاوضات من اجل التوقيع على ما يتم التوصل اليه من اتفاقية او في مرحلة مبكرة يتفق فيها علي مبادئ عامة يهتدي بها المتفاوضون، اما النقاش حول التفاصيل الدقيقة المعقدة للقضايا المختلفة فمن الافضل ان يترك للجان الفنية المتخصصة التي عكفت على مدي شهور لدراسة تلك القضايا واكتسبت خبرة في التعامل مع تكتيكات وفد الحركة واستفادت من مداخلات الخبراء الذين جاءت بهم سكرتارية الايقاد.

ورفض مقترح غازي مما دعاه الى عدم المشاركة في مفاوضات سبتمبر وتقديم استقالته. وقد صحّ ما توقعه د. غازي فقد استغل جون قرنق مجئ النائب الاول وحاجته لتحقيق انجاز في المفاوضات تحت ضغوط داخلية وخارجية كثيفة ففتح معه اصعب القضايا و اكثرها حساسية، قضية الترتيبات الامنية والعسكرية التي دام النقاش فيها لمدة ثلاثة اسابيع ونتج عنها الاتفاق المعروف الذي ساوى بين جيش قرنق وبين القوات المسلحة السودانية واعترف بثلاثة جيوش في بلد واحد (القوات المسلحة تحت وزارة الدفاع، مليشيات قرنق تحت قيادته ، وقوات مشتركة من الفريقين تحت قيادة رئاسة الجمهورية ) . ويعتقد الكثيرون ان تلك الاتفاقية كانت مجحفة بالقوات المسلحة وانها ستقود الى الكثير من المشكلات العملية عند التطبيق الميداني . ورفعت الاتفاقية شهية الحركة الشعبية للمزيد من المطالب فتراجعت عن بعض الاسس التي سبق ان وافقت عليها بحجة ان اتفاقية الترتيبات الامنية قد اقرت مبدأ المناصفة بين الطرفين بصرف النظر عن الحجم السكاني لاهل الشمال واهل الجنوب، جرت الاتفاقيات الاولية السابقة في اقتسام السلطة والثروة على اساس التعداد السكاني والذي يقدر سكان الشمال بالثلثين وسكان الجنوب بالثلث . وبالرغم من قصورها الا ان تلك الاتفاقية رفعت الامال عالية في احتمال عقد اتفاقية سلام وشيكة.

ولكن ذلك الاختلاف حول دور النائب الاول في المفاوضات اصبح جزءاً من التاريخ وقبل غازي بالامر الواقع وبدا يتعامل معه بفاعلية ، فلماذا اذن قرر الرئيس فجأة اعفاء مستشاره للسلام والمفاوضات تمر باهم مراحلها الحاسمة؟ والرئيس يدرك اكثر من غيره الدور المحوري الذي لعبه غازي في مفاوضات السلام التي شارفت على نهايتها . لا يبدو ان السبب يتعلق باختلاف حول من يمسك بملف السلام او باستقالة غازي التي قدمها قبل ثلاثة شهور وتم تجميدها وفقاً لترتيب اتفق عليه . الاحتمال الاكبر ان السبب الرئيسي يكمن في طبيعة د. غازي الجريئة المستقلة والمبادرة بصنع الاحداث فمثل هذه الطبيعة لا تتسق مع الشخصية العسكرية التي تؤمن بالانضباط قيمة عليا وبالترتيب الهرمي للسلطة.

تقول اخبار المدينة ان الرئيس يأخذ على غازي مقابلته الطويلة للدكتور الترابي قبيل عيد الفطر دون ان يستأذن من الرئيس او نائبه، وسفره في عمرة الى الاراضي المقدسة دون ان يخطر قيادة الدولة ، وحديثه الطليق في مجالسه الخاصة منتقدا هذا او ذاك من شئون الدولة العامة وهذه الطبيعة الجريئة المستقلة ليست جديدة على الدكتور غازي فقد عرف بها منذ وقت طويل وقد كانت مفيدة في وقت مضى للرئيس واعوانه عندما استخدمت ضد الدكتور الترابي وادت الى مذكرة العشرة المشهورة في نهاية عام 1998 ولو سلمنا بان ذلك السلوك الغازي لا يتسم بالانضباط المتوقع في نظام مثل نظام الانقاذ يجمع بين العسكرية والاصولية والشمولية فهل كان ينبغي ان يكون رد الفعل بهذه القسوة وفي هذا الوقت الحرج من مرحلة التفاوض ؟ الا يؤثر هذا القرار على تماسك كيان الحركة الاسلامية التي يعد غازي من قياداتها البارزين ؟ الا يعطي القرار رسالة خاطئة لكثير من الناس ان الانقاذ لا تحفظ « عشرة» لاحد مهما بلغت مكانته ؟ وان اهل بدر لا يتميزون مثقال خردلة على المؤلفة قلوبهم ؟

لا اتوقع ان ينضم د. غازي الى ركب المؤتمر الشعبي نتيجة لقرار الاعفاء رغم ابتهاجهم به فهو اعلى خلقاً من ان يتنكر لمواقفه السابقة المشهودة ضد قيادة الدكتور الترابي، وسيظل عضوا في المجلس القيادي للحزب الحاكم ونائبا عنه في البرلمان وربما استطاع ابراهيم احمد عمر ان يكسبه ضمن معاونيه في المؤتمر الوطني الذي يشكو من قلة الكوادر السياسية المقتدرة او ان يوظفه د. مصطفى عثمان في احدى سفاراته المهمة في اوربا او امريكا ولكن حكومة الانقاذ قد فقدت في جهازها التنفيذي واحدا من المع نجومها السياسية فكرا وخلقا ومقدرة وقبولا في الساحة السياسة

Post: #70
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 03-02-2008, 07:15 AM
Parent: #69

الترابي: الثورة الشعبية طريق الإسلاميين

03/11/2003
عبد الرحيم علي – إسلام أون لاين.نت



الترابي متفائل جدا بخصوص المستقبل

كشف الدكتور "حسن الترابي" زعيم المؤتمر الشعبي بالسودان أحد أهم منظري التيار الإسلامي في المنطقة العربية عن رؤية جديدة استقاها من خلال تجربته السابقة في الحكم في السودان، أكد الترابي على عدم وجود طريق أمام الحركات الإسلامية للوصول إلى السلطة سوى طريق الثورة الشعبية، وأرجع الترابي السبب وراء تلك الرؤية إلى قناعته بأن الولايات المتحدة الأمريكية بعد ما حدث في الحادي عشر من سبتمبر 2001 لن تسمح لأي حركة إسلامية بالوصول للسلطة عن الطريق الديمقراطي.

وشدد الترابي على أن أمريكا ستسعى بكل قوة لتهميش دور الإسلاميين بشكل عام، حتى لو جاء ذلك على حساب قيم ومبادئ الديمقراطية التي تنادي بها واشنطن، وبرَّر الترابي اشتراكه في دعم انقلاب عسكري للوصول للسلطة بحالة الضرورة، ودافع عن إيواء السودان لعناصر تعتبرهم بلدان عديدة إسلامية وغير إسلامية إرهابيين، مشددا على أنهم لم يقوموا بأي أعمال طوال فترة إقامتهم بالسودان، وحذر الترابي من اللجوء مرة أخرى للاستعانة بالعسكريين في محاولة لوصول التيار الإسلامي للسلطة، واصفا تركيبتهم الذهنية بالبعد عن المنهج الديمقراطي في التفكير.

وكانت شبكة "إسلام أون لاين.نت" قد أجرت حوارا موسعا الأربعاء 29/9/2003 مع الدكتور الترابي عبر الهاتف، شارك فيه بجانب مراسل "إسلام أون لاين.نت" كل من المهندس أبو العلا ماضي وكيل مؤسسي حزب الوسط المصري (ذو التوجه الإسلامي)، والدكتور أحمد عبد الله مستشار الشبكة، وفيما يلي نص الحوار:

* بداية.. دكتور حسن.. لديكم تجربة كبرى وهامة في السودان بدأت بالدعوة والانتشار ثم المشاركة في عهد نميري، ثم السيطرة الكاملة على الحكم في ظل حكومة الإنقاذ، وانتهت بالصدام والاستبعاد عن السلطة والسجن.. كيف تقيمون هذه التجربة الآن؟

- الدعوات الدينية والحضارية تبدأ في الغالب الأعم بشعارات عامة، ولغربتها عن المجتمعات التي تولد بها فهي دائما ما تحاط بالشبهات، ولكنها لصدقها دائما ما تجتاز العقبات، وتبلغ مرحلة الانتشار، وربما تبلغ السلطات؛ فتتمكن في الأرض. ولكن الابتلاءات تتواكب عليها وتتداعى حولها الضغوط. والذي حدث في السودان هو نفس السيرة؛ فقد قامت الحركة مستمدة وحيها من دعوة الإسلام الإحيائية في مصر آنذاك، والتي كانت أصداؤها تتردد في مناطق أخرى عديدة من العالم كباكستان والهند وبلدان شرق آسيا، بالإضافة إلى أفريقيا؛ ونظرا لأن السودان محط أنظار الاستعمار الغربي منذ زمن بعيد؛ فقد لفتت أنظاره تجربتنا عندما بلغت مرحلة المشاركة في الحكم.

وعلى الرغم من أن الغرب يؤمن بالديمقراطية فإنها عندما "تولد إسلاما" تصبح مكروهة ومنبوذة في نظره؛ فالغرب يخشى أن ينتشر الدين الإسلامي ويتميز في حياة الناس بالدعوات المتتالية وليس بالحرب، فعلوا ذلك من قبل في تركيا، وكانوا يأتون إلى السودان -كبراؤهم جميعا أتوا- ويقولون أوقفوا هؤلاء الناس (في إشارة إلى حركتنا)، وكانوا دائما ما يكررون: "إذا كانت الإرادة الشعبية ستأتي بالإسلاميين فأوقفوها"، ومن هنا ومن قراءتنا للتاريخ الذي أكد في جميع مراحله على أن الديمقراطية لا تُولد إلا عبر الثورات بدءًا من الثورة الفرنسية، ومرورا بما حدث في إنجلترا وأمريكا؛ فقد رأينا أننا لا نستطيع الوصول إلى السلطة إلا بمنهج الثورة الشعبية، إلا أننا قد أخذنا عهدا على أنفسنا ألا يكون حكما قبليا أو طائفيا أو عسكريا.

العسكريون ينقضون العهد

- ويمضي الترابي ليقول: وعندما صعدنا إلى السلطة في السودان، وبدأنا نحكم بالشورى وسلطة الشعب، واعتمدنا الحرية أساسا لكل الناس كفروا أو آمنوا ما اتخذوا اللسان سبيلا للتعبير لا السنان.. فإن نظام الحكم الذي تعاهدنا معه، وأقسمنا اليمين قبل الوصول للسلطة، عندما تمكن تفارق معنا فرقانا بينا؛ لأن بنيته العسكرية والذهنية لا تنتمي لهذه الأفكار، وإنما نيته قائمة على الغدر بالعهود ونبذ الشورى.

* ماذا كانت ملامح ديمقراطيتكم التي تفارقت مع رؤية العسكر آنذاك؟

- كما قلت لكم.. الناس أحرار، كفروا أو آمنوا، ما اعتمدوا اللسان وسيلة للتدافع، ونبذوا السنان، والأمر شورى بين الناس كافة، والإجماع إجماع الأمة كلها مسلمين وغير مسلمين، والصلة بين المسلمين وغيرهم نموذجنا فيها ما سنّه النبي صلى الله عليه وسلم في أول عهد له بالمدينة، والمواثيق السياسية والدستورية نلتزم بها ونطبقها حرفيًا، ولا نغدر ولا نعلو فوقها محكمين رؤيتنا الخاصة، وإذا امتلكنا القوة لا نحتكم إليها... تلك كانت الأصول التي تعاهدنا على صونها، وتلك كانت ديمقراطيتنا التي دافعنا عنها في وجه العسكريين.

* ولكن ما الذي دفع إلى هذا الصدام المروع على الرغم من العهود بينكم؟

- شح المال من ناحية، ومحاولتنا الدعوية إقامة علاقة "عزة" مع العالم لا "عزلة"؛ نأخذ منه ويأخذ منا، نجادله ونحاوره، ولكن على قدم المساواة، كل تلك العوامل حرّكتها عقلية العسكر من ناحية، والتحريضات الكثيرة على الإسلام وأهله من قبل تملك السلطة المال في العالم من ناحية أخرى، كل هذا أدى في النهاية إلى الفرقان المبين. ولكننا كنا نود أن نختلف ونتحاور، إلا أنهم أبوا إلا ما رأوا؛ ولذلك زجوا بنا في السجون، ولكن نحن لسنا مفاجئين؛ فالصحابة قتل بعضهم بعضًا عندما جاء الصراع على السلطة والخلافة الراشدة القائمة على الانتخاب الحر والعقد والمساءلة تحولت وانهارت انهيارًا كاملا، وهذه كانت تجربتنا الأولى في البلاد، ومن يدري؟ لعل القادم يكون أكثر خيرًا.

الانقلاب العسكري ضرورة

* ولكن ألا تتفق معنا يا دكتور في أن العامل الرئيسي لفشل هذه التجربة يكمن في خياراتها المبدئية.. فأنتم عندما قبلتم الوصول للسلطة عن طريق انقلاب عسكري كنتم ترسمون هذه النتائج بأيديكم قبل أن تحدث؟

-يا أخي هذه كانت ضرورة.. فالعهود القديمة رفضت أن تفسح مجالا لنا.. وحتى الديمقراطية في الغرب -كما قلت لكم- لم تنجح هكذا بدون ضغوط وثورات، ولكن الخطأ من وجهة نظري هو عدم اللجوء للناس والقيام بثورة شعبية؛ فالاعتماد على العسكر هو الذي أوقعنا في هذا الخطأ.. فحين قالوا لهم: "أخرجوا هؤلاء من الحكم أو نخرجكم" أسرعوا بإخراجنا والزج بنا في السجون.. ولكنني أؤكد مرة أخرى أنها كانت ضرورة؛ فلم نكن لنصل إلى السلطة بدونها.

* ولكن في تركيا لم يلجأ الإسلاميون إلى الانقلاب العسكري على الرغم مما حدث معهم إبان حكم أربكان.. وهاهم وصلوا بالديمقراطية مرة أخرى للحكم في عهد أردوغان؟

- ولكنهم اضطروا أن يقسموا للناس إنهم علمانيون، ولولا هذا ما وصلوا إلى السلطة.. فهل تريدون منا أن نعترف بأننا علمانيون؟! نحن وضعنا دستورًا ديمقراطيًّا، وقررنا حرية الأحزاب، والانتخابات جعلناها مستقلة، وعندما فعلنا كل ذلك أطاح بنا العسكريون بمعاونة من الغربيين الديمقراطيين. والنتيجة أنهم لا يريدون الديمقراطية عندما تأتي من قبل الإسلاميين. وإنما كل ما يريدونه استبعاد الإسلاميين فقط.

* ولكن ألا ترى يا دكتور أن هناك استعجالا حدث في قضية الوصول للسلطة في السودان من قبلكم، وكان الأولى صنع كوابح داخل المجتمع تحول دون الارتداد عن الديمقراطية أولاً؟!

-لا يوجد استعجال في الحصول على السلطة، ولكن كما قلت لكم السلطة التي تأتي عبر ثورة تكتنفها الكثير من المشكلات، وتأخذ بأطوار عديدة حتى تصل إلى الاستواء؛ فالثورات دائمًا يقوم بها مقاتلون ومجاهدون وإصلاحيون.. حدث هذا في أفغانستان وفي الجزائر، وكنا ننذرهم جميعًا ونتباحث معهم حول ما بعد الوصول للسلطة، وكانت لنا رؤية واضحة قبل الحكم عن شكل الحكم وجوهره، وطريقتنا في ذلك؛ فنحن كنا مستعدين، ونعرف ما نفعل، وعندما وصلنا بالفعل وضعنا الدستور وأطلقنا الحرية (حرية الصحافة وتكوين الأحزاب)، ونص الدستور في مواد عديدة على ذلك، ولكننا حوصرنا وبدأ العسكر في الضجر من رغبتنا في تحقيق الشورى بكل ما تحمل من معانٍ كبيرة..

ولكن العسكريين في النهاية كانوا هم الطرف الذي يمتلك القوة، وقد استخدمها في الإطاحة بنا. والعبرة هنا التي نستخلصها لكل الإسلاميين أن القَسَم وحده لا يصلح.. ضعوا ضوابطكم قبل الولوج إلى باب السلطة.. ولا تستعينوا بالعسكريين، استعينوا بالناس، وهبّوا معهم في ثورات شعبية تأتي بكم إلى السلطة؛ لأن الأمريكان لن يسمحوا لكم بالوصول عن طريق صناديق الاقتراع.

استعداء الغرب

* ولكن يا دكتور ألا ترى لكم دورا فيما حدث؟.. فقط الغرب والعسكريون هم السبب؟ إذن من الذي استعدى الغرب وجاء برجال مصنفين في بلادهم على أنهم "إرهابيون" يريدون تدمير الغرب، وحمّل نفسه وحركته عن طريق استضافتهم ما لا يحتمل.. من الذي استضاف مؤتمرًا عالميًّا إسلاميًّا جمع فيه كل من هو مصنف أنه عدو للغرب ومطارد في بلاده الإسلامية للبحث في قضية أكبر من هذه الحركات وأكبر من أن تحتملها حكومة واحدة أو دولة واحدة، خاصة عندما تكون دولة نامية كالسودان؟!

-أنت تقصد "أسامة بن لادن" ومن معه، وأنتم بذلك ترددون ما يقوله الغرب عنا، ولكن الأمر لم يكن كذلك؛ فأسامة بن لادن لم يقم بأي عمل عدواني داخل السودان، هو جاء لإقامة الطرق والمشاريع التعميرية، ولم يتجاوز عمله ذلك، ثم دعني أقُل لك: في أي عهد خرج بن لادن من السودان؟ ألم نكن نحن في السلطة آنذاك؟ وقد فعلنا ما أرادوا، ولكنهم كانوا يريدوننا نحن، ويريدون الإسلام، وليس أسامة بن لادن وأعوانه وهو ما حدث؛ فبعد خروج بن لادن وانتهاء المشكلة طلبوا عزلنا، وضغطوا على الحكومة حتى وضعتنا في السجن.

هذا ما حدث.. ثم أنت تقول: إننا جمعنا أناسا من كافة أنحاء العالم لنتحدث في قضية أكبر منا.. ماذا في هذا الفعل من استعداء؟ ماذا عندما نجمع مسلمين من جميع أنحاء العالم لنتحدث عن كل القضايا التي تهم الإسلام والمسلمين ونحاول إصلاحا ذا شأن؟ وكيف يمكن أن يسمى هذا استعداء؟!!

* ولكنَّ عددا من الذين حضروا هذا المؤتمر كانوا ممن يُطلق عليهم في بلدانهم "إرهابيون"؟

- لم يشارك أسامة بن لادن ولا مَنْ معه في هذا المؤتمر، ولكن شارك فيه مسلمون ممثلون لحكومات إسلامية وعربية وجاليات متواجدة في الغرب، ولم يكن بينهم إرهابيون.. ثم دعني أكن واضحًا.. كل هذا لم يستفز الغرب ولا أمريكا، هم كان يستفزهم إمكانية وصول حركة إسلامية إلى السلطة تتمسك بالإسلام، وتحاول في نفس الوقت تحقيق تجربة ديمقراطية حقيقية، تصلح نموذجًا يُحتذى لباقي الحركات الإسلامية في الوطن العربي؛ وهو ما دفعهم إلى إجهاضها.

بقايا المشروع

* د. حسن.. بعد كل ما حدث ماذا تبقى من المشروع الإسلامي وفق وجهة نظرك؟

- أعتقد بداية أن كثيرًا قد بقي من المشروع الإسلامي الذي كان غائبًا بالأساس من السودان.. فالسودان يختلف عن مصر من حيث إن التدين لم يكن جزءًا من مكونات شعبه، ولكن الآن وبفضل سيرة طويلة من الدعوة ومجهودات دعاة ومصلحين كثيرين في السودان تأثروا بدعوة الإحياء الإسلامي في مصر انتشر التدين وسط المجتمع السوداني، وكثرت المساجد في كل حي وكل شارع وازدحمت بالمصلين، وتحررت المرأة من كل قيود القبلية والعادات والتقاليد، وخرجت للعمل، واختلطت بمشاكل بلادها، ولم يحدث -على عكس ما حدث في بعض البلدان- أي مشاكل أسرية تفسخ أو خلافه..

هذه أكبر ثورة حدثت في تاريخ الأمة العربية من وجهة نظري مقارنة بما كان عليه السودان، لقد كان الشعب السوداني يجاهد مع الإمام المهدي وهو مخمور، ولا يعرف كيف يصلي، ولا يقسم لك حين يقسم "بالله"، الآن كل شيء تغير.. يكفي أن يضع الجنوبيون ممثلين في الحركة الشعبية ثقتهم في الإسلاميين فقط، ومن هذا المنطلق طالبوا بخروجنا.

هناك أيضا قضية التعريب.. حيث انتشرت اللغة العربية في طول البلاد وعرضها دون ضغوط من أحد، والآن أنا أكتب كتابًا حول هذه التجربة بحلوها ومرها ما لها وما عليها حتى يعتبر الناس.

* أخيرًا.. كيف ترى المستقبل؟

- أنا متفائل جدًّا بخصوص المستقبل، خاصة بعد إقرار السلام الشامل، وإجراء المصالحة الكاملة بين جميع الأحزاب والقوى السياسية في الشمال والجنوب.. خاصة أن الأخيرين منفتحون على الحوار وعلى إخوانهم في الشمال.. وهناك الآن ثروة بترولية كبيرة أسأل الله ألا تدخل علينا الفساد أو تجعلنا نهمل الزراعة، وأنا أرى أن السودان مهيأ إذا ما هاجر إليه ملايين الناس من العرب والمسلمين ومن جميع أنحاء العالم؛ ليكون قطبا كبيرا من الأقطاب الهامة في العالم.

Post: #71
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 03-02-2008, 07:19 AM
Parent: #69

حسن الترابي: "ثورة الإنقاذ ضربت تجارب لكل حركة الإسلام في العالم"

حاوره: نور الدين العويديدي


--------------------------------------------------------------------------------

* كيف تنظرون إلى الأوضاع السودانية بعد أحد عشر عامًا مما أسميتموه ثورة الإنقاذ الوطني .. هل أنقذت هذه الثورة السودان؟

- نعم .. أولا الثورة ضربت تجارب لا للسودان وحده، ولكن لكل حركة الإسلام في العالم، بأنه يمكن حتى في بلد فقير وغير مشهور بتاريخ إسلامي ثري أن يقفز إلى الأمام، وفي السياسة الخارجية أن يعتز ويقاوم ويستقل بقراره واقتصاده رغم المضايقات والعقوبات، ويمكن في الداخل أن يوحّد مجتمعه بمختلف دياناته ولغاته وأعراقه وألسنته، ويمكنه أن يعوّل على جهوده، وعلى ما تحت قدميه، حتى يخرج نفطه لوحده، وينهض بتعليمه ويعرّبه في كل مستوياته العليا والدنيا، ويعرّب كل المجتمع السوداني، الذي ما كان يتكلم العربية منه سوى نصفه تقريباً.

الحمد لله في عشر سنوات حصل كل هذا، وكذلك تم تحرير المرأة، فكل النساء خرجن إلى الساحات العامة والعمل العام بطهارة، لم يكلف ذلك السودان شيئاً، وانتشر التدين والقرآن في المجتمع .. فعادت بنهضة اقتصادية ونهضة اجتماعية وبتوحد في البلد وبعزة عالمية وتجارب - على كل حال - خاضها المجتمع السوداني بطريق الإسلام، وتعرضت لمشكلات بعضها داخلي وبعضها ناتج عن الغزو الخارجي بالطبع .. وهذا درس لنا ولآخرين في هذا العالم.



* ولكن على الصعيد السياسي، نرى أن هذه الثورة قد انتهت إلى إقصائكم عن الحكم، وأنتم كنتم زعيمها الروحي .. كيف تنظرون إلى الأمر الآن؟

- هذه ليست المرة الأولى في حياتنا التي تعرضنا فيها لأن يُرمى بنا في السجون، فطريق الحياة هكذا .. نحن لا نتحدث عن حضارة اليوم والليلة. الآن السلطة استبدت ببعض إخواننا الذين دفعناهم إلى الحكم .. هم ما كان لهم أصلا نصيب في ذلك .. هم عساكر وبعضهم مدنيون، وقد أغراهم المدد الخارجي اليوم، ولكن بالرغم من ذلك استطعنا الآن أن نكسب منهم المجتمع كله تقريباً، الوزراء بدءوا يستقيلون..يوم (الثلاثاء) استقال وزيران، وقبل أيام استقال وزير، وبعد أيام سيستقيل وزراء، والآن بدأت الاستقالات تتكاثر في كل وزراء الولايات والمحافظين، والطلاب كلهم والنساء كلهن تقريبا كذلك .. المجاهدون ليسوا أبناء مهنة ورواتب، وكذلك كل القواعد الشعبية، وهذا دليل.

انظر إلى البلاد العربية والبلاد الأخرى، فإذا حكمت حكومة وتسلطت على الناس بالإعلام محتكرة له، وبالمال العام، وبالسلطان، قلّ أن تجد من يصدع بالحق إلا أن يناجي مناجاة من يشتكي من الحال، لكن هنا في السودان خرج خروجاً سافراً. هذه القيم يا أخي الكريم، قيم الشورى وقيم الحرية وعهود الدساتير وعهود المواثيق للأحزاب، هي معانٍ ضاعت وضعفت في مجتمعاتنا المسلمة والمتخلفة عربيًّا وإفريقيًّا، ولا يمكن أن تعود إلا بتوترات وبأزمات وبثورات .. وهكذا حدث في أوروبا، فالديمقراطية لم تبنَ هكذا نقلاً، وإنما بنيت في ظروف صعبة ومعاناة ومكابدات، ونحن لا نبالي لذلك حتى نغرس رواسخ في نفوس الشعب .. هذه المعاني التي فقدناها الآن في النظام مثل الحرية والشورى والوفاء بالعهود والاتفاقيات والدساتير .. هذه معانٍ دينية ضيعها المسلمون طوال أربعة عشر قرناً، ومن العسير علينا فقط أن نمسح عليهم فتقع مثالية، إلا أن نكابد ونتقدم ونتقهقر بعض درجات ثم نندفع مرة أخرى، وهكذا. نحن نبني حضارات ولا نبني حكومة.



* أنتم تتحدثون اليوم عن الحرية والديمقراطية ومواجهة الاستبداد، ولكن يرى بعضهم أنكم أنتم الأب الروحي لهذا النظام، وأن كل ما حصل هو أن آليات الانفراد بالسلطة التي أرسيتموها، فأقصيتم الأحزاب المخالِفة لكم، وانقلبتم على حكومة ديمقراطية منتخبة، قد انقلبت عليكم الآن .. ثم إن خطابكم يبدو وقد تغير بين الأمس واليوم، فبعد أن كنتم تنظّرون لما كان يقوم به النظام وتبررونه، صرتم تهاجمونه بعد إقصائكم .. أليس في الأمر عجب؟

- لا.. لا يا أخي الكريم، فأولاً مبادئنا الدينية كما تعلمها لا تأذن لنا أن ندخل إلى السياسة بالقوة .. دخل محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم المدينة فاتحاً .. فاتحاً للقلوب لا قاطعاً للرؤوس بالضرب، ولكن أنت تعلم أن الدول الغربية لا تأذن للديمقراطية أن تلد نظامًا إسلاميًّا، هذا ما حدث في الجزائر، وقلبوا عليها الأرض، والآن في تركيا، فحتى عندما يقترب حزب شيئًا ما إلى الائتلاف يضرب تمامًا .. وهنا في السودان ضربنا وطردنا من الحكم من قبل بقوة أجنبية، ومرة أخرى ضربنا بقوة أجنبية.

هذا عندنا في الدين، ونحن لا نعتدي على السلام أصلا، لكن من اعتدى عليكم فاعتدوا عليه، فنحن الإسلاميين لنا الثورة والدفع في مواجهة العدوان، وكذلك النظريات الغربية كلها تقول: إنه إذا كانت النظم كابتة وواطئة عليك بالقوة، سواء كانت محلية أو دولية فيجوز لك أن تقاوم .. هذا يسمى مقاومة ويسمى ثورة إذا أرادوا ذلك. ما كان من الممكن أن نصل بالطريقة السلمية إلى الحكم. لماذا؟ ضُرب المسلمون في الزمان السابق في الحروب الصليبية وفي الحروب الاستعمارية؛ ليس لأنهم اعتدوا على أوروبا، فهي لا تأذن للإسلام أن يقوم، وهي تحمل أحقادًا صليبية واستعمارية ضده .. هذه هي القضية، فبمجرد أن تمكنّا من السلطة من دون مظاهرات ولا ضغوط أجنبية، بدأنا مباشرة في التحرير والرجوع إلى الأصول الإسلامية.

الحرية ليست فقط بين المسلمين لكل المذاهب أو الآراء والاختلافات، ولكن لغير المسلمين أيضًا، فلم يوجد بلد أعطى فسحة لغير المسلمين مثلنا، ولا يوجد بلد فتح الأبواب للأحزاب مثل ما فتحنا نحن، وبالخصوص البلاد العربية المجاورة لنا، فهي ما فتحت الباب للصحف مثلنا، وهذا كان عسيرًا على الإخوة العسكريين .. لقد كان عسيرًا جدًّا؛ لأن مهنتهم تربّيهم على القوة وعلى الضبط وعلى عدم الشورى وعدم الحرية، فهم انقلبوا عليها بعد أن كادت تتجلى بكل أحلامها، وصالحت الأحزاب، وهي اليوم راجعة إلينا، والصحف متكاثرة وتتحدث كيف ما تشاء وتهاجم من تشاء كما كان المنافقون يهاجمون النبي رأس الدولة في المدينة ولم يضربهم أحد أصلا، فنحن لا نتناقض أبدًا، ولو كان الغرب يأذن لنا أن نأتي بالديمقراطية، فقطعًا لا يجوز لنا أن نأتي إلى الحكم بغيرها، ولكن الغرب لا يسمح لنا.

والآن الغرب يشجع فرض حالة الطوارئ، ويشجع إلغاء النظام الاتحادي الفدرالي بقرار فرد، ويشجع إلغاء هيئة تشريعية بقرار فرد لا بنص دستوري؛ لأنه ليس له أن يحل تلك المؤسسة أبدًا، كما يشجع على أن يعتقل وأن يحجر على الصحف فلا تنشر شيئا ما دام الضحية هو الإسلام، ولو كان الضحية من أوليائهم لأقاموا الدنيا وأقعدوها علينا، فنحن نعلم أن العالم وحتى الأمم المتحدة التي يبنونها حكومة للعالم هي حكومة تقوم على الفيتو (حق النقض)، وعلى التسلط، وليس لممثلي الشعوب فيها في الجمعية العمومية أي وزن، ولا توجد محكمة ترفع التظلمات إليها .. هي قوة فقط وقهر، هي قوة عارية، وهذه هي قضيتنا معهم.

نحن بالرغم من أننا جئنا إلى الحكم بالقوة، فإن شهوة القوة لم تغرنا أن نبقى هناك .. لقد كان من الممكن أن نبقى في السودان إذا تلطفنا معهم وأعطيناهم النفط والذهب وخيرات السودان، فهم لن يبالوا أدكتاتوراً أنت أم طاغية.

وهذه التطورات نحو الحرية من قيمنا نحن، وتمت بإرادتنا نحن، أردنا أن نقيمها وكادت أن تتكامل، ولكن ضغوطهم الخارجية هي التي حالت دون ذلك. هم لا يريدون للشعوب أن تجلي إرادتها من طريق الحكام؛ لأنهم يريدون الحاكم أن تنبتّ جذوره تماماً ويجتث من فوق الأرض، فيصبح معلقاً بهم هم، لا ثابتا على أرض الإرادة الشعبية يعبر عنها، حتى يكون دمية في أيديهم يصرفونه أنّى شاؤوا لمصالحهم .. هذه هي إستراتيجيتهم وليس في ذلك من شك أصلاً.



* إذا رجعنا إلى عام 1989 فإننا نجد رئيس الوزراء السوداني السابق الصادق المهدي يقول: إن الحركة الإسلامية في تلك الفترة كانت تتقدم بخطى حثيثة، وكانت ممثلة في البرلمان، وإن التيار الإسلامي استعجل القضاء على حكومة ديمقراطية بواسطة الدبابة، في الوقت الذي كان فيه مسار هذا التيار متصاعد، بما يؤهله للوصول إلى الحكم وتطبيق الإسلام، ولكن بشكل ديمقراطي لا بواسطة سطوة الدبابة .. بماذا تعقبون على هذا القول؟

- الصادق المهدي نفسه حدثني، وأنا معه في الحكومة، وكنت وزيراً للخارجية، لكن غضب الغرب من أن أكون وزيراً للخارجية في الحكومة .. حدثني أن ضغوطاً جاءته من القوات المسلحة مباشرة تنفيذًا لرغبات جهات أجنبية .. قالوا له: إما أن تُبعد هؤلاء، وما يحملون من فكر ومشروع عن الحكومة أو أن تُبعد أنت، فقال لي: أنا أريد الآن أن أسلمهم إياها (الحكومة)، فقلت له: كلا نحن سنخرج لك من هذه الحكومة.

فهذه الضغوط جاءته مباشرة من القوات المسلحة حاملة وراءها ضغوطًا أجنبية، وكذلك كان الأمر من قبل مع (الرئيس الأسبق جعفر النميري، فرغم أننا رضينا بحكمه غير الديمقراطي، ولكن لأننا أدخلنا أشياء من الإسلام مثل تحريم الخمر ومبدأ تحريم الربا وفتح الباب أمام الزكاة والحدود الجنائية، فقد جاء جورج بوش من هناك، وحدثه بضرورة أن تأخذ هؤلاء وتلقي بهم بعيدًا هم وما يحملون من أفكار وتوجهات؛ ولذلك نقلنا من موقع مساعد رئيس الجمهورية ومن مواقع الوزارة والقضاء وعضوية البرلمان، مباشرة إلى السجن بعد خروج بوش من السودان، ولكن النظام لم يبقَ إلا أسابيع وسقط تماماً؛ لأنه بغيرنا ما كان له من سند أصلاً .. هذه المعارك الآن بيننا وبين الإرادة الغربية، التي لا تريد أصلاً الديمقراطية .. هي تقدرها في بلادها لكن لا تريدها في بلادنا. هي تتعامل لا مع الشعوب وإنما تتعامل مع غثاء على الشعوب يريدون أن يكبتوا به الإرادة الحضارية الإسلامية.



* ثمة فكرة سائدة وراسخة لدى العديد من الأوساط في ما يخص الدكتور حسن الترابي أنه تعامل مع نظام ديمقراطي وانقلب عليه، وشارك في حكم عسكري دكتاتوري فسجنه ونكل به، وفي كل الحالات فإن هدف الدكتور الترابي هو الوصول إلى السلطة من أجل تنفيذ قناعاته بأي الطرق كان، وأنه يعمل على جر المجتمع نحو قناعاته وأفكاره بواسطة سلاسل الدولة وسلطانها؟

- أولاً هؤلاء لا يفقهون شيئًا في الدين الإسلامي .. الله ذاته لم يحولنا إلى الإيمان بسلاسل قدرته التي لا يعجزها شيء .. تركنا أحراراً من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. وثانيا نحن نسعى فعلا لأن يتجسد الإسلام في كل مجالات الحياة. المسلمون ضيعوه أربعة عشر قرنًا، وأسقطوا الإجماع، وأسقطوا بنية الحكم الإسلامي، ونحن نريد ذلك لا ليجلس على الكرسي الترابي أو فلان أو فلان .. لا تهمنا الرجال أصلا، وأنا كنت أتحدث لكل الناس وأقول لهم: إنني لا أريد منصبًا تنفيذيًّا، ولا أريد لأحد بلغ الستين من عمره – في مجتمعاتنا الكثيفة من حيث الشباب والكهول – أن ينال منصبا، ولكن سنظل نعمل من أجل التوبة من الحياة السياسية التي خرجت من الدين شركاً في كل البلاد الإسلامية، بالضبط كما حدث في أوروبا الغربية، وخرج من الدين الاقتصاد والعلوم الطبيعية وخرجت منه بعض اللغات، وخرج كل شيء بعيدًا عن الدين ولغة الدين .. هذا هو الذي نعمل له، ولو أن الناس يتعاملون معنا بالحسنى وبالشورى .. الله يعلمنا في الكتاب كل يعمل على شاكلته .. اعملوا على مكانتكم إنا عاملون وانتظروا إنا منتظرون، وننظر لمن تكون عاقبة الدار، ولكن الآخرين لا يأذنون لنا أصلاً .. إما أن نعود في ملتهم أو نُخرج بالقوة أو يلقوا بنا في السجون. فعبر كل الحكومات هذا هو ما كنا ندعو إليه، فما ثرنا على (ثورة) أكتوبر (عبود) ونحن الذين قلبناها إلا لأننا كنا ننشد الحرية فقالوا: كلاّ للحرية الإسلامية، وحتى مع نميري كنا ننشد كذلك أن يتقدم نحو الإسلام، ومهما أبطأ يمكن أن نصبر على بطئه ما دام يتقدم، ولكن قلبه الأمريكان تمامًا، وكذلك مع الصادق المهدي الذي هو لا ديني في سياسته، يعوّل على التراث الديني في الولاء له، ولكنه استجاب لأمر القوات المسلّحة التي جاءها الأمر من الخارج وأخرجنا.

نحن ننظر يا أخي، إلى تركيا وننظر إلى الجزائر .. ننظر من حولنا، الحركات الإسلامية والأعلام الإسلامية في كل العالم من شرقي آسيا إلى غربي إفريقيا محاصرة، ويريدون القضاء عليها. هذا أصبح الآن مشروعًا إستراتيجياً صهيونياً استعمارياً دولياً. ونحن لا ننشغل بمن هو الشخص الذي يحكم؟، أو هل هذا الحكم العسكري أو المدني موالٍ بل مستعبد للغرب فقط؟، ولكن ننظر إلى النظم الحضارية .. هل الديمقراطية في الغرب جاءت بالحسنى؟ هل في فرنسا جاءت بالحسنى أم جاءت بثورة؟ هل جاءت في بريطانيا بالحسنى أم جاءت بمنازعات مع الملك وثورات وتوترات؟.

الحضارات لم تقم أصلا على القديم الذي يأبى أبدًا أن تتغير موازينه إلا بالقوة؛ فيقهر بها .. هذه طبيعة. الإسلام نفسه دخل المدينة سلميًّا ولكنه حوصر رومانيا وقرشيا وفارسيا إلا أنه دافع عن نفسه بالقوة، وكان في السجن، ونحن قضينا أغلب حياتنا في السجن لا لنكون وزراء، فقد كان أسهل شيء على الترابي إن أراد، وهو نسيب كما تعلم مع الصادق المهدي، أن يدخل الوزارة قديماً جدًّا قبل الصادق، وهو قريب أيضاً للحزب الاتحادي الديمقراطي بتاريخ ولاءات طائفية قديمة وأشعار، ولكن نحن لا نطلب الولاية، ومن طلب الولاية لا نوليها إياها، وهذا من الذي زهّدنا في (الرئيس) عمر البشير؛ لأنه كان يصر .. أعطوني .. أعطوني وإلا أنقلب عليكم، حتى انقلب علينا بالفعل.



* لكن يبدو أن أمر الخلاف بينكما على غير ما تقولون، فقد تكوّنت معادلة سياسية كان فيها الدكتور الترابي هو الرئيس الحقيقي للدولة، ولكن بشكل خفي، والرئيس البشير هو مجرد رئيس صوري، وهذا ربما هو السبب الذي ولّد ما حصل من خلاف بينكما .. هل الأمر كذلك؟

- كلاّ .. الغربيون يظنون أن الدين معناه أن البابا يسيطر على كل شيء؛ لأنه تأتيه من الله المقدسات المعصومة من الخطأ، ولكن ليس عندنا كنيسة أصلاً في تاريخنا، ولا حتى عندنا تنظيم ديني مثل التنظيم الشيعي في إيران، الذي مكّن للفقيه أن تكون له ولاية يقاسم رئيس الجمهورية سلطاته، كما يحدث الآن. كان عمر البشير واحدًا منا يجلس في وسطنا من أول يوم. هو صحيح أنه لم يشارك في تدبير الأمر، وجيء به من جنوب السودان، ولكن من ذلك اليوم دخلنا السجن حتى نفوّت على القوى الخارجية أن تدرك ماذا يحدث في السودان، فلو أدركت ذلك لقتلت الأمر في طفولته.

وبرغم ذكائها كلها خُدعت .. من أمريكان ومصريين إلى شيوعيين، ولكن بعد ذلك كان عمر البشير يجلس معنا كواحد منا، وأنا واحد منهم كذلك، ليس لأحد صوت مرجّح أصلا، وليس للأمين العام أن يقرر هو بنفسه قراراً إلا في اختيار بعض المناصب الإدارية، يرشح لها أشخاصًا كما يرشّح رئيس الجمهورية للوزارات سواء بسواء. ولكن هو يريد حكم الفرد ونحن لا نؤمن بحكم الفرد، ونحن نعلم أنه بعد الكتاب والسنة عندنا الإجماع وهو حكم الجماعة، ولا نعرف الفرد أصلاً إلا الله سبحانه وتعالى، وكل الخطر الذي أصابنا في تاريخنا الإسلامي أن الخلفاء والملوك والسلاطين أصبحوا أفرادا، وأن الاجتهاد كله أصبح يرد إلى الإمام أبي حنيفة أو مالك، والناس تركوا الاجتهاد كلهم وصاروا يعولون عليه مئات السنين، أو على شيوخ طرق صوفية مثل الجيلاني أو السمّاني أو التيجاني، فنحن نريد أن نُخرج الناس يا أخي، من أن يعولوا على فرد، فمهما كان عالماً يمكن أن لا يؤخذ منه، ولكن لا يمكن أن نعول على صوفي واحد، ونسمو به مئات السنين، ولا على فقيه واحد ونترك الاجتهاد نفسه، ولا على رئيس واحد نعوّل عليه في كل شيء ونلغي الإجماع ونلغي الحرية ونلغي الشورى ونلغي العهود كلها، التي يقوم عليها بناء الجماعة الإسلامية.





* قلتم في هذا الحوار: إن الدول الإسلامية ضيعت الإسلام طوال أربعة عشر قرنًا، هل نفهم من قولكم هذا حكماً تكفيريًّا على الدول المتعاقبة خلال التاريخ الإسلامي؟

- لا، هذا لا يخرج المرء من الملة ..

- .. لا أقصد الأفراد، وإنما أقصد النظم السياسية أو الدول؟

- النظم السياسية لم تعلن كما أعلنت النظم الغربية. النظم الغربية كانت صريحة تقول: لا دين في السياسة ولا دين في الاقتصاد العام ولا في العلوم الطبيعية .. تقولها صراحة وتصدع بها، ولكن نحن المسلمين بين منافق وبين غافل. يعلمون أن هذه البنية السياسية، ولا أقصد المجتمعات المسلمة التي كانت تصلي ومعاملاتها فيها إسلام، ولكن البنية التي تقوم عليها السياسة لا بد أن تقوم أولاً: على الحرية للناس؛ لأنها هي إرادة الله، وهي كل آيات القرآن، وثانياً: على الشورى؛ لأنها سنة الرسول وحياته وهي أمر قرآن، وثالثاً: على كتاب المدينة الذي مثل دستورًا واحدًا يتعاهدون عليه .. تتعهد الأحزاب بما يخصها وتتعهد الأمة كلها بشتى أحزابها وقواها على ما يعنيها جماعة كيف تحكم، فعطلوا هذه أربعة عشر قرنًا تمامًا، ما من شك في ذلك ..

أنا لست من المكفرين، وكلمة الكفر هذه أصبحت تستعمل استعمالا سيئا فأتركها، لكن صحيح أن في اللغة الأصيلة للإسلام ترك أي شيء من المعلوم من الدين بالضرورة إذا كان عمدًا يسمى كفرًا، وأنا لا أريد أن أُعنى بذلك، ولكن هذا واضح في التاريخ، فقد ضيعوا هذا خلال أربعة عشر قرنًا. المسلمون هم أول من كتب دستورًا، وأول من أدار انتخابات للاختيار بين عثمان وعلي، صوّتت فيها النساء، ولكن ضيعوا كل هذا تمامًا، ضيعوا الشورى، وضيعوا الإجماع، وضيعوا كل الحريات، وعولوا بعد ذلك على واحد يحكمهم، وواحد يفتيهم، وواحد يدعو لهم.



* يرى بعض الإسلاميين أن الحركة الإسلامية السودانية قد ربّت كوادرها على البراغماتية الشديدة، وأن أول ضحايا تلك البراغماتية كان الذين نظّروا لها وأرسوا أسسها داخل التنظيم، وعلى رأسهم الدكتور حسن الترابي .. ما تقولون في ذلك؟

- نحن ربّينا على العمل الاقتصادي، وعلى العمل الفني، وعلى العمل الثقافي .. لم نقتصر كما تفعل الصوفية على تربية الشخص وتزكية الأخلاق كما تفعل الكثير من الحركات الإسلامية، وإنما ربينا على العمل السياسي وعلى العمل الجهادي وعلى العمل الاقتصادي .. الحياة تطلب كل هذا، لكن نحن لم نجرّب الحكم من قبل .. دخلنا "وادي فرعون" وليس لنا تراث يذكر، فالكتب المكتوبة عن الأحكام السلطانية بعيدة عن قيم الدين، وهي متخلفة جدًّا، وليست لنا أخلاق؛ لأن الصوفية لا يعنون بأخلاق الحكم، وإنما يعنون بأخلاق المجتمع فحسب، فلا أخلاق ولا أحكام. ثم إن العالم لا يريد أبدًا للإسلام أن يحكم، فنحن على ضعفنا في التجارب وفي الخبرة والعبرة وعظات التاريخ، تضغط علينا قوى دولية ضغوطًا شديدة تفتننا أحيانًا بالإغراء، وترهبنا أحيانًا بالسلطان والقوة، فالسودان جرّب حينًا من الدهر، وبدأ دستورًا نسبيًّا لا يقارن بأي دستور عربي أو إفريقي آخر، وبعض جوانبه تنزّلت بالفعل، ولكن يبدو أنه لا بد من جولة من جولات المصابرات والمجاهدات الأخرى حتى نرسّخ هذه المعاني في نفوسنا، ونمكّن أخلاق السياسة أيضا؛ لأن للغرب الآن أحكامًا وأخلاقًا وأعرافًا ونظمًا أصبحت كلها راسخة في نفوس الناس، فلا بد لنا نحن من أن نرسخ أخلاق السياسة في نفوس الناس، ولأننا تقدمنا على الحركات الإسلامية الأخرى كلها فلا بد أن نتعرض نحن أول من يقود هذا الطريق إلى وادي فرعون لبعض الانتكاسات، ثم نتوكل ونتقدم مرة أخرى.



* تحدثتم كثيرًا في هذا الحوار عن الغرب .. ويبدو أن موضوع العلاقات الخارجية كان أحد أسباب الخلاف بين جناحكم وجناح الرئيس البشير، فهل يعني هذا أنكما تمثلان توجهين متعارضين في العلاقة مع الخارج، أحدهما متشدد يغلب المبادئ على أي شيء آخر، والآخر ليّن براغماتي؟

- كلا .. كلا .. بالعكس نحن إنتاج للغرب إلى حد ما، فضلا عن إنتاجنا من ثقافتنا الأصلية .. الأمر ليس كذلك؛ ولذلك كان هو (الرئيس البشير) في كثير من مواقفه أشد حماسًا منّا، فهو يأخذ معنى "الغرب ضد الإسلام" .. فطرد السفراء، بريطانيا مثلا، كان بمبادرات منه، وحتى مواقفه من شمال وادي النيل كانت أشد من مواقفي شخصيًّا، ولكن الآن وقد طلب الولاية لنفسه فقد استدعى الأمر منه أن يستنصر بأي قوة، فالتمس ذلك عند القوة التي تكره التيارات الإسلامية؛ ولذلك انفتحت عليه بالفعل وأقبلت عليه، ولكن لم نختلف أصلاً .. لا أقول لك ذلك الآن، ولكن هو كان أشد في مواقفه ضد الغرب من مواقفنا نحن؛ لأن المسلم الأقل تجربة وعلماً يأخذ الأمور ضد ذلك الغربي الكائد للإسلام مصادمة مطلقة، ولا ينزلها بقدرها، وأن تخرج بصورتها، فلا تطيع الغرب أصلا، ولا تستسلم له، ولكن لا بد أن نعلم أن الحياة كلها تفاعل مع الآخر حواراً دون ضعف إن شاء الله.



* أنتم نفيتم أن يكون موضوع العلاقات الخارجية هو سبب الخلاف .. إذن ما جذر الخلاف بينكما؟

- جذر الخلاف هو الحرية .. نحن نريد الحرية لنا داخل المؤتمر الوطني ولغيرنا من المسلمين الذين لا يريدون حكمًا إسلاميًّا، ولغير المسلمين. وثانيا: نريد شورى، لا على الصعيد المركزي: الرئيس ينتخب، والمجلس الوطني ينتخب، في الوزارات تنطلق، وكذلك ينتخب مسؤولو الولايات شعبيًّا، ويحاسبون كذلك شعبيًّا وتمثيليًّا، كذلك الأمر بالنسبة للحكم المحلي .. والعساكر يريدون فقط الأوامر من أعلى. والخلاف الثالث أننا نرى أن الدستور الذي أقسمنا عليه القسم وحالفنا عليه الشعب في استفتاء ملزم، هو نكث عنه تماما، ونرى أن النظام الأساسي الذي يقوم عليه المؤتمر الوطني وجمعنا عليه كل أهل السودان نصارى ومسلمين وشماليين وجنوبيين وعربًا وعجمًا ونساء ورجالا، حتى أصبح القوة الكبرى في السودان، هو قد قام بنقض هذا النظام تمامًا؛ لأنه يرى أنه يمكن أن لا يلتزم بالنظم، وبعض العلماء التقليديين، وهم ليسوا بذوي وزن، أصبحوا يحدّثونه بأنهم لا يعلمون أن الوالي ينتخب مرة بعد مرة، وإنما ينتخب أبد الدهر، ونعلم أن الشورى لا تلزمه، وأنها مُعلمة وليست ملزمة. الخلافات كانت حول هذه المعاني وليست على السياسة الخارجية.

السياسة الخارجية بدأت تتجه الآن إلى استرضاء الغرب؛ ولذلك صارت ترفع روح العمل الإسلامي، مثلاً المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي، الذي ألغي، وتم طرد الكثير من الإسلاميين، الذين كانوا يلجئون إلى السودان من طلبة وغير ذلك، والاقتصاد كذلك كنا نعمل على استئصال الربا تمامًا، وتغيير نظام التأمين ونظام الشركات بتأصيلات إسلامية، ولكن الآن لمرضاة صندوق النقد الدولي كلها أصبحت على رؤوسنا من العسير أن تخرج منها، فثمة خلافات أصبحت حول الاقتصاديات والخارجيات، وبدأت قضية فصل الدين عن الدولة تُطرح بحياء؛ لأن الأصول التي اختلفنا عليها هي في بنية الدولة الإسلامية: حرية وشورى ووفاء بالعقد الذي تقوم عليه الدولة وهو الدستور.

نقلا عن قدس برس

Post: #72
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 03-02-2008, 07:56 AM
Parent: #71

سجل الإخوان المسلمين الأسوّد والإجرامي مع أقباط مصر من 1952 للآن
عدلى ابادير

24/11/2007

بدأت جماعة الإخوان الغربان "الإخوان" المسلمين الدموية في مصر سنة 1928 مازال قسمهم وشعارهم المصحف والمسدس وعقيدتهم "سندخل الجنة على جماجم الأقباط".
وتاريخ الإخوان دموي منذ نشأتهم من قتل وسلب ونهب وتدمير وخراب لمصر، وأيضاً الخراب للعالم لأن جميع الحركات الإسلامية الراديكالية منبثقة من حركة الإخوان الدموية وتاريخهم الأسوّد حتى بن لادن والزرقاوي والغنوشي ودكاكين الفتاوى وبكابورتات الفتاوى كلهم خريجي مدرسة الإخوان الدموية.
فتاريخهم الدموي والأسوّد على مصر وأقباط مصر سنسرد بعضه على سبيل المثال وليس الحصر:
1- قتل المستشار أحمد الخازندار رئيس محكمة استئناف القاهرة في 22 مارس 1948.
2- قتل النقراشي باشا في الساعة التاسعة وعشر دقائق من صباح يوم الثلاثاء 28 ديسمبر 1948.
3- في 7 يناير سنة 1952بالسويس هاجموا كاهن الكنيسة وسحلوه في شوارع السويس كلها، وحرقوا عدد كبير من الأقباط بعد أن علقوا أجسادهم على خطاطيف بعد التمثيل بجثثهم وإلقائهم في الكنيسة وإشعال النار في الكنيسة بعد ذلك.
4- حْرق القاهرة في 26 يناير سنة 1952.
5- محاولة اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر بالمنشية سنة 1954.
6- حرق كنيسة مارمينا جهة سنور بالبحيرة في 9 سبتمبر سنة 1972.
7- حرق كنيسة الخانكة في 6 نوفمبر سنة 1972.
8- الهجوم على كنيسة السيدة العذراء بسوهاج في نوفمبر 1972.
9- الهجوم على كنيسة قرية العوايسة بسمالوط محافظة المنيا في يوليو سنة 1976.
10- الهجوم على كنيسة جيرزة في الجيزة بتاريخ 7/11/ 2003 مساء يوم الجمعة.
المهاجمون من كانوا أكثر من 5000 تسلّحوا بأنواع الأسلحة البيضاء كثيرة, يلتصقون, والجالونات القابلة للاشتعال ممتلئة بالكيروسين والبنزين. البكاء بأصواتهم المذعورة سيهاجم الأبرياء المسيحيّين. كان المقاتلون بعضهم البعض الرّغبة لبدء هجومهم ضدّ الأحداث المفاجئة ضدّ الناس البسيطين المسيحيّين.
11- إغلاق كنيسة العذراء بقرية منقطين بسمالوط والهجوم عليها في أكتوبر سنة 1977 وحرقها وهدمها وتدميرها بالكامل.
12- الهجوم على كنيسة كفر دميان بالشرقية في شهر فبراير سنة 1997وحرقوا 42 منزل للأقباط واستشهد 2 علاوة على حرق الكنيسة كاملا ونهب ممتلكات الأقباط بكفر دميان.
13-الهجوم على كنيسة قصر الريحان في شهر مارس 1997 وحرقها.
14-إلقاء قنبلة على كنيسة مارجرجس سبورتنج في قداس يوم 17 يناير سنة1980.
15- هجوم على الأقباط وكنائسهم في الزاوية الحمراء وقتل 81 قبطياً وحرق بيوت ومحلات وصيدليات الأقباط في الزاوية الحمراء والوايلي ومدينة نصر وتم حرق كنيسة القديسة دميانة بالوايلي الكبير وكنيسة مارجرجس بالزاوية الحمراء .
16- الهجوم وسرقة محلات الذهب للأقباط للصرف على عملياتهم الإرهابية ففي السادس عشر من يونيو عام 1981 توجه أربعة ملثمين يقودهم علي الشريف، عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية، إلى نجع حمادي بقنا حيث قاموا بقتل ستة من كبار تُجّار الذهب الأقباط وسرقة محتويات محلاتهم.
17- في 26/6/1981 هاجمت عصابة الجهاد الإخواني الإجرامية نبيه مسعود أسكاوروس بالمنيا، وحاولوا الاستيلاء على الذهب من محله فقتلوا فوزي أسكاوروس وقتلوا فوزي جرجس وقتلوا ظريف بشير شنوده.
18- في يوم 31/ 7/1981 في شهر رمضان هاجموا محل مجوهرات روما لصاحبته مرفت شكري راغب أطلقوا عيارات نارية من المدافع الرشاشة وأُصيب عبود فرج عبد المسيح هو وزوجته ولقوا حتفهم.
19- الجماعات الإسلامية: أعدمت 40 قبطياً مسيحياً رفضوا دفع الجزية.
للجماعة الإسلامية "التنظيم العسكري للإخوان المسلمين" لتمويل عملياتها الإرهابية والإجرامية في مصر والعالم بفرض إتاوات على المسيحيين تحت شعار "الدفع أو القتل" بلغ عائد تلك الإتاوات ما يزيد على 5 مليون جنيه وقامت الجماعة الإسلامية بإعدام 40 قبطياً رفضوا دفعها بينهم ثلاثة تم إعدامهم في منزل عمدة قرية جريس بمركز أبو قرقاص محافظة المنيا وفي خلال عامين فقط قامت الجماعة الإسلامية بقتل ما يقرب من 40 مواطناً قبطياً رفضوا أو لم يستطيعوا دفع الإتاوات كما قامت بقتل آخرين حاولوا إبلاغ الشرطة كما طلب منهم.
في الوقت الذي هاجر فيه بعض الأقباط وتركوا أرضهم ومنازلهم وأموالهم خوفاً من بطش الإسلاميين بعد تأخرهم في دفع الإتاوة المفروضة عليهم ومحاولتهم إبلاغ الأجهزة الأمنية ونشرت جريدة الأهالي الصادرة بتاريخ 19/3/1997 أسماء الضحايا الدين رفضوا دفع الجزية من الأقباط فقُتلوا
1- سامي كامل نجيب المحرص = ملوي 1994
2- أسامة كامل نجيب المحرص = ملوي 11/1994
3- نادي نجيب شنوده المحرص = ملوي 11/1994
4- ميخائيل فرج حنس المحرص = ملوي 11/1994
5- فهمي فراج إبراهيم نواي = ملوي 12/1994
6- عزمي مختار عزيز الإدارة = ملوي 12/1994
7- صادق إبراهيم خليل عزبة بولس/تندة-ملوي 12/1994
8- يوسف بسالي بطرس اسمنت / أبو قرقاص 1/1995
9- إسحق حنين منشأة نصر / أبو قرقاص 1 /1995
10- رفعت كمال كامل نواي = ملوي 1/1995
11- نبيل سروال قسطنطين ملوي 2/1995
12- حنا فارس ميخائيل حرز / أبو قرقاص 3/1995
13- صفوت ثابت كيوان منشأة المغالقة / ملوي 1995
14- كمال نجيب بولس اتقا / ملوي 4/1995
15- رضا خليل أمين منشأة المغالقة / ملوي 4/1995
16- سمير يونان زخاري سمالوط 4/1995
17- إيليا نجيب متري ملوي 5/1995
18- صفوت زاخر صالح "طبيب" هور / ملوي 5/1995
19- زغلول ظريف جون نزلة جريس/أبو قرقاص 5/1995
20- خيري جرجس الشهير تندة / ملوي 6/1995
21- خيري الضبع" صيدلي 6/1995
21- ظريف محفوظ سمالوط 6/1995
22- عماد رؤوف فؤاد "صايغ" ملوي 9/1995
23- شريف شوقي نجيب "صائغ" ملوي 9/1995
24- سامي شحاتة كامل نزلة البدرمان / ملوي 9/1995
25- ظريف أنور متى ملوي 9/1995
26- عماد دانيال واصف قلندول / ملوي 9/1995
27- عوض شاربين طناس نزلة جريس/أبو قرقاص 2/1996
28- هابيل لبيب عبد السيد جورجي / أبو قرقاص 2/1996
29- محسن وديع جرجس اتليدوم / أبو قرقاص 7/1996
30- إيهاب أمين غبريال اتليدم / أبو قرقاص 7/1996
31- وليم فائق جرجس نزلة جريس / أبو قرقاص 8/1996
32- أسامة فاضل أسعد نزلة جريس / أبو قرقاص 8/1996
33- طايع سام أسعد نزلة جريس / أبو قرقاص 8/1996
34- سمير منير نصيف منتوت / أبو قرقاص 9/1996
35- زاخر يوسف زاخر بني عبيد / أبو قرقاص 10/1996
36- سعيد زاخر يوسف بني عبيد / ابو قرقاص 10/1996
37- د. ميشيل عياد حنس (طبيب) قلوبا / ملوي 10/1996
20- هجوم وحرق كنيسة العذراء بقرية إبراهيم باشا بسما لوط وسرقة ما بداخلها في شهر فبراير سنة1991.
21- الهجوم على كنيسة مارمينا بالإسكندرية والقبض على الكهنة وبعض من الخُدّام سنة 1991.
22 - في أبريل 1996 احترقت كنيسة السيدة العذراء ومار جرجس بالعياط.. مجلة صباح الخير 24/4/1996 م 2.
23- في مايو 1996 حرقوا كنيسة الشهيد أبو سيفين بالفيوم .. جريدة الأهالي 15/5/1996 م.
24- في مايو 1996 حرقوا دير القديس مارجرجس بقنا.. جريدة الوفد 26/5/1996 م.
25- في مايو 1996 هاجم مسلحون الأنبا صموئيل أسقف القليوبية أثناء سيره بسيارته بطريق الكورنيش بالإسكندرية.. جريدة الأهالي 22/5/1996.
26- الهجوم على كنيسة إنجيلية في 19 ديسمبر سنة 1996وتحطيمها.
27- الهجوم على كنيسة الأقباط بعزبة واصف في شهر فبراير 2006 وحرقها مُرددين لا اله إلا الله عيسى عدو الله، وحرق 25 بيتاً، وخمسة من الأقباط في حالة خطرة.
28- فجر يوم الاثنين التالي ليوم عيد الأضحى والموافق 29 أبريل 1996 حرق كنيسة العذراء بالعياط.
29- في 2 أيلول / سبتمبر 1978م قتل الجماعات الإسلامية القس غبريال عبد المتجلي كاهن كنيسة التوفيقية (سمالوط – المنيا) وقُتل معه امرأة وطفل قبطي عمره 11 سنة.
28- في أبوتيج يوم 2/11/1978م قتل القس رويس زاخر وله من العمر 32 سنة كاهن كنيسة يوحنا المعمدان بدويقة بأبو تيج.
30- ذبح القمص مكسيموس جرجس في أحداث الزاوية الحمراء 17/ 6/ 1981 م في تصريح من السيد اللواء أبو باشا وزير الداخلية السبق في حوار له ( فتح ملفات الكبار) بجريدة الأهرام الدولي أن: عدد القتلى في حادثة الزاوية الحمراء من الأقباط بلغ أكثر من 81 قتيلاً يمكن توضيحهم منهم الشهيد القمص مكسيموس جرجس،، حيث وضعوا السكاكين في رقبته, وطلبوا منه أن ينطق الشهادتين, فرفض فذبحوه ونال إكليل الشهادة (الأسلمة والإسلام بالعافية والقتل).
31- هجوم العصابات الإسلامية الإجرامية الدموية على عربة ملاكي في يوم 12 / 1990 م والعربة يملكها الدكتور / جمال رشدي وكان يستقلها معه العربة القس شنوده حنا ومعه زوجته وطفل وثلاثة من الشمامسة أثناء عودتهم من النوبارية إلى الإسكندرية حيث أطلقوا على العربة نيران الأسلحة الأوتوماتيكية بطريقة كثيفة وقتلوهم جميعاً.
32- حادثة قتل رهبان على باب الدير المحرق 12 / 3 / 1994 م.
33- في يوم 3 سبتمبر 1999 أستشهد الراهب أغناطيوس المحرقي أثناء تجوّله في زراعات الدير حيث أطلق علية الجناة الرصاص من مزارع الذرة.
34- في يوم 28 سبتمبر 1999 تعرض الأب الكاهن بسادة إسكاروس في أسيوط لاعتداء غاشم إذ أُطلق عليه الرصاص أثناء عودته من الكنيسة متوجهاً إلى منزله.
35- استشهاد أبونا / إبراهيم ميخائيل كاهن كنيسة مار مينا بطحا الأعمدة – مركز سمالوط يوم 1 مايو 2004 م كما استشهد أيضاً شماسان في نفس الحادث هما الشماس/ محروس ميلاد شيحة والشماس/ ناصر فهيم بسخيرون.
36- في الساعة الواحدة ظهراً يوم الأحد الموافق 20 /11 /2005 تم الاعتداء على كنيسة مارجرجس بحي غيط العنب بالإسكندرية بواسطة الإخوان المسلمون وبمساعدة بعض البلطجية والمسجلين خطر، وتم رشق الكنيسة بالحجارة والطوب مما أدى إلى وجود بعض الخسائر في جدار الكنيسة وتم تحطيم سيارة أحد الخُدّام والتي كانت تقف أمام الباب وكشك الأمن الموجود أمام الكنيسة.
37- بتاريخ 3/3 /2006 م ورد أخبار بأنه قامت مجموعة من المسلمين بحرق كنيسة مار مينا ببني مزار في المنطقة الغربية وذلك بعد أشاعوا بأن الأقباط يبنون كنيسة للصلاة فيها.
38- بتاريخ 16/4/2006 بعد هجوم السفاحين المسلمين على أربع كنائس بالإسكندرية بيوم واحد تمت محاولة اقتحام كنيسة السيدة العذراء في العصافرة وبعد فشل المحاولة تم حرق مكتب الكهنة وغرفة القربان.
وهناك حالات قتل للأقباط وهجوم على الكنائس لم نذكرها مثل الهجوم على كنيسة العصافرة بالإسكندرية وقتل المقدس نصحي عطا الله، ونحن متأكدين أن السجل الإرهابي للإخوان المسلمين مازال به الكثير والكثير.
ونهدي هذا السجل للدكتور كمال أبو المجد الذي يؤيدهم برغم إجرامهم،، وللدكتور سعد الدين إبراهيم الذي أقنع الإدارة الأمريكية بفتح قنوات اتصال معهم بإعطائهم فرصة الحُكم كما في فلسطين "حماس" ومصر بالفوز بـ88 مقعد بمجلس الشعب "وللأقباط والمجتمع الدولي ليعرف مَن هم الإخوان الغربان المسلمين "إخوان الخراب والإرهاب والقتل والدمار ومنبع الإرهاب العالمي لأن جميع الحركات الإسلامية الراديكالية في العالم أجمع هم خارجين من عباءتهم" ويُقدّر عددها 86 وتعمل بأسماء مختلفة".
من كلمات اللواء فؤاد علام أن الإخوان هذا التيار قتل رئيس الجمهورية وضحايا يبلغون 46 ألف منذ 1948 حتى الآن في مصر غير ال86 فرع له على مستوى العالم اجمع والذي تم إنشاءه خلال تعاونهم مع السعودية الوهابية التي موّلتهم وأصبح لهم التنظيم العالمي للإخوان بالتعاون مع الوهابيين لنشر الفكر المدمر والقاتل والمخرب للعالم وبتعاونهم نفذوا غزوة مانهاتن 11/9/2001 وقتل 3000 نفس.
هذا سِجلهم الأسود علاوة على قتلهم فرج فودة ورفعت المحجوب وأحمد ماهر أنور السادات الذي مكّنهم من مفاصل الدولة ومحاولة قتلهم نجيب محفوظ.
وشعار الإخوان الآن سنقرع أبواب الجنة على جماجم الأقباط كل هذا طمعاً في دخول الجنة للتمتع بالـ72 حورية و20 من الغلمان المخلّدون وهذه هلوسة المجانين المتعصبين.

عدلي أبادير يوسف

Post: #73
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 03-02-2008, 08:53 AM
Parent: #71

عن الحوار المتمدن


مستقبل الدولة الدينية- هل فى الإسلام دولة ونظام حكم ؟


سيد القمنى
[email protected]
2008 / 3 / 2


تأسيس جدلي : _

يبدو أن الإجابة على السؤال عنوان هذه الورقة ، أمر محسوم بالإيجاب من قبل كل المشتغلين بالشأن الديني الإسلامي ، و يلخص الدكتور يوسف القرضاوي ـ الملقب بالفقيه المعتدل ـ الموقف بقوله : " إن إقامة الدولة المسلمة التي تحكم بشريعة الله و تجمع المسلمين على الإسلام و توحدهم تحت رايته ، فريضة على الأمة الإسلامية يجب أن نسعى إليها . . و على الدعاة إلى الإسلام أن يعملوا بكل ما يستطيعون للوصول إليها ، و ان يهيئوا الرأي العام المحلي و العالمي لتقبل فكرتهم و قيام دولتهم / الصحوة الإسلامية بين التطرف و الجحود ص 222 ، 223 " .
و عليه فإذا كانت إقامة الدولة المسلمة فريضة لتحكم بشرع الله ، فلا شك أن هذا الشرع قد وضع لهذه الدولة الأصول و الضوابط الكاملة التامة الجامعة المانعة نظراً لمصدرها الإلهي ، و أنه قد وضع لها نظام الحكم وطرق تبادل السلطة ، مع شرح و بيان و تفصيل لدستور الدولة و مؤسساتها و عوامل نهضتها و قوتها . و لكن إذا لم نجد أي إشارات من أي نوع أو لون لهذه الدولة المطلوبة في إسلامنا ، و هو ما نزعمه و نضع له البينات تلو الأخرى عبر سلسلة موضوعات تناولت فكرة الدولة الإسلامية ، و هو ما سنضيف إليه جديداً هنا يؤكد أن الله لم يبين للمسلمين ولم يطالبهم بإقامة دولة إسلامية . و مع ذلك يجعلها مشايخ الصحوة الإسلامية فريضة إلهية ، بما يعني أنها تكليف ديني للعباد من رب العباد لإقامة دولته الإلهية على الأرض ، و هو ما سيدفع السؤال للبروز : كيف يكلفنا الله بما لم يبينه لنا ؟ فإذا لم يبين الله لنا ضرورة إقامة دولته و شكلها ملكي أم جمهوري أم أي آخر ، فإن دعوة الشيخ قرضاوي و زملائه من إخوان مسلمين و أزاهرة و دعاة و فقهاء ، تكون افتئاتاً على دين المسلمين و كذباً عليهم و افتراء على قرآنهم و سنتهم ، من أجل الاستيلاء على مقاليد الحكم في البلاد مع استخدام الدين انتهازياً و نفعياً ، و هو لون من التبخيس و الازدراء للدين ، حتى يظهر غير قادر أن يدفع عن نفسه إستخدام كل من يريد ، من أجل ما يريد من مصالح و منافع دنيوية بحت .
و الغريب أن السادة العاملين بحقل الدعوة الإسلامية يجمعون بين ما لا يأتلف و لا يجتمع ، فالدولة لا تقوم إلا فى وطن ، أرض ذات حدود ثابتة واضحة ومجتمع يعيش على هذه الأرض بالتحديد ، اللغز يلتبس عندهم عندما تجدهم يريدون دولة و رغم ذلك يعتبرون فكرة الوطن فكرة أوروبية استعمارية مستوردة ، و يسخر الشيخ قرضاوي هو نفسه منها و يسميها رابطة التراب و الطين التي لا تعلو على رابطة الدين العظيم ، بل و يزعم " أن الإنسان يضحي بنفسه من أجل دينه ، و يضحي بوطنه من أجل دينه ، فالدين مقدم على الإنسان / حلقة الظاهريون الجدد . الجزيرة " . و حل اللغز يكمن في فكرة التمكين ، و هو الفكرة القائلة بأنه يوم يتم تمكين المسلمين من إقامة دولة إسلامية في آي مكان ، فسوف يكون تمكيناً كتمكين المهاجرين من سيادة يثرب ، و منها تنطلق عزمات المسلمين لاحتلال الأرض كلها كي تدين بالإسلام ، لذلك لا حدود وطنية للدولة المسلمة ، فأرضها هي العالم كله ، عالم بلا حدود ، ومن هنا ساغ للشيخ أن يقول " ليس بمجتمع مسلم ذلك الذى تتقدم فية العصبية الوطنية على الأخوة الإسلامية حتى يقول
المسلم وطنى قبل دينى .... وأن دار الإسلام ليس لها رقعة محددة / كتابة ملامح المجتمع المسلم الذى ننشدة/ مكتبة وهبة / 2001 ص 86 ، 24 ، 57 ، 80 ." لذلك كان الشيخ شديد الصراحة فيما يتعلق بمفهوم المواطنة إذ يقول " فى واقع مصر والعالم العربى .. شجع المستعمرون النعرة الوطنية هادفين إلى أن يحل الوطن محل الدين وأن يكون الولاء للوطن لا للة وأن يقسم الناس بالوطن لاباللة ، ان يموتوا فى سبيل الوطن لافى سبيل اللة / كتابة الإخوان المسلمون/ مكتبة وهبة / 1999/ ص 19 ، 20 .
يعود السؤال يطرح نفسه : كيف يكلفنا الله بإقامة دولة دون أن يشير إلى ذلك لا في القرآن و لا في الحديث النبوي ؟ أن الصحوة الإسلامية بدعوتها لإقامة دولة تعني حرباً عالمية على الجميع ، لأنه إذا ما صدقنا أن الإسلام دين و دولة ، و أن الإسلام دين عالمي ، فستكون النتيجة أن العالم كله هو دولة الإسلام . و هو مأزق شديد الصعوبة يضع جميع المسلمين في حالة خروج و عصيان جماعي على الشريعة الدولية ، و يزيد من ضعف شأنهم و تخلفهم نتيجة عدائهم و خصامهم و كراهيتهم للنظام الغربي بمنجزه العلمي و الحضاري كله .
هنا نسأل سؤالاً عملياً هو : كيف لنا أن نوجه خطاباًً ليبرالياً يحترم الإسلام و يقف على أرضه و ينافح عنه ، يقوم بمصالحته مع الحداثة بإعادة قراءته قراءة علمية محايدة مدققة . و كيف نكتسب القارئ المسلم العادي ( فما فوق ) للاستماع لما نطرحه عليه و الاستمرر في هذا الاستماع ، بل و ربما السعي وراءه .
إن فكرة المؤامرة التي تسيطر على العقل العربي و المسلم تجعل الفرد غير قادر على تجاوز حاله الراهن ، لأنها لا تجعله يرى ما بيد الآخرين من وسائل التقدم و الرقي ، لأنهم أعداء ( و عادة ما تكرس هنا و تعاد حكاية الاستعمار الحديث و أمريكا و إسرائيل ) ، و للاعتقاد بأن ما بيدنا في إسلامنا فيه كفاية و غنى عن رؤية أى مختلف أو جديد ، لأن مصدره الإلهي يضمن كماله التام .
تحت هذه المظلة كيف يمكن أن نوجه خطاباً عقلانياً للمسلم ، و نموذجنا في هذه الورقة هو ( فريضة إقامة دولة إسلامية ) ؟ كيف يمكن دحض هذه الفكرة ؟
هنا علينا تذكير المسلم أن قريشا قد عرضت على النبي محمد ( ص ) في بداية دعوته أن يكون ملكاً عليها ، فرفض صيغة الملك كوسيلة للسلطة ، و أصر على أنه نبي رسول و عبد من عباد الله مكلف بإبلاغ أمر الدين ليس أكثر ، جاء يبلغ الناس دين الله حسبما أمره ربه ، بل و رأى في الملك صورة سلبية من صور السلطة فقالت الآيات القرآنية إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها و جعلوا أعزة أهلها أذلة .
الملحوظة الأهم هي أنه لو كان محمد ( ص ) يرى في نفسه ملكاً مقيماً لدولة لاستخلف بعده من يقوم بالرئاسة لهذه الدولة ، و هو ما لم يفعل ، لقد بلغ المطلوب منه تبليغه ، رسالة الدين ، وعدا ذلك لم يشغله لأنه ليس من الدين في شئ .
الملحوظات الأكثر أهمية أن خلفاء النبي المباشرين في القيادة و الزعامة و المعروفين في تاريخنا بإسم الخلفاء الراشدين ، حكموا بضميرهم الشخصي و باعتبارهم كانوا صحابة النبي الأقربين ، مع علمهم أنهم لا يحكمون في دولة و وطن له حدود واضحة وأرض ذات صفات بيئية بعينها . كانوا يعلمون أنهم زعماء قبيلة يحكمون باسم السلطة و القوة و الإنتصار العسكري ، و أنهم قد ورثوا تلك الزعامة القبلية علي بقية القبائل عن النبي المؤسس . كانت شكلاً بدائياً لدولة تولد و لم تكتمل ملامحها ، و لا شكلها ، و لا نظامها ، و لا دستورها ، و لا مؤسساتها ، و لا قانونها و سبل تفعيله ، و لا فلسفتها الأخلاقية و السياسية و لا أجهزتها الرقابية و المحاسبية. و لم تكتمل تلك الدولة من يومها و حتى اليوم ، لأنها ولدت في مجتمع مشرذم قبلي بدوي لا يجمعه وطن لأنه متحرك أبداً ، و في مجتمع كهذا تكون الدولة بما تعنيه لنا اليوم شيئاً غير مفهوم لهم بالمرة. كانت المسألة هي حسبما ورد في معجم العربية ( السيادة و التمكين و الرئاسة و الأمر و السلطة ) ، و هي كلها مصطلحات عرفها العرب و لكن بعيداً عن مفهوم نظام الحكم في دولة .
لذلك تولى كل من الخلفاء الراشدين الحكم بطريقة تختلف عن الآخر ، و أدار كل منهما شئون الرعية بطريقة تختلف بالكلية عن الآخر ، فالحقوق في عهد الخليفة أبي بكر غيرها في عهد عمر غيرها عثمان غيرها عند علي ( رضي الله عنهم ) ، فيينما ساوى أبو بكر في العطاء و مات مسموماً في روايات فقد فرق عمر هذا العطاء تناسباً مع منازل الناس و مكانتهم و مات مقتولاً ، و بينما امتنع كلاهما عن الاستفادة الشخصية البازخة من بيت المال فإن عثمان سمح لنفسه بذلك و مات ذبيحاً بيد الصحابة ، و قد تولى أبو بكر الحكم استناداً لتكليفه بإمامة الصلاة في مرض النبي الأخير ، و تولى عمر بطريقة جديدة فقد استخلفه أبو بكر ، و تولى عثمان بطريقة ثالثة عبر ترشيحه ضمن ستة اختارهم عمر عند موته ليختاروا واحداً من بينهم ، و بينما بايع بعض المسلمين الإمام علي امتنع آخرون عن بيعته و حاربوه حتى سقطت خلافته بمقتله.
و كلنا يعلم أن الإسلام عندما كان يهتم بشأن لا يتركه إلا مفصلاً واضحاً أبيضاً بشديد الدقة و التدقيق ، فالصلاة ، و عددها في اليوم ، و مواعيدها ، و عدد ركعتها ، و سجداتها ، و ماذا يقال فيها ، و قبل و بعد ، و التهيؤ للصلاة بالنظافة من الوضوء و إسباغه و طرقه و غسيل اليدين للمرفقين و الرجلين للكعبين ، و قبل الوضوء الاستنجاء أى دخول الغائط و التنظيف بأحجار لها مواصفات و عددها ثلاثة ، كل هذه التفاصيل في شأن تعبدي واحد فما لنا لا نجد عن الحكم و الدولة شيئاً يذكر البتة ؟ ! لماذا لم يشرح الله لعرب الجزيرة شأن الدولة بدقة ، و هو عالم أنهم جهلاء و أن نبيهم أمي ؟ لماذا لم يبين سبل تبادل السلطة ؟ و لماذا لم يرسل لهم دستورها و كيف تتشكل الحكومة ، و أجهزتها الرقابية و القضائية ، و درجات المحاكم ، و شكل اقتصادها حر أم موجه أم مزيج ؟ إن السماء لا تعبث فهي عندما تكلفنا بشأن فهي تبين كل جوانبه كما في التكليف بالصلاة ، و مع ذلك يقول مشايخنا أن إقامة الدولة الإسلامية فريضة تكليفية بينما لا نجد في القرآن أو السنة أى فلسفة للدولة ، و نظم الحكم ، و المراقبة ، والمحاسبة الحكومية ، و الشعبية ، و دستورها ، و قيم هذا الدستور . . . إلخ .
و قول دعاة الدولة الإسلامية ، أن دولة النبي كانت دولة بالمعنى الكامل الذي نفهمه منها اليوم ، و كان دستورها هو القرآن الكريم ، هو قول يفتقر إلى الدقة ، بل إلى الصواب بالمطلق ، لأن للدستور شأن يختلف عن القرآن ، فمعظم نصوص الوحي ظنية الدلالة كما قرر الأصوليون و جمهور الفقهاء ، و هي الأشكالية التى حاول الجويني ثم الشاطبي حلها بالركون إلى المقاصد الكلية للشريعة بدلاً من الوقوف عند حرفية النص القرآني . و يقول الشيخ جلال الدين السيوطي : " و قال بعض العلماء أن لكل آية ستون ألف فهم " ، فإذا كان النبي فى زمنه موجوداً و يستطيع أن يحيل إلى الفهم الصحيح من بين الستين ألف فهم ، فمن يستطيع اليوم أن يحل محله عندما نجعل القرآن دستور دولتنا ؟
هذا ناهيك عن كون نصف آيات القرآن الكريم منسوخة و نصفها ناسخ ، و فيها المحكم و المتشابه ، و هو كله أمر احتاج بالضرورة إلى وجود النبي بين الصحابة لعلاقته بالسماء التى كانت تتدخل لحل المشاكل المستجدة ، أما شأن الدستور المدني و الأهم هو قابليته للتطبيق دون اختلاف ، لأن كلماته يجب أن تكون صارمة دقيقة واضحة لا تحتمل أكثر من دلالة و فهم واحد ، و إذا تم إلغاء بند من بنوده يزال من الدستور و لا يبقى فيه منسوخاً .
و تقفو الملحوظات المندهشة بعضها بعضا ، فقبل الإسلام بقرون طويلة كان إفلاطون قد انتهى من كتابة ( الجمهورية ) ، وانتهى أرسطو من وضع فلسفة السياسة و أحولها ، و قبل الإسلام بقرون طويلة طبقت أثينا نظام الدولة الديموقراطية المباشر ، و طبقت روما ديموقراطية تقوم على حقوق المواطنين عبر مجلس الساناتو ، و مواد الدستور و سيادة القانون ، و لا شك أن المسلم يؤمن أن الله كان يعلم كل هذا ، لكنه لم يحدثنا فيه و لا أشار إليه و لا أتخذ منه موقفاً ، مع ملاحظة أن الإسلام قارن بين الإسلام و الأديان الأخرى ، و اتخذ منها موقفاً سلبياً أو إيجابياً ، لكنه لم يقل أن لديه دولة و إلا لقارنها بالدول الأخرى مبيناً فضل دولته و تميزها عن غيرها ، كما قارن بكثير من التفاصيل الواضحات القاطعات بين الأديان لبيان فضل الإسلام على غيره من أديان . و لو أراد لنا أن نقيم دولة إسلامية ، و ألا نستفيد من تجارب الشعوب الأخرى السياسية ، لكان عليه أن يحذرنا من افلاطون ، و أن يندد بدستور روما ، و يهجو سياسة ارسطو . و لكن كل ذلك لم يكن وارداً لأن الإسلام كان ديناً فقط . و نلحظ بشدة أن القرآن قد تحدث عن ذي القرنين الثابت لدينا أن المقصود به هو القائد اليوناني إٍسكندر بن فيليب المقدوني ( انظر كتابنا الأسطورة و التراث ) ، و معلوم أن الأخير كان تلميذ الفيلسوف أرسطو ، و لم يتم التنديد بأرسطو و فلسفته و لا بربيبه ذي القرنين الذي تسنم ذروة عالية في الإسلام ، حتى كاد يكون مثل موسى ( ص ) كليماً لله .


الحاكمية كمؤسس شرعي لدولة دينية : _

و لدعم موقفهم يرفع أنصار إقامة الدولة الإسلامية مطلبهم تأسيساً على آية قرآنية و شعار إعلامي ترويجي ، الآية هي ما يسمونه آية الحاكمية " و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ، و الشعار " الإسلام هو الحل " . فكما أنجز الإسلام قديماً و نصر الأراذل الأذلة الضعفاء القلة في بداية الدعوة ، حتى جعل منهم و من أخلافهم سادة لإمبراطورية كبرى ، فإنه وحده هو الكفيل باستعادة هذة النصرة الإلهية ، عن طريق عملية السحر التشاكلي حيث ينتج الشبيه شبيهه ، فإن أطعنا الإسلام في أدق تفاصيله و عشنا كما عاش النبي و الصحابة في طاعة كاملة للسماء ، فإن ذلك سيكون كفيلاً بانتاج الشبيه لشبيهه ، و سيتدخل الله لنصرة أمته التي أخلصت له الدين ، و تعود الإمبراطورية و الفتوحات من جديد . و عليه فحل كل مشاكلنا ، و كل عمليات الإصلاح الممكنة لا تكون إلا من الإسلام و بالإسلام وهو في النهاية طريق و منهج سحري ميكانيكي يطالب رب السماء بنصيبه من العقد بالتدخل المباشر بنفسه لإنقاذ خير أمة أخرجت للناس ، و دون حلول يقدمها المسلمون لأنفسهم .
إن آية الحاكمية تبدو لنا مؤسسة لدكتاتورية تامة المعاني و المواصفات ، لأن أصحاب الدولة الإسلامية هم مشايخها ، هم العارفون بما أنزل الله و هم من يمكنهم تفسير كلام الله و هم الفاهمون العارفون بشريعة الله ، و هم أيضاً من يعرف كيفية تطبيقها و حدودها و عقوباتها ، باختصار هي دعوة تجعل من أصحابها المشرع و القاضي و الجلاد في آن واحد .
ثم أن معنى الآية من لم يحكم بما أنزل الله كافر ، فهو على الوجه الآخر يعني أن من يحكم بما لم ينزل الله فهو كافر ، و إقامة دولة إسلامية لم تكن فيما أنزل الله ، و ستكون نظاماً يقوم مخالفة تامة للآية ، فآية الحاكمية ليست في صالح الفكر السلفي كأساس يقيمون عليه شرعية دولتهم المرتقبة .
و المفهوم من التكفير في الإسلام ، أنه يكون في حالة عدم التزام المسلم بقاعدة تشريعية مدونة في كتاب الله ، أو الخروج عليها . و الله لم ينزل في كتابه أى نص بقاعدة تشريعية عن دولة الإسلام .
و رغم السيادة القيادية لقريش و إقامتها إمبراطورية عربية إسلامية من بعد ، فإن الصحابة ظلوا يجرون التجارب ، دون وجود مرجعية دينية لقيادة هذا الشاسع الذي فتحوه ، ثم سلموا لهذه البلاد بنظمها الإدارية البيروقراطية التراتبية الهرمية و بدواوينها ، كما كانت تدار من قبل لعشرات القرون ، و استفادوا منها و أقاموا دواوين الإمبراطورية العربية . فإذا لم نجد في نصوص القرآن و السنة ما يفيد بإقامة دولة كهدف من أهداف دين الإسلام ، فهل نجد ذلك في طريقة حكم الصحابة الخلفاء ؟ و تفعيلاً لحديث " لا تجتمع أمتي على ضلالة " ، و هو أحد التعابير العربية التى يكتظ بها قاموسنا و لا معنى لها في واقعنا ، هي أقرب إلى شعر الفخر و التمنيات أكثر مما كانت واقعاً ، فلم يحدث أن أجمع المسلمون على حكم أى صحابي و لو واحد من الصحابة الذين حكموا ، و الصحابة أنفسهم لم يجمعوا على مدة الحكم ، و لا كيفية الوصول إلى الحكم ، و لا نظام الحكم ، و لا مؤسسات المجتمع المدني التي لم تكن معروفة بإطلاق ، و لا فصل سلطات ، و لا مجلس شيوخ أو نواب ، فهذا كله لم يكن معلوماً لديهم .
و إذا كان الله يريد دولة على الأرض ، و اختار الإسلام و المسلمين لهذه المهمة ، فهل عاش كل الناس و الأنبياء السابقين في دولة الشيطان ؟ و هل لم يعبدوا الله بصورة حسنة قبل الإسلام و قبل قيام إمبراطورية الإسلام و بعد سقوط هذه الإمبراطورية ؟
الواضح في الآيات أن الله يقصد " من لم يحكم بما أنزل الله " تحذيراً بأن الله أنزل شأناً و أن هناك من لم يحكموا بهذا الشأن ، و ليس في هذا الشأن دولة و لا نظام حكم ، فالحكم المقصود في الآية هنا هو الحكم بمعنى القضاء و التقاضي بين الناس بموجب قانون شرعي سماوي ، و ليس الحكم بما نفهمه من الرئاسة و القيادة و الزعامة . و لم يعرف اللسان العربي من الحكم ما نفهمه منه اليوم ، لذلك الحكمة هي الحكم وفق القانون و ليست الملكية أو الرئاسة . و إذا كان دعاة الدولة الإسلامية يرون أن هذا الذي أنزل الله هو نظام الدولة ، و أن هناك من رفض العمل بهذا النظام لذلك نزلت الآية تحذر و تتوعد ، فعليهم أن يأتونا بأسباب النزول من تراثنا الثري المكرر الممل لكثرة التكرار و التفصيل عن الواقعة ، و كيف حدثت ، و من الذي حكم بما أنزل الله و من هذا الذي لم يحكم بما أنزل الله ؟ عليهم أن يبينوا لنا من هؤلاء الذين رفضوا دولة الإسلام زمن النبي ، و ماذا كان موقف النبي منهم ، و ما هو البديل الذي كانوا يطرحونه . . .إلخ .
إن التاريخ ناصع واضح ليس فيه دولة إسلامية ، و لم يكن هناك من يقاوم قيامها ، فآية الحاكمية ليس لها بنظام الحكم السياسي أى علاقة ، و قد أكد إله الإسلام وجوب الإبتعاد عن الدولة الدينية بقوله : و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ، لأنه لم ينزل الدولة و من يطلبها حسب هذا الفهم هو من بين هؤلاء الذين وصفتهم الآيات بـ " أؤلئك هم الكافرون " .
و إذا كان النبي قد سبق و عرف و علم ما يعلمه المتأسلمون اليوم عن آية الحاكمية ، فلماذا لم يعرض الرسول نظام دولته الجديدة على الناس كما عرض عليهم دينه الجديد ؟ أم كانت دولة الإسلام موجودة دون علم الرسول ؟ !


