الأستاذ خالد الحاج عبد المحمود يرد على السيد ابوبكر القاضي - الجزء الثالث

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-24-2024, 05:30 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-18-2004, 07:58 PM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الأستاذ خالد الحاج عبد المحمود يرد على السيد ابوبكر القاضي - الجزء الثالث


    بسم الله الرحمن الرحيم
    (وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان)
    صدق الله العظيم

    السيد .. أبو بكر القاضي
    خلل الميزان ..



    لا زلنا بصدد منهج السيد القاضي في الفكر، والنقد .. فنحن هنا نريد أن نرى الميزان، الذي يزن به القاضي، الأفكار، والقيم والمبادئ، والرجال، وسنرى أن هذا الميزان يقوم، ككل منهجه، على خلل أساسي.
    ونحب أن ندخل على الموضوع بعرض قضية أساسية، وهامة، في الفكرة الجمهورية، وهي قضية حكم الوقت .. ففي الفكرة، الحق والباطل، أمور نسبية، ومحكومة بوقتها... ففي الإسلام أصول القرآن هي مطلوب الدين بالأصالة، وهي التي بها تتحقق إنسانية الإنسان، ولكن الظروف التاريخية في القرن السابع، لم تكن تسمح بتطبيق هذه الأصول، فنسخت في حق الأمة، ولم يعشها إلا النبي صلى الله عليه وسلم، في خاصة نفسه، وتم النزول، بالنسبة للأمة، إلي فروع القرآن، التي قام عليها التشريع، وهو تشريع في حق الجماعة، يقوم في مجمله على الوصاية .. وصاية الرجال على النساء.. ووصاية الرجال على بعضهم.. وقد كان ذلك هو افضل وضع، لم يكن غيره ممكنا.. فالقيم والقوانين لابد أن ترتبط بالواقع.. فالديمقراطية مثلاً، لم يكن من الممكن أن تجئ قبل الدكتاتورية، تاريخياً، ولا الإشتراكية قبل الرأسمالية .. فكل أمر لا يمكن أن يطبق إلا في وقته.. يقول إبن عطاء الله السكندري .. (ما ترك من الجهل شيئاً من أراد، أن يُظهر في الوقت خلاف ما أظهره الله فيه) .. هذه الظاهرة يقابلها في الدين، في الفكر والسلوك، ما يسمى (أدب الوقت)، وهو معرفة إرادة الله، ومرضاته، في الوقت المعين، والتأدب معه تعالى، بإلتزام حكم الوقت .. هذه الظاهرة تسمى في الثقافة العامة، النظرة التاريخية، وهي في الدين أوكد وأعمق.
    والدعوة الجمهورية، هي دعوة لبعث السنة، أصول القرآن، لأن البشرية، إستعدت لها بالطاقة بها، والحاجة إليها.. ولذلك في عموم الحال هذا وقت تطبيق الاصول، والتي تقوم في تنظيم المجتمع على الحكم الدستوري، والنظام الديمقراطي الاشتراكي، ورفع الوصاية عموماً، وإقامة المساواة، عموماً بين الرجال والنساء وبين الرجال والرجال، وقد فصّلت الدعوة في ذلك تفصيلاً كثيراً.
    الاستعداد العام هذا، ليس متساوياً في كل الأماكن وفي نفس المستوى .. ولذلك كل حالة تعامل حسب مستواها، حسب حكم وقتها، ولكن الأصل هو ما ذكرنا.
    وفق هذه الرؤية، يقدم الجمهوريون، حلولاً للمشاكل العملية تقع في مستويين، حل عاجل، حسب حكم الوقت، والظروف المعينة المحيطة بالقضية، وحل آجل، هو الحل الحضاري الجذري، والذي يقوم على أصول القرآن .. هذا ما فعلته الدعوة بالنسبة لمشكلة الشرق الأوسط، وبالنسبة لمشكلة الجنوب، مثلاً.. في كلا المشكلتين كان الحل العاجل، هو أنضج وأكمل من الحلول التي يقدمها الآخرون .. وفي كلا الحالتين، ومهما طال الزمن، لابد من الرجوع إلي الحل الذي قدمه الجمهوريون كحل عاجل .. والثابت دائماً في هذه الحلول هو السلام.
    والسيد القاضي يريد أن ينتقد الفكرة، لاسباب عنده، وهو يعلم تماماً، أنه لا مجال لنقد الدعوة في اصولها نقداً موضوعياً .. فهدته الأمارة إلي حيلة، زينتها له، وأوهمته أنها حيلة ماكرة، فلجأ إليها .. هذه الحيلة هي بدل مناقشة الفكرة في أصولها مناقشة موضوعية، عليه أن يلجأ، إلي المواقف، والاقوال، المرتبطة بالمشاكل والأحداث المرحلية، وتقديمها على إعتبار أنها، تمثل رأى الجمهوريين وموقفهم النهائي!! وحتى هذه، هو لا يدخل في تفاصيلها، وإلا ظهر خطل الحيلة...
    فهو يقرر أن الفكرة الجمهورية، تقوم على الدكتاتورية، وإقصاء الآخر، والعنف!! ولأن المفارقة هائلة، والصورة معكوسة تماماً، يلجأ الي تدعيم موقفه، بحيل اخرى ساذجة وهذا ما سنراه.
    لجأ السيد القاضي، الى موقف الجمهوريين من ثورة يوليو المصرية، عند قيامها، وثورة مايو السودانية..
    فموقف الجمهوريين من مايو موقف واضح، ومبدئي، ولا علاقة له برجال السلطة أنفسهم، فالأستاذ محمود لم يجتمع بنميري، إطلاقاً ولم يره، كما يلاحظ القاضي نفسه .. فالجمهوريون كانوا يرون في نظام مايو، أنه نظام جاء في ساعة الصفر لتفويت مؤامرة الدستور الاسلامي المزيف، الذي كان يوشك أن يجاز.. وقد كان الجمهوريون، يرون أن مشكلة الحكم الأساسية في السودان هي إستغلال الدين لأغراض السياسة، وهي حتى الآن لا تزال المشكلة الأساسية، ومن هنا جاء التأييد لمايو كنظام مرحلي.. ومنذ الإجتماع لتقويم الإنقلاب، الذي تقرر فيه التأييد، تقررت فيه المعارضة، في وقتها، وقد قال الأستاذ محمود، وقتها(نظام مايو سينحرف عن مساره، ووقتها سنعلَم الناس، كيف تكون المعارضة).. وهذا ما حدث فعلاً .. فالخيار لم يكن بين مايو والديمقراطية.. وإنما بين مايو والدستور الإسلامي المزيف..ومهما كانت مساوئ النظام المدني، فإن مقاومته، وإسقاطه، أسهل من مقاومة نظام يستغل الدين، مع شعب يحب الدين.. فالإرهاب بإسم الدين، إرهاب خطير، فيه تُصور معارضة النظام كمعارضة للإسلام، ويسهل فيه إستغلال عاطفة الشعب.
    أما ثورة يوليو المصرية 1952م، فعندما قامت، كتب الأستاذ محمود خطاباً للواء محمد نجيب، ينصحه فيه.. وثورة يوليو نظام دكتاتوري، ولكنه كان أفضل من النظام الملكي الوراثي القائم في مصر، منذ عهد محمد علي.. ولم يكن الشعب المصري آنذاك قد تهيأ للنظام الديمقراطي.. على هذين الموقفين خرَّج السيد القاضي تخريجاته، التي سنراها.
