سيف الأراك ..ما أشهرته الأيام لن تغمده الليالي ( في ذكرى رحيله )

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-06-2024, 08:03 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-01-2004, 08:02 AM

أسامة معاوية الطيب
<aأسامة معاوية الطيب
تاريخ التسجيل: 12-13-2003
مجموع المشاركات: 529

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
سيف الأراك ..ما أشهرته الأيام لن تغمده الليالي ( في ذكرى رحيله )

    سيف ....ما أشهرته الأيام لن تغمده الليالي
    ( ونحن على حدّه تقتلنا الذكرى )
    الفنان السوداني – فنان الطنبور – المبدع سيف الدين حسن أحمد (قدقود) أحد أعمدة الغناء في شمال السودان ، رهيف لدرجة الشفافية ، عميق ، يعرف كيف يتخّير لألحانه الكلمات ولكلماته الألحان ، تنازعه هذه الأيام هواجس المرض ، وتنهكه خيالات الخوف الكثيرة ، وتقف على قافية أيامه قصائد الوعد الجديد ومقطوعات الحلم المعافى.
    جاءني صوته ، مشروخا ، باهتا ، ممكونا بأوجاع العالم كلها ، جاءني نزيفا من العمر والذكرى والألحان وصبايا الأغنيات ، جاءني بعضا من تماسك يحرجه التداعي الممض والرهق العميق ، جاءني لا يملك من دنياه غير آهاتٍ تتقافز عبر المسافات لتسلمني إلى ليل الفجيعة وترغُّب الموت المتسرّب إلى أيامي وأحلامي وطيوف الذاكرة المنهكة بجميل الصور وعميق المعاني وأنيق الغناء ، جاءني صوته عبر التلفون أحرفا تبحث عن قائلها الذي دفنته الأوجاع في آهاته و تنهداته وأسلمته الخيالات إلى ليل الخوف والظن وأحاديث الرحيل الوشيك ، هممت بالنحيب وأنا أتقهقر مع ذاكرتي إلى ليالٍ كنّا نحفر فيها على صخر الواقع نقوش المعاني فتبدو الصور غير الصور ، والأحداث غير الأحداث، ويشتهي القمر ليالينا فيصير بدرا كاملا ، في أيام محاقه الأولى، وتسرح الأنغام مع النسائم لتداعب أطراف (الملايات) بشهقات الفجر الجميل.
    كل العمائم كانت تحسد (لفتّه) البارعة ، وكان يمنح الطنبور كبرياء زائدة ، عشقا وإجادة ، تحفل به ليالي الشعر ، قارئا ممتازا ، وناقدا لمّاحا ، وملحنا بارعا ، وإنسانا بعد ذلك يفوق الوصف ، كان ينهك يده اليسرى حين الحديث ، بإشاراته المميزة وحين العزف – كان مجنون العزف ومجنونا به – ولكنها كانت تباهي به كلما حانت منها التفاتة إلى عوالم العزف الأخرى ، رغم غائر جرحها الذي وسمها به ذات ليل ، وهو بعد يبحث عن جميل مفردات الحبيِّب ، وروائع كمال حسن ، لم يطل النظر يوما في وجه (الجنيه) ولكنه كان غنّيا يستمدّ من – الصَمَد – حسن قدقود ، كل النقاء والعطاء الممتد ، ويذكر (كوريّة) والدته الخضراء ذات الرسوم الصُفر المزدانة بعبارة (رمضان كريم) التي كان يوصل بها فطور والده لطاحونة الأراك التعاونية بالسالماب ، وهو يترنم بأغنيات النعام وبعض مقطوعات ود بكري ويرسم أمام عينيه لوحة الغد الرائعة ، وأكثر ما يذكر عود (ود الكنك) ، الذي خلق إنسانه الفنان ، وهو يصدح به ليلا مقلِّدا (صديق أحمد ومحمد جبارة) ، أودع فيه إخلاصه للغناء فأودع ذلكم فيه موهبةً لم تنقطع وجاءت أغنياته موّالا يرهف آذان الليل ببكاء الصوفيين وغنائهم ويرهق قلوب العاشقين بشفيف معانيه ورقيق ألحانه ، وكلما أمسك بالطنبور يغني ، كلما حوّمت حوله أسراب القماري التي كانت تتسمّع ألحانه حتى تعيدها في الفجر هديلا ودعوات.
    الجروف والتمر الطوال ليكي كم غنيت كم مقال
    داير أسافر فيهو بالنيل بي مريكب عند الأصيل
    داير أشوف شتلة مع العليل زي عروس ترقص في التقيل