الإسلام و طرق الحكم : _


في الحفل الإعلامي الدعوي الدائم ، المقام للصحوة الإسلامية منذ ثمانيات القرن الماضي و حتى اليوم ، تجد الإصرار على تهيئة العقل المسلم لقبول فكرة شديدة البطلان ، مفادها أن الإسلام قد احتوى على كل ما وصلت إليه الحداثة من مبادئ ، و قيم ، و حقوق إنسانية ، و عقد اجتماعي ، و أنظمة سياسية ديموقراطية ، و حرية فردانية مقدسة . . . إلخ .
فإذا كان المسلمون يملكون كل تلك الأدوات الحاكمة بين الشعب و الحاكم في مؤسسات دولة ، بما أدى لإرادة شعبية واعية أصبحت هي الحاكم الحقيقي عبر انتخابات حرة ، فلماذا نحن في قاع الأمم ، بينما شعوب الغرب الكافر قد صنعوا جنتهم في بلادهم في أرضهم . إنها ذات قصة العلم و الإيمان أن نعيش وهمنا الخاص لنؤكد لأنفسنا أن كل قيم التحضر كانت موجودة لدينا لكننا لم نعرفها حتى اكتشفها لنا الغرب الكافر الملعون .
إن معظم هذه المفاهيم عن عقد اجتماعي و حريات و حقوق إنسان ديمقراطية علمانية ، هي بنت زماننا ، و لم يعرفها الإسلام لأنها لم تكن قد وجدت في القاموس الإنساني بعد ، ومن يقول بغير ذلك ، فهو كمن يقول أن الصحابة و الفقهاء عرفوا قيم العدل و التفوق و التحضر و لم يعملوا بها ، و تركوا المسلمين تحت الاستبداد الخليفي و الإمامي ، و هي بهذا المعني جريمة تاريخية لا تغتفر و لا تليق بالصحابة و لا الفقهاء .
لنأخذ واحداً فقط من هذه المفاهيم ( مفهوم العدل ) ، الذي يجمع عليه دعاة الدولة الإسلامية كقاسم قيمي مشترك لجميع التيارات ، فلا أحد سيختلف على العدل كقيمة حقوقية و اجتماعية و اقتصادية و سياسية ، فهي قيمة القيم جميعاً و أسها المشترك . المشكلة تواجهنا عندما نبدأ التعامل مع مفهوم العدل بتغير المكان و الزمان ، و في زمان مختلف عن زماننا ، و في مكان مختلف عن مكاننا ، عاش أعدل حكام زمنه في الحجاز الخليفة عمر بن الخطاب ، حتى صيغت حول عدله الأقاصيص و الأشعار الشهيرة : حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر ، و هو من تحولت بعض أقواله قرآناً نزل به الوحى مؤيداً لما رأى عمر ، حتى روي الترمذي عن النبي ( ص ) : " لو لم أبعث فيكم لبعث فيكم عمر " ، و أجمعت الروايات أنه كان صليباً في دين الله لا تأخذه في الله لومة لائم .
كان من عدل عمر في زمانه أنه كان يوزع الأموال التي انهمرت على يثرب من البلاد المفتوحة ، حتى لا يبقى في بيت المال درهماً يحاسبه الله عليه . . . ماذا فعل به ؟ ، و كان أخشى الناس ـ فيما كان يردد ـ من مكر الله . فكثر المال و نزح الخيرات الضنينة الموجودة في الجزيرة دون إنتاج موازي ، فدخلت أعوام المجاعة المعروفة بالرمادة . لأن الخليفة كان معياره و همه الأساسي هو اتقاء مكر الله ، و أن يضمن لنفسه النجاة يوم البعث و الحساب ، لأنه لم يكن رجل سياسة و اقتصاد ، فوقعت كارثة الرمادة رغم انهمار أموال الفتوحات .
صام الخليفة العادل عن أطايب الطعام و أكل الشعير الملتوت بالزيت حتى أسود جلده ، مشاركاً رعيته مصابهم الجلل ، و من ثم أرسل لعمرو بن العاص يستغيث ، فأرسل إليه بقافلة طعام و سوائم نفق معظمها في الطريق ، فاستشار ابن العاص المقربين منه من المصريين عن اسلم و أسرع السبل لوصول المؤنة إلى يثرب ، فأشاروا عليه بإعادة حفر قناة سيزوستريس التي تربط النيل بالبحر الأحمر ، لكن ذلك كان يعني بوار أرض مصر عدة أعوام ، نتيجة انشغال اليد العاملة في سخرة القناة ، فرد عليه الخليفة عمر : " اعمل فيها و عجل ، أخرب الله مصر في عمار مدينة رسول الله / الطبرى ، وعلى اتفاق بين رواة السير والأخبار / كناب التاريخ / ىبيروت / مجلد 2 ص509 " .
و هكذا كانت منظومة و منطق ذلك الزمان أنه على المهزوم أن يدفع ثمن هزيمته الدائم ، و أن عمراً كان لا يرى المصريين ضمن رعاياه ، لأن رعاياه هم العرب المسلمون وحدهم ، لذلك شاركهم مصابهم ، و طلب لهم الغوث و لو بخراب مصر .
و عمر هو صاحب عهد الذمة المشهور الذي تعامل مع غير المسلمين في البلاد المفتوحة بحسبانهم عبيداً أنجاساً مناكيد ، يجب أن يعلنوا عن أنفسهم بلبس ما يغاير المسلمين حتى يعرفوا فلا يسلم عليهم و لا يتاجرون مع المسلمين ، قال مالك بن أنس : " بلغني أن عمر بن الخطاب كتب إلى البلدان ينهاهم أن يكون النصارى و اليهود في أسواقهم و أن يقاموا من الأسواق كلها " . و من ثم لم ير في هؤلاء رعية له ، بل كنوا مجرد أشياء نافعة كالسوائم ، فهم مجلب ومصدر للفيئ و الجزية مع تحملهم المذلة و الهوان طالما ظلوا غير مسلمين . و هو شأن غير شأننا اليوم ، لأن في بلادنا مواطنين غير مسلمبن لا نستطيع أن نسلبهم حق المواطنة ، أو أن نعاملهم كدرجة ادني في سلم البشرية .
و على مستوى جزيرة العرب حيث رعية الخليفة ، فإن الخليفة إيغالاً منه في خلوص ضميرة ، قام يقسم الفيوء الواردة من البلاد المفتوحة على عرب الجزيرة حسب منازل الناس في الدعوة ، ففرض لمن حضر بدراً خمسة آلاف ، لأنهم كانوا وقود النصر البدري و مفصل تحول محوري من ضعف إلى قوة ، حتى أن النبي ( ص ) قال بشأنهم : إن الله قد غفر لأهل بدر ما تقدم من ذنب و ما تأخر ". و فرض لمن بعد بدر حتى الحديبية أربعة آلاف ، ثم من الحديبية إلى نهاية حروب الردة البكرية ثلاث آلاف ، ثم لأهل القادسية و الشام ألفين ، و حتى اليرموك ألفا . . و أدخل مع أهل بدر من ليس منهم ، مثل الحسن و الحسين وأبا ذر و سلمان ، بل و فرض للعباس عم النبي متألفا الهاشميين ، و كان العباس كافراً حتى فتح مكة ، خمسة و عشرين ألفا ، و أعطى نساء النبي من الفيوء كل منهم عشرة آلاف عدا مماليك النبى من ملكات اليمين مثل ريحانة بنت عمرو بن خنافة . فتحزب نساء النبي و طلبوا المساواة بينهم في العطاء الحرة كالأمة، ففعل ثم زاد عائشة بألفين ردتهم عليه . و هكذا في سبيل خلوص ضمير عمر ، قسم الناس رتب و منازل بين المسليمن فلم يعودوا رعية، وانعدمت المساواة بالمرة ، و هذا كله كان مقبولاً في زمنه لأنه كان يحكم بضميره الشخصي كصاحب و مستشار للنبي عندما كان حياً . و ما عاد ممكناً أن يتم حكمنا اليوم بهذه الطريقة الإسلامية ، لأن المساواة بين المواطنين هي الأس الأول لقيام دولة حديثة ديمقراطية . حتى لو وافقنا على كل ما يفصلها عن زماننا من أختلاف في معنى القيم ، و سلمنا بهذه القيم القديمة فإننا سنكون في هذه الحال بحاجة لعمر أو للنبي ليحكمنا لنسلم له رقابنا و نحن مطمئنون إلى عدله ، و ليس إلى القيمة نفسها ، و ليس بيننا اليوم من يمكنه أن يزعم هذا الزعم و يركب هذا المرتقى الصعب .
لهذا كله و مثله كثير في تراثنا نحن لا نصدق أصحاب الدولة الدينية و لا في شعيرة ، و لا حتى في جناح بعوضة ، لأنهم إنما يريدوننا ميراثاً و رثوه عن سادتنا العرب الفاتحين ، و لا نصدق إشاعتهم عدم شرعية الحكومات الإسلامية القائمة لعدم تطبيقها الشريعة ، حتى يكون أهل الدين هم البديل الشرعي المرضي عنه من السماء . بينما الشريعة لا تطبق ، لأنها أصبحت غير قابلة للتطبيق ، فلم يعد العالم كله اليوم يسمح لأى دولة بالعقوبات البدنية ، و علي السعودية هذه الأيام ضغوط هائلة بهذا الشأن ، تسجل فيها تراجعات يومية ، و لا عاد يسمح بقتل من يختار ديناً مختلفاً ، و لا عاد يقبل بسبي الجواري و ركوبهن في الحروب ، و لا عاد يسمح بنظام الرق الذي كرسنا له فقهاً كاملاً مطولاً يقوم على ثلاث و عشرين آية قرآنية ، فلا وجود اليوم لأمة أطأها و لا أم ولد أعاشرها ، و هي من لزوم ما يلزم الشريعة الإسلامية ، هذا ناهيك عن كون الشريعة الإسلامية كما نعرفها اليوم قد وضعها بشر مثلنا لم يأتهم الوحي ، و هي بهذا المعنى ...وضعية كأى قوانين وضعية لا تأخذ شكل الإلزام المقدس.
من العلمي أن ندقق هنا ونقول أن المسلمين قد عرفوا شكلاً للحكم يقوم على توحد كونفدرالي للقبائل تحت سلطان قبيلة قائدة ، لكن هذا النظام لم يتحول إلى معنى الدولة إلا بعد إستيلاء العرب الفاتحين على دول قائمة ذات حضارات و أنظمة سياسية ممتدة في عمق التاريخ ، و علقوا عليها يافطة الإسلام . أما قبل ذلك و في جزيرة العرب ، فإن شكل نظام الحكم و تداول السلطة كان بدائياً بدائية مكانه وزمانه . كان في زمانه و مكانه مشغولاً بالحفاظ على ما تم تحقيقه من توحيد القبائل تحت سيادة قريش ، و ظل محافظاً على هذا الشكل فلم يكن للدولة الإسلامية من فجرها جيش مؤسس متخصص على سبيل المثال ، إنما كان النبي يدعو القبائل إلى الخروج للحروب ، و لكل منها رايتها المميزة لها ، و عليها أن تأتي أيضاً بأدوات الحرب من خيل أو دروع أو سيوف أو رماح معها ، و يتم تقسيم الغنائم على العسكر المحاربين دون القاعدين ، فهذا مجتمع بدوي بدائي عصابي التشكيل و المنهج ( يقوم على العصبية أساساً ) . و ليس هذا قدحا فيه بل وصفاً لحاله و ظرف زمانه و مكانه ، فهذا أقصى ما كان يمكن الوصول إليه من توحيد لشراذم القبائل البدوية التى تكاد تكون كل منها دولة بمفردها ، و كان مثل هذا التوحيد لقبائل العرب هدفاً أعلى للإسلام ، و عندما تحقق الهدف أعلن الله أنه قد اختتم المشروع الإسلامي بقوله تعالى : " اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتى و رضيت لكم الإسلام دينا " ، و هو ما يعني اكتمال النعمة الإلهية بتوحد العرب تحت راية الدين الإسلامي ، و ليس أبعد من هذا . و بعدها ظل هاجس التفكك القبلي هو القائم و الدائم ، و الذي أطلق عليه الفقهاء ( الفتن و الملاحم ) . كان هذا المجتمع يخشى أي تفكك يؤدي إلى فتن إنفصالية ، فخروج الفرد يعني خروج قبيلته معه ، فيخرج مسيلمة لتخرج معه كل اليمامة ، و يخرج الأسود العنسي لتخرج معه كل اليمن ، و هكذا ، و تاريخ العرب هو تاريخ تناطح سيادات القبائل و كبريائها فيما أسموه ( أيام العرب ) ، و هي مذابح كانوا يفتكون فيها ببعضهم البعض لأتفه الأسباب ، و يفخرون بـ ( أيامها ) ، مع العلم الوحيد عندهم وهو علم الأنساب ، والذى يعنى ( علم عدم المساواة ) . كانت فتنة التفرق القبلي بحكم سلطان البيئة الصحراوية ، دافعاً للعمل بنظام ديكتاتوري صارم على مستوى السلطة و الحكم ، بل و دعم هذا النظام ليكون أقوى من كل القبائل ، و يمكن أن يشن عليها الحروب لإخضاعها ، ومن الفتن الصغرى إلى الفتن الكبرى ، عانى التاريخ العربي من الطغيان الشرقي الخليفي نتيجة نشأته و تكوينه البدوي .
في أيامنا نتحدث عن نظام ديموقراطي فيه أحزاب أكثرية و أقلية ، حاكمة و معارضة ، و عن رئيس يتم اختياره من بين عدة مرشحين وفق أصول و ضوابط دستورية ، بينما في أيامهم قال النبي ( ص ) : " إذا بويع لخليفتين فاقتلوا واحداً منهما / صحيح مسلم / كتاب الإمارة / باب وجوب طاعة الأمراء " .
هنا لا شئ اسمه أحزاب ، و لا شئ اسمه معارضة . . . هناك حاكم واحد بيده كل السلطات لمنع الفتنة و انقسام المجتمع إلى قبائله الأولى . و تتداعى الأحاديث تدعم و تؤيد الأمير حتى لو فسق و فجر و ظلم ،" فاسمع للأمير حتى لو ضرب ظهرك و أخذ مالك / حديث صحيح " ، و عن عبد الله بن عمر : " إذا كان الإمام عادلاً فله الأجر و عليك الشكر ، و إذا كان جائراً ، فعليه الوزر و عليك الصبر ، فهذا امتحان من الله يبتلي به من يشاء من عباده ، فعليكم أن تتقبلوا امتحان الله بالصبر و الإنأة لا بالثورة و الغيظ " . وقال وهب بن منبه أن الله أنزل على نبيه داود : " إني أنا الله مالك الملوك ، قلوب الملوك بيدي ، فمن كان لى على طاعة جعلت الملوك عليهم نعمة ، و من على معصية جعلت الملوك عليهم نقمة " .
و في تلك البيئة البدوية البدائية في شاسع جغرافي لا يتوحد إلا بقوة قاهرة ، كانت فلسفة السياسة ترى ظلم السلطة للمواطنين هو عقوبة ربانية تأديبية ، أنظر الحديث الداعي المبتهل : " اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك و لا يرحمنا " . و عليه لا يعود الظلم ظلما ، لأن الملك أو الخليفة أو الرئيس وفق هذا الحديث هو مندوب السماء لتأديبنا ، و هو مفهوم شديد الإبتدائية يبرر الظلم و يبرئ ذمة السفاح و يدين القتيل ، و هو إن صلح لبيئته فهو لا يصلح لبيئات و أزمنة أخرى .
أما سبل الوصول إلى السلطة ، فقد بينتها كتب تشرح مدى أهمية وجوب الإمامة و الطرق إليها ، يقول فصل في وجوب الإمامة و بيان طرقها من كتاب الإمامة و قتال البغاة ، من كتاب روضة الطالبين فصل الطريق الثالث لتنصيب الإمام : " فإذا مات الإمام فتصدى للإمامة ، من جمع شرائطها ، من غير استخلاف و لا بيعة ، و قهر الناس بشوكته و جنوده ، انعقدت خلافته لينتظم شأن المسلمين . فإن لم يكن جامعاً للشرائط ، بأن كان فاسقاً أو جاهلاً ، فوجهان : أصحهما انعقاد الخلافة لما ذكرنا ، و إن كان عاصياً بفعله " .
هذه المرجعية السياسية كانت زمنها في بيئتها ضرورة لا سبيل دونها لاستمرار تماسك هذا التوحد القبلي الكونفودرالي ، ولازالت هي المرجعية الإسلامية التي يريدها دعاة الدولة الإسلامية ، مرجعية لدولة يؤكدون أنها ديموقراطية !! فكيف يلتقيان ؟
كانت الخلافة طوال عصورها هي الاستبداد عينه ، و الطغيان ذاته ، و انعقاد البيعة كان يتم بالاستيلاء أولاً على السلطة ، ثم سوق الناس لبيعة السلطان الجديد بالزواجير ، و عندما امتنع آل بيت النبي من الهاشميين عن مبايعة أبي بكر ، أرسل إليهم عمر بن الخطاب و معه نار يريد أن يحرق بيت فاطمة بنت النبي على المجتمعين بداخله عليهم ، و كان أمر أبي بكر لعمر " إن أبوا فقاتلهم " . لا معنى هنا إذن لكلمة معارضة كما نفهمها اليوم ، ولا علاقة لهذه البيعة بنظام دولة ديموقراطي أو غير ديموقراطي ، كانت نظاماً خاصاً جداً ، و كانت البيعة عبارة عن إعلان إذعان شعبي للحاكم الجديد ، لأن الإمبراطورية الإسلامية قامت على مبدأ عنصري طائفي لا يعترف بأي تعددية و هو أمر لا علاقة له بالدين في حد ذاته ، و بالتأكيد لو تعددت سلطات الطوائف لتفكك المجتمع و تحارب ، هكذا منطق التاريخ القاهر الصانع لما يلائم الزمن و المكان ، و هو ما حدث في العراق عندما جعلت كل ملة و كل مذهب من رؤيتها ديناً صحيحاً تحارب به الدين الباطل ، و الباطل هو أى دين أو مذهب آخر حتى داخل الإسلام نفسه . فكانت مجازر لا تزال قائمة ، ندعو لها بألطاف الله حتى ينزلوا الطائفة و الدين من على سلم القيم الأولى ، و أن يضعوا الوطن قبل الدين على سلم القيم الأساسية للمجتمع ، حتى يتوقف نزيف الدم المفجع المهين . إن التعددية في المبدأ الديموقراطي القائم على قيمة الوطن العليا التي لا تدانيها قيمة ، لأنها التي تجعل المرجعية هي المواطنة و الولاء لوطن يجمع الجميع على اختلاف مللهم و نحلهم و مذاهبهم في مساواة تامة تخلق حرية فتخلق ديموقراطية ، تعددية مسالمة منتجة تقوم على الترابط وفق عقد اجتماعي قانوني تتحدد فيه الحقوق و الواجبات للجميع على حد سواء . هذه هي شروط قيام الدولة الديموقراطية ، فأين هي مما رأيناه في الدولة الإسلامية المزعومة حسب شروطها الشرعية ؟ !


واقعنا بين الدولة الدينية و المدنية : _


في معظم عالمنا الإسلامي ديكتاتوريتان تتصارعان على إستمرار الديكتاتورية و ليس إقامة الديموقراطية : _
1. ديكتاتورية عسكر و أسر حاكمة و يمثلون الخليفة الإسلامي التاريخي ، و يحاكون نظامه .
2. ديكتاتورية دينية سواء حليفة للسلطة أو معارضة لها ، و يمثلها الإمام أو الشيخ .
و كلاهما الحاكم أو الخليفة ، و الشيخ أو الإمام ، في حالة صراعية حول من يأخذ أكثر من نصيب الآخر من الفريسة ، لكنهما لا يختلفان مصيرياً و لا منهجياً ، إنه صراع الإمام و الخليفة منذ فصل معاوية بين سلطة الحكم و إمامة الصلاة و عين للصلاة الجامعة شيخاً إماماً .
• كلاهما لا يؤمن بمبدأ التداول السلمي للسلطة ، كلاهما لا يؤمن بحرية الفكر و الرأي و النقد ، كلاهما يهدر كرامة المواطن بحرمانه من حقوقه كل بطريقته الخاصة ، كل منهم يدعم نفسه بقوة جبارة : واحد بالقوة العسكرية و واحد بالدين و ربنا ، كل منهما يريد الإنفراد بالفريسة و لا تشغله مصالحها . العسكريون يمتهنون كرامة المواطن بالسوط و المعتقل ، و الدينيون يمتهنون عقله ، و يقمعونه بالتكفير و القتل و تضليل هذا العقل بالخرافات والأساطير و فتاوي بول الناقة و بول النبي و رضاع الكبيروالحجامة والجن ، الحكومات تقوم بمصادرة الكتب و الصحف ، و رجال الدين يصادرون بقدر أكبر، مفتي الحكومة يجرم فيلم ، و مفتي الجماعة يكفر كتاباً ، الحكومات و أدعياء الدولة الدينية ضد حرية الإعتقاد ، و ضد الشيعة في المناطق السنية ، و ضد السنة في المناطق الشيعية ، و ضد الأقباط ، و ضد الأمازيغ ، و ضد الأكراد ، و ضد البهائية ، الحكومات تجلد الناشطين الإسلاميين ، و المجلودين يشرعون الجلد إسلامياً و هو فقط للبغال ، يذهب المواطن إلى قسم الشرطة ينفخوه ، يذهب إلى الجامع يهدرون كرامته و يحملونه كل خيبات أمة المسلمين .
• أصحاب فكرة الدولة الإسلامية يقولون بالعودة للسلف ، و هو ما كان صالحاً لهذا السلف في زمنهم ، فلو كان فيه خيراً لنا اليوم أو كان عندهم سبباً لتقدم سياسي حقوقي لظلوا متقدمين و هم على قلب المسلمين من زمان ، و لصرنا صناع الحضارة و حقوق الإنسان و التكنولوجيا ، و لأمسينا أعضاء مجلس الأمن ، و لأصبح الغرب هو النامي المتخلف يتلقى منا المساعدات زكاة و صدقات على اليتامى و أبناء السبيل من مشردى نيويورك ولندن.
• الإسلاميون يعرضون أنفسهم باعتبارهم الإسلام مع فتاوي يكون عصيانها إثم ، و هو ما يعني أن إختيار غيرهم جريمة دينية ، عندهم وسائل دعائية كبرى منذ الصحوة و السادات ، و قبلها منذ عسكر يوليو و ناصر مستعينين بالدين ، كل كتبهم و قرارتهم تدعو للسلف و الخلافة ، والدعاه أحباب الله فكيف يرفض الناس إنتخابهم ؟، لذلك يتم الإنتخاب على أساس ديني لا ديموقراطي ، لذلك فإن من نجح منهم في الإقتراع قد جاءت بهم الطائفية الدينية لا الديموقراطية ، لأن الديموقراطية تأتي بالأكفأ أداء سياسياً و إدراياً و الأوعى بالصالح العام للمجتمع ، بينما الإنتخابات عندنا تحولت لطقس عبادة يظهر به المؤمن مدى حبه لربه و ولائه لدينه بانتخاب الأكثر تقوى أو زاعماً لها ، اصبحت جهازاً يقتلون به و يقتلون أمام الصناديق .
• لقد جعلوا الإنتخابات السياسية خياراً بين الإيمان و الكفر نتيجة مزج الدين بالسياسة ، و من ثم سيفضل الناس الرب على الديموقراطية التي يتم هنا دفنها فوراً ، الإنتخابات في بلاد المسلمين أصبحت استجواباً موجهاً إلى المسلم البسيط : هل أنت مؤمن بقدرة الرب على حل مشاكلك كلها ؟ هل تؤمن أن الإسلام مكتمل يحوي كل الحلول و أنه هو الحل ؟ . . الإجابة لابد أن تكون..... نعم طبعاً !!!!.
• و الحكومات الإسلامية تسمح بكل هذا ، و باستيلائهم على الإعلام ، و لا تطلق الحريات لأن الحريات ستطيح بكليهما ، و كلاهما مستفيد من هذا الوضع الديكتاتوري ، فيبقى الحاكم في كرسيه بادعاء حماية المجتمع و العالم المتحضر من السلفيين ، و يستفيد السلفيون ما يأتيهم من دعم مادي و وجاهة و قيادة اجتماعية و فرصهم البترولية ، و في النهاية يكون الإسلاميون هم الحاكم الحقيقي الذي يعمل في حماية حكومة تأخذ أجرها إتاوات من شعوبها و فساداً لم يسبق له مثيل ، إن الشعوب في البلاد الإسلامية هي الفريسة و الضحية لدولة هذا ، أو دولة ذاك : إسلامية ، أو أميرية ، أو عسكرية ، أو ملكية .

مستقبل الدولة الإسلامية : _

في زمن متسارع يلهث تطوراً و تغيراً و تبدلاً ، لم يعد ممكناً بموجب معطيات أمس و اليوم ، التنبوء أو بناء أى تصور افتراضي لما سيحدث غداً ، و كان أهم حدث أذهل العالم ، و غير كل التنبؤات ، بل غير خط سير التاريخ ، و من المحتمل أن يكون سبباً في متغيرات ستجرى في جغرافية العالم المعتادة ، حدث ما لم يخطر على قلب بشر ، حدث الحادي عشر من سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية .
صاحب هذا القلم كان قد توقف عن الكتابة و النشر ما يزيد عن سنتين ، يأساً من حدوث أى متغير في أحوال البلاد و العباد ، حتى ضربت القاعدة أمريكا ، فقرر العودة للكتابة و النشر ، فقد جاء الأمل لبلادنا على عكس كل التوقعات ، جاء يركب مركباً من دمار و نار و هلاك للأبرياء في بلاد الحريات ، و كان أول إصدار لي بعد التوقف بعنوان : " شكراً بن لادن " . كان ركود الأوضاع في بلاد المسلمين دافعاً لليأس و القنوط حتى تفكك الحلف الإسلامي الأمريكي في مانهاتين ، و تشظى بشكل مبهر لم تتصوره أى عبقرية من عبقريات هوليود و خيالها الجامح . كان الركود قد ساد كل شبر في بلاد المسلمين ، و أصبح لا صوت يعلو فوق صوت السلطان و مشايخه ، و تحول الناس إلى رعية للراعي بالمعنى الدقيق و الحرفي للكلمة .
كانت السعودية و من ورائها دول الخليج قد سادت بنفطها و وهابيتها ثقافة و إعلاماً و اقتصاداً و مرجعية دينية ، و كانت السعودية الحليف العريق و الأبرز لأمريكا و معها العالم الغربي الحر . و حالفت أمريكا شرار الأرض من حكام و و مستبدين بطول العالم الإسلامي و عرضه ، و أغدقت تدريباً و معرفة و تسليحاً على العرب الأفغان ، و منحتهم أسرار مخابراتها و شاركتهم برامجهم ، لدحر السوفيات في أفغانستان. السعودية أمدت بالرجال و بالمال ، و مصر ، و باكستان ، و معظم الدول العربية جندت إعلامها للجهاد ضد الشيوعية في أفغانستان ، و مولت المخابرات الأمريكية ما يزيد على 200 مؤتمر للطب الإسلامي و بقية العلوم المنسوبة للإسلام ، ........... حتى ضرب بن لادن مانهاتن . . . فانقلبت كل الأوضاع رأساً على عقب في يوم لن ينساه التاريخ أبداً ، و اكتشف الأمريكان في لحظة مباغته أعداء جدداً ما كانوا بالحسبان ، و تحولت بلد مثل السعودية من حليف تاريخي ألى بلد مفرخ للإرهاب بين ليلة و ضحاها ، تتم الضغوط الهائلة عليها للإصلاح و التغيير ، و توضع أسماء سعودية كبيرة و ذات شأن خطير على قوائم الإرهاب الدولية . و تسقط طالبان ، و ترتكب أمريكا غلطتها التاريخية و تحقق لابن لادن مراده . كان ابن لادن قد أعلن أكثر من مرة أنه ليس بإمكانه محاربة أمريكا في أمريكا ، و أن استدراجها إلى المنطقة هو الخطة المثلى ، و حققت له أمريكا مراده لتعود الخريطة التاريخية تتغير مرة أخرى بعد دخول العراق و بسرعة مذهلة .
بعد سبتمبر 2001 كانت أمريكا قد أعلنت للعالم إنذارها بلسان رئيسها و خارجيتها و البنتاجون أنها ستدخل تدخلاً مباشر في البلاد المفرزة للإرهاب ، إن لم تقم بعمليات إصلاح تفضى إلى تراجع الإرهاب و بروز الديمقراطية ، حتى قال الرئيس اليمني على عبد الله صالح قولته المشهورة الساخرة من الذات ، المعبرة بصدق مُر عن الواقع : " اللى مش هايحلق بكيفه ، أمريكا هاتحلق له " .
ثم كانت الفرصة التى جاءت للحكام العرب على طبق من ذهب ، و هي دخول أمريكا العراق . و في حالة من الفجر العلني دعمت كل دول المحيط لكل ما استطاع إليه سبيلا ، ما أسموه المقاومة العراقية ، هذا بالمال و هذا بالرجال و هذا بالتدريب و هذا بفتح الحدود سداحاً مداحاً ، ليتحول مشروع الحلم الديمقراطي العلماني إلى كابوس على المنطقة جميعاً ، عندما عادت الولايات المتحدة لحلفائها القفدامى من مستبدين و أصبحت في حاجة إلى حلفائها من مستبدي المنطقة القدامي من جنرالات و ملوك ، لإنهاء الحرب في العراق بشكل لازالت المساومات جارية بشأن تفاصيله ، بينما يدفع الشعب العراقي أفدح ثمن مع كل يوم و كل ساعة تطول فيه المساومات .
و في مناخ كهذا حيث يصعب التنبؤ بمستقبل الدولة الدينية في المنطقة ، يتبناها هانتجنتون تنبؤاً بالمستحيل ، فتستجد في نظره ظروف دولية تحتم وجود هذه الدولة كما تصور، في تحالف إسلامي تقوده الخلافة التركية مرة أخرى ؟ و ارتأي أن سلامة الغرب في التفاعل مع هذا الواقع و السير به إلى منتهاه حتى تعود الخلافة ، لكن بعد أن تكون الخلافة نفسها قد تم تكريسها كتابعة للسيادة الأمريكية و لو عن بعد ، ولتقوم الخلافة بردع أى اعتداء على المصالح الغربية .
و صاحب هذه الورقة يرى الأمور بشكل أكثر بساطة من هذا ، لأن الدولة الدينية كانت مرحلة تاريخية انتهت بنهاية المرحلة التي ناسبتها ، و حسب منطق التطور الذي أثبت صلابته عبر التاريخ فهو القانون العلمي الأوحد الذي تقوم عليه بقية القوانين . فإنه ما عاد ممكناً لدولة دينية أن تتعايش مع عالمنا المعاصر ، و كما فرض التطور نفسه علينا بمنجزات علمية و حقوقية إنسانية في كل العالم ، فإنه آت إلى بلادنا أت لاشك فيه و لا ريب ، كل المسألة هي في المسافة الزمنية بين يومنا و بين يوم نضوج الأوضاع أو ظهور مفاجآت تسرع من وصول بلادنا نحو هذا التطور أو تعطلها عنه ، و يبقى بدلاً من محاولة التنبؤ ، أن نقوم نحن العلمانيون بالتأثير في الواقع المتحرك ، حتى نضيف ثقلاً لترجيحات التاريخ ، حتى نكون موجودين يوم يقوم بالفرز و الاختيار ، بحسابات المصالح و وفق المنهج التطورى .
إن الحرب القائمة حالياً ضد الإرهاب الدولى هي حرب عالمية بكل معنى الكلمة ، لكنها الحرب التي بدأت تفرض لوناً خاصاً من أساليب إدارة الحروب ، ليست حرباً بين عدوين على حدود مختلف بشأنها ، أو مصالح اقتصادية يتنازعون حولها ، إنها حرب وجود ، حرب بين زمنين ، زمن له مناهجه في التفكير و العمل ، يختلف بالكلية عن زمن التفكير العلمي و الحداثة الحقوقية ، يدافع بشراسة و استماته عن استمراره في الوجود أمام مد الحداثة الجارف ، أنها زفرات الموت الأخيرة لعصر ما قبل العلم الحديث ، و ما ترتب على هذا العلم و تقدمه الهائل من إعادة صياغة مفهوم الدولة بعقد اجتماعي حقوقي دستوري . إنه صراع زمنين بمنهجي تفكير مختلفين بالكلية و لا يلتقيان ، و القديم لن يفسح المكان للجديد بهدوء ، فهذا هو درس التاريخ الطويل .

Post: #74
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 03-03-2008, 04:56 AM
Parent: #73

ثقافة المقاومة- التي ينشرها -الجهاديون-!
جواد البشيتي
jawadba####[email protected]
2008 / 2 / 28


يُنْظَر إلى الجماعات الإسلامية "الجهادية"، التي تَنْبُذ، أو تكاد تَنْبُذ، كل سياسة لا تكون على هيئة "سَيْف"، على أنَّها "خطُّ الدفاع الأخير" عن "الأمَّة" في مواجهة العدو الأوَّل للإسلام والمسلمين، وهو، في المقام الأوَّل، الولايات المتحدة (مُذْ حكمها بوش وفريقه على وجه الخصوص) وإسرائيل (بصرف النظر عمَّن يحكمها).

وتوصُّلاً إلى اجتذاب مزيدٍ من الأنصار والمؤيِّدين لها، فكراً وممارَسةً، من المواطنين المختلفين (قليلاً أو كثيراً) عن تلك الجماعات، في الأفكار وطريقة التفكير ووجهات النظر والميول وطرائق العيش، يَزْعُم بعض ممثِّليها الفكريين والسياسيين والإعلاميين أنَّ تلك الجماعات تتوفَّر على إنتاج وبثِّ ونَشْر ما يسمُّونه "ثقافة المقاومة"، فهذا المصطلح (الذي لا مكان له في البنية الفكرية والثقافية الأساسية لتلك الجماعات) يقع موقعاً حسناً من نفوس كثير ممَّن لديهم ميْلاً قوياً إلى المشارَكة في مقاوَمة ومواجهة ما نتعرَّض له من مخاطر (بعضها من الوزن الاستراتيجي والتاريخي) من قِبَل هذا العدو، الذي ينجح دائماً في إقناعنا بأنَّه عدوٌّ لنا، ويضطَّرنا، بالتالي، إلى أن نبادله عداءً بعداء، وإنْ لم نوفَّق بعد في مبادلته العداء بما يفيدنا ويضره.

إنَّ أحداً من الواقعيين الموضوعيين في التفكير، والنظر إلى الأمور، لا يُنْكِر أنَّ بعضاً مِمَّن ينتسبون إلى "الإسلام الجهادي" يُظْهِرون جرأة وبطولةً قلَّ نظيرهما (ولا نقول "لا نظير لهما) في مواجهة ومحاربة هذا العدو، وأنَّ لـ "الدافع الديني" أهميَّة كبرى في عملهم القتالي البطولي الجريء، وإنْ كان هذا الدافع يختلف قوَّة باختلاف نمط العيش والتفكير بين شبابنا، فـ "العام" من ظاهرة "قَتْل العدو من خلال قتل النفس (ظاهرة القنابل البشرية)" هو أنَّ "المَيْل الاستشهادي" يقوى ويشتد بين شباب أُفْقِروا اقتصادياً (في المقام الأوَّل) حتى أصبح العدم عندهم خيراً من الوجود، فاستسهلوا واسترخصوا التضحية بالنفس (في هذه الطريقة) توصُّلاً إلى "دار البقاء" التي هي خيرٌ وأبقى.

وإنصافاً للحقيقة ينبغي لنا أن نشير إلى أنَّ هذا النمط من القتال، أو المقاومة، ليس بمٌنْتَج إسلامي صرف، فثمَّة أُناس من غير المسلمين زاولوه من قبل. أمَّا في أمْر "الدافع" إلى القتال، والمقاومة، وإلى الاستبسال فيهما، فنرى، أيضاً، أنَّ بعضاً من الدوافع غير الدينية يمكن أن تَعْدِل، أو تفوق، لجهة قوَّتها، "الدافع الديني" لدى "الاستشهاديين (الذين يُفضِّل بعضٌ منَّا، ومن غيرنا، وصفهم بـ "الانتحاريين")".

مَنْ يَسْحَر عقولهم وقلوبهم قوَّة "الدافع الديني" لدى "الجهاديين الاستشهاديين"، ونتائجه الميدانية المباشِرة، لا يبقى لديهم من قوَّة البصر والبصيرة ما يعينهم على رؤية النتائج والعواقب التي تتعدَّى الحدود الضيِّقة للنتائج الميدانية المباشِرة، وكأنَّ وصول تلك الجماعات "الجهادية" إلى السلطة، في بلادنا، وهَدْمِها مجتمعنا "الفاسِد"، بحسب ميزانها الفكري الفاسِد، لتَبْتني من "حجارته" مجتمعاً من النمط الذي ابتنته "طالبان" في أفغانستان، والذي لا يصلح أبداً للعيش الآدمي، ليسا بالأمر الذي يستأهل خوفنا وقلقتا وخشيتنا!

وحتى لا يُساء فَهْم هذا الذي قُلْت، أقول توضيحاً إنَّني لا أُفاضِل بين حكوماتنا وبين حكومة "الجهاديين"، فكلا الطرفين يُمْعِن في مجتمعنا قتلاً وهَدْماً؛ بما يجعله، أي يجعل هذا الطرف أو ذاك، مضاداً للآخر في الأسلوب والطريقة والوسيلة.

وعلى أولئك المتغنِّين بـ "ثقافة المقاومة"، التي يزعمون أنَّ الجماعات الإسلامية "الجهادية" تتوفَّر على نشرها فينا، وبيننا، ألاَّ يضربوا صفحاً عن حقيقة أنَّ بعضاً (أي كثيراً) من "الجهاديين" لا يَمْلِك من "الدافع الديني" لـ "الاستشهاد" إلاَّ ما ارتفع فيه منسوب "النزعة التكفيرية"، فـ "الاستشهادي" منهم يقتل نفسه توصُّلاً إلى قتل عدوٍّ ليس بالعدو، فكم من المسلمين "كُفِّروا" ليُسْتباح قتلهم بـ "القنابل البشرية"؟!

والجماعات الإسلامية "الجهادية"، وبتأليهها للسيف، تميل، ويشتد لديها المَيْل، إلى استصغار واستتفاه ونَبْذ كل صراعٍ آخر، لشعوبنا ومجتمعاتنا مصلحة حقيقية في خوضه والانتصار فيه، فهي جماعات لا وزن لها (فِكراً وسياسةً وتنظيماً) في قضايا ومطالب وحقوق ومصالح اقتصادية واجتماعية تخصُّ الغالبية العظمى من أبناء مجتمعنا، وكأنَّ السيف والترس هما كل حياتنا!

حتى في قتالهم العدو الحقيقي يُظْهِرون ويؤكِّدون فشلهم في توحيد وحشد المجتمع وقواه، فَهُم لا يقاتلونه، ولا يستمرون في قتاله، إلاَّ بمجتمع مزَّقوه، وأمعنوا في تمزيقه، بـ "مبضع التكفير"، الذي يصنعونه ويستعملونه بما يُوافِق "المبدأ الأهم" الذي يُحْكُمهم، تفكيراً وعملاً، وهو مبدأ "العداء للآخر"، الذي قد ينتهي بهم إلى العيش والعمل بحسب مبدأ "أنا وحدي"!

وعندما يتحوَّل القتال (قتال العدو) في حدِّ ذاته إلى ما يشبه "المبدأ الديني" الذي لا حَيْدَ عنه إلاَّ بـ "الكفر"، يَقَع الطلاق البائن بين "الحرب" و"السياسة"، فتُصاب البندقية والرصاصة والقنبلة والقذيفة بعمى سياسي، فيأتي القتال بنتائج تفيد الجلاَّد وتضرُّ الضحية، وكأنَّ "الحساب السياسي" للعمل القتالي، أو "الجهادي"، رجس من عمل الشيطان!

ويكفي أن تتمكَّن تلك الجماعات من "القيادة" حتى يغدو "المقود"، أي مجتمعنا، أو بعضه، محارِباً ضد ذاته، وضد مصالحه وحقوقه، وكأنَّه قد كره العدو حتى كره نفسه!

بقي أن أقول (في هذا الضيِّق من المكان) إنَّني أعْلَم أنَّ هذا الذي قُلْت لن يقع موقعاً حسناً من نفوس كثير من القرَّاء، فالأوهام ما زالت تغشى الأبصار والبصائر، حتى كاد النُطْق بالحقيقة يُسْمَع فحسب بأُذُن الناطق بها!

عن الحوار المتمدن

Post: #75
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 03-04-2008, 09:46 AM
Parent: #74

العلمانية التي أثمرت خير النساء
محمد نور الدين جباب
[email protected]
2008 / 2 / 19


ليس من السهل تناول التجربة التركية ،بل لا يجوز علميا ، تناول مسيرة ثمانين حولا في أسطر معدودات فهي تحتاج إلى بحوث معمقة تتكفل بها مؤسسات بوصفها أول تجربة علمانية في عالم الإسلام.لازالت إلى يومنا مثار جدل واسع، بين من يرى انجازاتها أوصلت تركيا إلى بر الآمان، و من بدا له بنيانها يتهاوى بسب هشاشة الأسس التي بنيت عليه ، بعد ما وطأت قدما خير النساء بحجابها المصمم بعناية فائقة، رأس الدولة برفقة زوجها الغول .
و بين هذا وذاك من يرى أن هذه أحكام معيارية تفتقد إلى العمق التاريخي وقوانينه الصارمة التي أثمرت هذه التجربة بكل انجازاتها و إخفاقاتها وتداعياتها
لهذا كله لا نطمح ، في هذه الأسطر ، أكثر من طرح جملة من التساؤلات لأننا معنيون مباشرة بهذه التجربة بخاصة بعد فشل معظم التجارب التي عرفتها بعض الأقطار العربية من بينها تجربة الإسلاميين في بلادنا. فتحولت أنظار الكثير من المهتمين و الباحثين و المفكرين العرب إلى التجربة التركية لعلها تكون عامل استلهام أو حتى تبني بعض صيغها .
لهذا تزداد أهمية تناول التجربة التركية لبناء موقف فكري بعيدا عن روح الإدانة أو التمجيد لأن الكثير من الإجابات، هي أقرب إلى الهتافات تفوح منها رائحة التشفي أبعدها عن التحليل الموضوعي، بخاصة من هم محسوبون على التيار الإسلامي. لا يضاهيهم إلا أولئك المتحسرين الذين بحوا من مناجاة العسكر لإنقاذهم من فلول الرجعية و بقايا سلالة آل عثمان. كما رددوا في شعاراتهم، التي تنطوي على الكثير من الأنانية و ضيق الأفق وعدم التبصر. فلم يعودوا يبصروا في تركيا كلها، سوى ضريح أتاتورك الذي حولوه إلى شيخ طريقة متوسلين متضرعين لإنقاذهم من الهول القادم
إن التجربة التركية ، في تقديرنا ، لا يمكن عزلها عن تلك الحركة الكبرى التي عرفتها الإمبراطورية العثمانية في منتصف القرن التاسع عشر، التي أصطلح على تسميتها بالنهضة، بعد صدمة الحداثة التي زعزعت التماسك الفكري و الأيديولوجي للإمبراطورية بما فيها الولايات العربية .
لقد عرفت تلك المرحلة، محاولة كبرى للاستجابة لنداء التاريخ للشرق ، بعدما حسم الموقف في الغرب لصالح الحداثة ومشروعها الكوني الكبير القائم على الدولة الأمة. هذا المفهوم الأخير كان له، أكثر من غيره، بالغ التأثير على جميع الحركات الإصلاحية التي عملت على الارتقاء بتاريخ الشرق من دولة الخلافة إلى الدولة القومية العصرية.
هذا المفهوم اكتنفه الكثير من الالتباس لما رأى فيه البعض مطلبا يلبي احتياجا خارجيا يعجل بالقضاء على رجل أوروبا المريض لاقتسام تركته ، بخاصة لما تبنته نخب فكرية عصرية محلية من خارج الذاتية الإسلامية وفر لها وضعها الاجتماعي الاطلاع على أوروبا وعلى العالم الحديث فحسموا أمرهم واقتنعوا أن لا مناص للإمبراطورية إلا العالم الحديث أو الانقراض . لأن صوت التاريخ اكبر من بعض الضن .
في هذه اللحظة التاريخية عرفت الإمبراطورية صعود حركات قومية مختلفة تسعى للانفصال و الاستقلال انطوت على أفكار فيها الكثير من تصفية الحساب التاريخي مع مركز الخلافة التي كانت تتعامل مع القوميات بتعالي وفوقية و خشونة عرقية . بخاصة بعد سياسة التتريك و الصعود القوي للقومية الطورانية التي كانت خالية من أي مضمون حضاري أو إنساني و لم تتمثل أي مشروع فكري وهذا يعود أساسا إلى كيان الدولة العثمانية التي قامت على أيديولوجية الحرب و المحاربين ،مما جعل القومية الطورانية تطور لاحقا مواقف عنصرية معادية للأجانب مركزة على العنصر العربي . مما أحيا المكبوت في الوجدان العربي مذكرا الأعاجم أن العرب هم محملة وحماة الإسلام و مادته الأولى ، و أن النبي عربي و القرآن عربي والدعوة موجهة أساسا للعرب. هذه المفردات ذات الرنين القومي، امتدت حد التشكيك في خلافة آل عثمان التي تنال بالاستحقاق و التسلسل وليس بالقوة والاغتصاب على يد العثمانيين .وهذا كان ردا على سياسة التتريك وإبعاد العنصر العربي من عضوية المجتمع و إقصاء اللغة العربية التي أصبحت لغة الأهالي و حلت محلها اللغة التركية فأصبحت لغة السلاطين و النبالات العسكرية . و أصبح ينظر إلى العرب كأغراب هم و دينهم تحت ضغط القومية الطورانية وجمعياتها وأحزابها المختلفة التي لم تقف عند حدود العنصر العربي ، بل امتدت لتشمل حضارتهم و دينهم ،بخاصة بعد ما تحول الإسلام على يد الفقهاء العثمانيين إلى جملة من المأثورات التقليدية تكرس الجمود و الفوضى وتمجيد السلاطين وتعدهم ظل الله على الأرض .
في ظل هذا المناخ الفكري المعادي للأجانب تشكلت القومية التركية وأخذت خصائصها و ملامحها العامة. و ضمن هذا المزاج القومي المتطرف انغلقت على نفسها معتبرة ارتباطها بالعرب والإسلام و الخلافة سبب تخلف تركيا . مما جعل النخب التركية الجديدة تولي وجها شطر الغرب ومؤسساته العصرية مؤكدة ارتباطها القومي أكثر من ولاءها الإسلامي.
إنه المناخ ذاته، الذي نشأ وترعرع ،و من منابعه ارتوى كمال أتاتورك .لقد وجدت فيه القومية التركية الصاعدة تتويجها و ذروتها بوصفه جنرالا منتصرا في حرب ضد أعداء تركيا، لقد تحول الذئب الأغبر ،كما كان يلقب أتاتورك ، القادم من جبال الأناضول ، إلى بطل قومي و رمز الأمة وحامي وحدتها القومية والقائد الضرورة الذي تجلت فيه روح الأمة و أيديولوجيتها القومية التي لبست لبوسا علمانيا.
هذه العوامل المتداخلة شكلت خصوصية القومية التركية و أيديولوجيتها العلمانية التي كانت تشبه قيادة أركان حرب. خاضت حروبا ، سابقا ،ضد الأعراق و القوميات و الأجانب. و لا حقا ،بعدما أصبحت الأيديولوجية الرسمية للدولة التركية الحديثة ، ضد جميع التكوينات الاجتماعية ما قبل أمة ، وضد جميع البني التقليدية ،كما بذلت جهود مضنية لنسفت جميع مؤسسات المجتمع التقليدي واجتثت ، بالقوة ، كل التصورات والأفكار التي شكلت العالم القديم ، و ممثليه من فقهاء و أئمة المساجد ومؤذنين بسطاء سحلوا إلى ساحات الإعدام، لأن هؤلاء المشعوذين يرددون كلاما مبهما يقولون أنه نزل من السماء، كما كان يصفهم أتاتورك وهو يتلو لائحة الإعدام.
.لقد أفرغ أتاتورك، وتلامذته من بعده ، العلمانية من أي مضمون ديمقراطي أو إنساني كما لم تعرف أي مضامين أخرى مثل حقوق الإنسان و حقوق الأقليات ، أو المواطنة و حق الاختلاف التي تعد ركائز أساسية لأي علمانية متحضرة، لأنها، إضافة لما ذكرناه في سياق نشأتها التاريخية ، زُرعت في أرض شرقية إحدى سمتها التاريخية الاستبداد و الطغيان . ذلك كله يشرح لنا ، حاليا، سر غياب تركيا فكريا وثقافيا

هنا تجدر الإشارة، أن العلمانية لا تحمل في ذاتها أي مضمون أيديولوجي، قد يكون العلماني يساريا، كما قد يكون يمينيا، أو قوميا متعصبا.كما قد يكون ممثلا لأكثر الأنظمة استبدادا وطغيانا.و قد يكون المتدين علمانيا. فهي تتلون بلون حاملها الاجتماعي .
تأسيسا على ذلك فإن العلمانية قد تأخذ أشكالا مختلفة لا تكون بالضرورة صورة مستخرجة من الأصل الأوروبي.وهذا يقودنا إلى سؤال أعمق، هل تُعد أوروبا و النموذج الأوروبي هو النموذج الأمثل للتقدم، وسقف التاريخ الذي يتحتم على كل شعب الامتثال لمشيئته ؟ أم أن للتقدم مسالك مختلفة قد لا يكون النموذج الأوروبي أفضلها ؟
في تقديرنا إنه الرهان الذي يواجه إسلامي تركيا، هل يحسنوا التقاط هذه اللحظة التي وفرها لهم التاريخ. و لا يفوتوا هذه الفرصة التاريخية كما فوتها غيرهم. ذلك مرهون بعوامل عدة من بينها ،أهمية وضرورة استثمار التجربة التركية.قد يعدلوا، ويجب أن يعدلوا، لكن لا يقطعوا مع التجربة الكمالية، بل يعد خطأ قاتلا ،ويضع الكثير من علامات الاستفهام القطع مع التجربة الكمالية، التي تعد قاسما مشتركا للشعب التركي و تراثا حضاريا للأمة التركية أغنت الهوية التركية بكثير من المضامين العصرية .رغم كل أخطائها الكبيرة ،و برغم الدم و الدموع، تعد أول تجربة في العالم الإسلامي تخطت الكثير من العقبات و المعوقات التاريخية وقدمت إنجازات على جميع الأصعدة وضعت الأمة التركية في مقدمة و على رأس العالم الإسلامي
إن الانطلاق من حاضر تركيا ،وليس من أدنى ،ومن منجزاتها الحضارية تعد ضمانة أساسية للتعامل مع منطق العصر وحقائقه العلمية و منجزاته الحضارية تكون أساسا ومنطلقا لصياغة مشروع حضاري إنساني مبني على قيم العدل والديمقراطية وحقوق البشر ، يستلهم من عظمة الإسلام و روحه العالية ، معاني المحبة و التسامح، و من قيمه الإنسانية الراقية، حرارة التضامن الإنساني و تعزيز روح الجماعة تضفي على التجربة التركية لمسة إنسانية انتظرتها طويلا، تُدخل الدفء و السكينة على روح أتاتورك وتطرد الأرواح الشريرة التي تحوم حول ضريحه .
لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، إن هذه التجربة الإسلامية وُلدت وهي ملفوفة بمخاطر متنوعة داخلية وخارجية .
إن من سكت من حراس الدار، وسمح لخير النساء أن تتبختر بحجابها، المدلل ،داخل ممرات و قاعات رأس الدولة . لم يسكت حبا و طواعية، لقد كان يلبي نداء خارجيا ،مرددا، دعوها إنها مأمورة .
إن عبد الله و الطيب و كل الطيبين الآخرين، بدون أدنى شك هم رمز الاستقامة و الشرف و الصدق ونظافة اليد والكفاءة، وتعبير حقيقي عن إرادة شعبية عارمة. لكن وصولهم لسدة لم يكن بمعزل عن إرادة خارجية أسهمت في هذا الوصول، تهدف إلى تشكيل المنطقة وفق مصالحها الإستراتيجية.
هل ينجح الإسلاميون في السيطرة على قيادة السفينة بنجاح و يقودوا تركيا إلى بر الأمان، تصبح بذلك قاطرة العالم الإسلامي نحو التقدم و الازدهار ودخول العصر، أم يعيد التاريخ نفسه و يذكرنا بصراع العثمانيين والصفاويين فتتحول تجربتهم إلى مجرد لعبة تتقاذفها المصالح الدولية فتتحول تركيا ومن ورائها العالم الإسلامي إلى مسخرة تاريخية .

عن الحوار المتمدن

Post: #76
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 03-04-2008, 10:50 AM
Parent: #75

سلامة موسى واتهامات الإسلاميين لمشروعه الفكري

باسنت موسى
[email protected]
2008 / 1 / 31

سلامة موسى مفكر مصري عاش في الفترة من 1887 إلى عام 1958 وتلك الحقبة الزمنية من أكثر الحقبات ثراءاً في التاريخ المصري الحديث حيث شملت تحولات سياسية واجتماعية عديدة وخطيرة في ذات الوقت ولأنه – أي سلامة موسى- من أبناء تلك المرحلة فقد اتسمت كتاباته هو أيضاً بالتنوع والثراء الذي أتسم به عصره فنجده كتب في مجالات عديدة لتنوير العامة وليس النخبة فقط ولكونه رجل حركة وفعل فقد تعاون مع مَن يشاركونه اتجاهه الفكري على تأسيس الجمعيات والأحزاب السياسية وبهذا كله دخل معارك سياسية وفكرية كبيرة لم تنته برحيله حتى أن كثيرين ممن نلقبهم بمفكرين مازالوا يستمتعون بتشويه فكر سلامة موسى وربما لأن القراءة والبحث ليست جزء من حياة كثيرين من جمهور اليوم
ثبت ذلك التشويه في الأذهان، لذلك وفي إطار سعينا للتعريف بفكر سلامة موسى نقدم اليوم هذا التحقيق والذي سيدور حول عدد من التساؤلات حول أبعاد مشروع سلامة موسى النهضوى وما وجه من اتهامات لهذا المشروع والرد عليها إضافة للإجابة على هل يصلح فكر سلامة موسى للتطبيق اليوم أم أنه مجرد مشروع تاريخي نقدر دراسته لكن لا نجد السبيل المناسب للتطبيق؟

الدكتور مجدي عبد الحافظ أستاذ الفلسفة بجامعة حلوان له دراسة عن أبعاد المشروع النهضوي عند سلامة موسى أوضح فيها عدد من النقاط التي تتعلق بهذا المشروع حيث يقول : نظرية التطور كانت هى صلب وأساس كتابات سلامة موسى حول النهضة والإصلاح لأن سلامة كان يرى أن تلك النظرية نجحت في شرح العديد من الظواهر الخاصة بالماضي الإنساني وقدرتها تلك ستمكنها من شرح ظواهر الحاضر بل والمستقبل أيضاً ولهذا السبب كانت تلك النظرية حية في هموم وأفكار سلامة موسى مؤثرة بشكل كبير في كل خطواته واتجاهاته الفكرية فبها ومن خلالها يمكن للمجتمعات تخطى مشكلاتها والاتجاه نحو عالم مليء بالرخاء والسعادة.
وعن الكيفية التي استفاد بها سلامة موسى من نظرية التطور في مشروعه النهضوى يرى عبد الحافظ: أن هذا المشروع يرتكز على أساس ثلاث محاور.
الأول: يستند للحاضر وتحديداً حاضر الشرق عموماً ومصر على وجه الخصوص وهذا الواقع يتسم بالتخلف الناتج عن الجهل والظلامية لذا فإن التحرير هو الصبغة الوحيدة التي يمكنها تغيير هذا الواقع الظلامي في اتجاه الإصلاح ويعتمد هذا التحرير على تحرير المرأة والعقل والوعي من ظلامية العصور الوسطي وهذا التحرير يحتاج لإعداد فعلي ونظري وإلا فلن يكون التحرير ممكناً لذلك كرس سلامة موسى حياته للصحافة وإصدار الكتب الصغيرة التي يمكن للجمهور العريض اقتناءها ، المحور الثاني: يشير إلى أن تحرير الحاضر لابد أن يمر بالضرورة بهدم الماضي وتعتبر المهمتان مترابطتان في رأي سلامة موسى ، المحور الثالث: والأخير يتعلق ببناء المستقبل لتعويض التخلف الذي نعانيه قياساً على تقدم الغرب وانطلاقا من هذا كله يمكننا القول أن سلامة موسى قد استخدم مذهب التطور أرقى استخدام خاصة حينما أعترض على المنحى الأيديولوجي الذي غلف الطابع العلمي لهذه النظرية في الغرب وبالتالي جعل من تلك النظرية مدخلاً علمياً يمكنه مساعدة مجتمعه في تحقيق النهضة للمستقبل حيث أن سلامة كان يرى الإصلاح هو تحرير للشخصية من ضغوط التقاليد وسيطرة الأوهام وهو الدراسة العميقة للعلم وفصل الدين عن الدولة ودعوة كل الإنسانية للتحرر وقهر الطبيعة والضرورة والحتمية.

" سلامة موسى والباحثين الإسلاميين ....محمد عمارة نموذجاً"

قدم الأستاذ محمد عمارة ما اعتبره بحثاً عن "المشروع الفكري لسلامة موسى" وذلك في سلسلة مقالات نشرها بعدد من الصحف منها "الحياة اللندنية" يصرح سيادته أن غرضه من عرض معالم المشروع الفكري لسلامة موسى هو كشف النقاب عن حقيقة مذهب "التنوير الغربي العلماني" الذي يهدف وفق رأيه لمواجهة "المشروع الإسلامي" وأستند في رؤيته تلك إلى كتاب سلامة موسى " ليوم والغد" ويمكننا تلخيص وجهه نظر عمارة في سلامة موسى بعدد من النقاط .

** الصراحة العارية في العمالة الكاملة للحضارة الغربية القائمة على أساس الدعوة إلى "إلغاء" الذات الحضارية واستبدالها بالأخر الحضاري الأوربي.

** احتقار الشرق والشرقيين.

** مواجهة الإسلام كدين وحضارته النابعة منه إضافة للتأكيد بوجود تناقض بين الوطنية والجامعة الإسلامية والتبشير بثقافة تدعو لفصل الدين عن الدولة.

** الادعاء بأن سلامة موسى كان ملحداً وبالتالي السعي إلى اقتلاع الدين الألهى في حياة الأمة المصرية والإسلامية.

** الدعوة إلى اتحاد المصريين بمستعمريهم من الأجانب ووفق هذا الاتهام فإن سلامة موسى تجاوز العمالة الحضارية إلى العمالة السياسية بنظر محمد عمارة، وفي هذا السياق يستشهد عمارة بقول سلامة موسى: "إن الإنكليز على الرغم من خصوماتنا معهم وشدة إشفاقهم في استغلال ضعفنا أرقى أمة موجودة الآن في العالم، فنحن إذا أخلصنا النية مع الإنكليز فقد نتفق معهم إذا ضمنا لهم مصالحهم وفي الوقت نفسه إذا أخلصوا النية لنا فإننا نقضي على مراكز الرجعية في مصر وننتهي منها".


** زرع التناقض بين الوطنية المصرية والقومية العربية واتهام اللغة العربية بالعجز حتى عن وصف أبسط الأشياء وعجزها عن الوفاء بمتطلبات الترجمة عن اللغات الأخرى وذلك لكونها لغة بدوية تبعثر الوطنية المصرية في إطار القومية العربية وبذلك التبعثر يزداد ربطه مصر بالشرق دون الغرب.

ذلك هي معالم المشروع الفكري لسلامة موسى كما كتبها الأستاذ محمد عمارة في سلسلة مقالاته المشار لها وهى تدخل في إطار تصفية الحسابات وهذا بالطبع يبعد حديثه عن موضوعية البحث، كما أن تلك المقالات تفتقد للغة الحوار وتعتمد على لغة الاتهام والتشهير ومحاولات الإساءة الشخصية أكثر من كونها محاولات لإظهار الاختلاف الفكري وهذا يظهر جلياً في اتهام موسى من قبل عمارة بالعمالة السياسية والإلحاد الديني.
للرد الموضوعي على تلك الاتهامات والتشوية المتعمد الذي مارسه الأستاذ عمارة ومَن يشاركه الاتجاه الفكري ضد سلامة موسى اعتمدنا على بحث للأستاذ "ماهر الشريف" تحت عنوان "سلامة موسى نموذجاً للتطوير" حيث أورد فيه قائلاً:- إن الأستاذ محمد عمارة يعرف أن سلامة موسى كان مفكراً موسوعياً خلف وراءه ما يقرب من أربعين كتاباً ومئات المقالات، وهو ما يحتم على الباحث الموضوعي الهادف إلى عرض "معالم مشروعه الفكري" أن يرجع إلى كل أو معظم ما كتبه هذا المفكر وأن يتعامل تعاملاً تاريخياً متخذين بعين الاعتبار أن سلامة موسى كغيره من مفكري التنوير كان يتجاوز نفسه باستمرار وذلك إنطلاقاً من إيمانه العميق بالتطور وهذا ما جعل الباحث المصري غالي شكري يصف سلامة موسى قائلاً "لا نستطيع أن نصوغ أفكار سلامة موسى في بناء منطقي متناسق لأنه كان دائب التطور يتجاوز نفسه بصفة دائمة"، وكان يقف وراء ظاهرة عدم الثبات الفكري هذا إيمان عميق بالتغيير على اعتباره أساس الوجود البشري ذلك أن مجتمعنا وكما كتب سلامة موسى ليس نهائياً إذ هو سيتطور ومادام هذا شأن المجتمع يجب أن نتناوله بالتغيير كلما وجدنا الحاجة إلى هذا التغيير، ومن منطلق هذا الإيمان بالتطور توصل سلامة موسى إلى استنتاج مجمله أن العقل العصري الراقي قد أصبح عقلاً مركباً يحتاج إلى التناقض والتناسق، إلى المنطق والإيمان، إلى الخيال والتعقل، إلى التحليل والتركيب، إلى الحقائق الموضوعية والأفكار الذاتية، وكل هذا لا يمكن أن يحتويه كتاب واحد... لذلك كله لا يمكننا التحدث عن معالم المشروع الفكري لسلامة موسى بالاستناد لكتاب واحد من كتبه.
لقد كان مشروع سلامة موسى الفكري والذي يطلق عليه الأستاذ محمد عمارة أسم "التنوير الغربي العلماني الملحد" إسهام متميز وجزء لا يتجزأ من مشروع عربي متميز أنطلق في النصف الأول من القرن التاسع عشر وحمل أسم التنوير والنهضة والإحياء وذلك المشروع يتميز بالدعوة لإعمال العقل والانفتاح على الغرب والاقتباس من ثقافته وتبني مفاهيم المواطنة والدستور والتشديد على أهمية فصل الدين عن الدولة، وقد تعاقب على حمل هذا المشروع الفكري التنويري العربي الذي تمحور حول سؤال: كيف ينهض العرب؟ مفكرون كثيرون كانوا ينتمون لتيارات ومدارس مختلفة بما فيها تيار الإصلاح الديني الإسلامي وفي إطار هذا المشروع تميز المفكرون عن بعضهم البعض حسب طبيعة كل منهم وموقع نشأته وتربيته ومنابعة الفكرية وحسب درجة انفتاحه على الغرب واقتباسه من ثقافته .
على عكس ما يؤكد الأستاذ محمد عمارة فإن من يراجع كتابات سلامة موسى لا يجد فيها أي دعوة إلى "الإلحاد أو اقتلاع الدين الإلهي" من حياة الأمة بل يجد إشارات عديدة في كتاباته تعبّر عن إيمانه بالأديان التي يجب أن تبقى سامية مستندة لحرية الفكر والعقيدة وذلك لأن سلامة موسى كان مقتنعاً بأن اعتلاء الدين للدولة يضر بالدين ويحطه فالدين يجب أن يتجرد من أي سلطان مادي أو حكومي أو بوليسي حتى يستنبط قواه الروحية المستقلة ويصل للقلوب عفواً دون مساعدة خارجية، وفي كتابه "تربية سلامة موسى" كتب مفكرنا قائلاً: "أني أؤمن بالمسيحية والإسلام واليهودية وأحب المسيح وأعجب بمحمد وأستنير بموسى وأؤمن أيضاً بالطبيعة وجلال الكون ولا أنسى المعنى الديني في نظرية التطور وأجد هذا المعنى الديني في جمال المرأة وقداسة الأمومة وشرف الإنسانية، وأنا رجل قد أكسبتني الثقافة النظرة الشاملة للحياة والكون وأعتقد أنه لايمكن للإنسان أن تتكون له شخصية دينية سامية ما لم يكن مثقفاً قد حقق النظرة الاستيعابية للكون فالدين رأي خاص ولا يمكن أن يكون عاماً ويجب أن يبقى قلقاً دوماً".
التوحد مع الغرب من أكثر العوامل التي أمن سلامة موسى لها باعتبارها ضرورية لتحقيق النهضة في بلادنا مصر، غير أن الغرب والشرق حملا دوماً معاني ومضامين محددة في خطابه الليبرالي فالشرق الذي ينبغي نبذه هو شرق التخلف القائم على نمط الإنتاج الزراعي وسيادة الغيبيات والتقاليد المحافظة وغياب الحريات والانغلاق على الذات، ولم يتضمن خطاب سلامة موسى كما يلاحظ الباحثين الموضوعين أي نزوع نحو احتقار الشرق والشرقيين بوجه عام كما يتهم الأستاذ عمارة بل أن كتابات موسى احتوت إشارات عديدة تدل على احترامه لحضارات الشرق وبخاصة حضارة الهند حيث ذكر في إحدى المناسبات أنه يحس الصداقة تجاه نهرو وبالخصومة تجاه تشرشل وعبر في معرض حديثه عن الرجال الذين أثروا على تربيته عن تقدير خاص للهندي غاندي، أما الغرب الذي دعا سلامة موسى إلى التوحد معه والتمثل بمنجزاته الثقافية والحضارية فهو الغرب الذي يحيا على العلم والصناعة والديموقراطية والمساواة بين الجنسين واستقلال الشخصية والنظرة الموضوعية لهذه الدنيا والحُكم البرلماني.
يتحامل الأستاذ محمد عمارة ويبتعد عن الموضوعية عندما يتهمه بالعمالة السياسية من المحتل الغربي فقد كان سلامة موسى مدركاً لحقيقة أن الغرب لا يعني العقلية النقدية والتقدم والديموقراطية فحسب بل يعنى كذلك الاستعمار العدواني والاستغلالي والمعادي لنهضة الشرق وتقدمه صحيح أنه مثل كثيرين من الداعمين للتيار الليبرالي المصري قد راهن في مرحلة من المراحل على الدور التحديثي للإنجليز بمصر إلا أنه كان يعارض وبحزم الظاهرة الاستعمارية الأوربية وفضح ممارسات الاستعمار بمصر بل أنه عبر بصراحة عن قناعاته بأن ممارسات المستعمرين الأوربيين تحول دون انفتاح المصريين على الثقافة الأوربية ، كانت مقاربة سلامة موسى لمسألة الوطنية متدرجة في زمان كانت فيه القومية المصرية قد أصبحت مقبولة ومألوفة لدى الجميع ومتأثرة بمواقف التيار الذي أسس "حزب الأمة" وكان من أبرز رموزه أحمد لطفي السيد والعجيب أن الأستاذ عمارة الذي يتهم سلامة موسى بأنه أقام تعارض بين الوطنية المصرية والقومية العربية كان هو نفسه من أشار لخصائص الحركة الوطنية في مصر وتمايزها عن الحركة القومية في بلاد الشام بقوله" وإذا كانت أوضاع المجتمع المصري في عصر الكواكبي قد شهدت تياراً قومياً يناهض الخلافة العثمانية دون أن يستبدلها بفكرة العروبة والقومية العربية وهو التيار الذي تمثل حينئذ في حزب الأمة تحت قيادة مفكره وفيلسوفه المرحوم الأستاذ أحمد لطفي السيد فقد كان السر في ذلك هو اكتمال خصائص استقلالية ونمو مميزات خاصة للمجتمع المصري تتيح له الاستقلال عن باقي أجزاء العالم العربي دون أن يعاني قلقاً أو اضطراراً إلى الدخول في نوع من الوحدة أو الاتحاد كشرط للحياة والبقاء".
سلامة موسى كان يرى أن تأخرنا اللغوي من أعظم الأسباب لتأخرنا الاجتماعي فالعلوم لا تزال خرساء في اللغة العربية ونحن مازلنا نقتبس عبارات عربية يعافها الذهن الذكي ومرجع تلك العبارات تلك البلاغة العاطفية الانفعالية التي تعلمناها وغرست في نفوسنا قيم مزيفة للاستعارة والمجاز لذلك كله دعا سلامة موسى الشباب المصري لدراسة اللغات الأجنبية المتمدينة ليستعينوا بتلك اللغات على الاتصال العالمي ، أي أنه لايمكن للباحث أن يستوعب موقف سلامة موسى من مسألة تحديث اللغة العربية إلا بعد أن يدرجه في سياق نزوعه الإنساني العام القائم على أساس الدعوة إلى العالمية والإيمان بأن العالم يقترب من العقلية الكوكبية والثقافة الكوكبية وربما اللغة الكوكبية.

"كيف يمكن التعامل مع مشروع سلامة موسى الفكري في عصر اليوم"

الأستاذ ماهر الشريف يرى أن شعار "عودوا إلى القدماء" بوجه عام هو شعار الإفلاس كما كان يرى سلامة موسى نفسه حيث كان يقول أن القدماء ليسوا أفضل منا وهم لا يعرفون مقدار ما نعرف، لكن هذا ليس معناه إننا لا نحتاج سلامة موسى الآن بل نحتاجه لكن في ماذا نحتاجه؟ هذا هو السؤال الذي يمكننا أن نجاوبه ونقول إننا نحتاج أسلوب تفكير سلامة موسى المنفتح والمتحرر من أسر الأيديولوجيات المغلقة على نفسها وهذا التفكير المنفتح منح موسى طرح أسئلة وإشكاليات سابقة لعصره وبالتالي خاض غمار الأفكار الصعبة التي جعلت منه مفكر قادر على تصور المستقبل واكتشاف ملامحه بشكل أذهلنا جميعاً.

الأستاذ حسين فوزي الكاتب الصحفي يرى في مقال له تحت عنوان "هذا مصري أصيل" أن سلامة موسى لم يحتل مكانته الحقيقية في تاريخ مصر وعندما ينال حقه من التكريم سيدرك كثيرين من أصحاب الفكر الحُر أن مصر عرفت للفكر الحُر مكانته وللشجاعة الأدبية معناها وللعلم مقامه ليس كمجرد أداة مادية تسير ألألأت أو تحقيق للإنسان منافع بل كأرفع صورة للفكر تقف إلى جانب الفن كأرفع صور الإحساس.

هؤلاء علموني أحد كتب سلامة موسى وتناول من خلاله عدد من الشخصيات التي أثرت في مساره الفكري وينصح الأستاذ أحمد حافظ وهو كاتب مصري أن يتخذه الشباب محوراً لقراءاتهم في بداية حياتهم ليستخرجوا العبرة من حياة وإنجازات العظماء الذين أضاءوا التاريخ، وعليهم بعد ذلك الاستطلاع والتساؤل ليختار كل منهم بعد ذلك طريقة.

عن الحوار المتمدن

Post: #77
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 03-05-2008, 04:34 AM
Parent: #76

شباب المسلم و التطرف
جريس سالم بقاعين
[email protected]
2008 / 2 / 21


أن يعلن أحد الشباب عن اعتناقه للفكر السياسي الإسلامي فهذا رأي في تقدير البعض، واندفاع في تقديري. لأنني أرى أن الدين يجب أن لا يقحم في السياسة ولا أن يلوث بمغامرات الساسة، وأبعد ما يكون عن تمثيله لنظرية سياسية متكاملة لأن ساحته مختلفة، ولأن أصحاب الدعاوي لم يقدموا لنا دليلا أو برنامجا متكاملا يرضي أذهان البسطاء من أمثالي على الأقل- بيد أن هذا مجال حديث آخر، ويكفينا الآن أن يتراوح حكمنا على الباب بين الرأي والاندفاع، وأن نراقب هذا الشاب وهو يتجاوز الإيمان بما يقول، إلى نعت المخالفين له بالكفر والجاهلية، الأمر الذي قد يدفع من وصفوا موقفه الأول بالرأي إلى وصفه بالتطرف إلى مراقبته وهو يتطور فيمتشق سلاحا ربما كان سيفا إذا كانت أصوليته نقية، أو مدفعا رشاشا إذا أخضع أصوليته لمواءمات العصر، وها هو يحمل دم المختلفين معه، طاعنا إياهم بالسيف أو مطلقا عليهم الرصاص دافعا من وصفوا موقفه السابق بالاندفاع إلى وصف موقفه الجديد بالتطرف، ودافعا لي إلى وصف موقفه الجديد بالإرهاب لا أكثر ولا أقل. لا بأس أن نختلف حول تقييم هذه المواقف، فالتطرف مدخل إلى الإرهاب، والإرهاب تعبير عن التطرف وكلاهما اندفاع وكلاهما شر بلا شك، وإثم بلا ريبة.
من أين يبدأ مثلث الفزع السابق: الاندفاع- التطرف- الإرهاب
لا شك في أن نقطة البدء كامنا في مناهجنا التعليمية التي يتلقاها النشء، وأننا بالتالي أصحاب الفضل ( إن سمي ذلك فضلا) في غرس جذور التطرف في نفوسهم. وأمامي نموذج حي على ذلك ساقته الأقدار إلي – حين تعثر أحد أبناء صديق لي في امتحان اللغة العربية، فتناول الأب الكتاب قاصدا مساعدة ابنه وكان عنوان الدرس "نشيد النصر"، وكان نص ما ورد تحت هذا العنوان إن من واجب العرب أن يشكروا الله وفضله عليهم، لأنه نصرهم على العدو الصهيوني وكان النصر عظيما، وقد جاء النصر ثمرة الإيمان الصحيح والعزم القوي والصبر مع العمل المتصل....
لقد عبر الجنود وانتصروا وتغلبوا على كل صعب، وكان النداء الذي يتردد "الله أكبر، الله أكبر...." وهذا الانتصار يرجعه الدرس إلى أربعة أسباب: 1. الإيمان الصحيح. 2. العزم القوي. 3. الصبر. 4. العمل المتصل، وينتهي الدرس باستخلاص النتيجة وهو ترديد الجنود العرب الله أكبر، الله أكبر.
واضح من الترتيب أن العامل الأساسي والحيوي في النصر قد احتل المرتبة الأخيرة عن عمد، وأنه ذكر وكأنه كتب سهوا، وبديهي أن ترتيب أسباب النصر بهذه الصورة، سوف يدعو المدرس والطالب إلى إغلاق أذهانهم وحجبهم عن التفكير، الذي سوف يقودهم إلى أسئلة تعني إجابتها رفض الدرس بما يحتويه، إن الطالب سوف يعجز عن تفسير سبب هزيمة العرب مثلا في الحروب الأخرى مثل حرب 1967، لأن حدوثها يعني أن العرب قد فقدوا إيمانهم الصحيح لفترة أو انهارت عزائمهم أو تخلوا عن فضيلة الصبر، وسوف يكون عنده تفسير واحد وهو: كفر آبائه الصريح. وربما يتصور على أن الهزيمة هي نصر إلهي لليهود ورضا منه على أفعالهم، وأنا هنا لا أدعو إلى رفض الإيمان أو استنكاره، لأنني أعتقد أن ما ورد في الدرس السابق يمثل منهجا يأباه العقل والمنطق، بل إنه يطرح في الحقيقة منهجا عكسيا والتاريخ مليء بالنماذج... ولنأخذ درس غزوة أحد...
كان يسيرا على الله أن ينتصر المسلمون في أحد، فالظروف ممهدة لانتصار لا شك فيه، فالمسلمون المحاربون هم السابقون الأولون، وأولئك هم المقربون وقائد الجيش هو النبي محمد، ولم بكن المسلمون في حاجة إلى صيحة الله أكبر، لأنها كانت محور حياتهم ونضيف إلى ذلك ما هو ثابت بالنص القرآني من مساندة الملائكة للمسلمين (سورة آل عمران) ورغم ذلك كله (جيش الصحابة، قيادة النبي، صدق الإسلام، مساندة الملائكة) انهزم المسلمون وانتصر المشركون.... وفسر القرآن وكتب السيرة سبب الهزيمة هو ترك المسلمون لمواقعهم سعيا وراء الغنائم أي أنه خطأ فني أجاد المشركون استغلاله...
أي دلالة أوضح من هذه الدلالة على أن الاستعداد الجيد للحرب هو الأساس والتدريب الجيد على مواجهة المواقف هو الفيصل، واتخاذ القرارات المناسبة لسير العمليات هو المنهج، وإذا اختل هذا، فلا يشفع للجيش أن يكون قائده النبي، أو أن يكون جنده خير الصحابة أو أن يكون سنده الملائكة، أو أن تكون صيحته الله أكبر ولا إله إلا الله.
ألا يدرك كاتبو الدرس الآن أنهم يعكسون القصد ويقلبون الحقائق، وأنهم يمهدون الأرض للتطرف بلويهم الحقيقة.
نعم فسوف يستقر في ذهن النشء أن مدخلهم للحاق بالحضارة ومواجهة تحديات العصر يبدأ بالنصيحة وينتهي بالبركة، أما العلم والعمل والتدريب فتأتي جميعا في النهاية أو لا تأتي فلا ضرر ولا ضرار.
نعم... سوف يتدرب النشء على إلغاء العقل وعلى استبعاد التساؤلات وتجاهل المنطق وعلى فبول أي رأي بالتسليم وليس بالتمحيص، وسوف يتبع البعض في المستقبل رأيا شاذا لمجرد أنه مكتوب في تراث ابن تيمية أو أنه منطوق على لسان الشعراوي أو القرضاوي أو...أو أحد أمراء الجماعات الإسلامية.
ويبقى ما هو أخطر وهو ما تيقنت منه وأنا أسأل ابن صديقي عن تصوره في معلوماته عن الإسلام من خلال ما تلقنه من دروس الدين في المدرسة، فإذا بمعظم حديثه منحصرا في غزوات الرسول وإذا بالدين الإسلامي قد يتبرمج في عقل الطفل بقدرة المناهج الدراسية إلى دين حرب وإذا بهم يلقنون النشء أن الجهاد ركن من أركان العقيدة في الإسلام...فبالتالي سوف يستحل دم المخالفين له ويتبنى الجهاد المسلح ضد مواطنيه.
والغريب والمبكي والمضحك معا أن قد شاع مؤخرا أن وجدنا من يتنادون بتدريس فنون الكر والفر في الكليات العسكرية وحيث تقدم البحوث في كلية أركان الحرب عن عبقري الفن العسكري في غزوة كذا أو غزوة كذا... وقد يتدخل الكثيرون حين يعلمون أن مجموع قتلى المسلمين والمشركين في جميع الغزوات من واقع سيرة ابن هشام يبلغ 251 قتيلا: 139 من المسلمين، و112 من المشركين. وحسب السيرة لم تكن هناك حرب ولا ضحايا في تبوك، والمسلمين قد انتصروا في غزوتين: بدر، بنو المصطلق، وانهزموا في غزوتين: أحد، ومؤتة، وأفشلوا حصارا: الخندق. ونجحوا في حصار: خيبر، وفشلوا في حصارين: حنين والطائف، ودلالة على ما سردناه فيما سبق، يجب أن نتنبه إلى غياب النظرة الشاملة للدين، فالدين عقيدة وعبادة وقيم ومثل وتعامل بالمعروف، وليس كما في بعض العقول المتخلفة منهج اقتصاد أو كتاب طب. ويا أسفاه على من مهدوا للتطرف بإخفاء الحقائق، وزرعوا في النفوس سبيل الحرب، وقتلوا العقل في الجيل الصاعد، فما رأيك يا صديقي ببعض شباب الجامعات الإسلامية في جامعة أسيوط في مصر يرفضون الذهاب إلى الجامعة في سيارة أو على دراجة ويفضلون تأكيدا للأصولية أن يذهبوا ممتطين "دابة"، أو بعض من الجماعة الملتحين بثيابهم البيضاء يسيرون صوب الصحراء في تثاقل وبخطوات شديدة البطء وأيديهم متشابكة يذهبون لقضاء حاجتهم في الخلاء مصداقا لبيانهم الشهير "سلوك الجهلاء وآداب قضاء الحاجة في الخلاء"، ثم تعود نفس المجموعة مسرعة الخطو وأرادها يتقافزون خفة وسعادة ويربت كل منهم على كتف زميله في سرور مرددا شفيتم...شفيتم.
ونتساءل معا: تحت أي بند من البنود يمكن أن نصنف الأحداث السابقة:
- هل السبب كامن في أننا لم ندفع ثمنا للحضارة، وإنما انتقلت إلينا على يد الرواد، فسهل علينا خلعها، لأنها لم تكن إلا قشرة واهية وآن الأوان لدفع الثمن؟
- هل انسحقنا جميعا لهزيمة حزيران 1967، فتعاملنا مع العالم بمنطق المهزوم الذي ينسحق إلى داخله عند التحدي ويفضل الارتداد خلفا بدلا من التقدم؟
- هل كنا ضحية تزييف التاريخ، حيث نقله إلينا الرواد مصفى من شوائب القهر والانحلال؟
- هل ترهلت عقولنا حتى عز عليها التفكير، وتفرقت أفكارنا حتى عز عليها التجديد وترفعت طاقاتنا عن الإبداع وأذهانا عن استيعاب مفهوم الفكرة والنقيض، فاسترحنا إلى أول طارق يعد بإلغاء كل ذلك؟؟؟
- هل هي الأزمات الاقتصادية التي نعانيها والتي كانت تنبئ باليسار فإذا هو عاجز، بل إذا ببعض رموزه تتساقط كالثمار الناضجة في ساحة التطرف، وتراهن على الحل في الفردوس، وتعد من لا يملك بيتا يؤويه بقصر في الجنة
- هل هي القوى الكبرى التي لا تريد سلاما للمنطقة ولا تنمية لشعوبها ويعنيها أن ننسحب من صراع القوى العالمية، إلى الخلاف حول حديث الذبابة، وبول البعير، ومن قيادة العالم الثالث إلى بحث أحوال العالم الآخر، ومن سباق الفضاء إلى سباق قضاء الحاجة في الخلاء؟
- هل هو الإعلام المغيب للوعي، المعادي للتقدم، المعتدي على التقدم المساند لكل دعاوي الردة الحضارية؟
فمتى ننتهي من قضية أن النصر أتى على جناح الملائكة واستجابة لصيحة الله أكبر وانتصارا لخطة "بدر" وتأكيدا لفضل رمضان وهكذا.......
أعرفتم الآن لماذا ارتبط التطرف بالشباب؟ لأننا اغتلنا أحلامهم في مستقبل أفضل، واغتلنا أفكارهم بمناهج متخلفة حقيرة. واغتلنا ذاكرتهم بتزييف التاريخ، واغتلنا وعيهم حين علمناهم أن يروا الحقيقة من زاوية واحدة، واغتلنا أبصارهم حين حصرنا الألوان في الأبيض والأسود تماما كما اختزلها الإسلاميون في الجنة والنار..... وليس لنا أن نندهش لأنكم أنتم بتعاليمكم الفعلة مع سبق الإصرار والترصد، وهي حقيقة مريرة بقدر ما هي صحيحة.