    يقول القاضي: (العقلية الجمهورية تسيطر عليها منذ الخمسينات في القرن الماضي ثقافة (المستبد العادل)، وفي ذلك الوقت، نصح الأستاذ محمود اللواء محمد نجيب قائد ثورة 23 يوليو – فيما معناه – بأن يحزم الأمور ولا يخاف من أن يكون أو يقال عليه المستبد العادل، فمع كامل إحترامنا للأستاذ الشهيد الرمز إلا أنني أري مع وجود (الإستبداد) تصبح كلمة عدل زائدة وملغية، إذ لا عدل مع الاستبداد) أولاً للنناقش مايبدو موضوعياً من القضية.. فالعدل أمر نسبي ولا يوجد عدل مطلق، وكذلك الإستبداد .. ويمكن أن يكون هنالك مستبد عادل نسبياً، بالنسبة لغيره من المستبدين.. فمعظم الحكام في التاريخ لم يكونوا ديمقراطيين، ولكنهم، لم يكونوا في مستوي واحد من العدل والظلم.. فنظام عمر بن عبد العزيز مثلاً لم يكن نظاماً ديمقراطياً، ولكنه كان عادلاً، نسبياً، وعلي الأقل كان أقل إستبداداً من غيره.. وقد عارض الاستاذ محمود فيما بعد النظام المصري، كما عارض نظام نميري بالصورة المشهودة، وكما وعد منذ بداية قيام الانقلاب.. ولكن القاضي لأمرٍ في نفسه، لا يعير ذلك إهتماماً، رغم أنه يقول عن الاستاذ الشهيد .. فنظام نجيب أصلاً نظام دكتاتوري، ولا مجال لخلاف ذلك، فلأن يقال له إهتم بالإصلاح، ولا تهتم بأنك دكتاتور، هذا يجعل "العقلية الجمهورية تسيطر عليها منذ خمسينات القرن الماضي ثقافة المستبد المستنير"!! هذا منطق معوج، واستدلال متهافت .. وقد بالغ القاضي في التخريجات في الموقف من مايو، وعندما وجد أن الجمهوريين يدعون للحوار والمنابر الحرة، لكل الأحزاب والتنظيمات، وهذا يفسد عليه تخريجاته، ذهب يطفف من هذا الأمر، بنفس الصورة، التي طفف فيها مبدأ (الطاعة بفكر والمعصية بفكر).. ونحن في إطار الرد على إفتراءات القاضي نرد على الموقف من مايو بما يلي: ..
    (1) أيد الجمهوريون نظام مايو كنظام مرحلي، للإعتبارات التي ذكرناها .. ومايو بالطبع لا تمثل رأيهم فرأيهم معروف.
    (2) قال الجمهوريون لنظام مايو، كتابة، في كتاب وزع على الشعب أنه نظام مرحلي، ومما جاء في ذلك (اننا نرى أن "ثورة مايو" مهما قيل عن حسناتها، ومهما عددنا من انجازاتها، هي حركة مرحلية، نرجو أن يخرج الشعب، بفضل الله، ثم بفضل انجازاتها في محاربة الطائفية، وفساد الإدارة الأهلية، وما تبعها من انجازات الوحدة الوطنية بالجنوب، وتعمير البلاد بحركة التنمية، نرجو أن يخرج الشعب بعد كل اولئك الى رحاب الديمقراطية الواسعة فينخرط "رجال مايو" مع الشعب في وحدة وطنية شاملة، بعد ان أدوا دورهم في المرحلة ..) "ومهما قيل عن نظام مايو فهو نظام مرحلي".
    (3) رفض الجمهوريون المشاركة في النظام، في حين أيدت الاحزاب الأخرى وشاركت، ولم تكن تملك الرؤية المبدئية التي كانت للجمهوريين.
    (4) بعد سجن الأستاذ، في الحركة الوطنية ضد الانجليز، لم يتعرض الأستاذ والجمهوريين والجمهوريات للاعتقال والسجن، وبأعداد كبيرة ولفترات طويلة، إلا في عهد مايو، ولنفس الاسباب التي سجن بها الجمهوريون في الحركة الوطنية.
    (5) دعا الجمهويون للمنابر الحرة لكل الأحزاب، وجاء ذلك من خلال كتب وزعت على الشعب، وهذا ما حاول القاضي أن يطففه، وينقل النصوص بصورته المبتسرة، ويتجنب عن عمد النصوص الواضحة، فقد جاء في هذا الصدد مثلاً: "إن أحزابنا السياسية لم تكن أحزاباً مذهبية وانما كانت أحزاباً طائفية، والمصالحة الوطنية اليوم، وعلى ما اقترحنا من ميثاق لها، إنما تفتح الطريق أمام حياة سياسية جديدة، يكون فيها مطلوباً إلي كل تكتل طائفي أو عقيدي، إبراز مذهبية والدعوة إليها.. وهذا تحد كبير لم تشهده أحزابنا من قبل .. فلم يكن العيب هو عيب الحزبية، وإنما كان العيب أن تقوم أحزابنا على الطائفية، واليوم لابد من قيام التنظيمات الفكرية لتكون نواة لأحزاب سياسية ذات مذهبيات فكرية وممارسات ديمقراطية، تلتزم قمتها وقاعدتها بها، حتى تتم تحت ظلها التوعية الشعبية التامة، فيصبح الشعب أهلاً لتسلم السلطة وممارستها، عن جدارة، وكفاءة، واقتدار".. أليست هذه دعوة واضحة وصريحة للمنابر الحرة، ولأن يستلم الشعب السلطة، وهو شعب واعي، فيمارس ديمقراطية حقيقية.. والنصوص في ذلك عديدة، ولكن عين القاضي لن تستطيع رؤيتها، لأنها لا تبحث عن الحق، وإنما تبحث عن أشياء معينة تلوي بها عنق المواقف والنصوص، ولكي يكون الموقف، كما تريده هي، لا كما هو في الواقع!! يقول القاضي في نقد فكرة المنابر الحرة .. (ورغم أن شعار الحزب الجمهوري هو "الحرية لنا ولسوانا" إلا أنه، لدي الممارسة الفعلية أثبت أنه لا يختلف عن الأخوان المسلمين وأنصار السنة من حيث عدم الاعتراف بالآخر المسلم وغير المسلم، ولا يعترف بالتحول الديمقراطي القائم على الممارسة الحزبية)!! هل يوجد تجني أكثر من هذا التجني؟ .. رغم كل تراث الفكرة الضخم في مجال الديمقراطية والحرية، ورغم الممارسة الطويلة، والمشهودة من كل الشعب السوداني، لا يتردد القاضي أن يقول مثل هذا القول - ارجع فقط للنص أعلاه، فهو يكفي في الرد علي إفتراءاتك هذه.
    يقول القاضي، عن المنابر الحرة (والمنابر الحرة التي دعا إليها الجمهوريون في هذا الكتاب، ليست منابر مثل التجربة المصرية التي أدت الي بروز الأحزاب القديمة، وتسللها الي داخل الاتحاد الإشتراكي، وإنما هي منابر مفصلة على مقاس نشاط الجمهوريين، منابر فكرية نقاشية فقط لا حزبية)!! هل يمكن أن يوجد إلتواء أكثر من هذا!؟.