    لم يجتهد كثيرا حتى يحرج مقولة (زامر الحي لا يطرب) وكانت أجمل ليالي (الجبل) تلك التي تشهد مقطوعاته وأغنياته ومنتدياته حول الأغنية في بيته الذي لم يفتأ يرهقه الفيضان رغم سور الحجر الذي بناه
    صدّقني ما بنساك مهما الزمن غلاّك
    بيك الفؤاد مجروح يا حبيب الروح
    ذاب وجدا وهو الصوفيّ بحق
    كيفن تسافر تاخد قليبي معاك
    والعين تساهر آه من هواك يا ملاك
    كان يعقد الجلسات للقصائد ويشرف على مواجد الألحان فتتقطر دموعا وحنين وهو بعد يقرأ مع (الختمية) أوراد المولد والبرّاق
    بلقاكي في نخل الضريح مشحونة بالأفراح عقد
    وألقاكي في همسة وداد عد ما النهار حرّ.. وبرد
    يا أنة القلب الجريــــــــــــح في ذمة الصبر النفَد
    كيف حالي أنا الشادّي الجياد قاصد سرابو الراح شرد
    كان مادحا من الدرجة الأولى، صوفيا حتى أخمص قدميه ، يحفظ عن حاج الماحي كل إحساسه بالمديح ويذوب في ألحانه وهو يمسك (بالصحن) ليبكي
    من رقاد الميل ... ( واي أنا)..... وخاشّي دمس الليل ... (واي أنا)
    ويعرض
    أسد الله البضرع ... ينهر في المجمع ... كم عوقا فسراع ... من شوفتو اتفرزع
    كلما أنهكته أيام العاصمة الجديبة ، حمل روحه وسارع الخطا نحو مكتب (الحسينابي) حيث تنتظره طارات المديح فيعود بذلك لليالي الخميس بحوش ود إبراهيم (تور الأراك) ، وخطا الصوفيين التي تطير نحو الله بموجدها وعميق إيمانها ، وطالما استلهم المديح في ألحانه
    اســــــــتنّي روقي وأهدي ما تتســـــرعي
    يا غالية ما تقولي الوداع قلبي الرهيف ما تفجعي
    يا سمحة لو قلتي الوداع لي ناري تاني تولّعي
    يا قمرة راجيك في سماي الليلة بيني واطلعي
    شاهدا كان على ليالي الفيضان الطوال ، وواقفا على جدرانه التي باعت ذكرياتها وماضيها وهي تذوب طينا في هدير الماء المتعاظم ، وشاهدا كان على استشهاد صغار النخل التي قريبا ما أودعها حضن الأرض ، باعت أحلامه شلالات الماء بقلوب الشتول اليابسة وطين جدرانه الذي لم تكد تجفّ ماؤه حتى تشقق حزنا على أيام حفرت عليه الشوق والهيام ، وبدأ يجتهد في إعادة الحياة (لحياتها) الأولى ، جاء رئيسا للنادي الذي استشهدت ذكرياته تحت الهدم ، وبنته أيادي الشباب أروع وأجلد ، كان يبكي آثار الفيضان ويجعل منها دافعه للمقاومة فتماسكت الأراك تنشد الوقوف على رجليها بعد أن أجلسها الماء حينا، وأقعدتها ليالي الجسور عن أعمالها وضنّ على حواشيها الزرع ، ونامت الدمعة على عيون أطفالها، ترثي ميادين لهوهم، ومسارح أفراحهم البريئة.
    خفِّف وتاني عاود زورا يا نيل البلد معذورا
    شتلات سيدي غرقان حوشا لاقت عاولة بي كرموشا
    بين آثارن المنقوشــــة شتلاتن تكابس حورا
    كان سيف فنانا نادرا وهو يغني
    أمرقي تحت ستر ميلك بشيشي بشيشي نوارة
    وقدر ما إتوهنت خيلك تلاقي قلوبنا سيارة
    يا قمرة ضلام ليلك
    زمان الساقية كان أنّت دموع الوردة تتقاطر
    وشفنا الشتلة إتربّت عليها الموية تتدافر
    وتتبخّر شرور ليلك فجر تتلمّ شمارة
    أودع غناءه كل جهده وقدراته فكانت
    الصباح بيجيك وتسبحي في ضياه
    ويمشي ليل الماضي مهما يطول دجاه
    عيشي عيشة الراضي بي قدرو وقضاه
    الزمان لو قاسي ما حيدوم قساه
    والربيع يلقاكي في قمة زهاه
    وزهرو من الفرحة غالبو يلم شفاه