عن الحوار المتمدن

Post: #78
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 03-05-2008, 04:39 AM
Parent: #76

الفتوى بين الكسل ....... والجهل
مهند الحسيني
[email protected]
2008 / 2 / 20


في هذا الزمن الذي تعطل فيه عقل الفردالعربي والمسلم وحيث انحسر ابداعه الانساني والحضاري وفي شتى محاور الحياة , اذ لم يجد هذاالفرد مكانا يسعه ويريح عقله الخامل الا عند فقهاء الموت والدجل والتخلف , وللأسف ان هؤلاء قد جهدوا لان يزيلوا من عقله كل الثقافات الانسانية الراقية وحشروا فيه روح الكراهية للاخر وشجعوه وثقفوه بثقافة الموت وعلى انها المخلص له من هذه الحياة الفانية التي هي ليست اكثر من جسر تصله لجنة الخلد .. حيث هناك الحورالعين والغلمان والخمر والعسل(!) … هذا بعد بعد ان ياخذ بفتاواهم ويطبقها حرفيا وبغض النظر عن شرعيتها ومصداقيتها .
و لم نرى من هذه الفتاوى سوى انحسارا فكريا وتقهقرا حضاريا وبونا شاسعا بيننا وبين الغرب من ناحية الفكر والحضارة والتقنية الحديثة , فلقد اقنع هؤلاء الوعاظ الجماهير الجاهلة بان اي شئ من الاخر هو مصدر افساد لعقولنا واخلاقنا وما هو بحقيقته الا مؤامرة كبرى تحاك ضدنا ! , وكان الذي عندنا هو الصلاح ذاته , او ربما انه الفكر الذي ينبغي للجميع ان يؤمنوا به مكرهين او … مجبرين !!(( وبعيدا عن قبول الاخر لهذا الراي الفاسد )) .

فالملاحظ من هذا الفساد والخراب الفكري ان تكونت في اوطاننا اسواقا فاسدة وذات رائحة كريهة وهي اسواق ودكاكين الفتاوى التي يديرها وعاظ السلاطين والموت , يحسبها الظمان ماءا يرويه من عطشه وماهي الا ماءا اسنا .
ويعتقد البعض بان هذه الفتاوى هي حلا لمشاكله المستعصية وهي المخلص لهذه الامة المهزومة والتي هي مهزومة من قبل نفسها لا من غيرها مثل ما يعتقدون , فالجماهير العربية هي مغيبة وجائعة وفاقدة الامل في خلاصها من محنها المتعددة وهي ترزح تحت وطاة الجهل وحكامهم المهزومين ايضا , فلا يخفى على الجميع بان مصدر اكثر هذه الفتاوى هي باصلها تصدر بمباركة هذه الانظمة الحاكمة ولغايات تصب في مصلحة بقائها على عرش الحكم .
وحتى بالنسبه لنجوم الافتاء من المشايخ فجلهم ان لم اقل اجمعهم ما هم في حقيقتهم الا موظفين لدى الحاكم بامره المنصور بالله ... والمفدى ياتمرون بامره فان غضب ونقم صبت فتاواهم ضد من نقم عنه الحاكم وان رضى على فئة ما اتت فتاواهم لصالح هذه الفئة وهكذا دواليك .
هذا بما يخص مشاهر المفتين اما بالنسبة للمفتى لهم فاعتقد ان هذه الحلول العقيمة والنتاجات الهزيلة (( المتمثلة بالفتاوى الميسرة )) ماهي الا تعويضا للنقص الحاصل في النتاج الفكري والتواصل الحضاري في عصرنا هذا , والذي اصبح عبارة عن قرية اصغر من ان نوصفها صغيرة وهذه الفتاوى لا تمت باي صلة للفكر الانساني الحديث او في الرقي الحضاري الحاصل اذ لم نرى او نسمع ان ايا ً من هذه الفتاوى قد ساهمت في تطور الانسانية لأنها اصبحت فقط مكانا يلجا اليه كل فاشل وكل جاهل ومن يرفض هذه الحداثة ويرفض اي تقدم لها على انه مفسدة وبدعة غربية تريد بهم وبدينهم الشر (!) , فانهم وللأسف يحاولون جاهدين العودة بنا الى الخيمة البدوية ويحسبوها من المقدسات الاسلامية التراثية .. ويطالبون بالغاء جميع وسائل العلم على انها مخالفة للشرع الالهي (!) , اي انحدار واي سقوط هذا الذي نعانيه من ظلال الله الوارفة ؟؟!! وأي درب يسيرون عليه اصحاب دكاكين الفتوى غير قيادة هذه الجماهير الى دروب الهاوية السحيق .
ومن خلال الواقع اليومي الذي نعيشه أعتقد ان المسلمون وخاصة في ايامنا هذه هم في حالة من الانكسار والتقهقر الواضح وهو ناتج من ايديهم لا من ايادي الغير لانهم يرفضون اي شئ بزعم انه من البدع المنكرة والمؤامرات التي تريد شرا بهم , فحتى الديمقراطية هم يرفضوها لانها بدعة وضلالة مابعدها ضلالة اذ هي بالنسبه لهم لم تكن منهجا للسلف الصالح وما يخالف السلف الصالح هو ابتعاد عن الدين وشرعه !! .
فحتى حقوق الانسان بالنسبة لهم هي مفسدة وشيئا منكرا لا وجود له في الشريعة ,وما يثير الاستغراب ان هؤلاء اصحاب دكاكين الفتوى تراهم ياخذون من الحداثة ما يناسبهم فالملذات التي يستلذون بها هي مقبولة لديهم ولكن الفكر هو من المحرمات ولا يقبلون الاخذ به بل احيانا يكفرون المفكرين ويحللون قتلهم وصلبهم من خلاف ومثل ما حدث مع شهيد الكلمة فرج فودة والسيد القمني في محاولاتهم اسكاته وما حدث من الاصوات التي تطالب باقامة حد الحرابة على الدكتورة نوال سعداوي في مصر , وايضا مثل ما يحدث في جميع الاراضي العربية من تغييب الصوت الحر واقصائه بشتى الطرق بزعائم شتى ومنها الزندقة والردة (!).
للأسف هم لا يريدوا المعرفة لانهم يعرفون جيدا بها سيكونوا حينها مفلسين و منبوذين من مريدهم السابقين فلذلك هم لا يشجعون على الاطلاع والقراءة بقدر دعواتهم الى الكسل الذهني وتعطيل العقول عن طريق اخذ المعلبات الفقهية الجاهزة والفاسدة لتقادم الزمن عليها ومن اناس جهلة سميوا باطلا وكذبا بـعلماء الامة !! واي امة هؤلاء هم علماءها ؟! اي امة مفتيها هو فضيلة الشيخ الزفتاوي واية الله الصرخي وما بينهما الكثير الكثير من القرضاويين الحمقى .

والمشكلة أن ظلال الله الوارفة لا نراهم يتفاعلون مع ما يحدث من مشاكل الحياة الاجتماعية من فقر ومن حرمان ولا نراهم يسارعون لاسعاف متطلبات هؤلاء الجماهير المحرومة بقدر ما تراهم يلهثون ويركعون على ابواب الامراء والسلاطين ويسبحون بحمد ولي الامر (!)
زمنهم من عزل نفس في ابراج عاجية عالية لا يصلها الى من فرغ راسه وتدلى كرشه وكبرت مؤخرته , غير معنيين بما يحدث حولهم في هذا العالم , واجزم لو كان الامر بايديهم لنسفوا غيرهم وبقوا هم في خيام التخلف وفرضوها على من بقى … فهم يكرهون الكل ويتحدون الكل ويرفضون الكل ولا يروق لهم سوى افكارهم المقيتة المتخلفة التي يضحك عليها الطفل قبل الكبير .
فاما ان الاوان لكي نلفظهم ؟ واما ان الاوان كي نجعلهم يدركوا حقيقة انفسهم ؟
واود ان اوضح حقيقة مهمة للمتلقي كي لا يوصفني البعض بانني خارج عن الملة ومن هذا الكلام الذي اعتدنا سماعه كثيرا حين نقول راينا بهؤلاء السذج واللئام وهي : ان طبقة رجال الدين لا اصل لها ولا وجود في وقت الرسول ولا حتى في شرائع الاسلام فهم طبقة طفيلية تكونت من ركود الفكر الاسلامي واصبحت طافية على سطح مستنقع التخلف والركون الى الماضي واعتادت هذه الطبقة المخملية ان تسترزق من خلال فتاويها المضحكة وعلى حساب دينهم وجماهيرهم .
ولكن البعض من الذين اقتنعوا بتعطيل عقولهم فضلوا حلول وعاظهم كي يستريحوا من التفكير بأخذها جاهزة وميسرة , وبالطبع وهي طريقة سهلة وليست صعبة بالنسبة لهم فلا حراك عقلي ولا جهدا يذكر"ذبهة براس عالم واطلع سالم" .
وبدوره هذا الفقيه المزعوم هوكذلك اجهل من مريديه ومستفتيه لانه لا يجد ولا يجهد نفسه ايضا سوى في استنباط واستخراج ترهات موجودة في بواطن الكتب القديمة التي اصابها الاصفرار واكلتها نار الحداثة السريعة الاشتعال .. وقد تلاقي خمول العوام مع جهل من يدعي العلم "وهو رجل الدين ", وتصوورا كم هي الكارثة بعد ان تتناغم موجات جهل الطرفين وخمولهم الفكري .... وهل بعد ذلك يوجداحد ممن يستغرب او يستعجب لجهل وتخلف العرب والمسلمين ؟!!!
وأسال الجميع سؤالا مشروعا :
هل كان لرجل الدين في يوما من الايام دورا حضاريا وانسانيا …. وفكريا ؟!!!

فقهاء ام …….
ومن جملة هذه الفتاوى هناك فتاوى تثير البكاء قبل الضحك مثل ارضاع الموظفة لزملاءها كي تكون امهم بالرضاعة وحتى لا يكون هناك حراما في الموضوع , وحتى يصبح ايصاد المكاتب الوظيفية في وقت الظهيرة شيئا مشروعا لا حرام فيه !!!
بربكم هل من فتى بهذه الفتوى هو مفتي ؟؟ ام هو في حقيقته قواد كبير .. ثم لم يخبرنا من افتى بهذه الفتوى العجيبة كيف ستكون طريقة الارضاع ؟؟؟!! واين تحصل هل على منضدة العمل او ربما ستوفر المؤسات الوظيفية اسرة خاصة ؟؟!!
وهل ستتم بوجود احد من الوعاظ اوبحضور شهود العدل من بقية الموظفين ام ربما في خلوة شرعية ؟؟!!
هذه اسئلة كنت اتمنى ان يتطرق لها من فتى بهذه الفتوى النووية الخارقة الحارقة ,فان طابقت النصوص القديمة مثل تشريع هكذا فتوى فكيف لنا ان نلغي عقولنا ونرضى بها ؟؟!!
بربكم هل بهذه العقلية تسير الاوطان والامم ؟!!
ولكي اكون امينا في نقلي بان هذه الفتوى هي باصلها لم تساير الذوق العام وتم انكارها وبعدها ابطل مفعولها وكانها قنبلة موقوتة يبطلونها كما يشاوؤون ووقت مايريدون ولم يحاسبوا انفسهم على ما سبق من فتاوى اشد سخفا وضحكا على الذقون (( بعض الفتاوى تعتبر فتوى الارضاع امامها شيئا هينا)) .
نعم .... هم اعترفوا بقلة ذوق المفتين والشرع الذي منه يستنبطون فتاواهم فهل سيعترفون بباقي الفتاوى المضحكة ؟؟!!
والغريب في الامر بالرغم من كل هذه الهنات والعثرات لا يزال الفقيه المفتي يحضى باحترام الجماهير , وهو محق ولم يجانب الصواب حين راهن على جهلهم وتخلفهم المقيت …
وبالطبع ومثل ما ذكرت في بداية مقالي هذا الذي يحدث لا ابرء منه جميع الحكومات العربية لانهم استخدموا الفقهاء مطايا لهم لتثبيت اركان حكمهم الدكتاتوري , وهؤلاء بدورهم ايضا جعلوا من الفرد مطية لهم .. ياخذ بكلامهم ويبكي حين يذكروه بيوم الحساب وكان جهنم هي فقط للبسطاء والعوام وجنات النعيم هي خصيصا للحكام والاغنياء والمتنفذين ومعهم اصحاب الفتاوى فلهم تاشيرة خضراء " غرين كارد", فهم في كل زمان ومكان لهم حصة الاسد من النصيب !!
وللأسف اصبح الفرد في مجتمعاتنا مدمنا لعبودية الحاكم و لرجل الدين الذي الاصح ان نسميه (( جوكر )) البلاطات الرئاسية والملكية التي يفتي لها حسب الطلب .. مقابل الاخضر الفتان ... فلا حلول لنا ولمواكبة العصر والواقع غير ترك هؤلاء الفقهاء , ولنتركهم ينبحوا ظهيرة كل جمعة لوحدهم يدعون على هؤلاء ويزلزلون الارض من تحت اقدام الاخرين , لان الحياة بظلهم معدومة وتكاد ان تكون مستحيلة , اما اذا بقيتم على حالتكم فلا قول لدي غير :
ظلوا على نومتكم هذه ياجماهير مهزومين لحكام مهزومين ايضا , وهنيئا لكم باستبدال الفكر المتنور بالفتاوى الميسرة والمجهدة منها .
ورحم الله المتنبي حين وصفكم قائلا : كفى يا امة ضحكت من جهلها الامم

الحوار المتمدن

Post: #79
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 03-05-2008, 05:14 AM
Parent: #78


التعريف بالإسلام هو الحل
بقلم :د.محمد قيراط



مرة أخرى تعود مشكلة الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم إلى الواجهة بعد أن قررت الصحف الدنماركية إعادة نشرها وهذا يعني الإصرار والتكرار والاجتراء على الله ورسوله. وباسم الدفاع عن حرية الصحافة دعا وزير الداخلية الألماني فولفغانغ شوبيل الأسبوع الماضي جميع الصحف الأوروبية إلى نشر الرسوم المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم.


تعنت بعض الصحف الغربية وبعض الدول الغربية في إعادة النشر والإصرار على ممارسة حرية الصحافة بالإساءة إلى الأنبياء والرسل والديانات والمعتقدات يضع الدول العربية والإسلامية أمام تحديات كبيرة جداً للتصرف بعقلانية وانضباط ومنطق وهذا من خلال الدفاع عن الإسلام وتصحيح صورته وإصلاح البيت من الداخل. فالعمل يتوجب تفنيد الأكاذيب وشرح وتوضيح حقيقة الإسلام وسماحته وليس الرد بانفعال وتعصب وعنف.


مشكلة الإساءة للإسلام والمسلمين والعرب ليست وليدة البارحة ولا تعود للرسوم الكاريكاتورية التي نشرتها صحف في الدنمارك والنرويج ودول أوروبية أخرى، بل المشكلة لها جذور في التاريخ. فهناك أفلام ومقالات وكتابات وقصص عديدة وحتى كتب مدرسية في بعض الدول الغربية شوّهت الإسلام والدين الحنيف وأساءت للرسول صلى الله عليه وسلم.


هوليود لها تاريخ طويل مع تشويه صورة المسلم والعربي والإسلام، فغالباً ما تُقدم هذه الصورة في شخص الماكر والمجرم وزير النساء. وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي جاءت ظاهرة الإسلاموفوبيا لتجعل من الإسلام العدو الكبير للغرب والخطر الدائم على أمنه وسلامته واستقراره وديمقراطيته وحريته.


والقضية كلها تتمثل في صراع حضاري ثقافي ديني. فالغرب بعد انهيار الشيوعية والكتلة الشرقية جعل من الإسلام العدو الجديد، الخصم الذي يجب أن يُطوق ويُحاصر ويُحتوى من كل الزوايا والجهات، العدو اللدود الذي يجب استئصاله والقضاء عليه نهائياً.


فبعد مرور ثلاث سنوات على الرسوم الكاريكاتورية التي نشرتها الصحيفة الدنماركية ومن بعدها صحف أوروبية عديدة والتي أساءت للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، تعيد الصحف الدنماركية نشر نفس الرسوم الكاريكاتورية بحجة التمسك بحرية التعبير الأمر الذي أثار موجة من الاستياء والغضب في الشارع العربي والإسلامي من الخرطوم إلى جاكرتا.


وما زال التعنت الدنماركي قائماً حيث عدم الاعتراف بالخطأ والاعتذار، بل التعنت وتكرار نفس الخطأ ونفس الإساءة والتطاول.


والتبرير حسب المتلاعبين بالعقول والمنظرين الأوروبيين هو حرية التعبير وقدسيتها وضرورة عدم المساس بها. لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو: هل باسم حرية التعبير نسمح لأنفسنا أن نسيء إلى الآخرين ومعتقداتهم ورموزهم الدينية؟ وهل تعني حرية التعبير عدم الأخذ بعين الاعتبار خصوصية الآخر وثقافته ودينه؟


وهل باسم حرية التعبير نفرض قيمنا وأفكارنا على الآخر؟ وهل باسم حرية التعبير نقصي ثقافة الآخر وعاداته وتقاليده ونفرض عليه قيمنا ونظرتنا؟ وأي حرية هذه التي تسيء إلى الآخر وإلى دينه ومعتقداته؟ مع الأسف الشديد ما زال الغرب ينظر للآخر على أنه متخلف وجاهل ولا يملك مقومات النجاح والتفوق، وما زالت مشاعر الاستعلاء والاحتقار والازدراء والاستهزاء مسيطرة على وجدان العديد من صانعي الرأي العام والنخب المثقفة والشعوب في الشمال.


ما الفائدة من حوار الحضارات وحوار الثقافات وحوار الأديان في غياب احترام خصوصية الآخر، وفرض قيم معينة ومعايير محددة قد تصلح لثقافة معينة ولا تصلح لثقافة أخرى. فمنطق حرية التعبير وحرية الفكر وحرية الصحافة لا يسمح بالإساءة للآخر ولا يسمح بالتجريح والتشويه والتضليل والاستهزاء وعدم احترام الرموز المقدسة ومعتقدات وديانات الشعوب.


عندما صرح الرئيس الإيراني أحمدي نجاد بأن الهولوكوست أكذوبة وفبركة صهيونية شنت وسائل الإعلام والحكومات الغربية حرباً شعواء على الرئيس الإيراني ووصفته بكل النعوت والصفات السلبية. المفارقة هنا هي لماذا لا يعتبر المنطق الغربي تصريحات الرئيس الإيراني حقاً من حقوقه في التعبير والرأي.


وإذا انطلقنا من مبدأ حرية التعبير الذي يتغنى به الدنماركيون وغيرهم من المنظرين وفلاسفة الغرب، أين كانوا وأين كان هذا المبدأ؟ مبدأ حرية التعبير عندما تمت محاكمة الكاتب الفرنسي المسلم رجاء جارودي لأنه كتب كتاباً كشف فيه الأساطير المؤسسة لإسرائيل وأكذوبة المحرقة ـ الهولوكوست ـ بالأدلة والأرقام والحجج والبراهين؟


وأين كان مبدأ حرية التعبير في أرض ـ الحرية والمساواة والأخوة ـ عندما تم طرد طالبتين مغربيتين من ثانوية بفرنسا بسبب لباسهما الإسلامي المحتشم؟ ومن منا لا يتذكر قضية سلمان رشدي وكتابه (الآيات الشيطانية) ومن منا لا يتذكر قضية الكاتبة البنغالية تسليمه نسرين.


آليات الإساءة للإسلام وإلى الرموز الدينية والمقدسات الدينية باسم حرية التعبير وحرية الصحافة والكيل بمكيالين والتلاعب بالمصطلحات والكلمات من أجل فرض صور نمطية وآليات التشويه والتضليل والفبركة والتلاعب، تعتبر من الطرق والسبل التي تستعملها الآلة الإعلامية الغربية والصهيونية منذ زمن طويل من خلال مخرجات ومنتجات الصناعات الإعلامية والثقافية الضخمة التي تنتشر في جميع أنحاء المعمورة.


فتصرف الصحافة الدنماركية وغيرها ليس بالأمر الجديد وأنه غير مرشح للزوال في ظل هيمنة مجموعة من المنظرين المتطرفين الحاقدين على الآخر، والذين يؤمنون بصراع الحضارات ونهاية التاريخ والذين يؤمنون بأن الإسلام هو الخطر القادم وهو الدين الذي يدمر كل من لا يؤمن به.


أحسن وأنجع طريقة لمواجهة التضليل والتشويه والإساءات للإسلام والمسلمين والصور النمطية هي التعريف بالإسلام ونبي الرحمة لدى المسلمين وغير المسلمين وذلك بمختلف اللغات. والأولوية هنا يجب أن تعطى في المقام الأول للعدد الكبير من المسلمين في الغرب وربوع العالم وفي ديار الإسلام، الذين يجهلون الكثير عن دينهم مما يعني واجب إصلاح البيت من الداخل. الإسلام هو دين الحوار والتسامح ودين العلم والعقل والمنطق.


الإسلام دين يرفض الإرهاب ويقاوم الظلم والعدوان بكل أشكاله وصوره. تجدر الإشارة أن الهدف من الإساءات والتضليل والتشويه هو تأليب الشعوب الأوروبية على الوجود الإسلامي المتنامي بداخلها وعلى استمرار العدوان على أرض المسلمين. تكرار الإساءة لا يواجه بالصمت ولا بالحرق والقتل والتخريب وبغيرها من السبل والطرق التي تخالف الشريعة والمنطق والعقل والقيم والمبادئ الإنسانية، وهذا ما يبحث عنه أعداء الإسلام والمسيئون إليه.


حملات الإساءة وتكرارها يجب أن تُواجه بالتوضيح وبإيصال رسالة الإسلام الحقيقية إلى الذين يجهلون الكثير عن هذا الدين العظيم وعن رسوله خاتم الأنبياء.


والواقع أن المسؤول عن هذا الجهل بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم والإسلام هم المسلمون الذين أخفقوا وفشلوا في محاورة الآخر وإبصاره بحقيقة الإسلام وبعبقرية محمد.


هل يعي المسلمون أن الرأي العام الغربي ليس كله معادياً للإسلام وإنما هناك من يرفضون الإساءة للإسلام والتطاول على الرسول محمد خاتم الأنبياء، وهؤلاء هم العقلاء الذين يجب التحاور معهم والعمل معهم من أجل تطهير عقول الشعوب المغلوبة على أمرها في الدول الغربية وتخليصها من التلوث الإعلامي والثقافي والفكري وسموم الدعاية والحرب النفسية.


كلية الاتصال جامعة الشارقة


Post: #80
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 03-06-2008, 11:15 AM
Parent: #79


الإسلام هو الحل!!


هل هو حل فعلا؟

د. أحمد الربعي



لا اعتقد ان هناك شعارا مضللا ومخادعا مثل شعار الاخوان المسلمين في الانتخابات المصرية الذي يقول 'الاسلام هو الحل'!!
انه اختصار لعملية هروب كبري من مواجهة الحقيقة، بما فيها الحقيقة الاسلامية فليس أسهل من ان يقول لك احدهم 'الدواء هو الحل' للأمراض، وهذا صحيح ان الدواء هو حل، ولكن السؤال ان هناك امراضا عديدة تحتاج إلي ادوية مختلفة، ولو 'لخبطنا' هذه الأدوية التي هي علاج للناس ووضعناها في غير موضعها لأدي ذلك إلي كارثة!!
الاسلام هو الحل هروب من مواجهة التحديات، بل هو ضحك علي الذقون ولو جاء أحدنا وسأل احد جهابذة الاخوان المسلمين سؤالا بسيطا. الاسلام حل لماذا؟ هناك مشكلة اقتصادية يواجهها المجتمع المصري، وهناك مشكلة الديمقراطية، وهناك مشكلة الامية، والبطالة، ومشكلة التعليم والثقافة وغيرها!! فهل لديكم اجوبة محددة علي هذه المشكلات المحددة.
هل يكفي القول ان الاسلام هو الحل لمشكلة البطالة ام ان المطلوب وضع حلول لهذه المشكلة تتعلق بتوفير فرص العمل، وفتح المدن الجديدة، وتحسين كفاءة التعليم والتدريب، واطلاق المبادرات الفردية وهذه كلها امور لا تتعارض بالتأكيد مع الاسلام لكنها تحتاج إلي مسلمين يضعون مثل هذه الحلول التفصيلية كبرنامج انتخابي ويضعون آليات التنفيذ ويواجهون التحديات بدلا من مخادعة الناس بشعارات فضفاضة وكسولة وبلا مدلول!!
ثم اذا كان شعار الاخوان هو: الاسلام هو الحل، فهل هذا يعني ان شعار بقية الاحزاب: الوطني، والوفد، والتجمع، وغيرها هو ان الإسلام ليس الحل، أم ان الاخوان يعتقدون ان الإسلام بضاعة يحتكرون تجارتها وليس دينا لاغلبية الشعب المصري!!
لو سألنا احدهم سؤالا يقول نعم الاسلام هو الحل، ولكن أي اسلام؟ بمعني اي فهم من المفاهيم الشائعة للإسلام، ونحن بالتأكيد نتحدث بالشرائع وليس بالعقائد. هل هو اسلام حركة طالبان التي تكفر المجتمع وتضطهد النساء، أم هو اسلام الجمهورية الاسلامية الإيرانية التي لا يستطيع المسلم ترشيح نفسه للانتخاب إلا بموافقة لجنة من 'الملالي' ام هو النموذج الاسلامي الذي اقامه النميري وبعده الترابي في السودان فأقاموا ما اعتقدوا انه تطبيق الشريعة وقطعوا أيدي الفقراء بحجة سرقة حفنة من الدنانير وابقوا علي الفساد المالي والاداري لنخبة المجتمع!!
ربما يقول قائل من الاخوان المسلمين، ولماذا تذهب إلي هذه النماذج، نحن نقصد الاسلام كما يطرحه الاخوان المسلمون فنسأله عندها، اي اخوان مسلمين تقصد؟ هل اخوان مصر الذين يرشحون امرأة علي قوائمهم الانتخابية، ام اخوان مسلمون الكويت الذين صوتوا في البرلمان الكويتي ضد حقوق المرأة السياسية؟ هل هو اسلام سيد قطب وجاهلية القرن العشرين وتكفير المجتمع وشعار 'تمسكن حتي تتمكن' ام اسلام الإخوان الجدد 'المودرن' الذين نسمعهم في الفضائيات العربية يتحدثون وكأنهم أعضاء في الاحزاب المسيحية الاوربية. هل هو اسلام إخوان المسلمين العراقيين الذين دخلوا إلي مجلس الحكم الانتقالي وساهموا في العملية السياسية تحت اشراف 'بريمر'أم الاخوان المسلمين الاردنيين الذين رفعوا شعار الاسلام هو الحل ولو سألنا رافعي شعار: الإسلام هو الحل؟ 'ماذا ستفعلون في حال نجاحكم في قضية السلام بين مصر واسرائيل'؟ أي طرح اسلامي ستختارون؟ اسلام حركة فتح التي تؤمن بدولتين وبسلام عادل؟ أم اسلام حماس التي تريد أن تقاتل إسرائيل 'حتي قيام الساعة؟' أم اسلام احمدي نجاد الرئيس الايراني الذي يريد ان يمحو اسرائيل من الخارطة؟
ان قولنا في زيارات العزاء 'عظم الله اجركم، ورحم موتاكم' هي كلمة طيبة يحث عليها الاسلام بالتأكيد، وقولنا في زيارة للتهنئة بالعرس 'مبروك، وبالرفاه والبنين' هي كلمة طيبة ايضا ويحث عليها الاسلام، ولكن ماذا سيحدث لو دخلنا عرسا وقلنا 'البقية بحياتكم'، او دخلنا مأتما وقلنا 'مبروك'!! هل الإسلام هو وصفة سحرية جاهزة لدي الإخوان المسلمين المصريين يعطونها للناس ثلاث مرات في اليوم فتشفي البلاد والعباد من المشكلات وتتحول مصر إلي جنة الله علي الارض؟!
شعار الإسلام هو الحل هو بلطجة سياسية بالمعني الحرفي للكلمة.وهو هروب من مواجهة المشكلات ووضع الحلول لها، وهو عملية احتكار للدين يمارسها الاخوان بامتياز. وربما _ نقول ربما _ ان هذا الشعار سيخدع بعض الناس لبعض الوقت، ولكنه بالتأكيد لن يخدع كل الناس، كل الوقت.

«أخبار اليوم»
12 نوفمبر 2005

Post: #81
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 03-06-2008, 11:26 AM
Parent: #47

"الإسلام هو الحل" على الطريقة السودانية..!!


"الإسلام هو الحل" على الطريقة السودانية..!!

* خالد ابواحمد



أجد نفسي أقف طويلا أمام الشعار الذي رفعته جماعة (الإخوان المسلمون) المتمثل في (الإسلام هو الحل) عبر الانتخابات المصرية هذا الشعار عندما استمعت إليه وقفت عنده كثيرا وحدقت فيه مليا مستعرضا من خلاله تجربتي الشخصية في الحركة الإسلامية السودانية, وقد كان هذا الشعار مرفوعا في السودان ولكن بمسمى آخر طيلة نصف قرن من الزمان هي عمر الحركة (الإسلامية) في هذا البلد المسلم والذي استقبل الدعاة عبر الهجرات الإسلامية الأولى منذ مقدم الصحابي الجليل عبد الله بن السرح ومن بعده لفيف من الدعاة جاءوا إلى السودان يحملون الكلمة الطيبة وقلوبهم البيضاء دون أسلحة ولا سيوف, جاءوا بالكلمة بالخلق الحسن, واحترام التنوع الذي وجدوه ماثلا في الأرض قبل أن تأتي به الصحائف الربانية.

وكان المجتمع السوداني (قبل) مجي الحركة الإسلامية (أكثر) تكافلا محبة وتلاحما متمسكا بتقاليده الأصيلة وتعاليمه الدين السمحة, وكان ذلك مصدر بحث للكثير من محبي العلم كون الدين الإسلامي جاء إلى هذه الأرض ووجد فيها ما جاء يدعو إليه من مكارم للأخلاق وإكرام للجار وترحيب بالضيف وأمانة في اليد واللسان, يعني أن تقاليد الإسلام هي جزء لا يتجزأ من أخلاق السودانيين منذ آلاف السنين كما تحدثت بذلك المرويات القديمة وما أثبتته المخطوطات التاريخية الضاربة في القدم, وهذا يعني أن هذا البلد (لم يكن في حاجة) إلى ماجاءت به الحركة الإسلامية بل كان محتاجا للدعاة الحقيقيين الذين يستنبطون من الدين ما يطور للناس معاشهم وينمي مواهبهم في تلقي العلم الحديث.

ومن خلال التجربة الاسلاموية السودانية الماثلة في الوقت الحاضر اتضح تماما وبما لايدع مجالا للشك أن شعار (الإسلام هو الحل) شعار فضفاض للغاية ويجد صعوبة في تحقيقه على أرض الواقع وأكدت ذلك ما جرى في السودان, وكما هو معروف ان حركة الإسلام السياسي في السودان هي أم الحركات الإسلامية الحديثة في العالم .. نعم أُصدرت القوانين وأُسست المؤسسات المعنية بتنزيل (الشعار) للأرض مثل ديوان الزكاة وهيئة الثراء الحرام وتم صناعة قانون الذمة المالية والمعروف ب(من أين لك هذا) ومن بعدها قانون الحسبة وديوان المظالم, كما انتشرت القوات الشرطية بكل أنواعها الظاهر والباطن وانتشرت بين الناس أدبيات الإسلام كما انتشرت المساجد واللحى والمفردات والأناشيد الإسلامية.. ولكن .. و (لكن) هذه هي مربط الفرس ونقطة التمايز ما بين الحقيقة والخيال .. وما بين النظرية والتطبيق.. فغاب جوهر الدين عن الساحة في كافة التعاملات في الواقع, كما غاب عن النفوس فأصبحت الزكاة مثلا عبئا ثقيلا على المغتربين الذين يقدر عددهم بأكثر من مليوني سوداني حيث تؤخذ الزكاة منهم بدون رحمة وبقسوة (قسرا), ولا يراعى فيها الا ولا ذمة.

وانتشرت المحاكم في كل مكان بعد أن أُعدت لها كافة الإمكانيات البشرية والمادية ولكنها عجزت أن تحاكم إلا الضعفاء من الناس, وأما الذين أثروا من مال الشعب في مأمن من المحاسبة, برغم الحاكمية التي يدعون زورا وبهتانا أنها "حاكمية الله".

والحركة الإسلامية في السودان عملت من أجل الوصول للسلطة على مدى 55 عاما جاهدت بكل قواها وصنعت الكوادر البشرية من كافة دول العالم الغربية والأوربية وجهزتهم لليوم الموعود وأسست في ذلك المنظمات والهيئات الفئوية والاقتصادية من بنوك وشركات عابرة المحيطات وأقامت المؤسسات الإعلامية في الداخل والخارج حتى أصبحت الخرطوم مقرا ومركزا للحركات الإسلامية في عدد كبير من دول العالم فيما سمي بالحركة الإسلامية العالمية الحديثة, والتي حظيت بدعم إسلامي الخليج العربي خاصة والدول العربية عامة وعدد من منظمات المهجر في الدول الأوربية والغربية.

وفاز طلابها بكافة الاتحادات الطلابية في العالم حتى في بريطانيا والكثير من الدول الغربية بفضل الإمكانيات المالية الضخمة والتي (لم) تتوفر للآخرين حتى امتلكت الحركة الإسلامية ناصية الزمان والمكان في تلك البقعة من العالم, وما هي إلا سنوات قليلة حتى استلمت السلطة واستمرت بها للعام الـ 16 وكانت النهاية التي اعترف بها قادتها ومنهم د. حسن الترابي نفسه الذي اعترف في أكثر من مكان بالكلام الواضح والصريح أن الحركة الإسلامية (فشلت) في تحقيق مشروعها (الحضاري ) كما سماه وأكد علنا أن حركته مثلت (أسوء) تجربة حكم في (تاريخ) السودان..!!



وإذا جاء الحديث عن المحصلة النهائية لحصاد هذه التجربة بإمكاننا ان نقول بكل الصراحة والوضوح ان المشروع الإسلامي في السودان (أفقد) المجتمع الكثير والذي لا يمكن أن يعد بالأرقام من خلل كبير في بنية المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية إلخ.. علاوة على ضعضعة الحس والوجدان الوطني, فضلا عن ما يمكن أن يحصر من خلال الإحصائيات.

الحرب في جنوب السودان مثلا في عهد حكم (الإسلاميين) ومن خلال إعلان (الجهاد) في جنوب السودان أفقد البلاد أكثر من مليون ونصف المليون قتيل سوداني وشردت هذه الحرب الضروس مئات الآلاف من البشر نزحوا إلى الدول المجاورة مثل مصر و كينيا ويوغندا وإثيوبيا وأفريقيا الوسطى وحتى (إسرائيل), هذا علاوة على الأطفال الذين تيتموا والنساء اللائي ترملن والجرحى الذي فقدوا أطرافهم بفعل الألغام الأرضية..

ومن خلال حرب دارفور تتضارب الأرقام مابين 50 ألاف قتيل إلى 150 ألف قتيل إضافة إلى الذين تشردوا ولازالوا إلى هذه اللحظة يكابدون آلام الحرب والتشريد بين الحدود السودانية التشادية,وما حدث للأهالي من تأثيرات نفسية جراء قصف الطائرات لهم وهدير الدبابات,مسألة لا يمكن ان تتصور حيث لازالت هناك بعض التجاوزات من (الجنجويد) وغيرهم, ويحدث هذا برغم ندم قادة الحركة الإسلامية على ضياع فرص السلام مع الجنوبيين في أوقات سابقة فقدت فرصة توفر الدماء العزيزة التي سالت هناك..!!.

ومن أكبر مآسي حكم الحركة (الإسلامية) في السودان أن السودانيين الذين اشتهروا بحبهم لبلادهم وارتباطهم بالأرض تركوا السودان وهاجروا إلى دول الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وهولندا وبريطانيا وساير الدول الاوروبية وكانت إحدى المؤسسات العربية قد قدرت حجم الهجرة الدائمة من السودانيين إلي الخارج حوالي 3 مليون نسمة وإذا أضفنا إلي هذا الرقم أعداد المغتربين في الدول العربية والخليجية (2.5 مليون) والذين راحوا ضحية الحرب في جنوب السودان وفي دارفور حوالي (2.5 مليون) ولم يكن هذا ليحدث لولا أن حلم جماعة من الناس أرادوا حكم بلد متعدد الأعراق والثقافات من خلال استغلالهم لحب الناس للدين تحت شعار (الإسلام هو الحل)..

والذين تابعوا تقرير المنظمة العالمية للفساد الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية يدرك أن ترتيب (السودان) بالنسبة للفساد كان الأول على قائمة الدول كما كان الأول في قائمة الدول الافشل عالميا (أفشل دولة بالعالم), وفيما لم تنكر الحركة الإسلامية ذلك يبقى للآخرين أن يعرفوا أن نسبة التجاوزات والاختلاسات في المال العام في حكم الإسلاميين كان هي الأكثر على مدى تاريخ السودان الحديث وبدأت في العام الأول 185 % تصاعديا عام بعد عام حتى وصلت مبلغا أثر بشكل مباشر في الأخلاق وفي التمسك بجميل القيم والمبادي في غياب تام لأرث الحركة الإسلامية والذي بلغ كما ذكرنا آنفا أكثر من نصف قرن من الزمان من المجاهدات

ولا أجد داعيا للاسترسال في فشل تجربة الإسلاميين السودانيين في المجالات الأخرى وقد اعتقدوا أن رفع الشعارات الإسلامية من أجل السلطة يمكنهم من بسط سيطرتهم على البلاد والعباد.. نعم فرضوا سيطرتهم على كل مكان .. ولكنهم أفقدوا السودانيين الثقة في الآخرين, لأن الشعار كان خاويا من الروح الإسلامية ولم يكن لدى هذه الفئة أي تصور يتم من خلاله تحكيم الشريعة الإسلامية على أرض الواقع برغم القوانين والقوى البشرى والمالية والسلطان (القوة العسكرية) والوسائل الإعلامية, ولذا فشلوا في أول اختبار وضعوا فيه عندما حاول مجموعة من صغار الضباط الانقلاب على النظام فكان ردة الفعل القبض عليهم وإرسالهم إلى اقرب مكان خالي وتم إعدامهم ودفنهم في مقبرة جماعية واحدة دون أدنى اعتبارات للشعار المرفوع تماما كما فعل الرئيس الأسبق جعفر نميري مع الشيوعيين..!!

وخلاصة القول أن (الإسلام هو الحل) مسئولية عظيمة وتاريخية في كيفية تطبيق هذا الشعار الجميل إلى واقع يمشي على رجلين, وتنبع الخطورة في أن الحكم بغير معرفة مقتضيات هذا الشعار يروح ضحاياه أنفس بريئة وبالتالي يتحول الشعار إلى نقيضه تماما كما حدث في التجربة السودانية الماثلة في الوقت الراهن.

Post: #82
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 03-10-2008, 05:00 AM
Parent: #81

جريدة اخبار اليوم.....

الإسلام هو الحل!! هل هو حل فعلا؟
بقلم :
الدكتور أحمد الربعي

الدكتور احمد عبدالله الربعي كاتب سياسي ومفكر كويتي مرموق. دخل العمل السياسي من بوابة التيار الليبرالي في الكويت وفاز بعضوية مجلس الأمة الكويتي.. كما تولي وزارة التربية والتعليم في بلاده خلال الفترة من عام 1992 حتي .1996 وهو يكتب في العديد من الصحف العربية وتركز كتاباته علي انتقادات التيارات والافكار المتطرفة والرجعية مما يضعه في مواجهات صعبة مع اصحاب هذه التيارات.
ويعتبر احمد الربعي من ابرز الكتاب المتخصصين في القضايا العربية بحكم تكوينه الفكري والسياسي وعمله كوزير لمدة اربع سنوات وعضويته في البرلمان الكويتي.

لا اعتقد ان هناك شعارا مضللا ومخادعا مثل شعار الاخوان المسلمين في الانتخابات المصرية الذي يقول 'الاسلام هو الحل'!!
انه اختصار لعملية هروب كبري من مواجهة الحقيقة، بما فيها الحقيقة الاسلامية فليس أسهل من ان يقول لك احدهم 'الدواء هو الحل' للأمراض، وهذا صحيح ان الدواء هو حل، ولكن السؤال ان هناك امراضا عديدة تحتاج إلي ادوية مختلفة، ولو 'لخبطنا' هذه الادوية التي هي علاج للناس ووضعناها في غير موضعها لأدي ذلك إلي كارثة!!
الاسلام هو الحل هروب من مواجهة التحديات، بل هو ضحك علي الذقون ولو جاء احدنا وسأل احد جهابذة الاخوان المسلمين سؤالا بسيطا. الاسلام حل لماذا؟ هناك مشكلة اقتصادية يواجهها المجتمع المصري، وهناك مشكلة الديمقراطية، وهناك مشكلة الامية، والبطالة، ومشكلة التعليم والثقافة وغيرها!! فهل لديكم اجوبة محددة علي هذه المشكلات المحددة.
هل يكفي القول ان الاسلام هو الحل لمشكلة البطالة ام ان المطلوب وضع حلول لهذه المشكلة تتعلق بتوفير فرص العمل، وفتح المدن الجديدة، وتحسين كفاءة التعليم والتدريب، واطلاق المبادرات الفردية وهذه كلها امور لا تتعارض بالتأكيد مع الاسلام لكنها تحتاج إلي مسلمين يضعون مثل هذه الحلول التفصيلية كبرنامج انتخابي ويضعون آليات التنفيذ ويواجهون التحديات بدلا من مخادعة الناس بشعارات فضفاضة وكسولة وبلا مدلول!!
ثم اذا كان شعار الاخوان هو الاسلام هو الحل، فهل هذا يعني ان شعار بقية الاحزاب الوطني، والوفد، والتجمع، وغيرها هو ان الإسلام ليس الحل، أم ان الاخوان يعتقدون ان الإسلام بضاعة يحتكرون تجارتها وليس دينا لاغلبية الشعب المصري!!
لو سألنا احدهم سؤالا يقول نعم الاسلام هو الحل، ولكن أي اسلام؟ بمعني اي فهم من المفاهيم الشائعة للإسلام، ونحن بالتأكيد نتحدث بالشرائع وليس بالعقائد. هل هو اسلام حركة طالبان التي تكفر المجتمع وتضطهد النساء، أم هو اسلام الجمهورية الاسلامية الإيرانية التي لا يستطيع المسلم ترشيح نفسه للانتخاب إلا بموافقة لجنة من 'الملالي' ام هو النموذج الاسلامي الذي اقامه النميري وبعده الترابي في السودان فأقاموا ما اعتقدوا انه تطبيق الشريعة وقطعوا أيدي الفقراء بحجة سرقة حفنة من الدنانير وابقوا علي الفساد المالي والاداري لنخبة المجتمع!!
ربما يقول قائل من الاخوان المسلمين، ولماذا تذهب إلي هذه النماذج، نحن نقصد الاسلام كما يطرحه الاخوان المسلمين فنسأله عندها، اي اخوان مسلمين تقصد؟ هل اخوان مصر الذين يرشحون امرأة علي قوائمهم الانتخابية، ام اخوان مسلمين الكويت الذين صوتوا في البرلمان الكويتي ضد حقوق المرأة السياسية؟ هل هو اسلام سيد قطب وجاهلية القرن العشرين وتكفير المجتمع وشعار 'تمسكن حتي تتمكن' ام اسلام الإخوان الجدد 'المودرن' الذين نسمعهم في الفضائيات العربية يتحدثون وكأنهم أعضاء في الاحزاب المسيحية الاوربية. هل هو اسلام إخوان المسلمين العراقيين الذين دخلوا إلي مجلس الحكم الانتقالي وساهموا في العملية السياسية تحت اشراف 'بريمر'أم الاخوان المسلمين الاردنيين الذين رفعوا شعار الاسلام هو الحل ولو سألنا رافعي شعار الإسلام هو الحل؟ 'ماذا ستفعلون في حال نجاحكم في قضية السلام بين مصر واسرائيل'؟ أي طرح اسلامي ستختارون؟ اسلام حركة فتح التي تؤمن بدولتين وبسلام عادل؟ أم اسلام حماس التي تريد أن تقاتل إسرائيل 'حتي قيام الساعة' أم اسلام احمدي نجاد الرئيس الايراني الذي يريد ان يمحو اسرائيل من الخارطة؟
ان قولنا في زيارات العزاء 'عظم الله اجركم، ورحم موتاكم' هي كلمة طيبة يحث عليها الاسلام بالتأكيد، وقولنا في زيارة للتهنئة بالعرس 'مبروك، وبالرفاه والبنين' هي كلمة طيبة ايضا ويحث عليها الاسلام، ولكن ماذا سيحدث لو دخلنا عرسا وقلنا 'البقية بحياتكم'، او دخلنا مأتما وقلنا 'مبروك'!! هل الإسلام هو وصفة سحرية جاهزة لدي الإخوان المسلمين المصريين يعطونها للناس ثلاث مرات في اليوم فتشفي البلاد والعباد من المشكلات وتتحول مصر إلي جنة الله علي الارض.
شعار الإسلام هو الحل هو بلطجة سياسية بالمعني الحرفي للكلمة.وهو هروب من مواجهة المشكلات ووضع الحلول لها، وهو عملية احتكار للدين يمارسها الاخوان بامتياز. وربما ­ نقول ربما ­ ان هذا الشعار سيخدع بعض الناس لبعض الوقت، ولكنه بالتأكيد لن يخدع كل الناس كل الوقت.....

Post: #83
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 03-18-2008, 10:30 AM
Parent: #82

رداً على د. محمد وقيع الله
أحلام وقيع الله التي تحققت ..!!


خالد أبواحمد [email protected]

نعيد ونكرر ليقرا محمد وقيع الله لعله يرد


صُدمت كما صُدم غيري من الصورة التي أعتبرها قبيحة تلك التي ظهر بها د. محمد وقيع الله والتي لا اعتبرها ذلة قلم بل هي مكمن الداء للكثير من دعاة التبصر، الذين يرون أن علومهم النظرية التي تلقوها تجعلهم على بصيرة من أمور الحياة أكثر من غيرهم، ولو كان الاخرين قد اعتمدوا على التجربة بالبرهان والدليل العملي بعيدا عن التنظير.
كنت أضع في ذهني صورة جميلة للغاية عن د. محمد وقيع الله ولو أنني لم ألتقي به إلا مرات قليلة وعلى عجالة أيام فترة التنظير للحركة الاسلامية في منتصف الثمانينيات وكنت أقرأ له كثيراً عندما يكتب عن الفكر الإسلامي،وتشدني مقالاته الرصينة، ولا زلت استمتع بها بين الفينة والأخرى أطالعها عبر موقع الجالية السودانية بالولايات المتحدة الأمريكية.
وفي فترة من الفترات أيام الديمقراطية الثالثة كانت هناك أقوال تتداول داخل مجتمعات الحركة الإسلامية مفادها أن د. حسن الترابي سئل ذات مرة عن خليفته في قيادة الحركة، وتقول الرواية أن الترابي قال "محمد وقيع الله- التجاني عبد القادر- أمين حسن عمر"، وفي رواية أخرى قيل "أحمد عثمان مكي قائد ثورة شعبان عليه رحمة الله ومغفرته- محمد وقيع الله – المحبوب عبد السلام" وهنالك روايات أخرى، والشاهد في المسألة أن اسم محمد وقيع الله ورد في كل الروايات المتداولة الأمر الذي جعل له حظوة واحترام القاعدة له وتقديره، ونحن السودانيون جميعنا نحتفي بالعُلماء وأهل الذكر، ونطرب لمطالعة إنتاجهم الفكري والأدبي مثلما أطربتنا من قبل مقالات مالك بن نبي ومحمد عبده والإمام حسن البنا إلخ، وقبل عقود من الزمان كان هذا الإنتاج له قيمته الفكرية والحضارية ولعب دوراً كبيراً في فتح الآفاق نحو التزود بالعلم وبالمزيد من التفكر والتأمل في هذا الكون العجيب.
المهم كان محمد وقيع الله يمثل بالنسبة للشباب الإسلامي القدوة الحسنى والأمل المُرتجى، وشخصي الضعيف سعدت أيما سعادة لكون واحداً من نخبة الإسلاميين الشباب يتزود بالعمل من الجامعات الأمريكية والغربية بحيث يُصبح رصيداً للحركة الإسلامية مع باقي الكفاءات والكوادر التي تقود دولاب العمل الإسلامي، لكني لم أتوقع ألبته أن أفجع في محمد وقيع الله هذه الفجيعة،لكن..
ولكن هذه تقطع القلب .. وتهده هداً..!
وعندما جاءت مساجلة د. وقيع الله مع د. الأفندي سقط في مخيلتي ذلك (المثال) الجميل والذي كنت أحبه وأترقبه كلما أصدر نتاجاً،،، مقالاً كان أو محاضرة تتداولها المجتمعات بالرصد والإعجاب والمفاخرة.
ولكنه سقط تماماً مثل أصنام كفار قريش، كانوا يصنعون التماثيل من العجوة، وعندما يجوع أحدهم يأكله ويسد به رمقه، أو صنماً من الخشب عندما تضيق به الدنيا يكسره ويرفسه رفساً برجليه..!.
كنت أقرأ ردود د. محمد وقيع الله باندهاش شديد وما فيها من سب وشتيمة وهمز ولمز لا تليق أبدا بالعُلماء ولا بالسنوات الطويلة والعجاف التي قارع فيها وقيع الله المكتبات وأُمهات الكُتب والمراجع، وحقيقة لم يسقط في يدي بل في يد الجميع الذين أتوقع أن يكونوا قد صُدموا أكثر مني، وعندما يكون السب والشتم وعدم المصداقية ديدن العالم (بكسر اللام) فما شان ضئيلي المعرفة من أمثالي، ليته وقف عند سب وشتم (الأفندي) إذا به يُعدد خمسون انجازاً لحكم (الإنقاذ) ليس هذا فحسب بل طفق ينتقد مواقف الآخرين من القائمين على السلطة التي قال فيها من لم يقله مالك في الخمر..
ومبعث الألم هنا أنني يوما ما كنت أظن و(أن بعض الظن اثم) أن الاسلاميين أكثر من غيرهم إعمالاً لأدب الحوار تنزيلاً لكل معاني الدين القيم على أرض الخلافات، لكن للأسف بالدليل العملي سقطت لدي هذه النظرية وخاب ظني تماماً خاصة في مرحلة الخلافات فيما عرف بالرابع من رمضان، ثم جاء د. محمد وقيع الله ليؤكد أنه حتى قادة الشباب من المفكرين هم على الدرب سائرون ومُقتدون..!!
ويوماً ما تابعت بسعادة غامرة مساجلات تحلت بالأدب الرصين والاخلاق الاسلامية الحقة في حوارات جمعت د.منصور خالد والاستاذ محمد ابوالقاسم حاج حمد عليه الرحمة والمغفرة، تعلمت منها الكثير من القيم والمبادئ، ثم تابعت مساجلات اخي العزيز المرحوم طه أبوقرجة مع د. خالد المبارك وما اتسمت به من أخلاق رفيعة في أدب الحوار، ثم أصبحت أقرأ لـ د. الطيب زين العابدين و للاستاذة أبوبكر القاضي و كمال الجزولي والحاج وراق وعثمان ميرغني، وجدت واقعية وأدب حقيقي في التناول جاء به الاسلام، لكنني لم اتوقع أبدا أن تكون هنالك مساجلة لـ د.محمد وقيع الله بهذا المستوى من الانحطاط بل الحقد والكراهية على كاتب عالم ومفكر بسبب أنه انتقد النظام نقد موضوعي وبأدب اسلامي رصين، ولم يجنح إلى الشتيمة والهمز واللمز.
لا أحمل كراهية ضد الأخ محمد وقيع الله ولا أعتبر نفسي في هذا المحك مُنافساً له فهو رجل قد رزقه الله تعالى ويسر له الدراسة وتلقي العلوم حتى نال درجة الدكتوراه وهنيئاً له بذلك، أما العبد الفقير لله لم أنل حظاً من العلم الأكاديمي كما أوتي وقيع الله، والآن أسابق الزمن مع أولادي لتلقي العلم، لكنني أفتخر بتجاربي في الحياة وخبرتي الطويلة في المجال الإعلامي والحمد لله التي بلغت قرابة الربع قرن من الزمان، واعتبر نفسي استفدت من الحركة الإسلامية أكثر بكثير من أخي وقيع الله لأن تجربتي هنا تجربة متكاملة نظرية وصقلت بالعمل في ظل (الإنقاذ) التي عصفت بنا في كل أرجاء السودان شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً وهذا فضل من الله لا يُقدّر بثمن، ونلت معرفة لم ينلها الأخ وقيع الله، فكل دراسته الأكاديمية المرتبطة بجوانب الفكر الإسلامي ما هي إلا تجارب نظرية فقط، مهما وصل صاحبها من علوم نظرية لا يمكن باي حال من الأحوال أن يصل للنتائج التي وصلنا إليها نحن الذين عشنا فترة التنظير والتطبيق، وشاهدنا بأم أعيننا مخازي ومآسي وكوارث التطبيق.

السقوط المدوي
والدكتور محمد وقيع الله في موقفه من تقييم نظام (الإنقاذ الوطني) مثل ذلك الطالب الذي غاب عن الدراسة سنوات طويلة ثم رغب آخيراً في مواصلة دراسته لكن مع دفعته الدراسية، وأصر إصراراً شديداً على أن يمتحن معهم ففعل لكنه سقط سقوطاً مدوياً..!!
شخصياً أحسب أن الحركة الإسلامية في السودان مدرسة كبيرة نال كل منا نصيبه من المعرفة حسب استعداده الشخصي وميوله والبيئة التي عاش فيها، لكن أخينا محمد وقيع الله غاب عن هذه المدرسة سنوات طويلة وحضر معنا مرحلة من مراحل التنظير، وقبل مرحلة التطبيق بكثير غادر السودان ولم يعش معنا مراحل الابتلاءات ولا مراحل الفتن، وجاء مُؤخراً في مرحلة السقوط والانهيار لمبادئ الحركة، يُريد أن يغالط الحقائق والواقع والمنطق والشواهد التي لا ينكرها إلا عليل سقيم، وكان يكفيه فقط أن يذهب الى تجمعات جرحي الحرب من ضحايا الألغام يدرك حجم الأسى وحجم ما وقعت فيه (الانقاذ) وكان يكفي محمد وقيع الله أن يذهب الى منظمة الشهيد ويفتح الملفات ليعرف الأعداد الحقيقية لضحايا الحرب في السودان من الكفاءات والخبرات ومن طلبة الجامعات في كل التخصصات ليدرك بوعي كامل حجم الدمار والخسارة التي اوقعتها (الانقاذ) في السودان.
وعندما يُعدد الأخ وقيع الله انجازات (الإنقاذ) المادية فإنه لم يأتي بجديد ولم ينكر أي من المعارضين للحُكم هذه (الانجازات) المادية التي أبعد ما تكون من جوهر ما جاءت به الحركة بعد الانقلاب المشئوم في 1989م، كما انه ليس من المنطقي أن نُحاكم النظام بالانجازات التي ذكرها وقيع الله، حتى الانجازات التي تحدث عنها وقيع الله إذا تطرقنا فيها إلى التفاصيل سنثبت الكثير من الأخطاء والعواقب المستقبلية التي تحيطها والقنابل المؤقوتة في أكثر من مكان، لكن السودانيين يحاسبون النظام بالنهج الذي جاء به، وبالبرنامج الذي أعلنه من خلال حركته اليومية في الإعلام والعلاقات الدولية والدبلوماسية، كما لم يكن في حسابات الذين اجتمعوا في ذلك الشهر من العام 1989م ليقرروا ما إذا كانت ساعة التغيير حانت أم لا أن يضعوا الانجازات المذكورة في حساباتهم، أبداً كان الهم الكبير يتلخص في (التمكين لدين الله في السودان)، وقد طالع القُراء مقالات محمد وقيع الله التي عدّد فيها انجازات النظام انه هرب بشكل واضح وجلي من التطرق إلى نتائج الحكم في تردي الأخلاق وانتشار الدعارة بكل أنواعها والجريمة المنظمة، والزيادة الفلكية في أعداد المصابين بالإيدز (الآن يعقد في العاصمة الخرطوم مؤتمر دولي يبحث مشكلة انتشار المرض في السودان) وانتشار المخدرات بين طلبة الجامعات، والازياد الخطير في معدلات الطلاق، والهجرة الى الخارج، وهرب د. محمد وقيع الله هروب النعامة من الملفات التي تتحدث عنها الصحافة السودانية في ذات الايام التي كان صاحبنا يدبج في مقالاته مُعدداً إنجازات دولة بني أمية في السودان، هارباً من ملف (الأطفال مجهولي الوالدين) وموتهم بالعشرات يومياً ودفنهم بعيداً عن الأعين.
انجازات (الإنقاذ)
تحدث وقيع الله عن انجازات النظام على محيط (التدين) والارتقاء بالإنسان السوداني، هذا هو المحك الحقيقي لكنني هنا لا بد أن أقدم مختصراً للدروس العملية التي غاب عنها الأخ وقيع الله سنين عدداً، وشخصي صحفي وإعلامي وحركي غصت في أعمق مؤسسات الحركة الإعلامية والجهادية والتنظيمية، الأمر الذي يؤكد أن ما أقوله ليس أكاذيب ولا إملاءات من أحد انما أحداث عشتها لحظة بلحظة.

التجاوزات الإنسانية وانتهاك التشريعات الإسلامية والدولية..!!
كل السودان عاش سنوات الحديث عن تمسك الحكومة بالإسلام بل والدفاع عنه من كيد المتربصين، لكن من خلال معايشة في "مؤسسة الفداء للإنتاج الإعلامي" كمعد للبرنامج التلفزيوني الشهير بدأت تتكشف لي من خلال الأشرطة الخام التي كانت تأتينا من مناطق القتال ما لا يمكن أن يتصوره عاقل، و تحديداً من أحد الأشرطة الخام التي جاءتنا من منطقة شمال أعالي النيل متحرك (هدير الحق) عندما دخلوا منطقة شالي في النصف الثاني من التسعينات وهرب جنود الحركة الشعبية كان هناك طفل في الـ 14 أو 15 من عمره لم يتمكن من الهرب قاموا بقتله مع صيحات التكبير والتهليل وتم قتل كل الأسرى الذين كانوا داخل المعسكرات، وكان الشريط الخام يحتوي على مشاهد ليس لها أي علاقة بمن يدين بالإسلام ديناً، وعندما كنت أشاهد الشريط لفت بي الدنيا وكنت أحسب نفسي في كابوس لكنها كانت الحقيقة، علماً أن الأشرطة التي كانت تصلنا من مناطق القتال لا يشاهدها إلا مُعد الحلقة والمخرج، ويمنع منعاً باتاً للآخرين مشاهدتها لما فيها من تجاوزات.
وفي الكثير من الأشرطة التي كانت موجودة في مكتبة المؤسسة كانت مشاهد دخول القوات الحكومية إلى بعض القرى في جنوب السودان منظراً لا يمكن أن يُنسى من ذاكرتي أبداً، حيث يتم حرق البيوت المصنوعة من القش في مشاهد همجية وأحياناً يكون هناك بشر داخل هذه البيوت وتسمع صراخ العساكر وهم في حالة هستيريا ويطلقون النار عشوائياً، لا يمكن أبداً أن يكون ذلك إسلاماً مهما كانت المبررات، وضرب القرآن الكريم والحديث النبوي الواضح عرض الحائط إذ يقول النبي الأمي صلى الله عليه وسلم:
"لا تغدروا ولا تغلوا ولا تقتلوا وليداً ولا إمرأة ولا شيخاً فانياً ولا مُنعزلاً بصومعته, ولا تحرقوا نخلاً ولا تقطعوا شجراً ولا تهدموا بناء"، لكنهم يا رسول الله عليك أفضل الصلاة وأتم التسليم فعلوا أكثر من ذلك بكثير...
المؤسسة نفسها (ساحات الفداء) تعج بالفساد المالي والإداري وكان يرأس مجلس إدارتها الوزير الحالي أسامة عبد الله محمد وزير الدولة بالري المسئول الأول عن خزان مروي، ويديرها مدير مكتب المؤتمر الوطني بالقاهرة حالياً كمال حسن علي، وكان نفر من السُراق يلعبون بالمال لعباً باعتبار المؤسسة فوق الجميع، والكُل يخاف منها حتى رئاسة الجمهورية كانت تخشى سؤال القائمين على أمر المؤسسة خوفاً من ردة الفعل، حيث كان القائمين على المؤسسة يذكرون للبعض أن (ساحات الفداء تابعة لأمن الثورة) وكان البعض يقول (ساحات الفداء تابعة لإبراهيم شمس الدين) في حين أن المرحوم العقيد إبراهيم شمس الدين نفسه كان يتحفظ على ما يحدث في المؤسسة من تصرفات ومن ألاعيب.
ويوماً ما كان لدي عمل مع الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة اللواء آنذاك عبد الرحمن سرالختم باعتباره المسئول عن التوجيه المعنوي وكان اللقاء بخصوص إنتاج حلقة خاصة بمناسبة عيد الجيش الذي يحتفل به سنوياً في 14 أغسطس، وبعد الانتهاء من الحديث والنقاش حول الحلقة، قام سرالختم بإغلاق باب مكتبه فقال ليّ ضاحكاً ( وهو الآن حي يُرزق) " ياخي بكل الصراحة أنا عاوز أعرف إنتو تابعين لمنو..؟؟" فضحكت ولم أرد، فكرر سؤاله مرة أخرى "إنتو تابعين لمنو ومن حقي أن أعرف انتو تقوموا بشغلنا ونحن سعيدين بذلك لإمكانياتكم الضخمة وعملكم المُتقن، وانا ما عارف انتو مدنيين ولا عسكريين، لكن قول لي انتو مع سعادة إبراهيم شمس الدين..؟؟ ولا تابعين للتنظيم؟؟"، ومن هنا يدرك القاري كيف أن القائمون على المؤسسة كانوا يلعبون على ضبابية أيلولة المؤسسة، وهذه المسألة كانت تعود بالفائدة على هولاء من كل النواحي الاجتماعية والأدبية والمالية.
فعلاً كانت أسئلة عبدالرحمن سرالختم وجيهة للغاية وقد لا يتصور المرء المنصب الكبير للناطق الرسمي والمكانة الكبيرة التي يتميز بها ومدير المكتب برتية عميد والموظفين العسكريين بالرتب العالية، ورتبة لواء في الجيش السوداني ليس بالأمر الهين، كونه لا يعلم شيئاً عن جهاز إعلامي كبير يتقمص دور إدارة التوجيه المعنوي بالقوات المسلحة، وليس له أي سلطان عليه، والميزانية كانت مفتوحة ويتم شراء الأجهزة من دبي بدون مناقصات، وقد أثري مجموعة من ثلاثة أو اربعة أشخاص ثراءً كبيراً بسبب موجات الشراء العشوائية، وتم نشر كل ما يتعلق بالفضائح المالية، ولا حياة لمن تنادي ذلك لأن الفساد انتشر في السواد الأعظم من دولاب الدولة، فيما مؤسسات الحركة (الإسلامية) بعيدة كل البعد عن الرقابة المالية، ليس هذا فحسب بل مؤسسة مثل (ساحات الفداء) يخاف منها الكثير من الناس، الأمر الذي جعل وزارة المالية تصرف للمؤسسة شهريا مبلغاً كبيراً بدون وجه حق، في حين أن الامكانيات التي تزخر بها المؤسسة يجعلها داعمة وليس تتلقى الدعم، لا رقابة مالية ولا إدارية والمسئول الأول من المؤسسة أحد (رجالات) علي عثمان محمد طه ومرفوع عنه القلم..!!

دولة العدل الرشيدة..!!
وقد لا يصدق المرء أن القائمين على هذه المؤسسة هم أنفسم القائمين على أرواح أبناءنا في معسكرات الخدمة الالزامية، فمجموعة من رجال المستقبل طلاب على وجه الجامعات ماتوا ضرباً مبرحاً داخل معسكرات الخدمة (الوطنية) الإلزامية، وعندما ذهبت إحدى أسر الضحايا إلى وزيرالعدل تشتكي القوات المسلحة بعد أن أكد تقرير الطبيب الشرعي د.عبد الله عقيل بمشرحة مستشفى الخرطوم أن الوفاة كانت لنتيجة ضرب في أماكن مختلفة من الجسم، قال لهم وزير العدل آنذاك (عل محمد عثمان ياسين)" أذهبوا أن القوات المسلحة مؤسسة سيادية لا أحد يستطيع محاكمتها".
اخي وقيع الله التقرير الطبي موجود والشهود موجودين والدكتور الطبيب الشرعي عبد الله عقيل سوار موجود، ليس قضية واحدة بل قضايا كثيرة..!! هذه دولة الإنقاذ التي تدافع عنها وتطلب وُدها..!!
كلما أسرد هذه الواقعة أتذكر نفسي وأنا انشد وأهتف باندفاع الشباب
لا أبالي لا أبالي انني شعبُ رسالي********** قد تربى بين قرآن وساحات القتال
مسلم قالت جموعي لست بعثي لا شيوعي *** عانقت أصلي فروعي رافضاً أي انفصال
سوف نبني بالعقيدة دولة العدل الرشيدة****** لا دويلات عديدة شيدت فوق الرمال
قد عشقت البندقية هاتفاً عندي قضية ******سحق حزب الماركسية انه حزب ضلالي
وقد بان أن كل ماكانت تخالفه الابيات أصبح واقعاً..
السودان وقد أصبح دويلات عديدة- انفصل عن كل تجاربه السياسية السابقة وعن محيطه الاسلامي بهذه التجربة التي لا يمكن أبداً أن نجد لها وصفاً يمكن ان يليق بما فعلته في السودان- حزب الماركسية الشيوعي السوداني ما أظن أنه اذا استلم الُسلطة يوماً أن يفعل في السودان ما فعلته (الانقاذ) وأهم شئ أنه سوف لا يتاجر بالدين ولا يرفع شعار الاسلام، وأن البندقية التي استخدمتها الحركة الاسلامية لم تجلب لنا إلا الدمار والقتل والابادة الجماعية التي أصبحت وصمة عار في جبين الحكم وهو يتحدث ويرفع شعار الاسلام، وقد بان واضحاً أن القضية هي الانتصار للنفس وقد سادت عقلية (التكويش) وقريباً ستظهر العقارات التي تم شراؤها في تركيا وفي ماليزيا، حتى زوجة الرئيس الجديدة أصبحت تنافس كبار التجار في العاصمة وقد تم إعطاؤها مشروع صالات وقاعات كبيرة لعدد من الجامعات، ثو قامت بشراء منتجع كبير في إحدى دول النمور الآسيوية، وبعد أن كانت محبوسة بين جدران بيوت جهاز الأمن بالقرب من المطار أصبحت ست أعمال كبيرة تتحدث بالارقام الكبيرة، فيما تم إعطاء أصغر أشقاء الرئيس رخصة لتصدير الماشية السودانية التي أصبحت حكراً على أشخاص بعينهم.. رحمك الله أخي عثمان حسن البشير طبت في علياءك بًعداً عن أكل السحت وقد كنت تقود الموتر (السوزوكي الأسود) وتجتهد في تعليم الناس قراءة (القرآن الكريم) وتحتفل وتسعد عندما تجد الجميع قد جلس على الأرض وبدأت التلاوة وزرفت الدموع الحرى محبة في الحبيب المصطفى.

فساد المهندس..!!
وثالثة الأثافي أن (المهندس) المدير العام لمجموعة شركات أحد البنوك السودانية المشهورة قد أفسد فساداً ليس له نظير في تاريخ السودان، وقد كُنا في الوسط الصحفي في فترة ( 1994-1998) نتبادل وثائق فضائحه المالية ونحن صحفيي الحركة (الإسلامية) نعرفه جيداً ونعرف الفاسدين معه وعندما أصبحت المسالة حديث كل مجالس الحركة الإسلامية قررت أحد الجهات وضع حداً لفساد الرجل المهندس فتم تشكيل لجنة لتقصي الحقائق، وأعرف شخصياً رئيسها وقدم ملف الفساد بالأدلة إلى ديوان الثراء الحرام وأثناء البحث والتقصي ودراسة القضية جاء وفد من جهة عليا وطلب ملف المهندس الفاسد وعرّف أحدهم نفسه بأنه مرسل من (رئاسة الجمهورية) لاستلام ملف فساد الشخصي المعني بل قام بتأنيب القائمين على أمر الديوان على فعلتهم ونيتهم في محاسبة الرجل.. وإلى هذه اللحظة لم يُقدم الرجل للمحاكمة أما مجموعة البنك فقد راحت في خبر كان، هذه قصة يعرفها كل قيادات وأعضاء الحركة الإسلامية وكل المنتمين للمؤتمرين الوطني والشعبي..!!.

هذا قليل من كثير..!!
هرب وقيع الله هروباً مخزياً عن ملفات الفساد المالي ووهنا أقتبس فقرة من مقال الاستاذ أسامة بابكر حسن في رده على وقيع الله "فطوال عمرنا هذا لم نسمع بأي مسئول، صغيراً أو كبيراً في حكومة الإنقاذ وقف أمام محكمة في أي قضية، بينما وقف الإمام العظيم أستاذ الإنسانية علي بن أبي طالب الذي منحهالرسول (ص) صفة " أقضى الناس" أمام قاضي دولته في خلاف مع يهودي على درع، والإمام يعلم كذب اليهودي في دعواه، لكنه وقف أمام القاضي لكي تنتظم ثقافة العدل المجتمع ليثبت في المجتمع حديث الرسول (( الناس سواسية))، ولكن حدث ذلك في أمريكا في عهد كلينتون الذي لا يحكم بالإسلام ووقف حاكم أكبر دولة في العصر الحديث أمام المحكمة وهو لم يضع قانوناً للحسبة شرط به أئمة المساجد آذان الناس تنظيراً".!!
أطفال جيش الرب
بطبيعة الحال أن كل الذين شاركوا في الحرب اللعينة التي قتل فيها السوداني أخوه (السوداني) سواء في جنوب، أو في شرق أو غرب السودان، تمر عليهم الكثير من الذكريات المؤلمة، أنني شخصيا أشعر بتأنيب ضمير شديد عندما كنت في جنوب السودان في ديسمبر من العام 1995م فيما يعرف برد الهجوم الذي أطلقت عليه الحركة الشعبية (الأمطار الغزيرة) هذه العملية العسكرية الكبيرة والتي قتل فيها المئات بل آلاف السودانيين من الجانبين، تختلف عن كل العمليات العسكرية في جنوب السودان لما فيها من مفارقات وتجاوزات إنسانية، تجعل من الهدف الكبير للحرب ضد (المتمردين) علامات استفهام كبيرة متمثلة في الموقف اللا إنساني للحكومة السودانية إذ استعانت لفترات طويلة بجيش الرب اليوغندي الذي يتزعمه المتمرد اليوغندي جوزيف كوني وهذا الجيش للأسف استعان بمشاركته إلى جانبنا بحوالي الألف طفل من مجموع 2000 طفل كان موجودين تحت قيادة جيش الرب في المنطقة الاستوائية، والأطفال اليوغندين التابعين لجيش الرب الذين كانوا معنا في ذلك اليوم تبلغ أعمارهم ما بين الثامنة والرابعة عشرة عاماً من الجنسين، وبالكاد تميز الذكر من الأنثى.
كانت لحظات محزنة وشعرت فيها بالألم النفسي لوجود هولاء الأطفال معنا في مكان واحد وكان منظرهم يُدمي القلوب وهو يحملون الآليات والأسلحة الثقيلة، ومهما يحاول المرء لا يمكن أبدا أن يصور هذه المناظر المرعبة، عشرات من الأنفس البريئة كانت تطوف حولنا في مساء يوم بارد استعدادا للهجوم على أكبر معسكرات (الحركة الشعبية) في الميل 72 في طريق مدينة نمولي الحدودية مع يوغندا تحديداً يوم الأربعاء الموافق 12 ديسمبر 1995م، أطفال في سن البراءة الواحد منهم يحمل فوق طاقته وما زنته 40 كيلو جرام أو أكثر من العتاد العسكري الثقيل وصناديق الذخيرة، والذين حملوا مثل هذه الصناديق يعرفون كم هي قاسية الحمل في مسيرة قد تبلغ الساعات الطوال، وأحيانا اياما من السير في الطرق الوعرة، والرطوبة العالية حيث تتبلي الملابس تماما مما تُصيب المرء بالإعياء وفي الغالب التهاب الصدر و المفاصل الذي يعيق الحركة، وهذا ما حدث لي شخصيا، فكيف بالأطفال، بينما هي في الخفاء وهناك على بعد 72 ميلا من عاصمة جنوب السودان
... يا إلهي.. انه أمر فظيع..
مهما أحاول لا يمكن أن أصور شكل الدموع الجافة على وجوه الصغار لا أجد لذلك سبيلا، ولم يكن هناك جنودا كبار السن وهولاء لا يتعدون العشرين من بين المئات من الجنود (الصغار) يساقون كالقطيع تماما يشهد الله على ذلك، وعلى بعد كل مائة (طفل) هناك جندي يوغندي يحث الأطفال بسرعة التحرك، و يضرب أحيانا الطفل في مؤخرته أو ظهره كي يستعجل ولا يبطي، في أجواء غريبة على عالم الطفولة، صوت الدبابات والمجنزرات وهي تتحرك إلى مكان قريب من بداية المعركة، مع صوت أجهزة الاتصالات اللاسلكية،، لحظات من التوجس والترقب والأوامر العسكرية من القادة هنا وهناك بالعجلة، وطقطقة الأسلحة الشخصية كل هذه الضجة تجعل المحارب يعيش في لحظات غريبة، والمحارب أو المقاتل قاب قوسين أو أدنى من الموت،، لحظات صعبة حتى على كبار السن،، فكيف بالأطفال الصغار الذين استخدمهم (الانقاذ) يا د. محمد وقيع الله..!!
تصور يا وقيع الله كم هي مكلفة تلك الحملة التي اقامتها حكومة (الانقاذ) عندما تم خطف أطفال دارفور من قبل منظمة فرنسية..؟؟ تتذكر كيف أن الحكومة السودانية جيشت الإعلام والرجرجة والدهماء وتباكت على الأطفال والطفولة البريئة، وكيف أن التلفزيون السودان جند كل برامجه ضد المنظمة الفرنسية المسكينة لخطفها الأطفال..!!
دارفور وأحداث تشاد
د. محمد وقيع الله لم يعش معنا المرحلة العملية في حياة الحركة الإسلامية التي نعتبرها الميدان الحقيقي للكفاءة والانقياد لأوامر الدين الحنيف، ومرحلة التنظير كانت جميلة وزاهية ولكن ميدان العمل أظهر أننا ضُعاف أمام حقائق الحياة، نعم هناك انجازات مادية ولكنها لا تساوي شيئاً ألبته مع الكوارث والمآسي التي جلبتها (الإنقاذ) للشعب السوداني ومهما حدث من انجازات في نظره ونظر الآخرين لا يمكن أبداً رُؤيتها عندما ننظر إلى كارثة دارفور، أخي وقيع بكل الأمانة والصدق أن قادة (الانقاذ) هم الذين تسببوا في اندلاع شرارة مشكلة دارفور،كنت أعمل في صحيفة (دارفور الجديدة) ليس لي مصلحة في أن أكذب على النظام لكن الحقيقة الساطعة كالشمس أن الذين تذكر انجازاتهم عندما غرتهم الحياة الدنيا لم يتحملوا مطالبة الأهل في دارفور بحقوقهم، فقاموا بضربهم بالطائرات قاذفة اللهب وحرقت بيوتهم، وأظنك طالعت أحاديث د.علي الحاج في صحيفة (الصحافة) في اللقاء الصحفي وكيف أن عنجهية أهلنا الشماليين وعنصريتهم هي التي كبدتنا جميعاً ملايين الضحايا في الجنوب والغرب ومكنت من دخول القوات الدولية بلادنا..!!.
ومن إنجازات (الانقاذ) التي تحدث عنها وقيع الله هي أن الشرخ بل الجرح الكبير الذي حدث في السودان بسبب مشكلة دارفور لا يمكن ألبته علاجه بالساهل ويحتاج لعقود من الزمان بعد حل المشكلة (إذا تم حلها)، ولدي الكثير من الاخوة الاعزاء من أبناء دارفور الذين راحت أسرهم ضحايا لمجازر القوات المسلحة السودانية على قراهم، أحد الاخوة قد وصل الى السويد من بعد معاناة ومطاردة من أجهزة الأمن السودانية الى تشاد ثم الى الكاميرون ثم الى فرنسا فالسويد واتصل بي من هنا بتوقيت مكة المكرمة الساعة الثانية صباحاً حكى لي كيف ان طائرات الجيش غارت على منطقتهم في غرب الجنينة وكان سارحاً مع الماشية وعندما رأي الطائرة في الجو تدق الارض بقذائفها جرى مسرعاً إلى منطقته ثم الى بيت فرأى والدته وشقيقاته على الأرض والدماء قد أغرقت المكان، وكان يحكي لي ويبكي بأعلي صوته ويسألني " أبواحمد انت عشت معنا هل نحن انفصاليين..؟؟" و"هل نحن أشرار يرسل أخواننا في الخرطوم الطائرات لتقتلنا..؟؟" كانت لحظات صعبة للغاية ولم أنم ليلتها ولم أهنى بالنوم منذ تلك المكالمة قبل أكثر من 3 سنوات.
الآن في الوقت الراهن كل العالم أصبح يدرك بوعي تام أن الحكومة السودانية لا تريد حسم قضية دارفور، وقد كشفت التقارير الإخبارية أن أيادي حكومة النظام في أحداث شاد كانت واضحة جدا جداً وقد راح ضحية لذلك عشرات الأنفس البريئة، وعندما حاولت بعض الصحف نشر جزء بسيط جداً من معلومات خاصة بتدخل أيادي حكومية في أحداث تشاد تم اعتقال رُؤساء تحرير تلك الصحف، وأفرج عنهم بعد ضغوط شديدة من الحركة الصحفية في بلادنا وقد أصبحوا هم خط الدفاع الأول عن السودان وليس الحكومة التي تدافع عن انجازاتها.

محاولة اغتيال مبارك في أثيوبيا 1995م
من أكثر الفترات العصيبة التي مر بها السودان كونه يتهم لأول مرة في تاريخه الطويل بمحاولة اغتيال رئيس دولة مجاورة هو محمد حسني مبارك في أثيوبيا، وأتذكر أن الرئيس البشير ود.حسن الترابي كانا قد أقسما بالله قسماً غليظاً بأن السودان برئ من محاولة اغتيال الرئيس مبارك لكن المخابرات المصرية قد قامت بخديعة مخابراتية تم الكشف بعدها على الذين قاموا بالمحاولة من أكبرهم الى أصغرهم، وتم تصفية عدد من (الصغار) وفي وضح النهار، وقد كسبت مصر (أخت بلادي) معركتها ضد السودان التي استمرت آلاف السنين وانتصرت آخيراً حيث وضعت السودان في (مُخباها) بالمعنى البحريني وفي (جيبها) بالمعنى السوداني تلعب به كما تشاء، وبسبب محاولة الاغتيال هذا نالت مصر ما لم تنله من السودان لآلاف السنين وهي الآن تدافع عن السودان دفاعاً مستميتاً وقد وُهبت الأرض في الشمال وأدخلت شركاتها العقارية للعمل في السودان (عايرة وأدوها صوت) لتبني لنا المباني الفخمة الخدمية منها والعامة..!!.
أحلامنا التي .....
لا يستحي د. محمد وقيع الله عندما يقول أن "أحلامنا تحققت" ... يا الله.. يا الله....كم هذا الكلام مُقزز ومُبكي..إذن كان حلم وقيع الله كابوس في ليلة شديدة العتمة نام صاحبها نجساً والعياذ بالله ويمضي ويقول:
"لكن الحركة الإسلامية ماضية تحقق إنجازاتها غير مبالية بهم كثيرا أو قليلا"،
قد يكون قد تحققت لـ د.محمد وقيع الله كل أمنياته لكن أعضاء الحركة الإسلامية المنتشرين في كل بقاع العالم يؤكدون عكس ذلك تماماً فالانجازات لا تتعدى البترول الذي لم ينتفع به الشعب السوداني ولا من المؤمل ان ينتفع به في القريب، الخدمة المدنية وقد دُمرت تماماً فحتى درجة وكيل الوزارة أصبحت وظيفة سياسية بالتعيين السياسي وقد كانت هي المرجعية المهنية والقانونية في كل وزارة، وكان وكيل الوزارة دائما هو القبلة التي يتجه اليها الجميع في كل شئ، هو الأب والأخ والصديق والزميل وهو المسئول الأول الأب الروحي للجميع بدون فرز، أما وأن (الانقاذ) قد أحالت هذه الخاصية إلى الصالح العام، وأصبحت الوزارات تدار بالكذب والنفاق والتملق، والخدمة المدنية ليس بالشي الهين الذي نتقاضى الحديث عنه، فهي العمود الفقري للتطور البشري على مر العصور.
وعن مشاريع التنمية حدث ولا حرج وقد بيعت كل المشاريع التي كانت تُوفر الغذاء للمواطنين (الرهد الزراعي- النيل الازرق- النيل الابيض – السوكي – الشمالية-إلخ).
التجارة أصبحت فقط للموالين للنظام وكذلك التصدير والاستيراد لقادة النظام وأعضاء المؤتمر الوطني من العضوية النشطة سياسياً واقتصادياً، منظمات النفع العام جميعها للموالين، أما التي يقودها غير موالين للحكم توضع العقبات في طريقهم ثم لا يستمرون في العمل.
الصناعات كذلك غالبيتها لأعضاء النظام خاصة القطاعات المؤثرة وهولاء تُوفر لهم التمويلات المصرفية وتزال أمامهم كل المعوقات.
التعليم والتعليم العالي.. لا يحتاج مني لحديث فالكل يعلم والأمر جلي للعامة وباعتراف الكثير من المسؤولين في النظام.
الدبلوماسية أيضاً كتاب فاضح مفتوح الكل قرأه ويكفي فصيحة قنصلية دبي فقط، وقد تحولت السفارات جميعها الى مراكز مخابرات في الخارج والعمل القنصلي ما هو إلا ديكور، والعقلاء من السودانيين في الخارج يعرفون حتى رتب الدبوماسيين الأمنية وتخصصاتهم الأمنية، والآن قد عرف السودانيين من خلال ما ينشر في الاعلام أن ضباط الأمن هم الذين يتولون منصب (القنصل) في غالبية سفارات السودان في الخارج.
ومن هنا لا أرى أي انجازات غير استخراج البترول وتصديره، دون أن يرفع من المستوى المعيشي للمواطنين.
لكن حلمنا في الدولة الاسلامية قد تحول إلى كابوس، بل أصبحت دولة مافيا اقتصادية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى.
هذا الحديث يذكرني أحد الاخوة من الصادقين عندما كنا في انتخابات الإعادة في دائرة أمبدة 1988م بعد وفاة نائبها المرحوم صلاح الصديق المهدي كنا في مدينة امدرمان مستنفرين للعمل في هذا الدائرة التي تنافس فيها الشيخ صادق الكاروري من الجبهة مع أحد قادة حزب الأمة، وعندما كانت تأتي بنا الحافلة في منتصف الليل او الساعات الأولى في الصباح كان يحدثني أخي ويقول الظاهر قصة الدولة الاسلامية بعيدة جدا" وروحنا نتذكر الصحابة الأجلاء ثم شهداء الحركة أمثال عبدالإله خوجلي و حسن سليمان و عبدالله ميرغني والامام الهادي المهدي (تقبلهم الله في الخالدين)، فبكي أخي بكاءً كثيراً ، وحقيقة أن أشواقنا للدولة الإسلامية الحقة لا يمكن أن يصفها إنسان، فهي دولة العدل.. ودولة الدين.. دولة الرحمة.. دولة الصدق.. ودولة التسامح الديني، دولة نعيش فيها كلنا مسلمين ومسيحيين ويهودا ووثنيين في مكان واحد، نعم نختلف في عقائدنا لكن نحتمي ببعضنا البعض ونهرب من بعضنا لبعضنا البعض لا تفرق بيننا المناطق ولا الجهويات ولا القبليات ولا الكسب الدنيوي.
ترى كم من الآلاف من كادر الحركة الذين خرجوا من النظام مبكراً عندما تأكد لهم أن النظام يسير نحو عكس ما كانوا يعملوا من أجله السنين الطوال..؟؟؟ ترى كم من الشباب الذين غادروا محطة (الانقاذ) وهربوا بدينهم من جحيم زيد وعبيد، نرى كم من الآلاف الذين قدمتهم الحركة في جنوب السودان ، مسيرة طويلة من الصديقين والشهداء الذين عافت أنفسهم نعيم الدنيا من شهداء 1973م إلى عبيد ختم البدوي وأحمد عثمان مكي ومحمد عثمان محجوب مرورا بالهيثم عبدالهادي الحسن ويوسف سيد والبادرابي والمنصوري وعلي عبدالفتاح، وعبدالله جابر وعبدالله بابكر، وحسين سرالختم وشقيقه خالد، والكثير من الذين لا يعرفهم د.محمد وقيع الله باعوا حياتهم رخيصة من أجل دولة العدل الرشيدة.
ومن هنا أسأل الله للدكتور محمد وقيع الله أن تكون هذه شهادته لـ (الانقاذ) فيُبعث بها يوم القيامة يوم تصطف الخلائق جميعها أمام رب العزة والجلالة كل بمظلمته وذنوبه،حينها يكون الكثير من الناس في موقف لا يحسدون عليه، فشهادة للنظام الذي قتل الأبرياء في الجنوب وفي دارفور والشرق وداخل المعتقلات وداخل معسكرات الخدمة الإلزامية لا يمكن بأي حال من الأحوال إلا أن يكون من أهل الجحيم لأن ما قاموا به من مجازر حقيقة وليس إدعاء كاذب، كل الشواهد والأدلة ستقف أمام رب العالمين في يوم يخسر فيه الظالمين ومن أيدهم وساندهم.
فإذا كنت قد دافعت عن (الانقاذ) كل هذا الدفاع (بالصح والكضب) فمن الذي يدافع عنهم يوم العرض..يوم الدين.. يوم الحساب،وإذا كان للنظام أقلامه وكُتابه وقنواته الفضائية تمجد كل أعماله وتصدق أكاذيبه فتذكر أخي د. محمد وقيع الله قول الله عز وجل وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء [ابراهيم:43،42]..
وقوله سبحانه: أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى [القيامة:36].
وقوله تعالى: سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [القلم:45،44]. وقوله : إن الله ليملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته ثم قرأ: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102].
وفي يقيني التام أن الظالم مهما مكث في كرسي الحكم يوما ماً سيطاله الحساب في الدنيا والاخرة والتجارب علمتنا ذلك من الديكتاتورصدام حسين الذي أصبح يمثل أكبر النماذج القريبة جدا لعالمنا ولواقعنا، وأمامنا قوله تعالى: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ الشعراء:227
هذه بعض من صفحات من تاريخ النظام المخزي كُتبت بصدق وبأمانة ويكفي أن كاتبها خارج السودان يعاني البعد عن الأهل وعن الأسرة، ويُعرف لدى الجميع في البحرين أنه أبعد الناس عن ممثلية النظام وحتى عن مقر الجالية، سبعة سنوات خارج الوطن..
أتمنى من الاخ د. محمد وقيع الله أن يطالع هذه السيرة وان يسأل عن كاتبها وعن صحة ما كتبه
وإذا ادعت الامور لكي أزيد فيما كتبت فسوف آتي لا محالة..