    أرجع للنص أعلاه: (واليوم، فلابد من قيام التنظيمات الفكرية لتكون نواة لأحزاب سياسية ذات مذهبيات فكرية وممارسات ديمقراطية، تلتزم قمتها وقاعدتها بها) فكيف تقول منابر فكرية نقاشية لا حزبية!؟ ألم يرد في النص أن الغرض هو أن (يصبح الشعب أهلاً لتسلم السلطة وممارستها عن جدارة ..)!! هل الديمقراطية شئ غير حكم الشعب بواسطة الشعب .. وقبل ذلك وفوق ذلك، أليس مبدأ الديمقراطية، مبدأ أصيلاً في الفكرة الجمهورية!؟ ونحن لم نرد لتجربة المنابر أن تكون مثل التجربة المصرية، لأن التجربة المصرية تقوم على تكريس نظام الحزب الواحد، ونحن نريد المنابر ان تكون بديلأ لنظام الحزب الواحد المرحلي، نريد نظام يقوم على الديمقراطية التعددية، وحكم الشعب الواعي المقتدر، ولذلك قلنا، ونعيد مرة أخرى، أنها نظام مرحلي.
    أما الموقف المبدئي من الأنظمة الدكتاتوية، فهو متوفر، وواضح، والنصوص فيه قوية، ولكنك تبحث عن غيره، فقد جاء من كتاب مشكلة الشرق الأوسط، في هذا الصدد، وتحت عنوان بارز عن الدكتاتورية العسكرية، جاء فيه ..
    "ومع أن أسلوب الحكم الدكتاتوري أسلوب سئ، من حيث هو فإن أسوأ ما كان منه دكتاتورية مسيطراً عليه الجيش ذلك بأن تربية الجيش بطبيعتها لا تؤهل رجاله ليكونوا حكاماً مدنيين، يتجاوبون مع طبيعة المدنيين في الاستبسال والحرية، وانما هم ينشأون على الضبط والربط والطاعة العمياء".
    وهو نص طويل فيه دراسة عميقة لمساوئ الدكتاتورية العسكرية.. مشكلة السيد القاضي أنه يعلم كل هذا، وغيره كثير، ولكن لأمر في نفسه يسعى ويجتهد، لتشويه الفكرة الجمهورية عن قصد .. فالفترة التي عاشها القاضي بين الجمهوريين كافية جداً، ليعرف أساسيات الفكرة.

    العنف:
    حديث السيد القاضي عن العنف عند الجمهوريين، نموذج صارخ، لحرص القاضي الشديد، على تشويه الفكرة بكل سبيل .. وهو نموذج للخلل الكبير، في ميزانه، الذي يزن به الأفكار والرجال .. يقول السيد القاضي: (رغم أن شعار الحزب الجمهوري هو (الحرية لنا ولسوانا) إلا أنه لدي الممارسة الفعلية أثبت أنه لا يختلف عن الأخوان المسلمين، وأنصار السنة من حيث عدم إعترافه بالآخر المسلم، ولا يعترف بالتحول الديمقراطي القائم على الممارسة الحزبية، بل يشترك مع هذه الجماعات في فكر التكفير، والعنف، إذ لا فرق بين عنف السيف، وعنف اللسان)!! من لا يصدق أن القاضي قال هذا القول العجيب، عليه أن يرجع لمقالته المعنونة: (إشكالية التحول الديمقراطي، وثقافة المستبد العادل).. هل يمكن أن يكون هذا ميزان الذي يساوي بين العنف بالسيف وما أسماه عنف اللسان!؟ وما هو عنف اللسان هذا الذي اجتهد السيد القاضي ونقب في ما يزيد على مائتين وسبعين كتاباً وكتيبا،ً بل ومنشوراً ليجده!؟ فلنسمعه منه .. يشير القاضي الي كتاب: (الإسلام برسالته الأولى لا يصلح لإنسانية القرن العشرين) ويقول: (فقد واجه الأستاذ محمود كتاب الصحف والأعمدة الذين اعتبروا هذا العنوان مثيراً بعبارات فيها عنف لسان مثل (سؤ الفهم، وسؤ النية، وخيانة لرسالة القلم، وخيانة لأمانة الثقة)..!! ولكن الأمر لم يكن مجرد اعتبار العنوان مثيراً، وإنما كان تحريفاً للعنوان، وإظهاره وكأن الأستاذ يقول فيه أن الإسلام لا يصلح، وليس الرسالة الأولى لا تصلح، وتحريض للسلطات لمصادرة حق الأستاذ في الكتابة والنشر والحديث العام، بل فيه إثارة وتحريض للمواطنين، فماذا تسمى ذلك أليس سوء نية، وخيانة لرسالة القلم، ولأمانة الثقة!؟.
    والمثال الثاني الذي يسوقه القاضي هو قول الأستاذ، في منشور عن القائمين على محكمة الردة: (إنكم أذل وأخس من أن تطمعوا في).. وأنت تدين التكفير ، فهل أسلوب تكفير الخصوم الفكريين ليس أسلوباً خسيساً!؟ وهذا التكفير يقوم على التشويه المتعمد، وعلى الكذب، وعلي بتر النصوص، وكنموذج لهذا البتر نورد قول المرحوم الأمين داؤود- هنالك عبارة من كتابات الأستاذ محمود تقول: (وإذا كان العذاب في النار سرمديا،ً يكون انتقام نفس حاقدة، وعن ذلك تعالى الله علواً كبيراً) سحب الشيخ الأمين داوؤد عبارة(وعن ذلك تعالى الله علواً كبيراً)، ليقول: (رجل يتهم ربه بالحقد)، أليس هذا أسلوباً خسيساً فعلاً!؟ فأنت تدين عبارات قيلت بحقها، وفي موضعها، وتترك أقوال، وأعمال الطرف الآخر، فهل هذا ميزان عادل!؟ قولك هذا، هو شهادة بعكس ما تريد، فهو يدل علي إنك لم تجد أي فرصة، لتشويه الفكرة بإسم العنف .. ومثل هذه العبارات وردت حتى عند النبي المعصوم ، فهو قد قال لإبن صياد مثلاً (إخسأ فإنك لا تعدو قدرك).. أما السيد المسيح، وهو من يعتبر عالمياً رمزاً للسلام، فقد كان يقول للكتبة والفريسين (يا أبناء الأفاعي)!! وهذا أمر متكرر في خطابه لهم – وبالطبع الأفاعي ، أدني في سلم التطور، من الكلاب والخنازير .
    ما هو موقف الجمهوريين من العنف!؟ هم يعتبرون أن العنف دليل علي عجز الفكر .. وإن السلام هو حاجة البشرية الأساسية اليوم، وهو حاجة حياة أو موت .. وعندهم أن السلام هو المحك، الذي وفقه يقاس عجز الفلسفات والدعوات الدينية، وقصورها، أو رشدها .. فأي دعوة ، تدعو للحرب، في وقتنا الحاضر، وتحت أي إسم أو تبرير، هي دعوة قاصرة، وليس للإنسانية حاجة فيها .. فالسلام هو ضالة البشرية، وقد آن الأوان ليتحقق .. وتحقيق السلام هو مجال تفوق الإسلام الحقيقي، علي الحضارة الغربية .. والسلام لا يوجد إلا في الإسلام، في أصول القرآن، وهذا أمر قد فصلت فيه الفكرة، تفصيلاً وافياً ، لا مجال لعرضه هنا، ولكن قول الفكرة التالي هذا يلخص الموضوع، فقد جاء في الفكرة، وفي مواضع عديدة قول المعصوم: (لكل شئ قلب، وقلب القرآن يس، ويس لها قلب) ، وقد عرف العارفون أن قلب يس هو قوله تعالي: (سلامٌ قولاً من ربٍ رحيم).
