عن التأويل/ لقصي مجدي سليم

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-29-2024, 09:21 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-09-2004, 03:25 AM

مأمون التلب
<aمأمون التلب
تاريخ التسجيل: 11-28-2004
مجموع المشاركات: 322

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
عن التأويل/ لقصي مجدي سليم

    هنا بين يديكم بحث لقصي مجدي سليم ... عن الـاويل
    الموضوع.. يفتح نافذة جديدة نحو موضوع التأويل الذي شغل بال المفكرين كثيراً، ولا تزال أسئلتة معلقة..
    أن يكون التأويل حل للمشاكل والأزمات التي يمر بها الفكر الاسلامي؟
    ما هي الخلافات والحوار الفكري والصراعات والمواضيع التي دارت بين الطوائف الاسلامية الكبيرة (السنة،الشيعة،المعتزلة،الصوفية)؟
    كيف قارن بينها الكاتب.. وتوصل إلى تحليلات قيمة ومفيدة ؟
    ما هي الأسئلة الجديدة لهذه الورقة.... ؟
    دعونا نقرأ... ونحاول الاجابة على هذه الأسئلة وغيرها من ما أثاره الكاتب......
    ـــــــــــــــــــــــــ


    [red\]عن التأويل وتطور مفهومه في اللغة والنص الأدبي والديني


    الاهداء
    يهدى هذا البحث اربع مرات:
    الى الإنسان... اينما كان...
    نحن في إنتظارك.. فأقبل حتى يموت فينا الحيوان.
    ثم الى من تاقت نفسهم الى السلام، والحرية، والعدل، والمساواة، والفكر الحر. ونأت عن الجهل، وغرض النفوس الدنيئة، فاستمعت.. ووعت.. واتبعت أحسن القول....
    هلا صبرتم.. فإن الغد أجمل.
    ثم الى رجل عرفته ذات صباح مشرق، فترك في نفسي أثرا باقيا، مساء وصباحا.... إلى أستاذي عبد الحفيظ على الله (دع جمال الوجه يظهر** لا تغطي يا حبيب).
    ثم إلى إنبثاق نفسي خارجي..
    يا له عرس يلاقي
    كل مثل فيه مثله...
    (من قصيدة "هذه العذراء حبلى" للشاعر عوض الكريم موسى)
    مقدمة