Post: #84
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 03-19-2008, 06:33 AM
Parent: #83



Quote: الانتباهة تكشف الجديد حول ما انفردت به عامان من الغموض

اين محمد الخاتم؟

والده التقى الرئيس البشير ونائبه طه واللجان لم تتوصل
لأي نتيجة

الشبهات تحوم حول الاسلاميين

هل لقطاع الطلاب علاقة بقصة إختفائه؟

شقيق الخاتم:أخي مجاهد ولم يعد الآن مكان للمجاهدين
تقرير: اسامة عبد الماجد
هي قصة أقرب الى الخيال لغز اختفاء شاب منذ عامين الشاب
المجاهد يدعى محمد الخاتم موسى يعقوب، انضم الى الحركة
الاسلامية منذ صغره اذ التحق بقوات الدفاع الشعبي وهو في
الصف الثاني بالمرحلة المتوسطة وانضم الى متحركات الجهاد وهو بالسنة الاولى بالثانوي العالي حيث كان بجانب صديقه الشهيد المعز عبادي وقضى ثمانية اشهر في ياي بالجنوب
وعاد مصاباً بـرايش بقايا المتفجرات في رجله ورقبته
وتعرض لذلك في الطريق الى مربو درس الخاتم بجامعة
الخرطوم كلية الاقتصاد والعلوم السياسية وتخصص في العلوم
السياسيةذهب الى الجنوب مرتين اثناء دراسته الجامعية
تخرج في العام 2002 انخرط في التنظيم الاسلامي بالجامعة
حتى وصل الى منصب رئيس مجلس شورى الاسلاميين الوطنيين
وعمل بمركز الشهيد الزبير وبالاعلام المركزي وبمنظمة
الطلاب الوافدين بدأ برنامج دراسات عليا بجامعة الخرطوم
لكن المدهش في شخصية الخاتم انه كان مغرماً بالطيران
وكان يقتني مجلات وكتب عن الطيران المدني والعسكري، عرف
عنه النبوغ والذكاء الحاد مما مكنه من من التقدم باختراع
للملكية الفكرية العالمية الوايبو بجنيف في مجال وقود
الطائرات وكان الخاتم محط انظار الجميع فكل الاسلاميين
ابتداء من القيادات العليا المتنفذة في الدولة يعرفون من
هو الخاتم ومدى القدرات التي يتمتع به اهل بيته لم
يكونوا يعرفون شيئاً عن تفاصيل عمله التنظيمي بالجامعة
إلا بعد إختفائه اللغز
ما قبل الاختفاء
فجأة انقلب الخاتم على اخوانه بجامعة الخرطوم وبدأ يوجه
انتقادات حادة للاسلاميين بالجامعة وخارجها وطفق يتحدث
في اركان النقاش عن سوءاتهم وبدأت تخرج منه معلومات غاية في السرية سيما انه كا يشغل مواقع حساسة داخل التنظيم اذ
تطرق الى علاقات لبعض الافراد مع وكالة المخابرات
الامريكية والموساد الاسرائيلي ووزع عدداً من المنشورات
في كلية الطب جامعة الخرطوم وفي السنتر لكن آخر عهده
بالحديث الجهير كان قبل اسبوع من اختفائه اذ وقف يخطب
بمسجد جامعة الخرطوم ملتقى الاسلاميين عقب صلاة الجمعة
وفي الجمعة التي تلتها اختفى الخاتم تماماً عن الانظار .
كيف حديث ذلك؟
كان عصر الجمعة الثالث من مارس 2006 يوماً عادياً بمنزل
موسى يعقوب بمدينة النيل بام درمان مثله مثل البيوتات
السودانية، محمد الخاتم وشقيقه وائل خريج مدرسة العلوم
بجامعة الخرطوم يشاهدان برنامج مع هيكل على قناة الجزيرة
الساعة تقترب من الخامسة مساء يخرج الخاتم بعد اخطاره
لوالدته ميمونة محمد الخاتم عثمان استاذ مساعد جامعة ام
درمان الاسلامية كلية اللغة، انه لن يتناول معهم وجبة
الغداء لارتباطه بموعد كان نصيب شقيقته الصغرى صحوة ان
تراه وهو مغادراً بعد ان نسي هاتفه الجوال ولحقت به
واعطته اياه
قلق الاسرة
بدأ القلق ينسرب الى دواخل الاسرة بعد ان تجاوزت الساعة
العاشرة والنصف مساء دون ان تلوح بوادر قدوم الخاتم الذي
ترك سيارته الاتوس بفناء المنزل حاملاً معه مبلغاً
بسيطاً من المال وسلسلة مفاتيح لابواب المنزل والسيارة
والده موسى كما روى لي اول من حاول الاتصال به لمعرفة
مكانه وسبب تأخره سيما وان الخاتم في العادة لا يتأخر
ازداد توتر الاسرة خاصة وان محمد مصاب بداء السكري
وهاتفه كان مغلقاً رجح والده ان بطارية الهاتف قد خذلته
لكن عندما تجاوزت الساعة الثانية عشرة من منتصف الليل
خرج موسى ومعه ابنه وائل وطافا على كل المستشفيات ومراكز
الشرطة يرافقهما ابن خاله دهيثم عبد القدوس، استمر البحث
حتى الصباح ولا اثر للخاتم استمر الحال هكذا يومي السبت
والاحد الرابع والخامس من مارس ووصلوا حتى مستشفى سوبا
وبشائر ومن ثم تحركت الاسرة لاتخاذ الاجراءات القانونية
حيث فتح بلاغ بمركز شرطة مدينة النيل الذي يتبع لنيابة
محلية كرري وبعد التحري تسلمت الاسرة خطاباً لشركة
الهاتف السيار زين لمعرفة آخر مكالمات اجراها الخاتم
الشركة لم تقصر ومنحت اسرة يعقوب قائمة للمكالمات
الصادرة والواردة لمدة تزيد عن الشهر، قال لي وائل ان
آخر رقمين اتصل عليهما كان الاول خاص بشخص يدعى منتصر
عطا والرقم الآخر لسيد كامل مصطفى وكان الاخير يحوّل
مكالماته على رقم منتصر اخر مكالمات كانت مع جهاز امن
الطلاب، هكذا اقر موسى يعقوب وابنه وائل، قبلها كان هاتف
الخاتم موقوفاً عن الخدمة وسدد له والده فاتورته قبل يوم
من اختفائه اي صباح الخميس مارس وفي ذلك اليوم بعد
معاودة الخدمة اتضح ان الخاتم اجرى مكالمة واتصل على سيد
كامل علمت من والدة الخاتم الاستاذة ميمونة ان ابنها
كان يستعمل هاتفها ايام انقطاع خدمة هاتفه، واكدت لي
انها وجدت رسالة مرسلة من ابنها الى منتصر عطا تقول يا
منتصر سأصلك بعد ساعة وكان ذلك قبل يومين من إختفائه
لكن المثير عند اتصال موسى يعقوب على المدعو منتصر انه
انكر انه يعرف الخاتم وبعد ضغط من موسى اقر منتصر انه
تذكر الخاتم وان له عمل معه لم يكشف عنه كثفت الاسرة من
اتصالاتها وبادرت بالاتصال بأصدقائه المقربين الذين
عملوا معه في التنظيم عمار باشري ، وياسر يوسف ومحمد نور
وآخرين وائل موسى قال ان المدعو عمار باشري اخبره بأن
هناك شخص اكد انه تحدث الى محمد الخاتم يوم السبت اليوم
الثاني لاختفائه واتضح لاحقاً ان ذلك الشخس هو نفسه
المدعو منتصر عطا سكرتير كامل مصطفى علم وائل من باشري
مكان تواجد منتصر بقطاع الطلاب جنوب كوبري المسلمية
بالخرطوم وفي حين كان منتصر عطا يتحدث عن اتصاله بالخاتم
بعد يوم من اختفائه اكدت اسرة الاخير ان ذلك كان يومي
الثلاثاء والاربعاء اي قبل إختفائه، على كل تحدث والد
الخاتم مع سيد كامل عبر الهاتف حول غياب ابنه وقال له
كامل ان الخاتم كان يوزع منشورات في الحرم الجامعي وابدى
كامل احتجاجه على تلك المنشورات واحتد الحديث بين
الطرفين انتهى الى اغلاق الهواتف بدأ والد الخاتم في
التحرك على مستوى ارفع اذ اتصل بمستشار الرئيس
البروفيسور احمد علي الامام الذي بدوره هاتف سيد كامل
ولم يتقبل الاخير، بحسب موسى، محادثة مستشار الرئيس، من
هنا تأكد لوالد الخاتم ان ابنه بطرف جهة امنية وهذا
الاحتمال يعود بنا الى لقاء هام جمع والد الخاتم ببعض
الشخصيات الاسلامية بمستشفى الخرطوم اذ نقل المجتمعون
وهم كما قال لي موسى د محمد نور طبيب بمستشفى
الخرطوم نائب الخاتم في التنظيم، محمد بكري ومحمد بابكر
ورجل رابع لم يذكر اسمه كان اللقاء المشار اليه قبل
ثلاثة ايام فقط من اختفاء الخاتم ونقل المجتمعون لوالد
الخاتم ان ابنه اصبح غير طبيعي واضحى يخطب في كلية الطب
ومسجد الجامعة منتقداً الاسلاميين يؤكد يعقوب ان
المجتمعين ارادوا ايجاد طريقة يبعدون بها ابنه من مناخ
التوتر لكنه استدرك انه لم يكن مرتاحاً لاحدهم الذي كان
يحمل ملفاً يحوي منشورات الخاتم اذاً كل ما يتعلق
بتفاصيل الايام الاخيرة للخاتم لم يخرج من اطار اخوانه
وقطاع الطلاب عمار باشري نقل لاسرة الخاتم حرصهم كطلاب
على اخيهم الخاتم مؤكداً لهم ان قطاع الطلاب بالتنظيم لا
علاقة له بحادثة الاختفاء وإن كامل شيخهم جميعاً وجاء من
الطلاب المدعو ياسر يوسف واجتر لهم ذات الحديث الذي ساقه
باشري
توالي المفاجآت
شقيق الخاتم­ وائل ابدى اسفه لاختفاء كل زملائه واخوانه
لكنه اشار الى مسألة غاية في الاهمية عندما قال انه بعد
84 يوماً من اختفاء شقيقه اتصلت به مجموعة قالت انهم
اخوة للخاتم وزاروه بالمنزل وكانوا اربعة واخبره اكثر
المتحدثين بينهم انه يعمل في بنك ام درمان الوطني
واستفسروه ان كان يملك معلومات جديدة عن اختفاء الخاتم
بعدها وصلت انباء من شخص صديق للاسرة اكد لهم ان هناك من
التقى بالخاتم بمباني جهاز الامن والمخابرات وان ابنهم
يتمتع بصحة جيدة تحرك وائل موسى الى مباني جهاز الامن
للاستفسار عن صحة المعلومات التي وصلتهم، وطلب مقابلة
الضابط المناوب وكانت المفاجأة كما روى لي ان الضابط
المناوب كان هو ذات الشخص الذي زارهم بمنزلهم وبرفقته
ثلاثة آخرين وادعى انه يعمل ببنك ام درمان الوطني ولم
يخرج وائل بجديد، واستمر مسلسل الوعود، كان تعليق موسى
يعقوب على حديث ابنه ان كل من يتصلون بهم او زاروهم
بالمنزل كانوا يريدون اخذ المعلومات لا اكثر بدليل اتفاق
الجميع على طرح سؤال واحد عليهم على شاكلة ما الجديد في
امر الخاتم؟ وهل عندكم اي معلومات جديدة؟
احباط الاسرة
كان الامر محبطاً لاسرة الخاتم خاصة بعد ان علموا من
مصادرهم الخاصة ان الضابط الذي زارهم يعمل في قطاع
مكافحة الارهاب بجهاز الامن وآخر بجهاز امن الطلاب لم
تحتمل الاسرة تلاعب قلة من الناس بمصير ابنها فتحرك موسى
يعقوب واجرى اتصالاً بنائب الرئيس علي عثمان محمد طه
الذي بدوره وجه نائب مدير جهاز الامن والمخابرات اللواء
مهندس محمد عطا بتشكيل لجنة لمتابعة القضية تشكلت
اللجنة برئاسة لواء من جهاز الامن وذلك بعد اسابيع من
اختفاء الخاتم وبحسب يعقوب لم تحرك اللجنة ساكناً فعند
إتصاله بها يطلب منه رئيس اللجنة الحضور اليه ويذهب
يعقوب فقط يسأله اللواء هل هناك جديد؟ قنع والد الخاتم
كما قال لي من خيراً في اللجنة وتأكد له انها لم ولن
تفعل شيئاً واذا كانت هذه اللجنة تشكلت بتوجيه من نائب
الرئيس شخصياً ماذا يفعل يعقوب؟ هداه تفكيره الى مقابلة
مساعد رئيس الجمهورية د نافع علي نافع وهذا ما حدث،
ووعده خيراً لكن في اليوم الثاني مباشرة هاتفه نافع
واخبره بأنه اجرى اتصالاته ولم يعثر على اثر لابنه
الخاتم اظلمت الدنيا في وجه الرجل المحتسب موسى يعقوب
وغطى لون السواد على المشهد مثلما هو لون عربة الخاتم
ماركة اتوس والتي لا تزال واقفة في فناء المنزل حتى الآن
اهتدى والد الخاتم الى مخاطبة رئيس الجمهورية وتوكل على
الله وكتب مذكرة شاملة للرئيس، وكان البشير حينها في
الحج وذلك في العام المنصرم وفق يعقوب في مقابلة رئيس
الجمهورية الذي ابدى عدم علمه بالامر رغم ان اكثر
المقربين اليه على علم بحادثة الاختفاء واعني اللواء
بكري حسن صالح، وزير رئاسة الجمهورية قال لي موسى ان
الرئيس قرأ منشورات الخاتم واستمع له طويلاً ووعده خيراً
وامر بتشكيل لجنة على وجه السرعة برئاسة مدير المباحث
الجنائية اللواء عابدين الطاهر وعضوية الشرطة والامن
والمخابرات تحت اشراف رئيس المجلس الوطني احمد ابراهيم
الطاهر استوقفني امر اشراف الطاهر على لجنة امنية سيما
وان الطاهر كان يشغل رئاسة لجنة الاعلام بالمؤتمر الوطني
والد الخاتم رجح اشراف الطاهر على اللجنة وأن المؤتمر
الوطني كان قد عزم على اصدار قرار في وقت مضى بتشكيل
لجنة لمحاسبة اجهزة الحزب اقترح الطاهر لرئاستها، اضافة
الى ان الاخير رجل قانوني ضليع ورئيس السلطة الرقابية
والتشريعية طبقاً لموسى ما هو متفق حوله ان اللجنتين لم
تتوصلا الى اي معلومة تقود الى فك طلاسم اختفاء الخاتم
بل ولم ترفع اللجنتان اي تقرير للجهات العليا لكن الصدفة
وحدها هي التي اجبرت لجنة احمد ابراهيم الطاهر على كتابة
تقرير والسبب الذي اضطر اللجنة الى صياغة تقرير مكتوب
بشأن الخاتم هو الاختراع الذي تقدم به محمد الخاتم الى
منظمة الملكية الفكرية العالمية الوايبو فالخاتم كان قد
تقدم باختراعه للوايبو في 2004 وظلت المنظمة تراسله في
فترة اختفائه بواسطة والده، وعندما احس موسى يعقوب بتعذر
مراسلة الوايبو ارسل لها خطاباً اشار فيه الى غياب
الخاتم في الوقت الحالي وعدم فهمهه لصيغة خطاباتهم لكن
الادارة القانونية للوايبو فاجأته بخطاب طلبت فيه اثبات
عدم وجود الخاتم حتى تحتفظ له بحقوقه حمل يعقوب خطاب
الوايبو الى رئيس البرلمان احمد ابراهيم الطاهر، واقترح
عليه الاخير الاستعانة بالمحامي المعروف والمستشار
القانوني لوفد نيفاشا الحكومي د عبد الرحمن ابراهيم
الخليفة واستنجد والد الخاتم بالخليفة وعاونه الرجل في
كيفية مخاطبة الوايبو لكن ولأن كل تفاصيل اختفاء الخاتم
محشوة بعلامات الاستفهام ومطوّقة بالغموض، وعلى ذات
المنوال جاء تقرير لجنة الطاهر الذي صدر في الاسبوع
الاخير من اكتوبر 2007م في صفحة ونصف الصفحة باللغة
الانجليزية حوى بيانات عامة عن محمد الخاتم المولد،
النشأة والدراسة ثم كانت المفاجأة فيما يلي ذلك ان حمل
التقرير الآتي
­ درس الخاتم بجامعة الخرطوم وكانت له خلافات مع زملائه
واختفى في فترة كذا الخ، وان اللجنة قامت بعمل مطابقة
المعلومات الخاصة به وصورته مع قوائم الشخصيات غير
المعروفة والمفقودة والموتى والذين غادروا البلاد بالبر
او البحر او الجو ولم تجد اسمه ولا يزال العمل جارياً،
والاكثر دهشة في تقرير اللجنة ان المدعي العام هو من
ذيّل توقيعه في آخر التقرير وتساءل والد الخاتم
وبأسى الخاتم لا مات لا فات اين هو اذن؟
واردف تساؤله بسؤال آخر
اذا كان ابني لديه مشاكل وحساسيات مع زملائه ماذا نفعل
لمن اثاروا تلك المشاكل تجاه زملاء الخاتم؟
وتجاوز يعقوب سؤالي له اذا كان يتهم جهة بعينها باختطاف
ابنه قائلاً الغموض يسيطر على اختفاء ابني
والمعضلة ان تكون هناك اجهزة تعمل بمعزل عن اخرى، فمن
الممكن ان امن الطلاب يقوم بعمل ما والآخرون لا علم لهم
به والدة الخاتم الاستاذة ميمونة والتي كانت طريحة
الفراش عقب اجرائها لعملية جراحية الاسبوع المنصرم قالت
لي­ وهي تحاول جاهدة السيطرة على دموعها­ انها تلقت
تأكيدات من عدة اطراف ان ابنها بمباني جهاز الامن وانها
ذات مرة تلقت اتصالاً هاتفياً طلب منها محدثها الحضور في
اليوم التالي الى مباني جهاز الامن لكتابة تعهد ومن ثم
تسلم ابنهم أيّد موسى وابنه وائل حديث الاستاذة ميمونة
واكدا ان المتصل بوالدة الخاتم ذكر لها اسم ضابط برتبة
العقيد وآخر معه اسمه جيمس سيقومان بإجراءات اطلاق سراح
الخاتم ذهب والد الخاتم وشقيقه في الصباح الباكر الى
مباني جهاز الامن وطلبا مقابلة الضابط المعني وعلموا من
الاستعلامات ان جنابوا لم يأتِ بعد، هكذا افادوهم وظلوا
في انتظاره حتى الواحدة ظهراً، وفي النهاية قال لهم رجل
امن بالمبنى انه ليس بينهم ضابط بذاك الاسم موسى يعقوب
قال وبكل صراحة ان ابنه كان في الفترة الاخيرة
مهجساً بحاجة اسمها جهاز الامن وطلب منه ذات مرة وكان
برفقته محامي مبلغ 2 مليون جنيه لنيته رفع دعوى في حق
اشخاص في جهاز الامن، والدته عضدّت حديث زوجها مشيرة الى
ان الخاتم وصديق له وبعد استخراجهم لتصديق انشاء منتزه
في المساحة الواقعة غرب سجن ام درمان الغت السلطات
الامنية التصديق مما سبب له احباطاً واشارت الاستاذة
ميمونة الى ان ضابطاً يحمل رتبة صغيرة بجهاز الامن
طمأنهم على الخاتم واكد لهم مقابلته لهم وطمأنهم على
صحته وقالت انها رفضت البوح باسم الضابط للجنة التحقيق
عند زيارتهم لمنزلهم برئاسة اللواء عابدين الطاهر وخشيت
والدة الخاتم ان يلاقي الضابط الصغير مصير ابنها واكدت
ان صلتهم بذلك الضابط انقطعت تماماً بعد ان نما الى
علمهم انشغاله بأحداث دارفور لكن اطرافاً اخرى اتصلت
بهاو طلبت منها التوجه في يوم بعينه الى السلاح الطبي
لرؤية ابنها من على البعد وتعلقت ميمونة بالقشة وذهبت
الى المكان المحدد ولم يأتِ الخاتم سألت الاسرة عن
مقتنيات الخاتم خاصة اوراقه ومذكراته، اجابني وائل ان
كل الاسرة بما فيها الخاتم كانت ستعمل لاب توب واحد فقط
وبعد اختفائه عثر داخل الكمبيوتر المحمول على بعض
المنشورات التي نشرها الخاتم في الجامعة وقام بمسحها
لكن والدته ذكرت موقفاً مر بهم بعد عام من اختفاء الخاتم
اكثر إدهاشاً مما سبق من احداث يملك كل فرد من افراد
الاسرة الخمسة مفاتيح خاصة به وجميعهم يغادرون المنزل
عند الصباح، هذا قبل ان يخصصوا حراسة للمنزل الآن وذات
يوم عادت والدة الخاتم مبكراً الى المنزل ووجدت ان الباب
الداخلي للمنزل مغلقاً بالطبلة من اعلى وليس من مكان
المقبض والخاتم هو الوحيد الذي يغلق الباب بذات الطريقة
واكتشفت بعد دخولها البيت وجود بعض التغييرات الطفيفة
وبعد التئام شمل الاسرة تناقشوا في الامر واكتشفوا ان
ملابس الخاتم التي جهزتها والدته لتقدمها لمرافقيه
بالسلاح الطبي قد اختفت واكتشف شقيقه وائل تغيير هيئة
عربة الخاتم من الداخل وتأكد للاسرة ان هناك من دخل
المنزل دون ان يحدث كسراً مما يعني انه استخدم المفاتيح
التي كانت بحوزة الخاتم لحظة اختفائه لكن والدته التي
تعتبر ابنها صديقها رجحت ان يكون الخاتم قد جاء المنزل
برفقة اناس وانه اغلق الطبلة بطريقته الخاصة به كي يوصل
لهم رسالة انه بخير وائل رجح ان يكون الهدف من تفتيش
المنزل البحث عن اوراق تخص الخاتم علامات استفهام لكن
تظل علامات الاستفهام تزداد حجماً لسببين الاول لماذا
صمتت اسرة الخاتم على اختفاء ابنها طيلة هذه المدة؟ وهل
اختفاؤه له علاقة بتوجهات يعقوب؟
والده موسى قال انهم كانوا متفائلين خيراً بالعثور على
ابنهم حتى انقضاء عامين ولم يستبعد ان يكون اختفاؤه
بواسطة جهة ما هي محاولات منها للتشكيك في الوطني لكنه
عاد ورجح ان تكون مواقف ابنه الاخيرة هي التي قادته
للاختفاء، لكن وائل يقول وبحسرة ان شقيقه لا هو مؤتمر
وطني ولا شعبي فلو كان محسوباً على الوطني ما فرطوا فيه،
واضاف حسني مصطفى اختفى في جوبا واجتهدوا في العثور عليه
والخاتم اختفى في الخرطوم واللجان التي تشكلت باوامر
رئاسية لم تصل لنتيجة وزاد الخاتم مجاهد ولم يعد الآن
مكان للمجاهدين وترى والدته ان صبرهم كان لثقتهم في
الجهات الرسمية رغم ان قيادات من حزب كبير نصحتها
بمقابلة لجنة حقوق الانسان بالامم المتحدة واثارة
المسألة عبر الاجهزة الاعلامية والفضائيات لكنها استدركت
انها خشيت من الاقدام على تلك الخطوة ان تكون التصفية هي
مصير ابنها ونفت ان يكون ابنها على علاقة بالشعبي رغم
تلقيها معلومات تفيد بأن الخاتم يشارك في القتال ضد
الحكومة في دارفور ضمن كتيبة تتبع للمؤتمر الشعبي لكنها
اكدت انها الآن لم تعد تخشى من شيء بعد ان يئست ولعل
ذات السبب هو الذي جعل موسى يخرج من صمته ويكتب في عموده
بأخبار اليوم اين المواطن محمد الخاتم؟ لكن هل بالفعل
ضايقت بعض الجهات المسؤولة الخاتم؟ولماذا؟
ولماذا انقلب محمد على المؤتمر الوطني؟ وهل عاد لصفوف
المؤتمر الشعبي؟ كلها اسئلة مشروعة في حالة الخاتم ففي
اعقاب المفاصلة الشهيرة بين الاسلاميين إنحاز الختام الى
المؤتمر الشعبي ووقف وبصلابة بجانب الشيخ الترابي لكن
بعد فترة كتب مقالاً بصحيفة الرأي العام ووجه فيه سهم
نقده للمؤتمر الشعبي اسماه ان الشعبيين قوم بهت وعاد الى
الوطني لكن يبقى اختفاء الخاتم لغزاً محيراً والامر ها
هو ذا كتاب مفتوح.

Post: #85
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 03-19-2008, 07:26 AM
Parent: #84

بسبب خلافات الاخوان وفتنة السلطة
اختفاء ابن موسى يعقوب فى ظروف غامضة

حوار سهير عبد الرحيم
الراى ىالعام 16/3/2008


قصة اختفاء محمد الخاتم نجل الاستاذ الصحفي موسى يعقوب تصلح مادة ثرية للافلام الاكشن والتراجيدية والرومانسية والبوليسية معاً.
بطاقة محمد الخاتم تقول إنه مواليد العام 1976م وتحديداً في السابع عشر من مايو، تدرج في التعليم الى ان التحق بجامعة الخرطوم وتخرج فيها من كلية الاقتصاد.. واثناء سنوات الطلب تقلد مناصب قيادية في صفوف الحركة الاسلامية «المؤتمر الوطني» وسط الطلاب، ولكنه بعد فترة اختار الضفة الاخرى «الشعبي» ثم تركهما معاً.. واصبح له احباطاته ومواجعه ومواقفه الخاصة.
بسبب كل هذا وربما نتيجة له اختفى محمد الخاتم موسى يعقوب منذ ما يقرب العامين ولم يترك اثراً إلا ذلك الاثر البالغ وسط الاسرة وربها موسى يعقوب، وزوجته الاستاذة ميمونة المحاضرة بجامعة أم درمان الاسلامية.
جلسنا الي الاب والام ليحكيا القصة التراجيدية الكوميدية: سألنا في البداية والده:
---------------------------


? كيف اختفى محمد الخاتم؟
- اعتقد انه حدث له شئ ولا يريدون ان يعرف أحد بذلك.
? هل تستنتج ذلك أم لديك معلومة؟
- ليس لدى معلومة ولكن خارطة الطريق (بتاعته) توضح ما ذهبت إليه.
? ما هي خارطة الطريق لأبنك؟
- ابني اختلف مع زملائه في الجامعة وقد كان رئيس مجلس الشورى، الجميع يعرفونه معرفة شخصية وكان مجاهداً.. ولكن حدثت له تطورات واحباطات جعلته يغير مواقفه.
? ما نوع اختلافه مع زملائه هل هو اختلاف فكري أم تنظيمي؟
- الاثنان معاً اختلف معهم فكرياً وتنظيمياً، فبعد تخرجه في 2002م، وكان يعمل في الاعلام المركزي للطلاب حدث خلاف بينه وآخرين.
? هؤلاء الآخرون هل هم معروفون لديك؟
- معروفون لدىَّ ومعروفون للغير.. المهم اصبح إبني محمد الخاتم يذهب الى الجامعة ويهاجم النظام ويهاجم التنظيم وكان بليغاً في الحديث ويصدر بيانات مثل (بيان للمؤمنين) (وهذا بيان للناس) ويخطب في النشاط الطلابي وفي مسجد الجامعة وفي مسجد كلية الطب، واصبحت خطبة تحدث تأثيراً. وفي بعض المرات كان يتردد مع زملائه إلى المؤتمر الشعبي، وبعدها تركهم واصبح له تفكيره الخاص.
? هل يقربه هذا التفكير من الجماعات المتطرفة؟
- لا، إطلاقاً ولكن كان لديه هاجس تجاه الأمن بشكل عام لحدوث احتكاكات معهم وهو يعرفهم جيداً ويوجه لهم انتقادات.
ايضاً من ضمن احباطاته انه لم يجد فرصة عمل اطلاقاً وحتى محاولات العمل الخاص باءت بالفشل، وايضاً بسبب فشل خطوبته لابنة قيادي بارز في المؤتمر الوطني
? تقصد حدثت له صدمة عاطفية؟
- نعم حدثت له صدمة ولم تكن الأولى بل كانت الثانية ففي فترة الجامعة ارتبط بعلاقة مع احدى الطالبات وايضاً تزوجت من صديق له.
صمت الصحفي موسى يعقوب برهة وهو يمتص الألم ويتجرع الحسرة والأسى ومضى يقول:
ابني ذكي جداً وله اختراع لا يمت الى دراسته بصلة فقد كان على اتصال بمنظمة الملكية الفكرية «الوايبو» حيث اخترع وقود للطائرات وظلت ترد الى بعد اختفائه اتصالات عديدة من «الوايبو» وهم يسألون عنه اين هو واين ذهب ولماذا اختفى؟
? هل ادت هذه الاحباطات والصدمات الي مشاكل نفسية؟
- لقد ذهبت مع ابن محمد الخاتم الي طبيب نفسي في العام 4002م وكان يتناول عقاقير طبية ولكنه كان بصحة جيدة.
? وما الذي جعلك تتحدث الآن بعد كل هذا الصمت في الفترة الماضية؟
- نفد صبري.. نفد صبري.
في منزل اسرة محمد الخاتم بمدينة النيل كان المنزل يخيم عليه الحزن وعربة الخاتم عليها آثار الغبار والاتربة وآثار الزمن.. مضت عامان لم يدر فيها محرك العربة ولم يجلس صاحبها على مقعد القيادة، ولم يناد على اخته «صحوة» لكي تفتح له باب الجراج ليخرج السيارة.. عامان ولم يفتح كبوت السيارة لقياس الزيت وفحص البطارية وسكب الماء في اللديتر عامان والعربة تمارس الحداد على صاحبها بطريقتها.
دخلت المنزل وكل ركن فيه ينادي اين الخاتم؟! صورته معلقة على حائط الصالون في وضع بارز حيث يتسلم شهادة التخرج من مدير الجامعة وفي ردهات المنزل المتصلة ببعضها دلفنا الى غرفة أمه التي ترقد طريحة فراش المرض وهي تعاني من السكري.
? قلت لها كيف كان محمد الخاتم في ذلك اليوم الذي اختفى فيه؟
- انهمرت الدموع بغزارة من عينيها فتسرب الى نفسي احساس بالندم على سؤالي.
- اجابت وهي تبكي -
كان اليوم عادياً وعندما حان وقت الغداء كنت في حديقة المنزل عندما كان يهم بالمغادرة ناديت عليه (ماشي وين يا ولدي تعال اتغدى) فقال لي (بتغدى قدام) واسرع بالخروج فنادت عليه اخته صحوة (الخاتم نسيت موبايلك) فرجع لأخذ هاتفه وكانت هذه آخر مرة اراه فيها.
عندما تأخر حتى الساعة العاشرة مساء على غير عادته اتصلنا عليه في هاتفه الجوال فوجدناه مغلقاً ويأتينا الرد الآلي «هذا المشترك لا يمكن الوصول إليه حالياً» وبعد الساعة الثانية عشرة مساء ظللنا نبحث عنه في المستشفيات ومراكز الشرطة والمشرحة حتى ساعات الصباح، وظننا في البدء انه ذهب يتمشى في شارع النيل او ذهب الى مركز العفراء للتسوق وعلى أسوأ الفروض ان تكون قد ألمت به نوبة سكري، وبعد ثلاثة ايام فكرنا في الاستفسار من شركة موبيتل واستطعنا استعادة آخر المكالمات الصادرة والواردة من جهازه وكانت آخرها مع مسؤول طلابي قام ابني بارسال رسالة له من هاتفه يقول فيها: (سأصلك بعد ساعة يا.......» وبسؤالنا لهذا الشخص أنكر صلته بأبني او حدوث اتصال بينهما.
وكان ابني آنذاك يفكر في مشروع خاص بانشاء حديقة قرب سجن ام درمان وامضى خمسة اشهر وهو يحاول تحقيق ذلك ولكن المضايقات كانت تواجهه في كل خطوة.
? طيلة هذه الفترة ألم يصلك أي اتصال من أي جهة؟
- نعم جاءني اتصال من جهة ما (رفضت تحديدها) وطلبوا مني تجهيز ملابس لأبني وفعلاً قمت بتجهيز ملابس له ووضعت معها مصحفاً وعند عودتنا الي المنزل وجدنا الملابس غير موجودة لقد اخذوا الملابس وتركوا «المصحف الشريف»، كما عبثوا بمحتويات العربة ومن الواضح انهم قاموا بتعذيبه حتى اعترف لهم بوجود منشورات اسفل مقعد العربة وقد فتح من دخل منزلنا باب السيارة بمفتاح ابني وكذلك باب المنزل وباب الصالة مما يؤكد انها فتحت بمفاتيحها الاساسية والتي كانت مع الخاتم وليست هناك أي محاولة للكسر في هذه الابواب علماً بأن الخاتم عندما غادر كان يحمل معه مفتاح السيارة ومفتاح الصالة والمنزل وترك السيارة لأنها كانت معطلة.
? ما هي الاماكن التي تتوقعين وجود ابنك بها؟
- أما ان يكون مات ولم يلقوا به في الشارع او تعذب لدرجة لا يمكن معها رؤيته رغم ان ابني لم يفجر قنبلة ولم يقتل شخصاً ولم يطلق رصاصة إلا في جهاده بالجنوب، وقد ذهب الي الجنوب ثلاث مرات وامضى شهوراً عدة هناك وفي آخر مرة اصيب في كمين حيث دخلت شظايا في رجله وتم احضاره الى مستشفى السلاح الطبي، وفي احدى المرات جاءوا به في حالة غيبوبة نتيجة لملاريا خبيثة.
? كيف كان الخاتم في المنزل.. هل كان يعاني من مشاكل؟
- اطلاقاً.. لم تكن له أية مشاكل في البيت وطول اليوم هو في حالة قراءة واطلاع في كتب الفقه والسياسة. فوالده يملك مكتبة ضخمة كان الخاتم يقضي جل وقته فيها أو على جهاز اللاب توب واستمر في توجهه السياسي مع المؤتمر الوطني وبعدها بفترة تحول الى المؤتمر الشعبي ثم تركه ايضاً وكان له نشاط سياسي مكثف.
وقد وردت إلينا معلومات مختلفة حوله فهناك من يقول إنه في دارفور ومنهم من يقول انه معتقل.
? إلى اين وصلت مساعيكم للبحث عنه؟
- وصلت إلى السيد رئيس الجمهورية، وقال لنا الرئيس انا لا اقبل القول إن مواطناً مفقوداً فهو اما ميت أو معتقل. وأمر الرئيس بتكوين لجنة للبحث ومعرفة مكان اختفائه واقسم رؤساء اللجنة وهم على اعلى مستوى قيادي انهم وفي خلال ثلاث اسابيع ستكون هناك نتيجة واضحة في كل الاحوال. ومضت الآن ستة اشهر منذ تكوين هذه اللجنة ولكن لا نتيجة حتى الآن.
? قلب الأم لا يكذب.. ما هو احساسك اين ابنك.. اين هو الآن؟
- ولدي ألم به مكروه هو مريض بالسكري ربما عذبوه او قطعوا اطرافه أو ان يكون مشوهاً أو به اذى لهذا لا يريدون الافراج عنه.. هذا ما يتبادر الي ذهني. وانفجرت الأم مرة اخرى بالبكاء. مسحت الحاجة ميمونة دموعها وقالت لي عندما اقود سيارتي اشاهد أناساً في الشارع يشبهون ابني فأعود بعربتي الى الخلف لاتفرس في وجوههم واقول هل هذا ابني أم لا.. لقد خرج عصر الجمعة 3/3/2006م واكمل عامه الثلاثين بين ايديهم كنت اتمنى ان اراه يتمتع بشبابه وان يتزوج واري اولاده.
? هل تشكين في جهة بعينها؟
- أنا على ثقـــة انه في ايدي جهة ما وقد اكد لنا اكثر من اربعة اشخاص انهم رأوه في جهة ما.. ابني عايش ولكن اين هو؟ لقد مرضت بشدة بعد اختفائه وعميت عيني اليمنى من شدة البكاء وحدث لي نزيف في الشبكية (وموية بيضاء) في العين الاخرى ومن المفترض ان اجرى اكثر من ثلاث عمليات لعيوني ولكني لن اجرى عملية قبل عودة ابني فإبني هو نور عيوني.
ودعت الأم وخرجت وهي ما تزال تبكي بعدان فشلت كل مجهوداتي في ان ابعث في نفسها الأمل في عودة ابن لم يحرق ولم يغرق ولم تدهسه سيارة وليس له اثر لا في المشرحة ولا في مراكز الشرطة ولا في المستشفيات ولا في المعتقلات.. السؤال يطرح نفسه اين محمد الخاتم؟

Post: #86
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 03-19-2008, 07:47 AM
Parent: #85

عن راى الاخوان المسلمين فى تفجيرات راس الخيمة انقر هنا
واقرا


بعد شرم الشيخ... الاخوان المسلمين فى مواجهة العالم

Post: #87
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 03-27-2008, 11:14 AM
Parent: #86

الرسوم الدنماركية والرسوم ال( بن لادن ) يه !//
مهند حبيب السماوي
[email protected]
الحوار المتمدن - العدد: 2233 - 2008 / 3 / 27


تعيش الأمة الأسلامية هذه الأيام الذكرى العطرة المتعلقة بولادة النبي محمد صلى الله عليه واله , وهي الذكرى التي تزامنت _ لكل أسف _ مع قيام بعض الصحف الدنماركية بأعادة نشر الرسوم المسيئة للنبي بعد مرور اشهر عديدة على قيام صحيفة جيلاند بوستن الدانماركية ومجلة ماغازيت النرويجية بالبدء بنشر رسوم مهينة لمشاعر المسلمين حول نبيهم الأعظم .
ومن الطبيعي أن لايرضى أي شخص يؤمن بدين معين سواء كان الأسلام او المسيحية او اليهودية أو حتى بقية المعتقدات والأديان الاخرى , من الطبيعي ان لايقبل بأن يرى رمزه الديني في موضع النقد ناهيك عن الأستهزاء والسخرية التي تعني لدى المؤمنين الأستخفاف والأستهانة بكرامة هذا الرمز وباتباعه في مختلف بلاد العالم .
هذا كله مفهوم وواضح ولايحتاج لجدال أو نقاش ... ولكن ماهو غير المفهوم والطبيعي أن تمر هذه القضية والأهانة من غير ان نفكر في جملة من الأمور التي تتعلق بماحدث ...وكيف حدث...ولماذا حدث !!
نريد أن نفكر في السبب الذي أدى الى ظهور هذه الرسوم في الفترة السابقة , وفي أعادة نشرها في الفترة الحالية .....
نريد أن نجعل من حادثة الرسوم المسيئة مناسبة واقعية لكي نقوم... بالمراجعة والمساءلة والنقد ...
مراجعة سلوك وتصرفات المسلمين ورموزها الحالية وماقدموه من صورة للعالم حول الأسلام ونبيه ...
مساءلة انفسنا عما ارتكبنا من سلوكيات أمام العالم الغربي وكيف فهم الغربيون هذه السلوكيات ...
نقد المتبنيات الفكرية والايديولوجية لبعض المسلمين الذين يتحملون مسؤولية تصدير صورة الأسلام للغربي الأخر ...
وقبل أن أمارس بيني وبين نفسي بصوت عالي هذه المسائلة والنقد والمراجعة لابد لي أن اضع أمامكم الحقائق التالية :
1. أن النبي محمد صلى الله عليه واله أسمى وأكبر واعظم من أن تؤثر عليه وتنتقص منه رسوم تافهة لرسام مغمور .
2. أن هذه الرسوم مدانة في حد ذاتها لانها " بغض النظر عن مخالفتها الصريحة لأسس كل دين " ضد مبادئ حقوق الأنسان الذي توجب احترام الرموز الدينيه و المقدسات التي تخص الديانات وعدم السماح لاي احد بالعبث او الاستهزاء بها.
3. كما أن هذه الرسوم مخالفة بشكل كبير لمبادئ الحداثة الاولى ومابعدها في اوربا التي تقر باحترام وتقدير الخصوصيه الثقافية لكل فرد والتي يعد الدين بشكل لاشك فيه في بعده النظري أو العملي جزءاً لا يتجزأ من تشكيل الفرد الانطولوجي.
4. أن الرد اللامعقول والغير منضبط على الرسوم يمكن أن يؤدي الى تغيير مسار القضية وتحويلها من موضوع الى موضوع أخر , حيث قد يصبح المجرم ضحية والمغمور التافه بطلاً وكبيراً , اي قد يؤدي الى عكس نتائجه المرجوة , فحينما يبغي المسلمون أن يثبتوا أن الرسام الدانيماركي قد أخطى حينما تصور دينهم ونبيهم يدعو للارهاب فلايمكن أن يتم ذلك عن طريق أساليب العنف والأرهاب والحديد والنار .
5. أن الأستهزاء بالأديان والتهكم بحق رموزها على طريقة فولتير قبل حوالي اربعة قرون , هي وسيلة غير سويه لنشر أي ثقافة او فكرة ما سواء بصورتها العلمانية او الدينية المضاده لهذا الدين الذي يتعرض للسخرية .
6. لايجب ان يخلط المسلمون بين الفعل الفردي للصحيفة أو لرسامها وبين الشارع الدانيماركي بمجمله من جهة والعالم المسيحي من جهة ثانية , اذ ندد الكثير من الدانيماركيين والمسيحيين بهذا العمل المشين ولايمكن مطلقاً ان نعتبره شي موجه من قبل العالم المسيحي نحو المسلمين .
7. على العالم الغربي أن يتذكر كيف أنهم أنتقدوا جميعاً طالبان عندما دمرت تماثيل بوذا الشهيرة وكيف قالوا إن هذا ضد حقوق الإنسان والرموز الدينيه لثقافة وحضارة بوذا , فكيف يريدون من المسلمين ان لايغضبوا وهم يرون الإساءة توجه الى الرمز الكبير لدينهم.
8. أن الأسباب التي أدت الى ظهور هذه الرسوم بل واعادتها مرة ثانية ترجع الى سببين لاثالث لهما :
الأول : أن الأمر كله مُدبر من قبل جهات لديها أهداف معينة ترجع لعدائها للدين ألأسلامي أو لتحقيق مآرب أخرى , وبذلك كان الرسام الدنماركي أداة تنفيذية رخيصة لهذه الأجندة وحينها يكون فعله قد تم حسب الطلب .
الثاني : أن الأمر كله يعود الى الرسام الدنماركي وحده وليس الى جهة خارجية , فالرسم جاء نتيجة لرؤية هذا الرسام الذي أعتقد بان مايرسمه صحيح ويمثل وجه نظره التي تبناها وفقاً لمشاهداته وما رآها عند بعض من يمثلون الأسلام .
هنا يجب علينا ان نبدأ المساءلة والنقد والمراجعة كما أشرت أعلاه ...فالرسام الدنماركي قد نظر _ أن كان اصلاً لايحمل حقداً دفيناً ضد الاسلام او قد حركته جهة خارجية كما أشرت _ وهو يقوم بهذا الفعل في عالم ممكناته بالمعنى الذي اطلقه الفيلسوف الامريكي جورج سانتيانا, قد نظر لتفجيرات بن لادن المتوحشة ولاعمال الزرقاوي المشينة وللسلوكيات الأرهابية للجماعات المسلحة والتكفيرية التي حدثت في لندن وغيرها من الدول الأوربية والعربية التي اضرت بالمسلمين اكثر من اضرارها بالاخر الغربي ...
نعم .....نحن نعترف وندرك بأسى أن هنالك خطأ فادح تجسد في هذه الرسوم التي أساءت لمشاعر المسلمين ...ولكن في مقابل ذلك توجد رسوم أخرى " بن لادنية " رسمتها فرشات أسامة بن لادن من خلال خطاباته التحريضية على الأرهاب والعنف والكراهية والحقد , وسلوكياته الأرهابية وتصرفاته الهمجية وافعاله البربرية التي أساءت للأسلام والمسلمين ولنبيهم بل قد تكون هي من منح الرسوم الدنماركية رئة لكي تتنفس منها وتظهر للوجود على يد هذا الرسام ...
هذا هو النقد ... وهذه هي المساءلة ... وتلكم هي المراجعة التي علينا ان نصارح بها أنفسنا... ونواجه بها ذاتنا ... ونحاكم بها تصرفاتنا ....
انها قضية صورتنا عند الأخر !
هذه الصورة التي يحملها ألأخر عنا تقتضي طرح ثلاثة أسئلة كبرى وواقعية وصريحة وهي ..
ماهي الصورة التي يحملها الأخر للاسلام والمسلمين ؟
ومن هو المسؤول عن خلق هذه الصورة ؟
وكيف يمكن للمسلمين تغيير هذه الصورة أن كانوا غير راضين عنها ويعتقدون أنها لاتمثلهم وتظلمهم ؟
لاريب إن التفكير _ وأستناداً الى فلسفة أرسطو _ مستحيل دون صور , لذلك حينما يفكر الغرب في الأسلام لابد أن يستحضر صور معينة تتعلق به كدين ,ولما كان ذاكرة الغرب قد توقفت ولم تقرأ الأسلام من خلال ماصنع لاوربا والأنسانية من حضارة أمتدت شرقا وغربا , فقد قرأت الأسلام وفقاً لصورته الحالية التي يُعد بن لادن وأمثاله من أبرز الشخصيات التي شكلوا وصنعوها لدى المجتمع الغربي.
أن العصر الحاضر_ وكما قلت في مقالة سابقة _هو عصر الحضارة الرقمية المتمثلة بالصورة التي تمارس في بعض الأحايين الهيمنة والسيادة والسيطرة على الكثير من العقول والأفكار بحيث أصبحت مصدر وأداة من مصادر وأدوات المعرفة وتشكيل الرؤى والأفكار وهي أي الصورة تزاحم الأدوات المعرفية التقليدية سواء كانت على الصعيد المعرفي الابستمولوجي أو الثقافي العام أو الاقتصادي أو حتى ألقيمي الاكسيولويجي.
ولهذا فالصورة التي يحملها الغربي تجاه الأسلام لكل أسف سيئة ومشوشة بسبب الرسوم ال (بن لادن)يه التي شوهت صورة الأسلام وقدمته كدين يمارس الارهاب والعنف عبر التفسير الذي أعطاه مشايخ التكفير لتعاليم الدين الأسلامي , وهذا الصورة السلبية لم تكن مجرد قضية عفوية عشوائية بل أضحت تمتد وتتسع لدرجة أن صنعت ثقافة خاصة بها سميت بالثقافة البصرية(visual culture )والتي حكمت على الأسلام هذا الحكم فصور القتل والذبح التي تبثها الجماعات التكفيرية والفديوات التي تطلقها عن أعمالهم المشينة في العراق وافغانستان وباكستان وغيرها من الدول ..........تلك الصورة قد صنعت ثقافة معينة سلبية حول الأسلام ...وهي في أغلب الظن ثقافة الرسام الدنماركي ...
مالذي تريد ان يفكر به الغربي وهو يرى مجموعة ملثمة تمسك سيفاً وبينها رجل أسير معصوب العين وموضوع ورائها قماش اسود مكتوب عليه الله اكبر او لا اله الا الله محمد رسول الله ثم تقوم بقطع راساً علنا وامام العالم اجمع ؟
مالصورة التي ستتركها عمليات الذبح والتفخيخ والقتل التي مارسها المجرم الزرقاوي في العراق ؟
وما هلي اللوحة التي رسمتها مخلية الغرب حول الأسلام وهي ترى بعض المشايخ يمارسون التكفير ويحرضون على العنف والكراهية والارهاب ؟
ومالذي تتوقعه من الغرب وهو يرى بعض المسلمين يقومون بتفجيرات دامية في الغرب كما حدث في تفجيرات 11 سبتمبر ولندن ومدريد وغيرها ؟
أنها اسئلة مهمة تختصر المقالة والموضوع وتوضح حقيقة ماجرى ومايمكن ان يجري مستقبلاً اذا ما لم يتخذ المسلمون موقفاً حازماً أزاء مايفعلع التكفيريون والمتشددون .
ويجب ان لايغيب عن بالنا حقيقة أن بن لادن وأمثاله هم نتيجة لرؤية تفسيرية دوغمائية وقراءة تأويلية أحادية للدين الأسلامي نظرت اليه عبر مناهج وأدوات مغلقة وفتاوى تكفيرية قال بها بعض من هؤلاء المشايخ والعلماء والتي لم تحض بأجماع علماء الأسلام والمسلمين ولعل أحدى نماذجها المعاصرة الفتوى التكفيرية التي قال بها الدكتور خالد المشيقح حول الشيعة والتي صدرت بتاريخ 31-1-2008 .
أذن الصورة التي يحملها الغرب سيئة وهو جواب سؤالي الأول , والفكر الذي تبناه بن لادن واضرابه هو من يتحمل مسؤولية تصدير هذه الصورة والأساءة لسمعة المسلمين ...أما ما هو الحل فيكمن في أجتثاث الفكر والمنهج التكفيري الذي يُنتج عقلية " بن لادنية " جديدة ترسم لوحات مشينة عن الأسلام وتوفر أرضية لوصفه بأوصاف الشر والعنف , وهذا الأجتثاث يتضمن وضع أجندة وبرنامج لمحاربة هذا الفكر عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وأجتماعياً وايديولوجياً أنطلاقاً من المناهج الدراسية وأنتهاءاً بالجوامع والمساجد التي تُربي _ بعضها_ القنابل البشرية الموقوتة , كا يجب الدعوة لتظاهرات مليونية كُبرى ضد الفكر التكفيري عموماً وأسامة بن لادن وأضرابه خصوصاً من أجل أن يعرف العالم أن هذه النماذج لا تمثل الأسلام ولايمكن أن نعدهم متحدثين بأسمه , ويجب أن لاننسى الدخول في حوار حضاري مع الأخر منطلقاً من مبادئ التسامح والود ومحاولة فهم الرأي الأخر من أجل الوقوف على المشتركات الأنسانية التي تجعلنا ننظر للأخر اما كأخ لنا في الدين أو كنظير في الخلق كما قالها قبل مئات السنين الامام علي بن ابي طالب .

الحوار المتمدن

Post: #88
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 04-02-2008, 04:42 AM
Parent: #87

خريطة الإصلاح 4


سيد القمنى
[email protected]
2008 / 3 / 28


خريطة الطريق نحو الإصلاح ( تشخيص الحالة : إنقاذ الإسلام من براثن المسلمين)

( 4 ) ماذا جري لمصر ؟
لم يسبق أن مرت بلاد المسلمين بمثل هذه الفترة التي تغطيها الفوضى الكاملة ، فمنذ الصحوة الإسلامية و الحرب الأفغانية ضد السوفيت ، و حتى أحداث 2001 و ما بعدها و حتى اليوم ، حدثت تحولات انتكاسية عنيفة ، فدخلت البلاد الإسلامية في طور من الإضطراب و التخلف زيادة على تخلفها الأزلى ، و انتشار الأمراض الاجتماعية حتى وافت على غيبوبة ما قبل خروج الروح . مع هذا و رغم كل مظاهر الانحطاط التام فإن دعاة الفكرة القومية العنصرية ، و دعاة الفكرة الإسلامية الطائفية ، يؤكدون على هذا التوصيف لحالنا ، فإنهم في الوقت نفسه و شعوبهم في حالة كبوة هائلة ، يروجون إن ما يحدث في بلادنا هذه الأيام هو انتصارات لأمة الإسلام و للأمة العربية ، و أن هناك نكسات بسيطة هي إلى زوال ، و تتمثل تحديداً في دويلة الكيان الصهيوني المغروسة وسط الأمة لتمزيقها ، و حليفتها الكبرى الخاضعة للوبي الصهيوني ، الولايات المتحدة الأمريكية ، وعداً ذلك كان من الممكن أن يكون المسلمون سادة الكوكب الأرضي ، و أن أى مصائب تلحقنا فهي ليست من عند أنفسنا ، إنما هي من عند الغرب الكافراللئيم الشريرالذي يبيت ساهر الجفون يدبر لنا المكائد و المؤامرات ، دون كافة الملل و النحل في المسكونة .
المصيبة أن هذين الفريقين ( دعاة الفكرة القومية و دعاة الفكرة الإسلامية ) هم من يشكلون اليوم المعارضة الواضحة في الشارع للأنظمة الحاكمة القائمة ، و هم على اتفاق مع الأنظمة بشكل مدهش و محير ، على تحويل أنظار المسلمين عما يجري لهم نحو ما يجري في بيوت الآخرين في إسرائيل و أمريكا و بقية دول الغرب . و تمكن كلاهما عبر أجهزة تشكيل الرأي العام من صحف و مذياع و تلفاز و مدرسة و مسجد و كنيسة و حسينية من تحويل المجتمع إلى حالة هوس ديني لا نظير له و لا شبيه.
تراه يتظاهر بوحشية كاسرة ضد أمريكا و إسرائيل ، و بأشد ضراوة ضد كنيسة وطنية في الحارة المجاورة لأنها تجرأت على ترميم دورة مياه فيها دون إذن المسلمين ، و يعتدي بالسب و التبخيس على البهائيين ، و لا يرى أبداً حاله و مرضه الداخلى بالمرة ، فنبدو بلهاء بشدة عندما نتظاهر بغضب عارم ضد الرسوم الدانماركية المسيئة للرسول ( ص ) ، بينما المسجد المجاور و التلفاز و الإذاعة تكفر المسيحيين علناً في ( بلادنا) بلادهم و على أرضهم آناء الليل و أطراف النهار، فنبدو كالأباء الذين ينتقدون أولاد غيرهم المشاغبين طوال الوقت ، لكننا سريعي الغضب ممن ينتقدون أولادنا المشاغبين ، و هو ما يعطي الحكومات الاستبدادية مبرراً لطلب النصرة من هذا الغرب الديموقراطي المفترض أنه ضد الاستبداد ، و مبررها هو أن بديل تلك الحكومات التي تدعي الاعتدال و تمارس بعض ألعاب شبه ديموقراطية ، بديلها هو هذا الشارع المتوحش المتعطش للدماء الكاره لإسرائيل و كل دول الغرب ، بل و ربما كل دول العالم غير المسلمة. حتى أصبح من بدهيات الواقع أن تجد الاستبداد واضحاً و قائماً ، و أن تجد الحقوق الإنسانية في حالة غياب تام ، حيثما تجد أغاني الهجاء لإسرائيل و أمريكا و الغرب كثيرة الترداد وحشية النبرة ، متكررة ، عالية الصوت.
لقد أمكن للأنظمة الحاكمة في الدول الإسلامية بامتلاك وسائل التأثير في الناس ، أن تقوم ببرمجة شعوبها بألوان من الأفلام و الحوارات و برامج الشو و الدراما ، التي تدلك غرائز العزة و مكامن القوة المفقودة ، فتعاد و تكرر مسلسلات أبطال العرب المسلمين ، و سيرتهم العطرة في غزو البلاد و احتلالها ، تعظيماً لمجد الماضي الإسلامي ، و أنه بالإسلام وحده يمكن استعادة هذا الذي ضاع ، لا وجود في رؤيتها للمواطن و حقوقه أو حتى للوطن ، لأن تلك الأمجاد التاريخية كلها كانت على أشلاء و كرامة و إنسانية المواطن ، لأن الهم الشاغل كان و مازال ، هو الأمة الإسلامية و ليس المواطن فما أكثر المواطنين ، و هم كالعدد في الليمون و الحمد لله . يمكن أن يكونوا وقوداً لمجد الأمة و سلاطينها و رجال دينها و صراعاتهم علي الفريسة عند الحاجة. و لأن الاستبداد واحد سواء كان دينياً أو قومياً ثورياُ عسكرياً أو ملكياً أو جمهورياً ، فقد توافق الفقيه و السلطان و المعارضة القومية و الإسلامية كلهم معاً على تقديس ذات الأمة التي هي قدس أقداس القبيلة المسلمة ، دون مكونها الحقيقي ( الإنسان المواطن الفرد) .
و تعرض وسائل إعلامنا نماذج تكاد تجعل من شخوص التاريخ الإسلامي كيانات قدسية ، لا تفعل إلا من أجل خير و دفعاً لشر ، بنبل و مروءة غير موجودة سوى في السيناريو المقدم للناس ، بينما التاريخ الإسلامي نفسه في واقعه و في مراجعة الأمهات يقول شيئاً آخر مختلف بالمرة .
فتاريخ المسلمين كله هو تاريخ فتن و صراع على الجاه و السلطان منذ فجر عصرنا الذهبي منذ الخلفاء الراشدين الهداة المهديين الذين ماتوا صرعي القتل رغم حرصهم على الشرع الذي لم يؤدى لأمن الجتمع ولم يحفظ لرأس الحكم أمنة وحياتة ، فانتهت حياتهم قتلا ، إلى الثورة على عثمان ، ثم واقعة الجمل سنة 36 هـ ، ثم صفين 37 هـ ، ثم مذبحة آل البيت في 61 هـ ، ثم غزو جيش يزيد سنة 63 هـ لمدينة رسول الله ، فقتل من قتل و سبى من سبى و حبلت ألف عذراء من هتك العرض العلني ، و هن بنات الصحابة و في حضرة المسجد النبوي و جسد صاحبه الشريف في ثراه ، ثم فتنة المختار الثقفي و ابن الزبير في 73 هـ ، ثم ضرب الحجاج بن يوسف الثقفي و جيشه مكة و الكعبة بالمنجنيق . . و من يومها لم تتوقف الفتن و الملاحم و المحن ، و حتى سقوط الخلافة العثمانية ، و لو دققنا في التفاصيل لما كفتنا ألوف الصفحات التي لم تسجل سوى القتل صبراً و الظلم قهراً تحت رايات كلها تعلن إسلامها التام و الكامل . . . إلخ و كفر غيرها .
ثم اشتبكت الأدوار في بلادنا بعد الصحوة العنترية بين المسجد و المدرسة و الجامعة ، و لم تعد المدرسة مهمتها تعليم العلم الإنساني بل تعليم الإيمان ، تتدارس فضيلة النقاب مقارنة بفضيلة الحجاب ، و تتباحث في شئون الفرج و الطهارة و الطمث و المواريث . مع اسراف في تقديس ما لا يصح تقدسيه ، و الدفاع عن الموروث الإسلامي بل إحتسابه الكمال ذاته ، و النظر إلى التاريخ الإسلامي بعين الرضا الكامل ، بل و تمنى بلوغ ما بلغته الأمة خلال هذا التاريخ الذهبي ، حتى يتقدس التاريخ الإسلامي و يصبح محل المثل الأعلى لكل التأريخ ، مما يخرج كل ما له علاقة بالإسلام سيرة أو تاريخاً أو فقهاً خارج أى محاولة درس نقدي حقيقي ، فتخفى المعايب و تستفحل النقائص ، بينما هذا التراث المعيوب قد أصبح المرجعية التأسيسية لمثقفى المسلمين ، بل يكاد يكون وحده مطلقا المرجعية لكل شئ و كل شأن . و في مناخ كهذا يكون الأقتراب من هذا الماضي بأى رؤية نقدية تلتزم شروط المنهج العلمي هو اعتداء على ثوابت الأمة ، بينما يتم النفخ في الذات المعنوية للأمة حتى يجعلونها المُنجز الأول لأى حضاره على كوكب الأرض ، و أن ما نراه من تحضر و رقى في البلدان الحرة هو منقول عنا ، و ما كان يتحقق لولانا ، أو بالأحرى لولا هؤلاء الأسلاف التراثيين . بينما يتم تقليص التاريخ الوطني ما قبل الغزو العربي الاستيطاني لهذه البلدان حتى يكاد يختفى من التاريخ ، فتضيع جذور الوطن و تلتبس الهوية : هل نحن مصريون أم عرب أم مسلمون ، هل نحن أمة مصرية أم عربية أم أمة إسلامية ؟
و هكذا تتم برمجة الشعوب الإسلامية بحيث يتجه عداؤهم نحو عدو متفق عليه هو الذي تسبب في فقدنا ماضينا الذهبي ، فيكون الخطأ الكارثي في وجهتنا و في اختيارنا للتوقيت ، فالوجهة يجب أن تبدأ بتوجيه العيون و الآذان و العقول كلها صوب الداخل أولاً و ليس الخارج ، و قبل فلسطين و العراق و البوسنة و الشيشان ، بل و قبل الكعبة و المسجد الحرام و المسجد الأقصى ، لأنه بحالنا هذا لن نضيف للكعبة و فلسطين و المسجد الأقصى سوى المزيد من النكبات و الخسائر ، بعكس أن نبدأ مشوارنا الاستيراتيجي بخطوات تكتكية تبدأ بنقد الذات و تقويتها حتى يمكنها أن تتخذ في المستقبل ما يناسب واقع الزمن من قرارات صوابية . و سواء كانت همومنا القومية و الإسلامية التي تشغلنا اليوم ، موجودة في حسابات الزمن الآتي أم لم تكن .
و مع الغضب العارم و الشعور بالقهر و الدونية ، يرفض المسلمون أن يشكوا في ذاتهم بالمرة ، و لا أن يراجعوا مناهجهم و طرائقهم في التفكير و في أسلوب الحياة ، و يلقون بشكوكهم على الواقع الموجود يخرق العيون و يبهر العقول في بلاد أقامت الفراديس على أرضها ، و يكون الملوم هو الاستعمار و أذنابه من حكام تابعين أو كما يزعمون . إن المسلمين يقرأون الواقع بعد تمريره على ذائقتهم ، و فلترته حسب اختيارتهم و أخيلتهم و تصوراتهم و أوهامهم ، لا كما هو على الأرض ، رغم ما أثبتته كل النعرات و التجارب الثورية إسلامية أو عربية على الأرض عبر تاريخها القديم و الحديث من مظالم و استبداد لحق بعباد الله المسلمين ، دون الكفار في بلاد الغرب الحر الذي يعيشون فردوس الحريات على الأرض ، و ارتكبت مجازر و شنت حروب و انهارت بلاد و سقطت حدود ، و انحسرت قوميات و صعدت أخرى على أشلائها ، في حروب إبادة صفرية متتالية .
نحن مع الأسف نريد إعادة صياغة الدنيا كما نحب نحن ، لا كما هي عليه في واقع الحقيقة . المصيبة أن هؤلاء أنفسهم من يتصورون أن بيدهم كل الحلول السحرية لمشاكلنا فقاموا يدلون بدلوهم في عملية الإصلاح ، ليصوغوا لنا الآتي كما الماضي . بعد مضى أكثر من أربعة عشر قرناً ، جاءوا يعلنون لنا أنهم مصلحون و أنهم سيصلحون ؟ أنظر قارئي ( و أنا و أنت من مساكين هذه الأمة ) ماذا جنى علينا أصحاب الرؤي الطائفية أو القومية ؟ ثم لماذا مادام بيدهم الحلول السليمة التامة لم يصلحوا منذ قرون متطاوله ، رزح فيها المسلمون تحت أنظمة حكم اصطلح علم فلسفة التاريخ في العالم كله على تسميتها بمنظومة الاستبداد الشرقي ، التي امتدت بطول العالم الإسلامي من الشرق الأوسط و حتى الصين . لماذا لم يصلحوا بما لديهم من وسائل و أدوات إصلاح لا تبلي و لا تفني ؟ و كانوا أراحوا تاريخنا مما أثقل ضميره من فتن و نوازل هائلة كماً و كيفاً ، و لأدى بدلاً عن ذلك لتقدم هائل مبكر عن كل الدنيا ، و كنا سبقنا به العالمين منذ قرون ، بدلاً من وضعنا المزري على جدول سلم الأمم اليوم ، و هو العار بعينه و ذاته .
إن إجابة سؤال الدكتور رفعت السعيد المتكرر : " ماذا جرى لمصر " ؟ هي في جانب منها هام مسألة تكوينية بنيوية تكمن في بنية تكوين الأمة و بنية تفكيرها ، فقد تمكنت مصر زمن محمد على و من خلفه من بعده طيب الذكر الخديوي اسماعيل ، من الخطو نحو الدولة الحديثة المدنية بخطو واثق عبقري ، حتى أصبحت في سنوات قليلة تجربة رائدة ، و مدرسة يأتيها زوار شرق آسيا للتعلم من التجربة ، و زوار شرق آسيا هم الذين أصبحوا اليوم في المقدمة ، بينما أصبحت مصر و معها عربها يشكلون دملاً مؤرقاً في مؤخرة الأمم ، و العامل الجوهري هنا هو مجموعة صدف نادرة و متوالية خلال حقبة زمنية قصيرة لا تتجاوز النصف قرن ، تمثلت إحداها في ظهور النفط في البلاد العربية ، مما أدى إلى تغير بنيوي مواز هائل ، و حوالى ذات الوقت كانت الحركات العسكرية الإنقلابية قد عمت معظم العالم الإسلامي ، لتفرض حكومات وطنية لكنها فاشية بامتياز ، ألغت من العقول و الضمائر فكرة قبول التعددية المفرطة المتسامحة ، لصالح التعصب للفكرة الواحدة و الزعيم الأوحد و المذهب الأوحد ، مما يسر السبيل بشدة لما عرف بعد ذلك بالصحوة الإسلامية ، و التي عمدت وجودها في مصر بمقتل الشيخ الذهبي ثم التضحية لعيد النصر بذبح الرجل الذي ترك لهم مصر سداحاً مداحاً فقتلوه يوم احتفاله بنصره الأكتوبري الملحمي حقاً و صدقاً .
و تمكن البترودولار من إعادة غزو مصر و بقية دول الإمبراطورية الإسلامية السابقة ، بإسلام صحراوي دخلته عادات و تقاليد و أنظمة و مفاهيم عرب قبائل الجزيرة ، بزيادات توازي تراكم أربعة عشر قرناً من الزمان . ليترافق المد البترودولاري بالحرب ضد الروس في أفغانستان ، ثم انتصار الحلف الغربي العربي الأفغاني و انسحاب الروس من أفغانستان ، مما اعتبر في حينها علامة سماوية على صحة المنطلقات و الأهداف ، و وجوب السير في الخطة لأسقاط كل الحكومات الطاغوتية في العالم ، و ما تلي ذلك من تفكك المنظومة السوفيتية كلها . مع ثورة إسلامية في إيران حققت انتصاراً عجائبياً في أيام ، و فشلت حملة أمريكا العسكرية لإنقاذ رهائنها في إيران في صدفة عجائبية أخرى ( و لكل بالطبع عوامله الموضوعية الواضحة لكننا لا نرى سوى العجائب ) ، مع أموال هائلة لم تخف وكالة المخابرات الأمريكية أنها دعمت بها مئات المؤتمرات للصحوة الإسلامية ، إبان حقبة الحرب البادرة تجييشاً المسلمين ضد الكفر الشيوعي ليحاربوا عن الغرب بالنيابة .
كان الإسلام في مصر بعد أن فتحها الغزو العربي ( بمرور الوقت ) قد تمصر ، و مع قيام الدولة الحديثة على يد محمد على أخذ صبغة تسامحية هائلة ، فكنت تجد الجميع متعايشاً ، محبو أهل البيت إلى جوار المتصوفة ، إلى جوار عباد الأضرحة من البسطاء ، إلى جوار أهل السنة ، إلى جوار الأقباط ، إلى جوار اليهود ، إلى جوار ملل و نحل و أعراق متعددة وجدت في مصر جاذباً للهجرة إليها و اكتساب جنسيتها ، هرباً من مواطن فقيرة أو استبدادية ، و انتهى كل هذا بداية من طرد أصحاب الأصول غير المصرية مع اليهود في الزمن الناصري ، مما سلب عن تلك الأنظمة صفة العلمانية الليبرالية و منحها صفة الديكتاتورية الفاشية بامتياز ، رغم ما رفعته الأنظمة القومية الثورية من أيديولوجية تحارب الإسلام السياسي و تقوم على قيم وحدوية و اشتراكية ، لكن هزيمة هذا المشروع المروعة خاصة في 1967 ، و سقوطه اقتصادياً و فشله التام في تحقيق أياً من أهدافه المعلنة ، فلم يحقق لا عدل اجتماعي و لا مساواة و لا تنمية ، و لا هو ترك البلاد على حالها الأول تسير مسيرها الطبيعي دون قفز على المراحل . بينما انكمش دور العلمانيين الحقيقيين ، خاصة بعدما تراجعوا في النهاية إلى جماعة نخبوية ، و تابع بعضهم السلطة العسكرية و نافح عنها ، و ظل البعض الآخر متهماً بالعمالة للغرب طالما لم يؤيد النظام الحاكم . و من ثم كان يسيراً أن يصب هذا كله من بعد تتالى الهزائم و النكسات ، بيد الحركة الجديدة التي لبست هذه المرة زي سدانة الدين و الدنيا معاً ، و مع صحوة ملتبسة بإسلام صحراوي وهابي جاف قاس ، و هو ما لا تعرفه بلاد الخصب و الوفرة في الوديان الخضراء ، تم غزو البداوة لبلاد الخصب مرة أخرى ، بمنهج بدوي لا يسمح بأي سؤال أو رأي ممكن ، طوارئ عسكرية و أمنية و اقتصادية ، لأن القبيلة في موطنها بالبوادي هي في حالة طوارئ دائمة لا تعرف السلم و لا الاستقرار ، هي في سعي وراء خير الطبيعة الشحيح ، و عنده يتقاتلون قتالاً صفرياً ينتهي بسيادة أحدهما و استيلائه على ما بيد خصمه ، و ما بقى من بشر يستعبدهم أو يعسكرهم في قبيلته . لذلك لم تسمح هذه الحركة للقبيلة بغير نظام الحكم الاستبدادي ، لأنه الذي يضمن تماسك القبيلة بصرامه ، في بيئة متوحشة و قاسية ، كذلك لم يسمح لها هذا الارتحال الدائم بأي استقرار ، و من ثم لم يسمح لها بأي إنجاز ممكن .
إلى هذا النهج الصحراوي ارتكس المصريون مع إعادة فتح مصر وهابياً هذه المرة ، و ارتدوا إلى ما قبل زمن مينا موحد القطرين ، لأن المصريين كانوا بدواً رحلاً ذات يوم ، قبل أن تتوحد القبائل و تشكل مئات الأقاليم ، و عبر السنين و الدهور بألوف السنين توحدت هذه الأقاليم العديدة سلماً أو حرب حتى أصبحت إقليمين عظيمين بعد حوالي سبعة آلاف سنة من الإستقرار في الوادي ، حتى جاء مينا ملك الإقليم الجنوبي ليضم الإقليم الشمالى ليقيم أول دولة إمبراطورية قوية قائمة بحدودها التاريخية كما هي حتى اليوم ، و قد قام مينا بهذا التوحيد منذ حوالي سبعة آلاف عام مضت ، لكن بفضل الغزوة الوهابية يكون المصريون قد عادوا إلى ما قبل أربعة عشر ألف عام إلى الوراء من تاريخهم في بلادهم ، عاد المصري قبلياً بدويا لا فلاحاً يرتبط بالأرض منتجاً مبهجاً ، و أصبح يعرف نفسه بأنه ابن الحتة و ابن القبيلة و ابن الناحية ، يترك أرضة ويرتحل لأن أرض اللة واسعة فيهاجر فيها ، منطق بدوى كان هو عيبة العار ذاتها ونفسة ، ترددها الملحمة الشعبية ( عواد باع أرضة ياولاد *** شوفوا طولة وعرضة ياولاد )، و هي كلها مستجدات على دولتنا الحديثة لم تعرفها مصر القرن العشرين ، ولا قبل العشرين . أصبح كل مواطن قبيلة وحده ، لا يشغله ما يحدث على الأرض في بلاده ، فالقبيلة لا تعرف شيئاً اسمه ( بلاده ) ، لا يشغله سوى نفسه و مصالحه فقط ، مما أدى لما نراه في الشارع من تفشي كل الأوبئة الاجتماعية العلنية رشوة و فساداً يمارس في بلادنا كاعتياد هو الأصل في الأخلاق و ليس الاستثناء ، حتى أصبح الباطل و الكذب و الخداع و السرقة هي العملة المتفق عليها ، هي القاعدة ، أما الشرف و عفة اليد و سلامة الضمير ، فهي عملة جيدة نعم لكنها الاستثناء ، لإنها مؤرقة و مزعجة ، في وطن يتهاوى يعمل فيه كل مواطن بالمثل الشعبي : " إن وقع بيت أبوك إلحق خدلك منه قالب " .
إن هذا الانهيار المفزع ليس إلا نتيجة طبيعية للعودة إلى نظام القبيلة البدائي ، و التعصب للعنصر و القبيلة و الدين و المذهب و الأيديولوجيا ، بينما ضاع الجامع الشامل لكل هذه الألوان و الأطياف مللاً و نحلاً و عناصر و أعراق ، جامعنا المقدس الحقيقي الذي يحوينا جميعاً و يقبل بنا جميعاً في محرابه على التساوي بذات القدر و القيمة هو ماضاع منا. . . ، ضاع الوطن . . .ضاع طين الأرض بعدما هجرها الفلاح إلى المدينة أوإلى بلاد ابن عبد الوهاب ، وضاع عندما فقدت الأرض الطهور قدسيتها فقمنا نبني على ثراها الممتلىء خيرا وطهرا حجرا واسمنتا شائها قبيحا .... ضاعت المواطنة الجامعة ..فإلى اللة وإلى الوطن أشكوكم يا أهلى وناسى حكاماً و محكومين ، ويالوعة كبدى عليك ياوطن

الحوار المتمدن

Post: #89
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 04-02-2008, 04:57 AM
Parent: #88

مسار جماعة الإخوان المسلمين .. بين واقع الحال .. وإسقاطات الحالمين. تعقيب على مقال: الإخوان المسلمون وحديث الحزب. المنشور بمجلة أوراق اشتراكية .. القاهرية - العدد 18/2007
بشير صقر
[email protected]
2008 / 3 / 31