    وأنت تعلم يا السيد القاضي أن منهاج السلوك، عند الجمهوريين يقوم علي المراقبة والمحاسبة، ومراقبة الجوارح قبل أن تعمل، ومحاسبتها بعد العمل .. ويقوم علي ترك الأذى، وتحمل الأذى، وتوصيل الخير، والهدف من العمل في العبادة والمعاملة هو تنقية الضمير، ليكون القلب سليماً من الضغائن والأحقاد، وهذا معني عبارة القرآن (إلا من أتي الله بقلب سليم) .. أي سليماً من الأحقاد والضغائن .. فالسالك يترك في البداية عيوب العمل، ثم عيوب القول، ثم عيوب الفكر، وهذا يجري وفق منهج مرسوم في العبادة والمعاملة، يؤدي بفكر، أطراف الليل، وأناء النهار.
    ومعلوم عندك أنه في اللائحة الداخلية للجمهوريين ممنوع أن ترد الإعتداء ، وكل ما هو مسموح به هو تجريد المعتدي من سلاحه، إذا أمكن ذلك .. وأنت تعلم عن تجربة، أن الأخوان المسلمين يعلمون ذلك عن الجمهوريين، ويستغلونه في خسة، فيعتدون عليهم، ويعنفون بهم، وهم يعلمون أن دينهم يمنعهم من الرد .. وقد عايشت أنت بنفسك تجارب عديدة، من الإعتداء علي إخوانك في الجامعة، وهم لا يردون .. وإذا حدث أن أحد الأفراد، لم يملك نفسه ورد الإعتداء بأي صورة من الصور، وهو بنفسه، يعرض الأمر علي الأستاذ، ويجد اللوم والتوجيه.
    وقد ذكرت أنت بنفسك حادثة الإعتداء علي الأستاذ في الأبيض، والتي ضربه فيها رجل بـ(عكاز) ضربة شديدة إحتاجت إلي خياطة، أثناء تقديم الأستاذ لمحاضرة، وقد كان عدد كبير من الجمهوريين حاضراً، فلم يحاول أي واحد منهم، ولو بإنفعال وقتي الرد علي المعتدي، ولم يسمحوا للجمهور من غير الجمهوريين بذلك، وحتى الحق القانوني، الأستاذ عفي عنه!! والأحداث في هذا الصدد كثيرة، وأنت تعلم الكثير منها .. فعدم العنف عند الجمهوريين، هو دين، وعليه تقوم التربية، وفق منهاج علمي وعملي .
    وفي الجانب الآخر – جانب الأخوان المسلمين والوهابية العنف دين، حسب فهمهم .. هم يزعمون أنهم عندما يعنفون بالآخرين، ينفذون أمر الله .. وهم يبنون ذلك علي نصوص من القرآن والحديث .. هم يبنون علي آيات الجهاد بالسيف .. وعلي قول الرسول الكريم: (من رأي منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، وإن لم يستطع فبقلبه) .. وهم عندما يبنون علي مفهوم الجهاد عندهم لا يلتزمون قيم الجهاد كما جاءت في القرن السابع، فيقتلون حتى المسلمين، علي إعتبار أنهم كفار، ويقتلون الشيخ والطفل، والمرأة، وكل ذلك لا يتم في حرب دينية، وإنما عن طريق قنابل موقوته، او عربات مفخخة، في الأسواق والأماكن العامة، وقد رأينا الصور البشعة لذلك، أحداث مصر ، والجزائر، والسودان، والعديد من دول العالم، حتى 11 سبتمبر وإلي اليوم .. وكل هذا العمل يرجع إلي مفهوم الحاكمية، والجهاد، والتكفير، وهي أمور مصادرها الأساسية كتب الأخوان المسلمين والوهابية، خصوصاً كتاب: (معالم في الطريق) للأستاذ سيد قطب .. فكل جماعات الهوس الديني المختلفة، هي إفرازات لفكر الأخوان المسلمين والوهابية .
    والجمهوريون، هم وحدهم من تصدي لهذا الفكر الخاطئ، من داخل الدين، ومنذ وقت طويل، وبصورة مكثفة .. وإلي اليوم لا يمكن محاربة هذا الهوس بصورة نهائية، إلا بالتوعية الدينية، التي تبين خطأه، وتقدم البديل له من داخل الدين، وهذا غير متوفر في غير الفكرة الجمهورية، والتي تبين بوضوح أن الجهاد بالسيف ليس أصلاً من أصول الإسلام، وإنما هو حكم مرحلي، وإنما الأصل، هو آيات الأصول، ومنها (وقل الحق من ربكم، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) .. والتفاصيل في بيان هذا الأمر متوفرة في كتب الفكرة .
    فإذا جاء القاضي بعد كل هذا، ليساوي بين الجمهوريين من جانب، والأخوان المسلمين والوهابية من الجانب الآخر، في مجال العنف، فلأنه رجل مغرض وظالم، شديد الظلم .. ولأن ميزانه في معرفة قيم الأفكار والرجال، ميزان مختل شديد الإختلال .. ويكفي أنه يقول كتابة: (لا فرق بين عنف اللسان، وعنف السيف)!! لا فرق بين قول (خيانة القلم)، وقتل آلاف البشر الأبرياء، الغافلين!! أليس هذا أمر يبعث علي الحيرة!؟ أقام العباد فيما أراد .

    التكفير:
    يقول السيد القاضي، إن الجمهوريين، لا يختلفون عن الأخوان المسلمين والوهابية، بل يشتركون مع هذه الجماعات في فكرة التكفير والعنف، (إذ لا فرق بين عنف اللسان، وعنف السيف)!! و(أنهم مثلهم في عدم الإعتراف بالآخر المسلم، أو غير المسلم).. فما هي جلية الأمر في هذا الصدد؟ .
    الأخوان المسلمون، والوهابية، يكفرون غيرهم لإعتبارات كثيرة، يهمنا منها بالذات الإعتبارات السياسية – مفهوم الحاكمية.. فهم يعتبرون المحك في إقامة الدين هو إقامة الدولة الإسلامية، حسب فهمهم لها، وتحكيم شرع الله، ويبنون في ذلك علي فهمهم للآية الكريمة: (ومن لم يحكم بما أنزل الله، فأولئك هم الكافرون)، ويفسرون (يحكم) هذه، بالسلطة الزمنية .. ومفهوم الحاكمية هذا، وبصورته هذه، والذي رسخه بصورة خاصة، المودودي، وسيد قطب، هو المحرك الأساسي للهوس الديني، والعنف، الذي يتم بإسم الإسلام في العالم، ومعه مفهوم التكفير، ومفهوم الجهاد، كما سبق أن أشرنا .. وبالطبع الله تعالي لا يحكم بذاته، فمن الناحية العملية، الحاكمية لله تعني حكم هذه الجماعات .. وبذلك أصبح البحث عن السلطة عندها، عملياً، هو الدين، فأخذت تسعي إليها بكل سبيل، ولو عن طريق الإنقلابات العسكرية، كما هو في السودان .. وأصبح وقت الجماعة كله عمل من أجل السلطة .. فخارج السلطة يكون العمل للوصول إليها، وداخل السلطة، يكون العمل علي المحافظة عليها، وبكل سبيل، ولا مجال للدين وقيمه مع هذا العمل، فالسلطة أصبحت هي الدين .. ونحن هنا لسنا بصدد مناقشة هذا الأمر .