    لعله لا توجد كلمة في العربية أثارت جدلا بين الباحثين مثل كلمة تأويل. فهي الكلمة التي إمتازت بفتح الأفق وإكتشاف المثير والجديد، كما أنها هي نفسها التي أظهرت الطوائف الاسلامية بإختلافها الموضوعي وغير الموضوعي الذي وصل حد الإقتتال، كما هي بذاتها التي أخرجت المدارس النقدية المتميزة ودارت حولها أفكارها ومفاهيمها، وهي هي التي تثير جدلا واسعا الان بين مفكري العصر الحديث، وهي هي التي عن طريقها يبلغ الاديب والفقيه ذروة غاياته.
    واللغة الصرفة في حد ذاتها تأويل ـ هكذا ـ دون نص معين أو محدد. وهذا يتضح من أمرين .. أولهما عمل اللغة الأساسي ودلالة مفرداتها، وثانيهما معنى التأويل في اللغة العربية.
    فاللغة إشارة عن طريق المفردات يتضح بها معنى في ذهن المخاطب، ولكن الطريف في الامر أن هذا المعنى المراد لا يتحدد الا عن طريق الممارسة العملية للمخاطَب والمخاطِب .
    فعند اللفظ بكلمة ما من شخص ما الى شخص آخر فإنه تتم عملية إرجاعية سريعة للكلمة في ذهن المخاطَب فتختلط بالممارسة وعندها يتحدد المفهوم. وهذا الأمر نفسه يحدث للمخاطِب ولكن بطريقة عكسية إذ تحدد الممارسة أولا شكل الكلمة التي يريد إخراجها وبعدها يخرج اللفظ محددا بممارسته.
    والملاحظ هنا انه وحتى يتم التفاهم بين الطرفين لابد وأن تتقارب ممارستهما للكلمة المعينة، وما إختلاف الرأي إلا إختلاف ممارسة. إذن فاللغة أو بالأصح العبارة يتم فهمها عن طريق الارجاع للكلمة في مدركات وتجارب الذهن.
    والتأويل في اللغة هو الارجاع. أوّلَ الشئ أي أرجعه، وآل إليه الشئ أي رجع إليه(1). ومن هنا يبرز كيف أن التأويل قد أتخذ له اصطلاحا معنى التفسير.. فكأن التأويل هو إرجاع للكلمة المرادة الى أصل أبعد من المعنى الحرفي لها. أي أن التأويل إرجاع أبعد من إرجاع المفردة العادية، أو قل هو إرجاع ثنائي، أولا يتم إرجاع الكلمة إلى الذهن لمعرفة معناها عن طريق الممارسة ـ كما أوضحنا سابقا ـ ثم يتم إرجاع المعنى الى ما وراء المعنى المصطلح عليه للتوصل الى ( معنى المعنى).
    ولكن عمل التأويل الاساسي يكون في الجمل والمعاني عكس التفسير الذي يتعلق بشرح الالفاظ والمفردات(2) لهذا فقد إصطلحنا على الأول ( وهو تأويل اللغة الصرفة) على أنه تفسير. كما إصطلحنا على الثاني(وهو إرجاع المعنى ...) على أنه تأويل.
    ويبرز هنا سؤال مهم وهو: ما الحوجة الى التأويل في الأساس بمعناه الثاني!؟
    ولعل الحاجة اليه تكمن في حقيقة وخصائص اللغة العربية نفسها، فهي تمتلك خصائص لا توجد في أغلب لغات العالم التي نعرفها.. وأول هذه الخصائص تعلق المعنى بكلمة واحدة وتعلق الكلمة بمعنى واحد. فكل كلمة في العربية يقابلها معنى واحد لا تشترك معها فيه كلمة أخرى. ولقد إهتم الناطقين بالعربية القدماء بخلق مفردات جديدة لكل ما يحدث حولهم ـ أو لا يحدث. فالسير عندهم غير المشي، والجلوس لا ينطبق على القعود، والطرق ليس هو القرع.. وهكذا دواليك ..
    ومن هذه الخاصية برزت خاصية أخرى وهي كثرة المفردات حتى جاز أن نقول أن العربية هي مجموعة لغات إتحدت في لغة واحدة، فنجد أن القبائل العربية القديمة كان فيها من لا يفهم مفردات القبائل الأخرى، ولقد سأل عمر بن الخطاب عن معنى (أبّا) في قول القرآن {وفاكهة وأبا} فقال ( لقد عرفنا الفاكهة فما الأب) رواه الطبري وقال عنه ابن كثير إسناد صحيح(3). والأمثلة كثيرة لا تعد على إختلافهم في الفهم وتعدد السنتهم حتى أنك لتمر على كلام (حمير) فلا تفهم منه شيئا ولقد خاطبهم الحديث النبوي المشهور بلغتهم فقال:(ليس من أمبر امصيام في أمسفر). أي ليس من البر الصيام في السفر. ولم يقتصر إختلافهم على المفردات بل تعدى الى القواعد وعمل الحروف .
    وكان لولع العرب بالبلاغة أكبر الأثر في تفجير طاقات اللغة العربية وإخراج فنونها المختلفة فظهر التشبيه بأنواعه ثم تطور التشبيه الى إستعارة ثم المجاز فالكناية الخ .. وكانوا في كل فن يخرج من اللغة مباشرة متقدمين على من سواهم من الاجناس فبرعوا في الشعر حتى صار صفة لهم وبالغوا في الرجز واهتموا بالخطابة والرسائل الخ ..
    والتأويل قبل كل شئ هو فن مجيد يضفي على المعنى اللغوي روحا وعلى السامع اللبيب طربا لا يدانيه طرب. وماكان لهم ـ وهم كذلك ـ أن يتوانوا عن إيجاده واللغة عندهم تحتمل ـ بما ذكرنا ـ ما لا تحتمله سواها.
    وقد يبدو للوهلة الاولى أن هذا التبرير غير كافي لوجود التأويل، ولعل الاعتراض قد ينشأ من عمل اللغة الان، فهي لغة تهتم بالجوانب العلمية والمحددة، ولا تهتم بالجمال الا في أضيق نطاق. ولكن هذا الامر لم يكن هكذا قبل آلاف السنين، فما بالك بقوم لم يكن لهم من الحضارة شئ يذكر، ولم تكن لهم رغبة في صنعها، وهم في ضنك العيش مرتاحون له، غير مفكرين في تغييره، ولهم عاطفة تجرفهم للعيش في اسوأ مكان، تحيطه الصحراء على إمتداد الأفق، ولقد فارقتهم تعقيدات الحياة، وجانبهم تنظيم الدولة، وجافاهم توحد المجتمع.. وهم مع ذلك، كما يحدثنا صاحب المقدمة (ابن خلدون):
    (أبعد الأمم عن سياسة الملك لأنهم أكثر بداوة من سائر الأمم، وأبعد مجالاً في القفر، وأغنى عن حاجات التلول وحبوبها لاعتيادهم الشظف وخشونة العيش، فإستغنوا عن غيرهم فصعب إنقياد بعضهم لبعض لإيلافهم ذلك وللتوحش..)(4) .. كل هذا وغيره جعل لهم وقتا لم يقضوه في صنع حضارة ولا بناء أمة بل وفروه للغتهم فأخرجوا منها أصناف الفنون ولم يتوانوا في إضافة كل ما هو جميل حتى يعينهم على سوء حالهم.
    ولن يكون هناك إعتراض كبير بعد أن نعرف أن ما صنعه العرب بلغتهم أشبه بحضارة اليونان وإهرامات النوبيين وعلوم العصر الحديث ـ كل في حقله.
    ولكن الحقيقة التي يجب توضيحها هي أن اللغة العربية بقواعدها ونحوها وبلاغتها وبكل خصائصها هي لغة جمالية في المقام الاول، لغة تهتم بالشكل إهتماما يفوق أي لغة أخرى. وهي بـ(جمالياتها) هذه تكاد أن تكون معطلة للحياة في شكلها المادي المعاصر.
    لهذا ليس بغريب أن تصبح اللغة العربية اليوم لغة لا يتحدث بها أحد اليوم، ولغة مهملة من أهلها. لا أعني بالطبع أن اللغة العربية لا وجود لها في الحياة تماما كما حدث للهروغلوفية وللإغريقية القديمة(اللاتينية) وأمثالهما.. ولكن اللغة العربية وإن كانت هي لغة (الكتابة والأخبار والصحف الخ...) الا انها فقدت أهم خاصية للغة وهي التخاطب اليومي بين ناطقيها كما أنها في وسائل الاعلام التي ذكرنا صار الاهتمام بها موضوعيا أكثر من انه شكلي. فكثير ما طالعنا علماء اللغة بسخطهم مما يحدث في وسائل الاعلام من أخطاء لغوية وكلهم ينشد مع حافظ على لسان اللغة العربية قوله :