ماذا لو وصل الإخوان المسلمون للحكم في مصر؟
هل يعترفون بإسرائيل؟، هل يساوون بين الرجل والمرأة في تولي المناصب القيادية؟ هل يقبلون تولي الأقباط رئاسة الدولة؟ هل يواصلون البرامج الليبرالية الجديدة التي تنفذها حكومات مبارك؟.. وما الحل الذي يطرحونه لحل الأزمة الإجتماعية في مصر؟
بهذه الأسئلة الستة بدأ مقال "الإخوان المسلمون وحديث الحزب المنشور بمجلة أوراق اشتراكية بالعدد 18/2007.
وفي محاولته استخراج الإجابة الإخوانية عن تلك الأسئلة تعرض المقال لبرنامجهم السياسي الذي نشروه مؤخرا.
وما لفت نظرنا بشدة هي تلك المعالجة لمسار جماعة الإخوان المسلمين وفى أربع نقاط هي على وجه التحديد:
1-قراءة مسار جماعة الإخوان استنادا إلى بعض الكتابات (البرنامج)، والتصريحات وإهمال سلوكهم العملي في السنوات الأخيرة.. ناهيك عن تجاهل التاريخ.
2-"الخلافات" المستنبطة من المسار السياسي للجماعة خلال السنوات الأخيرة وإرجاعها إلى "تبلور تيار شبابي تسانده بعض القيادات داخل الجماعة يتوق إلى عملية تحديث شاملة في فكر الإخوان."
3-تصديق ما تضمنه المقال عن "المحاولات المضنية التي بذلها الإخوان لطمأنة الجماعة السياسية المصرية حول نواياهم كجماعة سياسية مدنية تحترم الحقوق والحريات بمفهومها الحديث" ، والأمل الذى يعقده المقال على التيار الشبابى الإصلاحى والذى تفوح رائحته من بعض العبارات مثل " جاء برنامجهم السياسى صدمة نسفت كل هذا المجهود" ، " إن الصراع الطبقى فى مصر والتطورات الاقتصادية والاجتماعية قد تدفع إلى مزيد من بلورة هذا التيار."
4-لمن يتوجه الخطاب الإخواني على وجه الدقة؟
*النقطة الأولى: قراءة مسار الإخوان استنادا إلى بعض الكتابات والتصريحات وإهما ل سلوكهم العملي:
عندما كنت في العاشرة من العمر ألححت في سؤال أبي: لماذا لا تتردد على مقر شعبة الإخوان المسلمين ببلدتنا.. كما كنت تفعل؟ أجابني: لأنهم يقولون شيئا ويفعلون شيئا آخر، ولما طلبت تفسيرا.. قال لي: عندما تسأل شخصا إلى أين أنت ذاهب؟ فيجيبك إلى طنطا (شمالا) وتكتشف أنه ذاهب إلى منوف (جنوبا) فهل يمكن أن تصدقه؟.. وعندما كبرت سنوات أخرى كنت أسمع العبارة الدارجة الشهيرة: "أسمع كلامك أصدقك.. أشوف أمورك أستعجب."
وبعد سنوات أخرى قرأت حكمة سارتر: " إننا لسنا ما نقول إننا ما نفعل" ولذلك تذكرت قصد أبى من إجابته.. وكنت أستعيدها دائما كلما سمعت العبارة الدارجة أو صادفت حكمة سارتر.
فما يعوزنا نحن متعاطو الثقافة هو ألا نصدق ما تصدره الأفواه من أصوات إلا بقدر ما تؤكده الممارسة من عمل.
•وتصريحات الإخوان معروفة.. وشعاراتهم شتى.. فمن قولهم "أنهم جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" فى الأيام الأولى للنشأة إلى "أنهم جماعة المسلمين".. (لاحظ أنها ليست جماعة من المسلمين)، إلى "نتحالف مع الشيطان في سبيل مصلحة الجماعة"، إلى "الله مع الملك" (فاروق)، إلى "إن إسماعيل (صدقي) كان صادق الوعد وكان صديقا نبيا"، إلى وثيقة حسن البنا التى كتبهاعقب مقتل النقراشي رئيس وزراء مصر عام 1949 و التى وصفت من اغتالوه من أعضاء الجماعة ب "أنهم ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين."
وقياسا على هذا لا يخرج برنامج الإخوان المسلمين عن كونه كلاما.. يلقون به في وجوه البعض لينشغلوا به أو يتجادلون حوله.. بينما هو رسالة في اتجاه آخر مثل رسالتهم التي دبّجوها غداة إصدار الوثيقة الأمريكية عن الشرق الأوسط الكبير.
ولأننا نحن معشر المثقفين يشدنا المكتوب.. فإن مثل هذه "البلالين" تُسيل لعابنا أكثر من أية فئة اجتماعية أخرى.. لذلك كان برنامج الإخوان المسلمين فرصة رآها البعض لقراءة مسارهم.
•أما معشر "غير المثقفين" فإنهم يقرأون أفكار الإخوان بمنطق مختلف.. منطق التنقيب فى السلوك والممارسة ولن نسترجع التاريخ إلا للتدليل على أن تلك الممارسة- التي هي أفكار تمشي على أرجل- لها منابع لم تنضب بعد.. وأعتقد أنها لن تنضب.
•ففي العام 1953 قام صلاح حسين عضو جماعة الإخوان.. بمطالبة جماعته بدعم فلاحي قريته كمشيش ضد جبروت الإقطاع ( الذي كان يحرق منازل الفلاحين ويسمم مواشيهم ويقلع زراعاتهم ويلفق لهم القضايا ويسجنهم فى سجنه الخاص ويجلدهم أو يحكم عليهم بإطلاق الرصاص قبل أن يهين إنسانيتهم ويحط من كرامتهم.. ويعاملهم كالأنعام.. علاوة على تسخيرهم في أرضه) .. فراوغوه عاما كاملا ولما ضيق عليهم الحصار.. واكتشف أنهم على صلة حميمة بإقطاعيي قريته.. وقالوا له "لقد جعلنا بعضكم فوق بعض درجات".. أغلق مقر الجماعة في قريته.. وقاطعهم وغادر طريقهم إلى الأبد.
•وفي عام 1997 وقفت الجماعة مع قانون الإيجارات الزراعية الجديد 96/1992 وأيدت طرد الفلاحين المستأجرين من الأراضي التي هي مورد رزقهم الوحيد والتي زرعوها عشرات السنين.
•وفي الفترة من عام 2000 إلى 2003 كان سلوك أغلبيتهم الساحقة في صلتهم باللجنة الشعبية لدعم الانتفاضة الفلسطينية سلوكا مخزيا:
1-ففي مقر اللجنة بالقاهرة وعدوا بالمشاركة في جمع توقيعات الجمهور على وثيقتين (إحداهما تطالب رئيس الجمهورية بطرد السفير الإسرائيلي والأخرى تطالب سكرتير عام الأمم المتحدة بتطبيق قرارات المنظمة الدولية الخاصة باللاجئين الفلسطينيين وبلجنة تحقيق في عمليات الإبادة التي تجرى ضد الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة)، كما وعدوا بالمشاركة في تسليم نسخة من هذه التوقيعات لقصر عابدين وللمكتب الإعلامي الخاص بالأمم المتحدة، و بحضور المؤتمر الصحفي الذي يسبق عملية التسليم.. وفي الموعد المحدد للقيام بذلك ( 28/2/2001 ) هربوا وتنصلوا وأغلقوا كل وسائل الاتصال بهم (على عبد الفتاح).
2- وفي مدينة الإسكندرية جمعوا التبرعات في نادي الأطباء مدعين أنها لعلاج جرحى الانتفاضة.. ولما كانت عملية علاج هؤلاء تقوم بها وزراة الصحة في مستشفى معهد ناصر.. فقد أصدرت نقابة الأطباء (التي يسيطرون عليها) إعلانا في جريدة الأهرام يؤكد على أن الجهة الوحيدة المنوطة بعلاج جرحى الانتفاضة هي وزارة الصحة المصرية بناء على اتفاق مع وزراة الصحة الفلسطينية.. وكانت وزارة الصحة المصرية هي التي اشترطت إصدار هذا البيان (الإعلان) في شهر يونيو 2001 بعد أن استنكرت قيامهم بجمع التبرعات لغرض لا تقوم به نقابة الأطباء ولا نادي أطباء الإسكندرية وهددت بفضح من جمعوا التبرعات من الإخوان إن لم يصدر ذلك التكذيب.
2-وفي محافظة المنوفية أعلنوا في قرية الماي استعدادهم لمشاركة اللجنة الشعبية في جمع التبرعات وبعد أيام قرروا العمل منفردين ثم حرضوا الجماهير على عدم الاستجابة للجنة.. وأنهوا مهمتهم بالإعلان عن عدم مشروعية جمع التبرعات إلا بتصريح من وزارة الشئون الإجتماعية.. باختصار لم يجمعوا أية تبرعات ولم يتركوا اللجنة لتقوم بالمهمة.
3-وذلك بخلاف مواقف مشابهة في أكثر من محافظة أخرى.. كنت شاهد عيان عليها. ويهمنا أن نؤكد أن التبرعات التي جمعوها لم يرسلوها إلا لمنظمة حماس ورفضوا إعطاءها مع حماس لأية هيئات أهلية أخرى.
4-شكك مرشد الإخوان مأمون الهضيبي عام 2001 في مؤتمر تضامني مع الانتفاضة عقد بنقابة المحامين في نشاط اللجنة الشعبية قائلا نحن لا نعرف مصير هذه التبرعات على وجه التحديد.
•وفي عام 2005 وإثر قيام الشرطة بشن حملات متكررة على فلاحي الإصلاح الزراعي كان موقفهم العملي مع ورثة الإقطاعيين وضد الفلاحين كما حدث في بهوت وكمشيش وغيرها.
ولن نعود إلى التاريخ لنبرز موقفهم المعروف من قانون الإصلاح الزراعي إبان صدروه عام 1952 ولكننا نحيلكم إلى برنامج العاشرة مساء على قناة دريم في فبراير 2006 حيث أكد ممثلهم في البرنامج على استمرار موقفهم المعادي لمبدأ وقانون الإصلاح الزراعي الذي اتخذته الجماعة منذ أول يوم لصدور القانون.
*النقطة الثانية: الخلافات المستنبطة من المسار السياسي للجماعة في السنوات الأخيرة وإرجاعها إلى ظهور تيار شبابي يتوق لعملية تحديث شاملة في فكر الإخوان.
•وهنا ندخل منطقة الخطر في موضوعنا.. لأن الخطأ في قراءة مسار هيئة سياسية استنادا إلى كلام مكتوب وتصريحات.. دون الركون إلى ممارساتها .. يمكن تفسيره بقلة الخبرة وضعف التجربة السياسية التي تحاكم جماعة سياسية تنشط على النطاق القومي من حديث بعض أفرادها وتصريحاتهم في نطاق جغرافي محدود دون رؤية سلوكها العملي بشكل شامل.
أما إرجاع التفاوتات أو الاختلافات في تصريحات وأحاديث أو كتابات عدد من البارزين في الجماعة لبروز تيار شبابي جديد فهو مالا نراه صائبا لسببين:
الأول: يتعلق بمفهوم الإعلام داخل الجماعة.
والثاني: يتعلق بالمبررات التي تدفع القواعد الحزبية للقوى السياسية لاتخاذ موقف مغاير أو مخالف لمسار أحزابها أو للشعارات التي ترفعها قياداتها.
-السبب الأول: مفهوم الإعلام داخل الجماعة:
فمن المعروف أن جماعة الإخوان ترفع شعارا رئيسيا "الإسلام هو الحل".. وهو شعار عام ومطاط ويتسع لكل التفسيرات وهو موضوعيا يستوعب أشد جماعات الإسلام السياسى تشددا كالتكفير والهجرة " الجماعة الإسلامية " والجهاد.. إلخ .... كما يستوعب الكثير من فرق التصوف التى تعد بالمئات- بصرف النظر عن انضوائها تحت لواء الجماعة من عدمه - ولو تم تفصيله إلى شعارات أبسط أو إلى نقاط برنامجية لدب الخلاف بين هذه الكيانات .. بل وداخل قيادة جماعة الإخوان .. لذلك فإن التعميم مقصود.. وعمومية الشعار الرئيسى لهم متعمدة.. فضلا عن أن ذلك بقدر ما يوسع هامش الاتفاق ويجمع في صفوفها مختلف الفرق فإنه يخفي ويرتق أية مواطن للخلاف.. أو للاختلاف هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى فإن حرص الجماعة على استمرارها يتطلب:
أولا : الإبقاء على اتساق الجماعة مع التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية للمجتمع التى تحقق مصالح القوى المالكة فيه .. وفى نفس الوقت مصلحة قادة الجماعة.
وثانيا: أن تلتحف بالسلطة الحاكمة وتتخذها درعا يدعمها فى مواجهة أعدائها ومنافسيها من القوى الشعبية والسياسية كما كان الحال فى العهد الملكى، وتستعين بالأحزاب الرجعية وتؤيدها ( الشعب والأحرار الدستوريين) ، وتفتح عينيها جيدا على موازين القوى لتغيير الولاء فى أية لحظة إذا ما توقعت تغير السلطة الحاكمة . كما حدث فى نهاية الأربعينات وبداية خمسينات القرن الماضى مع تنظيم الضباط الأحرار.
وثالثا: عقد الصلات مع القوى الخارجية (الإنجليز والنظام السعودى ) والاستقواء بهما ومغازلة القوى الأخرى التى يمكن أن ترثها أو تحل محلها (الأمريكان بدلا من الإنجليز) وفى كل الأحوال تحلب كل ما يمكنها حلبه منها من دعوم مادية وسياسية.
ورابعا : ربط شعاراتها السياسية بالأيديولوجية الدينية التى تلقى رواجا دائما بين الجماهير.
وتنفيذا لهذا التوجه .. واستنادا إلى كل هذه الصلات والارتباطات المتنوعة وبسبب ثوبها الفضفاض( الإسلام هو الحل) من الطبيعى أن يكون خطابها متلونا.. يغازل مختلف الميول السياسية.
فمع الاحتلال البريطانى تستدر تبرعاته (كما حدث إبان تأسيس الجماعة) وعطفه وتأييده لها بدعوى كونها القوة الوحيدة فى المجتمع المؤهلة لمواجهة النشاط والنهوض اليسارى فى مصر، ومع الجماهير تلعب على أوتار المشاعر الدينية.. وتبرز موقف الدين من العدالة الاجتماعية والسياسية ، وفى قضية فلسطين تعلن الجهاد ضد اليهود بينما هى تدرب جهازها السرى وتجمع الأسلحة فى اتجاه ولغرض آخر، ومع القوى الوطنية يعلو صوتها ضد الاستعمار البريطانى المسيحى فى الوقت الذى تدير ظهرها للمقاومة المسلحة التى أشعلتها كل الفصائل الوطنية فى منطقة قناة السويس.
ومن المهم أن نؤكد أن التركيب الطبقى لقيادة الجماعة وأيديولوجيتها هما اللذان حكما مسارها على طول تاريخها.. فأغلب قادتها من كبار التجار كما صرح مرشدها الحالى.
كذلك فليس من قبيل الترف أن نشير إلى أن أى جيش يحقق بقتاله مصالح قادته (بالمعنى الأوسع للكلمة) مهما كانت أعدادُ جنوده متجاوزة لأعدادَ قادته .. وحرب أكتوبر 73 تؤكد ذلك حيث سقطت ثمارها فى جعبة الأمريكان والصهاينة والسادات وزمرته.. وأفضت إلى اتفاقية كامب ديفيد ( التى عزلت مصر عن محيطها العربى ووفرت لأمريكا وإسرائيل فرصة الانفراد بفلسطين وسوريا والأردن ولبنان كل على حدة، ونزعت سلاح سيناء ، وبدلا من تعميرها بملايين المصريين العاطلين والفقراء والفلاحين الذين لا يجدون أرضا..أعطتها لمجموعة من المستثمرين لتصبح جاهزة للأسرْْ فى أية لحظة ترى إسرائيل أنها مواتية لاستعادتها.. فحدودها لا يحرسها أكثر من 750 شرطى) .
لقد ضربنا مثال الجيش لأنه مثال قريب جدا لجماعة الإخوان فالأول يحكمه قانون (الله – الوطن- بالأمر) وتسلسله القيادى وآليته تخول صلاحيات هائلة وتضفى قداسة فائقة على قائده، وفى جماعة الإخوان المسلمين يمثل ( السمع والطاعة للمرشد- تنفيذ التعليمات- عدم المناقشة) قانونها .. بنفس الصلاحيات والقداسة فى القانون العسكرى كما تصب نتائج نشاطها فى صالح قادتها، ورغم كون الجماعة تنظيما مدنيا فى ظاهره.. إلا أنها ثكنة عسكرية فى روحها وآليتها، ومع أن ما يصدر عن الجيش من تصريحات وبيانات يكون عادة واضحا ومحددا ودقيقا إلا أن ما تصدره الجماعة من آراء وتصريحات يكون حمّال أوجه ومتضاربا إلى حد بعيد وهذا هو الفارق بين جماعة الإخوان والجيش وهو بالقطع شىء مقصود ومُتعمَّد.
ولعلنا نتذكر الحملة الشعواء التى شنتها الجماعة على إحدى روايات الأديب الكبير نجيب محفوظ والتى أعقبتها زيارة أحد قادتها ( عبد المنعم أبو الفتوح) للأديب الكبير وانتهت بتصريحات مغايرة تماما لما شنته الحملة.
وقد تكرر هذا الازدواج بشأن تصريحات الجماعة مئات المرات كما حدث بشأن تصريحهم عن توريث الحكم " نقبل بجمال مبارك بشرط أن يكون بالانتخاب" الذى نشرته وهاجمته جريدة العربى.
والجماعة لا تكترث حينئذ لمحاولات البعض لإبراز تناقضاتها.. فذلك من وجهة نظرها محدود الأثر.. لأن أصحابه محدودو العدد والفعالية.. ولهذا السبب تحديدا لا ترد الجماعة على أية انتقادات أو تفنيد لما تطلقه من تصريحات..
شئ واحد يقض مضاجع الجماعة من الناحية الإعلامية هو أن يتخذ ذلك السعي لإبراز التناقضات مسارا عمليا.. لأنه يكشف للجماهير مدي زيف شعاراتها وتصريحاتها في الممارسة العملية.
-أما السبب الثاني: فيتعلق بالمبررات التي تدفع القواعد الحزبية لإتخاذ موقف مغاير أو مخالف لمسار تلك القوى أو للشعارت التي ترفعها قياداتها. وهو سبب عام لا يقتصر على جماعة الإخوان.. وسوف نتعرض لتلك المبررات فيما يلى:
عندما اشتعلت اعتصامات العمال في مدينة كفر الدوار بعد أيام من قيام ثورة 23 يوليو 1952 قام مجلس قيادة الثورة بحصار مبنى إحدى الشركات التي اعتصم عمالها.. بقوات الأمن التي بدأت أشهر مجزرة لعمال الغزل والنسيج في تاريخ مصر الحديث والتي كانت شعارا لا يمحى لموقف العسكر من احتجاجات الطبقة العمالة.. فلم يكن ذلك هو الاعتصام الأول في المدينة آنذاك، ولم تخرج مطالب عمال هذه الشركة عن مطالب زملائهم الذين سبقوهم في الاعتصام في شركات مجاورة في الأسبوع السابق ويذكر العم عطية الصيرفي أحد المعاصرين للأحداث وقتها وكان عضوا في تنظيم يسارى هو الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني (حدتو).. أن مجموعات كبيرة من أعضاء التنظيم احتجت بشدة على المجزرة.. وطار صوابها بسبب تأييد قيادة الحزب لموقف سلطة يولية من عمال كفر الدوار التي أعدمت العاملين خميس والبقري، وظل هذا التأييد حاجزا أبديا بين أعضاء التنظيم وقيادته..
-من ناحية أخرى احتجز أحد أعضاء نفس التنظيم كميات هائلة من المنشورات كانت قيادة حدتو قد أعدتها لتوزيعها - مؤيدة إجراءات سلطة يوليو ومنددة بموقف العمال المعتصمين في كفر الدور- وحال دون توزيعها.. وقام بإعدامها وأسفر الوضع عن انشقاق شهير في ذلك التنظيم.
-ومن المعروف أن المجتمع المصري في الأربعينات وبداية الخمسينات كان يغلي ويمور بأنشطة متعددة سياسية واقتصادية واجتماعية تواصلت لسنوات.. وجاءت ثورة يوليو لتقطع الطريق على هذا الغليان الشعبي.. وتدفع لأسباب شتى بثمار ذلك الغليان في حصيلة سلطة يوليو.
-ولذلك يمكن القطع.. بأن تحول الشعارات السياسية لمختلف القوى والتيارات إلى سلوك عملي تميزه الجماهير بسهولة (أو بغير صعوبة) ومن ثم تتفجر مشاركتها فى النضال السياسى على نطاق واسع .. هو الأرض الخصبة التي تدفع أعضاء التنظيمات السياسية من الشباب وغيرهم إلى اتخاذ مواقف معارضة أو مغايرة لموقف قادتها إذا ما أدرك هؤلاء الأعضاء انحراف قادتهم عما يصبون إليه ويعملون على تحقيقه وهو الشرط اللازم لظهور تيارات جديدة داخلها.
-وعليه فإن السؤال المطلوب الإجابة عليه هو: هل يضطرم المجتمع المصري الآن بحركة سياسية مستمرة وقوية؟ وهل تحولت الشعارات السياسية لمختلف القوى والتيارات إلى سلوك عملي تميزه الجماهير دون صعوبة؟ لكي يمكن القول بأن أعدادا كبيرة من عضويات جماعة الإخوان من الشباب قد شكلت تيارا يبدي تحفظه على بعض القضايا باعتبارها تراجعا عن "حالة التحديث" التي لحقت أفكار الجماعة في السنوات الماضية؟ وأين هو ذلك التحديث الذى يتحدثون عنه وفى أى مجال من مجالات الحياة أو الفكر؟!
-وهل الوضع الراهن للقوى السياسية المعارضة ينبئ بذلك أو يتيحه؟
أو هل تفصح الاحتجاجات الجماهيرية في أوساط العمال والفلاحين والبرجوازية الصغيرة عن أي دور حقيقي لتلك القوى السياسية المعارضة وتنظيماتها.. وعلى وجه الخصوص الإخوان المسلمون لكى نتحدث عن أن هناك حراكا اجتماعيا حقيقيا؟ أو أن تلك القوى المعارضة تشارك فيه ؟
ولنذهب إلى أبعد من ذلك.. هل نشاط الإخوان المسلمين السياسي يترجم تعاطفا جماهيريا نابعا من قناعة الجماهير بشعاراتهم أو بمسلكهم؟ أم أنه مجرد رفض للنظام الحاكم ولتردى مجمل الأوضاع من سيئ إلى أسوأ؟
وهل يمكن لهذا التعاطف أن يتحول إلى تأييد.. ودعم لهم أكثر من رفض الناخبين لمرشحي الحزب والحاكم واختيارهم لأي مرشح آخر حتى ولو كان من جماعة الإخوان؟
وهنا يلزم التفريق بعناية فى عملية الانتخابات بين ثلاثة أشياء: رفض الجماهير للنظام الحاكم ، واختيار الجماهير لغيره من المرشحين عموما، ودعمها لقوى سياسية بعينها.
كما يلزم التفريق بعناية أدق إلى جعبة أيّ من القوى السياسية فى المجتمع تذهب حصيلة هذا الاختيار؟. كذلك يلزم التدقيق فى حجم المشاركين من الجمهور منسوبا إلى من لهم حق التصويت بل ومنسوبا إلى تعداد السكان.
إن النظام الحاكم في مصر ذا السمات الفاشية.. يحكم قبضته على نشاط القوى السياسية المعارضة التي استلم أغلبها لذلك الوضع.. لكن الأمر يختلف إلى حد ما عن قدرته على إحكام القبضة على الجماهير.. لذلك فجملة الاحتجاجات العمالية والفلاحية والمهنية التي ظهرت في الآونة الأخيرة كانت بعيدة عن قيادة القوى المنظمة للمعارضة السياسية .. ولأن عمليات الخنق والحصار الاقتصادي لها قد تجاوزت كل الحدود فقد تفتق ذهنها عن الحكمة المعروفة (ما حك جلدك مثل ظفرك.. فتول أنت جميع أمرك) لتكون شعارا لها في التخلص من حالة الخنق والحصار..
ولذلك فليس أمام تلك القوى المعارضة المنظمة سوى مصيرين:
1-فإما أن تتخلص من حالة الغيبوبة التي تعيشها وطال أمدها.. وإما أن تعلن انضواءها الصريح تحت لواء السلطة الحاكمة بديلا عن حالة مد الجسور المستترة معها.. هذا عن بعض تلك القوى.
2-أما عن بعضها الآخر.. فإما أن يكف عن حالة مضغ الجمل الثورية.. والتشبث بأوهام استنبات تيارات ثورية من رحم أقدم التنظيمات السلفية في مصر والمنطقة العربية وأكثرها رجعية استنادا إلى سماعهم عن شباب من الإخوان يتوقون إلى عملية تحديث شاملة في فكر جماعتهم وإما أن يعلن صراحة التحالف مع تلك التنظيمات أو مع انشقاقاتها "المتوقعة".
فليس من المحتم أن تتولد الأوهام ذاتيا.. بل من الممكن أن تستولد
من المناخ الثقافي العام.. ليس الآن فقط بل وفي أقدم العصور.
•ففي عام 1859 أصدر عالم البيولوجي الأشهر تشارلز دارون كتابه المعروف أصل الأنواع.. الذي اعتبر ومازال أهم اكتشافات هذا العلم قاطبة على مر العصور.. وفيه حدد أن نشأة وتطور الكائنات الحية تستند على عاملين أحدهما وأهمهما – في نظره - : هو التنافس بين الكائنات الحية، وثانيهما: هو الصراع بين الكائنات الحية من جانب وبين الطبيعة من جانب آخر.
•إلا أن العالم الروسي ميتشورين أفاد- بعد أبحاث مطولة - أن داروين عكس ترتيب هذين العاملين وأعطى الأهمية الأعلى للتنافس بين الكائنات الحية.. بينما الحقيقة أثبتت أن الأهمية الأعلى هي للصراع بين الكائنات الحية والطبيعة.
•كما أوضح المفكر تشاغين.. أن ميتشورين قد أعاد وضع فكرة نشأة وتطور الكائنات الحية على أقدامها بعد أن كانت تقف –على يد داروين- على رأسها.. وفسر ذلك بأن الفترة التي عاشها داروين واستغرقتها أبحاثه.. كانت فترة نشأة الرأسمالية.. أي فترة المنافسة وأن هذه المنافسة قد انعكست على كثير من الأفكار في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وخصوصا الثقافية.. ولم ينج منها عالم أو مفكر.. وهو ما دفع داروين بكل ثقله إلى التأثر بذلك المناخ الثقافي العام السائد آنذاك.. ووضع عامل المنافسة بين الكائنات الحية متقدما على عامل الصراع بين الكائنات والطبيعة.
•وإذا ما طبقنا هذا على وضعنا الراهن في مصر سنجد أن سيادة المناخ الثقافي السلفي في الحقبة الأخيرة قد أثر بشدة في كثير من أوضاعنا الحياتية.. وأفرز ليس مجرد أفكار تعود بنا إلى الوراء.. أو أحيا عادات اندثرت من قرون.. بل أنتج سلعا مادية أصبح تداولها رائجا.. ومؤسسات صار وجودها ثابتا.. فكيف لذلك المناخ ألا ينعكس بدرجة أو بأخرى على أفكارنا.. وتوجهاتنا؟
•وفي حقيقة الأمر.. نُقرّ من حيث المبدأ أن عددا من شباب الإخوان يتحدثون بلهجة مختلفة.. عن اللهجة القديمة.. لكننا نُقرّ أيضا أن اللغة واحدة.. بينما اللهجات متعددة.. فمنهم من هو في الجامعة الأمريكية.. وفي أوساط النخب.. لكن ذلك يقتصر على القاهرة.. وينحصر في اللهجة.. ويحافظ على اللغة.. لغة جماعة الإخوان الثابتة.. التي نعرفها.
•ولكى ننهى هذه النقطة نعرض عليكم ما صادفناه في أكثر من محافظة.. وفي الريف على وجه التحديد وفي صفوف شباب الإخوان على وجه الدقة.. وفي قريتي كمشيش وبهوت بالذات وهو: أن تسعين بالمائة من قيادات جماعة الإخوان في كمشيش هم أبناء منتفعي الإصلاح الزراعي.. ولو لم يحصل آباؤهم على أراضي الإصلاح لما تعلموا ولا عاشوا وهم الذين يروجون في أوساط الفلاحين أن أراضي الأسرة الإقطاعية من الطبيعي أن تُردّ إليهم.. لأن هذا حكم الشريعة الإسلامية.. وكفى.
*النقطة الثالثة: تصديق المحاولات المضنية لطمأنة الجماعة السياسية حول نوايا الإخوان، والأمل المعقود على التيار الشبابي الإصلاحي.
•أحيانا ما تأتي بعض الصياغات التي تستهدف توضيح فكرة ما في لتكشف أماني الكاتب ورغباته أكثر من دورها في توضيح الفكرة..
والنص التالي صـ13 يبرز هذه الرغبة بشكل جلي [بعد المحاولات المضنية التي بذلوها (أي الإخوان) طوال السنوات الماضية لطمأنة الجماعة السياسية المصرية حول نواياهم كجماعة سياسية مدنية تحترم الحقوق والحريات بمفهومها الحديث.. جاء البرنامج صدمة نسفت كل هذا المجهود] ويضيف النص [لكنها – رغم ذلك- دفعت إلى الأمام أكثر.. في بلورة موقف ما للتيار الإصلاحي داخل شباب الإخوان.]
لم يوضح لنا النص السابق.. كنه تلك المحاولات وتجلياتها.. أو مثالا لواحدة منها.. فهل نسوق له ما فعله شباب الإخوان في جامعة الأزهر منذ أكثر من عام من استعراض للقوة استفز جميع التيارات والقوى السياسية المعارضة وأسفر عن هدم ذلك السياق الذي يحاول المقال بناءه ، ويضرب في مقتل ما أسماه بالمحاولات المضنية ويعيد للأذهان في لحظات جملة التاريخ السابق لعنف الجماعة.. ويستعيد تصريحات مرشدها الثاني حسن الهضيبي فى الخمسينات بعدم وجود أية تشكيلات مسلحة للجماعة في مصر.
وللأسف فإن استعراض القوة هذا قد جاء من شباب الجماعة الذي عول المقال على تبلور تيار إصلاحي في صفوفه بل وتوقع مزيدا من بلورته استنادا إلى احتدام الصراع الطبقي في المرحلة القادمة.
ونشير إلى أن الجهاز السري (المسلح) للجماعة كان تنظيما موازيا لتنظيمها المدني.. ينتقي المرشد العام للجماعة أعضاءه.. ويُخفي تفاصيله عن بقية أعضاء مكتب الإرشاد.. ذلك الجهاز كان يتشكل من ابرز وأخلص أفراد فرق الكشافة التي شاهدنا نموذجا لها في استعراض جامعة الأزهر.
•لقد مارس شباب الجماعة من الجنسين في الانتخابات البرلمانية الأخيرة (2005) في عدد من المحافظات كل صنوف الأكاذيب والمراوغة والتزوير وشراء الأصوات والصفقات الانتخابية غير المبدئية ونقض العهود ومخالفة الوعود.. بل ومارس بعضهم عمليات البلطجة التي كان ينفرد بها الحزب الحاكم.
أي أن شباب الإخوان الذين يشير إليهم المقال ليسوا من يعملون في الجامعة الأمريكية ولا من يجلسون على مقاعد الدراسة في جامعات القاهرة فقط.. بل هم من لهم صلة بكثير من أوجه النشاط والإنتاج الفعلية في الريف والحضر.
•وعليه فإن الأمل الذي يعقده المقال على تبلور ذلك "التيار الشبابي الذي يتوق إلى تحديث فكر الجماعة" لا يسوق مبررا واحد يدفع القارئ لتصديقه أو لمشاركته هذا الأمل.
ولذلك فإن ما ذكره المقال تشخيصا لمسار الجماعة السياسي صـ 11 من [وصف الخيط المشترك الذي يحكم الأداء السياسي للإخوان خلال هذه الفترة بلعبة الموازنة والمواءمة مع النظام.. وتكتيك قادتهم الذي يتلافى الصدام مع النظام ويستغل الانفراجة التي خلقتها حالة الحراك السياسي في إحراز مكاسب سياسية] هذا التشخيص يشير من طرف بعيد إلى أن ذلك هو خيار الجماعة الطوعي.. ويتسق مع رغبات المقال في تنامي تيار الشباب الإصلاحي.. لكنه يغفل بعدا هاما لذلك الأداء السياسي مما يغير ذلك الخيار ويجعله جبرا..هذا البعد هو: أن مطارق النظام على رءوس معارضيه قد أسهمت في ذلك.. سواء في عمليات المراجعة والتوبة ونبذ العنف من جانب فصائل الجهاد والجماعة الإسلامية وغيرها.. أو فيما أسماه المقال بلعبة التوازنات والمواءمة مع النظام من جانب جماعة الإخوان .. وذلك بالقطع بعيدا عن أية جهود مضنية أو برامج ناسفة لتلك الجهود.
ومع ذلك فهذا الأداء السياسى لا يفضي إلى انخراط جماعة الإخوان في نسيج المعارضة الشعبية.. لأن مثل هذه السلوك والأداء خليق بمن يسعى لاقتسام كعكة الحكم مع النظام القائم وليس خليقا بمن يعمل على إزاحته .. فالإزاحة تتطلب توجها آخر وخطابا آخر ووضوحا وصراحة مع أغلب المعارضين لا تتوفر في تلك الجماعة وشبابها الإصلاحي.
*النقطة الرابعة: لمن يتوجه الخطاب الإخواني على وجه الدقة؟
•من الطبيعي أن تسعى فصائل المعارضة للتنافس على تأييد الجماهير لها ولبرامجها، لكن جماعة الإخوان تعتمد على فكرة تختلف إلى حد ما عن ذلك.. فهي تلجأ بالأساس لبناء المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية وبموازاتها تبني تنظيمها المدني.. والعسكري.. وتنظيم حلقة الوصل (الكشافة).. ولأن المساجد تملأ المجتمع.. فهي بمثابة أماكن لتجنيد الأعضاء وللدعاية السياسية والاجتماعات التنظيمية. وهي بهذا لا تتنافس على تأييد الجماهير بالمعني المتعارف عليه.. بل تعتمد على فكرة الأقلية المنظمة التي تسوق الغالبية المفككة أمامها، ورغم أن التأييد الجماهيري عنصر حاسم في أدوات وأشكال المعارضة السياسية..إلا أن الطريق إليه عند كل فصائل المعارضة غيره لدي جماعة الإخوان المسلمين.
•فالجماعة اختارت شعارا عاما هو الإسلام هو الحل.. وتجنبت طويلا إصدار برنامج سياسي واكتنف الغموض كثيرا من أفكارها السياسية.. علاوة على مطاطيتها.. ليس فقط لاستيعاب مختلف التوجهات السلفية.. ورتق الخروق في ذلك الثوب الفضفاض بل لإتاحة الفرصة للارتداد عنها فيما بعد، كما أنا تستميت في ألا يكون هناك فصيل آخر يتحدث باسم الإسلام سواها.. وإن وُجد فإنها تستخدم إزاءه كل الأدوات والأساليب لتخريبه والقضاء عليه.
•ولأن الحريات الديمقراطية هى سلاح المعارضة على اختلاف توجهاتها ، ولأن نظامنا الحاكم يصادرها فمن المنطقي أن يطالب الإخوان بحيازة هذا السلاح لكنهم لا يطالبون به كاملا بل يقصرونه على ديمقراطية صندوق الانتخابات وحقهم فى الحصول على حزب سياسي، ويستبعدون بعض الحريات مثل حرية الاعتقاد حيث لا حرية عندهم سوى للتملك والتجارة.
وخير دليل على ذلك هو حديث مرشدهم الأسبق مصطفى مشهور لجريدة الأهرام ويكلى " نقبل بمبدأ التعددية الحزبية لكن عندما يقوم حكم إسلامي فى مصر فإننا نرفضها ولا نقبلها" و " الأقباط مواطنون من الدرجة الثانية يدفعون الجزية مقابل إعفائهم من التجنيد" وقد أيد ذلك وكرره نائب مرشدهم الحالى من سنوات قليلة.
وحيث أنهم ظل الله فى الأرض .. ولأنهم جماعة المسلمين حسب زعمهم " فمن يعاديهم يعادى الله ورسوله" كما أطلقها مشهور ذات صباح.
ولأن الديمقراطية هى حكم الشعب .. فهم بملء الفم ضدها لسبب بسيط هو أن الحكم لله وليس للشعب حسب معتقداتهم السياسية.. وعليه فهم ضد تولى غير المسلمين رئاسة الدولة حتى لو اختارهم الشعب فلا بد أن يكون الحاكم من المسلمين .. ولا مسلمين فى مصر سوى "جماعة المسلمين" أى جماعة الإخوان المسلمين.
إذن فمطالبتهم بالديمقراطية شئ ، والحصول عليها للوصول إلى بعض مقاعد السلطة شئ آخر، واحتكارها – فيما بعد- وحرمان الآخرين منها شئ ثالث.
إن مناداة بعض شباب الإخوان بالحقوق الديمقراطية - إن صح- لن يتخذ نفس المسار و المعنى الذى يتخذه عند بقية المعارضين لنظام الحكم وليس من اليقين القطع بوصوله لنفس المآل الذى ينشده المقال.
•ولذلك يهمنا أن نذكر:
أن ما قام به القيادى الإخوانى عصام العريان من لقاء السفير الأمريكى فى مصر بالنادى السويسرى بالقاهرة فى ضيافة د. سعد الدين إبراهيم وإنكار قيادة الجماعة لذلك اللقاء الذى تم على الملأ لا يُقصدُ من ورائه إلا توجيه الأنظار ناحية رهانهم الأساسى.
فالجماعة أشبه بمن تعرض نفسها في الشارع السياسي و" تتمايل" مختالة.. ترمى بنظرة هنا وغمزة هناك.. وتمنح ابتسامة ناحية اليمين وتطلق ضحكة جهة اليسار وتجمع عبارات الإعجاب والغزل.. وتُشعِر كل من يراها بأنها يمكن أن تميل في اتجاهه .. وفي أول منعطف ترمي بما جمعته على الأرض لأن وجدانها الحقيقي مع "الفتوة".. الذي تلاقيه في الخفاء .. أقصد على الملأ.

الحوار المتمدن

Post: #90
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 04-06-2008, 05:21 AM
Parent: #89

( جمال البنا ) شقيق حسن البنا يعترف : الاخوان المسلمون لا يصلحون للحكم ولا السياسة ....
الكاتب والمفكر الإسلامي جمال البنا

حاوره: خالد الكيلاني

«الإسلام هو الحل».. شعار ممتاز في المزايدة الانتخابية

عندما نتحدث عن رجل ترجم 40 كتاباً عن الحركة العمالية والنقابية من الانجليزية إلي العربية، وعمل لأكثر من ثلاثين عاماً أستاذاً في معهد الدراسات النقابية، وأشرف علي العديد من رسائل الدكتوراه، وهو الحاصل علي ثانوية تجارية ولم يدخل الجامعة في يوم من الأيام..
عندما نقول ذلك قد لا يستوعب الكثيرون أننا نتحدث عن الكاتب والمفكر الإسلامي جمال البنا، الشقيق الأصغر للإمام حسن البنا المرشد والمؤسس لجماعة الإخوان المسلمين. هذا الرجل الذي عرف بآرائه الصادمة وصراحته الشديدة، وثراء أفكاره وتدفق تعبيراته واستشهاداته وكأنه يقرأ من موسوعة محكمة مترابطة السياق، رغم أعوامه الـ 88 التي يحملها علي كتفيه.
التقينا به في شقته المتواضعة في حي باب الشعرية الشعبي، حيث يعيش وحيداً ويفتح الباب بنفسه لزواره، لنقلب سريعاً بين أفكاره التي وضعها في 120 كتاباً تنوعت بين الفكر الديني والقضايا الاجتماعية والعمالية والبحوث السياسية.

> ما هي دعوة الإحياء الإسلامي؟ ومتي بدأتها؟

>> دعوة الإحياء الإسلامي تعني في الأساس بالإنسان الذي هو خليفة الله في أرضه وهي خاتمة لرحلة طويلة بدأتها عام 1946 عندما أصدرت كتابي الثاني وكان بعنوان 'ديمقراطية جديدة' وضمنته فصلاً بعنوان 'فهم جديد للدين' قلت فيه 'لا تؤمنوا بالإيمان، ولكن آمنوا بالإنسان' وهي فكرة أثارتها لدي الهتافات التي كانت تتعالي وقتها من المركز العام للإخوان المسلمين في منطقة 'الحلمية الجديدة' بالقاهرة وكان منزلنا يقع بجوار هذا المركز مباشرة.
> وكيف أثارت هتافات الإخوان لديك هذه الفكرة؟
>> كان الإخوان في هذا الوقت عام 1946 في أوج انتشارهم وكانت دعوتهم تتركز حول الإيمان وليس حول الإنسان، وكان الرئيس الأمريكي 'روزفلت' وقتها قد اثار الدنيا بعدة فرقعات ديمقراطية عندما طرح بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ما أطلق عليه ' الحريات الأربع ' وقد أردت من خلال فكرة الإحياء الإسلامي أن أفرق بين الإنسان المسلم والإنسان الأوروبي صاحب الحضارة التي نحياها الآن.
> كيف تفرق بينهما؟
>> الحضارة الأوروبية ليست سيئة، بل هي أفضل الآن من أي حضارة أخري، ولكن عيبها أنها لا تستطيع أن تقف حيث يجب الوقوف، ومن ثم يمكن أن تنهار بانتحار نووي أو كوارث بشرية، بمعني آخر هي حضارة بلا كوابح.
النسخة الإسلامية للعولمة
> ولكن لديهم كابحاً مهماً وهو سيادة القانون؟
>> القانون لا يصلح تماماً ما لم يكن هناك خوف من الله، ثم إن الناس هي التي تضع القانون، وتشرع لنفسها الخروج عليه عندما تريد.
> البعض يقول إن لديك هوي أمريكياً، وأن ما تدعو إليه هو النسخة الإسلامية للعولمة؟
>> لست متأثراً لا بالعولمة، ولا بالحداثة، ولا بالأفكار الأمريكية، وقد طرحت هذه الأفكار قبل بوش بـ 60 عاماً، وأنا لا يهمني ما يقال عني فأنا أبحث عن الحكمة حيثما كانت فالحكمة هي ضالة المؤمن.
> أنت الأخ الأصغر لحسن البنا، وكنت في وقت ما عضواً في جماعة الإخوان المسلمين، وأفكارك متناقضة مع أفكارهم، ألم يسبب ذلك خلافاً بينك وبين شقيقك الأكبر؟
>> لم أكن عضواً رسمياً في جماعة الإخوان في أي يوم من الأيام علي الرغم من أنني اعتقلت عام 1948 بتهمة الانتماء إليهم، ولي كثير من التحفظات علي أفكارهم، ولدي فكر مستقل طوال حياتي، وما لا تعلمه أن العلاقة بيني وبين شقيقي المرحوم حسن البنا كانت أقوي من أي علاقة أخري، وكان فيها شجن وحب واختلاف.
> العلاقة الفكرية، أم العلاقة الإنسانية؟
>> العلاقة الإنسانية والعلاقة الفكرية، حسن البنا كان شخصاً واسع الأفق جداً، وكان يشجع الاختلاف لأنه لم يكن يريد أتباعاً أو مريدين أو مطيعين.
> ولكن الإخوان الآن لا يقبلون الاختلاف معهم، وحولوا الدعوة إلي كهنوت، فما الذي حدث؟
>> حدثت أشياء كثيرة جداً، تعرضوا للكثير من الاضطهاد والتعذيب والإقصاء منذ أيام الملك فاروق وحتي الآن كما لم تتعرض له جماعة أخري في المجتمع المصري، ولا يمكن الافتراض أن الطبيعة البشرية لن تتأثر بتلك العوامل، ثم إن هناك تأثيراً لثقافات وحضارات أخري، ما حدث للإخوان نتيجة للتعذيب والقهر في عهد عبد الناصر ونتيجة للمد الوهابي الذي جاء إلينا من الجزيرة العربية ثم ظهور الثورة الإيرانية بعدها.
> وهل يمكن للتعذيب والقهر أن يصيبا الأفكار ويغيراها؟
>> السجون والاعتقالات أوجدت ما أسميه أنا ' الهيئات الشاردة ' التي كان أولاها تنظيم ' التكفير والهجرة ' وزعيمه شكري مصطفي (طالب الكلية الفنية العسكرية الذي قاد محاولة انقلاب فاشلة ضد السادات عام 1972) وهو لا يفهم شيئاً لا عن الإخوان ولا عن الإسلام.
صراع علي السلطة
> ولكن الإخوان تبنوا منهج العنف والإرهاب والاغتيالات قبل ظهور تنظيمات التكفير والهجرة والجهاد والجماعة الإسلامية بعقود كثيرة عندما اغتالوا الخازندار (القاضي الذي حكم علي بعضهم بالسجن عام 1946) والنقراشي (رئيس وزراء مصر عام 1949)؟
>> لا تنس أن العلاقة بين الإخوان والنظام في مصر هي نوع من الصراع علي السلطة، بدأ هذا مع حزب الوفد في الثلاثينيات والأربعينيات واستمر حتي الآن، أما اغتيال القاضي الخازندار فكان خطأ وتم بدون علم حسن البنا، وهم حاولوا إصلاحه بدفع الدية لأهله، أما اغتيال النقراشي فكان مبرراً لأنه استخدم الأحكام العرفية التي أعلنت في مصر عام 1948 وحل جماعة الإخوان وصادر مقارها واعتقل كل أعضائها، وفي كل الأحوال لم تكن الاغتيالات هدفاً من أهداف الإخوان.
> السادات فعل ذلك أيضاً عام 1981 فهل اغتياله في نظركم مبرر؟
>> اغتيال السادات كان جريمة، ولكن النقراشي رغم أنه كان رجلاً نزيهاً وشريفاً، إلا أنه كان عنيداً جداً ورفض كل محاولات التفاوض مع الإخوان.
> وهل كونه عنيداً يبرر اغتياله؟
>> لقد اعتقل الآلاف وأنا منهم في ليلة واحدة يوم 8 ديسمبر عام 1948، كما أنه أغلق كل المشروعات التي كان الإخوان ينفقون منها علي أعمال الخير.
> ألا يبدو دفاعك عن حسن البنا غير مبرر لأنه هو الذي أنشأ 'التنظيم الخاص' (الهيئة العسكرية للإخوان) التي قامت بتلك الاغتيالات، وكان آخرها محاولة اغتيال عبد الناصر عام 1954؟
>> حسن البنا أنشأ التنظيم الخاص عن طريق فرق الجوالة التابعة للإخوان وانتقي منهم عدداً يصلحون لعمليات قتالية لمواجهة الاحتلال الإنجليزي والمد الصهيوني الذي واكب إنشاء دولة إسرائيل، وكان جمال عبد الناصر واحداً من الشباب الذين تم تدريبهم في تلك المعسكرات، أما محاولة اغتياله عام 1954 فلم يثبت حتي الآن أن الإخوان هم الذين قاموا بها رغم أن منفذي العملية أعضاء في الإخوان، ولكن ربما كانت تحركهم جهات أخري، وهذه المسألة مازالت بها حلقات مفقودة حتي الآن، وأعتقد أن أطرافاَ أخري كانت وراءها.
> مثل من؟
>> لا أعلم، ولكن أهم المؤرخين الليبراليين واليساريين نفوا أن يكون الإخوان وراء محاولة اغتيال عبد الناصر، والتنظيم الخاص كان يعمل في الأربعينيات بعلم الحكومة وكان يجمع السلاح من بقايا الحرب العالمية الثانية في الصحراء الغربية والقناة بعلم الحكومة، وعبد الرحمن عزام (أول أمين عام للجامعة العربية) توسط وقتها بين حسن البنا والحكومة، ثم رتب لقاءً بين البنا وأمين الحسيني (مفتي القدس وزعيم المقاومة الفلسطينية في الأربعينيات) الذي قال للبنا لا نريد رجالاً ولكن نريد مالاً وسلاحاً.
تربويون لا سياسيين
> هل قرأت برنامج «الإخوان» الذي طرحوه مؤخراً؟
>> لم أقرأه لأنني أري أنهم لا يصلحون للسياسة، ولا يملكون الوعي السياسي.
> لماذا؟
>> لأنهم أناس تربويون لا سياسيين، فضلاً عن أن تجربة التاريخ تثبت أن أي حكم ديني لابد أن يفشل سواء كان إسلامياً أو مسيحياً أو يهودياً، حدث هذا في دولة الخلافة الإسلامية التي حولها معاوية بن أبي سفيان إلي 'ملك عضوض'، وحدث أيضاَ في أوروبا في القرون الوسطي، وسوف تفشل الدولة اليهودية في إسرائيل إن عاجلاً أو آجلاً، بل حتي الدول التي قامت علي أيديولوجيات مثل الاشتراكية فشلت أيضاً فشلاً ذريعاً.
> ولكن الإخوان يقولون إن لديهم حلاً لكل المشكلات؟
>> أنا مؤمن أن الإخوان لا يصلحون إطلاقاً للحكم، وشعار الإسلام هو الحل شعار ممتاز في المزايدة الانتخابية ولو كانوا شيوعيين لكانوا قالوا 'ديكتاتورية البروليتاريا' ومنذ عام 1946 وأنا أقول إن الشعارات ما لم تقترن بالإنسان فهي شعارات ضالة ومضللة، ولكن هذا لا ينفي أن الإسلام لديه حلول لكثير من المشاكل لو أعيد النظر فيه من جديد باجتهادات جديدة تتناسب مع العصر وتعلي من قيمة الإنسان ومصلحته.
> هل توجد في الإسلام دولة دينية كتلك التي يطالبون بها؟
>> إطلاقاً.. لا يوجد في الإسلام شيء اسمه الدولة الدينية، ولم توجد في تاريخ الإسلام دولة دينية بالمعني الكامل، والرسول (صلي الله عليه وسلم) لم ينشئ دولة، ولكنه كون أمة والإسلام دين وأمة وليس ديناً ودولة، الرسول (صلي الله عليه وسلم) عندما هاجر للمدينة فتحها بالقرآن وهو أكبر وأعظم فتح وكل الفتوح قامت عليه، وبني مجتمعاً مسلماً في المدينة، مجتمعاً وليس دولة، لأن الدين هداية وضمير لا سلطة، والسلطة بكل جبروتها لا تستطيع أن تجعل رجلاً أكثر تقوي أو أكثر أمانة أو أكثر طهارة، والأخلاق والقيم التي نادت بها الأديان لا يمكن تطبيقها بالقوة أو بسلطة القانون والحجة الوحيدة التي يقولها الإخوان وغيرهم أنهم يريدون تولي السلطة لتطبيق الشريعة الإسلامية، وهذا خطأ من جهتين.. أولاً لأنه لا يمكن لسلطة أو حكومة أن تطبق الشريعة لأنها سوف تتحول - في تلك الحالة - إلي قوانين رادعة لا يؤمن بها الناس مثلما حدث في أفغانستان وباكستان والسودان وإيران لأن الشريعة يجب أن يؤمن بها الشعب قبل تطبيقها، وثانياً أي شريعة يطبقون وباب الاجتهاد أغلق منذ أكثر من ألف عام؟!
> ألم تكن الخلافة دولة إسلامية؟
>> أبداً.. كان هناك مجتمع إسلامي وصل فيه الإيمان بالناس أن المتهم كان يذهب إلي الرسول (صلي الله عليه وسلم) معترفاً بذنبه ويقول له 'طهرني' وكان الرسول يلقنه الإنكار، هكذا وصل إيمان المتهم بالعدالة، وإيمان القاضي بالإنسان، هذا الإيمان ظل في النفوس طوال عهد أبي بكر وعهد عمر وعندما طعن عمر طعنت الخلافة معه ولم تعد مرة أخري، كان يمكن أن تعود مع علي بن أبي طالب، ولكن المطامع والصراع علي السلطة حول الخلافة علي يد معاوية إلي ملك عضوض.
الحاكمية
> هذا عن التطبيق، فماذا عن النظرية؟ هل هناك تأصيل في القرآن أو السنة لمسألة الدولة الدينية؟
>> لا يوجد في القرآن إشارة واحدة لما يسمي بالدولة الدينية، وكل الأحاديث الصحيحة المروية عن النبي (صلي الله عليه وسلم) كانت تحذيراً من الولاية والسلطة وحضاً للمؤمنين بالابتعاد عنها، وأنا لا أفهم هؤلاء الذين يقولون سوف نحكم بالقرآن، كيف يمكن لهم ذلك؟، القرآن وضع خطوطاً عريضة في الاقتصاد والسياسة والاجتماع، إطار عام يحتمل من النقيض إلي النقيض، ما بين الرخصة والعزيمة كما يقال.
> ومسألة الحاكمية؟
>> هذه كلمة مشئومة في التاريخ الإسلامي، فالذي قتل علي بن أبي طالب قال 'لا حكم لك يا علي، إن الحكم إلا لله' ليفسح المجال لمعاوية، والذين ارتكبوا مذبحة كربلاء التي شرخت الأمة الإسلامية شرخاً مازال قائماً حتي الآن ارتكبوا ذلك تحت شعار 'إن الحكم إلا لله'.
> والآيات التي تصف من لم يحكم بما أنزل الله بالفاسقين والظالمين والكافرين؟
>> هذا كلام عام يحتمل 20 ألف معني، فضلاً عن أن كل هذه الآيات نزلت بصدد غير المسلمين بالذات، ولكن ليس معني ذلك أن يحكم المسلمون بعكس ما أنزل الله، ولكن السؤال ما هو الذي أنزله الله، تلك هي القضية، فالله أنزل العدل والرحمة والحرية، والشريعة كلها عدل ورحمة وحرية.
> لكن غلاة المنادين بتطبيق الشريعة لا يرون منها سوي الحدود؟
>> هذا دليل علي ضيق الأفق، وفي كتابي 'هل يمكن تطبيق الشريعة' أشرت لاجتهادات تعطل تطبيق حد السرقة مثلاً، وعمر بن الخطاب أوقف تطبيق هذا الحد في عام الرمادة، ثم إن كلمة الحدود لم ترد في القرآن أبداً بمعني 'العقوبات' بل وردت في تلك الآيات المتعلقة بالميراث والزواج والطلاق، وآفة استخدام القرآن هي 'ابتسار النص'.
> وما رأيكم فيما يسمي بـ'الصحوة الإسلامية'؟
>> لا فائدة فيها وهي نوع من 'القولبة' لأنها تهتم بالمظهر لا الجوهر، فهم مثلاً جعلوا الحجاب ركنا من أركان الإسلام مثل الصلاة والصوم وهذا نوع من الردة حولت الإسلام إلي طقوس، وشيخ الأزهر اجتهد وأضاف ركناً سادساً للإسلام هو 'توقير الصحابة' وهو نوع من تقديس التاريخ وتأليه البشر فكيف يمكن أن أوقر صحابياً قتل صحابياً آخر وأقول 'سيدنا معاوية' وهو قاتل؟!<
ونظرا لاهمية الموضوع ننشره كاملا على موقعنا

الكاتب والمفكر الإسلامي جمال البنا: (2-2)
الأحاديث الموضوعة والمكذوبة من أهم أسباب تأخر المسلمين

حاوره: خالد الكيلاني
منذ أن ظهر كتابه الأول 'ثلاث عقبات في الطريق إلي المجد، الفقر والجهل والمرض' عام 1945، وحتي الآن ورغم أنه صدر له 120 كتاباً تنوعت ما بين الفكر الديني والقضايا الاجتماعية والعمالية والبحوث السياسية، فإن ما لم ينشر قد يعدل ذلك، لأنه في الحقيقة لم يفعل شيئاً منذ عام 1945 حتي الآن إلا القراءة والكتابة باستثناء بعض الفترات القصيرة التي مارس فيها عملاً ميدانياً أو عاماً، والآن يكاد يكون متفرغاً لما يطلق عليه 'دعوة الإحياء الإسلامي'.
والحوار مع الكاتب والمفكر الإسلامي جمال البنا متعة في حد ذاته، ليس لأنه الشقيق الأصغر للإمام حسن البنا المرشد والمؤسس لجماعة الإخوان المسلمين،

وليس بسبب صراحته الشديدة، ولا بسبب آرائه الصادمة والمختلفة مع النسق العام أو ما قد نعتبره نحن كذلك بحكم التعود، ولكن بسبب ثراء أفكاره وتدفق تعبيراته واستشهاداته وكأنه يقرأ لك من كتاب مفتوح رغم أنه ولج إلي عامه الثامن والثمانين، وهذا هو الجزء الثاني من الحوار الذي جري معه:
العقيدة هي الثابتة
أما الشريعة فهي مسألة نسبية
> قلت إن الحجاب ليس فريضة إسلامية.. فما أدلتك علي ذلك؟
>> بحدة... 'يعني إيه فريضة!!' الحجاب كان موجوداً قبل الإسلام بآلاف السنين، وكل الأديان تدعو للحشمة وضد تبرج المرأة وضد الخلاعة وضد أن تضحي المرأة بصفتها الإنسانية علي مذبح الأنوثة، فالقيم هي التي تعد فريضة لا الأزياء أو الأشكال.
> من يقولون بذلك يحتجون بآية الحجاب في القرآن والتي وردت علي صيغة الأمر؟
>> كلمة الحجاب كما وردت في تلك الآية قصد به الستار لا الزي والأمر موجه لزوجات النبي (صلي الله عليه وسلم) الذين قال عنهم القرآن 'لستن كأحد من النساء'، وبالتالي فالحجاب ليس فريضة لا بنص القرآن أو السنة ولكن تغطية ما دون الوجه والكفين مسألة محمودة ولا بأس بها، وفيها نوع من الاحتشام وعدم التبرج الذي يدعو إليه الإسلام، فضلاً عن أنه زي عملي بالنسبة للمرأة ولا يطمس شخصيتها، وأنا رأيي أن الحجاب والنقاب مسألة شخصية وأنا مثلاً أنتقد النقاب ولكن لا أنتقد المنقبات، وهذه كلها من آثار الموجة السلفية أو ما يطلقون عليه ' الصحوة الإسلامية' التي ثبت إفلاسها، وهناك حديث في صحيح البخاري مفاده أن النساء في عصر الرسول كن يتوضأن مع الرجال في مكان واحد ووقت واحد، والراوي أضاف من عنده ' كان هذا قبل نزول آية الحجاب '.

الأحاديث الموضوعة
> لوحظ في الفترة الأخيرة إهمال الدعاة لآيات القرآن واعتمادهم علي السنة وحدها مع استخدام كثير من الأحاديث الموضوعة؟
>> لا أخفي عليكم أن معظم أسباب تأخر المسلمين جاءت نتيجة لبعض الأحاديث الموضوعة والمكذوبة، ومعظم الأحاديث التي يستند إليها دعاة العصر الحالي وضعها أعداء الإسلام للافتئات علي الإسلام، والأصل في السنة أنها تعالج التفاصيل والقرآن لا يتحدث عن التفاصيل لأن القرآن له صفة 'الديمومة' بينما التفاصيل ذات طابع مؤقت ومرتبطة بعصرها.
> هل هذا ينطبق علي كل الأحاديث؟
>> هذا الكلام ينطبق فقط علي الأحاديث التي تنظم الأحكام الدنيوية أما ما يتعلق بالعقيدة مثل تفصيل الصلاة أو الصوم أو الحج فلا خلاف عليها، ولكن النصوص التي تتعلق بالأحكام الدنيوية حتي التي وردت في القرآن فإنها يجب أن تخضع لظروف العصر، وعمر بن الخطاب خالف نص الآية التي تحدد مصارف الزكاة بالنسبة للمؤلفة قلوبهم عندما أصبح الإسلام قوياً، وقيد الطلاق بجعله مرة واحدة حتي لا يغالي الناس في استخدامه، وهذه كلها اجتهادات كانت مناسبة لعصره، والآيات المتعلقة بالرق أو ملك اليمين أو توزيع الغنائم كلها لا يمكن تطبيقها حالياً لاختلاف الزمان.
> إذاً هل يمكن إعادة النظر في تلك الأحكام الآن؟
>> نعم لأن الثابت هو العقيدة أما الشريعة فهي مسألة نسبية والأحكام الدنيوية وضعت لتحقيق العدل لأن العدل قيمة عظمي بالنسبة للإسلام، فإذا كانت تلك الأحكام تحقق العدل وقت نزولها، وجعلها تطور المجتمعات لا تحقق العدل حالياً فيجب إعادة النظر فيها، وكل ما جاء في الشريعة يخضع لإعادة النظر طبقاً للإجابة علي سؤال محدد هل الحكمة التي من أجلها أنزل النص مازالت قائمة أم أنها تغيرت.
> تقصد علة الحكم؟
>> الفقهاء يصفونها كذلك ولكني لا أحب هذا الوصف، لأن العلة منضبطة أما الحكمة فهي مرنة، وأنا أريد لها أن تكون مرنة.
> هل هناك مثال علي ذلك؟
>> مثل النصوص الخاصة بالغنائم في الحرب، كل الآيات التي تحدثت عن الغنائم وطريقة تقسيمها فقدت مبررها الآن لأن الجيوش أصبحت تأخذ مرتبات ولا تنتظر الغنائم، ومثل موضوع الجزية التي كانت موجودة في كل الأمم والمسيح مثلاً كان يدفعها للرومان ولا مبرر لها الآن، ومثل الرق وملك اليمين كل هذه الأوضاع انتهت حالياً وأستطيع أن أضيف لها من عندي مسألة التعدد في الزواج ومسألة الطلاق بالإرادة المنفردة للرجل، كل هذه أشياء يجب إعادة النظر فيها علي ضوء تطور المجتمعات ومصلحتها في الوقت الحالي.

مسألة نسبية
> ألا يعد هذا تغييراً للشريعة؟
>> كما قلت لك الشريعة مسألة نسبية والعقيدة هي الثابتة والقرآن قال 'لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً' لأن الشرائع لا تختلف فقط باختلاف الأديان ولكنها قد تختلف داخل الدين الواحد إذا اختلفت الظروف أو التطورات.
> وما الذي جعل قضية الشريعة لدي البعض تعلو علي قضية العقيدة؟
>> هذا خطأ واستسهال وعدم تعمق في فهم حكمة الدين لأن الدين أولاً وأخيراً هداية، ما لم يكن هناك هداية فلا قيمة للشريعة.
> هناك مسألة أخري محيرة في قضية الناسخ والمنسوخ، هل يمكن للسنة أن تتشدد في حد وارد في القرآن مثل حد الزني؟
>> أولاً لا يوجد شيء اسمه ' ناسخ ومنسوخ '، والرسول من سلطاته أن يخفف لأنه بعث رحمة للعالمين، ولكن ليس من سلطاته أن يزيد في العقوبات، وحد الزني في القرآن هو الجلد، أما القصة التي تروي عن قيام الرسول برجم الزانيين فهي إما أنها تمت قبل نزول الآية، أو لأن المطبق عليهما الحد كانا يهوديين، والرجم هو حد الزني في الشريعة اليهودية، فأراد الرسول (صلي الله عليه وسلم) أن يطبق عليهما شريعتهما.
> وما هو موقف الإسلام من الآخر؟
>> علي الخبير سقطت، فآخر كتاب أصدرته منذ أيام بعنوان ' نعم للولاء.. لا للبراء ' وهذا الكتاب يناقش قضية الآخر من خلال فتوي ابن تيمية التي قال فيها إن ' المسلم يوالي المسلم حتي وإن أساء إليه، ويتبرأ من الكافر حتي وإن أحسن إليه ' ومعني كلامه أنني أوالي المسلم الهندي أو الأفغاني حتي وإن أساء لي وأتبرأ من شخص يقطن في منزل مجاور لمنزلي إذا اختلف معي دينياً، وهذا الكلام هراء لأنه حتي وإن كان يصلح في أوقات ضعف المسلمين وحاجتهم للتعاضد والتآزر فإنه لا يصلح في العصر الحالي.

غلاة المتطرفين
> هذه الفتوي تحديداً يستند إليها بعض غلاة المتطرفين المسلمين في ارتكاب جرائم إرهابية ضد السياح وضد الأقباط في مصر؟
>> لقد جني ابن تيمية ومن بعده أبو الأعلي المودودي علي هؤلاء الشباب وأضلتهم كتاباتهم فترة كبيرة من الزمن، وابن تيمية في فتواه استند إلي آيات نزلت في قمة الصراع والحرب بين المسلمين والكفار، وفي هذا المناخ كان مطلوباَ من المسلمين أن يعتصم بعضهم ببعض وألا يهادنوا أو يضعفوا أو يتقربوا من أعدائهم لأنهم في معركة بقاء، وهذا حكم حالة الحرب، فإذا انتهت الحرب لا مجال لتطبيق تلك الآيات لأننا ندخل في حكم حالة السلم، تماماً كما كان محظوراً علي أي مصري أن يحادث إسرائيلي التقاه صدفة في أحد المطارات الأوروبية أثناء الحرب، أما الآن فلدينا خطوط طيران واتصال تليفوني وتجارة ومصالح اقتصادية معهم.
> إذاً أنت تري أنه يجب بحث أسباب نزول كل آية علي حدة حتي نستطيع أن نستخلص منها حكم القرآن فيما نزلت من أجله؟
>> نعم.. ولكن ليست أسباب النزول الواردة في التفاسير المعروفة، ولكن تلك التي يمليها المنطق والعقل والحكمة.
> ولكن البعض يختلف معكم ويري أن نصوص القرآن يجب أن تؤخذ كما هي وأن آياته صالحة لكل زمان ومكان؟
>> نصوص القرآن صالحة لكل زمان ومكان إذا كانت ظروف الزمان والمكان تحقق العدل والرحمة اللذين أنزل القرآن من أجلهما، والقرآن لم يضع تفاصيل حتي في طريقة الصلاة نفسها، ولكنه وضع المفاتيح الأساسية وأحال علي العقل والعلم والحكمة.

فتاوي مثيرة للجدل
> لديك عدة فتاوي مثيرة للجدل مثل اشتراط موافقة المرأة علي الطلاق، والتي يعتبرها الكثيرون مخالفة للدين؟
>> ربما تكون مخالفة لما فهموه هم من الدين، هذا من ناحية، ومن ناحية أخري فأنا لا أفتي وشديد العزوف عن هذه المسألة بل شديد الكره للمفتي والمستفتي معاَ لأنني أري في الفتوي نوعاً من الاستسهال من طرف المستفتي الذي كان من الممكن أن يبحث وأن يفكر أو حتي أن يستفتي قلبه ولو أفتوه، كما قال الرسول (صلي الله عليه وسلم) كما أن المفتي لا يمكن أن يعرف الحالة التي يفتي لها بدقة لأن هناك عوامل ذاتية خاصة لكل واحد لا يمكن إدراكها في السؤال، وما أقوله ليست فتاوي إنما هي آراء أبنيها علي سند من القرآن أو من حكمة التشريع ومقاصد الشريعة، وفي مسألة الطلاق أنا أرفض أن يفرض علي المرأة هدم بيتها بإرادة الرجل المنفردة دون أن يكون لها رأي في ذلك مع أنه ـ وطبقا للشريعة - لا يمكن أن يقام هذا البيت دون موافقتها ورضاها، فكيف أهدمه رغماً عنها ـ وهذا الاجتهاد ليس ملزماً إلا لمن يقتنع به، وإذا قلنا أن الفتوي ملزمة فقد جعلنا منها في هذه الحالة قرآناً ثانياً.
> لديك آراء تتصادم مع النسق العام السائد في المجتمعات العربية، ألم تتلق تهديدات من متطرفين؟
>> منذ حوالي عام نشروا قائمة علي شبكة 'الإنترنت' تضم حوالي ثلاثين شخصاً مطلوباً قتلهم وكان اسمي رقم ( 2 ) في تلك القائمة، ومع ذلك لم أغير أي شيء في طريقة حياتي لأنني وصلت إلي سن لم يعد يربطني فيها شيء بالحياة سوي ما أكتبه، وربما تكون الشهادة تكليلاً لجهودي ولما أسعي إليه، وسبباً في انتشار أفكاري، وسيد قطب مثلاً لم تكن كتاباته تستحق أي اهتمام إلا بعد إعدامه، وهذا ينطبق إلي حد ما علي حسن البنا الذي أدي استشهاده لأن تكون لأفكاره رونقاً خاصاً.
> ولكن من سيقتلونك لن يعتبرونك شهيداً؟
>> كل من يقول رأياً مجرداً ويقتل في سبيله فهو شهيد بدءاً من سقراط حتي فرج فودة، ولا يملك أحد أن يكفر أحداً أو يدعي أنه أكثر إسلاماً منه، أو أن إسلامه هو الصحيح.

جهل وتعصب
> وما رأيك في أن أتباع مذهب ديني يكفرون أتباع المذهب الآخر؟
>> هذا جهل وتعصب وكلنا أمة محمد، وكل هذا نتيجة الصراع علي السلطة وشهوة الحكم، فانقسام المسلمين إلي سنة وشيعة كان نتيجة للصراع بين أتباع علي بن أبي طالب و أتباع معاوية، والشيعة موجودون علي مدار التاريخ، وليست هناك خلافات فقهية كثيرة بينهم وبين السنة، وكل ما في الأمر أن الدولة الصفوية في إيران دخلت في صراع مع الدولة العثمانية ذات المذهب الحنفي، وحتي ترفع الروح المعنوية للإيرانيين ضخمت في مسألة تقديس الأئمة وجعلتهم في مصاف الأنبياء لأهداف سياسية.
> ومسألة ولاية الفقيه؟
>> هذا نوع من الكهنوت والبابوية لا يقبله الإسلام، وهو كما قلت نتيجة صراعات سياسية، والمفكر الإيراني الكبير علي شريعتي قال إن هناك ' تشيعاً علوياً وهو صحيح، وتشيع صفوي وهو خرافة '، والشيخ شلتوت (محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق) قال إن المذهب الشيعي الإثني عشري من المذاهب الإسلامية التي يجوز التعبد بها.
> ما هو سر اهتمامك وكتاباتك عن الحركة العمالية والنقابية؟
>> منذ فترة مبكرة من حياتي توقفت أمام قضيتي المرأة والعمال باعتبارهما الفئتين اللتين ظلمتا علي مدار التاريخ وأنا أعتقد أن الحركة النقابية سبقت كل من الفكر الاشتراكي والفكر الديمقراطي في استجلاء قيمتي الحرية والعدالة.

طاغية ومجرم وسفاح
> لماذا رفضت السفر للعراق عام 1979؟
>> كنت وقتها أعمل مستشاراً وخبيراً في منظمة العمل العربية التي كانت في القاهرة ونقلت إلي بغداد ضمن عدد من المنظمات العربية التي انتقلت من القاهرة عقب اتفاقية ' كامب ديفيد '، وطلب مني وقتها السفر لبغداد لمتابعة عملي في المنظمة فقلت لمن طلب مني ذلك ' لا يمكن أن أعيش مطلقاً في ظل طاغية ومجرم وسفاح مثل صدام حسين '.
> هذا عن صدام 1979، فماذا عن صدام 1990؟
>> تقصد غزو الكويت، هذا الأمر كان أكبر كارثة تعرضت لها الأمة العربية، ومكنت أمريكا من أن تحتل المنطقة وندفع نحن لها تكلفة الاحتلال، وصدام 1990 هو صدام ما قبلها وما بعدها، لقد خاض حرباً عبثية مع إيران لمدة 8 سنوات، وأنا أعتقد أن الإعدام كان أقل ما يستحقه، ولو أنه قطع إرباً إرباً لما كفر ذلك عن جرائمه.
> هناك سؤال أخير ومحرج في ذات الوقت، لماذا لم تحاول استكمال دراستك في الجامعة، رغم كل هذا العلم وهذا الإنتاج؟
>> أنا رأيي أن الجامعات تفسد الموهبة، وأري أن أساتذة الجامعات سلفيون مثل بعض الفقهاء الذين ينقلون عن غيرهم الأقدمين، وأساتذة الجامعة أيضاً لديهم سلفية علمية لأنهم ينقلون عن رواد في علومهم، ثم إن الدراسة الجامعية تلزمك بمنهج معين في كتابتك وأنا أحب أن أكتب دون قيود مذهبية أو منهجية <

جريدة البديل
عنوان الخبر -144
رابط الموقع -145
« حركة التحرير الوطني الفلسطيني - فتح - صوت فلسطين »


Post: #91
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 04-07-2008, 07:16 AM
Parent: #90

يعنى أية عالمانية ؟


مايكل نبيل سند
[email protected]
2008 / 4 / 5


مقدمة

من المواقف الطريفة اللى دايما بنحكيها فى أطار عملنا السياسى هى قصة أحمد لطفى السيد لما دخل الأنتخابات ... أحمد لطفى السيد للى مايعرفهوش ، هو أول رئيس لأول جامعة مصرية ، و مؤسس حزب مصر الأمة ( دة غير حزب مصر الأمة الموجود دلوقتى ) ، شغل منصب وزير التعليم فترة من الزمن ، و رشح لرئاسة الوزراء عدة مرات .... فى مرة رشح أحمد لطفى السيد نفسة فى أنتخابات البرلمان ، و بكل بساطة راح قال للناس فى الدايرة بتاعتة " أنا مرشح ديموقراطى " .... الناس سمعوا منة كدة و مشيوا و هما مش فاهمين يعنى أية ديموقراطى .... راحوا للمرشح المنافس ، راح قايلهم " تعرفوا يعنى أية ديموقراطى ؟ ... ديموقراطى يعنى عايز الست تتجوز 4 رجالة زى الراجل " .... و طبعا أحمد لطفى السيد خسر خسارة كبيرة جدا فى الأنتخابات دى علشان هو ديموقراطى
القصة دى و مثيلاتها بتبين أد أية فية كتير من المفاهيم متشوهة عندنا كمصريين ، و طبعا حجم التشوة بيزيد فى أوساط الأميين و الجهلاء و غير المثقفين .... يمكن المشكلة عندنا دلوقتى أن كل واحد فاكر نفسة مثقف و تيجى تتكلم معاة تسمع منة أغرب النكت .... يعنى لازال معظم المصريين لحد دلوقتى بيقولوا أن الشيوعية هى الإلحاد ، على الرغم أن الشيوعية نظرية أقتصادية مالهاش دعوة بالدين .... برضة كتير من المصريين بيقولوا أن دارون قال أن الأنسان أصلة قرد ، لكن لو أى حد قرا كتاب " أصل الأنواع " بتاع دارون هيتأكد أن دارون مقالش أن الأنسان أصلة قرد ولا حاجة .... مفاهيم كتير كتير متشوهة ، و أعتقد أن من الخطوات المهمة جدا فى حركة التنوير فى بلدنا أن الألفاظ تبقى واضحة و مفهومة و متفق على مدلولاتها عند عامة الشعب

يعنى أية عالمانى ؟
طيب يعنى أية عالمانى ؟ .... نرجع للتاريخ و نشوف الكلمة دى جات منين .... المصطلح دة نشأ فى أوربا فى عصر النهضة ... هناك كانوا بيقسموا الناس لفئتين : فئة بتشتغل فى الدين اللى هما الكهنة أو رجال الدين ، و الفئة التانية اللى هى باقى الناس اللى بتشتغل كل المهن اللى فى العالم .... رجال العالم بيشتغلوا فى المهن اللى تخص حياتنا فى العالم ، و رجال الدين بيشتغلوا فى الحاجة اللى برا العالم بتاعنا أو بعدة .... و من كدة أتقسم الناس لرجال دين و عالمانيين ( من كلمة عالم ، و دى غير علمانيين اللى جاية من علم - ملاحظين حرف الألف اللى نقص ؟ ) .... يعنى من الآخر العالمانى هو الراجل اللى بيشتغل أى حاجة ألا الدين ( على فكرة فية ناس بيقولوا أن كلمة عالمانية جاية من الكلمة السريانية عالمايا ، اللى معناها الشعب أو عامة الشعب ، و دة تمييز برضة عن رجال الدين )
لحد هنا كانت العالمانية مجرد توصيف لطبيعة حياة شخص و مالهاش أى مدلول سياسى .... اللى حصل بعد كدة ، أن البروتستانتية ظهرت فى أوربا و أبتدت تدخل فى صراع مع الكنيسة الكاثوليكية ، و كمان البروتستانت أختلفوا مع بعض و حصل ما بينهم صراعات .... لكن الصراعات دى أخدت بعد سياسى لسبب بسيط هو أن الناس كانوا متعودين أن الدولة يبقالها دين و مذهب معين ، و بالتالى كان الناس فى أوربا بيتخانقوا فى كل ولاية و كل مقاطعة و كل دولة على مذهب الولاية .... كل شوية تيجى طايفة دينية تكون جيش صغير و تستولى على الولاية و تخلى مذهبها هو مذهب الولاية الرسمى و تبتدى تضطهد المذاهب التانية .... الموضوع دة فتح فى أوربا بحور دم مالهاش آخر ... المهم ان الناس هناك بعد ما تعبت من الحروب و من تدبيح بعض بأسم الدين حبوا يحطوا نهاية لحمامات الدم المفتوحة فى بلادهم ، فوصلوا لحل و هو أن الدولة مايكونش ليها دين معين ، أمال أية اللى يحصل ؟ .... قالوا أن الدولة دى بتاعة كل المواطنين مهما كان دينهم أو مذهبهم ، كل المواطنين متساويين فى الحقوق و الواجبات ، و الدولة دى مؤسسة وظيفتها توفير حياة كريمة للمواطنين على الأرض مش فى الحياة الأخرى ، يعنى الدولة وظيفتها أنها توفرلنا الظروف الأمنية و الأقتصادية و السياسية المناسبة و مش وظيفتها أنها تدخلنا الجنة .... و من هنا نشأت فكرة العالمانية كأسلوب لأدارة الدولة

تعريف العالمانية
طبعا مع الزمن طلعت تعريفات كتيرة للعالمانية ، كل تعريف بيحاول يعبر عنها بطريقتة .... أبسط تعريف ممكن تلاقية للعالمانية هو أنها " فصل الدين عن السياسة " .... يعنى بكل بساطة الدين و السياسة مالهمش دعوة ببعض ، لا الدولة تدخل الدين فى سياستها و تبتدى تميز بين المواطنين ، ولا رجال الدين يتدخلوا فى سياسة الدولة و يحاولوا يفرضوا مذهبهم الدينى على الدولة .... و أعتقد أن نسبة كبيرة من الباحثين فى كل الأديان بقيوا متفقين أن أختلاط الدين بالسياسة بيفسد الأتنين ، و الوضع الحالى فى مصر أبسط مثل على كدة .... بقى رجل الدين شغال عند الدولة بيحلل و يحرم فى الدين على حسب مزاج الحاكم ، و بالتالى خرب الدين ، و فى نفس الوقت السياسة خربت لأن الظلم بقى لية مبررات دينية بتغطية و بتخلى الناس مش قادرة تتحدى الحاكم
برضة من الحاجات المهمة اللى بتتميز بيها العالمانية عن باقى المذاهب السياسية أنها عرفت تفهم الدولة صح .... يعنى أحنا لو فكرنا ببساطة : مش هى الدولة مجموعة مؤسسات ؟ هى المؤسسة ليها الدين ؟ أبدا ، عمر ما كانت العمارات بتصلى ولا الكبارى بتصوم ولا المكاتب بتحج ولا عواميد النور بتعبد حد .... الدولة كيان محايد ، لكن الدين دة حاجة تخص الفرد ، يعنى الفرد هو اللى عندة دين ، لكن المؤسسة مالهاش دين .... المؤسسة ممكن تقول دين أغلبية العاملين فيها كذا ، لكن لو قلت دينها كذا يبقى أنت كدة عندك قصور فى فهم يعنى أية مؤسسة
كمان العالمانية فيها ميزة حلوة جدا ، أنها بتحل مشاكل كتير فى المجتمعات المتعددة الأديان أو المذاهب .... يعنى بلد زى مصر ، بدل ما ييجى واحد يطالب أن مصر تكون أسلامية ، و واحد عايزها مسيحية ، و واحد عايزها سنية ، و واحد عايزها شيعية ، و مين يعرف يمكن بكرة يطلعلنا دين تانى يطالب أن الدولة تبقى على دينة .... طيب لية المشاكل دى كلها ، ما تبقى مصر مصرية ، و مصر للمصريين كلهم بغض النظر عن أى أعتبارات دينية أو مذهبية
ميزة تانية فى العالمانية هى أنها بتحترم التخصص ... يعنى أنت لما بتعيى بتروح لدكتور ولا بتروح لمحامى ؟ أكيد بتروح لدكتور ... لما بتحب تعرف حاجة فى الدين بتروح لرجل الدين ولا بتروح لمهندس ؟ أكيد بتروح لرجل الدين .... يعنى أنت لما بتعوز حاجة بتروح تاخدها من المتخصص فيها مش من أى حد و خلاص ، و حتى المثل بتاعنا بيقول " أدى العيش لخبازة حتى لو ياكل نصة " .... هو دة اللى بتقولة العالمانية ، أن الدولة لما تحتاج رأى فى الأقتصاد تروح لبتوعوت الأقتصاد ، و لما أنت تعوز حاجة فى السياسة تروح لبتوعوت السياسة مش لأى حد تانى
و يمكن لو لاحظتم هتلاقوا أن كل تراث الحركة الوطنية فى مصر من ثورة 1919 لحد أنقلاب العسكر كان كلة تراث عالمانى .... يعنى شعارات حزب الوفد كلها اللى زى " مصر للمصريين " ، " الدين لله و الوطن للجميع " دى كلها شعارات عالمانية .... حتى مصطفى النحاس باشا لما كان بيحضر لحفل تجليس الملك فاروق حاول يتدخل شيخ الأزهر و يبقى هو اللى يجلس الملك على عرشة زى ما كانوا باباوات أوربا بيعملوا فى العصور الوسطى ، لكن النحاس باشا وقف ضدة و قاللة " مصر دولة عالمانية " ، و اللى مشى فى الآخر كلام النحاس باشا علشان الشعب كلة كان بيحبة و بيؤيدة .... و على فكرة ، جملة " الدين لله و الوطن للجميع " يمكن فيها العالمانية كلها ، لأن الجملة دى بكل بساطة بتقول أن الدين دة حاجة بينك و بين ربنا و أنت مش منتظر أجر أو مكافأة من الناس عليها ، لكن الوطن دة بتاع الكل بغض النظر عن معتقداتهم الدينية

أسئلة عن العالمانية
هل العالمانية هى الإلحاد ؟
السؤال دة ناس كتيرة بتسألة ، و حتى لو كنا شرحنالهم قبلها معنى العالمانية بيحبوا برضوا يسألوا السؤال دة علشان يتطمنوا .... زى ما قلنا ، العالمانية نظام سياسى و بالتالى مفيش أى تعارض بينها و بين الدين .... يعنى ممكن تبقى مسلم عالمانى ، أو مسيحى عالمانى ، أو يهودى عالمانى .... بتصلى و تصوم و تعمل كل اللى أنت عايزة فى حياتك الشخصية ، لكن فى السياسة و نظام الحكم مش بتدخل الدين فى الموضوع .... يعنى الدين فى البيت و الكنيسة و الجامع و المعبد ، لكن الدولة و السياسة مافيهمش دين ، زى ما قال السادات " لا دين فى السياسة ، و لا سياسة فى الدين "

سؤال تانى كان زميل حطة كتعليق على تدوينة قديمة ليا : هل قبل العلمانية كان الفكر البشرى يفتقد الى الاسلوب الصحيح فى التفكير والاستنتاج برغم العلوم اللى اخترعت وتطورت قبل العلمانية وكتير منها ساهم فيها مسلمين ومسيحيين ويهود كمان؟
أولا أنت لو دورت على الأنظمة العالمانية هاتلاقيلها جزور فى الدولة المصرية القديمة من أكتر من 6 آلاف سنة و فى كتير من أنظمة الحضارات القديمة ، يعنى العالمانية مش جديدة ولا حاجة .... لكن عموما هى البشرية كل يوم بتطور من نفسها ، و كل يوم بتكتشف حاجات جديدة .... لا يعيب الشئ كونة جديد .... كل شئ أحنا بنحترمة يوم ما أتعمل كان جديد ، و مع الزمن الناس جربتة و عرفت فايدتة و أتمسكت بية .... كمان مش معنى أنة كان فية أختراعات قبل العالمانية يبقى العالمانية مالهاش لزمة ، لأنة مش منطقى أنك تقول طالما كان فية أختراعات قبل أختراع الطيران يبقى الطيران مالهوش لزمة .... أى شئ جديد بيجيلك المفروض تدرسة و تشوف أذا كان هاينفعك ولا لأ ، و على حسب منفعتة تحدد أذا كنت هاتستخدمة ولا لأ .... فوق كل دة أحب أقولك كمان أحنا مش بنقول العالمانية هى نهاية المطاف أو نهاية التاريخ ، العالمانية هى أحسن حاجة وصلنالها لحد دلوقتى ، يمكن البشرية بكرة و بعدة تكتشف حاجة أحسن ، لكن حاليا أحنا مش شايفين أحسن منها

سؤال ثالث : هل ممكن العالمانية تنجح فى الدول اللى أغلبية مواطنيها مسلمين ؟
أنا أعتقد أن العالمانية ممكن تنجح فى الدول اللى أغلبية سكانها مسلمين أكتر من أى دول تانية .... و السبب فى كدة أن الناس أحنا قسمناهم لرجال دين و عالمانيين ، و الأسلام مافيهوش طبقة رجال الدين الكهنوتية ، و بالتالى ممكن تعتبر المسلمين كلهم عالمانيين .... هو طبعا للأسف المفهوم حاليا مشوة ، لكن لو الناس فهمت المضمون أعتقد أن الوضع هايختلف مع الوقت

أستخدامات مختلفة للكلمة
- فية بعض الناس بتستخدم تعبير " عالمانى " علشان يوصف الشخص اللى كل حياتة فى العالم و معندهوش دين .... طبعا هنا أستخدام الكلمة فى غير محلة ، لأن الكلمة ليها مفهوم سياسى أحنا لسة شارحينة و فاهمين أن العالمانية مجرد آلية حكم مالهاش علاقة بالدين .... بس عموما علشان مايحصلش لبس بين الأتنين فية ناس بتقول " العالمانية السياسية " لما تكون تقصد المفهوم السياسى اللى أنا شرحتة ، و فى نفس الوقت تبقى بتنفى المعنى المغلوط اللى الناس بتفهمة .... طبعا هو فى الواقع مفيش عالمانية غير سياسية ، لأن العالمانية طول عمرها نظام سياسى ، بس التعبير دة بيريح ناس كتير ، خصوصا اللى بيكون اللفظ أرتبط عندهم باللادين
- بعض المثقفين جوا الكنيسة المصرية حاليا ليهم أتجاة أصلاحى معين جوا الكنيسة ( أصلاح دينى و ليس سياسى ) و بيسموا نفسهم " العالمانيين " .... طبعا هنا عالمانيين مش مقصود بيها النظام السياسى ، و لكن مقصود بيها أنهم كلهم من طبقة عامة الشعب و مافيهمش حد من طبقة رجال الدين ( زى ما قلنا الناس بينقسموا لرجال دين و عالمانيين )

Post: #92
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 04-07-2008, 08:12 AM
Parent: #91




ألعلمانية.. وأين مجتمعنا منها ...؟


مصطفى حقي
[email protected]
2006 / 7 / 25


وبعد صراع إنساني طويل وعبر قرون وثورات وحربين كونيتين توصل الإنسان إلى العدالة الإنسانية المرجوة بتطبيقه للعلمانية ، ليتسنى له أن يعيش حياة جماعية بدون أن يكون فيها بصفته ظالماً أو مظلوماً . منفرد بشخصية خاصة به من حيث التفكير وحرية المعتقد وإبداء الرأي مع احترامه لأفكار وعقائد وآراء الآخرين في ظل نظام اجتماعي ( الدولة ) بحيث تضمن له الحرية في حدود احترام حرية الآخرين وتوزيع الثروة القومية بعدالة ومنع استغلال الأفراد والدولة للمواطن مادياً كان أو معنوياً وبحماية سيادة القانون وديمقراطية الدولة ومؤسساتها ، وانفصال الدين عن السياسة وعلى مبدأ الدين لله والوطن للجميع مع حق المواطن في ممارسة طقوسه الدينية وبالتعبير عن معتقداته بالشكل الذي يريده
هذه هي خلاصة العلمانية الحضارية تحترم الإنسان كإنسان دون الالتفات إلى دينه وقوميته.. وجنسه إن كان ذكرا أو أنثى ، ولونه ومكانته الاجتماعية من غنى وفقر وانتماء قبلي أو عشائري أو أسري فالمواطنة هي الأساس دون الانتماءات الأخرى
والسؤال الآن .. هل تتقبل مجتمعاتنا هذه العلمانية النيرّة .. هل يمكنها أن تتخلى عن إرث متغلغل في الروح ومترجم لعادات وتقاليد وليدة ذلك الإرث عبر قرون مأزومة بأحداث جسام وظلم فاحش ومسلسل دم مباح حتى اليوم ، (العراق مثلاً).... والرجل سيد والمرأة أمة ٌ ، والحكام اسياد والرعية عبيد؟ هل يمكنه أن يتخلى عن مفاهيم مرسّخة في الوجدان والضمير ، وقد وصل به الأمر خشيته أن يحاكم نفسه منفرداً وأن يكون حراً في سجنه وأن يسأل أي سؤال معتقدي .. من هو الله ، وماهو العدم واللاشيء ومابعد وما قبل الكون ..!؟ّ!؟ سيستغفر ربّه فوراً ويسجد خانعاً صالباً تفكيره بقيود ذاتية ، وقد يوجد من يجرؤ ويسأل شيخه السؤال أو الأسئلة آنفة الذكر .. سيتهمه ذلك الشيخ من أن الشيطان قد ركبه وهذه أسئلة شيطانية ، وعليه أن يستعيذ بالله ثلاثاً ويلزم بكفارة شاة ينحرها ويطبخها ويكون شيخه من المدعوين ...
كيف سيتخلص هذا المجتمع من مسلسلة عبودية زرعت حتى في أصغر خلية من خلايا جسده وحتى في إسمه ، قبل الإسلام سُمي بعبد اللات وعبد الشمس وعبد الدار وفي الإسلام رُقيَ إلى عبد الله وعبد الرسول وعبد الملك وعبد الأمير وعبد بن عبد وجاء الثالث ليكون اسمه الثلاثي عبد بن عبد العبد ...
عشق للعبودية لايوصف ولم يسمى أي عربي أو مسلم بالحر والابنة بالحرية ، انها كلمة محرّمة إبليسية من ينطقها فهو خارج مجمع العبودية ( وأطيعو ...وأولي الأمر منكم حتى لو كان ديكتاتوراً ) والعبودية قد استفحلت حتي في أرواحهم وصاروا يستعذبون السادية ، بل يعشقونها ويهوون أغاني النواح والبكاء ويلتفون حول المعتـّب ( الذي يغني العتابا) حتى يتوصل الجميع إلى درجة النحيب وحتى العويل ، ثم يهدؤون وقد شعروا براحة نفسية لامثيل لها .. وأفراحهم قليلة ، وإذا فرحوا يخشون فرحتهم ويرددون ( ليسترنا الله من شر هذه الضحكة أو البهجة ) أو ( اللهم اجعله خيراً ) هذه شعوب أسيرة أوامر السلطان القاهر وعبيده وأسير شيوخ الدين وفتاويهم الخادمة للسلطان الجائر

Post: #93
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 04-10-2008, 10:28 AM
Parent: #92

أيهما أخطراللغم الإسلامي المتحرك أم ألغام العالم الثابتة …؟


مصطفى حقي
[email protected]
2008 / 4 / 8


الألغام التقليدية تزرع في حقول أو طرقات يحتمل أن يمر منها العدو بآلياته وجنوده وهي من الخطط الحربية المشروعة بين المتحاربين ، وفي أثناء الحرب ، ولا تزرع تلك الألغام أيام السلم إلا في حيز من الحدود الدولية لمنع تسرب المتسللين والمهربين . وعند انتهاء الحرب بين الفرقاء تسلم الدولة الزارعة للألغام خريطة عنها إلى الدولة الخصم لتساعدها في الحذر منها والعمل على إزالتها .. فعملية بث الألغام في الحروب لم تدخل في خانة الإرهاب مطلقاً ولكن بأية صورة يمكن للإسلام والمسلمين أن يتبرأوا من صفة الإرهاب التي اُلصِقَت بهم منذ الربع الأخير من القرن الفائت وتكاد تكون مرادفة لاسم مسلم ... لقد سبق لليابانيين تفجير أنفسهم بطائراتهم في سفن العدو وبوارجه بدافع وطني ولم يفجر أي ياباني نفسه في بني جلدته ولا أي إنسان في العالم رضي أو آمن أن يفجر نفسه بين أبناء بلده وأشقائه .. أي مذهب هذا الذي يسمح لتابعيه أن ينفذوا عملية انتحارية بين أبناء المذهب والدين ذاته إلا إذا كان المنتحر فاقد العقل ومجنوناً . ان الانتحار في الإسلام محرّم والحرب على قول الرسول خدعة وليس انتحاراً بل انها عملية جبانة ويطلبون النزال وجها لوجه ، وكثير من أبطال العرب كانوا يأنفون متابعة الخصم الهارب ويكتفون بوصفه بالجبان والمهزوم ، لم يرو التاريخ الإسلامي عن مسلم فجّر نفسه في عرس مسلم أو في جنازته أو في دار عزاء أو بين مسافرين في (باص) أو قطار أو على متن طائرة تنقل نساءً وأطفالاً أو في مسجدٍ..لم يورد السلف عن انتحاري فجّر نفسه في سوق يؤمه المسلمون الأبرياء أو إستغلال نساء مريضات نفسياً ولفهن بأحزمة ناسفة وتفجيرهن عن بعد وسط الأسواق التي تعج بالنساء والأطفال وكبار السن أيضاً .. ولم يرد في التاريخ الإسلامي إقدام شيوخ الإسلام وعلمائه على مباركة مثل هذه العمليات كما يفعل شيوخ الإرهاب في هذه الأيام حيث يشجعون ويدفعون بالشباب اليافع تحت تأثير فتاواهم الأفيونية يخدرون بها عقول ناشئة ويوعدونهم بلقاء العشرات من الحور البتول أبداً ولكن دون أبنائهم الذين يدرسونهم في جامعات الغرب الكافر ولم يدفع أي منهم ولده إلى جنان الحور ويفجره في عملية يفبركها بالاستشهادية …! مما جعل المسلم في عيون الآخرين لغم متحرك ينذر بالموت والفناء ويسدل ستاراً من الوحشية والتخلف على رسالة الإسلام السمحة التي توصي حتى بالحفاظ على الأعداء وممتلكاتهم ومنها وصية الصديق لـ يزيد بن أبي سفيان هذه الكلمات: "وإني موصيكم بعشر كلمات فاحفظوهن: لا تقتلوا شيخًا فانيًا ولا صبيًا صغيرًا ولا امرأة، ولا تهدموا بيتًا ولا بيعة، ولا تقطعوا شجرًا مثمرًا، ولا تعقروا بهيمة إلا لأكل، ولا تحرقوا نخلاً ولا تُغرقوه، ولا تعص، ولا تجبن…"
وهذه صورة واقعية لتبرير الإرهاب الإسلامي بواسطة اللغم الإسلامي المتحرك ..لنقرأ .. حملت منظمة المؤتمر الإسلامي قضيتي الرسوم الكاريكاتيرية التي نشرتها صحف دنماركية وفيلم "الفتنة" للبرلماني الهولندي خيرت فيلدزر إلى مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان. ونجحت الدول الإسلامية الأعضاء بالمجلس في تمرير قرار أعرب فيه المجلس عن بالغ قلقه إزاء ما اسماه بـ "النظرة النمطية السلبية إلى الأديان" وإزاء مظاهر" التعصب والتمييز في مسائل الدين أو المعتقد." وعبر القرار عن عميق قلق المجلس إزاء محاولات" ربط الإسلام بالإرهاب والعنف وانتهاكات حقوق الإنسان،
وتصور يا رعاك الله يقيسون صوراً كاريكاتيرية وفيلماً سخيفاً ويجعلون منها قضية العالم ويسكتون ويغمضون أعينهم عن جرائم سُميت بالاستشهادية بين المسلمين أنفسهم بينما الألغام الإسلامية المتحركة تصول وتجول موزعة الموت والإرهاب ليس على المعتدين الأجانب فقط بل على الإسلام والمسلمين وفي دارهم ومايزيد الطين بلّة أنهم يصرخون ألله أكبر قبل وبعد كل عملية من التي يسمونها استشهادية ولا أعتقد ان الخالق العظيم يرضى أن يقترن اسمه بجرائم ضد الإنسان والإنسانية أو عندما يذبح المسلمون إنساناً وعبر الفضائيات وعلى مرأى من العالم وهم يهللون ويكبرون باسم الإله .. ويبقى السؤال .. أيهما الأخطر ...!؟

Post: #94
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 04-10-2008, 10:31 AM
Parent: #93

الخوف على الإسلام


نضال نعيسة
[email protected]
2008 / 4 / 7


أعتقد أن هناك رعباً وخوفاَ على الإسلام من المسلمين أنفسهم، وليس منه، أو من غيرهم. خوف من نزع الحجاب، وخوف من تنصير مسلم، وخوف ترك الصلاة، ومن شرب الخمر، ومن الاختلاط، وخوف من حرية الفكر والاعتقاد ومن الآخر المختلف، خوف عام ومؤرق على الإسلام. إذ ليس هناك ثمة إسلاموفوبيا كما يردد الخطاب الرسمي العربي، ودعاته المشعوذون، الخائفون أن يفقدوا أعمالهم، ومصدر رزقهم وتكسبهم، فيما لو توقف هذا السعار الديني المرعب. والإسلاموفوبيا تعريفاً، وفي قاموس المتأسلمين، هو خوف غير المسلمين من انتشار الإسلام ومظاهره وانبعاثه وسيطرته على العالم. وإذا سلمنا بوجود إسلاموفوبيا أو خوف من الإسلام، ألا يجدر بالمسلمين أن يسألوا أنفسهم لماذا هذا الخوف من الإسلام وليس من المسيحية واليهودية أو البوذية وغيرها مثلاً؟

العصاب الديني المستفحل يظهر بأشكال متعددة في مجتمعاتنا، ويتم التأكيد عليه بمناسبة وغير مناسبة. فشعوب الغرب عامة، أظهرت وفي أكثر من مرة، قدراً كبيراً من التسامح الديني والتعايش مع كل الأفكار والمعتقدات ومهما بدت غريبة وشاذة عن المألوف والمتعارف عليه أو الـ Common Sense. ودساتيرهم العلمانية، التي دفعوا من أجلها مقاصلاً ودماً، تكفل حرية العبادة والاعتقاد وتتكيف مع التطور الإنساني العام، على عكس الدساتير الجامدة التي لا تتزحزح ولا تتبدل في البلدان الإسلامية، التي تؤكد على أن القوانين كلها مستمدة وتعمل وفق الشريعة الإسلامية وتشير إلى دين الدولة الرسمي ولا تقبل سواه ديناً لرعاياها المؤمنين وتحارب بالسيف وحد الردة كل من يقول عكس ذلك. وما ينعم به المسلم في الغرب من رفاه وغنج ودلال لا ينعم به في أشد المجتمعات الإسلامية تشدداً وتزمتاً ولا ينبئ بوجود إسلاموفوبيا لدى الغربيين. وأن خرافة الإسلاموفوبيا هو فقط مجرد خزعبلة أخرى، وتهويمة من تلك الكثيرة التي تدور في أذهان بعض الغلاة والمتشددين. وإذا كان هناك ثمة خوف مجهول وفوبيا حقيقية ما، فهي موجودة على الإسلام، وعند المسلمين أنفسهم، وليس من غيرهم على الإطلاق. وإلا لماذا كل ذاك الضخ العقائدي المحموم، وهذه الميزانيات الخرافية، والفضائيات اليناصورية، والتحذيرات التكفيرية لجعل الناس يتمسكون بدينهم والخوف عليهم من الردة، ولماذا يطبقون حديث " من بدل دينه فاقتلوه"، إذا كان لا خوف عليهم ولا يحزنون؟ ولماذا قابلوا مثلاً عملية تنصير مجدي علام، نائب رئيس تحرير صحيفة كورييرا دي لا سييرا الإيطالية الأشهر ، بذاك الكم من الاستهجان والاستنكار وكأن الإسلام قد تعرض لنكسة وهزيمة كبرى، وأستغفر الله الواحد الأحد على كل حال؟ أليس هذا نوع من الفوبيا لدى المسلمين، وليس أي شكل من أشكال الإسلاموفوبيا؟

وإذا كانت هناك رغبة كامنة وقوية، للتبشير بالدعوة خارج نطاق المجتمعات الإسلامية، فإنه لمن المثير للعجب ملاحظة تلك المساعي والجهود الحثيثة للجهاد لنشر الدعوة الإسلامية في بلدان دانت ورضخت للإسلام منذ ألف وأربعمائة عام بكل طواعية ورغبة وهداية ربانية يحسدون عليها، كما يرطن الفقهاء. وإذا كان هناك من حاجة لرصد الأموال والدولارات الأمريكية والجنيهات الإسترلينية للتبشير بالدعوة الإسلامية في بلاد الكفار، والعياذ بالله، فإنه لا حاجة بها في مجتمعات تدين وتتمسك بالإسلام، وإنه لمن الأولى أن تخصص تلك الأموال للتعليم والتنمية والصحة ومكافحة الجوع وثورات الرغيف التي بدأت تجتاح العالم الإسلامي بطوله وعرضه، ولا حاجة للأسلمة على افتراض أن الشعوب في هذه الدول "الإسلامية" مفطورة على الإسلام ومؤمنة بالله وكتبه ورسله وملائكته، وليس ثمة من داع لبذل جهود مضنية لزعزعتها، وأن في ذلك نوعاً من الإساءة لتاريخها الإيماني بدين الله ودينه القويم والتشكيك، وعدم الوثوق فيه. وأن الطفلة ابنة الست سنوات يتم تحجيبها، ويضرب الصغار للصلاة، كما في الحديث، ويجبر الناس للدخول إلى المساجد بالهراوات، ويمنع الاختلاط ...إلخ، ودروس التربية الدينية في المدارس، وإرشاد وزارات الأوقاف، وبرامج التلفزيون الرسمي، تتكفل بأن تخرج الأطفال مسلمين خالصين، وتحشو أدمغتهم بالتعاليم الإسلامية منذ نعومة أظفارهم. وإذا كان كل هذا التشدد في تطبيق حدود الردة وإلزام الناس بإتباع السلوك الإسلامي الصارم لم ينفع خلال أربعة عشر قرناً، وفي الدول الإسلامية ذاتها، فكيف سيستطيعون ضبط سلوك جميع المسلمين الآخرين ومنعهم من الردة، وفي جميع دول العالم بعد أن يفتحوا روما ويدخل ناسها في الدين الحنيف حسب نبوءات وأحلام رجال الدين؟

ويبدو الأمر مقلقاً أكثر حين نرى جيوش الدعاة وهم ينكدون على البسطاء أمسياتهم الهادئة وهم يرغون ويزبدون بمعضلات دينية أكل الدهر عليها وشرب، وصارت معروفة محفوظة وممجوجة وفاقدة لأي اهتمام من قبل الجمهور الغيور على دينه. وكأن هذه المسائل الفقهية عصية على الفهم، أو أن هذه الشعوب لم تستطع أن تتفهم شريعتها رغم مضي ألف وأربعمائة عام عليها. ألم نفهم بعد تلك العادات السلوكية الإسلامية البسيطة ونقدر على إتقانها خلال ألف وأربعمائة عام من جهد وعمل الدعاة؟ ألا يضع هذا وظيفة ومسؤولية ووجود هؤلاء الدعاة برمته ونجاحهم في عملهم موضع شك ومساءلة ومراجعة؟ هل هناك خلل ما وفي مفصل ما؟ ألا يعرف المثل والبوذي والهندوسي والزرداشتي وعبدة القرود والشياطين والنار وحتى البهائم والحيوانات على السواء، مثلاً، بأن الجماع في العادة الشهرية والحيض والنفاس أمر غير مقبول ومثير للاشمئزاز؟ ولماذا لا يستطيع هذا الإنسان، بالذات، التحكم بغرائزه التي تبدو متوحشة إلى درجة حيوانية منفلتة من عقالها؟ وأن الاستنجاء بالحجر أو بغيره والطهارة والنظافة العامة قبل الطعام والعبادات وبدونها، وحلق الشعر الزائد في جسم الإنسان، هو من البديهيات التي لا تحتاج لكل هذا العناء ويتفق عليها حتى سكان الأدغال الذين لم يصلهم أي دين من الأديان؟

لماذا إذن هذا الخوف العصابي على الدين، من المسلمين أنفسهم، إذا كان هو الدين عند الله؟ ولماذا تقريع الناس به صباح مساء، بمناسبة وبدون مناسبة، إذا كنا جميعاً مسلمين ونشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسوله وعبده، ونحفظ من آيات وسور القرآن أكثر مما نحفظ من القوانين العلمية الفيزيائية والإرشادات الطبية الحديثة، ونعرف من أحاديث البخاري وفتاوي ابن تيمية وابن قيم الجوزية أكثر مما نعرف عن قوانين المرور ومواثيق حقوق الإنسان ونواميس الطبيعة والحياة؟ ألا ينبغي هنا على الدعاة أن يضعوا أيديهم وأرجلهم بماء باردة، كما يقول المثل العامي، ويرتاحوا ويريحوا، ويركنوا إلى الهدوء والسكينة والطمأنينة لأن الله سبحانه وتعالى قد بشرهم وقال لهم إن الدين عند الله الإسلام، ولن يقبل غيره، وذكر لهم في محكم كتابه الصريح، ومن ألف وأربعمائة عام، وقبل الطفرة البترولية، إياها، بأن الدين قد تم واكتمل وأن الله قد رضاه لجميع عباده من المسلمين، ولم يعد من ثمة حاجة لابن لادن ولا للظواهري والملا عمر أو الإخوان ولا الطالبان وكتائب النفير والجهاد منظمة المؤتمر الإسلامي بعد ذاك اليوم. فهو العلي العظيم الخالق لكل شيء سبحانه وتعالي وهو الحافظ الوحيد للذكر، ولتصبح عندها كل تلك مؤسسات الإسلامية أمراً فائضاً عن الحاجة ولا لزوم لها. الله وحده، وحسب كتابه العزيز هو الذي سيحفظ كتابه وليس القرضاوي أو الفيشاوي، ولا حتى أي من شيوخ الأزهر الذين صارت مهمتهم نبش ما في التراث من فكاهات وقفشات كإرضاع الكبير، وتقديمها للمؤمنين على أنها تراث إسلامي أو أي من دعاة البزنس من لوردات المال البترولي والجعير الفضائي، والذين صارت أسماؤهم تتصدر مجلات الأغنياء والمشاهير الـ Celebrities جنباً إلى جنب مع صور النصارى واليهود والعياذ بالله.