    ما هو التكفير عند الجمهوريين، في نظر القاضي!؟ يقول القاضي (أولاً: التكفير وإلغاء الآخر .. من كتاب طريق محمد (فلم تعد الطرق الطرق ولا الملل الملل منذ اليوم) فالفكرة الجمهورية تقصر طريق محمد صلي الله عليه وسلم والسنة علي فهمها هي وحدها، وما عداها باطل تماماً كما يفعل أنصار السنة)!! أين هو التكفير في هذا القول؟ بالطبع كل دعوة تعتبر نفسها هي علي الحق .. فالجمهوريون يعتقدون أنهم هم وحدهم علي السنة، ويبنون علي ذلك، فمن يري في قولهم هذا خطأ، فليناقشه، ويفند أدلته.. وكذلك الوهابية، يعتبرون أنفسهم هم أهل السنة، وبين الجماعات المختلفة، الحوار الفكري، للوصول إلي من هو علي السنة ، ومن منهم ليس علي السنة .. وكل صاحب فكرة أو دين يعتبر أن دينه هو الحق، وإلا ما التزمه!! والفيصل بين الجميع الحوار .. لكن الدعوة الجمهورية، لا تري أن كل من عداها (هو باطل تماماً) كما تقول أنت .. بل عندها أن الباطل المطلق لا يدخل الوجود، يقول تعالي: (وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما باطلاً، ذلك ظن الذين كفروا، فويلٌ للذين كفروا من النار) .. قولك هذا لا علاقة له بالتكفير .. أما دليلك الآخر، فهو قولك: (أما كتاب (عقيدة المسلمين اليوم)، فهو كتاب تكفير قح، يتهم المسلمين بفساد العقيدة ...) هكذا!! الإتهام: (كتاب تكفير قح) .. الدليل: (يتهم المسلمين بفساد العقيدة)!! ولكن يا سيادة القاضي الإتهام بفساد العقيدة، ليس تكفيراً .. ففساد العقيدة يعني أن المتهم مسلم، ولكن له فساد في العقيدة، وفي مناطق معينة، حددها الكتاب، وذكر أدلته بالنصوص .. فمجرد قول لا إله إلا الله، يجعل الإنسان مسلماً، ويحرم دمه حتى ولو كان في معركة يقاتل فيها ضد النبي الكريم .. والكتاب يسلم للمسلمين، الذين تعرض لهم، بأنهم يؤمنون بأركان الإيمان كلها وبأركان الإسلام، ولكن هنالك ضعف، وفساد في العقيدة .. وكما هو معلوم، الإيمان يزيد وينقص، كما أخبر المعصوم .. فهل هذا هو التكفير عند الأخوان المسلمين والوهابية، ذلك التكفير الذي ينبني عليه عندهم عمل في المقاتلة والقتل، وربما الإغتيال!؟ إنك كعادتك، في معاداتك هذه الجائرة للفكرة، تعكس الأمور، وعن علم بباطل عملك .. فأنت لا بد أنك تعلم أن موقفنا هو عكس موقف هؤلاء تماماً، فحين يكفرهم الآخرون، نحن نقول حتى الكافر مؤمن، نعم حتى الكافر مؤمن!! وهذا وارد في نفس كتاب (عقيدة المسلمين اليوم)!! ولكنك عندما تطلع علي الكتب، تبحث عما تتوهم أنه يمكن أن يشوه الفكرة، ولا تبحث عن الحق .. فقد جاء في كتاب (عقيدة المسلمين اليوم) وفي المقدمة ما نصه:(إن مفارقة المسلمين للعقيدة، لا يعني أن الإيمان قد إنعدم عندهم تماماً، فإن الإيمان لا ينعدم تماماً حتى من الكافر) (فالكفار كانوا قليلي الإيمان، ولذلك حكم عليهم بما هو غالب عليهم، فقال تعالي في حقهم: (بل لعنهم الله بكفرهم، فقليلاً ما يؤمنون).. وقال تعالي: (ولكن لعنهم بكفرهم، فلا يؤمنون إلا قليلاً) ولذلك فإن العقيدة امر نسبي) .. والكتاب كله ، علي عكس ما تقول أنت – دعوة للمسلمين وإعانة لهم، لتصحيح عقيدتهم، والترقي في مراقي العقيدة، فهو لا يرمي إلي مجرد الإدانة، وإنما إلي الإعانة بل المرحمة، فهو يتحدث عن سعة الرحمة الإلهية، لجميع خلق الله، بصورة تتناقض تماماً مع غلظة وجفاء هؤلاء الذين تتحدث عنهم. ثم أن دعوتنا إلي الأصول، تقوم علي أنه، حتى الكفر هو من حق الإنسان، وآية الأصل في ذلك هو قوله تعالي: (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر)!! فنحن لسنا مكلفين بهداية الآخرين، وإنما علينا أن نقول الحق، والله هو الهادي.
    ولقد ظل الأستاذ محمود طوال حياته يدعو للحرية، وللحوار الحر، ويناضل ضد الهوس الديني، واستغلال الدين لأغراض السياسة.. وعنده كل انسان هو غاية في ذاته، ولو كان أبلهاً، وعنده (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) وهو يفسر الاسلام بالاسلام العام، لتصبح العبارة، المسلم من سلمت الأحياء والأشياء من لسانه ويده، ويبشر بعهد من السلام، حتى شجر الشوك يستغنى فيه عن شوكه، لعدم الحاجة له.. ويقوم بالتوعية التي لا تكل ولا تمل، ضد اتجاهات التكفير، والعنف باسم الدين، ويبين خطأها ديناً.. وقد كفره الأخوان المسلمون والوهابية، ثم استشهد في سبيل رفع الظلم واستغلال الدين لأغراض السياسة، وفي سبيل حرية الإنسان، وكان وراء إستشهاده هؤلاء الذين تريد أنت أن تساويه بهم .. فعندما تساوى الأستاذ محمود بالقتلة، فإنك تبرر عملهم ذاك الشنيع قصدت أو لم تقصد!! ألم أقل أنك غير وفي لا لماضيك ولا لوطنك.

    الإعتراف بالآخر:
    يقول جان بول سارتر (الآخرون هم الجحيم)، وذلك في إطار الفهم الوجودي، للحرية عنده .. والحمد لله أن الحضارة الغربية لم تقم على أفكار سارتر هذه .. لقد تقدمت الحضارة الغربية السائدة اليوم تقدماً كبيراً في مجال إعتبار الآخر، ولكن لا زالت بعيدة جداً عن ما ينبغي للآخر، من إعتبار في إطار القيم الانسانية المنشودة، وذلك لقصور فكرتها ومنهجها ولا مجال للتفصيل هنا.