    كان كبيرا في غنائه ، كبيرا في عطائه ، كبيرا في إنسانه ، كان وعدا بجيلٍ متفانٍ معطاء ، جاءني صوته مجروحا برهق الأيام وآلام المرض القاتل والذكريات تفجعني بغنائه ، والقماري تلّح على الحضور حتى في مدينة الشارقة الوسيمة ذات النخل الذي يسمو على الجراحات ، ويباهي نخيل الشمالية بأرصفة المدينة الساحرة وشواهق العمائر التي لا تطالها (نقزات) المآذن كما صوّر (حمِّيد) ، لتعلن بهديلها فيّ ، أغنياتٍ أُخر تزحم حنيني لأيام الجبل ولقاءات الأغاني ، وسيف الدين يجلس في صالونه الجديد الفارغ إلا من الطنبور وآذان المحبين وقلوبهم والنسمات التي تصافح الوجوه بطيبها ، يغني
    قلبي نزف دم عزلتو وخلاص شيعت الأماني
    وليه كاسا صدّاً شربتو يتجدد طعمو تاني
    معاكم عمرا سفكتو عليهو أكيد كت جاني
    وعفيتلك صبرا صبرتو وعذاب دمعاتو التماني
    وأخاف الليل السهرتو يبوح بالسر الطواني
    وأبيّت فوق ليل سترتو وأباكي الفجر الأباني
    يرقد الآن ، تخترقه ليالي المرض ، وتوحشه زمانات الغناء الأخضر ، يتوسّد يديه ويطالع صفحات ماضيه الفنان ، تنزل دمعاته على صفحة وسادته أغنيةً أغنية
    يا حليل فتحة كتابك يوم نضوي النار نذاكر
    انت في ريعان شبابك دخري لي دنيايا باكر
    وتسبح أحلامه غيمةً غيمة ، كان سيف الدين لمّاحا وهو يتعامل مع المفردات، حريصا على الخروج من ثوب الحبيبة والحرمان الذي ظل يتلبّسه غناء (الشايقية) إلى عوالم أخرى تنضح بالروح ، والوعي ، وجديد المعاني.
    أجري يشرد خاطري واتذكر صبايا
    ساعتي أنا التاهمني كسرت المحايا
    جيت كايس شيخنا غردان في الحماية
    الدموع تتجارى والحيران ورايا
    جيتو اطرى اعذاري ما كانت كفاية
    الا برضو عفاني حنّ عشان بكايا
    يرقد على أغنياته وماضي ألحانه ، حوله يلتفّ معجبوه زادا على الآلام والوحدة ، ودافعا لجديد الصمود وقديم الإبداع تتساقط ذكرياته بيتا بيتا
    يا معالم باقية في تمر الحبيب
    في الخيال ذكراها أبدا ما بتغيب
    يحادث بلاده بحروف عميقة ، ويطالعها من خلال أوتار طنبوره تخطر على سماوات العلو والرفعة
    أمونة ماني غريب إلا البلد غربة
    زي شافعا مع الأيام في حضنك اتربّى
    كيف تسلب الأعوام ماضيه من شبّ
    لا يملك من دنياه غير أغنياته ، وألحانه ، وتاريخ إبداعه الطويل ، يتكئ على عناية الله وتحفّه دعوات وابتهالات الصوفيين الذين يتناثرون من غنائه والمعاني الجميلة والعميقة التي تحفر بعيدا في جسد الأمة ونبض النيل الذي يخفق أغنياتٍ وأغنيات
    أوصفلك قواسيبنا ؟
    ..........................
    أمرقي وسط رواكيبك
    يلاقنّك بقر ُنفّس
    تخلِّيهن
    وبعد إنقاية إنقايتين تشوفي البتِّق الفيهن
    تبن شيخنا الشفيع يي داك
    محل رايات وهوابين
    محل نتلاقى نتقالد هنا القيساب
    يبين أتر الغبش ديداب
    هنا القيساب
    تفيض وتعم مناسيبك
    حاصرته المعاني وهو يقرأ مع عنترة (هل غادر الشعراء من متردّم) فأجتهد يلوّن أغانيه بمعانٍ جديدة
    دسّيني دسّيني شوق العمر غلاّب
    والريح مباريني دسّيني في الأهداب
    سرج العشق بالطول مع اني كت ركّاب
    كم مرة راميني دسّيني في الأهداب
    لو لحظة يا وادي من غيمك الكضّاب
    تتحدّ ترويني دسّيني في الأهداب
    جاييك من ماضي الخلوة والكُتّاب
    والشيخ مزازيني دسّيني في الأهداب
    حبّ الندى المشتول فوق وردة في الديداب
    خفّف موازيني دسّيني في الأهداب
    وهاهو الآن يغمض عينيه ويتأمل في زمان جديد يعيد ترتيب أوراقه ، ويمنحه قدرة السمو على الآلام ليعود نابضا بالشوق والمعرفة وأصيل النشيد ، يغض الطرف عن بيت شعرٍ غنّاه ، ويخشى أن يعيشه
    لي كنين في الكير تفتش وإنت فتّها في المخادة