فمن يخاف ممن؟

Post: #95
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 04-15-2008, 08:10 AM
Parent: #94

الاعتراف المتاخر
يا حبذا القول لولا سواة العمل
د. عمر القراى


في مناسبة انعقاد المؤتمر العام للمؤتمر الوطني بمدينة القضارف، ألقى السيد علي عثمان محمد طه، نائب رئيس الجمهورية، خطاباً ضافياً، انتقد فيه الحركة الشعبية، واتهمها بالتغوّل على حقوق المسلمين الشماليين والجنوبيين في الجنوب، واعتبر ذلك خرقاً للدستور ومفارقة لنصوص الاتفاقية.. وهذا حديث مكرور، لا جديد فيه، وهو إنما يجئ في إطار التنافس بين الشريكين، ومحاولة الحزب الوطني تشويه أداء الحركة الشعبية، بغرض الكسب السياسي، مع ازدياد حمى الصراع، كلما دنا وقت الانتخابات.. ولقد سبقت قيادات أخرى، من المؤتمر الوطني، تشغل مناصب عليا في الحكومة، السيد نائب رئيس الجمهورية في هذا المنحى، في محاولة لمعادلة الهجوم الدائم من الحركة الشعبية على المؤتمر الوطني، واتهامه بتسليح القبائل العربية، وتصعيد النزاع المسلح في منطقة أبيي، ومحاولته شق صف الحركة الشعبية بالترغيب والترهيب، وتأخّره المتعمّد، في تنفيذ بنود الاتفاقية، وإبقائه على القوانين المقيّدة للحريات، مما يعد نقضاً ظاهراً لعهد الاتفاقية، وعدم اعتبار صارخ للدستور.. إن الجديد في خطاب السيد نائب رئيس الجمهورية، هو نقده للمؤتمر الوطني، وهو من أبرز أعضائه.. فقد أوضح أن أمام حزبه تحديات، لا بد أن يتصدي لها، حتى ينهض بمسؤوليته. ومن أبرز هذه التحديات -حسب رأي الأستاذ علي عثمان- محاباة المؤتمر الوطني لأعضائه على حساب الشعب!! يقول السيد نائب رئيس الجمهورية «لا أزعم عصمة للمؤتمر الوطني في أي قرار اتخذه في الشأن الوطني لأننا بشر لنا اخطاؤنا»، وأضاف «أن الإنقاذ كانت توظّف الناس في الخدمة العامة على أساس الولاء لتثبيت أركان نظام الحكم»!! واعتبر ذلك مرحلة التمكين، وذكر أنها استثنائية، مؤكداً أنه في ظل الدستور، سيكون التوظيف على أساس المؤهلات والكفاءة، وليس الانتماء السياسي. ودعا السيد علي عثمان لاتقاء «فتنة القبلية والجهوية التي بدأت تطل على المؤتمر الوطني»، وزاد على ذلك بقوله «انقلوا عني إذا شئتم لا عصمة لقريب رئيس أو والٍ»!! (الصحافة 6/4/2008م). ونحن هنا نريد أن نقف عند القيمة الدينية، التي رفعتها الإنقاذ كشعار، لنرى علاقتها بما ذكر السيد نائب رئيس الجمهورية.. فهل من الدين في شيء أن تحتكر المناصب للموالين لك، وتحرم منها الأكفاء من أبناء الشعب؟! ألم يقل النبي (صلى الله عليه وسلم) عن الإمارة «إننا لا نعطي هذا الأمر من يطلبه»؟! ثم من المسؤول عن الخراب الذي حاق بالبلاد والعباد، من جراء اسناد الأمور إلى غير أهلها؟! ولعل الذين حضروا خطاب السيد نائب رئيس الجمهورية، قدروا قوله بعدم عصمة المؤتمر الوطني، واعترافه بأنهم بشر، ولذلك ارتكبوا أخطاء.. ولكن ما يؤخذ على المؤتمر الوطني، إنه حين تورّط أعضاؤه في الأخطاء، تستّر عليهم، ولم يحاسبهم على ما فعلوا، ولم يعزلهم عن المناصب التي استغلوها أبشع استغلال، بل أن بعضهم قد كوفئوا على أخطائهم، بالترقية إلى مناصب أعلى.. وهكذا من أجل الحفاظ على السلطة، تنصّل الحزب عن مسؤوليته أمام الله، وأمام عضويته، وأمام الشعب، الذي ائتمنهم على قيادته.. وهذا فعل مشين، لا يليق بالأحرار، دع عنك من يملأون الدنيا صياحاً (هي لله هي لله لا للسلطة ولا للجاه)!! ولقد ذكر السيد نائب رئيس الجمهورية، أن القبلية والجهوية، بدأت تطل على المؤتمر الوطني، وهذا أمر عجب!! فقد بدأت الإنقاذ بإبعاد المواطنين الشرفاء الأكفاء، وتقليد المناصب لأصحاب الولاء للحزب الحاكم، وبعد (81) عاماً اكتشف الحزب، كما يحدثنا متحدثه اليوم، أن الذين ولاهم وأبعد من سواهم، أخذوا يتحزّبون ضد أنفسهم، على أساس القبلية والجهوية.. على أن السؤال هو: ماذا فعل السيد نائب رئيس الجمهورية، وزملاؤه في المؤتمر الوطني، ليواجهوا هذه الظاهرة الخطيرة، المفارقة للدين، والضارة بمصالح الشعب- ظاهره القبلية والجهوية، داخل المؤتمر الوطني وحكومته؟! وإذا كان السيد نائب رئيس الجمهورية، قد لاحظ هذه الظاهرة الآن فعبّر عنها، فإن الشعب بكل طبقاته، وفئاته، قد لاحظها منذ البداية، تناولها بالتعليق، وبالنكات كثيراً، وتحدّث في مختلف منتدياته، ولقاءاته، ومجالس حديثه، عن هنالك وزارة كاملة، لا يعين فيها، إلا أبناء قبيلة واحدة معروفة!! ومما ذكره السيد نائب رئيس الجمهورية، الدعوة إلى معايير أكثر دقة، للمحافظة على المال العام.. وقال «إذا شعر الناس بالعدالة في الحكم وتولي الوظائف العامة ومراعاة الحق ولو على أنفسنا وتحري الدقة في المال العام لأتمنونا على المسؤولية». (المصدر السابق). إن ما ذكره السيد نائب رئيس الجمهورية هنا، حق لا مراء فيه، ولكن كيف يشعر المؤتمر الوطني الناس بكل هذا؟! هل يسلخ المؤتمر الوطني جلده، ويغيّر طبيعته، أم يخدع الشعب بأنه قد تغيّر، ريثما يفوز في الانتخابات، ثم يعود سيرته الأولى؟! على أن الشعب السوداني أذكى وأوعى مما يتصوّر المؤتمر الوطني، لأنه لا يسمع للشعارات، وإنما يراقب الأفعال.. فلو كان المؤتمر الوطني يريد تحقيق العدالة، لبدأ بمحاسبة المفسدين والمعتدين من أعضائه. ولو كان حريصاً على رعاية المال العام، لسمحت الحكومة للمراجع العام، بمراجعة كافة الأجهزة والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية، ولأقامت المحاكم، وفقاً لتقرير المراجع العام.. وفي ختام خطابه، انتقد السيد نائب رئيس الجمهورية الديمقراطية الغربية، لأنها -حسب رأيه- لا ترتبط بقيم ولا أخلاق !! وقال «لن نبيع المشروع الحضاري بالديمقراطية العلمانية»!! ودعا إلى اعتماد الشورى، لأنها تستند الى «تراثنا وقيمنا الأخلاقية واحترام الدين».. ومع ذلك فقد حذّر السيد نائب رئيس الجمهورية من الشورى، أن تستخدم كقميص عثمان، لتثير الخلاف بين الإسلاميين.. إن من أهم ما جاء في حديث السيد نائب رئيس الجمهورية، أنه يرفض الديمقراطية الغربية، ويتمسّك بالشورى.. فهو على الأقل، يميّز بينهما، خلافاً لكثير من الإسلاميين، الذين يخلطون بينهما خلطاً مزرياً.. فإن من الإسلاميين، من يزعم أن في الشريعة الإسلامية ديمقراطية، ويستدل على ذلك بآيات الشورى!! والحق أن الشورى نظام حكم الفرد الرشيد على القصّر، فهو مطالب بمشاورتهم ليشعرهم بقيمتهم، وليدرّبهم على التفكير والحوار، ويؤهلهم على مكث ليستحقوا الديمقراطية في المستقبل. ولكن القرار في الشورى بيد الفرد، فهو يشاور الجماعة ويملك أن يخالفها.. إن آية الشورى من الكتاب هي قوله تبارك وتعالى: «فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك!! فاعف عنهم، واستغفر لهم، وشاورهم في الأمر، فإذا عزمت فتوكّل على الله».. ولقد كان النبي (صلى الله عليه وسلم)، يشاور أصحابه، وينزل عند بعض آرائهم، كما كان أحياناً، يخالفهم، ويصر على رأيه، كما حدث في صلح الحديبية.. وعلى هذا النهج، سار الخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم. فقد شاور ابوبكر رضي الله عنه الأصحاب، في حرب مانعي الزكاة، فأشاروا عليه بعدم قتالهم، فخالفهم، فكانت حروب الرّدة المشهورة التي أعاد بها الإسلام من جديد. ففي نظام الشورى يملك الخليفة كل السلطات في يده، وهو بذلك يكون وصيَّاً على الأمة.. أما الديمقراطية، فهي حكم الأغلبية مع مراعاة حقوق الأقليات. وهي الحكم الوحيد المنسجم مع مسؤولية الأفراد، فليس لأحد فيه حق زائد على الآخرين، وإنما الكل فيه سواء.. ولا يعيب الديمقراطية، أخطاء النظم الغربية في تطبيقها، حين تخلّفت التربية، التي لا توجد في الفكر العلماني.. ذلك أن الديمقراطية التي ينشدها السيد علي عثمان، إنما تلتمس في أصول القرآن، في قوله تعالى «فذكّر إنما أنت مذكر ? لست عليهم بمسيطر».. فأنت لا يمكن أن ترفع السيطرة عن كل مواطن، إلا بإشراكه في الحكم، عن طريق من يمثله، ويخدم مصالحه، وفق رؤيته، وذلك لا يتأتى إلا بالديمقراطية.. فالنظام الديمقراطي، يقوم على الفصل بين السلطات، وسيادة حكم القانون، ويجعل مرجعيته المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، وفي إطار الدستور الذي يحكمه، يكون الناس جميعاً، على اختلاف أديانهم، وأعراقهم، وجنسهم من رجال ونساء، متساوون في الحقوق والواجبات.. هذا هو النظام الذي يناسبنا اليوم، حين ناسبت الشورى أسلافنا في الماضي، وخدمت أغراض مجتمعاتهم البسيطة.. فإذا جاء السيد نائب رئيس الجمهورية، بعد توقيع اتفاقية السلام، وبعد وضع الدستور الانتقالي، ليحدثنا عن رفضه للديمقراطية، وتطلعه للشورى، فإن هذه في حدِّ ذاتها من مشاكل هذه الحكومة، إذ يعيش كبار قيادييها في ازدواجية مؤسفة. على أن السيد نائب رئيس الجمهورية، يتحفّظ على الشورى، ولا يريدها أن تمارس كذريعة سماها (قميص عثمان).

الصحافة
13/4/2008

Post: #96
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 04-17-2008, 08:03 AM
Parent: #95

اخوان السودان والنزاع حول الميراث ....الخليج


2003-12-06
لم تعد قادرة على تبديل جلدها ونزاع قادتها على الميراث لن تحسمه أي محكمة


"الجبهة الإسلامية القومية" السودانية.. ماراثون الشقاق والانقسامات وصراع القوى




الخرطوم - محمد عبدالرحيم:



تداخلت عناصر مختلفة وظروف استثنائية محددة في التحكم بطريقة أو أخرى في مسيرة الحركة الإسلامية السودانية التي عبر بها زعيمها حسن عبد الله الترابي في مختلف الأزمنة والأمكنة من مجموعة صغيرة إلى حركة كبيرة كادت أن تتفوق على الأحزاب الكبيرة في آخر انتخابات حرة أجريت في البلاد، وأتاحت تلك العناصر والظروف فرصة للحركة للتقدم في ما بعد لاحتلال مواقع أمامية في الحركة السياسية السودانية عبر سنوات حكم لم يسبقها فيها إلا الحكم العسكري الثاني بقيادة المشير جعفر محمد نميري.

لكن الظروف والفرص لم تكن هي وحدها التي ساعدت الجبهة الإسلامية القومية على الوصول إلى سدة الحكم بانقلاب عسكري في 30 يونيو/ حزيران ،1989 فقد استطاعت تحقيق ذلك عن طريق التخطيط والتنفيذ لمشروعاتها بدقة. واستفادت من تجارب الحركة الإسلامية في دول عربية وإسلامية لها ظروف مشابهة لظروف السودان. بيد أن العنصر الأقوى تأثيرا الذي ساهم في بلوغ “الجبهة الإسلامية القومية” مقاصدها قبل أن تتحول إلى حزب “المؤتمر الوطني” الحاكم تمثل في استفادتها القصوى فكريا وتنظيميا من كوادرها، وسعيها لتجنيد أكبر قدر من الكوادر الشابة لقيادة مؤسسات المتجمع المدني والمؤسسة العسكرية.



وطبقا لمصادر حزب المؤتمر الشعبي المعارض الجزء الرئيسي الكبير المنفصل عن الجبهة بقيادة الترابي، فإن قائمة كشف حسابات مسيرة الجبهة الإسلامية القومية لا تمكن موازنتها لمعرفة ما بقي منها وما ذهب إلا عبر المرور في نفق التاريخ الحديث لرحلتها وظهورها بفعالية في مسرح الحياة السياسية والاجتماعية السودانية، فقد استفادت الحركة من الدفع الكبير والزخم اللذين أحدثتهما عودة الترابي أوائل الستينات ومساهمته الواضحة في تنظيم صفوفها إلى جانب مساهماته في دفع الحياة السياسية العامة، خصوصاً ابان ثورة أكتوبر/ تشرين الأول 1964 وما تلاها من لجان لصياغة مستقبل السودان السياسي.

وبدأ نجم زعيمها “المعزول” حالياً يتلألأ عقب اختفاء “جبهة الميثاق الإسلامي” وظهور اجتهادات الترابي لسودنة الحركة الإسلامية السودانية التي أسفرت عن ميلاد تنظيم جديد أطلق عليه اسم “الاتجاه الإسلامي”. ومنذ منتصف الستينات بدأت الحركة الإسلامية الوليدة المنشقة عن “جبهة الميثاق الإسلامي” نشاطا تنظيميا مكثفا لتحقيق أهدافها في زمن وجيز لكنها استيقظت فجأة على أصوات المارشات العسكرية معلنة وقوع انقلاب مايو/أيار 1969. وكتب عليها أن تخوض حربا شعواء مع الاتجاهات الشيوعية لنظام (مايو) قبل أن تشرع بتنفيذ استراتيجياتها. ووجدت الحركة نفسها في موقع لا تحسد عليه حين زج بكوادرها النشطة في السجون وتشردت عناصرها الأخرى فاضطرت لاستحداث بدائل لممارسة العمل السياسي منها المعارضة من خارج السودان واحتاجت لتغيير استراتيجيتها الرئيسية للاستمرار حتى لا يئدها نظام (مايو) بزعامة الرئيس السابق جعفر نميري.

والتحول الكبير في استراتيجية إسلاميي السودان يتمثل بقرار الحركة الإسلامية (مجموعة الترابي) المشاركة في نظام نميري في أعقاب “المصالحة الوطنية” التي تمت عام 1976. ولما عادت بعد المصالحة الوطنية لترتيب بيتها من جديد لم يكن واقعها مبشراً، على الرغم من تقدمها الملحوظ في كثير من قطاعات المجتمع الحديث، خصوصاً الجامعات، فقد كان التضييق حينها في مجالات العمل السياسي العام حائلا أمام الاستفادة من كوادرها من الخريجين الجامعيين الذين كانت غالبيتهم مطلوبة للنظام فانتهجت الحركة مرة أخرى أسلوب البدائل المتاحة، فبعثت إلى الخارج خبرات متميزة من كوادرها ووزعت كوادر سرية في بعض المواقع المهمة والحساسة.

وخلال سبع سنوات من 1976 الى 1983 استطاعت الحركة الإسلامية إعادة تنظيم صفوفها وتغيير أهدافها وتعديل طموحاتها تبعاً لتغير الأهداف وقادت مع الآخرين الانتفاضة الشعبية التي أطاحت نظام نميري في 1985. غير أنها خرجت بمكاسب أكثر من الآخرين إذ استطاعت استقطاب أعداد كبيرة من التكنوقراط والمثقفين، ودعمت موقفها المالي بمؤسسات مالية لتسيير نشاطها ودعم تنفيذ أهدافها. ويمكن القول اجمالا انها خرجت بعد نظام (مايو) أشد قوة وقدرة على التنفيذ والتقدم.

واكتشف المراقبون بعد ثلاث سنوات من سقوط نظام نميري أن التنظيم الجديد الوليد الذي كتب في شهادة ميلاده اسم “الجبهة الإسلامية القومية” كان أكثر استعدادا، تنظيما وتمويلا، من التنظيمات السياسية العريقة الأخرى، فقد استطاعت “الجبهة” أن تستحوذ على دوائر الخريجين الانتخابية في انتخابات ،1986 بالرغم من أن زعيمها الترابي تم إسقاطه في دائرة جغرافية شهيرة في الخرطوم بعد أن تكالبت ضده القوى السياسية الأخرى.

وتدخل عامل الظروف الموضوعية مرة أخرى ليغير القناعات الموجودة في استراتيجية الجبهة الإسلامية القومية وكان لزاما عليها أن تحاول الوصول للسلطة حتى تتمكن من استكمال أهدافها فدبرت انقلاب يونيو/ حزيران ،1989 بعد ثلاث سنوات فقط من عمر الفترة الديمقراطية الثالثة في السودان. واستطاعت أن تجيد التخفي لفترة طويلة عن مسؤولياتها في تدبير الانقلاب، بل استطاعت في مرحلة ما الانفصال تماماً عن قادة الانقلاب العسكري أمام الشعب وأجهزة الإعلام، وظلت تعمل في الظل، ولم يكتشف الناس باستثناء قلة أنهم وقعوا في مخطط محسوب ومدروس توزعت فيه الأدوار بدقة متناهية.

وأتت الرياح على مدى سنوات بما تشتهيه سفن الجبهة الإسلامية القومية. وظلت الأمور تسير بصورة طبيعية وإن كانت هناك اختلافات “مسيطر عليها” لم تؤثر في مسيرة “الجبهة الإسلامية القومية” ومخططها ومشروعاتها الطموحة، إلى أن جاءت “مذكرة العشرة” التي أظهرت بجلاء الخلافات للمرة الأولى بين أركان الجبهة. إذ ان المذكرة التي أحدثت ضجة نهاية العام ،1998 حولت الخلاف والصراع من الخفاء إلى العلن، بإدارة مجموعة تقف خلف الرئيس عمر البشير وتضم أبرز قيادات “الجبهة الإسلامية القومية” ومنهم غازي صلاح الدين العتباني الذي اقيل أخيراً من منصبه ونافع علي نافع وبهاء الدين حنفي وسيد الخطيب واحمد علي الإمام وإبراهيم احمد عمر. فيما ترددت معلومات عن أن علي عثمان محمد طه نائب البشير كان يساند المجموعة. وتحول الخلاف لاحقاً إلى مواجهة بين البرلمان والحكومة، وبين الأمين العام للحزب الحاكم الترابي ورئيس الحزب الفريق البشير. وبلغ ذروته ببروز الاتجاه الى إقرار التعديلات الدستورية التي اقترحها الترابي. وكانت صافرة بداية السباق الماراثوني لانشقاق الحزب الحاكم قد بدأت بالفعل في أول مؤتمر عام للحزب أطاح فيه الترابي بالعشرة أصحاب المذكرة من الهيئة القيادية للحزب باستثناء غازي صلاح الدين الذي بقي أيضا لظروف استثنائية.

وأثمرت كل هذه الصراعات عن قرارات الرابع من رمضان التي جمدت البرلمان الذي كان يرأسه الترابي الذي رفضها جملة وتفصيلا، وحول معركته إلى هجوم إعلامي كاسح على مجموعة البشير، وهو ما يعتبره اللبنة الأولى لحزب “المؤتمر الشعبي” المعارض.

وبحسب مراقبين فإن نتائج الصراع الذي أفضى إلى بروز واقع تنظيمي وسياسي جديد في “الجبهة الإسلامية القومية” الأبرز تأثيرا في تركيبتها، ومنها ولد معسكران بينهما فجوة عميقة، واختلاف كبير في الرؤى وأساليب تنفيذ الأهداف. وقد اختارت الوقوف مع الترابي مجموعة كبيرة من القيادات “التاريخية” للحركة الإسلامية الذين يعتبرون أنفسهم أصلها والحاملين على عاتقهم مسؤولية نشأتها وتطورها، فيما استمرت المجموعة الأخرى وغالبيتها من الجيل الثاني والثالث من أبناء الحركة الإسلامية في دعمها للبشير ونائبه علي عثمان الذي أضحى ممسكا بزمام الأمور وتحديد الأهداف وأساليب التنفيذ وادارة الدولة. وشهدت الفترة نفسها انقساماً كبيراً في “الجبهة الإسلامية القومية” تمثل بمغادرة أمين بناني الذي كان خلال نهاية عقد السبعينات من أكثر كوادر الجبهة استقطابا للمثقفين من الطلاب في الجامعات السودانية وكذلك زميله مكي علي بلايل الناشط في الحركة الإسلامية بشقيها “الوطني” الحاكم و”الشعبي” المعارض، ثم اقالة غازي صلاح الدين العتباني. وهكذا فقد اهتزت حسابات “الجبهة الإسلامية القومية”.

وبمغادرة العتباني وابتعاد القيادي المخضرم إبراهيم احمد عمر من ساحة العمل العام تكون احتمالات ظهور قيادات جديدة في الحزب الحاكم هي الأقرب في مرحلة ما بعد التوقيع على اتفاق سلام شامل، فضلا عن أن التداعيات الأخيرة جعلت قيادة الحزب الحاكم والحكومة بيد المجموعة التي ظلت طوال مسيرة الحركة مترابطة ومتماسكة بقيادة طه وأعوانه.

أما الصراع حول التركة ومكاسب الميراث فستظل ولوقت طويل محل نزاع بين “الشعبي” و”الوطني”، ولن تستطيع أي من المحاكم ان تحسمه بعد أن قطع النائب الأول للبشير أي خيوط للتقارب ووأد احتمالات تجديد الصلة القديمة مع الترابي.






2003-12-06
حظوظهم من تقلبات الترابي.. ونهايتهم على يد النظام العالمي الجديد


“اخوان” السودان.. من تنظيم حاكم إلى مفرزة في سودان جديد علماني





كتب: معاوية يس:



مثل كثير من اوجه الحياة الثقافية والفكرية في السودان، فإن الحركة الاسلامية السودانية نشأت وهي تنظر نظرا شديدا الى شمال الوادي مصر، حيث وصل تأثير افكار حسن البنا وسيد قطب وغيرهما من منظّري جماعة “الاخوان المسلمين” الى السودان من خلال الطلبة الذين درسوا في القاهرة، ولعل ابرزهم صادق عبدالله عبدالماجد الذي كان من مؤسسي حركة “الاخوان المسلمين” في السودان. ومن المفارقات انه لا يزال يتزعم حركته التي انشق عنها الترابي في الستينات بسبب خلاف على وسائل بلوغ أهداف التنظيم.

وقد برز نجم الترابي في صفوف الحركة بعد زواجه من كريمة الامام الصديق عبدالرحمن المهدي رئيس حزب الأمة، والد رئيس الوزراء السابق الصادق المهدي، وما لبث ان قاد تيارا داخل الحركة يدعو الى التخلي عن الاكتفاء بالدور الدعوي والتربوي للحركة لتنطلق منه الى امتهان السياسة وطلب السلطة لتحقيق مراميها. وهكذا تولى الزعيم الشاب قيادة التنظيم الذي كان لا يزال يحمل اسم “الاخوان المسلمين”. وبدأ يبني علاقات مع الاحزاب السياسية العريقة ويظهر مع زعمائها في الاجتماعات السياسية الكبرى، وتوج بروزه بدوره في اذكاء الثورة الطلابية التي اشعلت شرارة الثورة السودانية الهادرة التي اطاحت نظام الفريق ابراهيم عبود في 9 اكتوبر/ تشرين الاول 1964.

بعد تنصيب الحكم الديمقراطي غيّر الترابي اسم الحركة الى “جبهة الميثاق الاسلامي” لتوسيع نطاق التحالف بين القوى الاسلامية على أمل الحصول على موافقة الشارع السوداني على اقرار دستور اسلامي للبلاد في عام 1968. غير ان وقوع انقلاب المشير جعفر نميري في 25 مايو/ايار ،1969 بتدبير من الحزب الشيوعي السوداني، كان نكسة كبرى بالنسبة للترابي واعوانه، وكان نصيب الترابي وحده البقاء في المعتقل نحو سبع سنوات لم ينقذه منه سوى توصل صهره الصادق المهدي الى اتفاق المصالحة الوطنية في ،1977 الذي سارع الترابي بالانضمام إليه تاركا حليفه الشريف حسين الهندي زعيم “الجبهة الوطنية” مشردا بين لندن وجدة وطرابلس الغرب حتى وفاته في أحد فنادق العاصمة اليونانية أثينا العام 1983.

خرج الترابي من معتقلات نميري ليتولى منصب النائب العام، وبدأ يُعمل خبرته القانونية في تحويل القوانين لتتطابق مع الشريعة، وقرر ان يطلق على تنظيمه اسم “الاتجاه الاسلامي” ليفسح لاتباعه المجال للتغلغل في اوساط الطلاب في الجامعات والمدارس الثانوية، وانتهز فرصة علاقته الجديدة مع النظام ليزج بعشرات من كوادره الطلابية في الكلية الحربية، وهم الوقود الذي اعتمد عليه الحريق الذي اشعله في كوخ النظام الديمقراطي في نهاية الثمانينات.

غير ان شهر العسل مع نميري لم يدم طويلا، فقد تنبه نميري الى ان الترابي بدأ يجره الى المعسكر اليميني، وهو الليبرالي الذي بدأ يساريا صارخا، فعمد الى تهميشه بتعيينه مساعدا لرئيس الجمهورية للشؤون القانونية. وفي آخر اشهر عهده عمد النميري الى اعتقال الترابي ومساعديه. ولما نجحت انتفاضة ابريل/نيسان 1985 في القضاء على حكم نميري خرج الترابي من السجن مع بقية المعتقلين “بطلا” ورمزا من رموز ارادة التغيير

والانتفاضة.

وما لبث تنظيم “الاخوان المسلمين” ان اتخذ واجهة جديدة تحت مسمى “الجبهة الاسلامية القومية” لخوض استحقاقات الفترة الديمقراطية التي تلت الحكم الانتقالي الذي تزعمه قائد الجيش الفريق عبدالرحمن محمد حسن سوار الذهب. ونجحت الحركة في الصراع بين الكبار حتى شاركت في حكومة ائتلافية مع حزب الأمة برئاسة الصادق المهدي، غير ان القوات المسلحة انذرت رئيس الوزراء المهدي في فبراير/شباط 1989 بضرورة إجراء اصلاحات لوقف نزيف الحرب الأهلية في الجنوب، وكان واضحا ان الجيش اشترط اخراج الجبهة الاسلامية القومية من السلطة، وهو شرط لم يكن المهدي يملك سوى الاستجابة له، لأن عدمها يعني ضوءا اخضر للجيش ليقود انقلابا عسكريا.

ولما وجد الترابي نفسه خارج معادلة الحكم بأمر المؤسسة العسكرية قرر تفعيل فكرة الانقلاب الذي تولى العميد عمر حسن البشير تنفيذه، مع عدد من الضباط الذين زجت بهم حركته في الكلية الحربية بعد وقوع انقلاب نميري، ومنهم العميد الطبيب ابراهيم محمد خير واللواء عبدالرحيم محمد حسين والرائد ابراهيم شمس الدين، وبدأت الحركة الاسلامية متاهة انتهت بها الى التشظيات والشقاقات، وأضحت تأكل بنيها.. حتى أتت في نهاية العام 1998 على زعيمها ومنظّرها وعقلها المدبر منذ الستينات الدكتور الترابي الذي انتهى به المطاف الى سجن كوبر الشهير.

وأدت الخصومات بين صقور الحركة وحمائمها الى تعرية ميكافيلليتها. فحين اشتد الخصام بين الترابي والبشير، عمد الزعيم الطاعن في السن الى ابرام “مذكرة تفاهم” مع زعيم “الجيش الشعبي لتحرير السودان” العقيد جون قرنق، وكان الترابي حتى قبل نحو سنتين من توقيع المذكرة المشار إليها يحض شباب الحركة على “الجهاد” ضد قرنق، مبشرا بزيجات في الجنة من الحور العين، متحدثا عن “كرامات” الشهداء وتسيير الغمام ليعمي أبصار المتمردين في احراش الغابات الجنوبية.

وبدلا من ان تتوج حركة “الاخوان المسلمين” كفاحها على مدى اكثر من 40 عاما بتسخير انقلابها لبسط العدل والشورى وترسيخ قيم الاسلام.. وجدت نفسها تصطرع ما بين صقورها على مغانم السلطة، وعائدات النفط، وجاه الوظائف الأمنية والسياسية، وهو الصراع الذي أدى الى انشقاق “التلاميذ” عن “شيخهم” واستئثارهم بالسلطة التنفيذية، الى ان الولايات المتحدة تدخلت من خلال اتفاق السلام الشامل الذي “هندسته” وارغمت نظام الفريق البشير على قبوله، بما ينطوي عليه من ردة ونكوص شاملين عن “الثوابت” التي ظل يتغنى بالتشبث بها، خصوصا فرض الشريعة وعدم التفريط في وحدة السودان.

وتحل بشائر العام 2004 ولن يكون قد بقي من “الجبهة الاسلامية القومية” ومسمياتها القديمة سوى بضعة اشخاص واجهات سيذوبهم اتفاق السلام الجديد في كيان علماني كبير تهيمن عليه الولايات المتحدة حتى لو لم تتم اعادة انتخاب الإدارة الأمريكية الحالية.

Post: #97
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 04-17-2008, 09:13 AM
Parent: #96

قراءة في أجوبة مريض اسمه الظواهري


أحمد أبو مطر
[email protected]
الحوار المتمدن - العدد: 2254 - 2008 / 4 / 17


حققت شبكة الانترنت لمجاهدي القاعدة خاصة الإرهابيين مثل المريض النرجسي أيمن الظواهري، حضورا وانتشارا يفوق نجوم أفلام الجنس الفاحش ( بورنو ) ، ففرضوا أنفسهم على قطاعات واسعة من الجماهير المغلوبة على أمرها، ناشرين ثقافة ظلامية متخلفة، والدليل على هذا الانتشار ما أعلن عنه منذ شهور موقع السحاب القريب من القاعدة و التنظيمات الإرهابية المتفرعة عنها أو المستخدمة لاسمها منسوبا للقطر الذي تمارس إرهابها فيه ، إذ أعلن هذا الموقع أنه سوف يستقبل أسئلة الجمهور لمدة شهرين من السادس عشر من ديسمبر عام 2007 إلى السادس عشر من يناير 2008 ، ثم يعرضها على المريض النفسي أيمن الظواهري كي يجيب عليها. والدليل على انخداع هذه الجماهير بهذا الشخص، أن هذا الموقع استقبل حوالي 2000 سؤال، قدمها لهذا (العبقري الموسوعي الخارق في ذكائه ) كي يجيب عليها، وقد احتاج وقتا من السابع عشر من يناير إلى الثالث من أبريل 2008 ، كي يصنف الأسئلة التي وصلته ويختار ما سيجيب عليه . رغم أننا سنلاحظ من بعض الأسئلة التي وجهت لهذا القاتل استنكارا شديدا لعملياته الإرهابية التي يسمّيها جهادية. ومن المعلوم أن هذا ( الجهاد الانترنتي ) مراقب لحظة بلحظة من شركات أمريكية تحديدا، ترصد كل حركة فيه ومن خلاله، بدليل أن مجموعة (إنتل سنتر ) الأمريكية هي التي تنشر تسجيلات الإرهابيين ولقاءاتهم قبل أن نعرفها منهم مباشرة .

رجل مبارك يستخير الله في أفعاله

ما هي الطريقة التي استعملها ليختار الأسئلة التي سيجيب عليها من بين ألفي سؤال؟. كونه رجل مبارك يقول: ( كانت نيتي قبل وصول الأسئلة أن أجيب على أي سؤال يصلني...ولكنني وجدت أنّ الإخوة شرّفوني بسيل من الأسئلة ، مما يتعذر الإجابة عليها جميعا ، فاستخرت الله ، واخترت منها تسعين سؤالا ). من بداية تعاطيه مع الجمهور يلجأ لإعطاء نفسه مسحة دينية من خلال ادّعائه أنه استخار الله تعالى ، وليت هذا الدّجال عرّفنا كيف ولماذا استخار الله ؟. المعروف أن ( المذاهب الأربعة اتفقت أن الاستخارة تكون في الأمور التي لا يدري العبد وجه الصواب فيها ). فهل هذا ينطبق على مبادرة سؤال الجمهور أن يوجه له أسئلة كي يجيب عليها؟. هل هناك صواب في الإجابة على أسئلة ، وخطأ في الإجابة على بعضها، مما استدعى أن يصلي صلاة الاستخارة، ثم يختار 90 من بين 2000 سؤال؟. إنه الدجل بعينه يحاول صاحبه أن يخدع الناس، بأن كل خطواته مباركة من الله تعالى ، مما يعني عنده على الأقل أن هذا القتل والإرهاب الذي يمارسه ويشجع عليه بحق المدنيين الأبرياء في العراق والجزائر وأفغانستان والمغرب وغيرها ، إنما هو عمل قام به بعد استخارة الله ، وذلك ما عناه صاحب السؤال الأول ( مدرس جغرافيا ) ، عندما سأله: (من يقتل بمباركة من سيادتكم الأبرياء في بغداد والمغرب والجزائر ، هل قتل الأطفال والنساء جهاد عندكم ؟ أتحداك أنت وتنظيمك أن تفعل ذلك في تل أبيب . لماذا لغاية اليوم لم تنفذوا أية ضربة في إسرائيل؟ أم أنه أسهل قتل المسلمين في الأسواق ! ربما يجب أخذ دروس في الجغرافيا لأن خرائطكم ليس بها إلا دول المسلمين ). ويجيب عليه نافيا قتل الأبرياء ، وكأن ألاف الذين يموتون يوميا في العراق والجزائر والمغرب وأفغانستان يموتون بسبب إنفلونزا الطيور وليس بمفخخات إرهابيين ترسلهم وتدربهم قاعدته . وهو بنفيه هذا يعتقد أن الجماهير ستصدقه، عندما تتذكر وهي متأكدة أنه في الجزائر وحدها منذ عام 1990 قتل الإرهابيون مثله ما لا يقل عن مائة وخمسين ألف من المدنيين الجزائريين في كمائن وهم ذاهبون أو عائدون من عملهم، ناهيك عن اغتصاب ألآف من الفتيات والنساء، اللواتي شهد بعضهن أن ( المجاهدين ! ) كانوا يتعاقبون على اغتصابهن ، وفي بعض الحالات حوالي أربعين مجاهدا تعاقبوا على اغتصاب فتاة واحدة، وهم يصرخون بالتكبير لله على أنهن سبايا.

ويستمر استنكار قتل الأبرياء،

فيسأله ( طالب جامعي طب من الجزائر): " تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي: هل قتل الأطفال والنساء جهاد عندكم؟ أريد من الظواهري أن يجيبني على من يقتل الشعب في الجزائر، ما هو الدليل الشرعي في قتل الأبرياء، ستون مسلما سفكت دماؤهم يوم الحادي عشر من ديسمبر في الجزائر، والقاعدة تتبنى انفجارا مات فيه مسلمون يوحدون الله عز وجل. لا حول ولا قوة إلا بالله. فهنيئا للبطل الظواهري بقتل الطلبة والأطفال والنساء الأبرياء في هذا العيد . ما هو ذنب الأبرياء؟ حسبنا الله ونعم الوكيل ". ويستمر المجرم الظواهري في غطرسته، و ينكر أن هؤلاء القتلى من المدنيين الأبرياء، معتقدا أنه وهو مختبىء في كهوف تورا بورا أصدق من هذا الطالب الجزائري الذي يسأل بألم وحزن شديدين على مواطنيه الذين رآهم يقتلون صباح العيد، وأغلبهم من النساء والأطفال.

مجرم من يبارك الاعتداء على مقرات الأمم المتحدة

ويواصل تبريره للإرهاب قائلا: " لقد كانت العملية في الحادي عشر من ديسمبر على مقر الأمم المتحدة وعلى المجلس الدستوري والمدرسة العليا للشرطة ، ولم تكن على مدارس الأطفال ولا مستشفيات النساء ". وهل هناك إجرام أكثر من هذا الذي يبرر نسف مقرات الأمم المتحدة والمجلس الدستوري الجزائري والمدرسة العليا للشرطة الجزائرية؟. لذلك استنكر الأمين العام للأمم المتحدة تصريحات هذا الإرهابي ، وقال: أنها " خاطئة تماما وغير مقبولة " ، وكذلك أدانتها جامعة الدول العربية، إذ قال المتحدث الرسمي باسم الجامعة : " إن الدول العربية التي تطالب الأمم المتحدة بتعزيز دورها وتحمل مسؤولياتها، لا يمكنها أن تقبل توجيه اتهامات غير مسؤولة . ميثاق الأمم المتحدة وقراراتها تشكل سندا للموقف الفلسطيني والعربي الذي يعمل لتفعيل وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالانسحاب الإسرائيلي من كامل الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة...الاتهامات التي تطعن بدور الأمم المتحدة وتصفها بأنها عدوة الإسلام والمسلمين تسيء إلى الموقف العربي والإسلامي ".

ويهاجم الشيخ يوسف القرضاوي وحماس وجماعات الإخوان المسلمين

إن نرجسية هذا المريض الظواهري، تقوده لاعتبار نفسه أعلى مرجع ديني إسلامي ، فيهاجم الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، فعندما تسأله ( أخت إعلامية ) عن رأيه في إدانة الشيخ القرضاوي لعمليات قتل المدنيين الأبرياء، يجيبها قائلا: ( القرضاوي يصادق أكابر المجرمين ويكذب المجاهدين ، فهو قد تعرض في فتواه هذه لما حدث في مدينتي باتنة و دلس، ووصف ما حدث بأنه قتل للأبرياء واستحلال لدماء المسلمين، وهو بهذا يردد نفس أكاذيب النظام الجزائري المجرم . وكان الشيخ القرضاوي قد قال: " كيف يزعم هؤلاء الذين يسفكون دماء أهليهم أنهم إسلاميون؟ ومن أين يستقي هؤلاء أفكارهم السوداء التي تستحل قتل الناس بالجملة . لا قدوة لهؤلاء إلا الخوارج الذين استحلوا دماء من عداهم من المسلمين وأموالهم ". وكذلك حركة حماس لم تسلم من نقده فهو الذي يملك الحقيقة المطلقة، فهو يجيب على من سأله عن خلفية انتقاداته المتكررة لحركة حماس قائلا: ( أني قد تدرجت مع حماس من التأييد إلى النصح المتكرر إلى التحذير إلى النقد العام، ثم لمّا وقعوا على اتفاق مكة كان لا بد من نقد صريح، فأنا تدرجت معهم وهم لم يأبهوا برأي إخوانهم، واستمروا فيما اندفعوا فيه من دخول الانتخابات ملتزمين بالدستور العلماني إلى التخلي عن إخوانهم في الشيشان، وصولا للتنازل عن أربعة أخماس فلسطين في مكة ).

أما عن جماعات الإخوان المسلمين فيقول: ( إني لم أنتقد الإخوان المسلمين إلا بعد أن طفح الكيل، وبلغ بهم التنازل أن يسيروا في مظاهرة النفاق من مجلس الشعب إلى قصر حسني مبارك ليطالبوا بتمديد رئاسته، فأصدرت الطبعة الأولى من كتاب " الحصاد المر"، ثم أصدرت طبعته الثانية بعد أن دخل الإخوان أعضاء التنظيم العالمي في أفغانستان والعراق الحكومتين العميلتين فيهما في ظلال الحراب الأمريكية، وسكتت بقية أفرع الإخوان على هذه الخيانات ) . إذن هو فقط من على حق فقط ، ويملك الحقيقة الإلهية التي تجعله يخوّن الجميع !!.

تخيلوا هذا الجنون النرجسي!!

هذا الشخص المريض حقيقة يريد من كهوف تورا بورا أن يضع السياسة والبرامج التي تسير عليها حركة حماس والسلطة الفلسطينية، وكأنه المخول من الله تعالى بالتخطيط للكرة ألأرضية كلها، ولا يستطيع عاقل أن يعرف كيف تخلت حركة حماس عن إخوانهم في الشيشان؟ هل كان هناك مقاتلون لحماس وقامت بسحبهم؟ أم أنهم أيدوا الجيش الروسي في عملياته هناك؟. وهنا أتذكر القول المنسوب للخليفة عمر بن عبد العزيز موجها إياه لواحد من أولاده: " رحم الله إمرىء عرف قدر نفسه " ، ومن هذا المنظور أعتقد أن هذا الظواهري لا يعرف قدر نفسه ويتوقف عند حدود ها، بل يدسّ أنفه في كل أمور الكرة الأرضية التي أغلبها ليست من اختصاصه ، ولا يفهم فيها ولا يتابع تطوراتها وهو مختبىء في الكهوف المظلمة بعيدا عن البشر والبشرية.

وفي الوقت الذي ينتقد حماس لتوقيعها اتفاق مكة ،وموافقتها حسب ادعائه على أربعة أخماس فلسطين لإسرائيل ، أي أنه مع تحرير كامل فلسطين إلا أنه ينتقد صواريخ حماس ، فعندما سألته ( أخت إعلامية ): " ألا ترى بأن القاعدة تقدم خدمات جليلة من حيث لا تدري للمخابرات الأمريكية لا ستباحتها دماء المسلمين في دول العالم العربي )، يجيبها قائلا : (ولكني بدوري أسألها: و ما مبرر حماس في قتل من لا يجوز قتله من الأطفال في المستعمرات الإسرائيلية بصواريخ القسّام المباركة التي لا تفرق بين طفل و بالغ؟ بل وربما بين اليهود والعرب والمسلمين العاملين في تلك المستعمرات أو في شوارع فلسطين المحتلة، مع أن الشريعة حرّمت قتلهم ) . هل هذا تناقض أم جنون أم استرضاء لدولة إسرائيل ذات اليد الطويلة التي ضربت المفاعل النووي العراقي واغتالت عماد مغنية ( حسب اتهام حزب الله ) على بعد مائة وأربعين مترا من مقر المخابرات السورية؟. و عندما واجهه طالب الجغرافيا حول قتل الأطفال والمدنيين الأبرياء قائلا ( أتحداك أنت و تنظيمك أن تفعل ذلك في تل أبيب )، ردّ عليه في سياق آخر: ( إنّ القاعدة ستتحول لقتال إسرائيل بعد الانتصار في الحرب في العراق ضد القوات التي تقودها الولايات المتحدة و قوات الحكومة العراقية ). أي أن هذا المريض المغرور بجهله لا يجد وقتا ألآن لقتال إسرائيل، ولكنه يجد الوقت الكافي لقتل الأبرياء في العراق والجزائر والمغرب وأفغانستان وكينيا وغيرها.

علاقة القاعدة بإيران

حول الأسئلة الخاصة بعلاقة قاعدته بإيران، لم يجب علاّمة العصر مباشرة وبوضوح، خاصة أن السائل ( أيمن ) ذكّره بما ينشر عن أن هناك قيادات للقاعدة تقيم في إيران مثل ( سيف العدل )، وتدير عمليات القاعدة بتعليمات إيرانية، كما سأله عن علاقة التنظيمات الفلسطينية ( حماس والجهاد وغيرها) بإيران وزيارات قياداتها المتكررة لإيران وتقبيلهم للمسؤولين الإيرانيين ، فكانت ردوده ملتبسة، متهربا بإحالة السائل إلى لقاءات وأشرطة سابقة له، وهذه النقطة تحديدا تدلل على نرجسية هذا المريض وجهله، ففي العديد من الموضوعات التي سٌئل عنها يحيل السائل لأشرطة سابقة له، أو أوراق كتبها هو وغيره من إرهابيي القاعدة الجهلة ، وأعطوها أسماء ضخمة مثيرة مثل: ( رسالة التبرئة ) ، (التترس في الجهاد المعاصر)، ( فرسان تحت راية النبي ) ، و ( بطلان ولاية الضرير ) ، وهو يستشهد بهذه الأوراق وكأنها في مستوى ( صحيح البخاري ) أو أحد مصادر الشريعة الإسلامية التي لا يمكن الطعن فيها، وهو وغيره من الإرهابيين الذين ذكرهم ، لم يدخلوا مدرسة أو كلية أو جامعة خاصة بالدراسات الدينية ، وبالتالي فهم لا يحق لهم الإفتاء أو التوجيه باسم الإسلام ، كما أوضحت في مقالتي السابقة ( هل أصبح الظواهري مرشدا لمليار وربع من المسلمين؟ ).
وقد كشف الكاتب السعودي عبد الرحمن الراشد في مقالة له بعنوان ( ما سرّ علاقة القاعدة بإسرائيل وإيران؟ ) - جريدة الشرق الأوسط، الثامن من أبريل – سرا خطيرا : " سألت مرة أحد كبار الشخصيات الإيرانية: لماذا تسمح إيران لعدد من قيادات القاعدة بالبقاء على أراضيها ،مثل سيف العدل وسعد بن أسامة بن لادن وآخرين، الذين فرّوا إلى هناك بعد أن طاردتهم القوات الأمريكية في أفغانستان؟. فأجأني بإجابته الصريحة. قال: هم هناك لحماية إيران من عمليات القاعدة . ظننت أنني لم أفهم ما قاله، هم رهائن؟ ببرود وبصريح العبارة أجابني نعم رهائن ". وهذا يفسّر وجود قيادات قاعدية في إيران مثل أبو حفص الموريتاني الذي يعتبرونه مفتي القاعدة، وسليمان أبو غيث الناطق باسم القاعدة، وعبد الله أحمد عبد الله أحد المسؤولين الماليين للقاعدة ، خاصة أن بعض العمليات الإرهابية في داخل المملكة العربية السعودية، ثبت إصدار الأوامر بها من هؤلاء الإرهابيين المقيمين في إيران، وليس معقولا أنهم خارج نطاق مراقبة ورصد الحرس الثوري الإيراني الذي يوفر لهم الإقامة والمصاريف والتنقل والحماية.

أسئلة لا تحتاج إلى أجوبة

السائل " محمد سمير : تنمّ أسئلته عن إطلاعه الدقيق على حالة الظواهري وقاعدته، فهو يسأله: ( لماذا قمت بتحريف كتاب الشيخ الدكتور فضل، وزعمت أنه من تأليف لجنتكم الشرعية؟ . وما هي مبرراتك الشرعية للقيام بتزوير كتاب لم يأذن صاحبه لك بالعبث فيه؟ . وما ردك على التهم الموجهة لك خاصة ما قيل على لسان الدكتور فضل أنك كنت عميلا للاستخبارات السودانية، وتقوم بعمليات في مصر لصالحها مقابل أجر مادي مائة ألف دولار؟. لماذا لم نسمعك تهاجم إيران كما تهاجم غيرها من دول الشرق والغرب مسلمها وكافرها باستثناء إيران؟ علما أنّ إيران ارتكبت من الجرائم ما يستحق ذكره ومهاجمته في التسجيلات الكثيرة، وهذا ما لم تفعله في حين أنك تهاجم وتخوّن من يختلفون معك من الإسلاميين في الصغيرة والكبيرة؟. لماذا كفّرت الدكتور الشهيد عبد الله عزّام ورفضت الصلاة خلفه في بيشاور؟ وهذا ما أفادت به زوجة الشهيد عزام في مقابلة لها مع صحيفة تركية، أنك رفضت الصلاة خلفه وحرّضت المسلمين عليه، وما مدى صحة ما قيل أنّ لك يد في اغتياله؟. وألا ترى معي أنّ كثرة ظهورك على الفضائيات يؤكد ما قاله الدكتور فضل في حقك، وهو أنك لست أكثر من ظاهرة صوتية تحب الظهور والشهرة ).

إجابات مراوغة تؤكد صحة معلومات الأسئلة

ويجيب المريض النرجسي عبر مراوغات وتهرب من مواجهة حقائق أصبحت مؤكدة، ومنها أنه وسيده الإرهابي ابن لادن هما من خططا ونفذا اغتيال الشيخ الدكتور عبد الله عزام، بسبب صراعهم معه على القيادة والنفوذ، خاصة أن الدكتور عزّام كان الشخصية الأولى ومؤسس تنظيم القاعدة إبان القتال ضد الاحتلال السوفييتي لأفغانستان، وباغتياله خلت الساحة لابن لادن والظواهري، لينصّبا نفسيهما شاهدين على أحداث العالم كافة، ومرشدين لعموم المسلمين . ويحاول المريض النرجسي الطعن في مصداقية زميله الدكتور فضل الذي كشف العديد من ارتباطاته وجرائمه ، فيقول : ( لماذا لم يستيقظ ضميره إلا في مباحث أمن الدولة ؟ ) . و صاحب هذه الظاهرة الصوتية يتناسى أنه قدّم اعترافات بحق أصدقائه السريين ، وأنه ذهب بنفسه مع رجال مباحث أمن الدولة لتسليمهم القيادي في القاعدة (عصام القمري )، وكما أكدّ محامي الجماعات الإسلامية منتصر الزيات ، فالظواهري كان هروبه إلى باكستان وأفغانستان " بسبب الألم النفسي وعذاب الضمير الذي تسبب فيه اعترافه على زملائه ". ومن كهوف تورا بورا استساغ لعبة الظهور على الفضائيات، فأرضى نرجسيته، وشغل الناس عن جرائمه بحق زملائه و وطنه مصر والعديد من الأقطار الإسلامية بهذه الظاهرة الصوتية المضللة ، فإذا هو مرشد روحي تنتظر الجماهير إجاباته المليئة بالكذب و الإدعاء والمراوغة في النقاط التي تحرجه وتثبت أنه مجرد أداة تسيء للإسلام والمسلمين.

وتبقى في أسئلته العديد من النقاط التي تحتاج للتفنيد لبيان الكذب والتضليل فيها، و أتوقف عند هذا الحد في هذا الاستعراض، كي لا أثقل على قلوب القراء وعقولهم ، فالمزيد يوصل للغثيان إذا كان هذا الإرهابي أصبح ناطقا باسم المسلمين، ومرشدا يعطي رأيه وتوجيهاته في كل صغيرة وكبيرة من حياة مليار وربع من المسلمين، ولنا منازلة أخرى مع هذه الظاهرة الصوتية علّنا نسهم في كشف كذبها ونرجسيتها المريضة.
[email protected]
www.abu-matar.com[/B]

Post: #98
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 04-17-2008, 09:15 AM
Parent: #96

قراءة في أجوبة مريض اسمه الظواهري


أحمد أبو مطر
[email protected]
الحوار المتمدن - العدد: 2254 - 2008 / 4 / 17


حققت شبكة الانترنت لمجاهدي القاعدة خاصة الإرهابيين مثل المريض النرجسي أيمن الظواهري، حضورا وانتشارا يفوق نجوم أفلام الجنس الفاحش ( بورنو ) ، ففرضوا أنفسهم على قطاعات واسعة من الجماهير المغلوبة على أمرها، ناشرين ثقافة ظلامية متخلفة، والدليل على هذا الانتشار ما أعلن عنه منذ شهور موقع السحاب القريب من القاعدة و التنظيمات الإرهابية المتفرعة عنها أو المستخدمة لاسمها منسوبا للقطر الذي تمارس إرهابها فيه ، إذ أعلن هذا الموقع أنه سوف يستقبل أسئلة الجمهور لمدة شهرين من السادس عشر من ديسمبر عام 2007 إلى السادس عشر من يناير 2008 ، ثم يعرضها على المريض النفسي أيمن الظواهري كي يجيب عليها. والدليل على انخداع هذه الجماهير بهذا الشخص، أن هذا الموقع استقبل حوالي 2000 سؤال، قدمها لهذا (العبقري الموسوعي الخارق في ذكائه ) كي يجيب عليها، وقد احتاج وقتا من السابع عشر من يناير إلى الثالث من أبريل 2008 ، كي يصنف الأسئلة التي وصلته ويختار ما سيجيب عليه . رغم أننا سنلاحظ من بعض الأسئلة التي وجهت لهذا القاتل استنكارا شديدا لعملياته الإرهابية التي يسمّيها جهادية. ومن المعلوم أن هذا ( الجهاد الانترنتي ) مراقب لحظة بلحظة من شركات أمريكية تحديدا، ترصد كل حركة فيه ومن خلاله، بدليل أن مجموعة (إنتل سنتر ) الأمريكية هي التي تنشر تسجيلات الإرهابيين ولقاءاتهم قبل أن نعرفها منهم مباشرة .

رجل مبارك يستخير الله في أفعاله

ما هي الطريقة التي استعملها ليختار الأسئلة التي سيجيب عليها من بين ألفي سؤال؟. كونه رجل مبارك يقول: ( كانت نيتي قبل وصول الأسئلة أن أجيب على أي سؤال يصلني...ولكنني وجدت أنّ الإخوة شرّفوني بسيل من الأسئلة ، مما يتعذر الإجابة عليها جميعا ، فاستخرت الله ، واخترت منها تسعين سؤالا ). من بداية تعاطيه مع الجمهور يلجأ لإعطاء نفسه مسحة دينية من خلال ادّعائه أنه استخار الله تعالى ، وليت هذا الدّجال عرّفنا كيف ولماذا استخار الله ؟. المعروف أن ( المذاهب الأربعة اتفقت أن الاستخارة تكون في الأمور التي لا يدري العبد وجه الصواب فيها ). فهل هذا ينطبق على مبادرة سؤال الجمهور أن يوجه له أسئلة كي يجيب عليها؟. هل هناك صواب في الإجابة على أسئلة ، وخطأ في الإجابة على بعضها، مما استدعى أن يصلي صلاة الاستخارة، ثم يختار 90 من بين 2000 سؤال؟. إنه الدجل بعينه يحاول صاحبه أن يخدع الناس، بأن كل خطواته مباركة من الله تعالى ، مما يعني عنده على الأقل أن هذا القتل والإرهاب الذي يمارسه ويشجع عليه بحق المدنيين الأبرياء في العراق والجزائر وأفغانستان والمغرب وغيرها ، إنما هو عمل قام به بعد استخارة الله ، وذلك ما عناه صاحب السؤال الأول ( مدرس جغرافيا ) ، عندما سأله: (من يقتل بمباركة من سيادتكم الأبرياء في بغداد والمغرب والجزائر ، هل قتل الأطفال والنساء جهاد عندكم ؟ أتحداك أنت وتنظيمك أن تفعل ذلك في تل أبيب . لماذا لغاية اليوم لم تنفذوا أية ضربة في إسرائيل؟ أم أنه أسهل قتل المسلمين في الأسواق ! ربما يجب أخذ دروس في الجغرافيا لأن خرائطكم ليس بها إلا دول المسلمين ). ويجيب عليه نافيا قتل الأبرياء ، وكأن ألاف الذين يموتون يوميا في العراق والجزائر والمغرب وأفغانستان يموتون بسبب إنفلونزا الطيور وليس بمفخخات إرهابيين ترسلهم وتدربهم قاعدته . وهو بنفيه هذا يعتقد أن الجماهير ستصدقه، عندما تتذكر وهي متأكدة أنه في الجزائر وحدها منذ عام 1990 قتل الإرهابيون مثله ما لا يقل عن مائة وخمسين ألف من المدنيين الجزائريين في كمائن وهم ذاهبون أو عائدون من عملهم، ناهيك عن اغتصاب ألآف من الفتيات والنساء، اللواتي شهد بعضهن أن ( المجاهدين ! ) كانوا يتعاقبون على اغتصابهن ، وفي بعض الحالات حوالي أربعين مجاهدا تعاقبوا على اغتصاب فتاة واحدة، وهم يصرخون بالتكبير لله على أنهن سبايا.

ويستمر استنكار قتل الأبرياء،

فيسأله ( طالب جامعي طب من الجزائر): " تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي: هل قتل الأطفال والنساء جهاد عندكم؟ أريد من الظواهري أن يجيبني على من يقتل الشعب في الجزائر، ما هو الدليل الشرعي في قتل الأبرياء، ستون مسلما سفكت دماؤهم يوم الحادي عشر من ديسمبر في الجزائر، والقاعدة تتبنى انفجارا مات فيه مسلمون يوحدون الله عز وجل. لا حول ولا قوة إلا بالله. فهنيئا للبطل الظواهري بقتل الطلبة والأطفال والنساء الأبرياء في هذا العيد . ما هو ذنب الأبرياء؟ حسبنا الله ونعم الوكيل ". ويستمر المجرم الظواهري في غطرسته، و ينكر أن هؤلاء القتلى من المدنيين الأبرياء، معتقدا أنه وهو مختبىء في كهوف تورا بورا أصدق من هذا الطالب الجزائري الذي يسأل بألم وحزن شديدين على مواطنيه الذين رآهم يقتلون صباح العيد، وأغلبهم من النساء والأطفال.

مجرم من يبارك الاعتداء على مقرات الأمم المتحدة

ويواصل تبريره للإرهاب قائلا: " لقد كانت العملية في الحادي عشر من ديسمبر على مقر الأمم المتحدة وعلى المجلس الدستوري والمدرسة العليا للشرطة ، ولم تكن على مدارس الأطفال ولا مستشفيات النساء ". وهل هناك إجرام أكثر من هذا الذي يبرر نسف مقرات الأمم المتحدة والمجلس الدستوري الجزائري والمدرسة العليا للشرطة الجزائرية؟. لذلك استنكر الأمين العام للأمم المتحدة تصريحات هذا الإرهابي ، وقال: أنها " خاطئة تماما وغير مقبولة " ، وكذلك أدانتها جامعة الدول العربية، إذ قال المتحدث الرسمي باسم الجامعة : " إن الدول العربية التي تطالب الأمم المتحدة بتعزيز دورها وتحمل مسؤولياتها، لا يمكنها أن تقبل توجيه اتهامات غير مسؤولة . ميثاق الأمم المتحدة وقراراتها تشكل سندا للموقف الفلسطيني والعربي الذي يعمل لتفعيل وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالانسحاب الإسرائيلي من كامل الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة...الاتهامات التي تطعن بدور الأمم المتحدة وتصفها بأنها عدوة الإسلام والمسلمين تسيء إلى الموقف العربي والإسلامي ".

ويهاجم الشيخ يوسف القرضاوي وحماس وجماعات الإخوان المسلمين

إن نرجسية هذا المريض الظواهري، تقوده لاعتبار نفسه أعلى مرجع ديني إسلامي ، فيهاجم الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، فعندما تسأله ( أخت إعلامية ) عن رأيه في إدانة الشيخ القرضاوي لعمليات قتل المدنيين الأبرياء، يجيبها قائلا: ( القرضاوي يصادق أكابر المجرمين ويكذب المجاهدين ، فهو قد تعرض في فتواه هذه لما حدث في مدينتي باتنة و دلس، ووصف ما حدث بأنه قتل للأبرياء واستحلال لدماء المسلمين، وهو بهذا يردد نفس أكاذيب النظام الجزائري المجرم . وكان الشيخ القرضاوي قد قال: " كيف يزعم هؤلاء الذين يسفكون دماء أهليهم أنهم إسلاميون؟ ومن أين يستقي هؤلاء أفكارهم السوداء التي تستحل قتل الناس بالجملة . لا قدوة لهؤلاء إلا الخوارج الذين استحلوا دماء من عداهم من المسلمين وأموالهم ". وكذلك حركة حماس لم تسلم من نقده فهو الذي يملك الحقيقة المطلقة، فهو يجيب على من سأله عن خلفية انتقاداته المتكررة لحركة حماس قائلا: ( أني قد تدرجت مع حماس من التأييد إلى النصح المتكرر إلى التحذير إلى النقد العام، ثم لمّا وقعوا على اتفاق مكة كان لا بد من نقد صريح، فأنا تدرجت معهم وهم لم يأبهوا برأي إخوانهم، واستمروا فيما اندفعوا فيه من دخول الانتخابات ملتزمين بالدستور العلماني إلى التخلي عن إخوانهم في الشيشان، وصولا للتنازل عن أربعة أخماس فلسطين في مكة ).

أما عن جماعات الإخوان المسلمين فيقول: ( إني لم أنتقد الإخوان المسلمين إلا بعد أن طفح الكيل، وبلغ بهم التنازل أن يسيروا في مظاهرة النفاق من مجلس الشعب إلى قصر حسني مبارك ليطالبوا بتمديد رئاسته، فأصدرت الطبعة الأولى من كتاب " الحصاد المر"، ثم أصدرت طبعته الثانية بعد أن دخل الإخوان أعضاء التنظيم العالمي في أفغانستان والعراق الحكومتين العميلتين فيهما في ظلال الحراب الأمريكية، وسكتت بقية أفرع الإخوان على هذه الخيانات ) . إذن هو فقط من على حق فقط ، ويملك الحقيقة الإلهية التي تجعله يخوّن الجميع !!.

تخيلوا هذا الجنون النرجسي!!

هذا الشخص المريض حقيقة يريد من كهوف تورا بورا أن يضع السياسة والبرامج التي تسير عليها حركة حماس والسلطة الفلسطينية، وكأنه المخول من الله تعالى بالتخطيط للكرة ألأرضية كلها، ولا يستطيع عاقل أن يعرف كيف تخلت حركة حماس عن إخوانهم في الشيشان؟ هل كان هناك مقاتلون لحماس وقامت بسحبهم؟ أم أنهم أيدوا الجيش الروسي في عملياته هناك؟. وهنا أتذكر القول المنسوب للخليفة عمر بن عبد العزيز موجها إياه لواحد من أولاده: " رحم الله إمرىء عرف قدر نفسه " ، ومن هذا المنظور أعتقد أن هذا الظواهري لا يعرف قدر نفسه ويتوقف عند حدود ها، بل يدسّ أنفه في كل أمور الكرة الأرضية التي أغلبها ليست من اختصاصه ، ولا يفهم فيها ولا يتابع تطوراتها وهو مختبىء في الكهوف المظلمة بعيدا عن البشر والبشرية.

وفي الوقت الذي ينتقد حماس لتوقيعها اتفاق مكة ،وموافقتها حسب ادعائه على أربعة أخماس فلسطين لإسرائيل ، أي أنه مع تحرير كامل فلسطين إلا أنه ينتقد صواريخ حماس ، فعندما سألته ( أخت إعلامية ): " ألا ترى بأن القاعدة تقدم خدمات جليلة من حيث لا تدري للمخابرات الأمريكية لا ستباحتها دماء المسلمين في دول العالم العربي )، يجيبها قائلا : (ولكني بدوري أسألها: و ما مبرر حماس في قتل من لا يجوز قتله من الأطفال في المستعمرات الإسرائيلية بصواريخ القسّام المباركة التي لا تفرق بين طفل و بالغ؟ بل وربما بين اليهود والعرب والمسلمين العاملين في تلك المستعمرات أو في شوارع فلسطين المحتلة، مع أن الشريعة حرّمت قتلهم ) . هل هذا تناقض أم جنون أم استرضاء لدولة إسرائيل ذات اليد الطويلة التي ضربت المفاعل النووي العراقي واغتالت عماد مغنية ( حسب اتهام حزب الله ) على بعد مائة وأربعين مترا من مقر المخابرات السورية؟. و عندما واجهه طالب الجغرافيا حول قتل الأطفال والمدنيين الأبرياء قائلا ( أتحداك أنت و تنظيمك أن تفعل ذلك في تل أبيب )، ردّ عليه في سياق آخر: ( إنّ القاعدة ستتحول لقتال إسرائيل بعد الانتصار في الحرب في العراق ضد القوات التي تقودها الولايات المتحدة و قوات الحكومة العراقية ). أي أن هذا المريض المغرور بجهله لا يجد وقتا ألآن لقتال إسرائيل، ولكنه يجد الوقت الكافي لقتل الأبرياء في العراق والجزائر والمغرب وأفغانستان وكينيا وغيرها.

علاقة القاعدة بإيران

حول الأسئلة الخاصة بعلاقة قاعدته بإيران، لم يجب علاّمة العصر مباشرة وبوضوح، خاصة أن السائل ( أيمن ) ذكّره بما ينشر عن أن هناك قيادات للقاعدة تقيم في إيران مثل ( سيف العدل )، وتدير عمليات القاعدة بتعليمات إيرانية، كما سأله عن علاقة التنظيمات الفلسطينية ( حماس والجهاد وغيرها) بإيران وزيارات قياداتها المتكررة لإيران وتقبيلهم للمسؤولين الإيرانيين ، فكانت ردوده ملتبسة، متهربا بإحالة السائل إلى لقاءات وأشرطة سابقة له، وهذه النقطة تحديدا تدلل على نرجسية هذا المريض وجهله، ففي العديد من الموضوعات التي سٌئل عنها يحيل السائل لأشرطة سابقة له، أو أوراق كتبها هو وغيره من إرهابيي القاعدة الجهلة ، وأعطوها أسماء ضخمة مثيرة مثل: ( رسالة التبرئة ) ، (التترس في الجهاد المعاصر)، ( فرسان تحت راية النبي ) ، و ( بطلان ولاية الضرير ) ، وهو يستشهد بهذه الأوراق وكأنها في مستوى ( صحيح البخاري ) أو أحد مصادر الشريعة الإسلامية التي لا يمكن الطعن فيها، وهو وغيره من الإرهابيين الذين ذكرهم ، لم يدخلوا مدرسة أو كلية أو جامعة خاصة بالدراسات الدينية ، وبالتالي فهم لا يحق لهم الإفتاء أو التوجيه باسم الإسلام ، كما أوضحت في مقالتي السابقة ( هل أصبح الظواهري مرشدا لمليار وربع من المسلمين؟ ).
وقد كشف الكاتب السعودي عبد الرحمن الراشد في مقالة له بعنوان ( ما سرّ علاقة القاعدة بإسرائيل وإيران؟ ) - جريدة الشرق الأوسط، الثامن من أبريل – سرا خطيرا : " سألت مرة أحد كبار الشخصيات الإيرانية: لماذا تسمح إيران لعدد من قيادات القاعدة بالبقاء على أراضيها ،مثل سيف العدل وسعد بن أسامة بن لادن وآخرين، الذين فرّوا إلى هناك بعد أن طاردتهم القوات الأمريكية في أفغانستان؟. فأجأني بإجابته الصريحة. قال: هم هناك لحماية إيران من عمليات القاعدة . ظننت أنني لم أفهم ما قاله، هم رهائن؟ ببرود وبصريح العبارة أجابني نعم رهائن ". وهذا يفسّر وجود قيادات قاعدية في إيران مثل أبو حفص الموريتاني الذي يعتبرونه مفتي القاعدة، وسليمان أبو غيث الناطق باسم القاعدة، وعبد الله أحمد عبد الله أحد المسؤولين الماليين للقاعدة ، خاصة أن بعض العمليات الإرهابية في داخل المملكة العربية السعودية، ثبت إصدار الأوامر بها من هؤلاء الإرهابيين المقيمين في إيران، وليس معقولا أنهم خارج نطاق مراقبة ورصد الحرس الثوري الإيراني الذي يوفر لهم الإقامة والمصاريف والتنقل والحماية.

أسئلة لا تحتاج إلى أجوبة

السائل " محمد سمير : تنمّ أسئلته عن إطلاعه الدقيق على حالة الظواهري وقاعدته، فهو يسأله: ( لماذا قمت بتحريف كتاب الشيخ الدكتور فضل، وزعمت أنه من تأليف لجنتكم الشرعية؟ . وما هي مبرراتك الشرعية للقيام بتزوير كتاب لم يأذن صاحبه لك بالعبث فيه؟ . وما ردك على التهم الموجهة لك خاصة ما قيل على لسان الدكتور فضل أنك كنت عميلا للاستخبارات السودانية، وتقوم بعمليات في مصر لصالحها مقابل أجر مادي مائة ألف دولار؟. لماذا لم نسمعك تهاجم إيران كما تهاجم غيرها من دول الشرق والغرب مسلمها وكافرها باستثناء إيران؟ علما أنّ إيران ارتكبت من الجرائم ما يستحق ذكره ومهاجمته في التسجيلات الكثيرة، وهذا ما لم تفعله في حين أنك تهاجم وتخوّن من يختلفون معك من الإسلاميين في الصغيرة والكبيرة؟. لماذا كفّرت الدكتور الشهيد عبد الله عزّام ورفضت الصلاة خلفه في بيشاور؟ وهذا ما أفادت به زوجة الشهيد عزام في مقابلة لها مع صحيفة تركية، أنك رفضت الصلاة خلفه وحرّضت المسلمين عليه، وما مدى صحة ما قيل أنّ لك يد في اغتياله؟. وألا ترى معي أنّ كثرة ظهورك على الفضائيات يؤكد ما قاله الدكتور فضل في حقك، وهو أنك لست أكثر من ظاهرة صوتية تحب الظهور والشهرة ).

إجابات مراوغة تؤكد صحة معلومات الأسئلة

ويجيب المريض النرجسي عبر مراوغات وتهرب من مواجهة حقائق أصبحت مؤكدة، ومنها أنه وسيده الإرهابي ابن لادن هما من خططا ونفذا اغتيال الشيخ الدكتور عبد الله عزام، بسبب صراعهم معه على القيادة والنفوذ، خاصة أن الدكتور عزّام كان الشخصية الأولى ومؤسس تنظيم القاعدة إبان القتال ضد الاحتلال السوفييتي لأفغانستان، وباغتياله خلت الساحة لابن لادن والظواهري، لينصّبا نفسيهما شاهدين على أحداث العالم كافة، ومرشدين لعموم المسلمين . ويحاول المريض النرجسي الطعن في مصداقية زميله الدكتور فضل الذي كشف العديد من ارتباطاته وجرائمه ، فيقول : ( لماذا لم يستيقظ ضميره إلا في مباحث أمن الدولة ؟ ) . و صاحب هذه الظاهرة الصوتية يتناسى أنه قدّم اعترافات بحق أصدقائه السريين ، وأنه ذهب بنفسه مع رجال مباحث أمن الدولة لتسليمهم القيادي في القاعدة (عصام القمري )، وكما أكدّ محامي الجماعات الإسلامية منتصر الزيات ، فالظواهري كان هروبه إلى باكستان وأفغانستان " بسبب الألم النفسي وعذاب الضمير الذي تسبب فيه اعترافه على زملائه ". ومن كهوف تورا بورا استساغ لعبة الظهور على الفضائيات، فأرضى نرجسيته، وشغل الناس عن جرائمه بحق زملائه و وطنه مصر والعديد من الأقطار الإسلامية بهذه الظاهرة الصوتية المضللة ، فإذا هو مرشد روحي تنتظر الجماهير إجاباته المليئة بالكذب و الإدعاء والمراوغة في النقاط التي تحرجه وتثبت أنه مجرد أداة تسيء للإسلام والمسلمين.

وتبقى في أسئلته العديد من النقاط التي تحتاج للتفنيد لبيان الكذب والتضليل فيها، و أتوقف عند هذا الحد في هذا الاستعراض، كي لا أثقل على قلوب القراء وعقولهم ، فالمزيد يوصل للغثيان إذا كان هذا الإرهابي أصبح ناطقا باسم المسلمين، ومرشدا يعطي رأيه وتوجيهاته في كل صغيرة وكبيرة من حياة مليار وربع من المسلمين، ولنا منازلة أخرى مع هذه الظاهرة الصوتية علّنا نسهم في كشف كذبها ونرجسيتها المريضة.
[email protected]
www.abu-matar.com[/B]

Post: #99
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 04-21-2008, 03:58 AM
Parent: #98

محاولة اغتيال الرئيس مبارك. ولربما يثبت المستقبل براءة البشير والترابي عن تدبيرها، رغم إغضائهما عنها. أصابع الإتهام تشير إلى عناصر كانت، في ذلك الوقت، قريبة من الترابي، واستمرت تحيط بالبشير، 1 تسعة هم (وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون) (النمل 27/48)، وقد أثبتت الدلائل التي جمعها المحققون الأثيوبيون تورط أجهزة أمن النظام في تلك المحاولة بصورة مباشرة عن طريق التسهيلات التي قدمتها لفريق الإغتيال بمنح أفراده جوازات سفر سودانية مكنتهم من الدخول إلى إثيوبيا، ونقل السلاح عبر الحقيبة الدبلوماسية، وتوفير الدعم لهم من خلال المنظمات الخيرية الإسلامية المنتشرة في إثيوبيا والتي كان أمرها موكولاً لعناصر من الجبهة أو قريبة منها، ثم تهريب من نجا منهم بعد الحادث إلى السودان عبر الحدود براً أو على متن الطائرات. على رأس هؤلاء كان مصطفى حمزة الملاحق من قبل سلطات الأمن المصرية. ومن سوء حظ النظام أن ينبري أحد المؤامرين (صفوت عبد الغني) للكشف عن تفاصيل ذلك الحدث الإجرامي، ودور النظام السوداني فيه، لإحدى الصحف بعد مضي خمسة أعوام على محاولة الإغتيال. 2 . صفوت واحد من المجرمين الأحد عشر الذين قاموا بالعملية، خمسة منهم لقوا حتفهم في الحال، وثلاثة تم اعتقالهم من جانب سلطات الأمن الإثيوبية منهم صفوت، وقدموا من بعد للمحاكمة (حكم عليهم بالإعدام)، في حين هرب ثلاثة آخرون إلى السودان، أو بالحري هُرِّبوا إليه.

وبوصول الثلاثة الهاربين إلى الخرطوم وجد صناع المؤامرة أنفسهم في مأزق، فقرروا إبلاغ البشير أولاً، ثم الترابي من بعد. جاء علي عثمان، بصحبة رئيس النظام، ليبلغا شيخ الجبهة (الترابي) بما حدث؛ وكان أول سؤال وجهه الشيخ إليهم: ماذا أنتم فاعلون؟. قال علي عثمان: قررنا تصفيتهم حتى لا نترك أثراً. إزاء ذلك الرد انفعل الترابي وقال: أجدر بكم أن تصفوا أنفسكم، فالعمل الذي تنتوون فعله ليس من الأخلاق في شيء، وليس من الدين في شيء، ثم تطوع الشيخ باقتراح: ابحثوا عن حل سياسي يخرج بمقتضاه المتهمون الثلاثة من السودان. في دولة الشريعة السمحاء لم يتبادر إلى ذهن ولي الأمر، ولا مفتي الديار، أن النفس بالنفس والجروح قصاص، وأن من يتعد حدود الله فهم الظالمون. حقا هم إلى الأعراب أقرب، (والأعراب أشد كفراً ونفاقاً وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله) (التوبة9/97).

شاء الأعراب المنافقون، والذين قال قائلهم "سنفنى جميعا حتى لا يعود الخمر للخرطوم"، إخفاء معالم الجريمة، وتبرئة السفاحين، وجعل الله لهم مخرجاً في فتوى الشيخ. نتيجة لتلك "الفتوى"، كُلِّف وزير الدولة للخارجية، غازي صلاح الدين، مع عنصر أمني (قطبي المهدي)، بتهريب المتهمين الثلاثة خارج السودان، دون أن تكون للاثنين فيما نظن، يد في المؤامرة. وبالفعل أعدت طائرة خاصة (قيل لمن شارك في إعدادها بأن وجهتها كوالا لامبور) ليستقلها المتهمون الثلاثة إلى طهران، بعد أن منحوا جوازات سفر سودانية جديدة وأطلقت عليهم أسماء وهمية. وكانت طهران محطة عبور، إذ كان الهدف أفغانستان. ولربما كان الهدف من اختيار قطبي هو أنه كان يعمل سفيراً للسودان في طهران، وكانت له بتلك الصفة علاقة وثيقة بأجهزة الأمن الإيرانية. نُغلِّب الظن أيضاً أن الاتصالات في إيران تمت على مستوى أمني لا سياسي، فإيران السياسية لا يمكن أن تنغمس في التستر على محاولة اغتيال رئيس مصر، فكفاها ما عانت من توتر في العلاقات مع مصر لسبب أدنى من هذا، ألا وهو إطلاق اسم الإسلامبولي، قاتل السادات، على واحد من شوارعها. ذلك موقف يمكن فهمه في إطار غضب الحكومة الإيرانية من السادات، أولا لاحتفائه بالشاه ومناصرته له، وثانياً لدعمه العراق في حربها ضد إيران. تلك العداوة لا تنسحب، بالضرورة، على مصر كلها، أو على رئيسها الحالي. جزء من هذه الحقائق يعرفه أهل السودان، وأدق تفصيلاتها كانت متوفرة لأجهزة الأمن الخارجية التي كانت ترقب وترصد كل تحركات النظام داخل وخارج السودان، لهذا كان أول سؤال وجهه مبعوث الرئيس كلنتون، هاري جونستون، للنظام في أول زيارة له للسودان: ما الذي حدث للمتهمين بمحاولة اغتيال الرئيس مبارك، وأين هم الآن؟ ذلك السؤال ظلت توجهه أيضا، دون جدوى، أجهزة الأمن المصرية لحكومة السودان. ومن سوء طالع غازي صلاح الدين أن كان هو الرجل الذي وجه له جونستون السؤال. رد غازي وهو يتأوه: آه تعلم السودان بلد شاسع (Ah,you know, Sudan is a vast country). ما درى غازي أثر ذلك الرد المستخف على المبعوث الأمريكي الذي تملك دولته القدرة على رؤية ما وراء الحيطان. قال جونستون لبعض خاصته بعد ذلك اللقاء: "هؤلاء قوم لا يمكن الوثوق بهم في أي شيء".

التصفية فيما يتجلى، أصبحت منهجاً يستسهله نائب الرئيس وثمانية رهط بالمدينة. فعقب فشل المحاولة، تمت تصفية أحد موظفي هيئات الإغاثة ويدعى محمد الفاتح أمام زوجته في أديس أبابا حتى يزال أي أثر للجريمة، وكان الفاتح واحداً من العناصر التي كانت على علم بتدبير الجريمة، وما زال قاتله يعمل في ديوان الزكاة. من جهة أخرى، لم يَقْوَ واحد من الثلاثة الناجين (مصطفى حمزة) على صحبة زميليه اللذين هُرِّبوا براً إلى السودان، ولهذا لم يجد زبانية النظام مناصا من حمله في طائرة الرئيس البشير بعد فراغه من مؤتمر القمة. وفيما يبدو، تم ذلك الأمر دون مشورة البشير، لهذا ما أن فوجئ بوجود الجاني في طائرته حتى انفجر غاضباً، ورفض عند وصوله مقابلة الصحفيين الذين كانوا في انتظاره. وبعد نقل الجاني إلى مستشفى الشرطة، توجس اثنان من طاقم حرس الرئيس من غير الجبهويين صحباه في الطائرة. وفي 23/3/1996 قام فردا الأمن، جعفر إبراهيم حسين صالح (من سرية حرس الرئيس)، وعز الدين حسن (من شعبة الأمن الإيجابي بالمخابرات العسكرية) باختطاف طائرة من طائرات الخطوط الجوية السودانية واتجها بها إلى أسمرا في 24/3/1996 نجاة بنفسيهما من الهلاك على يد قاتلي الأنفس التي حرم الله في دولة شرع الله. حملا على ذلك خاصة وقد ألمَّا بما حدث في أديس أبابا للشاهد الذي "شاف حاجة".