    أرى كل يوم في الجرائد مزلقا
    يدنيني الى القبر بغير أناة
    وإثر هذا الموت الذي صاحب اللغة العربية برزت إشكالات جديدة تمثلت في فقدان الرابط الذي يربط(المخاطَب)بـ(المخاطِب) فزادت هوة الخلاف، ونشب الصراع الدامي في كل الميادين (الدينية، الثقافية، الفكرية، السياسية الخ...) وصار كل فريق يدعي العلم ويجهّل الآخرين.
    ولعل هذا الصراع ينقسم في الاساس الى شقين، الاول هو الشق الكلاسيكي الذي يطالب بالالتزام باللغة حرفيا والرجوع اليها كليا وجعلها تبعث من جديد. والاخر هو الشق التجديدي الذي يرى ضرورة تطور اللغة وتقبل الواقع الجديد.
    وينقسم أي من الفريقين الى عدة فرق، فالفريق الاول ـ الكلاسيكي ـ ينقسم الى فرق كلاسيكية مرنة وفرق كلاسيكية متشددة. وينقسم التجديديون الى تجديديين يرون الاشكال في اللغة نفسها وأنها صارت غير مجدية، وآخر (ترميمي)(5) يرى أن الخلل يكمن في الشكل فقط وأنه يمكن إصلاحه.
    ولا يظنن ظان أن هذا الاشكال قد برز لتوه في العصر الحديث بل كانت جذوره في الماضي ضاربة كما أشرنا في البداية الى علاقة الدلالة وبروز الطوائف الدينية ولكنه في العصر القديم قد إختلف عن العصر الحديث. فهو هناك كان صراع داخل اللغة، يلتزم بها ويقر بمرجعيتها الفقهية. اما في العصر الحديث فلقد صار صراع (لغى) ومدارس فكرية لها ارتباط باجناس مختلفة ولغى أخرى.
    وتزداد الهوة إتساعا بين الفرق عندما يتعلق الإشكال (بكلمة) واحدة داخل اللغة التي هي محل خلاف أصلا.
    كما تزداد الهوة أيضا عندما يتعلق الاشكال بشكل أدبي له حصانته التاريخية واللغوية اللذين هما موضع خلاف أيضا ..
    الأول هو صراع التأويل، والثاني هو خلاف الشعر. من هنا كانت الحاجة واضحة للتصدي لهذه المشكلة عن طريق النقاش والحوار والتفكير الحر حتى يتسنى لنا الخروج من هذا المأزق الحرج الذي نمر به منذ ألف عام ونيف، هذا في مجال التأويل. ومنذ ما يقارب المائة عام، هذا في مجال الشعر.
    هذه الورقة تهدف في المقام الأول لتوضيح فكرة هي خلاصة تجربة صغيرة جدا في النقاش والقرأة(لـ ،ومع) مختلف الاراء والمدارس الدينية والفنية والفكرية وهي فكرة قد صاغها في الذهن كل هذا ثم قد صاغها الحوار الجاد مع الأصدقاء ومع الذين كانت ممارستهم وتجاربهم في هذه الحقول تفوق الكاتب مئات المرات ولكني رأيت أن التعبير أفضل الوسائل وأقربها لزيادة الفهم .. أو كما يقول السادة الصوفية :(المرء مطوي تحت لسانه) وقولهم:( تحدثوا تعرفوا)...ولقد كان تأويلي الشخصي للمقولة الثانية(أن تحدثوا للعلماء تعرفوا بجهلكم، فيتم تصحيحكم).
    وإن كان في ظني أن النقاش والحوار الغرض الأساسي منه هو (الإمتاع الذهني)، وهو غاية الانسان الحر المفكر، أو، الانسان المفكر الحر، الا ان هذا الامتاع الذهني لا يتم بمعزل عن البحث الجاد لخير الانسانية ومصلحتها. فذروة المتعة هي بسمة في وجه إنسان، ومصلحة توصلها له، وخيرا أنت سببه.
    ما نحاول إيصاله في هذه الورقة ينتصر في الاساس للتجديد مع إبراز عيوبه في الطرح وإيجابياته. ويرفض المنهج الكلاسيكي مع التأكيد على جودة بعض اطروحاته ومماشاتها مع الواقع الحالي. ولكنها على أي حال ليست ورقة توفيقية فهي تنتمي كما أسلفنا الى مدرسة التجديد في الأساس ... ولكنه ليس إنتماء أكمه، أعماها عن سلبيات وايجابيات المدرستين.
    وليس من سبيل لتوضيح فكرة الورقة ـ أكثر من ذلك ـ سوى مطالعتها والوقوف على جوانبها المختلفة، وإني لأرجو أن اكون موفقا في توضيحي .
    وقبل ختام هذه المقدمة أحب أن أشير الى أمر مهم ستطرق له هذه الورقة في متنها ولكن وجبت الاشارة له هنا لأهميته وعلاقته الوطيدة بموضوع الورقة... وهو أمر القرآن الذي هو بين دفتي المصحف الان . فهذا القرآن قد نزل بإجماع أهل اللغة والفقه بلغة العرب ـ أي أنه نزل بالعربية. ولكن لا بد للتنبيه الى أن هذا لا يعني قط أنه عربي !! وانما وجب التفريق بين نزوله بالعربية وبين حقيقته التي هو عليها. ففي القرآن كثير من الكلمات غير عربية مثل كلمة (مشكاة) والتي تعني الكوة بلغة الحبش(6). وكلمة (قسورة) وهي أيضا كلمة حبشية وتعني الأسد(7). وأمثالهما كثر. كما أنه لا يخفى أن كل أسامي الأنبياء التي وردت في القرآن غير عربية هذا عدا ( محمد ، صالح ). كما أن القرآن يبدأ تسع وعشرون سورة، على اربع عشرة تشكيلة غير عربية وهي:(ألم، المص، الر، المر، كهيعص، طه، طسم، طس، يس، ص، حم، حم عسق، ق، ن). ولقد أجمع مفسرو القرآن على تعذر تفسيرها(8) (أي أن لا معنى لها في العربية، ولا مدلول محدد لها). وهذا لا يعني أن القرآن لا يفسر باللغة العربية، ولكنه يعني أن للقرآن طرق للفهم تختلف وتتنوع، والتفسير إحداها وليس كلها. قال ابن عباس في قول القرآن(أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها) قال : الماء هو القرآن والأودية قلوب العباد(9). وهذا ليس بتفسير بل تأويل للمعنى الذي تعطيه اللغة ويعطيه التفسير.
    إذن فاللغة لا تفك أسرار النص القرآني، تماما كما أنها لا تفك أسرار النص الأدبي... فكلاهما ـ بإختلاف درجاتهما ـ فوق اللغة من حيث التفسير.
    وهذا أمر نتركه للورقة حتى لا نحمل هذه المقدمة ما لا تحتمل.
    وقبل ختام هذه المقدمة أحب أن أشكر أصدقائي الذين كان لحواراتهم, الجادة والمثمرة، فضلا كبيرا لتشكيل وعيي الحاضر ودافعا مهما لكتابة هذه الورقة وأخص بالذكر الصديق الشاعر (مامون الفاتح التلب) الذي وجدت فيه صدرا رحبا ورأيا سديدا وأذن صدق واعية. كما أشكر الصديق (عبدالرحمن عثمان "عبودي")
    ذلك الفتى الذي قد جاء قبل الأوان...في زمن يرحل فيه الأفذاذ قبل الاوان. ولقد كانت لحوارات الصديق (شريف محمد عثمان) أثرا واضحا داخل هذه الورقة.. فله شكري وتقديري .
    كما أحب أن أشكر الأساتذة الأجلاء (علي الزبير)، الذي تقدم بإضافات واسعة أفادتني كثيرا، ووالدي الأستاذ (مجدي سليم) على قرأته للفصل الأول من هذه الورقة قبل طبعها، وخالي الاستاذ (الطيب عبد الرحيم) الذي أفادني بتوفير وقته ومكتبته الخاصة.
    كما أشكر كل من ساعدني بتشجيعه ورأيه لتكميل هذا العمل المتواضع .
    قصي مجدي سليم مدني / أغسطس (2004)





