سلطات الأمن البريطانية تحتجز 3.5 مليون دولار أمريكي وجدت بحوزة زوجة قرنق:

تسربت الأنباء دراكاً من داخل اكواخ حركة قرنق بوجود خلافات متصاعدة داخل الحركة وراجت أنباء بوادر تمرد لوحدات داخل الحركة إثر صدوركشف لتنقلات بعض القادة الميدانيين في صفوف الحركة ورجال من الصف الثاني كان معظمهم من اقليم بحر الغزال إلى الاستوائية مما عده أبناء الاستوائية وجهاً جديداً للاستعمار الداخلي فبادروا بالخروج الى الغابة تحت سطوة القائد ايزك مامورالذي اصبح أبرز أبناء قيادة الحركة من الاستوائية خاصة بعد معارك توريت الأخيرة التي اعقبت توقيع ميشاكوس - اغسطس 2002 - ثم تلتهم وحدات من مناطق أخرى لم تدخل الغابة بل تمسكت بمواقعها التي سيطرت عليها وما لبث ان استشرى أمر التمرد الجديد حتى سرت روحه في معظم المناطق التي تسيطر عليها الحركة في الجنوب. وبلغ الامر ذروته في الاسبوع الماضي عندما وصل التوتر حداً جعل سلطات الحركة تقوم باغلاق كامل لمطار رومبيك وتقوم بتقييد حركة المنظمات والمواطنين حول المدينة وفي مداخلها، وتطور الامر بشكل جدي وخطير، عندما اتضح ان القضية أكبر من احتواء تمرد لوحدات صغرى عندما ظهرت تقارير في الاعلام والمنظمات غير الحكومية تفيد بدخول أبناء بحر الغزال انفسهم على خط التمرد مثل القائد بول ملونق اوان والقائد مجاك اقوت والقائد بيور اجانق دور بل والأكثر مفاجأة عندما ظهر اسم القائد سلفاكير ميارديت نائب قرنق الأول ولفترة طويلة من الزمن، بل والرجل القوي في الحركة، ظهوره على رأس الأمر، مما كشف عن المزيد من الغموض والضبابية تجاه هذه الحركة الوليدة التي اضحت اشبه بكرة الجليد المتدحرجة الشئ الذي ولّد حالة من الاستقطاب شديد الحدة اسهم وجود سلفاكير على رأسها في اعادة تلجيمها وعدم تركها تركض خلف جواد القبليات الجامح بوضعها على فريق يريد التخلص من قيادة متسلطة بأخرى ترضي طموح القاعدة، فأضاف بعداً أكثر خطورة الى الموقف وطرح تساؤلات عن مدى امكانية محافظة الحركة على وحدتها على الأقل خلال الفترة الانتقالية.
وتفيد آخر التقارير ان سلفاكير يسيطر - ومعه عدد كبير من القيادات الميدانية - على عدد من المواقع، وانه اصدر تعليمات لأنصاره باطلاق النار فوراً على أية طائرة تحلق في المنطقة دون إذن من مجموعته.
يحدث هذا في وقت أشارت فيه مصادر الى ان قرنق ينهمك الآن في ارسال تنويرات الى قادته الميدانيين يسعى من خلالها لنفي وجود خلافات جديدة في حركته.
ودون استثناء العامل السياسي الذي يمثل لب الأزمة ومحورها الرئيسي تبقى عوامل أخرى لاتقل أهمية عنها بل وتأتي في بعض الأحيان متطابقة ومتوازية معها تأتي ابرزها ازمة القيادة التي تهيمن على كل شئ وتحتكر أدوات العمل في وضع الرؤى والاستراتيجيات وصناعة القرار والتحكم في المال والرؤية السياسية، ولاتسمح بأى هامش للرأى الآخر. وهو ما كان يجعل صاحب أي رأي آخر مناقض لقائد الحركة وهو ذات السيناريو الذي واجه مارتن ماجير وجوزيف ادوهو ووليم نون اضافة إلى اصوات توصف بالعقلانية تنادي بوضع حد للطموح الجامح لقائد الحركة الذي تصفه بأنه يستخدم الحركة ليخوض بها حروب الآخرين والتصرف في المال والادارة ، وما يخلفه المال من غبائن بين البشر عبرت عنه جلياً الفضيحة الاخيرة التي نشرتها قبيل اسابيع صحيفة «الصن» - THE SUN - البريطانية، نقلاً عن مصادر في الشرطة البريطانية بأنها ألقت القبض على السيدة ربيكا قرنق دي مابيور وبحوزتها مبلغ ثلاثة ملايين ونصف المليون دولار أمريكي في مطار هيثرو بلندن وبعد الاستجواب ثبت لرجال اسكوتلانديار بالوثائق التي قدمتها زوجة الزعيم ان الاموال التي بحوزتها تخصها هي واسرتها وانها مقدمة من شركات صينية وماليزية نظير اتعاب الأسرة في ابتعاد الجيوش