مهما يكن من أمر، تبع الحادث قراران هامان: الأول هو طرد ثلاث عشرة منظمة خيرية إسلامية من إثيوبيا، وهكذا أخذت إثيوبيا البريء بالجاني، إذ لا يتوقعن أحد منها أن تثق في واحدة من هذه التنظيمات بعد ذلك الحدث الخطير الذي هدد أمنها الداخلي، وأساء إلى علاقتها بالدول، وكشف عن المواقع التي يمكن للإرهاب أن يتسلل عبرها. والثاني هو إصدار مجلس الأمن للقرار رقم 1054 (عام 1996) بإدانة الحكومة السودانية، وأمرها باتخاذ إجراءات فورية لتسليم المتهمين الثلاثة إلى إثيوبيا. فرض مجلس الأمن أيضاً عقوبات على السودان تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة مما جعل السودان للمرة الأولى في تاريخه منذ الإستقلال مكان اتهام من الأمم المتحدة، ليس فقط بسبب انتهاك حقوق الإنسان، وإنما أيضاً بسبب تهديد السلام الدولي.

لم يكن للترابي، كما أسلف القول، دور مباشر في التخطيط لاغتيال الرئيس مبارك، إلا أن ابتهاجه الغريب بالحدث بعد وقوعه خلق انطباعاً بأنه كان وراءه. ففي حديث للسفير الأمريكي في الخرطوم قال: عندما تجرأ مبارك بالذهاب إلى أديس أبابا لحضور قمة منظمة الوحدة الأفريقية، كان المسلمون من أبناء النبي موسى له بالمرصاد. تصدوا له، وأربكوا خططه وردوه إلى بلده 3 . وبالطبع، أراد الترابي، بنسبته القتلة والمجرمين إلى موسى، أن يستدعي إلى الذاكرة فرعون. استمر الترابي في استهزائه بالرئيس المصري بأسلوب غير لائق، إذ قال لنفس السفير: لقد وجدت أن مبارك لا يرقى لمستوى تفكيري وأدائي ولن يفهم أبداً ما أدعو إليه 4. لم يكتف الترابي بالتندر بالرئيس المصري، بل تعهد بالاستمرار بمحاولات مماثلة حتى يتم تطهير مصر من الشوائب 5. كذلك هدد بوقف تدفق مياه النيل إلى مصر وهو القانوني الضليع الذي يعرف جيداً أن هناك قوانين، وسوابق، وأحكاما قضائية دولية تنظم المياه الدولية 6. وحتى تلك اللحظة كان واضحاً أن الترابي لم يكن يبالي أن يصبح قبضاي المنطقة، دون أن يدرك أن هناك قوى في الإقليم والعالم أشد قدارة منه على سفك الدماء، إن أرادت أو حُملت على ذلك. ولكن من الغريب أن ينكر الترابي، بعد خلافه مع البشير، أي علم بالحادث، أو مسئولية عنه. فرداً على سؤال من مجلة أسبوعية قاهرية عن دوره في محاولة اغتيال الرئيس المصري، أجاب الترابي: هذا السؤال يجب أن يُوجه للحكومة، أما أنا فمفكر وداعية فقط 7. ما الذي دفع الترابي إلى التحامل والاجتراء؟ هل السبب هو كرهه لمصر لأنها لم تخف كرهها له، أو لرغبتها، كما نظن، في دفع البشير للتخلص منه؟)) 8

نتيجة لثقافة العنف التي أشاعتها الجبهة وقعت ظواهر لم يكن يعرفها مسلمو السودان في ماضيهم: العنف بين الطوائف والفرق الدينية.. ففي ديسمبر العام 2000، مثلا، شن متطرف هجوما وحشيا على مجموعة مسالمة من المصلين من جماعة أنصار السنة المحمدية بمسجد الجرافة، خارج الخرطوم. أسفر ذلك الهجوم عن مصرع ثلاثة وعشرين شخصا، وإصابة عدد آخر إصابات خطيرة. وينتمي القاتل، حسبما أوردت التقارير الرسمية، إلى جماعة التكفير والهجرة التي تسترشد بأفكار معادية للمجتمع، وتدعو إلى إيقاع العقاب بالذين ينحرفون عن طريق الإسلام (حسب رؤيتها للإسلام)، كما تدعو لاعتزال المجتمع الكافر بحسبانهم وحدهم الفرقة الناجية. هذه الجماعة ليست جماعة سودانية أصلية وإنما هي جماعة وافدة، وما كان لعنفوانها أن يستشري لولا الرعاية التي وجدتها من النظام. فحادث الجرافة لم يكن هو الأول من نوعه، ففي عام 1994 هاجم زعيم جماعة التكفير والهجرة، محمد الحليفي (يحمل جنسية ليبية ـ تونسية مزدوجة) مسجداً في أم درمان تتردد عليه نفس الجماعة (أنصار السنة)، وقتل عشرين من المصلين. وعندما نُقل الضحايا الجرحى إلى المستشفى العسكري بأم درمان، كان أول من وفد إليهم هو الدكتور غازي صلاح الدين، فهرع الضحايا وأهلهم ينقلون إليه توجعهم وشكاتهم ضد الجناة. الإسلامي العارف بأحكام القصاص (والداعي بالقطع لتطبيقها) أرعبهم بقوله: اعتبروهم ماتوا في حادث حركة. الحادثان يكشفا فقط عن تغلغل الجماعات المنحرفة في السودان تحت مسمع من النظام ومشهد، وإنما أيضا عن خَتَر (خيانة وغدر) النظام بمن والوه، وفي الحديث ما خَتَر قوم بالعهد إلا سُلط عليهم العدو. ففي الحادث الأول طلب النظام من القاتل حليفي الاختباء في منطقة الصحافة بالخرطوم، ربما تمهيداً لتهريبه. في ذات الوقت أذاع وزير الداخلية، عبد الرحيم محمد حسين، بياناً يدين فيه الحادث، ويعلن أن سلطات الأمن تعمل جاهدة لإلقاء القبض على المجرمين الذين خبأتهم، بهدف تقديمهم للمحاكمة. ذلك البيان الإذاعي أغضب الحليفي، فيما يبدو، غاية الغضب حيث لم يكن يحسب نفسه مجرماً بل مجاهداً في سبيل الله، كما لم يتوقع صدور تلك التهمة ممن والاهم وعاهدهم. لذلك ترك الرجل مخبأه وذهب مباشرة، وهو يحمل سلاحه، إلى منزل أسامة بن لادن في الرياض ليختصم إليه. ولسوء حظه ظن حراس بن لادن أن الرجل انتوى شراً بشيخهم، لاسيما بعد أن شق طريقه إلى الدرج الذي يقود إلى مكتب الشيخ، فأطلقوا عليه النار وأردوه قتيلا. ترى، كيف يثق أي امرئ بنظام لا يملك الشجاعة على الاعتراف بالنتائج المترتبة على سياساته، ولا يحترم عهداً مع من عاهد.

أما قاتل الجرافة في عام 2000، عباس بكير، فقد كان بين المتهمين في الحادث الأول إلا أنه أطلق سراحه لعدم توفر الأدلة على جنايته، حسب قرار ممثلي الاتهام. ذلك الرجل كان معروفاً للنظام، بل تدرب على القتال في صفوف ميليشيات الجبهة وشارك في إحدى الحملات العسكرية بجنوب السودان. بدلاً عن معالجة جذر المشكل (إيواء النظام للجماعات المتطرفة، وتمكينها من التحرك الطليق وسط المجتمع، وإتاحة الفرصة لها للتغلغل في الأجهزة الحساسة بكل فكرها الموبوء)، ذهب النظام لمعالجة الأمر من منظور أمني. عدل قانون الأمن ليمنح السلطات الأمنية (وهي نفس الهيئات التي أسست ثقافة العنف في المقام الأول) سلطة التعامل مع ما أسماه التعديل الظواهر الشاذة، وذلك باحتجاز المتهمين الذين يمثلون ظواهر شاذة لمدة ستة أشهر دون محاكمة، أيا كان معنى هذا التعبير. لم يدرك النظام الحاكم أن الظاهرة الشاذة الحقيقية هي سياساته التي جعلت الخط الفاصل بين الجهاد والقتل، وبين النهي عن المنكر والعدوان المتعمد، خطاً رفيعاً لا يكاد يرى منذ أن فُتحت أبواب السودان أمام الفوضويين من كل حدب وصوب. وليت الأمر وقف عند الشذوذ المجتمعي، إذ أن هذه الجماعات المتطرفة الوافدة أصبحت دولة داخل الدولة، لها أجهزة أمنها الخاص ومحاكمها. وشاء الله أن يكشف واحد من العائدين من كهوف أفغانستان بعضاً مما كان يدور في السودان. روى عبد الفتاح فهمي (كنيته أبو الخير) لجريدة الأهرام أن ابناً لأحد أعضاء جماعة الجهاد الإسلامي اتهم بالتجسس لحساب الجهات الأمنية المصرية التي كانت تتخذ من محل بقالة بجوار المنزل الذي كان يقطنه بن لادن موقعا للتجسس على نشاطات الجماعة. ولما انكشف الأمر للجماعة، اقتادت الصبي عصمت (عمره 15 سنة) للإستجواب ثم أخذته خارج المدينة حيث أعدمته ولا نصدق أن مثل هذه الأمور كانت تحدث دون علم نظام يحصي على أهله أنفاسهم.


منصور خالد ..السودان اهوال الحرب وطموحات السلام


الهوامش:
1. تشير أصابع الإتهام إلى المجموعة التي تقود الأجهزة الأمنية وعلى رأسها وزير الخارجية يومذاك، والنائب الأول لرئيس الجمهورية الآن علي عثمان محمد طه. وكان على رأس المدبرين، صلاح قوش، منسق العملية، الذي أشرف على نقل السلاح وقام ببروفة ميدانية للعملية في أديس أبابا، وكان إلى جانب قوش العصبة الممسكة بزمام الأمور في أرخبيلات الأمن الأربعة عشر.
2. الشرق الأوسط 20 مايو 2002
3. Donald Peterson, Inside Sudan. P 169.
4. نفس المصدر.
5. قال الترابي لصحيفة لندنية أن مصر اليوم تعاني من قحط في العقيدة والدين، ولكن الله يريد للإسلام أن يبعث من السودان ويجري مع النيل إلى مصر ليطهرها من الرجس، الشرق الأوسط، 6 يوليو 1995.
6. تصريحات الترابي حول إيقاف مياه النيل دفعت وزير الري المصري لوصفه بعدم المسئولية، آخر ساعة، 13 يوليو، 1995
7. حوار مع حمدي رزق، المصور، 24 نوفمبر 1999.
8. كانت مصر على علاقة وثيقة بنائب البشير، الراحل الزبير محمد صالح، وفي وقت لاحق بوزير الدفاع عبد الرحمن سر الختم (لم يكن جبهوياً). تلك العلائق خلقت انطباعاً في السودان أن مصر تسعى لتقويض النظام من الداخل عبر عناصر من غير الأيديولوجيين. وكان بعض النافذين في مصر يتظنون أن إقصاء الترابي هو المفتاح للحل.

Post: #100
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 04-21-2008, 04:02 AM
Parent: #98

ويواصل د. منصور خالد سرده قائلا ..

مآثر حكم الجبهة المافيوي لم تقف عند حدود السودان، بل استفاضت لتشمل القصي والداني. ومن الواضح أن الجبهة كانت موقنة بأن الله قد مكَّن لها في الأرض، بإعانتها على إعادة تشكيل الثقافة التعبدية للمسلمين، ووعدها بنصر من عنده وفتح قريب. فكيف، إذن، لهذه العصبة من أولي القوة أن تجفل عن مجابهة "الإرجاف" في العالم، من بعد أن قضت (أو هكذا ظنت) على المرجفين في المدينة؟ وهكذا أنشأ الترابي في صيف 1991 المؤتمر العربي الإسلامي الشعبي وأصبح أميناً عاماً له. وكما يشير إسمه، لم يكن المؤتر مؤتمراً إسلامياً فحسب، بل أيضاً تجمعاً ضم المتطرفين من كل حدب، لكل واحد منهم برنامجه الثوري. وكان اسم المؤتمر في البدء المؤتمر الإسلامي الشعبي، إلا أن كلمة العربي أضيفت إليه بعد انضمام الزعيمين الفلسطينيين نايف حواتمة وجورج حبش إليه، وكلاهما مسيحي. وحسبما أورد تقرير لأحد فرق العمل بالكونغرس 1، شارك في الإجتماع التمهيدي للمؤتمر في منزل الترابي بحي المنشية في الخرطوم، الفريق البشير، عباسي مدني (الجزائر)، راشد الغنوشي (تونس) مهدي إبراهيم، وآخرون، ومن الأخرين هؤلاء ذكر روهان قوناراتا، مستشار الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب في كتابه الأخير 2 أسماء أسامة بن لادن، الملا مهدي الكروبي، المتحدث الرسمي باسم المجلس الإسلامي في طهران، وعبد الله جاب الله عضو البرلمان الجزائري، والذي أعلن تخليه، فيما بعد، عن الجماعات المتطرفة. في ذلك الإجتماع تم الاتفاق على طبيعة المؤتمر، وأجندة أعماله، كما ووفق على تحويل مبلع 12 مليون دولار أمريكي لجبهة الإنقاذ الإسلامي الجزائرية من خلال أحد البنوك الإسلامية بالخرطوم. ذكر التقرير أيضاً أسماء عدد من المعسكرات التي أنشئت لتدريب الكوادر الإسلامية في السودان وهي الكدرو ـ جبل الأولياء ـ الكاملين، بالإضافة إلى تكوين فريق عمل (Task Force) كنواة للعمل السياسي "الإسلامي" في أوروبا، كان من بين المشرفين عليه الطيب إبراهيم سيخة. 3 وهكذا حول نظام الجبهة السودان الآمن إلى معقل للعنف السياسي عابر القارات، ومعبراً لتهريب الأسلحة للدول المجاورة، ومصدراً لتحويل الأموال من خلال أجهزته المصرفية إلى المجموعات السياسية المناهضة للحكومات في دول الجوار. وكان للترابي المهيمن على دولة العنف الإسلامي رأي غريب أورده في خطابه الافتتاحي، قال:

إن أبناء الشريحة القيادية لحركة الإسلام كانوا قد عاشوا عهداً طويلاً أيام الدعوة الأولى في غربة وجدال وخصام إذ أحاط بهم طيف من عشاق المذاهب الاشتراكية والليبرالية، ثم لما بلغوا أشدهم فاقتحموا السياسة عهدوا صنوف المشاقة والمؤاذاة من متعصبة الطائفية رمياً بالحجارة وضرباً بالعصي ليصدوهم ويحموا الأتباع من الوعي. ما أحلى القذف بالحجارة والضرب بالعصي إزاء وجوه التعذيب الإسلامي التي وصفها مراقبو حقوق الإنسان الدوليون.

كانت مصر وليبيا من أوائل الدول العربية التي استهدفها النظام الجبهوي رغم مساندة هاتين الدولتين له عند إنشائه. فحين مدت ليبيا حكومة الخرطوم بدعم مادي هام تمثل في توريدات الوقود في وقت كانت في أشد الحاجة إليه، قامت مصر بتسويق البشير لدى العالم العربي بوصفه مصلحاً وطنياً بلا انتماءات أيديولوجية. ولربما اعتقد الترابي أن ليبيا هي أضعف حلقات السلسلة، ولهذا قصد السيطرة عليها من الداخل عبر الجماعات الإسلامية الليبية. ولربما ظن أيضاً، أنه لو تحققت له السيطرة فسيسهل عليه التحكم في شمال أفريقيا، ثم الانطلاق بمشروعه الثوري الإسلاموي نحو أوروبا. تطلعات الترابي، بلا شك، أخذت تتجاوز الخيال، كما لم يتردد ذهنه، فيما يبدو، بين الشك واليقين في قدرته على تحقيقها. ففي خطاب جماهيري له بمدينة كسلا (شرق السودان) قال: إن كان الإسلام قد انطلق إلى أوروبا في ماضه من قلعة الأمويين في دمشق، فإنه سينطلق اليوم إليها من السودان. ولربما كان موسى بن نصير السوداني يومذاك مثمولاً بهتافات الجماهير: تكبير، تهليل.



تقابل الترابي، حسبما ورد في تقرير فريق العمل الأمريكي، مع عدد من المنشقين الليبيين للتخطيط للاستيلاء على الحكم في الجماهيرية الليبية هم: فايز محمد، جمعة علي رمضان، كمال شامي، وأبو زولوك. في ذلك الاجتماع، كما يقول نفس المصدر، شارك تاج السر مصطفى ومهدي إبراهيم، من كوادر الجبهة. وفيما نلمح، كانت تلك الجماعة تعتقد أن السير إلى طرابلس لن يكون أكثر من نزهة بلا عناء، كما كان الترابي على يقين بأن القذافي في موقف ضعف شديد تجاه "الحركة الإسلامية" في بلاده. ففي حديث مع صحفي أمريكي قال: ظل القذافي، في الآونة الأخيرة، يدعو الحكومة السودانية، بطريقة واضحة لا لبس فيها، لإبعاد الدين عن السياسة وعدم الخلط بينهما. حقيقة الأمر، أن القذافي في غاية القلق من الظاهرة الإسلامية التي تحيط به من كل مكان. المهمة لم تكن بالسهولة التي توقعها الترابي، بل انتهت بسرعة لم تتوقعها حتى العناصر التي كانت حسب ظنه تحيط بالقذافي من كل مكان.4 اعتقل النظام الليبي كل هذه العناصر وتم إعدامها، بل إعدام كل من لحقت به شبهة التعاون معهم، كما توقفت ليبيا عن مد السودان بالنفط. في الوقت ذاته، امتدت أيدي الجبهة أيضا إلى المغرب القصي: موريتانيا المسالمة. ففي 3 أكتوبر سنة 1994، أعلنت صحيفة موريتانيا الجديدة (La Mauritauritanie Nouvelle) القبض على خمسة أشخاص ينتمون إلى جماعة الجهاد الإسلامي بينما كانوا يخططون لحملة إرهابية في موريتانيا لزعزعة استقرار نظام الحكم. وجاءت هذه المجموعة، طبقاً للمعلومات الأمنية التي توفرت للصحيفة، من السودان.

أخطر المغامرات الخارجية للجبهة تمثلت في مساندتها للغزو العراقي (أو بالحري غزو صدام) للكويت، رغم ازدراء الترابي المعلن للرئيس العراقي. ففي محاضرته بجامعة فلوريدا، وصف الترابي صدام بـ "عدو الإسلاميين الذي لن ينخدع الإسلاميون أبداً بدعوته المتكررة للجهاد". وحين كان الترابي يجاهر باستيائه من صدام في تامبا بولاية فلوريدا، كانت حكومته في الخرطوم تقدم جزءاً من أرضها كمخزن لأسلحة الدمار (صواريخ سكد) العراقية حماية لها من هجوم القوات المتحالفة ضد العراق. 5 وفي نوفمبر/ تشرين ثان 2002 أدلى وزير الداخلية السعودي، الأمير نايف بن عبد العزيز بحديث خطير لجريدة السياسة الكويتية ونقلته عنها صحيفتان سعوديتان. قال الأمير نياف أن وفداً ضم الغنوشي (تونس)، والترابي (السودان)، والزنداني (اليمن)، وأربكان (تركيا) زاره عند احتلال العراق للكويت واجتمع بالملك وولي عهده للتوسط في النزاع. وعندما جابه المسئولون السعوديون الوفد بسؤال محدد: هل تقبلون احتلال بلد لبلد؟ أجابوا بأنهم ما أتوا إلا ليسمعوا، ولكن ما أن وصل الوفد بغداد حتى أعلن تأييده للعراق.6

هل كان التناقض بين حديث الترابي في تامبا، وأعماله في الداخل توزيعاً للأدوار، أم هو جزء من استراتيجية الحديث بلسانين: واحد لمخاطبة الخارج، والثاني لمخاطبة الداخل؟ هو هذا وذاك، ولكن بجانبهما أيضا عامل ثالث. فالترابي ونظامه كانا يؤملان في مضي صدام بحملته حتى يصل الحرمين الشريفين. هذا الزعم تؤكده الهتافات الداوية في التظاهرات التي كانت تقودها عناصر الجبهة في طرقات الخرطوم: إلى الأمام يا صدام. من الكويت إلى الدمام. كما كان للترابي رأي معلن في الأسرة المالكة السعودية لا يتسم بالكياسة. ففي حديث إلى الكاتبة الأمريكية جوديث ميللر قال مندداً بالمملكة العربية السعودية وحكامها: إن الحكام السعوديين ليسوا مسلمين أصوليين، ولا حتى مسلمين. فحكمهم الملكي، وقوانينهم وصفوتهم العلمانية، يمثلون نموذجاً محافظاً للحكم في الشرق الأوسط عبر السنين. 7 وكان الترابي قد أعلن لمستمعيه في تامبا أنه على اتصال بعناصر شابة في المملكة السعودية يريدون الخلاص من الملكية في بلادهم. هذا أمر لا يستبدعه المرء من نظام الخرطوم بعد إيوائه لأسامة بن لادن، صاحب المقالة الذائعة حول الحكم في بلاده. ما نستبدع ونستهجن هو الوقاحة التي اتسمت بها الهتافات التي ترددت في التظاهرات التي نظمتها الجبهة، والتي نسبت الأسرة المالكة إلى يهود خيبر، ومنها يهود، يهود ، آل سعود.

وإن عرفنا الذي دفع الجبهة إلى الانحياز لبعث العراق وأغلب رجالها ممن كانوا يناهضون الاتجاهات العروبية بناصرييها وبعثييها (من أشأم منهم ومن تعرق) نتساءل وما الذي جرها إلى الغلو في معاداة المملكة، وأغلب كباراتها قد نموا، وكل مؤسساتها قد قامت، على العطاء الرسمي والأهلي من المملكة العربية ودول الخليج؟ ثم كيف يبرر المرء، مع اختلاف الرأي، الشطط في العدوان، والشطح في القول، والجور في الخصومة؟ نقول، والله ورسوله أعلم، إنه الهوى الجماح، والخيال الطماح، والادعاء أنهم على شيء ليس لهم. تراءى لنظام الجبهة، فيما نظن، أن صدام حسين وحزبه العلماني (البعث) لن يستطيعا بأي حال من الأحوال التمسك بأرض الحرمين الشريفين، مما سيضطرهم إلى التعاون مع المتطرفين السعوديين. وحسب هذا التوهم، سيصبح الترابي، بحكم تفوقه المعرفي العصري على أولئك المتطرفين، هو المرشد الفكري والشيخ الحكيم. وكان الأمير نايف صريحاً في حديثه حول الترابي في التصريح الذي أشرنا إليه آنفاً، قال: "لقد عاش الترابي في المملكة ودرَّس في جامعة الملك عبد العزيز، وكنت أعتبره صديقاً، وكان يمر علي دائماً، خصوصاً عندما عمل في الإمارات. كان لا يأتي المملكة إلا ويزورني. وما أن وصل إلى السلطة حتى انقلب على المملكة. ذلك هو نفس التفكير الذي رمى بالترابي العالم إلى مساندة الجماعات الإسلامية المتطرفة في الجزائر، رغم كل جرائمها وجرائرها التي لا تشرف مسلماً ولا الإسلام. كان واثقا من انتصارها في النهاية، مثل ثقته في انتصار نبوخذ نصر العراق، ولهذا صمت عن كل فتاواهم التي أحلوا بها قتل النساء والأطفال من أهلهم تأسياً، كما زعموا بإبراهيم: (قد كان لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا براء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده). (الممتحنة: 60/4

Post: #101
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 04-24-2008, 10:53 AM
Parent: #100

العَلمانية ليست كفرًا


فريدة النقاش
2006 / 7 / 1


نجح خصوم الديمقراطية وبخاصة تيارات الإسلام السياسي بمختلف اتجاهاتها في تشويه العَلمانية ومحاصرة معانيها والأفكار والتاريخ الطويل الذي ارتبط بها، وفعلوا ذلك حين قرنوا بينها وبين الكفر والإلحاد رغم أنهم يعلمون جيدا أن هناك ملحدين كثيرين ليسوا علمانيين، وأن هناك علمانيين ليسوا ملحدين، ويعلمون أيضا أن الإلحاد ينتمي إلى ميدان الفلسفة وأنه وجد مبكرا جدا في تاريخ البشرية حتى قبل عصر الديانات؛ ويعلمون أيضا أن العلمانية تنتمي إلى ميدان الفكر السياسي، وأننا إذا شئنا تقديم تعريف مبسط لها فسوف نقول إنها فصل الدين عن السياسة والدولة وليس فصله عن المجتمع والحياة. ذلك أن الدولة الدينية هي بالضرورة دولة استبدادية ليس فقط لأن هذا هو التاريخ الذي عرفناه عن الدولة الدينية سواء كانت تلك التي هيمنت عليها الكنيسة في التاريخ الأوروبي في العصور المظلمة، أو كانت دولة الخلافة الإسلامية التي كانت دولة استبداد وفساد في غالبية عهودها وكانت سنوات العدل والشورى والرحمة فيها هي الاستثناء والنشاز.
ليس لهذه الأسباب التاريخية فقط، ويصبح فصل الدين عن الدولة ضرورة وإنما أيضا لأسباب فكرية عميقة هي جوهر السلطة الدينية، أي الدولة الدينية تتخلص هذه الأسباب في حقيقة أن النظرة الدينية للعالم تستبعد الآخرين عامة، لأنها هي التي تمتلك الحقيقة المطلقة ولابد أن تأتي بكل الآخرين علي أرضها لأنهم ضالون، وما سعيها لحاقهم بها إلا عملية إنقاذ لأرواحهم الهائمة في عالم الضلال، وتصحيح لمسارهم في الدنيا والآخرة.
لذلك حين تتأسس دولة علي هذه الرؤى والأفكار والمفاهيم فإنها تخاصم الديمقراطية والتعددية من حيث المبدأ، إذ إن الديمقراطية والتعددية تبقي مفاهيم غريبة علي أساسها وبعيدة عنها كل البعد. ولم يكن أحد زعماء الجبهة الإسلامية للإنقاذ مخطئا حين قال عشية بوادر نجاح الجبهة في الانتخابات التشريعية في الجزائر مطلع التسعينيات: إنها الديمقراطية لمرة واحدة لأن الديمقراطية قرينة الإلحاد وهي قيمة مستوردة من الغرب، ولذلك فإن مطلب تداول السلطة كمطلب ديمقراطي أصيل وركن من أركان الديمقراطية يظل بدوره مطلبا غريبا علي الإسلاميين، فمع من سوف يتداول السلطة هؤلاء الذين يملكون الحقيقة الإلهية ويتحدثون باسم الله ويقيمون شرعه علي الأرض؟ إن مجرد احتمال أن يقضي مثل هذا التداول إلي تغيير الحكومة التي تتحدث باسم الله وتنتمي لدولة لها دينها سيكون عدوانا أثيما علي شرع الله الذي تقيمه هذه الحكومة.
كذلك فإن النظرة الدينية للعالم وللعلاقات الاجتماعية ولصراع الأفكار والرؤى وهو صراع دائر رغم كل تحوطاتها ترفض من حيث المبدأ مسألة الحوار، وتضع الطاعة الكاملة لأولي الأمر في مكانه، سواء كان أولو الأمر يتربعون علي عرش الحكومة أو الحزب أو المؤسسة أي أن هناك خصومة ضمنية مع العقلانية التي تتعامل عادة مع بدائل هي بنت الحوار والصراع والعقل النقدي الحر، ذلك العقل الذي يطرح الأسئلة علي الوجود والكون والعلاقات الاجتماعية وعلاقة الفرد بالجماعة وبخالقه وحينه يرفض دعاة الدولة الدينية القول بأن علاقة الإنسان بالله هي مسألة شخصية تخص كل فرد على حدة وهو مسئول عنها طبقا للأقوال الشعبية التي تتضمن حكمة عميقة واحتراما أصيلا لحرية الفرد: كل واحد متعلق من عرقوبة أو رب الكل يحاسب الكل- حين يرفضون هذه الرؤية المنفتحة التي أستطيع أن أسميها عَلمانية فطرية إنما يتطلعون للتوسط بين البشر وإلههم فيصبحون هم المرجع المعتمد، وكم أفضى مثل هذا التوسط القسري إلى مآس وعنف وقتل ودماء على مدار التاريخ، وارتكب كل هذه الأفعال الوحشية من فوضوا أنفسهم متحدثين باسم الله ونوابا عنه وأوصياء علي البشر في دينهم ودنياهم في ملبسهم ومأكلهم وطريقة تفكيرهم وخياراتهم كافة باعتبار أن الإسلام دين ودينا كما يقولون.
ولذا كله لا بد من تشويه الفكرة العلمانية التي تتجنب المطلق، وتبقي في مجال النسبي، وتفكر في النسبي بما هو نسبي، وتؤمن أنه لا سلطان على العقل الإنساني إلا العقل ذاته. ويبقي إيمان الإنسان بربه شأنا خاصا بينهما. ولم تكن العلمانية لا لدى نشأتها ولا في مسار تطورها تشترط الإلحاد أو تبشر به إلا فيما ندر بين بعض فلاسفة التنوير في صراعهم ضد الكنيسة.
لكن، ولأن الذين يرتبون لهذه الحملات ضد العلمانية يدافعون عن مصالح هائلة يحيمها الاستبداد المدني والديني، تعمدوا أن يلمسوا هذا الوتر الحساس لدى المؤمنين، بل ونقلوا معركتهم حول الكفر والإيمان والدولة الدينية والدولة العلمانية من ساحة الفكر والجدل الديني إلي ساحة البسطاء والفقراء ليحشدوا جمهورا ضد الفكرة العلمانية وأساسها الديمقراطي العقلاني وكونها شرط أساسي للمواطنة الحقة وللتعايش الخلاق علي أساس الاحترام المتبادل بين الديانات جميعا.
لذلك يتعين علي دعاة العلمانية أن يخوضوا معركة الدفاع عنها في الأوساط الشعبية وبين المؤمنين مسيحيين ومسلمين ليمزقوا تلك الستر الزائفة السوداء التي ألقي بها مغرضون على الفكرة العلمانية والدولة العلمانية التي هي دولة كل المواطنين بصرف النظر عن الجنس أو اللون أو العقيدة وليست دولة المؤمنين بالإسلام وحده، وهي أصلا لا تنهض علي الإيمان إنما على المواطنة.

Post: #102
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 04-27-2008, 09:13 AM
Parent: #101

العدد رقم: 881 2008-04-27

حديث المدينة
أصحى.. يا بريش..!!

عثمان ميرغني
كُتب في: 2008-04-27

[email protected]


سألني باحث بريطاني يزور السودان هذه الأيام.. سؤالا افتراضيا جديراً فعلا بالإجابة المتأنية العميقة.. قال لي ( اذا افترضنا ان أحد أعضاء الحركة الإسلامية في السودان نام في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي.. ولم يستيقظ إلا الآن.. ثم سار في الشوارع وقرأ الصحف وتأمل في المجتمع والدولة.. دون أن يقدم له أي فرد مساعدة للتعرف على ما تغير خلال العشرين سنة الماضية.. فهل يستطيع ان يعرف أن الأمور كلها خلال فترة نومه كانت تخضع لحكم جماعته..؟؟)
قلت له.. ولو أُعطي (خيارات!!) فلن يستطيع تخمين الإجابة الصحيحة..
سأتقمص السياق الافتراضي الذي اختاره الباحث البريطاني.. وأتصور أن هذا الرجل ( وربما يكون من قيادات الحركة الإسلامية).. وبعد ان استيقظ..اول ما فعله وبكل شوق ولهفة أن ذهب الى منزل (الشيخ!) حسن الترابي.. وجلس في طرف الصالون بكل هدوء يسمع تصريحات وتحليلات الشيخ للأوضاع.. وكأني بهذا الرجل الذي استيقظ من منامه يقول في قرارة نفسه.. وهو يسمع لكلام الشيخ الترابي..( إذن لقد فعلها الشيوعيون.. !!).. ثم واذا به وهو راجع (بالمواصلات طبعا).. بشارع أفريقيا وجوار مدخل المطار.. تكاد تربكه الدهشة.. وهو يكمل الجملة (.. ويصَّلون..الشيوعيون !!).
وربما وقع في حيرة ودهشة اهل الكهف.. حينما قالوا لأحدهم أذهب بورِقِنا هذا فلينظر أيّها أزكى طعاما.. فقدم ورقه (العملة) للتجار فنظروا اليه وسألوه من أي عهد تاريخي سحيق هبط..
المعايرة القياسية التي طلبها الباحث البريطاني للفرق بين النظرية والتطبيق.. تحتاج اولا وقبل الغوص فيها الى استنباط وحدة القياس..حتى يمكن معايرة الطرفين والكتلتين بنفس الوحدة القياسية.. فلا يمكن – مثلا معايرة جسمين واحد بالكيلو.. والآخر باللتر.. أو بالمتر..
ماهي وحدة القياس التي تحسب المسافة الفاصلة بين النظرية والتطبيق..
اقترح استنباط وحدة قياس نطلق عليها (كيلو انسان).. الوزن المعياري للانسان.. على هدى معادلة بسيطة تفترض أن (الكيلو إنسان) هو الناتج الطبيعي لحصيلة جمع التنمية والخدمات والمشاريع التي تقدم له مع الحقوق التي يكتسبها.. فإذا توفرت للانسان مشاريع ضخمة وخدمات مترفة وتنمية هائلة.. ونال معكوسها من الحقوق الذاتية والمعنوية فإن (الكيلو انسان) يصبح في وزن الذبابة..
بوحدة القياس هذه يمكن إجراء اختبارت خارجية في دول أخرى.. والتأمل في ناتج (الكيلو انسان) فيها.. فدول عملاقة من فرط جبروتها خرقت غلاف الكرة الأرضية وارتفعت بإنسانها الى الفضاء الخارجي. لكن انسانها على الأرض كان لا يساوي إلا قيمة تافهة من الـ(كيلو انسان).. وكانت النتيجة الطبيعية بالتحديد انهيار منظومة (الاتحاد السوفيتي).. وحلف وارسو ودخول بعضها في حلف الناتو..
الأمثلة كثيرة.. وبعضها لا يزال شاخصا.. وسنة الحياة البشرية ان الانسان هو محور الحياة.. وأكدها القرآن الكريم الذي جزم ان كل ما في الحياة الدنيا هو مسخر لأجل الانسان. في البر والبحر والفضاء..
إذن فلنستخدم مسطرة أخينا الدكتور أمين حسن عمر الشهيرة.. ونحسب كم (كيلو انسان) يسوى السوداني..؟؟



hgs,]hkn

Post: #103
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 04-27-2008, 11:12 AM
Parent: #102

العلمانيه .... طريقنا للخلاص من الأستبداد الدينى
ناصر الياسرى
watan_1957@yahoo
2006 / 7 / 10


لعل من اكثر المصطلحات التى تعرضت للتشويه و التضليل هو مصطلح ( العلمانيه ) لكونه مصطلح جديدا على مسامع المواطن العربى وكثيرا ما ربط هذا المصطلح مع مبداء الغاء الدين او حتى الالحاد !! الا ان الطرح الجديد الذى بشر به المفكر الاسلامى السيد اياد جمال الدين والذى اوضح فيه مفهوم ( العلمانيه ) بانه حفظ للدين من مخالب السلطه بالرغم من ان هذا الطرح لم يجاهر به اى مفكر عربى وحتى المفكرين اليساريين فكيف وهو يطرح من قبل رجل دين شيعى ويعتمر عمامة رسول الله!!
واكد بأنه يؤيد قيام دولة علمانيه ديمقراطية كى ينقذ الدين من مخالب السلطة يومها علق البعض على ماقاله هذا الرجل الشجاع وهم غير مصدقين من هذا الطرح وقد وجدوه وهويعلوا بصوته الرخيم قائلأ : كفى خطفا للدين منذ أربعة عشر قرنا كفى من الأستبداد الدينى
لقد كان فقهاء السلطان ألعوبة بيد السلطه يفتون لها بما يشاء بحق او بدون حق !!
لقد كانت زوجة الرشيد تفتى ثم تبعث بورقه الفتوى لفقيه السلطتن ليمهرها بختمة دون نقاش !!
ان دفاع السيد أياد عن العلمانية هو دفاعا عن الدين ومن أجل أن يكون الدين بعيدا عن أ نياب السلطة الذى استعبدتة طوال اربعه عشر قرنا ان اعداء العلمانية موجودون على الساحة السياسيبة لأن تطبيقها سوف يضر بمصالحهم السياسية ويذهبون الى الهدف السهل ويصبون غضبهم ليكرروا ذات الخطأ المتوارث عبر اللأجيال والذى يفترضون وجود حركة علمانية ثم يقرن العلمانية بالألحاد مع انها لست كذلك فالعلمانى فى البلاد التى تطبق العلمانية شخص مؤمن وكل ما فى الامر انه يحكم القانون المدنى فى تفاصيل حياته اليومية والدكتور فؤاد زكريا صاحب الفضل على الفلسفةالأسلاميةالمعاصرة وجد الموقف العلمانى فى السياسةضرورة حضارية لاتنتقص من شأن الشريعة اللأسلامية فالأسلام يحكم ولا يحاكم.
والدولة مؤسسة تتعرض للمحاكمات والأنتقادات و المعارضة وبالتالى فأن ربط حركتها با القانون المدنى أفضل لها وللشريعه والتى يجب ان لاتتحمل اخطاء البشر
ان العلمانية وكما يفهما السيد أياد هى حكومة مدنيه منزوعة الأضافر وتحارب مخلصة لعدم تسيس الدين الحنيف والأبقاء على نقائة بعيدا عن حلبة الصراع السياسى ولعدم تسخير الدين لأغراض سياسية دولة ضعيفة وشعب قوى دوله تعتاش على الشعب لا الشعب يعتاش عليها
لقد سالت انهار من الدماء خلال تاريخنا الأسلامى لأن ما سل سيف فى الاسلام بكثافة ماسل فى خلافات الأمامة . حسب تعبير( الشهرستانى ). فالأمام كما هو معروف هو القائد الروحى والسياسى ولافصل بين الوظيفتين نظريا وعمليا عند معظم المذاهب.
ان العلمانيه لا تأتى من فراغ ولابد ان يسبقها عصر تنوير طويل . لم نصلة بعد رغم كل ما يقال وهذا ما يحاول ان يمهد له السيد اياد جمال الدين وبصعوبه نظرا لما تعرض له الشعب العراقى من تغييب وعيه الفكرى و الثقاقى .والاجتماعى سابقا وحاليا
لقد انتظرت فرنسا قرنا كاملا لتنظيم تنوير عصر جان جاك روسو وفولتير قبل ان تحيل ذلك الحراك الأجتماعى والعقلى الى قوانين حاكمة باتفاق الاغلبية. وبما ان الطريق لازال طويلا امامنا من اجل تحقيق هذا الحلم فيجب ان يكون لدينا العشرات من أمثال السيد أياد جمال الدين وان يظهر لنا ألف جان جاك روسو و الف فولتير جديد

Post: #104
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 04-27-2008, 11:15 AM
Parent: #103

العلمانية والديمقراطية وجهان لميدالية ذهبية واحدة
سعيد علم الدين
[email protected]
2006 / 7 / 10


يكفي العَلمانية فخرا أنها فكرة إنسانية المنبع واللب. ثابتة الخطوة خفيفة الحركة لا تلتفت يمينا أو يسارا ولا تتراجع إلى الوراء، ولم تقع حتى الآن على الوجه طَبْ، بل سارت وتسير مرفوعة الرأس، عامرة الصدر، دافئة القلب، مستقيمة القامة على الدرب. لم تتعثر مرة وان تعثرت قليلا نهضت من جديد، استقامت وأصلحت أحوالها، ثم تابعت سيرها السوي دون تعب، ترافقها الديمقراطية يدا بيد.
فالعلمانية والديمقراطية وجهان لميدالية ذهبية واحدة اسمها الحرية.
ومن دون الحرية فلا ديمقراطية، ومن دون الديمقراطية فلا علمانية، ومن دون العلمانية وفصل الدين عن السياسة فصلا قاطعا، فلا صحوة فعلية، ولا نهضة ثقافية، ولا نقلة حضارية للمجتمعات العربية والإسلامية. التي وللأسف إذا استمرت بها الأحوال بهذا الوبال وعلى هذا المنوال: دق الرأس بالجدار، على هدى ابن لادن الغدار، أو قطع العنق بالسيف على طريقة أبي مصعب الجزار. أو الانتقال من أنظمة الاستبداد السياسي الحزبي القمعي إلى أنظمة الاستعباد الديني الشمولي الهمجي، ومن استعمار غربي إلى استحمار شرقي، ومن صدام إلى بشار. فإننا سنتصومل جميعا دون أدنى شك وسنتحول إلى دجاجات خانعة لتقديم قرابين البيض، وسيحكمنا ديوك أمثال الأسد القرد، ونأكل أجساد بعضنا بتلذذ كما تفعل حيوانات الغابة بالطبع. وندك رؤوسنا المتخلفة بالمدفعية القريبة المدى وبمختلف أنواع الصواريخ وآلات الحرب الحديثة دَك. ولن نبني دولا حديثة ومجتمعات عصرية متطورة وحضارات، وإنما مسالخ ومعتقلات وأقبية مخابرات، وستنتشر الشيع والمذاهب كالفطر فوق الأرض وكالجراد تغزو بعضها البعض، سلبا وسبيا وقتلا ونهب. وستتحرك مجموعات بشرية مبرمجة كآلات الروبوت تفجر نفسها في مساجد الأشقاء بحقد، بدل أن تحترم بيوت الله وتتعبد.
وكما أن الديمقراطية وقيمها الأخلاقية السامية في الحفاظ على التعدد والمساواة في الحقوق والواجبات واحترام الآخر تستوعب في دولة واحدة ما هب ودب من أحزاب وأفكار وأديان ومذاهب وشيع وتيارات ونظريات وفئات وتجمعات وتكتلات وأعراق وقبائل وأجناس ولغات وأقليات ولهجات، وتمنحهم ما لهم من حق، وتعاملهم سواسية دون فرق. فالعلمانية هدفها الأساسي أن تكمل صورة ذلك المجتمع السامي وتكون حَكَما حَكيما منصفا نزيها، وعَلما عليما يَفْصِلُ بين الجميع لكي لا يطغى زيد على عمرو وبالدولة يستبد:
هذا باسم بوذا وآخر باسم يهوذا، وثالث باسم الله ورابع باسم الرب.
فالعلمانية موضوعية علمية، ترفض المداهنة والسمسرة والفوضوية على حساب المصلحة الوطنية. ولمصلحة الوطن العليا ترفض أيضا السياسة عندما تصبح خلطا بين عالم الحقيقة والواقع من ناحية وعالم الدين والغيب من ناحية أخرى وتقول: من يريد في مهنة السياسة وفن الحكم أن ينخرط فأهلا وسهلا به ولكن بشرط: أن يحلق اللحية ويخلع الجبة والعمامة والصليب والقلنسوة ويضعهم على جنب. وعندها يستطيع الدخول في خضم هذا المعترك الصعب، وذلك لكي لا يستغل باسم الدين والمذهب، عواطف البسطاء والعامة من أبناء الشعب، ويجلب للبلد المهالك والفتن.
العَلمانية سهلة بسيطة وليست فلسفة معقدة في العمق. حيادية ليس في قلبها كُرهٌ لأحد أو بُغض. تُفْصِلُ فقط بحكمةٍ، الديوكَ المتصارعةَ في المجتمع عن بعض. محترمة بنت بشر وناس وليست بنت آلهة وأباليس، ولهذا فهي مسالمة لا تعتدي على أحد، وليس لها هالة وتقديس، ولا تحتاج إلى صلوات وعبادة وقداديس، في مسجد أو معبد او كنيسة أو كنيس .
عقلانية التفكير لا تخلط الهزل بالجد. يتطاول عليها الغوغاء والجهلة أصحاب الشغب. ويحقد عليها للأسف معظم المسلمين دون سبب. ويكرهها الكثير من العرب، ليس لرشاقتها وخفة دمها، وإنما لعدم محاولتهم فهم مقاصدها والأرب. ولهذا لا بد من توضيحها، رغم أنها واضحة وضوح الشمس، خاصة عندما ينزاح عنها الضباب الحالك وتنقشع السحب. وهذا ما سنسعى إليه في عملنا هذا عن كثب.
العلمانية مشرقة كالشمس أبدا. لا تغيب ولا تغرب، إلا أن بعض سكان المعمورة من نور الحقيقة إلى كهوف العتمة تهرب. وإشراقتها مفيدة جدا وصحية جدا لقيام الدولة الحديثة بدورها على أكمل وجه . ولهذا فنورها للمجتمعات البشرية ضروري كالماء العذب، يروي العطشان في لحظات القيظ. وهو أغلى بكثير من النفط الأسود والذهب.
وما نفع دولة فيها الخيرات بالقناطير، وذهبها الأسود يقدر بمليارات البراميل، وشعبها جائع البطن ينام أرقا على الحصير، تتقاذفه من كل الجهات الأعاصير، وتستبد به أصحاب العمائم واللحى بلا ضمير، وتحكمه ساسة مهابيل؟
ساهمت العلمانية بتواضع في صيانة المجتمعات الحديثة التي أخذت بها. وعملت على تطور تلك المجتمعات بدل الوصاية عليها وتقهقرها. زوبعة الحجاب التي أثارتها حركات التطرف الإسلامي مؤخرا في فرنسا، وأرادت من خلالها التسلل إلى خلخلة أسس المجتمع الفرنسي العلماني من خلال إثبات وجودها العقائدي السلفي، أثبتت أن العلمانية الفرنسية عينها يقظة، واستطاعت بمرونة فائقة وحسم مطلوب التعامل مع هذه الحركات المسيسة للدين وإخماد سعير الفتنة بين أبناء المجتمع.
فالمجتمعات الديمقراطية التي طبقت فكرة العَلمانية بحذافيرها وفصلت بين الدين والدولة، انسجمت مع نفسها فكريا ونجحت سياسيا، وتألقت أخلاقيا، وتعملقت اقتصاديا، وأشعت حضاريا، واستقرت اجتماعيا وحلت مشاكلها العديدة إلى حد ما بشكل مرضي لها وللعالم. ككل الدول الأوروبية شرقا وغربا، وكالصين واليابان وأمريكا الشمالية واستراليا وماليزيا؟ والهند وغيرها من الدول العلمانية.
من ناحية أخرى فالمجتمعات التي تتعامل مع هذه الفكرة حسب الرغبة والأهواء، ساعة تأخذ بها من مؤخرتها حسب المزاج الشعبي العام كالنظام المصري العالق بين مطرقة الإخوان وسندان الشريعة والأوهام، أو تطبقها خطأً كالنظام السوري كيفما يشاء، أو تحاول تطبيقها كالنظام الأردني بكل عناء، أو لا تطبقها أبدا كالنظام الإيراني، أو تحاربها كالوهابية السعودية حربا شعواء، فهي مجتمعات غير منسجمة فكريا مع نفسها، متناحرة مذهبيا، خاوية دينيا، وتتخبط أخلاقيا، وتتراجع اقتصاديا، وتخبو حضاريا وغير مستقرة اجتماعيا وفاشلة سياسيا في حل مشكلة واحدة من مشاكلها العديدة بل وتصدر مشاكلها إلى جميع أنحاء العالم بالجملة والمفرق وعلى ظهور الإبل لولا اختراع السفينة الحديثة والطائرة الأسرع. ككل الدول العربية والإسلامية حيث الخلط بين السياسة والدين هي سياسة بحد ذاتها، أدت إلى هيمنة رجال الدين على السياسة واستغلال رجال السياسة للعواطف الدينية إرضاء للجماهير وعلى حساب العقلانية والموضوعية.
يكفي العلمانية فخرا أنها لم تهبط إلينا بالمظلة من الفضاء الخالي في ساعات الفجر الأولى كنصوص جاهزة للتطبيق دون تجربة وتحقيق. ويكفيها فخرا أنها لم تأت من هضاب الصحراء الكبرى أو فراغات الربع الخالي، وإنما هي ابنة المخاض الإنساني المرير عبر العصور لتنوير هذا الإنسان التنين من اضطهاد أخيه الإنسان باسم الدين، ولتحرير الدولة والسياسة من سيطرة الخرافات والأوهام والشياطين. العلمانية هي ابنة حقبة تاريخية مليئة بالحروب والنزاعات والدماء ونتاج تجربة أليمة كلفت الإنسانية صراعا مريرا على مدى قرون بين حق الدين الإلهي في الهيمنة على الحكام والسياسة والوصاية على الثقافة والفكر والعلم والتسلط على الناس والمجتمع والحياة وبين محاولة الحكام الإفلات من هذه القبضة. ما يحدث اليوم في العالم العربي ليس صراعا على النفوذ في المجتمع بين رجل الدين ورجل السياسة وإنما هو تقاسم لهذا النفوذ بشكل مؤذ جدا وعلى حساب أي تطور اجتماعي. هذا التقاسم أدى إلى الخلط بين الدين والسياسة أو هيمنة الفكر الغيبي الشمولي المقدس المهاجم على الفكر التجريبي الإنساني العلمي المدافع. هذا الوضع المرضي الخطير تعاني منه حاليا كل المجتمعات العربية والإسلامية، ولا خلاص لها ولا مناص إلا بالفصل النهائي بين الدين والسياسة. مثلا ظهور الرؤساء في صلاة الجمعة على التلفزيون هو خلطا بين الدين والسياسة الهدف منه واضح ليس الصلاة وإنما النفاق بالتأثير على عواطف الناس المؤمنة من خلال الإعلام. الرئيس الذي يريد حقا الصلاة والتعبد يستطيع الذهاب بصمت إلى الجامع أو الكنيسة دون ضجة وإعلام ويكون بذلك صادقا مع نفسه والمجتمع

Post: #105
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 04-29-2008, 05:46 AM
Parent: #104

لماذا ننادي بعلمانية الدولة
عبدالله المدني
[email protected]
2006 / 7 / 1


علمانية الدولة ببساطة شديدة هي أن تقف الدولة موقف الحياد من العقائد و المذاهب التي تدين بها مكونات شعبها، بمعنى ألا تكون في قراراتها و سياساتها و خططها و تعييناتها – بما في ذلك مناهجها التعليمية وسياساتها الإعلامية و الثقافية - منطلقة من مذهب أو عقيدة أو مرجعية دينية معينة و إن كانت عقيدة و مرجعية الأغلبية، لما في ذلك من تهميش لعقائد الآخرين و تمييز ضدهم و إخلال بمباديء المساواة و العدالة و المواطنة.

ومن هنا حرصت البلاد التي انتهجت الديمقراطية الليبرالية الحقة و أقامت الدولة المدنية الحديثة على عدم تضمين دساتيرها ما يفيد بديانة الدولة. و لا يعنى هذا البتة التقليل من شأن الدين و مكانته السامية في النفوس و دوره المؤثر في المجتمع، بل على العكس من ذلك. فالدولة العلمانية بعدم إقحامها الدين الذي هو حزمة من القواعد المقدسة و الأحكام الربانية الثابتة في الشأن السياسي اليومي المتحول أو في اللعبة السياسية المتذبذبة يسارا و يمينا، إنما تحفظ للدين هيبته ومنزلته و تنزهه من السقوط في وحول السياسة التي تتغير قواعدها و آلياتها بتغير الأهواء و الظروف و الشخوص و المصالح.

و خلافا لما هو شائع في البلاد العربية و بعض البلاد الإسلامية، و لاسيما في أوساط البسطاء و الدهماء، فان العلمانية لا تهدد الدين و لا تحاربه ولا تسعى إلى سلخه من أفئدة الناس، بدليل أن المجتمعات التي طبقت علمانية الدولة لا تزال شعوبها كما كانت دوما مؤمنة بعقائدها و ممارسة لطقوسها الدينية بحرية و ماضية في بناء دور عبادتها دون قيود، هذا إن لم تكن درجة النزعة الإيمانية قد زادت بفضل ما هو متاح من حريات دينية أمام أتباع مختلف المذاهب و الطوائف.

أما سبب شيوع الفهم الخاطيء للعلمانية في مجتمعاتنا، فتسأل عنه حركات الإسلام السياسي التي دأبت على تشويه هذا المفهوم مثلما شوهت الكثير من المفاهيم العصرية و الحضارية الأخرى، فجعلتها في أعين البسطاء مرادفة للكفر و الإلحاد و الإفساد و الانحلال و التغريب، و ربطتها بالمؤمرات الاجنبية على الإسلام و المسلمين، دون إبراز أي دليل عملي على ما تقول. و هي في كل هذا لا تنطلق من غيرة حقيقية على الدين و ما في الدين من تبشير بالمساواة و العدالة و التسامح و الإخاء و السلام، بقدر ما تنطلق من رغبتها الجامحة في الهيمنة على المجتمع و إقصاء المختلفين معها، بل من خوفها على تراجع مكانة رموزها و مصالحهم إن طبقت علمانية الدولة.

إن إقامة الدولة المدنية العلمانية وفق الصورة المنوه عنها، باتت ضرورة لإخراج مجتمعاتنا المتخلفة من شرنقة الجدل و حالة اللاحسم حول الكثير من القضايا الصغيرة و الكبيرة التي لا تزال تراوح مكانها بسبب إقحام الدين فيها و بالتالي الاختلاف المرير حولها، فيما المجتمعات الأخرى حسمت خيارها و تجاوزت الجدل العقيم و انصرفت بكل قواها نحو البناء و التنمية و الإبداع.

وعلينا أن نتذكر أن الغرب لم يحقق نهضته الراهنة و لم يصل إلى ما وصل إليه من إنجازات في شتى المجالات الإدارية و الحقوقية و التربوية و العلمية و الصناعية و الاقتصادية إلا حينما تحرر من سطوة مؤسسة الكنيسة و تفسيراتها المتشددة و دورها البطريركي الرهيب – و ليس من الدين نفسه – و أقام الدولة المدنية العلمانية. و لو انه ارتضى بما كان يجرى من قمع لحرية التفكير و حجر على العقول و تدخل في كل قرار دنيوي على يد أرباب المؤسسة الدينية و تفسيراتهم، لكان حاله اليوم مزريا.

لكن لماذا نتحدث عن المجتمعات الغربية ذات الظروف و الخصائص التاريخية المختلفة، و أمامنا مجتمعات شرقية عالمثالثية استطاعت بفضل نهجها العلماني تحديدا أن تحقق ما لم تحقق مجتمعاتنا العربية حتى عشره. لنفكر فقط في شبه القارة الهندية التي انقسمت في عام 1947 إلى كيانين احدهما ديني ممثلا في باكستان و الآخر علماني ممثلا في الهند، و لنسأل أنفسنا أين تقف الأولى اليوم و أين تقف الثانية؟

إن الكثيرين عند حديثهم عن الهند و ما حققته من استقرار و نهضة و قوة في سائر المجالات يشيرون إلى نظامها الديمقراطي الليبرالي فقط، و ينسون أن هذه الديمقراطية ما كانت لتترسخ و تقي البلاد شرور التشرذم و الانقسام و الانقلابات العسكرية و الحركات الانفصالية المنطلقة من منطلقات دينية أو عرقية أو ثقافية، لولا وجود دعامتين يسندانها هما: العلمانية و الفدرالية. وإذا كانت الفيدرالية ضمنت للولايات الهندية أن تدير شئونها بنفسها و بالتالي تشبع طموحات سكانها المتباينة اقتصاديا و اجتماعيا و ثقافيا، فان العلمانية كانت ضرورة للتعامل مع مختلف الأديان و المذاهب التي يدين بها الهنود على قدم المساواة و بالتالي التعامل مع كافة أتباعها كمواطنين لهم نفس الحقوق و عليهم نفس الواجبات، بما في ذلك حقهم في شغل مناصب الدولة الكبرى.

إنها العلمانية وحدها التي اتاحت في الهند لابن صياد فقير (الدكتور زين العابدين عبدالكلام) من الأقلية المسلمة التي لا تشكل سوى 15 بالمئة من إجمالي السكان أن يصل إلى منصب رئاسة الدولة، و اتاحت لرجل من الأقلية السيخية (الدكتور مانموهان سينغ) التي لا يتجاوز عدد أتباعها نسبة 3 بالمئة من السكان أن يتبوأ منصب رئاسة الحكومة المحوري، و اتاحت لسيدة كاثوليكية من أصول إيطالية و لم يمض على حصولها على جنسية البلاد سوى عقدين و نيف من الزمن مثل سونيا غاندي أن تحتل موقع رئاسة الحزب الحاكم أي حزب المؤتمر التاريخي الذي تحقق على يديه استقلال الهند، فيما الأقليات في دولنا العربية اللاعلمانية تجاهد من اجل الحصول على حقيبة وزارية ثانوية يتيمة دون جدوى. و باختصار اتاحت هذه العلمانية لثلاث شخصيات من الأقليات أن تقرر مصير امة غالبيتها الساحقة من الهندوس، دون أن يصدر من هؤلاء اعتراض أو تذمر أو عصيان.

ثم لنسأل لماذا لا نجد هنديا مسلما واحدا على قائمة الإرهابيين الذين زرعوا العالم رعبا و قتلا و تفجيرا في السنوات الأخيرة رغم وجود أكثر من 150 مليون مسلم في الهند و رغم انتشار المدارس و الجمعيات الإسلامية فيها، فيما القائمة ذاتها تحتوي على مسلمين من مختلف الأقطار العربية و الإسلامية دون استثناء؟ الإجابة تكمن في علمانية الدولة الهندية وحدها، و ما وفرته من احترام لكل الأديان و مساواة في التعامل مع رموزها وحريات كاملة لأتباعها في الكتابة و التعبير و العمل و التنافس و التقاضي و الإبداع و تولي المسئوليات العامة.

ومرة أخرى إن علمانية الدولة و ما يتفرع عنها من حقوق المواطنة الأصيلة و بالتالي السؤال حصريا عن ولاء المواطن لبلاده و كفاءته – لا دينه و مذهبه - حين التعيين في الوظائف الرسمية،هي التي أتاحت لجنرال تايلاندي مسلم أن يجلس على رأس قيادة جيش بلاده البوذية، و مكنت شخصية مسلمة من احتلال منصب رئاسة البرلمان في بلد جل سكانه من البوذيين أو المسيحيين مثل سنغافورة.

أما فيما يتعلق بالبحرين، التي تمثل حالة خليجية متميزة بفضل ما بلغه أبناؤها من مستوى تعليمي و ما تحتضنه بالتالي من كوادر مثقفة، و بفضل تاريخها الطويل كمجتمع منفتح و متسامح و وعاء حاضن لثقافات و أعراق و مذاهب متنوعة، فإنها مهيأة أكثر من غيرها لتكون نموذجا للدولة المدنية العلمانية لولا سطوة الإسلام السياسي الحركي الطارئة. و لا أبالغ لو قلت أن مجتمعنا البحريني للأسباب التي ذكرتها آنفا هو علماني بطبعه، بمعنى انه غير متطرف دينيا. و بعبارة أخرى فهو لئن كان محافظا و ملتزما بأهداب دينه الإسلامي، فانه في الوقت نفسه يحترم أتباع الديانات و المذاهب الذين يشتركون معه في المواطنة، و لم يصدر عنه في الغالب ما يشير إلى تبنيه لنزعة اقصائية أو مطالبته بفرض أحكام عقيدته على الآخرين أو تحبيذه لإقامة الدولة الدينية على أنقاض ما هو قائم.

و حينما ننادي بعلمانية الدولة و مدنيتها في البحرين ، فإننا بهذا لا ندعو إلى تهميش الإسلام و دوره في حياتنا بقدر ما ندعو إلى عدم إقحامه في كل صغيرة و كبيرة من الأمور الدنيوية الخالصة. إننا ببساطة لا نريد أن نصل إلى وضع يصبح فيه موضوع مثل تحية العلم الوطني، مسألة جدلية يستدعى رجال الدين للإفتاء بصحتها من عدمها مثلما حدث مؤخرا في دولة مجاورة، أو إلى وضع يتدخل فيه لابسو العباءة الدينية في مسألة مثل أداء الجندي للتحية العسكرية أو مدى صحة دفاعه عن دولته إذا كانت هذه الدولة لا تطبق الشريعة بحذافيرها مثلما حدث في دولة مجاورة أخرى.

Post: #108
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 05-08-2008, 04:15 AM
Parent: #105

أي شريعة هذه التي تنتصر بجماجم الاطفال ..؟


خالد ابواحمد
[email protected]
الحوار المتمدن - العدد: 1444 - 2006 / 1 / 28


بطبيعة الحال أن كل الذين شاركوا في الحرب اللعينة التي قتل فيها السوداني أخوه (السوداني) سواء في جنوب، أو في شرق أو غرب السودان، تمر عليهم الكثير من الذكريات المؤلمة، أنني شخصيا أشعر بتأنيب ضمير شديد عندما كنت في تلك الساحة في ديسمبر من العام 1995م فيما يعرف برد الهجوم الذي أطلقت عليه الحركة الشعبية بقيادة الفقيد جون قرنق (الأمطار الغزيرة) هذه العملية العسكرية الكبيرة والتي قتل فيها المئات بل آلاف السودانيين من الجانبين، تختلف عن كل العمليات العسكرية في جنوب السودان لما فيها من مفارقات وتجاوزات إنسانية، تجعل من الهدف الكبير للحرب ضد (المتمردين) علامات استفهام كبيرة متمثلة في الموقف اللا إنساني للحكومة السودانية إذ استعانت لفترات طويلة بجيش الرب اليوغندي الذي يتزعمه المتمرد اليوغندي جوزيف كوني وهذا الجيش للأسف استعان بمشاركته إلى جانب الحكومة بحوالي 2000 طفل تبلغ أعمارهم ما بين الثامنة والرابعة عشرة عاما من الجنسين.

كانت لحظات محزنة وشعرت فيها بالألم النفسي لوجود هولاء الأطفال معنا في مكان واحد وكان منظرهم يدمي القلوب وهو يحملون الآليات والأسلحة الثقيلة، ومهما يحاول المرء لا يمكن أبدا أن يصور هذه المناظر المرعبة، عشرات من الأنفس البريئة كانت تطوف حولنا في مساء يوم بارد استعدادا للهجوم على أكبر معسكرات (الحركة الشعبية) في الميل 72 في طريق مدينة نمولي الحدودية مع يوغندا في يوم 12 ديسمبر 1995م، أطفال في سن البراءة الواحد منهم يحمل فوق طاقته وما زنته 40 كيلو جرام أو أكثر من العتاد العسكري الثقيل وصناديق الذخيرة، والذين حملوا مثل هذه الصناديق يعرفون كم هي قاسية الحمل في مسيرة قد تبلغ الساعات الطوال، وأحيانا اياما من السير في الطرق الوعرة، والرطوبة العالية حيث تتبلي الملابس تماما مما تصيب المرء بالإعياء وفي الغالب التهاب الصدر و المفاصل الذي يعيق الحركة، وهذا ما حدث لي شخصيا، فكيف بالأطفال..!!
... يا إلهي.. انه أمر فظيع..

مهما أحاول لا يمكن أن أصور شكل الدموع الجافة على وجوه الصغار لا أجد لذلك سبيلا، ولم يكن هناك جنودا كبار السن وهولاء لا يتعدون العشرين من بين المئات من الجنود (الصغار) بالكاد تميز بين الذكر والأنثى، يساقون كالقطيع تماما يشهد الله على ذلك، وعلى بعد كل مائة (طفل) هناك جندي يوغندي يحث الأطفال بسرعة التحرك، و يضرب أحيانا الطفل في مؤخرته أو ظهره كي يستعجل ولا يبطي، في أجواء غريبة على عالم الطفولة، صوت الدبابات والمجنزرات وهي تتحرك إلى مكان قريب من بداية المعركة، مع صوت أجهزة الاتصالات اللاسلكية،، لحظات من التوجس والترقب والأوامر العسكرية من القادة هنا وهناك بالعجلة، وطقطقة الأسلحة الشخصية كل هذه الضجة تجعل المحارب يعيش في لحظات غريبة، والمحارب أو المقاتل قاب قوسين أو أدنى من الموت،، لحظات صعبة حتى على كبار السن،، فكيف بالأطفال الصغار..!!

عندها كان ابني (أحمد) لا يتعدي الثلاث سنوات، وأبني (أواب) رضيعا في حضن أمه، لكن رغم ذلك تخيلت أن (احمد وأواب) من بين هؤلاء الجنود المحملين بالسلاح و العتاد، وثمة آخرين يضربونهم ويذلون كرامتهم، ولذا كنت كثير التفكير في مضمون هذه الحرب التي اندلعت من أجل الدفاع عن الأرض والعرض، والمفارقة أن الجانبين المتقاتلين يحاربون تحت راية واحدة هي الدفاع عن الوطن و تحرير الأرض من الأعداء .. ولكن ما بال هولاء الأطفال والنفوس التي خلقها الله كي تنعم بالأمن والأمان تحتاج إلى الرعاية والاهتمام تقاتل وتحمل روحها بين جنبيها وفي تلك الساحات تتعدد الأسباب والموت واحد،، الأمراض والإعياء والإرهاق الجوع والمسغبة وضرب القادة العسكريين.

وأنا ومن معي في تلك الغابات الكثيفة كنا نتساءل أين ذهبت الحيوانات التي اشتهرت بها غابات جنوب السودان، ولماذا هربت حتى الطيور من هذا المكان، وكان واضحا ان لون الأخضر قد تحول إلى ألوان أخرى بسبب الحرب، ولم يبغي من الغابة إلا اسمها،، تتزايد الأسئلة الملحة في مخيلتي كلما نظرت لجنور جيش (الرب) وهم يحملون الأثقال،، لماذا ترضى الحكومة السودانية صاحبة المشروع (الإسلامي الحضاري) باستغلال هؤلاء الأطفال القصر والزج بهم في حرب ضروس لا غالب فيها ولا مغلوب..؟!
ألم تكن الحكومة هذه قد وقعت على كافة قوانين الأمم المتحدة التي تحظر الإساءة إلى الأطفال، وتشدد على تقديم الخدمات لهم، وأليس هذا أمرا مهولا ومستغربا أن تنفذ الحكومة في السودان حملات التطعيم ضد الشلل للأطفال بميزانيات طائلة على كامل التراب الوطني، وتقتل أطفالا آخرين في الجنوب..؟ .
وتحت أي مصوغ.. ديني وسياسي تم ذلك؟؟
وأي مكاسب هذه التي تجنيها الحكومة السودانية على حساب هؤلاء الأطفال الصغار، ولماذا يستخدم جيش الرب أطفالا قصر في حربه ضد الحكومة اليوغندية..؟؟.
يا إلهي ما هذا الذي يحدث.. وثمة أسئلة كثيرة كانت تصول وتجول في ذهني ولا تجد الإجابات الشافية،، وتزداد الأسئلة إلحاحا كلما نظرت تجاه هؤلاء البؤساء الذين كان قدرهم أن الله جلت قدرته ولحكمة يعلهما وهو وحده ..أوجدهم في هذا المكان من العالم..
ولمن لا يعرف فإن أطفال جيش الرب اليوغندي يبلغ عددهم حسب إحصائية للأمم المتحدة حوالي 40 ألف طفل،يشكل القصّر ما يقارب 90 بالمائة من جنود جيش الرب للمقاومة، ويتم ضمهم إلى الجيش من خلال الإغارة على القرى، فتتم معاملتهم بوحشية وإجبارهم على ارتكاب ‏الفظائع في حق أقرانهم من المختطَفين، بل وحتى ضد أخواتهم. أما من تسول له نفسه الفرار، فيتم ‏قتله، بذلك يصبح العنف بالنسبة لهؤلاء الأطفال الذين يعيشون في حالة من الخوف الدائم أسلوباً للحياة.
في تلك اللحظات عندما أتذكر أبنائي فإن أول ما يتبادر إلى ذهني طفولتهم البريئة وعفويتهم الصادقة، وفرحهم الذي يتجسد من خلال لعبهم وألعابهم المتنوعة التي يعبرون فيها عن ذواتهم، والتي تنمي مداركهم العقلية والذهنية حيناً، وتبعث في نفوسهم الفرح والسعادة والضحك في أحيان أخرى كثيرة، وأتذكر أن سعادة أبنائي هي غايتي وهدفي الدائم في الحياة، فكيف بالله أتحمل رؤية أطفالا مدججين بالسلاح الثقيل، ودموعهم يبست ولم تجد من يمسها، وصرخات أناتهم لا تجد من يوقفها بكلمة حلوة أو قبلة ترسم في وجوههم أهميتهم في الحياة.
ولكن ثمة سؤال لم أجد له إجابة حتى اللحظة.. أي شريعة هذه التي تنتصر بجماجم الأطفال..؟؟.

رداً على د. محمد وقيع الله

أحلام وقيع الله التي تحققت ..!!





خالد أبواحمد [email protected]

صُدمت كما صُدم غيري من الصورة التي أعتبرها قبيحة تلك التي ظهر بها د. محمد وقيع الله والتي لا اعتبرها زلة قلم بل هي مكمن الداء للكثير من دعاة التبصر، الذين يرون أن علومهم النظرية التي تلقوها تجعلهم على بصيرة من أمور الحياة أكثر من غيرهم، ولو كان الاخرين قد اعتمدوا على التجربة بالبرهان والدليل العملي بعيدا عن التنظير.

كنت أضع في ذهني صورة جميلة للغاية عن د. محمد وقيع الله ولو أنني لم ألتق به إلا مرات قليلة وعلى عجالة أيام فترة التنظير للحركة الاسلامية في منتصف الثمانينيات وكنت أقرأ له كثيراً عندما يكتب عن الفكر الإسلامي،وتشدني مقالاته الرصينة، ولا زلت استمتع بها بين الفينة والأخرى أطالعها عبر موقع الجالية السودانية بالولايات المتحدة الأمريكية.

وفي فترة من الفترات أيام الديمقراطية الثالثة كانت هناك أقوال تتداول داخل مجتمعات الحركة الإسلامية مفادها أن د. حسن الترابي سئل ذات مرة عن خليفته في قيادة الحركة، وتقول الرواية أن الترابي قال "محمد وقيع الله- التجاني عبد القادر- أمين حسن عمر"، وفي رواية أخرى قيل "أحمد عثمان مكي قائد ثورة شعبان عليه رحمة الله ومغفرته- محمد وقيع الله – المحبوب عبد السلام" وهنالك روايات أخرى، والشاهد في المسألة أن اسم محمد وقيع الله ورد في كل الروايات المتداولة الأمر الذي جعل له حظوة واحترام القاعدة له وتقديره، ونحن السودانيون جميعنا نحتفي بالعُلماء وأهل الذكر، ونطرب لمطالعة إنتاجهم الفكري والأدبي مثلما أطربتنا من قبل مقالات مالك بن نبي ومحمد عبده والإمام حسن البنا إلخ، وقبل عقود من الزمان كان هذا الإنتاج له قيمته الفكرية والحضارية ولعب دوراً كبيراً في فتح الآفاق نحو التزود بالعلم وبالمزيد من التفكر والتأمل في هذا الكون العجيب.

المهم كان محمد وقيع الله يمثل بالنسبة للشباب الإسلامي القدوة الحسنة والأمل المُرتجى، وشخصي الضعيف سعدت أيما سعادة لكون واحداً من نخبة الإسلاميين الشباب يتزود بالعلم من الجامعات الأمريكية والغربية بحيث يُصبح رصيداً للحركة الإسلامية مع باقي الكفاءات والكوادر التي تقود دولاب العمل الإسلامي، لكني لم أتوقع ألبته أن أفجع في محمد وقيع الله هذه الفجيعة،لكن..

ولكن هذه تقطع القلب .. وتهده هداً..!

وعندما جاءت مساجلة د. وقيع الله مع د. الأفندي سقط في مخيلتي ذلك (المثال) الجميل والذي كنت أحبه وأترقبه كلما أصدر نتاجاً،،، مقالاً كان أو محاضرة تتداولها المجتمعات بالرصد والإعجاب والمفاخرة.

ولكنه سقط تماماً مثل أصنام كفار قريش، كانوا يصنعون التماثيل من العجوة، وعندما يجوع أحدهم يأكله ويسد به رمقه، أو صنماً من الخشب عندما تضيق به الدنيا يكسره ويرفسه رفساً برجليه..!.

كنت أقرأ ردود د. محمد وقيع الله باندهاش شديد وما فيها من سب وشتيمة وهمز ولمز لا تليق أبدا بالعُلماء ولا بالسنوات الطويلة والعجاف التي قارع فيها وقيع الله المكتبات وأُمهات الكُتب والمراجع، وحقيقة لم يسقط في عيني بل في عيون الجميع الذين أتوقع أن يكونوا قد صُدموا أكثر مني، وعندما يكون السب والشتم وعدم المصداقية ديدن العالم (بكسر اللام) فما شان ضئيلي المعرفة من أمثالي، ليته وقف عند سب وشتم (الأفندي) إذا به يُعدد خمسين انجازاً لحكم (الإنقاذ) ليس هذا فحسب بل طفق ينتقد مواقف الآخرين من القائمين على السلطة التي قال فيها من لم يقله مالك في الخمر..

ومبعث الألم هنا أنني يوما ما كنت أظن و(أن بعض الظن اثم) أن الاسلاميين أكثر من غيرهم إعمالاً لأدب الحوار تنزيلاً لكل معاني الدين القيم على أرض الخلافات، لكن للأسف بالدليل العملي سقطت لدي هذه النظرية وخاب ظني تماماً خاصة في مرحلة الخلافات فيما عرف بالرابع من رمضان، ثم جاء د. محمد وقيع الله ليؤكد أنه حتى قادة الشباب من المفكرين هم على الدرب سائرون ومُقتدون..!!

ويوماً ما تابعت بسعادة غامرة مساجلات تحلت بالأدب الرصين والاخلاق الاسلامية الحقة في حوارات جمعت د.منصور خالد والاستاذ محمد ابوالقاسم حاج حمد عليه الرحمة والمغفرة، تعلمت منها الكثير من القيم والمبادئ، ثم تابعت مساجلات اخي العزيز المرحوم طه أبوقرجة مع د. خالد المبارك وما اتسمت به من أخلاق رفيعة في أدب الحوار، ثم أصبحت أقرأ لـ د. الطيب زين العابدين و للأساتذة أبوبكر القاضي و كمال الجزولي والحاج وراق وعثمان ميرغني، وجدت واقعية وأدب حقيقي في التناول جاء به الاسلام، لكنني لم اتوقع أبدا أن تكون هنالك مساجلة لـ د.محمد وقيع الله بهذا المستوى من الانحطاط بل الحقد والكراهية على كاتب عالم ومفكر بسبب أنه انتقد النظام نقد موضوعي وبأدب اسلامي رصين، ولم يجنح إلى الشتيمة والهمز واللمز.

لا أحمل كراهية ضد الأخ محمد وقيع الله ولا أعتبر نفسي في هذا المحك مُنافساً له فهو رجل قد رزقه الله تعالى ويسر له الدراسة وتلقي العلوم حتى نال درجة الدكتوراه وهنيئاً له بذلك، أما العبد الفقير لله لم أنل حظاً من العلم الأكاديمي كما أوتي وقيع الله، والآن أسابق الزمن مع أولادي لتلقي العلم، لكنني أفتخر بتجاربي في الحياة وخبرتي الطويلة في المجال الإعلامي التي بلغت قرابة الربع قرن من الزمان والحمد لله ، واعتبر نفسي استفدت من الحركة الإسلامية أكثر بكثير من أخي وقيع الله لأن تجربتي هنا تجربة متكاملة نظرية وصقلت بالعمل في ظل (الإنقاذ) التي عصفت بنا في كل أرجاء السودان شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً وهذا فضل من الله لا يُقدّر بثمن، ونلت معرفة لم ينلها الأخ وقيع الله، فكل دراسته الأكاديمية المرتبطة بجوانب الفكر الإسلامي ما هي إلا تجارب نظرية فقط، مهما وصل صاحبها من علوم نظرية لا يمكن باي حال من الأحوال أن يصل للنتائج التي وصلنا إليها نحن الذين عشنا فترة التنظير والتطبيق، وشاهدنا بأم أعيننا مخازي ومآسي وكوارث التطبيق.



السقوط المدوي

والدكتور محمد وقيع الله في موقفه من تقييم نظام (الإنقاذ الوطني) مثل ذلك الطالب الذي غاب عن الدراسة سنوات طويلة ثم رغب آخيراً في مواصلة دراسته لكن مع دفعته الدراسية، وأصر إصراراً شديداً على أن يمتحن معهم ففعل لكنه سقط سقوطاً مدوياً..!!

شخصياً أحسب أن الحركة الإسلامية في السودان مدرسة كبيرة نال كل منا نصيبه من المعرفة حسب استعداده الشخصي وميوله والبيئة التي عاش فيها، لكن أخينا محمد وقيع الله غاب عن هذه المدرسة سنوات طويلة وحضر معنا مرحلة من مراحل التنظير، وقبل مرحلة التطبيق بكثير غادر السودان ولم يعش معنا مراحل الابتلاءات ولا مراحل الفتن، وجاء مُؤخراً في مرحلة السقوط والانهيار لمبادئ الحركة، يُريد أن يغالط الحقائق والواقع والمنطق والشواهد التي لا ينكرها إلا عليل سقيم، وكان يكفيه فقط أن يذهب الى تجمعات جرحي الحرب من ضحايا الألغام يدرك حجم الأسى وحجم ما وقعت فيه (الانقاذ) وكان يكفي محمد وقيع الله أن يذهب الى منظمة الشهيد ويفتح الملفات ليعرف الأعداد الحقيقية لضحايا الحرب في السودان من الكفاءات والخبرات ومن طلبة الجامعات في كل التخصصات ليدرك بوعي كامل حجم الدمار والخسارة التي اوقعتها (الانقاذ) في السودان.

وعندما يُعدد الأخ وقيع الله انجازات (الإنقاذ) المادية فإنه لم يأت بجديد فلم ينكر أي من المعارضين للحُكم هذه (الانجازات) المادية التي أبعد ما تكون عن جوهر ما جاءت به الحركة بعد الانقلاب المشئوم في 1989م، كما انه ليس من المنطقي أن نحكم على النظام بالانجازات التي ذكرها وقيع الله، حتى الانجازات التي تحدث عنها وقيع الله إذا تطرقنا إليها التفصيل سنثبت الكثير من الأخطاء والعواقب المستقبلية التي تحيطها والقنابل الموقوتة في أكثر من مكان، لكن السودانيين يحاسبون النظام بالنهج الذي جاء به، وبالبرنامج الذي أعلنه من خلال حركته اليومية في الإعلام والعلاقات الدولية والدبلوماسية، كما لم يكن في حسابات الذين اجتمعوا في ذلك الشهر من العام 1989م ليقرروا ما إذا كانت ساعة التغيير حانت أم لا أن يضعوا الانجازات المذكورة في حساباتهم، أبداً كان الهم الكبير يتلخص في (التمكين لدين الله في السودان)، وقد طالع القُراء مقالات محمد وقيع الله التي عدّد فيها انجازات النظام انه هرب بشكل واضح وجلي من التطرق إلى نتائج الحكم في تردي الأخلاق وانتشار الدعارة بكل أنواعها والجريمة المنظمة، والزيادة الفلكية في أعداد المصابين بالإيدز (الآن يعقد في العاصمة الخرطوم مؤتمر دولي يبحث مشكلة انتشار المرض في السودان) وانتشار المخدرات بين طلبة الجامعات، والازدياد الخطير في معدلات الطلاق، والهجرة الى الخارج، وهرب د. محمد وقيع الله هروب النعامة من الملفات التي تتحدث عنها الصحافة السودانية في ذات الايام التي كان صاحبنا يدبج في مقالاته مُعدداً إنجازات دولة بني أمية في السودان، هارباً من ملف (الأطفال مجهولي الوالدين) وموتهم بالعشرات يومياً ودفنهم بعيداً عن الأعين.

انجازات (الإنقاذ)

تحدث وقيع الله عن انجازات النظام على محيط (التدين) والارتقاء بالإنسان السوداني، هذا هو المحك الحقيقي لكنني هنا لا بد أن أقدم مختصراً للدروس العملية التي غاب عنها الأخ وقيع الله سنين عدداً، وشخصي صحفي وإعلامي وحركي غصت في أعمق مؤسسات الحركة الإعلامية والجهادية والتنظيمية، الأمر الذي يؤكد أن ما أقوله ليس أكاذيب ولا إملاءات من أحد انما أحداث عشتها لحظة بلحظة.



التجاوزات الإنسانية وانتهاك التشريعات الإسلامية والدولية..!!

كل السودان عاش سنوات الحديث عن تمسك الحكومة بالإسلام بل والدفاع عنه من كيد المتربصين، لكن من خلال معايشة في "مؤسسة الفداء للإنتاج الإعلامي" كمعد للبرنامج التلفزيوني الشهير بدأت تتكشف لي من خلال الأشرطة الخام التي كانت تأتينا من مناطق القتال ما لا يمكن أن يتصوره عاقل، و تحديداً من أحد الأشرطة الخام التي جاءتنا من منطقة شمال أعالي النيل متحرك (هدير الحق) عندما دخلوا منطقة شالي في النصف الثاني من التسعينات وهرب جنود الحركة الشعبية كان هناك طفل في الـ 14 أو 15 من عمره لم يتمكن من الهرب قاموا بقتله مع صيحات التكبير والتهليل وتم قتل كل الأسرى الذين كانوا داخل المعسكرات، وكان الشريط الخام يحتوي على مشاهد ليس لها أي علاقة بمن يدين بالإسلام ديناً، وعندما كنت أشاهد الشريط لفت بي الدنيا وكنت أحسب نفسي في كابوس لكنها كانت الحقيقة، علماً أن الأشرطة التي كانت تصلنا من مناطق القتال لا يشاهدها إلا مُعد الحلقة والمخرج، ويمنع منعاً باتاً للآخرين مشاهدتها لما فيها من تجاوزات.

وفي الكثير من الأشرطة التي كانت موجودة في مكتبة المؤسسة كانت مشاهد دخول القوات الحكومية إلى بعض القرى في جنوب السودان منظراً لا يمكن أن يمحى من ذاكرتي أبداً، حيث يتم حرق البيوت المصنوعة من القش في مشاهد همجية وأحياناً يكون هناك بشر داخل هذه البيوت وتسمع صراخ العساكر وهم في حالة هستيريا ويطلقون النار عشوائياً، لا يمكن أبداً أن يكون ذلك إسلاماً مهما كانت المبررات، وضرب بالقرآن الكريم والحديث النبوي الواضح عرض الحائط إذ يقول النبي الأمي صلى الله عليه وسلم:

"لا تغدروا ولا تغلوا ولا تقتلوا وليداً ولا إمرأة ولا شيخاً فانياً ولا مُنعزلاً بصومعته, ولا تحرقوا نخلاً ولا تقطعوا شجراً ولا تهدموا بناء"، لكنهم يا رسول الله عليك أفضل الصلاة وأتم التسليم فعلوا أكثر من ذلك بكثير...

المؤسسة نفسها (ساحات الفداء) تعج بالفساد المالي والإداري وكان يرأس مجلس إدارتها الوزير الحالي أسامة عبد الله محمد وزير الدولة بالري المسؤول الأول عن خزان مروي، ويديرها مدير مكتب المؤتمر الوطني بالقاهرة حالياً كمال حسن علي، وكان نفر من السُراق يلعبون بالمال لعباً باعتبار المؤسسة فوق الجميع، والكُل يخاف منها حتى رئاسة الجمهورية كانت تخشى سؤال القائمين على أمر المؤسسة خوفاً من ردة الفعل، حيث كان القائمين على المؤسسة يذكرون للبعض أن (ساحات الفداء تابعة لأمن الثورة) وكان البعض يقول (ساحات الفداء تابعة لإبراهيم شمس الدين) في حين أن المرحوم العقيد إبراهيم شمس الدين نفسه كان يتحفظ على ما يحدث في المؤسسة من تصرفات ومن ألاعيب.

ويوماً ما كان لدي عمل مع الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة اللواء آنذاك عبد الرحمن سرالختم باعتباره المسؤول عن التوجيه المعنوي وكان اللقاء بخصوص إنتاج حلقة خاصة بمناسبة عيد الجيش الذي يحتفل به سنوياً في 14 أغسطس، وبعد الانتهاء من الحديث والنقاش حول الحلقة، قام سرالختم بإغلاق باب مكتبه وقال ليّ ضاحكاً ( وهو الآن حي يُرزق) " ياخي بكل الصراحة أنا عاوز أعرف إنتو تابعين لمنو..؟؟" فضحكت ولم أرد، فكرر سؤاله مرة أخرى "إنتو تابعين لمنو ومن حقي أن أعرف إنتو تقوموا بشغلنا ونحن سعيدين بذلك لإمكانياتكم الضخمة وعملكم المُتقن، وانا ما عارف انتو مدنيين ولا عسكريين، لكن قول لي انتو مع سعادة إبراهيم شمس الدين..؟؟ ولا تابعين للتنظيم؟؟"، ومن هنا يدرك القاري كيف أن القائمين على المؤسسة كانوا يلعبون على ضبابية أيلولة المؤسسة، وهذه المسألة كانت تعود بالفائدة على هولاء من كل النواحي الاجتماعية والأدبية والمالية.

فعلاً كانت أسئلة عبدالرحمن سرالختم وجيهة للغاية وقد لا يتصور المرء المنصب الكبير للناطق الرسمي والمكانة الكبيرة التي يتميز بها ومدير المكتب برتية عميد والموظفين العسكريين بالرتب العالية، ورتبة لواء في الجيش السوداني ليس بالأمر الهين، كونه لا يعلم شيئاً عن جهاز إعلامي كبير يتقمص دور إدارة التوجيه المعنوي بالقوات المسلحة، وليس له أي سلطان عليه، والميزانية كانت مفتوحة ويتم شراء الأجهزة من دبي بدون مناقصات، وقد أثري مجموعة من ثلاثة أو اربعة أشخاص ثراءً كبيراً بسبب موجات الشراء العشوائية، وتم نشر كل ما يتعلق بالفضائح المالية، ولا حياة لمن تنادي ذلك لأن الفساد انتشر في السواد الأعظم من دولاب الدولة، فيما مؤسسات الحركة (الإسلامية) بعيدة كل البعد عن الرقابة المالية، ليس هذا فحسب بل مؤسسة مثل (ساحات الفداء) يخاف منها الكثير من الناس، الأمر الذي جعل وزارة المالية تصرف للمؤسسة شهريا مبلغاً كبيراً بدون وجه حق، في حين أن الامكانيات التي تزخر بها المؤسسة يجعلها داعمة وليس متلقية للدعم، لا رقابة مالية ولا إدارية والمسئول الأول من المؤسسة أحد (رجالات) علي عثمان محمد طه ومرفوع عنه القلم..!!



دولة العدل الرشيدة..!!

وقد لا يصدق المرء أن القائمين على هذه المؤسسة هم أنفسم القائمين على أرواح أبناءنا في معسكرات الخدمة الالزامية، فمجموعة من رجال المستقبل طلاب على أبواب الجامعات ماتوا ضرباً مبرحاً داخل معسكرات الخدمة (الوطنية) الإلزامية، وعندما ذهبت إحدى أسر الضحايا إلى وزيرالعدل تشتكي القوات المسلحة بعد أن أكد تقرير الطبيب الشرعي د.عبد الله عقيل بمشرحة مستشفى الخرطوم أن الوفاة كانت لنتيجة ضرب في أماكن مختلفة ومنها الرأس قال لهم وزير العدل آنذاك (عل محمد عثمان ياسين)" أذهبوا أن القوات المسلحة مؤسسة سيادية لا أحد يستطيع محاكمتها".