    هوامش المقدمة





    1/المعجم الوجيز :ص30

    2/ الموسوعة الفلسفية العربية، عاطف العراقي ، كلمة تأويل ، ص207،الجزء الأول

    3/تفسير القرآن العظيم،إبن كثير،المجلد الرابع،ص543

    4/ابن خلدون، المختار من المقدمة،ص99

    5/الترميميون .. مصطلح أخذناه من الأستاذ الباقر العفيف وكان يقصد به رجال الدين الترميميين الذين لا يرون الاشكال في الفقه نفسه بل يطالبون بالبناء على ما سبق.ورأينا ان المصطلح يؤدي دوره هنا بنفس الصورة التي إرتأها الاستاذ الباقر.

    6/ابن كثير/سبق ذكره،ص347، المجلد الثالث.

    7/المصدر السابق،ص513،المجلدالرابع.

    8/راجع ابن كثير مصدر سابق ، والشوكاني فتح القدير،المجلد الاول،تفسير أول سورة البقرة.

    9/راجع تفسير القرطبي.. سورة الرعد آية رقم 17.










    الفصل الأول

    الدلالة والتأويل في اللغة والنص القرآني
    (بحث في النظرية العامة لـ:
    المعتزلة،اهل السنة، الصوفية )

    اولا: مفهوم التأويل لغة وتطوره.
    تقول العرب (أوّلَ) الشئ إذا أرجعه. ولغير المهتمين باللغة العربية من نحوها وصرفها وقواعدها وإشتقاقاتها نحب أن نقول شيئا يعين على فهم أمر مهم وهو:أن اللغة العربية أكثر اللغى إشتقاقا وتحتوي على كلمات كثيرة جدا تتفق في جذورها وكلمات تتفق في الأصل، ولنمسك الكلمة موضوع البحث كمثال نجد أن:
    {(آل) تعني رجع، و(أول) أرجع، و(آل) نفسها تعني أهل وعيال وأتباع وأنصار المرء، و(آلة) هي أداة العمل كأداة الطرب، وفي المكانيكا جهاز يحول القوى المحركة الى قوى آلية، وهكذا...}1.
    والملاحظ هنا أن كل هذه الكلمات مأخوذة من كلمة آل، وهي في جميع إستخداماتها نجد أن معنى الرجوع ينطبق عليها. فـ(آل) الرجل تعني أهله وعياله الخ.. أي من ينتسب اليه (ويرجع اليه). والآلة ذلك الجهاز الذي يحول القوى المحركة الى قوى (ترجع) الى الآلة. وأوّل الكلام عندما تعني التفسير فهي (إرجاع) الكلمة الى معنى في الذهن يتفق وموضوعها الذي أطلقت له أو هي (إرجاع) الكلمة الى معناها الاصطلاحي .... وهكذا فقس ..
    مثال آخر :
    كلمة (جبل) وهي تعني ما علا من سطح الأرض وجاوز التل إرتفاعا وإستطال. وهو ثابت لا يتزحزح. و(جَبَلَ) على وزن (فَعَلَ) تعني طَبَعَهُ على كذا، و(الجِبِلّة) الأرض الصلبة، كما أنها تعني الطبيعة والخلقة، والأمة أو الجماعة من الناس. وكل هذه المعاني تتفق مع بعضها البعض في المعنى الجذري لها.. فلأن الجبل مثبت في الأرض صارت الجبلة هي الصفة التي تعلق بالانسان فكأنها(مثبتة) فيه. والجبل ما إستطال وإرتفع، فصارت الجبلة هي الأمة لأنها تتكاثر وتزداد2. وهكذا .. وفي قول القرآن {ولقد أضل منكم جبلا كثيرا}3 أي خلقا كثيرا4.
    ولا تخلو كلمة في اللغة العربية من إشتقاقات عديدة لها. فعن طريق إرجاع الكلمة الى جذرها يمكن معرفة معناها اللغوي وبالتالي معرفة الإصطلاح بدقة ولماذا أتخذ لمعنى آخر غير المعنى اللغوي الحرفي، والسبب هو القرينة في كلا المعنيين تماما كما هو الحال في الاستعارة، فقوله :
    (لم أرى قبلي من مشى البحر نحوه
    ولا رجلا قامت تعانقه الأُسدُ)
    فهنا قد إستعار المتنبي بالبحر ليصف سيف الدولة، وبالأُسد ليصف من كان بمجلسه إذ وقفوا للترحيب به جميعا وأما القرينة فهي إستحالة الترحيب للبحر وأستحالة المعانقة للأسود. لهذا فعن طريق القرينة يفهم المرء المراد من القول.
    إذن فكلمة (آل) (إيالاً) و (أيلولةً) و(مآلاً) تعني رجع وصار و(آل) عنه تعني إرتد. و(آل) على القوم تعني ولي عليهم فهم رعاياها ويرجعون اليه وهو مسئول عنهم. و(أوّل) الشئ اليه أرجعه، و(أوّل) الكلام يعني فسره وتأول الكلام تعني أيضا فسره... وهنا يجب أن نذكر تلك الخاصية التي ذكرناها عن اللغة العربية وهي (تعلق الكلمة بمعنى واحد، وتعلق المعنى بكلمة واحدة)، عليه، فلا يمكن أن تكون كلمة (أوّلَ) الكلام بمعنى فسره وكذلك تأول .. وإنما أوّل تعني إرجاع الكلمة الى اللغة، وإرجاع القرينة التي تنتج عن تفسير الكلمة الى معنى إصطلاحي متفق عليه. اما تأول فتعني إرجاع القرينة الى معنى إصطلاحي غير متفق عليه، وهو بالتالي محل خلاف بين المتأولين. ومن هذه الكلمة الثانية بالذات أشتقت كلمة تأويل .. ألتي يُظن بأنها لم تستخدم الا في عصر الاسلام ولكننا لا نتفق وهذا الظن إذ هنالك شواهد على إستخدام الكلمة مثل ما ذكره إبن هشام في السيرة :