    في الفكرة الجمهورية، التعامل مع الآخر، يقوم على مصطلح: الحقيقة والشريعة.. ففي الحقيقة الوجود كله تجسيد لارادة الله، وهو بما هو كذلك، هو حق، في الحقيقة (وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما باطلاً، ذلك ظن الذين كفروا، فويل للذين كفروا من النار) .. فالسموات والأرض وما بينهما حق، وهي تجسيد لإرادة الله، وإرادة الله لا تكون باطلاً .. الإنسان والأكوان جميعها، هي كلمات الله في الحقيقة، والقرآن بين دفتي المصحف، صورة لفظية لهذا الكلام .. والمسلم لا يتعامل مع الله في ذاته، وإنما يتعامل معه في تنزلاته - في خلقه.. وهنا يجئ دور الشريعة - والشريعة كمصطلح تعني اعتبارات الظاهر، وإعتبارات العقل، ففي منطقة الشريعة، منطقة العقل، تقع الثنائية، الخير والشر، والحق والباطل، والكفر والإيمان .. إلخ، فهذه أحكام عقلية، تقوم على ظاهر الاشياء .. وعمل الشريعة في العبادات والمعاملات، هو أن يسير السالك بشريعته لحقيقته .. فاذا كانت الشريعة تعطي أن هنالك مسلم وكافر، فالحقيقة، تقول ليس في الوجود الا مسلما- الاسلام العام- واذا كانت الشريعة ترى ان هنالك حق وباطل، فمن وجهة نظر الحقيقة الباطل لا يدخل الوجود، فالباطل حكم عقلي .. وفي الشريعة لا يوجد باطل مطلق .. والشريعة تقوم على مرضاة الله، المنزلة في أوامره ونواهيه، لتروض العقل، وتهذب النفس فتتعامل مع الخلق بالشريعة، ومع الخالق بالحقيقة.
    فالآخر كافراً كان أو مسلماً، مطيعاً، أو عاصياً، هو فيما أراده الله له (فمن آمن فقد آمن بقضاء وقدر، ومن كفر فقد كفر بقضاء وقدر) .. ولكن الله قد يريد شيئاً، ولا يرضاه، وهنا دخلت ثنائية الرضا والإرادة (فان تكفروا فان الله غنى عنكم، ولا يرضى لعباده الكفر).. فمن واجبك شريعة إلا ترضى لنفسك الكفر ولا لغيرك، وواجبك هذا تجاه الآخرين، ينحصر في إعانتك لهم على الهداية، مع العلم التام أنك لا تملك لنفسك ولا لهم هذه الهداية، فأنت، وهم، في هذا الأمر سواء، فالله وحده هو الهادي، في الحقيقة.. فيجب الا تشعر بأنك أفضل منهم، فلو شاء الله لجعلك مكانهم، وعليك إلا تستبعد ذلك، وقد كان المعصوم على كماله يقول: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك) وعندما قالت له السيدة عائشة: حتى أنت يا رسول الله؟ قال: (نعم حتى أنا، فقلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء)!! ولذلك الرأفة بخلق الله أولى من الغيرة على دين الله .. والهدف هو أن يتخلق الإنسان بأخلاق الله، في قوله تعالى: (إن الله بالناس لرؤوف رحيم).
    فالآخر لا يحتاج لأحد أن يعترف به، وليس لأحد سلطة في أن يعترف أو لا يعترف بالآخرين.. فكلمة يعترف هذه، ليست في محلها هنا .. فالآخر موجود، وواقع، إعترفت به أو لم تعترف .. هو صاحب حق في الوجود، وفي الحياة، وفي الحرية، وفي التعبير عن حياته، وعن حريته، مساوى لحقك في كل ذلك.. والقاعدة التي وضعتها الفكرة للتعامل مع الآخر هي: كل فرد هو غاية في ذاته، ولو كان أبلها، وينبغي ألا يتخذ وسيلة لغيره .. ودخيلتك وأنت تتعامل مع الآخر، ينبغي أن تكون المحبة له.. فليست القضية الأساسية الهامة، أن تعتبره صاحب حق في أن يرى ما يرى ، ويعبر عن رأيه كما يرى، فهذا حقه الطبيعي الذي لا ينبغي أن يكون هنالك جور عليه- وبالطبع الجور يقع، ويحتاج الي التصحيح، ولكن انا هنا اتحدث عن مبادئ وقيم الفكرة- القضية كيف تتعلم أن تحب الآخر، وتحرص على حقه، وعلي خيره، حرصك على نفسك، هذا هو المحك، وهذا ما تدعو له الفكرة، وتضع المنهاج للتربية لتحقيقه.. والقاعدة فيه: تحب الكافر وتكره الكفر، وكراهيتك للكفر هي من محبتك للكافر، لأنك تعلم أن الكفر شر، ولا تريد له الشر، وقد ذكرنا قاعدة: كف الأذى، وتحمل الأذى، وتوصيل الخير .. وكل ذلك يتم في صدق، وإخلاص، ومحبة، وانت عندما تفعله ينبغي أن تعلم انك انما تعمل من أجل خير نفسك في المكان الأول: (من عمل صالحاً فلنفسه، ومن أساء فعليها، وما ربك بظلام للعبيد).. وكل هذا يحتاج الي رياضة فكرية، وسلوكية، منهاجها هو (طريق محمد) عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
    هذه لمحة من موقف الفكرة ، من الآخر، وهي على عكس ما يقول السيد القاضي، كما هي على عكس ما يقوم عليه القول والعمل عند الوهابية والأخوان المسلمين.

    الحدود:
    يقول السيد القاضي: (رغم أن الفكرة الجمهورية وصاحبها الأستاذ محمود محمد طه ، قد أتت برسالة ثانية مفصلة على القرن العشرين، وقادمة من المستقبل ، الا إنها لا تختلف في فحوى مشروعها عن المشروع الأخواني أو الوهابي، أو الأنصاري، أو الختمي ، ونحن هنا نتحدث عن صلاحية هذه الأفكار لمعالجة مشاكل السودان الجديد، وذلك لأن هذه الأفكار بما فيها الفكرة الجمهورية لا تؤمن بتطوير (الحدود) العقوبات الشرعية المستمدة من العهد القديم التوراتي والمستمد هو الآخر من قوانين حمورابي.) .. وهو يقترح علي الجمهوريين التجديد، وإعادة النظر في أطروحات الفكرة وذلك (لتوفيق أوضاعهم مع الميثاق العالمي لحقوق الإنسان)!!
    أولاً: الفكرة الجمهورية هي دعوة الأستاذ محمود محمد طه، وقد ذكرت أنت ذلك، فلا يحق لأحد، جمهوري أو غير جمهوري، التعديل فيها، بحذف شئ من ثوابتها، أو إضافة شئ .. هذا لا يجوز أخلاقياً، وينبغي أنه لا يجوز قانوناً، فإذا حدث فإنه يكون تغول علي حقوق الملكية الفكرية للأستاذ محمود .. من شاء يستطيع أن يدعو إلي أي فكر، ويتحمل مسئولية دعوته أمام الله ، وأمام الناس .
    ثانياً: الأمر في الدين لا يقوم فقط علي إعمال الفكر المجرد، حتى يعدل الإنسان ما شاء حسب فهمه للأمور، وإنما يقوم علي العلم عن الله، والإذن في ذلك .. والفكرة الجمهورية، ليست مجرد تفكير، وإنما هي ثمرة خصوصية علاقة بالله، تقوم علي الإذن، وليس علي الرأي الشخصي (رجل آتاه الله الفهم عنه من القرآن، وأذن له في الكلام) .