    يظل سيف وهو ينازع المرض رمزا لأيام المواويل الخضراء وأشجان المحبين العِظام ، وأشواق الصوفيين الوجدى ، يتطلع إلى سقف غرفته ، دامعا يستعيد شريط أيامه ، أشجانه ، أغانيه ، وكل أحلامه ، وهو يهوِّم مع ابن زيدون أو ابن عربي لا فرق
    أخذت ثلث الهوى غصبا ولي ثلث وللمحبّين فيما بينهم ثلث
    تالله لو حلف العشّاق أنهم موتى من الوجد يوم البين ما حنثوا
    ترى المحبّين صرعى في عِراصِهِمُ كفتية الكهف ما يدرون ما لبثوا


    أسامة معاوية الطيب
    7360105/050
                  

09-01-2004, 08:14 AM

أسامة معاوية الطيب
<aأسامة معاوية الطيب
تاريخ التسجيل: 12-13-2003
مجموع المشاركات: 529

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سيف الأراك ..ما أشهرته الأيام لن تغمده الليالي ( في ذكرى رحيله ) (Re: أسامة معاوية الطيب)

    سيف .. ما أشهرته الأيام لن تغمده الليالي 2
    في ذكرى رحيل فنان الطنبور سيف الأراك
    كان يجلس على عنقريبه الصغير ، الحوش متدحرج يكاد ينكفئ على الطريق العامة ، ينام على بقية هضبة لم تسعها ذاكرة تضاريس جغرافيا الكتب المدرسية ، فقط لأنها لا تداري أو تفضح أي بئرٍ للبترول ولا حتى لماءٍ فقط على درجة ملوحة معقولة ، لأن المنطقة كانت تشتهر ( بالموية المُرَّة ) ، أعلم أن بئر (عثمان) لن ترضى عني ولا (بير ناس الطيب )، ولكنهما كانتا كذلك ، أما في الغسيل فتقول الأمهات عنهما أنهما ترغيّان الصابون سريع ( كان الصابون أصلب من حجارة الجبل أيامها.. كانوا يقولون لوح صابون ) لا يستر الجدار شيئاً ولكنه لا يعرف الفضيحة في بلادٍ أغرقت أهلها بالسترة وأغرقوها بالحبِّ وهي لم تزل تفتأ صعبة ، يجلس على عنقريبه تسكنه ابتسامته الصغيرة الحميمة ترهَف أغنياته حد الذوبان ليس أرهف منها سوى (عرّاقيه) القديم غائب اللون والذاكرة ، يغني ومن فوق ( راس الحيطة ) يطل النخل والشتل وصبر الأهالي الطال وتسري نسمة الطريق المروية برائحة البرسيم وزرائب الأبقار ولبن المغارب وعرق الترابلة ، وونسات الأماسي على الرمل وبعض (خطاوي) تساسق بالدرب الفوق تكثر التلفت يلفُّها السكون العظيم فقط يفضحها صوت (السفنجة) المتواطئ ، وهمهمات الصبية يلعبون (الرمة والحرّاس ) كلهم يحاول أن يكون الحرّاس ويسلمهم الزمان لمسكنة الرمة بعد أن ايبس ضلوعهم بسكر التموين (المافي) ورخّص سعر البلح في مواسم حصادهم الوفيرة حتى خشوا من مشوار كريمة الخاسر فمزجوه بالماء والخميرة وغابوا عن الأمل ، كان يغيب عن داره كثيراً وحين يعود تعود أزمانه كلها لتتحد في المكان حتى لكأنها تراجع أيام غيابه وتعيد حياتها ثانيةً ثانية ، والجبل ، هذه القرية الناعسة ، لا تعرف من نوم الحياة إلا طنبور سيف وهو لا يضنّ عليها بالغمدة ، يظل يشدو وهي تنكع وتدمع من فرحٍ سرّب الدفء لعيون الرجال فمضى (حسين عابدين) يرقص بالعكاز دامعاً وتبسَّم (الجاسر) مهتزاً من فرحٍ يكاد يخترق وقاره و أقبلت (بتول والحجرة) تنادمان الحبّ بالرقص وتخلقان الوجد من همس الغناء وضجيجه وكان ( نارو ) حالةً أخرى من حالات الهيام يغمض عينيه ويرقص على أطراف إحساسه ينهك جلبابه الأصفر ورجليه الرقيقتين ولكنه يظل متقداً بحبٍ عنيف لسيف ولغنائه والأطفال تحت الأرجل يبحثون عن فرصةٍ يبشِّرون فيها بعيداً عن العِصي والصراخ ، يتدربون على الغناء بالغناء ويحرصون على السمع بانتباهٍ لا يخفى على ليالي الجمعة التي يتوعّدهم