    (أن ربيعة بن نصر ملك اليمن رأى رؤيا هالته فدعى الكهنة وقال لهم: إني رأيت رؤيا هالتني فأخبروني بتأويلها...الخ...)5. ولقد وردت لفظة تأويل في هذه القصةأكثر من ثلاث مرات وهي قصة حدثت قبل الاسلام بأكثر من مائة عام. ولكننا نعتقد أن الكلمة وجدت رواجا في عصر الاسلام أكثر من أي عصر سابق كما أنها قد إكتسبت شكلا إصطلاحيا جديدا في عهده وهذا ما سنتطرق له في موضعه .
    ثانيا:مفهوم الدلالة لغة وتطورها.
    {(دلّ) على الشئ واليه (دَِلالة) بكسر الدال وفتحها، تعني أرشد، فهو دال والشئ مدلول عليه واليه. و(الدلالة) هي الارشاد، وما يدل عليه اللفظ عند إطلاقه ـ أي ما يرشد اليه ـ واستدل بالشئ على الشئ إتخذه دليلا عليه يعني إشارة. والدليل هو المرشد)6.
    ونحن نستخدم جمع (دليل) في محل جمع (الدلالة) فنقول لما يوجد على المتهم (أدلة) والصحيح أن نقول (دلائل) أو(دلالات) ـ حسب الموضع ـ لأن (الأدلة)جمع لعاقل ومفردها دليل.
    ومرة أخرى نُذكّر بتلك الخاصية التي تتميز بها العربية وهي (تعلق الكلمة بمعنى واحد..).. وبما أن الدلالة تعني ما يرشد عليه اللفظ عند إطلاقه ـ هكذا ـ دون حاجة الى تفسير خاص أو تأويل معين، فكأن ببروز كلمة دلالة قد تحدد معنى جديد(للتفسير) وذلك بفضل تلك الخاصية العجيبة التي كررنا ذكرها. فالتفسير لا يكون الا لما استعصى على الفهم، أي ان التفسير هو توضيح ما لم يمكن فهمه دون توضيح. أما الاشارة المحضة التي يفهم منها شيئا ما فهي ليست تفسير. لنقرأ معا معنى تفسير القرآن من المعجم إذ يقول:[فسر الشئ أي وضحه، وآيات القرآن الكريم أي شرحها ووضح ما تنطوي عليه من معان واسرار واحكام]7.
    إذن فالتفسير هو توضيح (ما إنطوت) عليه من (معان) و(أسرار)، وليس شرح ما هو ظاهر وواضح لأن هذا ما تدل عليه الكلمات أي أنه عمل الدلالة لا التفسير. لأن الكلمة متعلقة بما سواها عن طريق الممارسة، فعندما نقول (أسد) فهي إشارة لشكل محدد نعرفه من خلال التجربة، وهذا أمر لا يحتاج لاكثر من الاشارة ـ اي الدلالة.
    ولكن ربما ـ أقول ربماـ وجد شخص لا يعرف ما هو شكل الاسد.. ولا ماهية الاسد أصلا، عندها يتم تفسير الكلمة بوصف الشكل والنوع والخصائص الخ..وأما تأويل كلمة أسد فيقع اذا ذكرت الكلمة بقرينة مانعة لاستخدامها المتعارف عليه (كما ذكرنا في مثال بيت المتنبي عن البحر والأُسد).
    إذن فكل مفردات اللغة في حالة التجريد هي دلالة لشئ ما موجود في الذهن عن طريق الممارسة، فإذا قلت ممارسة الشخص برز دور التفسير، فهناك من يحتاج لتفسير كلمة حاجة لا تكون لغيره الذي يقنع بمجرد الاشارة فقط.
    هكذا فإن المفردة يختلف عملها بإختلاف الاشخاص، فإذا كا عالم بها فهي دلالة، وإن كان جاهل بها فهو في حاجة للتفسير. اما علاقة التأويل بالدلالة فهذا ما سنحاول الاجابة عنه الان.
    ثالثا:علاقة التأويل بالدلالة.
    للدلالة دور مهم في عملية التأويل، يختلف بإختلاف المأول للنص، ولكنه لا ينعدم البتة حتى وإن كان التأويل ضعيفا فإننا نجد ان هنالك دلالة ما عليه رغم ضعفه. ولا تكتمل عملية التأويل دون مساعدة الدلالة. فمحاولة الكشف عن المعاني وإبراز الغرض منها يحتاج المأول فيها إلى ذخيرة لغوية كبيرة، ومقدرة فائقة على التصور، وتجربة جيدة في الممارسة، تعينه على خلق الترابط اللغوي الذي يقنع العقل. ودون هذا، فهي محاولة فجة غير مرتاضة بأدب العلم. والحكم أيضا على أي محاولة يتطلب نفس المقدرة على التأويل. فالمأول والمستمع يقتسمان الملعب بالتساوي، بل (رب مستمع اوعى) فيحلق في سماء تأويل المأول بما لا يراه المأول نفسه تماما كما قال افلاطون في مقولته المشهورة عن الشعراء بأنهم يكتبون أشياء قد لا يدرون معانيها، لان الشاعر ملهم وهو ينقل ما يسمعه فقط، وقد لا يفهم في بعض الاحايين ماينقله.
    ولعل علاقة (الدلالة، التفسير، التأويل) هي علاقة ترابطية متدرجة تبدأ من قاعدة الدلالة وتنتهي في قمة التأويل ـ حيث لا إنتهاء ـ مرورا بدرج التفسير المتعالي. وعمل التأويل أصلا في النص لا في المفردة المنفصلة. ولا نعني بالنص فقط المكتمل بداية ووسطا ونهاية ـ وإن كان لهذا الترابط دورا مهما في هذه العمليةـ ولكن أجزاء النص ايضا تفي بالغرض اللازم. فإن كان النص مترابطا كوحدة موضوعية لزم أن يكون التأويل مترابطا فلا يخرج عن السياق العام للنص. وأكبر مثال لذلك النص القرآني فيجب على المأول أن ينتهج نهجا مترابطا لا يختلف والنصوص القرآنية المختلفة. وقد تضلل دلالة الآيات عن المعنى المراد، فلا ينفع العمل بها، ولا العمل بالتفسير الذي قد يصبح متحاملا على اللغة حتى أنه قد يلجأ الى طرق هي أبعد عن العقل ولا تقنع ذي لب ولا جاهل، وتصبح حينئذ حاجة النص للتاويل حاجة حياة أو موت. فلا بد حينها إبعاد الدلالة الحقيقية للنص والذهاب الى الدلالة المجازية وهذا هو بالضبط مفهوم التأويل عند (أبن رشد)8.