    يحضرني هنا التعديل الذي أجراه بعض علماء الأزهر، في طبعة من طبعات كتاب البخاري .. فعلي الرغم من أن الإمام البخاري مجرد جامع حديث، إلا أن كتابه، هو حقه هو، ولا يجوز لأحد غيره أن يعدل فيه .. وأنا أسوق القضية لنري مدي المفارقة في التعديل .. فقد ذكر هؤلاء العلماء أنهم أبعدوا الأحاديث التي لا تتمشي مع العقل!! والسؤال: عقل من؟ وكنموذج للأحاديث التي أبعدوها، أوردوا، حديث (أبقرة تتكلم)، علي إعتبار أنه في نظرهم لا يتمشي مع العقل!! فإذا أخذنا بعقل هؤلاء العلماء، ينبغي تغيير آيات القرآن، إذ ما الذي يجعل النمل مثلاً يتكلم ويمنع البقرة!؟ وقد تم علمياً رصد بعض صور حديث النمل وفكت شفرته .. فلا أحد يحق له أن يغير في امر يخص غيره فمن أراد – كما قلت – يستطيع أن يدعو لما يشاء علي ألا ينسبه لغيره .
    ثالثاً: فكرة تطوير التشريع الإسلامي، هي فكرة جاء بها الأستاذ محمود، ولا أحد غيره، فلا معني أن يذكره القاضي مع الأحزاب الأخرى، وكأنها صاحبة رأي في تطوير التشريع، فالأحزاب الدينية الأخرى، تدعو للشريعة وليس لتطوير التشريع .. ولكن في الوقت الحاضر يتبني الفكرة ، حتى خصوم الفكرة، دون أن يردوها إلي مصدرها، الأمر الذي يلحق العمل بالسرقة الفكرية، وقد رصدنا العديد من هذه الحالات، ولكن الأستاذ محمود لم يكن يمانع في سرقة الفكرة، طالما لا يكون هنالك تشويه .
    رابعاً: الأستاذ محمود، في دعوته لتطوير التشريع، يحصر التطوير في المجالات المتعلقة بالمجتمع، والتطوير لا يشمل العبادات والحدود ، والقصاص .. والإطار المرجعي في التطوير هو الإسلام نفسه، ومنهجه في المعرفة، والذي يقوم علي التقوى، (وإتقوا الله ، ويعلمكم الله) ، وهنا يجئ العلم عن الله، والإذن منه .. ولا يمكن أن يكون الإطار المرجعي هو الحضارة الغربية ومفاهيمها، مثل فهمها للحرية، ولحقوق الإنسان.
    خامساً: هنالك إختلافات أساسية جداً ، بين المنطلقات التي تنطلق منها حقوق الإنسان في الإسلام، وفي الحضارة الغربية، والمدي الذي يذهب إليه كل منهما .. ومن أهم المنطلقات في الإسلام، إعتبارات الله في الأمر كله، وإعتبار الآخرة، وكلا الأمرين لا علاقة له بحقوق الإنسان في الحضارة الغربية، فهي تتعامل مع الحياة الدنيا فقط، والله عندها ليس في الصورة .
    سادساً: حسب نظرة الإسلام، هنالك خلل أساسي، في فهم الحرية في الغرب، والحقوق الإنسانية التي تقوم عليها .. فالمعيار الوحيد، عندهم هو ألا يتعدي الفرد علي حريات الآخرين بصورة مباشرة، خلاف ذلك هو حر يفعل ما يشاء .. فالزنا، مثلاً، من أكبر الجرائم في الإسلام، وفي الأديان السماوية الأخرى، ولكن في إطار فهم الحضارة الغربية للحريات، هو لا يجرم، ويقع في إطار حرية الأفراد الراشدين، إذا تمّ بالتراضي .. ولعل الكثيرين يتابعون، حركة المثليين الواسعة، ومطالبهم بالإعتراف بعلاقاتهم كزواج شرعي، تقوم عليه كل الحقوق الزوجية، وقد تم ذلك، في العديد من المناطق في الغرب، علي الأقل في حدود الزواج المدني!! وكل هذا يجري في إطار مفهوم الحريات وحقوق الإنسان في الغرب .. فمفهوم حقوق الإنسان في الغرب، ليس هو المرجعية للمسلم .. ومن المؤكد ليس هو المرجعية بالنسبة للفكرة الجمهورية .. من المؤكد هنالك العديد من الجوانب الإيجابية في فكر الغرب، عن الحرية، وعن حقوق الإنسان، فينبغي أن تعرض عل ميزان الإسلام، فيؤخذ منها ما هو حق ، ويرفض ما هو باطل ... الأمر المهم جداً، هو تحديد المرجعية، فالإسلام هو المرجعية بالنسبة للفكرة، وليس الحضارة الغربية ومفاهيمها .
    سابعاً: هنالك إختلاف جذري بيننا من جانب، وبين الوهابية، والأخوان المسلمين من الجانب الآخر .. فعندهما نموذج دولة الإسلام ، قائم بالفعل، ومنذ وقت ليس بالقصير .. بالنسبة للوهابية نموذج دولة الإسلام، هو النظام الملكي والوراثي في السعودية .. ونموذج دولة الإسلام بالنسبة للأخوان المسلمين هو نظام الإنقاذ الإنقلابي العسكري، وكلاهما في نظرنا، وفي نظر غيرنا هما تشويه للإسلام، وعلاقتهما بالإسلام، ليست أكثر من إستغلاله، من قبل أسرة، وحاشيتها، وتنظيم، والمنتفعين معه، لأغراض الدنيا .. هذا في حين أن النظام الذي ندعو له لما يقم في الواقع، وهو يقوم يوم يقوم،على مجتمع تمت تربيته وفق السنة، ونظام يقوم في قاعدته، ، علي الإشتراكية والديمقراطية، وكل ذلك يتم في مستوي يتجاوز الحاجة لتطبيق الحدود .. فالحدود لا تطبق في مجتمع لا يعيش قيم الإسلام، ومن سلطة لا ترعي أبسط حقوق الإنسان .
    ثامناً: المجتمع الإسلامي الذي تدعو له الفكرة، يكون مستوي التربية فيه، بالقدر الذي يكون معه أقرب للإستحالة، أن يقع فرد في الكبائر .. ثم أنه في إطار هذا المجتمع تكون حاجة الإنسان مكفية، بالصورة التي تغني الأفراد عن اللجوء لهذه الكبائر .. فإذا سادت المعرفة، والقيم الخلقية التي ندعو لها وقام النظام الدستوري الذي يوفر العدل، والحرية، فلن تكون هنالك حاجة لتطبيق القوانين الجنائية، وسيظل القانون قائماً في الورق فقط في هذه الجوانب – حد الزنا لم يطبق في صدر الإسلام، إلا بالإعتراف، والاعتراف منهي عنه في الإسلام .. وفي مجتمع تكون فيه (السجدة خيراً من الدنيا وما فيها)، ثم حاجة الناس مكفية بالنظام الإشتراكي، لن تكون هنالك حالة تستدعي تطبيق حد السرقة .
    تاسعاً: إذا كانت الحدود، لن تطبق، فما هي الضرورة لإبقائها؟
    أولاً: لأنها أصل من أصول الدين، لا يوجد إذن إلهي بتجاوزه، هذا بالطبع في إطار ما تقرره الفكرة، أما من يري خلاف ذلك، فيستطيع أن يفعل ما شاء خارج إطار الفكرة .
    ثانياً: بقاء الحدود في القانون، أمر ضروري لتجريم الفعل، بما يعين علي التصور، وعلي التربية .. ثم، هذا هو الأهم، ينبغي ألا نعتقد أننا، نعرف كل أبعاد الحكمة، من الأمر الإلهي، وإذا لم نعرف نترك العمل به .. طالما أنني مؤمن بأساسيات الإطار كله، ليس من الضروري أن أعرف الحكمة من أن صلاة المغرب، مثلاً، ثلاث ركعات، و ليست خمساً، وإذا لم أعرف اتركها .