فيها السبت وهو يلوّح بكل جداول الضرب وتسميع الأناشيد وألسنة الأساتذة اللاذعة. ومضى سيف يغني .. كان الجبل يغرق في ألحانه وكان النخل يستلف من غنائه الماء ليقابل مواسم الجفاف التي أسلمت جريده لصفرةٍ قاتلة والنيل يهرب من تحت قدميه ومن بين آماله الكبيرة وهو يحضن أعشاش القمري الحنين ، والليل يرهف السمع (قلبي نزف دم عُزلْتُو وخلاص شيّعت الأماني .. وليه كاساً صداً شربتو يتجدد طعمو تاني …… خسارة زرعاً زرعتو وسقيتو رحيق الأغاني .. وقدر ما تطعن زهرتو تحتُّو رياح المعاني ) وهاهو الجبل الآن تتجدد بداخله أحزان الدنيا والعالمين وكأنه فقد الناس جميعاً ، وهل الفنان إلا الناس كلهم يولدون تحت أسلاكه وهو ينقرش الطنبور ، يمشون على أوتاره ومقطوعاته الرائعة ويتسامرون بين أبيات أغانيه بينهم المنضدة الصغيرة تكبر ألف مرة وهي تحمل صحن (الفطير باللبن) وتحلُّ محل الطبل بإيقاعٍ أنيق وينامون وهم يقاسمونه كومة الآهات و(قواسيب) الأنين .. مضوا ينتحبون
    لمتين نتجارى على الأيام لهفة وأشواق
    وما يسكن جوفنا بلا الحسرة
    وتتشعبط فينا ليالي الفاق
    والوجعة تقِّيل في الغنوات ، والقلم اشكدي على الأوراق
    وعارف يا سيف
    مع انك رحت في غمدة عين ، لكنك ساكن في الأعماق
    بدأ حياته الغنائية يغني لأصحابه على مضارب الطريق المخنوقة بحجارة الجبل والتفاف النيل ، تقرِّب المسافة بين المنازل وحواشات الزرع وتقارب اكثر بين أهلها يتقابلون كثيرا ويصيحون من أقصى أطراف جزيرة أم سيوف إلى أقصى منازلهم ، يكاد الصياح يطبع القرية باللون والروح ، والعمدة يفترش الصالة المطلة على أعين المارة تنام وتصحو على أخبار وحوادث القرية والمنطقة والعالم من وجهة نظرٍ كاملة الخصوصية والبساطة ، كان سيف واحداً من كثيرين أحبوا النعام أدم وتشكلوا على أنغامه وبدأ الغناء بألحانه ورددها طويلاً وعشق الرواويس الذين علَّموا الطنبور ما لم يعلم وعلَّمهم الطنبور أصول الحياة فذابوا بين رحلات المراكب وأسفار القلوب الهائمة يكتبون على أسطر الماء حروفاً لا يمحها الموج والتيار وتصبغ الجروف بورود اللوبيا الخضراء وروائح ( البليلة ) الشهية يبيعون أزيار المحس ويشترون أذواق المحبين من الرجال وأحلام الصبايا العاشقات ، وعندما غنّى سيف أوائل أغنياته الخاصة كان لابد له أن يغني ( الجروف والتمر الطوال ليكي كم غنيت كم مقال .. داير أسافر فيهو بالنيل بي مريكب عند الأصيل .. داير أشوف شتلة مع العليل زي عروس ترقص في التقيل ) كان للصور أن تحضر في عالمه وهو يهوّم مع أسلاكه ، يوقد ذاته فوانيس من الوعد في ليالي الأراك شديدة الظلمة كأنها تستعجل الصباح أو كأنها تنام في ديمومة السكون تخشى الصحو ، يرهق قلبها الطنبور في يديه بالغناء فتفيض مجالساً وونسات ، وتحلّق مع النسمة الهادئة أنغاماً ( يا حليل فتحة كتابك يوم نضوي النار نذاكر .. انت في ريعان شبابك دخري لي دنيايا باكر ) وللنسيم أيامها رسائل لا تخطئ المحبوب وهو يتقلَّب على جمر دمعه يرقد على ساعده – في زمن اللا مخدات – تنقِّز فيها ألياف الحبال القاسية وهو يسرح ( ساعة الضفاف بالفرحة تبسم للغروب .. والنيل بعد يتحدى يستغفر يتوب .. جوف كل دارة السكر الجوّا اليدوب .. داك الوتر والدايرو فينا ينفّذوا .. أدوني رايكم في بلادي وقولوا ما تتحيزوا ) رسم لوطنه خرطةً جديدة تمتد على معانٍ بالغة الرقة والجدة والأمل الذي يصل درجة التطرف حين ينشده ( أمونة ماني غريب إلا البلد غربة .. زي شافعاً مع الأيام في حضنك اتربّى .. كيف تسلب الأعوام ماضيه من شبّ) ويوصف لنا الوطن الذي ينتظره على محطات الأغاني ( أوصفلك قواسيبنا .. امرقي وسط رواكيبك يلاقنك بقر نفَّس تخلّيهن.. وبعد إنقاية إنقايتين تشوفي البتِّق الفيهن .. تِبِن شيخنا الشفيع ايداك .. محل رايات وهوّابين .. محل نتلاقى نتقالد هنا القيساب .. يبين اتر الغبش ديداب .. هنا القيساب ) ويشير إلى حيث ننتظر الوطن جميعاً ولكنا نغرق في دوامة (الدخول والخروج) من أجل الوطن – كما يبرّر الساسة - الذي يتمزق من أجلنا ويمزق فواتير الحلم بعد أن أنهكته فواتير الصبر .. ومضى سيف يباشر مشروعه الغنائي الجاد ونحن ننهكه بآذان مثقوبة كثرة ما ملأها الغلب و ( الغنا المائل ) وكثرة ما حلمت بنشيد جديد في زمانٍ قديمٍ .. قديمٍ .. قديم ، أرهقه الحلم درجة المرض وأنهكه المرض درجة الموت وأنهكه الموت درجة هذه الذكرى الحارقة ، تتسرّب من بين أيدينا السنين ولازالت أغنياته تنزف ( دسِّيني دسِّيني شوق العمر غلاّب والريح مزازيني دسِّيني في الأهداب .. لو لحظة يا وادي من غيمك الكضّاب تتحدى ترويني .. دسِّيني في الأهداب ) ونحن فقط نطالع من بين طشاش الدمع ونغني
    والشدر القبلك متصبّر محّنتو صبر وضويتلو صباح
    وشطّفتو نسايم غنواتك ونسّيتو زمانو الكتّاح
    وعلمت عصافيرو تغني وكيف صبّت مطر الأفراح
    وآمنبك وراح
    يدعوبك ضد الأتراح
    في دار الأرقم ويتعلم كيف يبقى صحابي ويرتاح
    من قسوة دهرو اللفّاح
    وياك انت رسولو صحيح
    وأنا سامع صوتك بتغني
    في السما غنواتك ضد الغم والشقا والهم والزمن القيح
    وأنا شايفك لابس إحرامك في كعبة عشقك لي مغناك
    وطايف والهوى قدّامك وبي وراك
    ومليان تبريح
    ونمضي لنملأ كؤوساً أخرى من الفقد ونشربها على مهل الوجع وعلى كيف الألم فينا ندفن رؤوسنا في رمل الصبر ونتعزى بقِدم الدنيا .. آه ..( دنيا قديمة من ضحكاتا لي بكياتا .. مطمورة الأسى النازفات أسف غنواتا .. يات قلباً جبل ما بيحملن دكماتا .. لكن الصبر قادر على عوجاتا ) هكذا نحن .. نندسُّ خلف الصبر .. يندسُّ خلف السنين .. تندسُّ خلف القدر .. يندسُّ خلف باب الكون الموارب على الغيب .. وعنده سدرة مُنتهانا .. فقط الذكرى للبكاء .. والبكاء للعجز .. والعجز لمواويل المناحات الكسيرة .. إذن يا سيف أعذرنا فقدناك حتى فقدنا القدرة على الصمت وضيّعنا الكلام .. وذكرناك حتى جفّت الحروف من المعاني وخجلت الذاكرة ، فأمض لا تكترث لنا .. نحن الموتى يا صاحبي في زمانٍ تموت فيه أنت ويعيش الصغار ، ونقرأ في مانشيتات الصحف أن الخرطوم عاصمةً للثقافة في 2005 وهي التي أوقدت الموت فينا.
    طوال سنين الخلق كان الموت خافتاً .. الخرطوم فقط من أوقده منذ عقدٍ ونصف ..كنا نهزأ بصفوف الرغيف حين الأزمات المصنوعة.. نهرب من عجزنا ونردد ( ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان) .. الآن نتزاحم صفوف الموت .. فما عسانا نردد .. تداخلت علينا المعاني يا صديقي .. أمض وأعلم أن الذي ينشد الحياة لابد وأن يموت .. وإلا لماذا فارقنا العميري ومحمد عبد الحي وعلي المك ومصطفى وكثيرون غيرهم .. أولم ( يفوتوا قنعانين من خيراً فينا) كما بكى أزهري محمد علي؟ الخرطوم الآن .. آهٍ عليها .. الخرطوم الآن قبرٌ كبير وكلنا شاهدٌ عليه.
    أسامة معاوية الطيب
                  