    رابعا : علاقة الدلالة والتأويل بالنص القرآني.
    وعن ترابط التأويل وضرورته للنص وعجز الدلالة من جهة، والتفسير من جهة أخرى عن توضيح معنى النص ، يطالعنا القرآن بقوله:
    {أينما تكونوا يدرككم الموت، ولو كنتم في بروج مشيدة. وإن تصبهم حسنة يقولوا: هذه من عند الله. وإن تصبهم سيئة يقولوا: هذه من عندك. قل : كل من عند الله، فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا؟. ما أصابك من حسنة، فمن الله، وما أصابك من سيئة، فمن نفسك. وأرسلناك للناس رسولا. وكفى بالله شهيدا}9
    اولاً نجد ان الدلالة فقط قد تدخلنا في مشكلة كبيرة، ففي الايات تناقض واضح تعطيه الدلالة وهو تناقض لا يفترض قيامه عند مؤمن بالنص القرآني، لانهم يرددون الاية التي في نفس السورة وبعد آيتين فقط من الايتين المذكورتين {أفلا يتدبرون القرآن!! ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه إختلافا كثيرا}.
    ولعجز الدلالة عن تدارك هذا الوضع قد يبدو أن التفسير قد يفك التعارض القائم، ولكن أي محاولة للتفسير جاءت غير مقنعة، ومتحاملة على اللغة التي هي أساس التفسير عند أهل التفسير. ولدينا مثالين في التفسير سنعرضهما على التوالي. قال ابن كثير في هذه الآيات:
    [{وإن تصبهم حسنة} أي خصب ورزق وثمار ونحو ذلك ......{يقولوا هذه من عند الله، وإن تصبهم سيئة}أي قحط وجدب ونقص في الثمار......{يقولوا هذه من عندك} أي من قبلك وبسبب إتباعنا لك وإقتدائنا بدينك...... وهكذا قال هؤلاء المنافقون الذين دخلوا في الاسلام ظاهرا وهم كارهون له في نفس الأمر ولهذا أصابهم شر إنما يسندونه الى إتباعهم النبي صلى الله عليه وسلم......{ قل كل من عند الله} اي الجميع بقضاء الله وقدره وهو نافذ في البر والفاجر والمؤمن والكافر .........أي الحسنة والسيئة. ثم قال تعالى مخاطبا لرسوله صلى الله عليه وسلم والمراد جنس الانسان ليحصل الجواب{ما أصابك من حسنة فمن الله } اي من فضل الله ومنته ولطفه ورحمته {وما أصابك من سيئة فمن نفسك} أي فمن قبلك، ومن عملك أنت ]10
    (مجموعة النقاط الواردة في النص هي كلمات رأينا حذفها دون أن تخل بالنص الاصلي)
    ويبدو أن المفسر قد أخذ على عاتقه أن يخوض في الامر حتى منتهاه دون أي إشارة حتى لاختلاف دلالة الكلمات، ولتعارضها.... بل تجاهلها تماما ولم يشر حتى مجرد إشارة لذلك .. وأكثر من هذا فهو قد قام بتفسير الآيات بشكل غريب فهو في الآية الأولى قد فسر معنى (الحسنة) ومعنى (السيئة) فقال عن الاولى:
    (أي خصب، ورزق، وثمار، ونحو ذلك). وقال عن الثانية: (أي قحط وجدب ونقص في الثمار) ....
    ثم إنه لم يقم بتفسير معنى الحسنة والسيئة في الاية الثانية {وما أصابك من سيئة فمن نفسك} وكأنه لا يرى أي تناقض بين القولين!! فان كان معنى الحسنة والسيئة في الموضعين واحدا فهذا يحتاج الى تبيين ...لأن الاية الاولى تقول بوضوح مفرداتها (الحسنة والسيئة تصيب بأمر الله). والاية الاخرى تقول مفرداتها وبوضوح أيضا (الحسنة تصيب من الله، والسيئة تصيب من عمل الانسان). والموضوع هو في الاساس علاقة: الحسنة، السيئة، بالله، والانسان.
    (فإن كانت السيئة الاولى تعني القحط والجدب الخ..) وهي من الله ثم الثانية تعني نفس الشئ وهي من عمل الانسان فهذا لعمري هو التناقض بعينه والذي كان يجب على المفسر أن يتصدى له. ولقد علق إبن كثير على قول مطرف بن عبد الله : (ما تريدون من القدر أما تكفيكم الآية التي في سورة النساء {وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك} أي من نفسك والله ما وكلوا إلى القدر وقد أمروا، وإليه يصيرون). فعلَّق عليه بقوله: (وهذا كلامٌ متين قوي في الرد على القدرية والجبرية أيضاً).
    ولو أن المفسر نفسه إنتهج نهج (أهل السنة) الذين يدعي الإنتماء إليهم لما وقع في هذا الخطأ الفاضح فهو بذلك الإدعاء يرفض قول (المعتزلة) بأن الإنسان مخير في كفره وإيمانه ولكنه في نفس الوقت يرفض عكس قول المعتزلة. وليس هنالك أعجب من أن يكون الإنسان (لا هو مخير، ولا هو بمسير). ولقد أورد حديث طويل في ختامه يقول النبي لأبي بكر وعمر: (إحفظا قضائي بينكما، لو أراد الله أن يعصى لما خلق إبليس) ثم ذكر أنه حديث غريب (موضوع مختلق) وذكر غرابته في بداية الحديث، أما وضعه وإختلاقه ذكرا في نهايته على لسان شيخه إبن تيمية. والعجيب أن هذا الحديث نفسه هو الذي يمتلك القدرة على حل وفض التعارض القائم في هذه الايات ... ولولا أن المفسر أراد أن يلوي عنق الحقائق ليثبت نظريته العجيبة التي هي ضد الجبر وضد الاختيار !!