اخي وقيع الله التقرير الطبي موجود والشهود موجودين والدكتور الطبيب الشرعي عبد الله عقيل سوار موجود، ليس قضية واحدة بل قضايا كثيرة..!! هذه دولة الإنقاذ التي تدافع عنها وتطلب وُدها..!!

كلما أسرد هذه الواقعة أتذكر نفسي وأنا أنشد وأهتف باندفاع الشباب

لا أبالي لا أبالي انني شعبُ رسالي********** قد تربى بين قرآن وساحات القتال

مسلم قالت جموعي لست بعثي لا شيوعي *** عانقت أصلي فروعي رافضاً أي انفصال

سوف نبني بالعقيدة دولة العدل الرشيدة****** لا دويلات عديدة شيدت فوق الرمال

قد عشقت البندقية هاتفاً عندي قضية ******سحق حزب الماركسية انه حزب ضلالي

وقد بان أن كل ماكانت تخالفه الابيات أصبح واقعاً..

السودان وقد أصبح دويلات عديدة- انفصل عن كل تجاربه السياسية السابقة وعن محيطه الاسلامي بهذه التجربة التي لا يمكن أبداً أن نجد لها وصفاً يمكن ان يليق بما فعلته في السودان- حزب الماركسية الشيوعي السوداني ما أظن أنه اذا استلم الُسلطة يوماً أن يفعل في السودان ما فعلته (الانقاذ) وأهم شئ أنه سوف لا يتاجر بالدين ولا يرفع شعار الاسلام، وأن البندقية التي استخدمتها الحركة الاسلامية لم تجلب لنا إلا الدمار والقتل والابادة الجماعية التي أصبحت وصمة عار في جبين الحكم وهو يتحدث ويرفع شعار الاسلام، وقد بان واضحاً أن القضية هي الانتصار للنفس وقد سادت عقلية (التكويش) وقريباً ستظهر العقارات التي تم شراؤها في تركيا وفي ماليزيا، حتى زوجة الرئيس الجديدة أصبحت تنافس كبار التجار في العاصمة وقد تم إعطاؤها مشروع صالات وقاعات كبيرة لعدد من الجامعات،وقامت بشراء منتجع كبير في إحدى دول النمور الآسيوية، وبعد أن كانت محبوسة بين جدران بيوت جهاز الأمن بالقرب من المطار أصبحت ست أعمال كبيرة تتحدث بالارقام الكبيرة، فيما تم إعطاء أصغر أشقاء الرئيس رخصة لتصدير الماشية السودانية التي أصبحت حكراً على أشخاص بعينهم.. رحمك الله أخي عثمان حسن البشير طبت في عليائك بُعداً عن أكل السحت وقد كنت تقود الموتر (السوزوكي الأسود) وتجتهد في تعليم الناس قراءة (القرآن الكريم) وتحتفل وتسعد عندما تجد الجميع قد جلس على الأرض وبدأت التلاوة وزرفت الدموع الحرى محبة في الحبيب المصطفى.



فساد المهندس..!!

وثالثة الأثافي أن (المهندس) المدير العام لمجموعة شركات أحد البنوك السودانية المشهورة قد أفسد فساداً ليس له نظير في تاريخ السودان، وقد كُنا في الوسط الصحفي في فترة ( 1994-1998) نتبادل وثائق فضائحه المالية ونحن صحفيي الحركة (الإسلامية) نعرفه جيداً ونعرف الفاسدين معه وعندما أصبحت المسالة حديث كل مجالس الحركة الإسلامية قررت إحدى الجهات وضع حداً لفساد الرجل المهندس فتم تشكيل لجنة لتقصي الحقائق، وأعرف شخصياً رئيسها وقدم ملف الفساد بالأدلة إلى ديوان الثراء الحرام وأثناء البحث والتقصي ودراسة القضية جاء وفد من جهة عليا وطلب ملف المهندس الفاسد وعرّف أحدهم نفسه بأنه مرسل من (رئاسة الجمهورية) لاستلام ملف فساد الشخص المعني بل قام بتأنيب القائمين على أمر الديوان على فعلتهم ونيتهم في محاسبة الرجل.. وإلى هذه اللحظة لم يُقدم الرجل للمحاكمة أما مجموعة البنك فقد راحت في خبر كان، هذه قصة يعرفها كل قيادات وأعضاء الحركة الإسلامية وكل المنتمين للمؤتمرين الوطني والشعبي..!!.



هذا قليل من كثير..!!

هرب وقيع الله هروباً مخزياً عن ملفات الفساد المالي ووهنا أقتبس فقرة من مقال الاستاذ أسامة بابكر حسن في رده على وقيع الله "فطوال عمرنا هذا لم نسمع بأي مسؤول، صغيراً أو كبيراً في حكومة الإنقاذ وقف أمام محكمة في أي قضية، بينما وقف الإمام العظيم أستاذ الإنسانية علي بن أبي طالب الذي منح هالرسول (ص) صفة " أقضى الناس" أمام قاضي دولته في خلاف مع يهودي على درع، والإمام يعلم كذب اليهودي في دعواه، لكنه وقف أمام القاضي لكي تنتظم ثقافة العدل المجتمع ليثبت في المجتمع حديث الرسول (( الناس سواسية))، ولكن حدث ذلك في أمريكا في عهد كلينتون الذي لا يحكم بالإسلام ووقف حاكم أكبر دولة في العصر الحديث أمام المحكمة وهو لم يضع قانوناً للحسبة شرط به أئمة المساجد آذان الناس تنظيراً".!!

أطفال جيش الرب

بطبيعة الحال أن كل الذين شاركوا في الحرب اللعينة التي قتل فيها السوداني أخوه (السوداني) سواء في جنوب، أو في شرق أو غرب السودان، تمر عليهم الكثير من الذكريات المؤلمة، فأنا شخصيا أشعر بتأنيب ضمير شديد عندما كنت في جنوب السودان في ديسمبر من العام 1995م فيما يعرف برد الهجوم الذي أطلقت عليه الحركة الشعبية (الأمطار الغزيرة) هذه العملية العسكرية الكبيرة والتي قتل فيها المئات بل آلاف السودانيين من الجانبين، تختلف عن كل العمليات العسكرية في جنوب السودان لما فيها من مفارقات وتجاوزات إنسانية، تجعل من الهدف الكبير للحرب ضد (المتمردين) علامات استفهام كبيرة متمثلة في الموقف اللا إنساني للحكومة السودانية إذ استعانت لفترات طويلة بجيش الرب اليوغندي الذي يتزعمه المتمرد اليوغندي جوزيف كوني وهذا الجيش للأسف استعان بمشاركته إلى جانبنا بحوالي الألف طفل من مجموع 2000 طفل كانوا موجودين تحت قيادة جيش الرب في المنطقة الاستوائية، والأطفال اليوغندين التابعين لجيش الرب الذين كانوا معنا في ذلك اليوم تبلغ أعمارهم ما بين الثامنة والرابعة عشرة عاماً من الجنسين، وبالكاد تميز الذكر من الأنثى.

كانت لحظات محزنة وشعرت فيها بالألم النفسي لوجود هولاء الأطفال معنا في مكان واحد وكان منظرهم يُدمي القلوب وهو يحملون الآليات والأسلحة الثقيلة، ومهما يحاول المرء لا يمكن أبدا أن يصور هذه المناظر المرعبة، عشرات من الأنفس البريئة كانت تطوف حولنا في مساء يوم بارد استعدادا للهجوم على أكبر معسكرات (الحركة الشعبية) في الميل 72 في طريق مدينة نمولي الحدودية مع يوغندا تحديداً يوم الأربعاء الموافق 12 ديسمبر 1995م، أطفال في سن البراءة الواحد منهم يحمل فوق طاقته وما زنته 40 كيلو جرام أو أكثر من العتاد العسكري الثقيل وصناديق الذخيرة، والذين حملوا مثل هذه الصناديق يعرفون كم هي قاسية الحمل في مسيرة قد تبلغ الساعات الطوال، وأحيانا اياما من السير في الطرق الوعرة، والرطوبة العالية حيث تتبلل الملابس تماما مما تُصيب المرء بالإعياء وفي الغالب التهاب الصدر و المفاصل الذي يعيق الحركة، وهذا ما حدث لي شخصيا، فكيف بالأطفال..؟!.

... يا إلهي.. انه أمر فظيع..

مهما أحاول لا يمكن أن أصور شكل الدموع الجافة على وجوه الصغار لا أجد لذلك سبيلا، ولم يكن هناك جنودا كبار السن فهم لا يتعدون العشرين من بين المئات من الجنود (الصغار) يساقون كالقطيع تماما يشهد الله على ذلك، وعلى بعد كل مائة (طفل) هناك جندي يوغندي يحث الأطفال بسرعة التحرك، و يضرب أحيانا الطفل في مؤخرته أو ظهره كي يستعجل ولا يبطئ، في أجواء غريبة على عالم الطفولة، صوت الدبابات والمجنزرات وهي تتحرك إلى مكان قريب من بداية المعركة، مع صوت أجهزة الاتصالات اللاسلكية،، لحظات من التوجس والترقب والأوامر العسكرية من القادة هنا وهناك بالعجلة، وطقطقة الأسلحة الشخصية كل هذه الضجة تجعل المحارب يعيش في لحظات غريبة، والمحارب أو المقاتل قاب قوسين أو أدنى من الموت،، لحظات صعبة حتى على كبار السن،، فكيف بالأطفال الصغار الذين استخدمتهم (الانقاذ) يا د. محمد وقيع الله..!!

تصور يا وقيع الله كم هي مكلفة تلك الحملة التي اقامتها حكومة (الانقاذ) عندما تم خطف أطفال دارفور من قبل منظمة فرنسية..؟؟ تتذكر كيف أن الحكومة السودانية جيشت الإعلام والرجرجة والدهماء وتباكت على الأطفال والطفولة البريئة، وكيف أن التلفزيون السوداني جند كل برامجه ضد المنظمة الفرنسية المسكينة لخطفها الأطفال..!!

دارفور وأحداث تشاد

د. محمد وقيع الله لم يعش معنا المرحلة العملية في حياة الحركة الإسلامية التي نعتبرها الميدان الحقيقي للكفاءة والانقياد لأوامر الدين الحنيف، ومرحلة التنظير كانت جميلة وزاهية ولكن ميدان العمل أظهر أننا ضُعاف أمام حقائق الحياة، نعم هناك انجازات مادية ولكنها لا تساوي شيئاً ألبته مع الكوارث والمآسي التي جلبتها (الإنقاذ) للشعب السوداني ومهما حدث من انجازات في نظره ونظر الآخرين لا يمكن أبداً رُؤيتها عندما ننظر إلى كارثة دارفور، أخي وقيع بكل الأمانة والصدق أن قادة (الانقاذ) هم الذين تسببوا في اندلاع شرارة مشكلة دارفور،كنت أعمل في صحيفة (دارفور الجديدة) ليس لي مصلحة في أن أكذب على النظام لكن الحقيقة الساطعة كالشمس أن الذين تذكر انجازاتهم عندما غرتهم الحياة الدنيا لم يتحملوا مطالبة الأهل في دارفور بحقوقهم، فقاموا بضربهم بالطائرات قاذفة اللهب وحرقوا بيوتهم، وأظنك طالعت أحاديث د.علي الحاج في صحيفة (الصحافة) في اللقاء الصحفي وكيف أن عنجهية أهلنا الشماليين وعنصريتهم هي التي كبدتنا جميعاً ملايين الضحايا في الجنوب والغرب ومكنت من دخول القوات الدولية بلادنا..!!.

ومن إنجازات (الانقاذ) التي تحدث عنها وقيع الله هي أن الشرخ بل الجرح الكبير الذي حدث في السودان بسبب مشكلة دارفور لا يمكن ألبته علاجه بالساهل ويحتاج لعقود من الزمان بعد حل المشكلة (إذا تم حلها)، ولدي الكثير من الاخوة الاعزاء من أبناء دارفور الذين راحت أسرهم ضحايا لمجازر القوات المسلحة السودانية في قراهم، أحد الاخوة قد وصل من بعد معاناة ومطاردة من أجهزة الأمن السودانية الى تشاد ثم الى الكاميرون ثم الى فرنسا فالسويد واتصل بي هنا بتوقيت مكة المكرمة الساعة الثانية صباحاً حكى لي كيف ان طائرات الجيش غارت على منطقتهم في غرب الجنينة وكان سارحاً مع الماشية وعندما رأي الطائرة في الجو تدق الارض بقذائفها جرى مسرعاً إلى منطقته ثم الى بيت فرأى والدته وشقيقاته على الأرض والدماء قد أغرقت المكان، وكان يحكي لي ويبكي بأعلي صوته ويسألني " أبواحمد انت عشت معنا هل نحن انفصاليون..؟؟" و"هل نحن أشرار يرسل أخواننا في الخرطوم الطائرات لتقتلنا..؟؟" كانت لحظات صعبة للغاية ولم أنم ليلتها ولم أهنأ بالنوم منذ تلك المكالمة قبل أكثر من 3 سنوات.

الآن في الوقت الراهن كل العالم أصبح يدرك بوعي تام أن الحكومة السودانية لا تريد حسم قضية دارفور، وقد كشفت التقارير الإخبارية أن أيادي حكومة (الانقاذ) في أحداث شاد كانت واضحة جدا جداً وقد راح ضحية لذلك عشرات الأنفس البريئة، وعندما حاولت بعض الصحف نشر جزء بسيط جداً من معلومات خاصة بتدخل أيادي حكومية في أحداث تشاد تم اعتقال رُؤساء تحرير تلك الصحف، وأفرج عنهم بعد ضغوط شديدة من الحركة الصحفية في بلادنا وقد أصبحوا هم خط الدفاع الأول عن السودان وليس الحكومة التي تدافع عن انجازاتها.



محاولة اغتيال مبارك في أثيوبيا 1995م

من أكثر الفترات العصيبة التي مر بها السودان كونه يتهم لأول مرة في تاريخه الطويل بمحاولة اغتيال رئيس دولة مجاورة هو محمد حسني مبارك في أثيوبيا، وأتذكر أن الرئيس البشير ود.حسن الترابي كانا قد أقسما بالله قسماً غليظاً بأن السودان برئ من محاولة اغتيال الرئيس مبارك لكن المخابرات المصرية قد قامت بخديعة مخابراتية تم الكشف بعدها عن الذين قاموا بالمحاولة من أكبرهم الى أصغرهم، وتم تصفية عدد من (الصغار) وفي وضح النهار، وقد كسبت مصر (أخت بلادي) معركتها ضد السودان التي استمرت آلاف السنين وانتصرت آخيراً حيث وضعت السودان في (مُخباها) بالمعنى البحريني وفي (جيبها) بالمعنى السوداني تلعب به كما تشاء، وبسبب محاولة الاغتيال هذه نالت مصر ما لم تنله من السودان لآلاف السنين وهي الآن تدافع عن السودان دفاعاً مستميتاً وقد وُهبت الأرض في الشمال وأدخلت شركاتها العقارية للعمل في السودان (عايرة وأدوها صوت) لتبني لنا المباني الفخمة الخدمية منها والعامة..!!.

أحلامنا التي .....

لا يستحي د. محمد وقيع الله عندما يقول أن "أحلامنا تحققت" ... يا الله.. يا الله....كم هذا الكلام مُقزز ومُبكي..إذن كان حلم وقيع الله كابوس في ليلة شديدة العتمة نام صاحبها نجساً والعياذ بالله ويمضي ويقول:

"لكن الحركة الإسلامية ماضية تحقق إنجازاتها غير مبالية بهم كثيرا أو قليلا"،

قد يكون قد تحققت لـ د.محمد وقيع الله كل أمنياته لكن أعضاء الحركة الإسلامية المنتشرين في كل بقاع العالم يؤكدون عكس ذلك تماماً فالانجازات لا تتعدى البترول الذي لم ينتفع به الشعب السوداني ولا من المؤمل ان ينتفع به في القريب غير عوض الجاز وزمرته، الخدمة المدنية وقد دُمرت تماماً فحتى درجة وكيل الوزارة أصبحت وظيفة سياسية بالتعيين السياسي وقد كانت هي المرجعية المهنية والقانونية في كل وزارة، وكان وكيل الوزارة دائما هو القبلة التي يتجه اليها الجميع في كل شئ، هو الأب والأخ والصديق والزميل وهو المسؤول الأول والأب الروحي للجميع بدون فرز، أما وأن (الانقاذ) قد أحالت هذه الخاصية إلى الصالح العام، وأصبحت الوزارات تدار بالكذب والنفاق والتملق، والخدمة المدنية ليس بالشي الهين الذي نتقاضى الحديث عنه، فهي العمود الفقري للتطور البشري على مر العصور.

وعن مشاريع التنمية حدث ولا حرج وقد بيعت كل المشاريع التي كانت تُوفر الغذاء للمواطنين (الرهد الزراعي- النيل الازرق- النيل الابيض – السوكي – الشمالية-إلخ).

التجارة أصبحت فقط للموالين للنظام وكذلك التصدير والاستيراد لقادة النظام وأعضاء المؤتمر الوطني من العضوية النشطة سياسياً واقتصادياً، منظمات النفع العام جميعها للموالين، أما التي يقودها غير موالين للحكم توضع العقبات في طريقها حتى يتعذر عليها الاستمرار في العمل.

الصناعات كذلك غالبيتها لأعضاء النظام خاصة القطاعات المؤثرة وهولاء تُوفر لهم التمويلات المصرفية وتزال من أمامهم كل المعوقات.

التعليم والتعليم العالي.. لا يحتاج مني لحديث فالكل يعلم والأمر جلي للعامة وباعتراف الكثير من المسؤولين في النظام.

الدبلوماسية أيضاً كتاب فاضح مفتوح الكل قرأه وقد تحولت السفارات جميعها الى مراكز مخابرات في الخارج والعمل القنصلي ما هو إلا ديكور، والعقلاء من السودانيين في الخارج يعرفون حتى رتب الدبوماسيين الأمنية وتخصصاتهم الأمنية، والآن قد عرف السودانيين من خلال ما ينشر في الاعلام أن ضباط الأمن هم الذين يتولون المناصب المهمة في سفارات السودان في الخارج.

ومن هنا لا أرى أي انجازات غير استخراج البترول وتصديره، دون أن يرفع من المستوى المعيشي للمواطنين.

لكن حلمنا في الدولة الاسلامية قد تحول إلى كابوس، بل أصبحت دولة مافيا اقتصادية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى.

هذا الحديث يذكرني أحد الاخوة من الصادقين عندما كنا في انتخابات الإعادة في دائرة أمبدة 1988م بعد وفاة نائبها المرحوم صلاح الصديق المهدي كنا في مدينة امدرمان مستنفرين للعمل في هذا الدائرة التي تنافس فيها الشيخ صادق الكاروري من الجبهة مع أحد قادة حزب الأمة، وعندما كانت تأتي بنا الحافلة في منتصف الليل او الساعات الأولى من الصباح كان يحدثني أخي ويقول الظاهر قصة الدولة الاسلامية بعيدة جدا" ورحنا نتذكر الصحابة الأجلاء ثم شهداء الحركة أمثال عبدالإله خوجلي و حسن سليمان و عبدالله ميرغني والامام الهادي المهدي (تقبلهم الله في الخالدين)، فبكى أخي بكاءً كثيراً، وحقيقة أن أشواقنا للدولة الإسلامية الحقة لا يمكن أن يصفها إنسان، فهي دولة العدل.. ودولة الدين.. دولة الرحمة.. دولة الصدق.. ودولة التسامح الديني، دولة نعيش فيها كلنا مسلمين ومسيحيين ويهودا ووثنيين في مكان واحد، نعم نختلف في عقائدنا لكن نحتمي ببعضنا البعض ونهرب من بعضنا لبعضنا البعض لا تفرق بيننا المناطق ولا الجهويات ولا القبليات ولا الكسب الدنيوي.

ترى كم من الآلاف من كادر الحركة الذين خرجوا من النظام مبكراً عندما تأكد لهم أن النظام يسير نحو عكس ما كانوا يعملوا من أجله السنين الطوال..؟؟؟ ترى كم من الشباب الذين غادروا محطة (الانقاذ) وهربوا بدينهم من جحيم زيد وعبيد، ترى كم من الآلاف الذين قدمتهم الحركة في جنوب السودان ، مسيرة طويلة من الصديقين والشهداء الذين عافت أنفسهم نعيم الدنيا من شهداء 1973م إلى عبيد ختم البدوي وأحمد عثمان مكي ومحمد عثمان محجوب مرورا بالهيثم عبدالهادي الحسن ويوسف سيد والبادرابي والمنصوري وعلي عبدالفتاح، وعبدالله جابر وعبدالله بابكر، وحسين سرالختم وشقيقه خالد، والكثير من الذين لا يعرفهم د.محمد وقيع الله باعوا حياتهم رخيصة من أجل دولة العدل الرشيدة.

ومن هنا أسأل الله للدكتور محمد وقيع الله أن تكون هذه شهادته لـ (الانقاذ) فيُبعث بها يوم القيامة يوم تصطف الخلائق جميعها أمام رب العزة والجلالة كل بمظلمته وذنوبه،حينها يكون الكثير من الناس في موقف لا يحسدون عليه، فشهادة للنظام الذي قتل الأبرياء في الجنوب وفي دارفور والشرق وداخل المعتقلات وداخل معسكرات الخدمة الإلزامية لا يمكن بأي حال من الأحوال إلا أن يكون من أهل الجحيم لأن ما قاموا به من مجازر حقيقة وليس إدعاء كاذب، كل الشواهد والأدلة ستقف أمام رب العالمين في يوم يخسر فيه الظالمين ومن أيدهم وساندهم.

فإذا كنت قد دافعت عن (الانقاذ) كل هذا الدفاع (بالصح والكضب) فمن الذي يدافع عنهم يوم العرض..يوم الدين.. يوم الحساب،وإذا كان للنظام أقلامه وكُتابه وقنواته الفضائية تمجد كل أعماله وتصدق أكاذيبه فتذكر أخي د. محمد وقيع الله قول الله عز وجل وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء [ابراهيم:43،42]..

وقوله سبحانه: أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى [القيامة:36].

وقوله تعالى: سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [القلم:45،44]. وقوله : إن الله ليملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته ثم قرأ: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102].

وفي يقيني التام أن الظالم مهما مكث في كرسي الحكم يوما ماً سيطاله الحساب في الدنيا والاخرة والتجارب علمتنا ذلك من الديكتاتورصدام حسين الذي أصبح يمثل أكبر النماذج القريبة جدا لعالمنا ولواقعنا، وأمامنا قوله تعالى: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ الشعراء:227

هذه بعض من صفحات من تاريخ النظام المخزي كُتبت بصدق وبأمانة ويكفي أن كاتبها خارج السودان يعاني البعد عن الأهل وعن الأسرة، ويُعرف لدى الجميع في البحرين أنه أبعد الناس عن ممثلية النظام وحتى عن مقر الجالية، سبع سنوات خارج الوطن..

أتمنى من الاخ د. محمد وقيع الله أن يطالع هذه السيرة وان يسأل عن كاتبها وعن صحة ما كتبه

وإذا ادعت الامور لكي أزيد فيما كتبت فسوف آتي لا محالة..

Post: #106
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 04-29-2008, 05:47 AM
Parent: #104

لماذا ننادي بعلمانية الدولة
عبدالله المدني
[email protected]
2006 / 7 / 1


علمانية الدولة ببساطة شديدة هي أن تقف الدولة موقف الحياد من العقائد و المذاهب التي تدين بها مكونات شعبها، بمعنى ألا تكون في قراراتها و سياساتها و خططها و تعييناتها – بما في ذلك مناهجها التعليمية وسياساتها الإعلامية و الثقافية - منطلقة من مذهب أو عقيدة أو مرجعية دينية معينة و إن كانت عقيدة و مرجعية الأغلبية، لما في ذلك من تهميش لعقائد الآخرين و تمييز ضدهم و إخلال بمباديء المساواة و العدالة و المواطنة.

ومن هنا حرصت البلاد التي انتهجت الديمقراطية الليبرالية الحقة و أقامت الدولة المدنية الحديثة على عدم تضمين دساتيرها ما يفيد بديانة الدولة. و لا يعنى هذا البتة التقليل من شأن الدين و مكانته السامية في النفوس و دوره المؤثر في المجتمع، بل على العكس من ذلك. فالدولة العلمانية بعدم إقحامها الدين الذي هو حزمة من القواعد المقدسة و الأحكام الربانية الثابتة في الشأن السياسي اليومي المتحول أو في اللعبة السياسية المتذبذبة يسارا و يمينا، إنما تحفظ للدين هيبته ومنزلته و تنزهه من السقوط في وحول السياسة التي تتغير قواعدها و آلياتها بتغير الأهواء و الظروف و الشخوص و المصالح.

و خلافا لما هو شائع في البلاد العربية و بعض البلاد الإسلامية، و لاسيما في أوساط البسطاء و الدهماء، فان العلمانية لا تهدد الدين و لا تحاربه ولا تسعى إلى سلخه من أفئدة الناس، بدليل أن المجتمعات التي طبقت علمانية الدولة لا تزال شعوبها كما كانت دوما مؤمنة بعقائدها و ممارسة لطقوسها الدينية بحرية و ماضية في بناء دور عبادتها دون قيود، هذا إن لم تكن درجة النزعة الإيمانية قد زادت بفضل ما هو متاح من حريات دينية أمام أتباع مختلف المذاهب و الطوائف.

أما سبب شيوع الفهم الخاطيء للعلمانية في مجتمعاتنا، فتسأل عنه حركات الإسلام السياسي التي دأبت على تشويه هذا المفهوم مثلما شوهت الكثير من المفاهيم العصرية و الحضارية الأخرى، فجعلتها في أعين البسطاء مرادفة للكفر و الإلحاد و الإفساد و الانحلال و التغريب، و ربطتها بالمؤمرات الاجنبية على الإسلام و المسلمين، دون إبراز أي دليل عملي على ما تقول. و هي في كل هذا لا تنطلق من غيرة حقيقية على الدين و ما في الدين من تبشير بالمساواة و العدالة و التسامح و الإخاء و السلام، بقدر ما تنطلق من رغبتها الجامحة في الهيمنة على المجتمع و إقصاء المختلفين معها، بل من خوفها على تراجع مكانة رموزها و مصالحهم إن طبقت علمانية الدولة.

إن إقامة الدولة المدنية العلمانية وفق الصورة المنوه عنها، باتت ضرورة لإخراج مجتمعاتنا المتخلفة من شرنقة الجدل و حالة اللاحسم حول الكثير من القضايا الصغيرة و الكبيرة التي لا تزال تراوح مكانها بسبب إقحام الدين فيها و بالتالي الاختلاف المرير حولها، فيما المجتمعات الأخرى حسمت خيارها و تجاوزت الجدل العقيم و انصرفت بكل قواها نحو البناء و التنمية و الإبداع.

وعلينا أن نتذكر أن الغرب لم يحقق نهضته الراهنة و لم يصل إلى ما وصل إليه من إنجازات في شتى المجالات الإدارية و الحقوقية و التربوية و العلمية و الصناعية و الاقتصادية إلا حينما تحرر من سطوة مؤسسة الكنيسة و تفسيراتها المتشددة و دورها البطريركي الرهيب – و ليس من الدين نفسه – و أقام الدولة المدنية العلمانية. و لو انه ارتضى بما كان يجرى من قمع لحرية التفكير و حجر على العقول و تدخل في كل قرار دنيوي على يد أرباب المؤسسة الدينية و تفسيراتهم، لكان حاله اليوم مزريا.

لكن لماذا نتحدث عن المجتمعات الغربية ذات الظروف و الخصائص التاريخية المختلفة، و أمامنا مجتمعات شرقية عالمثالثية استطاعت بفضل نهجها العلماني تحديدا أن تحقق ما لم تحقق مجتمعاتنا العربية حتى عشره. لنفكر فقط في شبه القارة الهندية التي انقسمت في عام 1947 إلى كيانين احدهما ديني ممثلا في باكستان و الآخر علماني ممثلا في الهند، و لنسأل أنفسنا أين تقف الأولى اليوم و أين تقف الثانية؟

إن الكثيرين عند حديثهم عن الهند و ما حققته من استقرار و نهضة و قوة في سائر المجالات يشيرون إلى نظامها الديمقراطي الليبرالي فقط، و ينسون أن هذه الديمقراطية ما كانت لتترسخ و تقي البلاد شرور التشرذم و الانقسام و الانقلابات العسكرية و الحركات الانفصالية المنطلقة من منطلقات دينية أو عرقية أو ثقافية، لولا وجود دعامتين يسندانها هما: العلمانية و الفدرالية. وإذا كانت الفيدرالية ضمنت للولايات الهندية أن تدير شئونها بنفسها و بالتالي تشبع طموحات سكانها المتباينة اقتصاديا و اجتماعيا و ثقافيا، فان العلمانية كانت ضرورة للتعامل مع مختلف الأديان و المذاهب التي يدين بها الهنود على قدم المساواة و بالتالي التعامل مع كافة أتباعها كمواطنين لهم نفس الحقوق و عليهم نفس الواجبات، بما في ذلك حقهم في شغل مناصب الدولة الكبرى.

إنها العلمانية وحدها التي اتاحت في الهند لابن صياد فقير (الدكتور زين العابدين عبدالكلام) من الأقلية المسلمة التي لا تشكل سوى 15 بالمئة من إجمالي السكان أن يصل إلى منصب رئاسة الدولة، و اتاحت لرجل من الأقلية السيخية (الدكتور مانموهان سينغ) التي لا يتجاوز عدد أتباعها نسبة 3 بالمئة من السكان أن يتبوأ منصب رئاسة الحكومة المحوري، و اتاحت لسيدة كاثوليكية من أصول إيطالية و لم يمض على حصولها على جنسية البلاد سوى عقدين و نيف من الزمن مثل سونيا غاندي أن تحتل موقع رئاسة الحزب الحاكم أي حزب المؤتمر التاريخي الذي تحقق على يديه استقلال الهند، فيما الأقليات في دولنا العربية اللاعلمانية تجاهد من اجل الحصول على حقيبة وزارية ثانوية يتيمة دون جدوى. و باختصار اتاحت هذه العلمانية لثلاث شخصيات من الأقليات أن تقرر مصير امة غالبيتها الساحقة من الهندوس، دون أن يصدر من هؤلاء اعتراض أو تذمر أو عصيان.

ثم لنسأل لماذا لا نجد هنديا مسلما واحدا على قائمة الإرهابيين الذين زرعوا العالم رعبا و قتلا و تفجيرا في السنوات الأخيرة رغم وجود أكثر من 150 مليون مسلم في الهند و رغم انتشار المدارس و الجمعيات الإسلامية فيها، فيما القائمة ذاتها تحتوي على مسلمين من مختلف الأقطار العربية و الإسلامية دون استثناء؟ الإجابة تكمن في علمانية الدولة الهندية وحدها، و ما وفرته من احترام لكل الأديان و مساواة في التعامل مع رموزها وحريات كاملة لأتباعها في الكتابة و التعبير و العمل و التنافس و التقاضي و الإبداع و تولي المسئوليات العامة.

ومرة أخرى إن علمانية الدولة و ما يتفرع عنها من حقوق المواطنة الأصيلة و بالتالي السؤال حصريا عن ولاء المواطن لبلاده و كفاءته – لا دينه و مذهبه - حين التعيين في الوظائف الرسمية،هي التي أتاحت لجنرال تايلاندي مسلم أن يجلس على رأس قيادة جيش بلاده البوذية، و مكنت شخصية مسلمة من احتلال منصب رئاسة البرلمان في بلد جل سكانه من البوذيين أو المسيحيين مثل سنغافورة.

أما فيما يتعلق بالبحرين، التي تمثل حالة خليجية متميزة بفضل ما بلغه أبناؤها من مستوى تعليمي و ما تحتضنه بالتالي من كوادر مثقفة، و بفضل تاريخها الطويل كمجتمع منفتح و متسامح و وعاء حاضن لثقافات و أعراق و مذاهب متنوعة، فإنها مهيأة أكثر من غيرها لتكون نموذجا للدولة المدنية العلمانية لولا سطوة الإسلام السياسي الحركي الطارئة. و لا أبالغ لو قلت أن مجتمعنا البحريني للأسباب التي ذكرتها آنفا هو علماني بطبعه، بمعنى انه غير متطرف دينيا. و بعبارة أخرى فهو لئن كان محافظا و ملتزما بأهداب دينه الإسلامي، فانه في الوقت نفسه يحترم أتباع الديانات و المذاهب الذين يشتركون معه في المواطنة، و لم يصدر عنه في الغالب ما يشير إلى تبنيه لنزعة اقصائية أو مطالبته بفرض أحكام عقيدته على الآخرين أو تحبيذه لإقامة الدولة الدينية على أنقاض ما هو قائم.

و حينما ننادي بعلمانية الدولة و مدنيتها في البحرين ، فإننا بهذا لا ندعو إلى تهميش الإسلام و دوره في حياتنا بقدر ما ندعو إلى عدم إقحامه في كل صغيرة و كبيرة من الأمور الدنيوية الخالصة. إننا ببساطة لا نريد أن نصل إلى وضع يصبح فيه موضوع مثل تحية العلم الوطني، مسألة جدلية يستدعى رجال الدين للإفتاء بصحتها من عدمها مثلما حدث مؤخرا في دولة مجاورة، أو إلى وضع يتدخل فيه لابسو العباءة الدينية في مسألة مثل أداء الجندي للتحية العسكرية أو مدى صحة دفاعه عن دولته إذا كانت هذه الدولة لا تطبق الشريعة بحذافيرها مثلما حدث في دولة مجاورة أخرى.

Post: #107
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 05-04-2008, 11:07 AM
Parent: #106

سلوك الإسلاميين والدولة

صلاح شعيب
[email protected]

هل يفترض المرء ان الاخوة الاسلاميين السودانيين ينبغي أن يتحلوا بسلوك جيد ومختلف عن الذين ينتقدونهم .. على اعتبار انهم يحاولون أن يظهروا لنا عيانا بيانا أن حساسيتهم «السياسية/الدينية» أعمق، أم أن هذا الافتراض سيكون ساذجا بالنظر إلى حقيقة أن سلوك المرء لا يختبر من خلال تنظيمه السياسي، وإنما عبر تربيته التي تبدأ من البيت ثم المدرسة، وتنتهي بالتنمية الذاتية المستمرة لمدونة السلوك في عقل المرء، وربما ضميره حتى مماته؟..

هذا السؤال قد يفرع آخر مؤداه هو: هل أن منظومة السلوك الاجتماعي الطيب تتعلق بفكر سياسي دون غيره أم أن السلوك، طيبه وسيئه، مشاع على قارعة كل طريق ايديولوجي... شيعي، بوذي، هندوسي..إلخ؟

لا احبذ هنا وضع إطار فلسفي للموضوع، بقدر أن المحبذ لدي هو طرح التساؤل، ولعل الهدف منه كيفية فهم الذهن الإسلاموي الذي يتقدمنا في الدفاع عن الله ورسوله من بوابة دولة السياسة، كما تمظهر. إذ أن منهج سياسة الدولة ليس هو منهج التشبث بقيم الدين. والنهج الأخير هذا يبدو صعبا خلطه بالأول، مهما حاولنا لجم أنفسنا واحطناها بالتعوذ من الشيطان ولعنا ـ من ثم ـ سنسفيل تربصه بنا بأغلظ الايمان. وهل حقا أن معنى أن تكون سياسيا هو أنه لا بد أن تفهم لعبة المناورة والمراوغة، وإلا سوف لن تتقاعد سياسيا ناجحا أو مسلما حسن الصهر عبر تجربة رئاسة أو توزير أو إدارة ـ هذا إذا كنت تظن أنك دخلت السياسة لإقامة الدولة الدينية..؟

أهلنا يقولون «راكب سرجين وقيع وساير دربين ضهاب»، ولعل فرص الربط بين الدولة والدين مهدت لنا معرفة مكر «البني آدم» السوداني في مزاوجته المقدسة بين إعادة إحياء الدولة بقيم الدين القويم لتحقيق نموذج للتفاني يؤثر فيه الناس على أنفسهم من أجل تحقيق الخير للمسلمين وغير المسلمين في السودان.

وبطبيعة الحال فإن المضمون من هذا التساؤلات الابتدائية لا ينفي حقيقة أنك يمكن أن تدخل السياسة بأمل ألا تسرق و ألا تستغل ذلك المنصب لتحسين وضعيتك فقط على حساب الناس، وألا تنحاز لأسرتك أو لأهلك عندما تتوزر، أو ألا تبني بيتا يتطاول على كوخ جارك، وألا تقتني سيارة فارهة، أو ألا تجلس على منصب هناك من هو أحق منك به، ويستطيع من خلاله أن يخدم مصالح الناس بأفضل منك، أو ـ بالكثير ـ وألا تتسبب في فقد أحدهم لمصدر رزقه دون تعويضه بعمل آخر.. ما دام أنت المسؤول عن الرعية..

وهناك غيرها من الممارسات التي مطلوب ألا تضعك في تناقض مع اصول وفروع دينك الذي تؤمن به.. وتستطيع أن تدخل بوابة السياسة بإيمان وسلوك ديني قويم.. وتستطيع أن تخرج من السلطة دون أن تضعف أمام مغرياتها. ولكن يجب أن تعلم أن فرصتك في الحرص على السلوك الديني المستقيم لن تتيح لك مجالا للطموح السياسي من الوزن الثقيل.

إذا أردت مجدا سياسيا خلاقا يجب ـ على حسب تجربة الانسان التاريخية مع السياسة ـ أن تفهم الشروط الاولية لعلم السياسة، أما إذا اردت أن تخدم الدين فيجب أيضا أن تعي ضرورات التقيد بجوهره لا الوعي فقط بكيفية تبرير فعلك الخاطئ بنصوص من الكتاب الكريم. وصفاء الدين هو في صفاء فعلك لا في شكل أو مظهر توظيفك له. ومتى ما أردت خدمة متخيلة للدين اعلم انك متحرر من ذاتك لصالح الجماعة، بيد أن شيطان الدولة لا يتركك تذهب بعيدا دون أن تسفك الدماء ـ مثلا ـ حتى تثبت وضعيتك أمام الطامعين في الكرسي، وإلا أصبح الصبح ووجدت ذاتك كعصفور حزين في قفص لا يحسد عليه.

وإذا كان عدم اقتراب الشخص نفسه عن السياسة بشروطها ـ من مراوغة أو مناورة ـ لا ينجيه من مغريات الدنيا، فما بالك أن تنمي سلوكا اسلاميا ممتازا داخل دولاب الدولة، وكلنا يعلم أن الحفاظ على هذا الدولاب يتم بالبطش والقمع الذي لا يرضي الله ولا رسوله وكذلك صحبه الغر الميامين.

ومنهج «السياسة الرسالية» حتى الآن لم يكتمل نظريا أو لم يتم التفكير فيه أصلا، بحيث أن تقام أعمدة هذه الرسالية المظنونة على هدى من أخلاق رفيعة. وحتى نتلمس فرضيات هذه الرسالية السياسية ونقنع بها، إذا كان من الممكن، فإننا نبقى على تفحص علاقات السياسة بسيوسيولجي الوجود، أي التجربة التاريخية.. وليس الاسلامية فحسب، وإنما أيضا المسيحية أو اليهودية أو الميثلوجية الافريقية أو اللاتينية او الآسيوية..أو .. أو ..إلخ.

طبعا من الناحية المبدأية يصبح من المشروع سياسيا أن تطرح طرحا عقلانيا عن كيفية جعل تشريعات الدولة متطابقة للنص الديني المعني، وبحيث أن تسير السلطة التنفيذية وفق التوراة والانجيل، وأن تتم ممارسة السلطة القضائية انطلاقا من قوانين سماوية. وهذا يعني أيضا أن لا مشاحة في تنفيذ هذه الافكار أيضا ما دام انها تتوسل بالطرق الديمقراطية، ولكن تبدو محاكمة هذا الطرح العقلاني وتنفيذه وفقا لنتائج الغايات التي نتحصل عليها من خلال الممارسة. فالاديان غايات وليست وسائل، متى ما خدمت غاية البشر ومصالحهم كان ذلك هو المطلوب، ومتى ما حادت عن هذه المصلحة، فإن الحاجة للتدبر فرضت علينا إعادة التفكير في المنهج الذي به أردنا مسبقا تنزيل الدين بين أزقة الحكومة.

وإذا احتكمنا إلى الغاية التي ارادها الإخوة الاسلاميون بالسودان، واسقطنا إجرائيا كل رأي حول صدقهم أو عدمه، وبحثنا إمكانية اختبار سلوكهم الديني الظاهر ومقاربته بالغاية الاولية لتحكيم «شرع الله» أكثر من المقاربة بالفشل البائن للدولة في حل مشاكل الناس، فإن المرء يصل إلى القول ان معظم الاسلامويين لم ينتهوا فقراء، أو بأحسن التقدير إلى مشابه للوضع الاجتماعي الذي كانوا عليه ما قبل الحصول على الدولة.

وإذا تركنا أيضا جانب الخطأ والصواب ـ إجرائيا ايضا ـ في تجربة «بيوت الاشباح»، إلى قتل الذين استخدموا نفس منهج الإسلاميين «المجاز» إسلاميا في الانقلاب، إلى إعفاء الآلاف من الخدمة المدنية دون إيجاد البديل لهم في الرزق، إلى التخبط في العمل السياسي وافتقار المنهجية في التعامل مع الاحداث التي ألمت بهم، إلى وراثة الوظائف في مقابل عدم العدل في توزيعها، إلى التعامل مع المكون القومي في الجنوب ودارفور خصوصا، إلى ـ حتى ـ اختلافهم عن بعضهم البعض بالكيفية التي شهدنا، إلى زعزعة الاستقرار في الجوار العربي والافريقي، وإلى التعامل مع أخوانهم «المجاهدين» العرب والمسلمين.. وإلى .. وإلى..إلخ، فإن الحيرة تملأ المرء من الهيئة التي انتهى إليها غالب الكادر السياسي الإسلاموي على مستوى الاستفادة من خدمة النفس عبر هذه الخدمة التي بذلها للغاية الاسلاموية، وهي قد أبانت لنا عن خواتيمها الآن، ولسنا بحاجة للاستشهاد ببعض اسلاميين كثر ـ وليس علمانيين ـ على نقدهم لنموذج الدولة الإسلامية والذين عدوا التجربة «مأسوية» على البلد، في أحسن الافتراضات.

طبعا يستطيع من هم ينافحون ـ ولا نقول يكابرون ـ عن نجاعة فكرة اسلمة الدولة، أن يعدوا كل هذه المثالب التي افرزتها تجربة الدولة الدينية في السودان ان يبرروا «المآلات» التي بدا عليها واقع المسلمين في السودان، بل يستطيعون أيضا ان يحملوا الفشل إلى عوامل خارجية غذت آثارها «دول الاستكبار والصهيونية والعلمانيين والزنادقة والزراليخ والوطاويط»، على اعتبار أن هؤلاء «الخونة» لا يريدون «حكم الله ولا يعترفون برحمته» وما إلى ذلك من التقديرات التي نتلمسها بين الفينة والاخرى.

ولكن السؤال الجوهري الذي يتفاداه الاسلاميون هو: ولكن ماذا عن النعم الوفيرات التي انعم الله بها من هم تجشموا عناء انجاز غاية الاسلام في الوقت الذي تباعدت مسافة «الوضعية الاجتماعية المريحة» ما بينهم وجيرانهم من وقود الطبقة الوسطى أو الفقراء؟

ليس من وظيفة هذا الكتابة التعميم، وذلك على حسب اننا في مفتتحها قلنا إن السلوك الاجتماعي يبدأ من البيت، وأن السلوك الاجتماعي الطيب لا يرتبط بحزب دون آخر. بمعنى أن بين الاسلامويين ـ وهم دعاة ايديولوجيا ـ بعض عضوية لم يثر على حساب مسيرة توطين القيم الاسلامية، وهناك بعض من الاهل والاصدقاء من الاسلاميين اعرف فقرهم، إما لقلة حيلتهم في الخروج من المولد بـ «الغنيمة» أو لحرمان الواعز الديني لهم من السقوط في حبائل الضعف الإنساني أمام خيرات الدولة.

فالمقال يخاطب بالدرجة الأولى ضمير غالبية معتبرة من الكادر القيادي الاسلاموي الذي أثرى من خلال الوظيفة بالمال أو الطموح، أو من السوق حين تم توجيه الناس إلى إهمية الاهتمام بالغدو والرواح بين المنزل والمسجد، بين المكتب والزاوية. وهذا يعني أننا لا نفتئت على كل الاسلاميين ما دام أن هناك ايمانا راسخا لدينا بأن بعض الاسلامويين حتى هذه اللحظة ونتيجة لـ «عوامل مركبة» تتعلق بـ «أ» تركيبتهم الفكرية الصمدة و«ب» غياب البديل السياسي و«ج» ضمور الثقة في القيادات السياسية والضعف النظري في خطاباتها الفكرية ـ لا يرون في التجربة المائلة إلا خدمة للدين والسودان، وأن بالامكان ليس أفضل مما كان من نتيجة تحقيق الغاية الدينية.

إن مشكلة الأخوة الإسلاميين ستكون متعمقة أكثر في حال عدم اعتبارهم لدراسة تجربة الدولة القائمة في تأثيرها على سلوك كوادر الاتجاه الاسلامي، السلوك المتعلق باستباحة المال العام، والتعامل غير السوي مع الآخر المسلم وغير المسلم، والهرولة نحو طلب واستغلال الوظيفة، وعدم القدرة على مراجعة أنفسهم أو محاسبتها، والتحيز للأقرباء مع ظلم الابعدين، وغيرها من مظاهر السلوك التي أفسدت قيادات التنظيم، وصعبت من بعد الإمكانية لإيجاد الحلول للورطة التي أدخلوا فيها التنظيم والبلد والمواطنين.

كل المشاكل التي نعايشها الآن تعود إلى الفكرة التي حاولت قسريا أسلمة الدولة، وهي ذات الفكرة التي قادت دعاة الإسلام السياسي إلى ترك مضامين القرآن الكريم والسنة النبوية التي يقنعون بها الناس جانبا منذ أولى مراحل التمكين، ووراثة خيرات البلد وتقصيرها على العضوية.

والآن سيدرك هؤلاء الدعاة وحدهم إلى اي مدى تنبض ضمائرهم بالارتياح لما بذلوه لصالح تثبيت أهم دعائم الاسلام في أرض السودان، كما إنهم سيدركون حتما إلى أي مدى خدمتهم «الموهبة السياسية المقدسة» في إبراز القدرات الادارية المبدعة التي تستطيع تسيير دولاب الدولة وبالشكل الذي يفيد الامة.

ولعل من السهل جدا لأي إسلاموي بذل محاولات دؤوبة لإقناع المواطنين بأن الحركة الاسلامية قادرة على حماية البلد والانتقال بها من واقع أقرب للانهيار ـ بالنسبة لنا ـ إلى مستقبل أفضل تمكينا لشرع الله، ولكن من الصعب بالنسبة لقادة الحركة الاسلامية إقناع ضمائرهم ـ في لحظات الصدق ـ أن كل شيء فعلوه كان لله.




الدعوى والدعاية الفارغة

عمر القراى

الذين درسوا في جامعة الخرطوم، من منتصف السبعينيات إلى منتصف الثمانينيات، وربما بعدها بقليل، لا بد ان يكونوا قد شاهدوا الوعود العجيبة، والادعاءات العريضة، التي يقوم بها الاتجاه الإسلامي، قبيل انتخابات اتحاد جامعة الخرطوم. فالجامعة تملأ بالملصقات بمختلف الألوان، تتحدث عن (الاتجاه الإسلامي.. أصلب العناصر لأصلب المواقف) وكيف أن الاتجاه الإسلامي سيسحق (كل الأحزاب الهزيلة المتحالفة) ضده، وكيف أنه (سيسحق حكومة العسكر).. وأنه أكفأ (من يقدّم الخدمات لجموع الطلاب). أما في برنامجه الانتخابي، فإنه كان يعد الطلاب، بزيادة (المنحة الدراسية)!! ويعدهم بـ(فتح داخليات الطالبات للزيارة على مدى 24 ساعة في اليوم)!! ورغم أننا كنا نرى أن الانتخابات تصيب الأحزاب المتنافسة، بحمى تجعلها تلجأ للمبالغة، وتضخيم انجازاتها، والتقليل من شأن منافسيها، وقطع الوعود على نفسها، وهي لا تملك تحقيقها، إلا أننا كنا نأخذ على الاتجاه الإسلامي، مفارقته لأخلاق الدين، باللجوء للكذب، والمبالغة، والتضليل من أجل الفوز السياسي..
تذكرت كل ذلك، وأنا أقرأ الخبر التالي: (شدد مساعد رئيس الجمهورية نائب رئيس المؤتمر الوطني للشؤون السياسية والتنظيمية د. نافع علي نافع، على أن التعاون والتعامل مع الأسرة الدولية لن يكون ثمنه التنازل عن الشريعة الإسلامية ونحن لسنا غافلين ولا واهمين ولا حالمين ولن نطلب الصلح والود والمعاملة من أحد. وقال نافع لدى مخاطبته لقاءً جماهيرياً بالجزيرة أبا عقب بيعة الزيادية للمؤتمر الوطني إن حزبه ماض في عرض برنامجه عبر الانتخابات القادمة ببرنامج يتركز على تقديم الخدمات والتمسك بقيم الإسلام ومبادئه، ودعا القوى السياسية لعرض برنامجها السياسي وأن يكون خطابها مبنياً على الحجة والمنطق والصدق والشفافية. وأكد أن المؤتمر الوطني لا تهزمه الشعارات الجوفاء لأنه صاحب فكر ومبدأ، وأضاف أن المشروع الحضاري مشروع الإنقاذ والمؤتمر الوطني لم يصبه الوهن. وقال إننا سندافع عنه بكل الوسائل وأن فجر الشمس الصادق سيخرج من السودان لكل المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها). (الصحافة نقلاً عن سونا 25/4/2008م).
ونحن نتساءل ما هو المحتوى النظري للمشروع الحضاري الذي جاءت به الإنقاذ، وهل حقاً ما زال ذلك المشروع باقياً، وما زالت شعاراته عالية كما كانت؟! أما محتوى المشروع الحضاري، فإنه معيشة قيم الإسلام، بكل ما تحوي من معاني العدل والرحمة، وتحقيق الرخاء، والأمن، والسلام، لكافة المواطنين، الذين قامت ثورة الإنقاذ لتنقذهم، مما كانوا يعانون منه من الفقر، والقهر، والمرض. كما حوى المشروع الحضاري، الهجوم على أعداء الإسلام من الغرب، وتوعد أميركا بأنه قد دنا عذابها. ورفع شعارات عزة الوطن، وعدم الرضوخ للقوى الأجنبية. كما وعد بتوفير الخبز والمسكن والمأوى لكل مواطن.
ومعلوم أن حكومة الإنقاذ قد استغلت الإعلام، لترويج أطروحاتها، والتركيز عليها بصورة مكررة حتى صدقتها قاعدة التنظيم من البسطاء، والمضللين باسم الدين.. ولكن الواقع أصدق من الأقاويل، والتجربة أبلغ من الخطب الرنانة. فهل يعتمد د. نافع على ضعف ذاكرة الشعب، حين يصر على أن المشروع الحضاري باق، ولم يصبه الوهن؟!
عندما قامت الجبهة القومية الإسلامية، بانقلابها في 30 يونيو 1989، سمت نفسها حكومة الإنقاذ الوطني، وأعلنت أنها جاءت لتنقذ البلد من الوضع الاقتصادي المتردي، وأوضحت أن وسيلتها لتحقيق هذا الإنقاذ، هي البرنامج الحضاري الذي تعني به تطبيق الشريعة الإسلامية.. وحتى تحكم قبضتها، عزلت كل من لم يكن من الموالين لها، من الخدمة، واستبدلتهم بكوادرها، دون اعتبار للكفاءة، مما زاد من تدهور الخدمة المدنية.. (راجع مقالنا حول اعتراف السيد نائب رئيس الجمهورية بذلك في ارشيف الصحافة)، ثم اعتقلت كل من تتوقع أنه مخالف لها، أو من معارضيها، وسعت إلى ارهابهم بأساليب من التعذيب، في «بيوت الأشباح»، لم يعهدها السودان من قبل، كان بعض أعضائها قد تدرّب عليها في إيران.. ولقد مات عدد من السودانيين الشرفاء، تحت وطأة التعذيب، وأصابت الإعاقة عدداً آخر من الذين لم يقض عليهم بالموت.. واتجهت حكومة الجبهة إلى ارهاق كاهل المواطنين، الذين شردوا من أعمالهم، بالضرائب الباهظة، وبالزكاة على ما لا تجب فيه الزكاة، حتى تسيطر على كل الثروة من جهة، وحتى تشغل الناس بالسعي خلف لقمة العيش، عن أي تنظيم أو تخطيط لعمل سياسي، من الجهة الآخرى.. كما أنها ركّزت على ازاحة التجار من السو ، بتعقيد الإجراءات عليهم، وتسهيلها لمنافسيهم من كوادر الجبهة، حتى سيطر على السوق أيفاع الجبهة، وأرغم على الخروج منه، كبار التجار والمستثمرين، الذين ظلوا فيه، لفترات اكبر من اعمار اولئك الايفاع.
ولقد بلغ الشعب السوداني، من الفقر والفاقة، على يد حكومة الجبهة، ما دفع الحرائر إلى الانحراف، ومع ذلك كان اعضاء الجبهة، يبنون العمارات العالية، ويركبون العربات الفارة، وكلما ازداد المواطنون جوعاً، ازدادوا هم تخمة، ووظفوا أموالهم للمزيد من إفساد الفقراء، واستغلالهم.
ولقد تردى التعليم، بفقد أبسط مقوماته (المدرس والكتاب)، وعوضت حكومة الجبهة عن التردي في جامعة الخرطوم، بإنشاء عدد من الجامعات كاسماء بلا محتوى ولا إمكانات.. إذ كانت وما زالت نسبة الإنفاق على قطاع التعليم أقل من (1%) من الدخل القومي.. أما قطاع الصحة، فقد كان أسوأ من قطاع التعليم، إذ أصبح المرض، حتى لو كان مجرّد ملاريا، يعني الموت!! ولقد عجزت حكومة الجبهة، عن أن توفر أبسط الأدوية أو العناية في مستشفى الخرطوم، دع عنك الأقاليم.. ولقد نزح آلاف المواطنين من الريف إلى العاصمة، لعدم وجود الحد الأدنى من الخدمات الأساسية في الأقاليم.
ثم إن حكومة الجبهة، وجهت كل صادرات السودان، على محدوديتها، لشراء السلاح، وأنشأت قوة مسلحة جديدة، سمتها الدفاع الشعبي زودتها بالسلاح، والعتاد، لتدعم بها الجيش النظامي، ظناً منها أنها بذلك سوف تقضي على المعارضة المسلحة في الجنوب.. وبالإضافة إلى الانفاق على أعضاء الجبهة، من الوزراء والوكلاء والوجهاء والمسؤولين السياسيين الذي تضخّمت أعدادهم بسبب ارضاءات الكوادر، زاد الصرف على أجهزة الأمن، باعتبارها أهم الأجهزة التي تحافظ على السلطة.. ثم صرفت أموالاً لا حد لها، على الحملة الإعلامية الضخمة، التي قصد منها تعبئة الشعب في اتجاه الحرب، وصاحب هذا التضليل المنظم، الذي اتجهإلى غسيل مخ الشباب، استغلالاً بشعاً للدين في حرب جائرة لا علاقة لها بالإسلام من قريب أو بعيد.. فقد قتل آلاف المواطنين في الجنوب، وفي جبال النوبة، ونزح الملايين من قراهم، مما أساء إلى سمعة السودان، حين أصبح ملفه من أسوأ الملفات، لدى المنظمات الدولية لحقوق الإنسان كافة..
وبعد سنوات من الفقر والقهر والفشل الذريع، أدى المشروع الحضاري، الذي كان يفترض أن يوحد السودانيين، إلى انقسام الجبهة على نفسها، بين جماعة البشير وجماعة الترابي، الذين انشغلوا بكيل التهم لبعضهم البعض (إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب).. ووضح للشعب، بعد هذه التجربة المريرة، الماثلة، أن هذه الجماعة لا علاقة لها بالعدل والخير، الذي تبشر به الأديان، وظهر أنها مجموعة من السياسيين المنافقين، يصطرعون على كراسي السلطة، دون أي اعتبار للقيم أو الخلق أو الدين..
ولقد وضح للعقلاء، وغير المنتفعين مباشرة من أعضاء الجبهة الإسلامية، أن هنالك مشكلة.. وبدأنا نقرأ هنا وهناك، لكتَّاب إسلاميين، ينقدون تجربتهم، ويكشفون عن بعض أخطائهم.. وسمعنا لآخرين منهم اعترفوا بذنوبهم، وعزوا فشلهم إلى تكاتف العالم ضدهم، واضطرارهم إلى التنازل، وقبول اتفاقية السلام، وقبول القوات الدولية، كما نسبوا لانشقاق الحركة، كل ما اعتراها من فشل، وما اعترى مشروعها الحضاري من ضمور، وفهموا الانشقاق على أنه السبب وراء الضعف والتنازل عن الشعارات، بدلاً من أن يروا أنه نتيجة لها..
على أن الإشكالية، إنما تكمن في المجموعة المتطرّفة، التي لا تزال تصر على أن المشروع الحضاري ما زال قائماً.. وأن الحكومة ما زالت تطبّق الشريعة الإسلامية، وأن المؤتمر الوطني هو الحزب المؤهّل لحكم السودان، والذي سيفوز بالانتخابات، حتى لو تكتلت كل الأحزاب ضده، وهو لم، ولن، يتهاون مع المجتمع الدولي، ولن يخضع لقراراته.. وهو سينشر الإسلام في جميع أنحاء العالم!! وهذا الاتجاه الدعائي، هو الذي برز في حملة السيد نائب رئيس المؤتمر الوطني، في طوافه على الأقاليم.
أما السيد رئيس المؤتمر الوطني، فقد كان أكثر صدقاً وموضوعية.. فقد جاء (وامتدح البشير مجهودات السويدان في تأهيل الشباب المسلم باعتبارهم يمثلون مستقبل الأمة، مشيراً إلى أن معظم قادة الإنقاذ الآن من الشباب الذين تدربوا وتأهلوا في قيادة النضال ضد حكم الرئيس نميري. وأضاف أن تصورنا لدولة الخلافة الراشدة فيه تجاوز كبير للواقعية)!! (الأحداث 26/4/2008م).






نقلا عن الصحافة

Post: #109
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 05-13-2008, 09:28 AM
Parent: #100

الاسلام والليبرالية
سليم سوزه
[email protected]
2008 / 4 / 28


في البداية يجب التفريق بين الاسلام كديانة رَسَمَت شكل العلاقة بين المخلوق وخالقه عن طريق جملة من التشريعات والعبادات، وبين السياسة التي تُستوحى منه في طريقة ادارة الحكم والتعامل مع الشعوب او الامم الاخرى، فالمعروف ان كل التيارات والتوجّهات والاحزاب لديها مشروع محدّد تعمل على تطبيقه في المجتمع وفق سياسة تعتمد على انسب واقرب الطرق لتحقيق ذلك المشروع .. وليست هذه حيلة شرعية او انتهازية كما وَصَفها الأخ الكاتب عبد العالي الحراك في مقاله (الدين والليبرالية .. هل يلتقيان؟) والمنشور في عدد من مواقع النيت العالمية، بقدر ما هي عملية بحث مستمرة لأيجاد الميكانيزم الأصلح تطبيقاً من اجل الوصول الى الهدف المنشود. وطبعاً عملية ايجاد هذا الميكانيزم ليست عملية مستقلة عن الظروف والبيئة التي تحكم هذه الظروف، ولو كانت منطلقة من ارضية بعيدة عن هموم المجتمع واحتياجاته فسوف لا تكون الاّ افكاراً نرجسية خيالية لا تصلح للتطبيق، بمعنى آخر يوطوبيا جديدة كالتي اوجدها افلاطون في جمهوريته الفاضلة .. افكار تمثل ترفاً لا تصلح الاّ في القصص دون الواقع.

وبمناسبة الانتهازية، ينبغي لنا ان لا نعوّل كثيراً على هذا المصطلح لانه وصف اُطلق على كل فكر سَبَقَ عصره وخالف المشهور والجمهور حينها، فقد وُصفت الافكار النيتشوية بالانتهازية في تلك الفترة، وسُمّي الاسلام السياسي منذ الفترة الاولى الذي نشط فيه بالفكر الانتهازي .. وكما ان الليبرالية افكار انتهازية بالنسبة للمعارضين لها، فان الشيوعية ايضاً وُصِفت كذلك ابّان الثورة البلشفية وما لحقها من استغلال واضح لشعارات البروليتاريا (البرجوازية الجديدة). لهذا لا ارى الانتهازية الاّ مصطلح يُطلق على فكر (الآخر) الذي لا يستقيم مع فكر (الانا) مع التأكيد في نفس الوقت انها مسالة موجودة فعلاً ولا يمكن لنا نفيها خصوصاً عند الاحزاب التي تعمل وفق المبدأ البراغماتي (الغاية تبرّر الوسيلة).

من هذه المقدّمة البسيطة نستطيع ان نقارن فيما اذا كان الاسلام كسياسة يتقاطع او يتوازى مع الليبرالية، وهل ان الليبرالية متهمة من وجهة نظر الاسلام ؟ ام ممكن ايجاد الوسيلة التي من خلالها تتعايش الليبرالية مع الاسلام ضمن الحدود والثوابت الدينية المُعتبرة.
لانه ليس المطلوب ان نكون ليبراليين في طريقة وضوئنا او تحرّرين من اجل تقليص عدد ركعات الصلاة مثلاً، بل ان الموضوع متعلّق بالسياسة والاداء الذي يحقق اهداف الاسلام السياسية في الادارة والحكم.

صحيح ان الاسلام قد يقترب من الاشتراكية في بعض الامور لكنه وفي نفس الوقت لا يتقاطع مع الليبرالية التحرّرية في قضية التوازن بين الحاكم والمحكوم، اي عملية توازن السلطات بين المجتمع والحاكم .. هذا التوازن الذي لا يتحقق من وجهة نظري الا بتوزيع السلطات بين المجتمع والحكومة، وعليه عملية حصر السلطة السياسية والاقتصادية بيد السلطة الحاكمة قد تولّد اشد انواع الدكتاتورية. لذلك كانت الاشتراكية ارضية صالحة لنشوء الدكتاتوريات بل هي دكتاتورية مقنعة بسبب الخلل الواضح في ميزان السلطة والانحياز المُطلق للسلطة الحاكمة في تمشية الامور السياسية والاقتصادية والتي بالضرورة ستكون حاكمة على القضايا الاجتماعية كذلك. اما الليبرالية التي نشأت وترعرعت بعد نشوء الديمقراطية السياسية، فقد نادت بحرية الفرد من كل النواحي، بما فيها النواحي الاقتصادية، واعطت توازناً فذاً بين السلطة والمجتمع من خلال الدعوة الى جعل السلطة الاقتصادية بيد المجتمع في مقابل السلطة السياسية التي تحتكرها السلطة الحاكمة، ولهذا كانت وما زالت الليبرالية عاملاً جيداً في الحد من الدكتاتورية.

اذا كانت الشيوعية الاشتراكية تدعو الى المساواة بين الافراد بطريقة ربما قسرية، فالليبرالية دعت اليها عملياً من خلال اعطاء نفس الفرص لكل افراد المجتمع واعتبارهم متساوي الحقوق والواجبات امام القانون والدولة.

الديمقراطية والليبرالية متلازمتين لا يمكن الفصل بينهما اذا اردنا بناء مجتمع حر وسليم بعيد عن الدكتاتورية بالرغم من ان الديمقراطية نشأت قبل الليبرالية، فالليبرالية كمّلت الديمقراطية عملياً لانها ضمنت المساواة بين الافراد وحققت التوازن بين المجتمع والسلطة من خلال القوة الاقتصادية التي اعطتها للمجتمع مقابل قوة السلطة السياسية، فضلاً عن حماية حقوق الاقليات الموجودة في المجتمع الديمقراطي .. يقول الاستاذ رجاء بهلول في كتابه - حكم الله، حكم الشعب - (ان الديمقراطية تعني دوماً وحتماً التسليم والاعتراف بالحريات الليبرالية، وان الحريات الليبرالية لا توجد بمعزل عن ممارسة الديمقراطية، وبعبارة اخرى ان الديمقراطية الليبرالية تعني حكم الاغلبية زائداً حماية حقوق معينة تعود الى افراد، اي وجود مجال خاص لا تتدخل فيه السلطة الحاكمة مهما كان حجم الاغلبية خلفها) انتهى كلام بهلول.

من هنا فان الديمقراطية تعني عملياً وضع السلطة السياسية بيد الاغلبية، اما الليبرالية - التي اصبحت شرطاً اساسياً من شروط نجاح الديمقراطية فيما بعد - فتعني وضع السلطة الاقتصادية بيد المجتمع من اجل تحقيق التوازن بينهما، وان لا تتحول الديمقراطية الى دكتاتورية (دكتاتورية اكثرية) كما آلت اليه الشيوعية في نهاية المطاف. وبعد كل الذي تقدّم، هل هناك شكّ بأن الايمان بالديمقراطية هو ايمان بصورة او باخرى بالليبرالية مهما تظاهر البعض في رفض ذلك ؟!

باعتقادي ان الاسلام يمثل حالة وسطية بين الفكرين الشرقي والغربي مثلما ركّز القرآن على الوسطية التي ذكرها صراحة ً في الآية التي تقول (وكذلك جعلناكم امة ً وسطاً) .. وعليه فالاسلام اشتراكي المنحى عندما يُفلسف للملكية العامة وضرورة دعم الدولة مالياً في مجالات القضاء على الفقر عن طريق الضرائب التي يفرضها تحت عنوانين متعدّدة وكذلك حينما يضع قيوداً معيّنة على التجارة والاموال باعتبارها ملك للمجتمع وليس فقط ملك الفرد، وفي نفس الوقت ليبرالي التوجّه في اصل حرية الفرد في العمل ومشروعية الاقتصاد الحر دون ان تُمارَس القسرية الشيوعية عليه. لا نتناول هذه المصطلحات من زاوية علاقتها بالميتافيزيقيا بل من ناحية سياسية واقتصادية بحتة لا علاقة لها بالفكر والعبادة وغيرها من الامور الغيبية.

عندما نقول بأن هناك اسلاميٌ - ونعني به الذي يؤمن بالسياسة الاسلامية ويدعو لها - يؤمن بالديمقراطية فلا نعني هنا الاّ باسلامي يؤمن بالليبرالية كذلك، لانها متلازمة فكراً ومضموناً مع الديمقراطية كما اسلفنا اعلاه. وبالتاكيد لا نقصد الايمان بطابعها العلماني الرافض للتديّن، بل بمفاهيمها التي تضمن الحرية والمساواة وحماية الاقليّة في المجتمع، مع مراعاة ضرورة تقنين حجم الليبرالية الاقتصادية وتحديد السقف المفتوح لأقتصاد السوق بشيء من المعقولية كي لا يكون مصير الدولة مرهون بحفنة من الرأسماليين الوحشيين كما هو حاصل فعلاً في بعض البلدان بدرجة لا يمكن نكرانها.

الاسلامية الليبرالية لا تؤمن بالليبرالية على اطلاق معانيها، بل بما لا تتقاطع مع الثوابت الدينية، والتي يُمكن لها ان تُعالج مشاكل الدول التي تضم في ثناياها قوميات وطوائف متعددة لا يمكن حكم الاسلام فيها .. وان آمنوا الاسلاميون او اقتربوا من اي فكر آخر كالليبرالية في بعض مفاهيمها، هذا لا يعني انهم آمنوا بفصل الدين عن السياسة بمعناها الجاف والمتشدّد. فمثال الصين وهي تتعامل باقتصاد السوق رغم شيوعيتها، وامثلة دول الاسكندنافية الرأسمالية في اجراءاتها الاجتماعية والاقتصادية ذات المستوى العالي من العدالة والاشتراكية، امثلة موفقة جداً على ما نطرح نحن هنا وليس العكس، لأنها كانت نماذج ناجحة في تكييف رؤيتها وتلقيحها مع الافكار والنماذج العالمية الاخرى، وبالتالي اثبتت نجاحها على الاقل لحد هذه الفترة. وما الاسلامية الليبرالية الاّ مُحاكاة لما قامت به هذه الدول في طريقة تفكيرها حول النظام الاصلح والانجح في ادارة الدولة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً بغض النظر عما اذا كانت هذه الافكار مهجّنة او اصيلة طالما تعطي نماذج ناجحة .. فليس هناك فكراً خالصاً نشأ بمعزل عن مكتسبات الانسان على طول التاريخ. وليست الافكار كلها غير قابلة للتطوّر الاّ بالخروج عن اسسها ومبادئها ... هذه راديكالية مُجحفة.

نعم .. لست رافضاً لحكم الله في الارض، لكني في نفس الوقت لست فارضاً له على الآخرين المخالفين، فقد علّمنا القرآن الكريم كيف ندعو الآخر الى المشتركات الموجودة بيننا وفق قاعدة (قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة ٍ سواء بيننا وبينكم) .. وهو ما يعني ان الاسلام تنازل عن نبوّة محمد (ص) مُقابل نقطة الاشترك الموجودة (كلمة ٍ سواء) بين الاديان كلها وهو (الله) عز وجل.

فهل من سبيل لاحترام الآخر والقبول به وباختلافه سوى بالليبرالية التي لا تتقاطع مع الاسلام!!
واذا كان الاسلاميون قد آمنوا بالديمقراطية دون اي حسّاسية، فما المشكلة في الايمان بالليبرالية بعد

Post: #110
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 05-28-2008, 04:30 AM
Parent: #100

الفضيلة والعلمانيه
هاشم الخالدي
[email protected]
2008 / 5 / 19


ماهي الفضيله ؟...
كما نعلم ان الانسان كائن غريزي معتدل القامه متحرر الذراعين يتميز بالادراك وعيا ووحيا بمستويات مختلفه ,وقد شرحت ذلك بمقالات سابقه.
اما الفضيله فهي قيمة انسانيه معنويه مصدرها الايمان بالله كقوه مهيمنه لها الكلمه العليا, لذلك هي حركة انسانيه نحو الغاية كقيمة عليا ,وان الايمان صفه خاصه بالانسان لكونه قادرا على الادراك وحيا تنعكس في معاملة ادراكه وعيا, اي ان الفضيلة انطباع في عقله ونفسه لكنها تختلف عن انطباع الوعي الذي هو معرفه, اما هي أي الفضيله فغاية أو شكل من الحلم والوحي, ورغم ان الحلم يقترب من الخيال الا ان الخيال شكل من الوعي فهو شيئ من التحسب يحتمل الصح والخطأ لانه يخضع لحركة الجدل اما الحلم- الفضيلة فلا يحتمل الصح والخطأ لانه غير خاضع لحركة الجدل ,فالفضيله هي انعكاس لوحي المطلق او الايمان بالله لذلك هي شاخصه في جميع مراحل الوعي, وان من يخضع للجدل ليس هي وانما الوعي نفسه و لهذا هي لا تتناقض مع حركة التاريخ و تطورها عبر علاقته الجدليه , فالفضيله تبقى غاية عليا مهيمنه فوق علاقة الوعي -الواقع بالغريزه, مفتوحة الافق للتطور المعيشي باتجاه قيم تتحقق في ارض الواقع نسبيا وتدرجيا من خلال التعبير عنها في الوعي الاخلاقي والسلوكي لكنها تبقى نسبيه التحقق ما دام الصراع قائما بتخادم قوتي الغريزه و الادراك وعيا الملازمتين للانسان في سعيه المشروط أي في العمل, وان في اطلاق العنان لهذا التخادم بين الغريزه والادراك وعيا لولا وجود الايحاء بها قد يفقد السيرورة قيمتها فيؤدي الى الرذيله, الا ان ارتباط الانسان بسمة الادراك وحيا حتما هو الضمان لهيمنة الفضيله, ,فالفضيله نتاج الايمان بالله الذي هو سمة متاصله فيه حتى لو تنكر له بالحاده فالادراك وحيا هو ظاهرة موضوعيه سواء رغب الانسان ام انكر, الفضيلة اذن ليست نتاج فقه و اجتهاد انما الفقه والاجتهاد هو متغير معرفي يعيد تفسير انطباعات الانسان , اما الانبياء والصديقين والاصفياء فهم اول وفي مقدمة الفضلاء باثر الوحي , ان الحاجة الى الدين هي من الحاجه الى الايمان لذلك لا يمكن التفريط او الاستغناء عن رجال الدعوة من اجل الفضيله الى جانب الحاجه الى المعرفه والعمل والانجاز مع ما يكتنف تلك السيروره دوما من اثر النازع الغريزي للتطور التاريخي الانساني , وبهذ المعنى فان التنكر الى الدين هو تجاوز على الفطرة الانسانيه وبنفس الوقت فان تحول الدين الى حركة ايديوجيه سوف يفقده غايته القيميه ,اذ ان الايديولجيه تخضع للتغيير عبر مسيرة التطور فهي انعكاس للصراعات الانسانيه الماديه والمعرفيه بكل ما تتضمنه من انجازات علميه وتطبيقيه اما الدين فهو في جوهره وليس في شكله الظاهر المختلف عبر الزمان والمكان, فالشكل هو تعبير عن مرحلة ما, واما جوهره فهو قيم عليا مرشده ,فالدين في جوهره هو واحد ذاته مهما اختلفت نماذجه واطواره,لذا فمهمة الحركه الدينيه هو الارشاد القيمي وليس الدخول في تلك الصراعات ,كما ان اية ايديولوجيه لا تسترشد بتلك القيم سيكون مصيرها التعثر وربما الفشل حيث ستسود عندئذ قيم الغريزه الحيوانيه حتى لو زالت الطبقات وانتهى الصراع الطبقي فظهور البريروراطيه التي اهلكت المنظومة الاشتراكيه هي دليل على ذلك فسيادة النزعه الغريزيه هو ما يقدر ويعتبر رذيلة بقياس القيم المعنويه , كم ان اية ايديولوجية تدعي ممثلة للفضيلة هي تزوير للحقيقه لذلك نرى ان في حركات مثل حزب الله او الحزب الاسلامي او اي حركة سياسية تتخذ من نفسها ممثلة الى الدين هو تجاوز على قيمه لانها ليست سوى حركة ايديولوجيه باي حال من الاحوال وهي تعكس ذلك الصراع الدنيوي الواقعي الزماني والمكاني حتى وان كانت تمثل الشرائح والطبقات الكادحه. ان الاختلاف الايديولوجي هو عامل اساسي في التكوين الانساني الى جانب عوامل اخرى علميه وتطبيقيه وان التدافع بين الايديولوجيات هو انعكاس للطبيعة الانسانيه وقدرتها على الانجاز ,فالانسان هو الكائن الوحيد القادر على الانجاز وتوريث انجازاته عبر الاجيال وبهذ المعنى فهو خليفه ويتفرد بخاصيته تلك عن كل الكائنات الحيوانيه لذلك فأن له تلك الخاصيه في حركته وان من جعله خليفة في الارض لم يتخصص بها كائن انساني معين دون اخر فكل انسان هو خليفه, اما دور الانبياء والرسل فهو دور مكلف بايحاء من الله في الفضيلة,الا ان انقطاع الرسل والانبياء لن يغير من دور الفضيله فهي غاية اصيلة في الانسان وان محمد(ص) هو خاتم الانبياء والرسل, كما ان الخليفة هو الانسان من ادم وبنيه وليس فقط الانبياء والرسل لذلك فالامام ايضا ليس هوالمقصود بالخليفه, وفي كل الاحوال فان مهمة الامام في كل زمان ومكان هو ارشاد الناس الى قيم الفضيله وليس الاحلال بديلا عنهم في سمتهم التي منحهم الله لهم في ايته الكريمه اني جاعل في الارض خليفة , وختاما من حق بني الانسان بجميع اديانهم ومذاهبهم ان يؤمنوا بالدين المهدي ,ولكن هذ لا يلغي الدور الذي كفّل به الله للانسان فتحملها امانة بعد ان كان جهولا قبل نفخة الروح الالاهيه التي منحته قدرة الادراك وعيا ووحيا, فتلك مسؤولية عظيمة داعيه ان يسجد له الملائكة اجمعين.

Post: #111
Title: Re: ردا على عبد الرحمن الزومة ... قبح العلمانية ام شرور الاخوان المسلمين ....؟
Author: الكيك
Date: 06-23-2008, 05:12 AM
Parent: #100

أي موقع للسلطة الدينية الإسلامية في الدولة الحديثة، عندنا؟


ياسين الحاج صالح
[email protected]
2008 / 6 / 23


في المجرد، هناك واحد من ثلاثة مواقع للدين في الدولة الحديثة.
إما أنه إحدى سلطات الدولة، ما يقضي بأن ينضبط بمبدأ فصل السلطات، فنتكلم على سلطة دينية على نحو ما نتكلم على سلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية، لا تتدخل أي منها في شؤون الأخرى. وفي هذه الحالة تدين السيادة لمبدأ يوحد هذه السلطات جميعا ويعلوها، هو الدولة ذاتها.
أو أن السلطة الدينية خارج الدولة، ويتعين في هذه الحالة أن تنضبط علاقتها بالدولة بمبدأ العلمانية، أو الفصل بين الدين والدولة. وبينما تبقى الأخيرة مقرا للسيادة للعليا، فإن "المجتمع المدني" هو "خارج الدولة" الذي تقر فيه السلطة الدينية الفاقدة للسيادة، أي لكل من صفتي العموم والقسر.
لكن ثمة صيغة ثالثة هي صيغة "الحاكمية الإلهية" كما بلورها كل من أبي الأعلى المودودي وسيد قطب. الدولة هنا ضمن الدين أو تحته، إحدى وظائفه. مقر السيادة هو الدين وليس الدولة التي لا تعدو كونها أداة ضرورية للحكم، لا شخصية لها ولا تحوز أية شرعية ذاتية. والصحيح أن دعوى الحاكمية، إن أخذت بحرفيتها، تلغي الدولة رأسا، وتجعل الإسلام ذاته دولة.
لكن ما لا يتوفر "الحاكميون" على إجابة عليه هو أن الباري لا يحكم مباشرة، وأن "شريعة الله" لا لسان لها وتتكلم بألسنة بشرية، وأن البشر ليسوا محض وكالات أمينة وشفافة للمقصد الإلهي الأصلي والأصيل. وليس احتمالا أن يؤولوا "دين الله" بما يناسب بقاءهم في موقع السلطة العليا، بل إن هذا محتوم كما ينبئ تاريخ الديانات جميعا، وتاريخنا نحن أيضا. ما الذي يضمن، تاليا، ألا يستخدم وكلاء الحاكمية الإلهية الدين من وراء زعم أنهم يخدمونه؟ وما الذي يمنعهم من توسل "الحكم بما أنزل الله" كي يضفوا القداسة والإطلاق على سلطتهم هم، فيؤسسون حكما طغيانيا مقدسا ينزل المعارضين منزلة كفار يستحل دمهم؟ هذا إلا إذا افترضنا أن النظام الحاكمي يغير الطبيعة الإنسانية ذاتها، الأمر الذي لا دليل عليه، لا في العقل ولا في التاريخ ولا في النصوص.
وهو ما يعيد طرح المسالة السياسية من أولها: كيف نضبط السلطة؟ كيف نحد من الاستبداد؟ كيف نضمن مصالح الأمة؟ وهو ما يقودنا إلى قضايا السيادة الشعبية والتمثيل والتفويض، ويعيدنا إلى مبدأ فصل السلطات.
***
فبأي من هذه النماذج الثلاثة تنضبط العلاقة بين الدين والدولة في البلدان العربية؟ ولا بأي منها.
فلا توافق العلاقة بين السلطتين نموذج فصل السلطات الليبرالي رغم أن السيادة مقررة للدولة، وأن الدين أقرب ما يكون إلى إحدى سلطاتها: ثمة وزارة أوقاف وكليات شريعة ومفت عام ومساجد تسيطر عليها الدول، وخطباء تحدد لهم مضمون خطابهم الديني ووجهته العامة. وهم في الغالب يضمنون خطبهم ثناء على الحكام وتمجيدا لهم. لا تنضبط علاقة الدين والدولة بنموذج فصل السلطات لأن السلطات غير منفصلة، والدولة لا تعدو كونها سلطة تنفيذية توسعية محتلة لأراضي السلطات الأخرى، بما فيها الدينية.
كما لا توافق علاقة الدين والدولة نموذج العلمانية رغم أن السلطة الدينية محكومة وليست حاكمة في جميع الحالات تقريبا، ورغم أن السلطة السياسية منفصلة واقعيا عن السلطة الدينية. هذا لأن الفصل الواقعي لا يكفي لإثبات العلمانية، ويحتاج إلى ثقافة تنظمه وترسخه وتضفي عليه صفة طبيعية وإيجابية، ثقافة علمانية مهيمنة. هذا غير محقق في أي من بلداننا. وفي أكثرها ثمة مادة دستورية تقرر أن الإسلام هو دين الدولة أو دين رئيسها. مادة رمزية لا تلغي الانفصال الواقعي بين السلطتين، أو علمانية الأمر الواقع، إلا أنها تؤكد ضعف ثقافة الفصل وتبقي العلمانية الواقعية معدومة الشخصية.
كذلك لا تنتظم علاقة الدين والدولة وفقا لنموذج الحاكمية في أي من الدول العربية. ثمة أجسام تشريعية في أكثر دولنا، ومجال تطبيق "الشريعة الإسلامية" قد يكون واسعا في بعضها إلا أنه ليس شاملا في أي منها. وفي سياستها الخارجية والداخلية معا تنهج دولنا وفق منطق يطابق بين السيادة والدولة وليس بين السيادة والدين.
ليس نظام العلاقة بين الدين والدولة منضبطا بأي من النماذج الثلاث، فكيف نصفه؟ وهل يعني انفلات العلاقة بين السلطتين من النماذج المعروفة أن هذه النماذج غير مناسبة وينبغي تاليا تطوير نموذج رابع مختلف؟ أم أن هناك خللا بنيويا في كل من السلطتين يحكم بتعذر انضباط علاقتهما وفقا لأي نموذج متسق؟
نرجح الإجابة المتضمنة في السؤال الأخير. إذ تعرض السلطة الدينية نزوعا إل التناثر والتبعثر يطعن في شرعية القول بأن هناك سلطة دينية موحدة في أكثر بلداننا. لا نتكلم على التعدد الديني والمذهبي، وهو معطى لا يمكن تجاوزه في أي من بلداننا، بل على توزع السلطة الدينية في عالم الإسلام السني ذاته إلى ثلاث سلطات على الأقل: الإسلام الحكومي الذي أشرنا إلى مكوناته (مساجد وخطباء وكليات شرعية ووزارة أوقاف..)، وإسلام إخواني سياسي يصف نفسه بالوسطية وعلى خصام مع الحكومات القائمة، وإسلام سلفي جهادي على حرب مع الدول ومع العالم. والسلطات هذه متنازعة فيما بينها وقلما تتوافق. وهي فوق تنازعها تصدر عن ثقافة أو وعي ذاتي لا يتصور استقلالها الذاتي بأمر الدين وعن سلطة الدولة، ما يتسبب في عسر عقلنة التفكير والسلوك والعمل الديني. ففرص العقلنة، كما سبق لماكس فيبر أن لاحظ، تكبر حين يكون الاختصاصيون الدينيون منظمون في هيئات دينية مستقلة، وتنحدر حين يكون هؤلاء تابعون للسلطات السياسة، أو مندمجون بالكامل وسط الجمهور الذي قد يستفيد من خدماتهم الدينية. في العالم الإسلامي يتولد نقص العقلنة عن التبعية للسلطة السياسية، لكن أيضا عن تجزؤ وتناثر السلطات الدينية، وأكثر عن "ثقافة سياسية" إسلامية تنكر استقلال مجال ديني خاص. ومهما بدا ذلك غريبا فإن عسر استقلال الدين عن الدولة مسجل في عدم استقلال الدين عن "الإسلام"، أي عن التشكل المؤسسي التاريخي للإسلام في أمة ووطن ودولة متخيلة. ورغم أن الإسلام لم يكن "دولة" إلا في سنوات تأسيسه القليلة، فإنه لا يزال دولة في المخيلة. وعن هذه الدولة المتخيلة، حصيلة التمأسس الخيالي للإسلام، لا يكاد يتمايز دين أو يستقل بمقام ذاتي. وقبل أن يرفض الإسلاميون انفصال الدولة السياسية عن الدين، فإنهم يرفضون أصلا استقلال الدين ذاته أو انفراده بقوام ومقام خاص. فإذا صح ذلك، كان أوجبَ العملُ على الفصل بين الدين و"الإسلام"، كمدخل إلى انفصال السلطتين الدينية والسياسية عن بعضهما.
***
هذا عن اضطراب تشكل السلطة الدينية، فماذا عن تشكل السلطة السياسية؟ هنا أيضا نواجه اختلالا لمصلحة البعد الجهازي والقسري المتضخم على حساب البعد الفكري والقانوني الضامر للدولة. ومنذ سنوات يجري التمثيل على هذا الشرط (في سورية) بالكلام على حلول السلطة محل الدولة. أو قد يكون أصح على عدم استقلال الدولة عن السلطة. أو أفضل بعدُ على أن الدولة بالمعنى العربي القديم، أي كنوبة حكم يوكل "تداولها" إلى "الدهر" أو "الأيام"، تحتل الدولة بالمعنى الحديث للكلمة. هذا هو مغزى الكلام على "سورية الأسد" مثلا، أو أيضا على "دولة البعث". وعليه يكون فصل "الدولة" (دولة الحزب أو الحاكم) عن الدولة مدخلا إلى العقلنة السياسية، ويكون استقلال الدولة برأسها السياسي شرطا لاستقلالها عن رؤوس أخرى، الرأس الديني بخاصة.
إصلاح أمر كل الدين والدولة قد يكون، إذاً، هو الخطوة الأولى نحو انتظام العلاقة بينهما وفق نموذج متسق.
ومن شأن استقلال الدين في الذهن أو تولد مفهوم عن الإسلام كدين، وكذلك استقلال الدولة عن السلطة، أن يدفع باتجاه انتظام العلاقة بين السلطتين الدينية والسياسية وفق النموذج العلماني. إن نموذج فصل السلطات يضيق على الدين ويسرف في تسييسه وإخضاعه للسلطات الدنيوية، أما نموذج الحاكمية فيفسد الدين أكثر بجعله دولة.
والثابت عندنا أنه لا مجال للجمع بين استقلال الدين وسيادته. فإن كان سيدا فلن يكون مستقلا عن الدولة، ولا يمكن أن يكون مستقلا دون أن يفقد السيادة لمصلحة الدولة الحديثة.