09-04-2004, 11:44 AM

riad atta

تاريخ التسجيل: 08-28-2004
مجموع المشاركات: 43

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سيف الأراك ..ما أشهرته الأيام لن تغمده الليالي ( في ذكرى رحيله ) (Re: أسامة معاوية الطيب)

    ياأسامة ياأخي (لمــــــــــــاذا) ؟



    لماذا كل هذه الكلمات والعبارات التي ترهق الذهن؟ لماذا كل هذه الآلام التي تمزق الجسد؟ وكأنها (جلمود صخر حطه السيل من عل) ولم يجد أمامه سوى صدرونا المفعمة حزنا بفراق عزيز ، ليقف جاسما عليها .

    اطلعت سابقا على الموضوع من أوله ، تذكرت فراقه فتالمت ، بكيت من غير دموع .... صمت .. ولم أشأ أن أوحى بذلك ، حاولت ان اخفي ولكنك لم تترك لي مجالا . وعدتك بأن أكتب لك ما يخفف وطاة الذكريات الأليمة من طرائف هذا هذه الشخصية الفذة ولكنك لم تنتظر . شعرت بأنك متألم من ان الخرطوم ستكون عاصمة الثقافة 2005 وكأنك تأخذ عليها مأخذا !! أرجو أن لا تقارن بين الخرطوم وما يجري فيها فهي مقلوبة على أمرها .

    أشعر بما يجيش في خاطرك واجد لك العزر . فكيف لا وأنت من لحقته سياط المبرحين في الضرب ): فزغرد لسيف قدود وهو حيا وزرف الدمع عليه بعد أن مات .


    لا أود أن أطيل ولكني أود القول (ألا رحم الله (سيف قدقود) بقدر ما قدمه من اغنيات واعمال خير ويزيد) مع دعائي الخالص للوالدة (أم الخير) بأن يلهما الله الصبر وهي ترى (السيف) كل ما أغمضت عينا أعانها على لوعة الفراق . واعانك الله أخي سامي على المسؤليات الجسام التي تحملتها من أجل أهلنا في القرية .