    المثال الثاني:
    ولقد كان الشوكاني أكثر صدقاً فذكر أن هناك من يرى إختلافا في الآيات وإن كان هو لا يرى ذلك البتة:
    [{وإن تصبهم حسنة} هذا وما بعده مختص بالمنافقين، أي أن تصبهم نعمة نسبوها إلى الله، وإن تصبهم نقمة نسبوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فرد الله عليهم ذلك بقوله:{قل كل من عند الله} ليس كما تزعمون. قوله {ما أصابك من حسنة فمن الله} هذا الخطاب إما لكل من يصلح له من الناس، أو لرسول الله صلى الله عليه وسلم تعريفاً لأمته: أي ما أصابك من خصب فمن الله بفضله، وما أصابك من جهد وبلاء فمن نفسك بذنب أتيته فعوقبت عليه...... وقيل إن هذا من كلام الذين لا يفقهون حديثا: أي فيقولون ما أصابك من حسنة فمن الله وقيل أن ألف الإستفهام مضمرة: أي وما أصابك من سيئة (أفمن نفسك). وهذا خلاف الظاهر. وقد نظن أن قوله{وما أصابك من سيئة فمن نفسك} مناف لقوله{قل كل من عند الله} وليس الأمر كذلك، فالجمع ممكن كما هو مقرر في مواطنه]11.
    وقد يكون الجمع ممكنا لو شرح لنا إمكانيته ووضح لنا مواطن تقريره، ولكن ما تعطيه لنا اللغة بتفسيرها الظاهر ومن خلال دلالة الكلمات لا يجعل النصين متوائمين، وكل قول خلاف ذلك هو قول خلاف الظاهر، ومحاولة للتأويل.
    وتأويل النص القرآني لأنه خلاف الظاهر فقد سماه المتصوفة علم الباطن. وهو علم الكشف عن المعنى لا باللغة فقط ولا بالدلالة فقط بل بقمتيهما معا. فهو توضيح للمعنى عن طريق فهم (النظرية العامة) للقرآن أولاً، ثم تمديد اللغة لأقصى حد يمكن أن تصل إليه. وقد يبلغ أحدهم درجة من السكر تجعله يقطع حبل اللغة عن قارب النص فيسبح في بحر بلا شاطئ.
    وأول نظرية في الدين يعتمدها المتصوف (العارف) بالتصوف حقا هي أن الانسان مسير في كل شئ. ولإعتمادهم _ المتصوفة أعني _ على التأويل دوما، وبعدهم عن ظاهر النص، فإن حجتهم _ سواء اتفقنا أو إختلفنا معها _ هي الأقوى والأكثر ترابطاً من غيرها. لأن تفسير القرآن يصطدم بالتناقض الظاهر بين الآيات فيجد المفسر نفسه أمام حل من إثنين:
    I. إما أن يحاول تطويع النص بأي شكل كان وعلى حساب اللغة.
    II. وإما أن يردد قول النبي: (إن القرآن لم ينزل ليكذب بعضه بعضاً، فما عرفتم منه فاعملوا به، وما تشابه فآمنوا به)12.
    ومرحلة الإيمان هذه كانت تنفع في عصر البداوة والبساطة. ثم ولعلم المفسر بأنه لا يستطيع أن يعول على الإيمان فقط _ وإلا فما جدوى تفسيره في الأساس_ لهذا نجد أن جلهم قد جعل الأولى هي الحل الأمثل بالنسبة له، فأخذوا يطوعون اللغة كي تلائم النص غصبا. فهم تارة يقولون بتخيير الانسان في كفره وايمانه، وانه محاسب بعمله، وتارة أخرى يرجعون الافعال كلها الى الله... والحق اٌقول أنني منذ أن بدأت الاهتمام بالتراث الاسلامي حوالي عام 1993م كان أشد ما يحيرني هو التناقض القائم داخل الطائفة الواحدة ... ولكن أكثر طائفة أصابتني بالحيرة هي طائفة أهل السنة .. هم ضد الجبرية وضد القدرية .. هم ضد تسيير الانسان وضد تخييره ... هم ليسوا مع علي ولا مع معاوية ..ولا مع طلحة ولا الزبير .. ولا أم المؤمنيين عائشة ... طائفة منهم ضد الرأي ... وطائفة تؤكد عليه وتدعمه ثم بعد هذا كلتاهما تمدح الأخرى .. جماعة منهم ترى العمل بالاستحسان كالإمام ابو حنيفة ومالك .. وأخرى تكفر من يعمل به كالشافعي ثم نرى التاريخ يذكر لنا إطناب الشافعي عليهما كقوله: الناس في الفقه عيال لابي حنيفة ... يقول اصحاب مذاهب أهل السنة أن الخلاف بين الائمة ليس في الاصول وهو خلاف لا يخرج من الدين ولا من الملة بل هو ممدوح ... وهذا قول منافي للواقع فكتب الفقه تمتلئ بالخلافات التي وصلت حد التكفير (كتارك الصلاة ، وشارب الخمر ، ومصادر الفقه الخ..)... إنها حقا طائفة عجيبة!.
    اما مشاكل المفسرين المحدثين فهي أكبر من هذا بكثير، فكثير من آيات القرآن تقول بأن الأرض مسطحة. وهذا ما يعطيه ظاهر النص. كما أن تفاسير القدماء لظواهر الطبيعة جاء جلها بعيدا عن الواقع العلمي.
    لقد بدا من الواضح أن كل التفاسير (قديمها) و (وحديثها) تصادم النصوص القرآنية بعضها البعض، كما تصادم الواقع العلمي الحديث. كما بدا من الواضح جدا أن أي محاولة للتفسير هي محاولة لموت النص بأسرع وسيلة ممكنة.

