|
"كلب السجان" ... محسن خالد
|
(( النهر كان دهراً من لمع الشوق، ولم يكن لحظة ماء عابرة. لن أنسى يوم كانت هي في أولى وسطى ، وكنت أنا في أولى ثانوي . جلبت معي للقرية "موسم الهجرة إلى الشمال" ، وأنا أتطلع فيه بفرحة جديدة بعد كل لحظة ، كما تفعل صبية يافعة بمرآتها، كنا سنقرأه معاً. هي رأت غلافه وتصفحته فقط ، واتفقنا على قراءته ليلاً وحدنا. لمح أحد موظفي جردية الحصاد في ناحيتنا بعض العبارات في الكتاب ، فقام بمصادرته منا. الناس يقولون بأنه عنصر امن متخف. هي بكت وتعلمت الحرمان باكراً ، أما أنا فأخذوا مني جوع ثلاث جمعات – بالمدرسة الداخلية – حصلت بثمن وجباتها على الكتاب. غضبت، وحكيت لها ثلاثة مواسم هجرة كاملة، وخمنت لها كيف يكون "عرس الزين" الذي سمعنا به ولم نقرأه . وكنت قد رأيت صورة للطيب صالح فحدثتها عنها. طالبتني بأوصاف له لم تكن في الصورة. ألحّت عليّ وهي تسند ساعدها لجنبي كي تقول: - صفه لي من هنا أقول لك، الوصف كالمحجن يحتُّ الثمر. أية "من هنا" تعني ؟ لا أدري إلى أين تؤشر ، ربما إلى الأرض . قلت لها وأنا أزيد من عندي: - لم يكن يبلغ من الطول شيئاً ، بل يبلغ من قصر الوتد المغروس في الأرض رسوخاً كالسدرة. ضحكت مني قائلة: - لم يكن وسيماً إذن؟ أجبتها وأنا أرسم لها في الهواء: - لا ، أبداً ، هذا في مرآة الخائنين فقط ، أما على صفحة النهر فانعكاس حسنه ساقية تسمّد الحقل بوسامته. - أنت تبالغ ، أنا أعرفك من عينيك. - ربما، ولكن طبعه ليس رائجاً كحسدهم لتعرفي أنها الحقيقة . - حسد من ؟ - هؤلاء الذي يصادرون كل شيء. )) من قصة (عيد المراكب) – محسن خالد صدرت عن الدار العالمية للطباعة والنشر المجموعة القصصية الأولى للروائي والقاص الشاب/ محسن خالد ، وتحمل المجموعة اسم (كلب السجَّان) وجاءت في "64" صفحة من القطع الصغير وتحتوي على أربع قصص هي : عيد المراكب ، الوجود والوجود الآخر ، كلب السجان ، وذهب بني شنقول. وقام بتصميم الغلاف لهذه المجموعة الفنان/ ناصر بخيت "هلبوس". وفي هذه المجموعة يتبع المبدع محسن خالد طريقته التي عرف بها من رسم حريف للمشاهد والقدرة الكبيرة على استخدام اللغة وتكثيفها بحيث تضع الألوان بانتقائية عالية وتوزع الظلال. ثم يختار شخوصه من بيننا ولكن ملامحهم نلتقطها من التفاصيل المغروسة هنا وهناك فلا يتوقع القاريء أبداً أن يكلمه الكاتب عن الشخصية أو يصفها له على النحو التقليدي بحيث يقول: أن لون فلان كذا أو قامته كذا أو غيرها من الأوصاف .. إلا إذا اقتضت ذلك الضرورات البعيدة لفنية العمل الذي يكتبه .. ولكنه يعطيك كل ذلك وأكثر من خلال الغوص في الأبعاد الأخرى العميقة وغير المرئية لهذه الشخصية أو تلك، أو التفاصيل التي تمر عليها عرضاً كل العيون ولكن تلتقط دقائقها عين الكاتب ذات القدرة المبدعة على تحسس تلك التفاصيل ودراسة تضاريسها ودلالاتها. والجديد الذي قد يجده من يقرأ هذه المجموعة هو الاستخدام الموفق للعامية في الكثير من الحوارات داخل النصوص . ولكن استطاع الكاتب وببراعة عالية أن يبقي على ذلك الطيف الفصيح حائماً على المفردات العامية ولكن لا يؤثر على قوة تلك المفردة وروعتها وامتلاءها بما يريده الكاتب بالضبط في ذلك المكان . وفي الوقت نفسه لا يسمح الكاتب بإقحام فج لإحداهما على الأخرى ولا يعمد - بالتأكيد – من خلال ذلك إلى توفيقية ليس على النص أبداً إثباتها أو نفيها . وإنما هي رؤية الكاتب إلى الأسلوب الذي يراه مناسباً في إيصال فكرته وقول ما يريده من خلال النص. مثلاً في قصة "عيد المراكب" نجد الحوار التالي: - لم تعد مهموماً بحديث الأحزاب مثل زمان. - من سيسمعني هنا؟ - يا سيدي قول نسيت. - أبداً لا نسيت ولا تبت . بكرة نقطع هذا النهر لبيتنا معاً ، وسنرى من سيظل وفياً ومن سوف يشغله الأولاد. - أولاد في عينك ، أنا عاوزة بنات. - بنات ؟ ماشي يا ستي ، لزوم كونك مناضلة ليبرالية وكذا ، ولكنني مستعد لمراهنة كل اتحادات المرأة على أن تربية الأولاد اسهل من البنات. أنت مجنونة وأنا واحد بتاع مسلسلات ، بناتك محظوظات يا سلمى ، آخر انطلاقة ، لا ضابط ولا رابط. وكعادته – أيضاً – حرص محسن خالد في مجموعته على أن يترقرق الشعر مترفاً بين أسطره مسافراً بالقاريء عبر مداراته المشتولة بالنار والحمى وأحلام الإنسان في سماحته التي يعرفها النوى ويترجمها الطين. كما أن جنائن مفرداته وعباراته مفتوحة على شموس أفكار لا تهزمها حدة الزوايا ولا تعرف المنام. وأُذكِّر هنا أنني إنما أحتفي بهذا الكاتب الجميل وأحاول التعريف به ، كما احتفي بصدور هذه المجموعة التي لا شك تمثل إضافة للمكتبة السودانية ولست بصدد استعراضها أو تناولها بالنقد والتحليل فذلك أمر له رجاله ومختصيه. وعلينا جميعاً الاحتفاء فقد صرنا – أخيراً – نقرأ الكتاب ورائحة الطباعة تبشر فوقنا بدلاً عن رائحة القِدَم التي ألفناها سابقاً ، كما صرنا نقرأ لكتاب أحياء، يا للبشرى... وجدير بالذكر أن هذه المجموعة هي أول عمل يصدر للكاتب بعد روايتيه : إحداثيات الإنسان "الجزء الأول" ، والحياة السرية للأشياء . وكان قد أصدرهما الكاتب في العام 2002 بعد إقامته بالإمارات.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
"كلب السجان" ... محسن خالد | بدري الياس | 12-15-04, 03:57 AM |
Re: "كلب السجان" ... محسن خالد | بدري الياس | 12-15-04, 04:03 AM |
Re: "كلب السجان" ... مجموعة محسن خالد الجديدة | بدري الياس | 12-16-04, 00:29 AM |
Re: "كلب السجان" ... مجموعة محسن خالد الجديدة | خالد أحمد عمر | 12-16-04, 01:00 AM |
شكرا بدري | مأمون التلب | 12-16-04, 04:57 AM |
Re: شكرا بدري | أسامة معاوية الطيب | 12-16-04, 10:23 PM |
Re: "كلب السجان" ... محسن خالد | الجندرية | 12-16-04, 10:52 PM |
Re: "كلب السجان" ... محسن خالد | بدري الياس | 12-19-04, 04:59 AM |
Re: "كلب السجان" ... محسن خالد | محمد صلاح | 12-19-04, 08:39 AM |
Re: "كلب السجان" ... محسن خالد | بدري الياس | 12-20-04, 02:16 AM |
Re: "كلب السجان" ... محسن خالد | Napta king | 12-20-04, 03:17 AM |
Re: "كلب السجان" ... محسن خالد | بدري الياس | 12-20-04, 08:59 AM |
Re: "كلب السجان" ... محسن خالد | بدري الياس | 12-22-04, 03:01 AM |
Re: "كلب السجان" ... محسن خالد | عصام دهب | 12-23-04, 01:22 AM |
Re: "كلب السجان" ... محسن خالد | بدري الياس | 12-25-04, 03:07 AM |
Re: "كلب السجان" ... محسن خالد | معتصم ود الجمام | 12-25-04, 03:34 AM |
Re: "كلب السجان" ... محسن خالد | بدري الياس | 12-27-04, 07:14 AM |
Re: "كلب السجان" ... محسن خالد | عاطف عبدالله | 12-28-04, 07:34 AM |
Re: "كلب السجان" ... محسن خالد | عاطف عبدالله | 12-28-04, 07:51 AM |
Re: "كلب السجان" ... محسن خالد | gessan | 12-29-04, 01:24 AM |
Re: "كلب السجان" ... محسن خالد | newbie | 12-29-04, 02:33 AM |
|
|
|