    لك التحية وكل الود
    سأحاول بقدر المستطاع الكتابة عن الجبل (وسيف قدقود) خلال يومين أرجو أن تطلع عليه وأضافته لتاريخ هذا الشخص الجميل بكل المعاني ز



    أبو منى
                  

09-13-2004, 12:10 PM

sadda

تاريخ التسجيل: 02-17-2002
مجموع المشاركات: 287

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سيف الأراك ..ما أشهرته الأيام لن تغمده الليالي ( في ذكرى رحيله ) (Re: riad atta)

    ياسلاااااااااااااااااام
    لما تحكي يا اسامة
    سيف احببته من سطورك افقده مثلك الان
    مليون سيف غيره يلهمه الحزن والارض يباب
    لماذا لا تحفظ ذاكرة الوطن مثل سيف ؟؟ او حتي يس عبد العظيم
    صداح
                  

09-13-2004, 12:23 PM

osly2
<aosly2
تاريخ التسجيل: 10-17-2002
مجموع المشاركات: 3541

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سيف الأراك ..ما أشهرته الأيام لن تغمده الليالي ( في ذكرى رحيله ) (Re: sadda)

    والشدر القبلك متصبّر محّنتو صبر وضويتلو صباح
    وشطّفتو نسايم غنواتك ونسّيتو زمانو الكتّاح
    وعلمت عصافيرو تغني وكيف صبّت مطر الأفراح
    وآمنبك وراح
    يدعوبك ضد الأتراح
    في دار الأرقم ويتعلم كيف يبقى صحابي ويرتاح
    من قسوة دهرو اللفّاح


    رحم الله سيف الاراك بقدر ما زرع فى وجداننا من جمال
                  

09-22-2004, 01:27 PM

أسامة معاوية الطيب
<aأسامة معاوية الطيب
تاريخ التسجيل: 12-13-2003
مجموع المشاركات: 529

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سيف الأراك ..ما أشهرته الأيام لن تغمده الليالي ( في ذكرى رحيله ) (Re: osly2)

    اوسلي
    تحياتي يا صديق
    هذا المقطع من مرثية طويلة للراحل سيف الاراك ( الدموع ملاية سراير الوجعة ) ساعمل علي ارسالها لك كاملة
    شكرا لمرورك الحزين
                  

09-22-2004, 01:23 PM

أسامة معاوية الطيب
<aأسامة معاوية الطيب
تاريخ التسجيل: 12-13-2003
مجموع المشاركات: 529

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سيف الأراك ..ما أشهرته الأيام لن تغمده الليالي ( في ذكرى رحيله ) (Re: sadda)

    صداح
    ازيك
    هل تري معي لذاكرة السودان هذه وهي تطأ احلامنا بحذاء السياسة التافهة؟
    ليتك كنت تصاحب سيف مثلي اذن كانت ستبرق علي عينيك الف نجمة ونجمة
    وكنت ستشعر ان الارض ترحل من تحت رجليك
    يا للحزن
                  

09-22-2004, 01:16 PM

أسامة معاوية الطيب
<aأسامة معاوية الطيب
تاريخ التسجيل: 12-13-2003
مجموع المشاركات: 529

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سيف الأراك ..ما أشهرته الأيام لن تغمده الليالي ( في ذكرى رحيله ) (Re: riad atta)

    Quote: ياأسامة ياأخي (لمــــــــــــاذا) ؟

    هذا السيف يا رضا يزرع بيني وبينه حقولا من قرب وحياة رغم نومته هذه
    هذا السيف يجد في دمي كل ليالي العمر التي نزفها ومضي
    هذا السيف يخترق ثباتي بذهابه
    يا رضا هذا السيف بعض دمي وشعري وحروفي وانا والله ابكيه كل لحظة
    انا لله وانا اليه راجعون
                  

09-13-2004, 10:14 PM

الجندرية
<aالجندرية
تاريخ التسجيل: 10-02-2002
مجموع المشاركات: 9450

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سيف الأراك ..ما أشهرته الأيام لن تغمده الليالي ( في ذكرى رحيله ) (Re: أسامة معاوية الطيب)

    ***
                  

09-22-2004, 01:37 PM

أسامة معاوية الطيب
<aأسامة معاوية الطيب
تاريخ التسجيل: 12-13-2003
مجموع المشاركات: 529

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سيف الأراك ..ما أشهرته الأيام لن تغمده الليالي ( في ذكرى رحيله ) (Re: الجندرية)

    اماني
    شكرا لنجماتك الثلاثة
    النجوم التي كانت تضيء لغنائه
    دعينا نحاول ان نضيئها علي ذاكرة منهكة تبحث عن طريق لمداره الخيالي
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de