    يتبع
                  

العنوان الكاتب Date
عن التأويل/ لقصي مجدي سليم مأمون التلب12-09-04, 03:25 AM
  Re: عن التأويل/ لقصي مجدي سليم مأمون التلب12-09-04, 03:26 AM
  Re: عن التأويل/ لقصي مجدي سليم مأمون التلب12-09-04, 03:29 AM
  Re: عن التأويل/ لقصي مجدي سليم مأمون التلب12-09-04, 03:31 AM
    Re: عن التأويل/ لقصي مجدي سليم تاج السر حسن12-09-04, 04:11 AM
  Re: عن التأويل/ لقصي مجدي سليم مأمون التلب12-09-04, 04:19 AM
  Re: عن التأويل/ لقصي مجدي سليم قصي مجدي سليم12-11-04, 04:55 AM
  UP مأمون التلب12-11-04, 11:48 AM
    Re: UP محمد صالح علي12-11-04, 12:27 PM
      Re: UP Muhib12-11-04, 01:15 PM
  Re: عن التأويل/ لقصي مجدي سليم قصي مجدي سليم12-12-04, 07:40 AM
    Re: عن التأويل/ لقصي مجدي سليم Yaho_Zato12-12-04, 08:06 AM
  Re: عن التأويل/ لقصي مجدي سليم مأمون التلب12-12-04, 09:44 AM
  Re: عن التأويل/ لقصي مجدي سليم قصي مجدي سليم12-12-04, 11:02 AM
  Re: عن التأويل/ لقصي مجدي سليم مأمون التلب12-12-04, 10:57 PM
  UP مأمون التلب12-13-04, 07:07 AM
    Re: UP Yaho_Zato12-13-04, 04:35 PM
  Re: عن التأويل/ لقصي مجدي سليم مأمون التلب12-13-04, 11:49 PM
  Re: عن التأويل/ لقصي مجدي سليم قصي مجدي سليم12-15-04, 11:20 AM
    Re: عن التأويل/ لقصي مجدي سليم محمد حسن العمدة12-15-04, 04:42 PM
      Re: عن التأويل/ لقصي مجدي سليم معتز تروتسكى12-15-04, 09:39 PM
        Re: عن التأويل/ لقصي مجدي سليم Yaho_Zato12-16-04, 07:52 AM
  Re: عن التأويل/ لقصي مجدي سليم قصي مجدي سليم12-16-04, 10:11 AM
  up مأمون التلب12-19-04, 00:15 AM
  Re: عن التأويل/ لقصي مجدي سليم قصي مجدي سليم12-20-04, 11:07 AM
    Re: عن التأويل/ لقصي مجدي سليم Yaho_Zato12-22-04, 07:31 PM
  Re: عن التأويل/ لقصي مجدي سليم قصي مجدي سليم12-24-04, 09:16 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de