التي يقودونها عن مناطق البترول والعامل القبلي يدفع ببراميل بارود خاصة تجاه الثنائيات التي يرزح الجنوب تحت نيرها وهو ماقاد الى شلالات من الدم في الماضي خاصة إبان انقلاب الناصر «1991»، وخروج مشار ولام اكول من جسم الحركة الرئيسي واستثارتهم لأبناء النوير بأحياء العداء التاريخي بين الدينكا والنوير من جهة وبين بعض أبناء الدينكا الحانقين على قرنق من جهة أخرى. وهو ما اسهم بشكل كبير في الازمة الأخيرة التي خرج فيها الاستوائيون يحملون معاولهم رداً لثأرات قديمة دفنت مع رماد اتفاق اديس ابابا، عندما تمرد الدينكا في بواكير صيف 1983، وهو ما عبّر عنه البيان الملتهب الذي اصدرته مجموعة من الاستوائيين في الحركة تحت عنوان «إنذار أخير» في الشهر قبل الماضي. عوامل تاريخية أرفدت نار الصراع الآخذ في التأجج، وهي ثأرات ومطامع نائمة مع القائد الحالي للحركة لم تجد اللحظة المناسبة للخروج والتعبير عن نفسها تحت مبرر الشرعية الثورية «ولا صوت فوق صوت المعركة» قد نجد الآن الفرصة مواتية بعد التحول من الصدام المسلح إلى الصراع السياسي وفق منظومة آليات تضمن حرية التعبير والتداول السلمي للرأي وقبول الآخر دون ان تواجه معضلة الفصل عن الحركة أو مناصرة الجلابة كما تقول اجهزة الدعاية التي تناصر الزعيم.
من الواضح ان العامل الدولي والموقف الغربي على وجه التحديد يتأرجح بين عدم الانسجام مع قرنق وطموحه اللامحدود واجندته المتغيرة والمتفردة. ويزكي هذا الاتجاه اعداؤه التقليديون من الساسة الجنوبيين مثل بونا ملوال وفرانسيس دينق والدو اجو دينق وجاستن ياج مستخدمين ثقلهم ورصيد علاقاتهم التي تكونت على مدى العقود الاربعة أو الخمسة الماضية مع المجتمع الدولي ومنظماته التي كانت جسراً لعبور قرنق نفسه في فترة من الفترات والاتجاه الثاني داخل أروقة العالم الغربي هو الرغبة الأكيدة في تحقيق السلام ودفع جميع الاطراف باتجاهه دون مواربة وتأجيل كل ما لا لزوم له أو ما يشابه. ولفرز «الكيمان» على الأرض يلاحظ سيطرة سلفاكير على الأرض والميدان والقوات بكل مافيها من آليات ومتحركات واجهزة اتصال وهياكل سلطة مدنية واعمال إغاثة «الجمل بما حمل» على ان لم يبق لقرنق سوى الشرعية وبعض التلاميذ من الجيل الجديد الذي صعد على اكتاف القائد أو «CHAIR MAN» كما يطلقون عليه ولا يرضون له بديلاً، على ان كلمة شرعية هذه لاتمر كدونها من الكلمات فهي عامل حقيقي وترجيحي في الصراع فعليها استند الرئيس البشير في «صراع القصر والمنشية» الشهير، كما فعل الرئيس المصري الراحل السادات ابان صراع مراكز القوى، غير انها في بعض الاحيان تفشل، كما وقع في اندونيسيا للرئيس عبد الرحمن واحد، وكما حدث لارستيد في هاييتي. تنسحب تحت ذلك كل المعطيات الاخرى. فالذي يمتلك في هذا الحدث شرعية النضال والتحدث باسم الحركة حتى الآن هو قرنق. ويبقى التحدي الأكبر في اعادة لحمة التواصل وجمع هذا «الشتات المتنافر» في توسيع قاعدة الرأي والمشاركة بين اعضاء القيادة ناهيك عن الاجسام القاعدية في أدنى هرم الحركة تداول السلطة والقيادة وتنظيم آلياتها ادارياً وتنظيمياً وتجاوز هيمنة قيادة الرجل ذي الطموح الزائد عن الحد، والتحكم في المال وسوء ادارته مع بطانة السوء التي تتطوع لمداهنة كل حاكم أو صاحب نفوذ. مما يعيد طرح تساؤلات عن امكانية تحقيق وحدة قومية بين أبناء جنوب السودان تعيد تشكيل خارطة اقليمهم لمواجهة التحديات العاصفة التي توشك ان تهب على الاقليم بل وعلى الوطن بأسره وتبقى الاشارة الى ان العديد من المراقبين يرون بأنه إذا استمرت هذه الصراعات بنفس وتيرتها فقد تؤثر بشكل مباشر - وليس معلوم مدى حدود ذلك التأثير بصورة قاطعة - على عملية السلام في الفترة المقبلة التي توصف بأنها حاسمة .