    عاشراً: قد يقول قائل، إن كل ما ذكرناه، ليس مقنعاً للغرب، وأصحاب الثقافة الغربية .. فليكن، نحن لسنا مطالبين بإقناع كل الناس، وإنما مطالبين بالعمل وفق شريعتنا وفق ما نعلم، والله الهادي .. وعندما يتأذن الله بنفاذ أمره، لن تعجزه وسيلة إقناع خلقه .. ومن يقتنع بأساسيات الإسلام، لن تقف الحدود عقبة امام قناعته ..
    من أراد أن يطور الحدود، فليفعل، هذا شأنه، ولكن لماذا تريد يا السيد القاضي أن يكون ذلك في إطار الفكرة، هذا ليس من شأنك، وإنما هو شأن صاحب الفكرة، وهو يري خلاف ما تري أنت .

    الإتفاق والإختلاف:
    زعم السيد القاضي، أننا مثل الأخوان المسلمين، في كل شئ، حتى في الموقف من الآخر، وتكفيره، وحتى في العنف، وقد تمّ الرد عليه في ذلك، فما هي نقاط اللقاء الأساسية بيننا وبين هذه الجماعات، وما هي نقاط الخلاف الأساسية .. نحن وهم، كفرق إسلامية، نلتقي في أركان الإسلام، وأركان الإيمان، ولكننا حتى في إطار ما نلتقي فيه نختلف إختلافات أساسية .. وأهم هذه الخلافات:
    (1) هم يرون أن الغاية من الخلق هي عبادة الله، ونحن نري أن الغاية هي العبودية لله، وكلانا يعتمد علي فهم نفس النص القرآني: (وما خلقت الجن والإنس إلاّ ليعبدون) .. هم يفسرون النص حسب المعني الأولي الظاهر، ونحن نقول في تفسير (ليعبدون)، أي ليعبدوني كما أمرتهم علي لسان رسلي، ليكونوا عبيداً، كما أمرتهم علي لسان عزتي حيث قلت: (إن كل من في السموات والأرض، إلا آتي الرحمن عبداً * لقد أحصاهم وعدهم عداً) .. فحسب فهمهم العبادة غاية، وحسب فهمنا العبادة وسيلة للعبودية، والفرق شاسع جداً بين التصورين، وكل نواحي المعرفة والسلوك تتأثر بهما ..
    (2) لا إله إلا الله، هي كلمة التوحيد الأساسية، وهي عندنا خير ما جاء به جميع النبيون، كما أخبر المعصوم، وهي عندنا وعندهم واحدة في مبناها، ولكنها تختلف إختلافات أساسية في معناها .. فهم يرون أنها تعني: لا معبود بحق إلا الله .. ونحن نري أنها تعني: لا فاعل لكبير الأشياء وصغيرها إلا الله، فالمعني الأول، عندنا، هو المعني الذي كان يناسب زمن عبادة الأصنام، والمعني الذي نقول به، يتضمن معناهم ويتجاوزه .. والفرق شاسع جداً بين المعنيين .
    (3) علي الإختلاف حول الأمرين أعلاه، تقوم خلافات أساسية .. فالتوحيد عندهم علم نظري، يستطيع أن يحققه كل إنسان بعقله .. فالتوحيد عندنا علم تطبيقي ينبني علي العمل .. التوحيد صفة الموحِِد – بكسر الحاء – الإنسان .. أما الله تعالي فهو أصلاً واحد ولا يحتاج لمن يوحده، وإنما نحن نحتاج أن نوحد ذواتنا لندرك واحديته .. وبذلك أصبح الدين عندهم تنظير، والدين عندنا عمل وتطبيق ..
    (4) كلمة إسلام عندنا وعندهم واحدة ولكن، هم يرون أن الإسلام هو العمل بأركان الإيمان، وأركان الإسلام، كغاية في ذاتها .. ونحن نري أن الإسلام هو أن نعمل بأركان الأيمان، وأركان الإسلام، بالصورة التي تعيننا علي ترويض إرادتنا الحادثة، لتعمل وفق إرادة الله القديمة، وبذلك نسلم له إرادتنا، وبهذا المعني نكون مسلمين، وهذا الأمر لا يتحقق تلقائياً، وإنما بمجهود كبير في إدخال الفكر في العبادة والمعاملة .
    (5) هم يبنون علي تفيسر القرآن، ونحن نبني علي تأويله، والتأويل يشمل التفسير، ولكن التفسير لا يشمل التأويل، ومن أهم مجالات التأويل، آيات النفوس (سنريهم آياتنا في الأفاق وفي أنفسهم).. فلغياب التأويل عندهم البعد الداخلي عندهم غائب، ومعظم حقائق القرآن الأساسية كذلك غائبة .
    (6) أساس العبادة عندنا تجويد الهيئة والحضور .. فالصلاة هي هيئة وروح، والروح في الصلاة هي الحضور فيها، حتى إذا تمت الهيئة دون أي حضور لا تكون صلاة، وهذا معني الحديث (الصلاة صلة بين العبد وربه) .. والحديث (رب مصل لم يقم الصلاة) .. (رب مصل لم تزده صلاته من الله إلاّ بعداً) .. (ورب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش) .. (ورب قارئ للقرآن، والقرآن يلعنه)، فعندنا هيئة العمل وروحه – الحضور فيه – كلاهما مهم، وإذا خرجت الروح من العمل، أصبح جسداً بلا روح، ولا قيمة له .. مقابل كل هذا، ولأن العبادة عندهم غاية في ذاتها، لا يهتمون بالحضور في العبادة .. والعبادة عندهم كم .. يحسب الواحد منهم صلواته، وصيامه وحجه .. وكل هذا عندنا إذا لم يقم علي الحضور، فلا عبرة به، ولا نتيجة له، كما تشير إلي ذلك الأحاديث التي أوردنا طرفاً منها .. فالعمل في الدين عندهم موضوع سكوني (إستاتيكي) والعمل عندنا موضوع ديناميكي، في حركة لا تهدأ .. فالعبادة عندنا ينبغي إذا تمت تأديتها بتجويد أن تنعكس علي صاحبها، وعلي معاملته للمجتمع، وهذا هو المحك .. والعبادة عندهم كما ذكرنا غاية في ذاتها، وتقاس بكمها .. وعلي ذلك رغم أن هيئة صلاتنا وصلاتهم واحدة، ولكن الفرق شاسع جداً بين الصلاتين- راجع كتاب تعلموا كيف تصلون- .
    (7) هم يدعون لتطبيق الشريعة .. ونحن ندعو لتطبيق السنة – عمل النبي في خاصة نفسه – وعندنا أن الإسلام لا ييقوم بتطبيق الشريعة، وإنما يقوم ببعث السنة، فهذا هو المستوي من الدين الذي يناسب حكم الوقت، ولذلك ندعو إلي تطوير التشريع من آيات الفروع إلي آيات الأصول .. والفرق شاسع جداً ، بين المستويين، بالنسبة لتحقيق التوحيد، وبالنسب لتنظيم المجتمع .
    (8) بما أننا نعمل علي تحقيق العبودية لله، فإننا نعمل علي ألا تكون لنا رائحة تسلط علي أحد من خلق الله، لأن ذلك ينقص من عبوديتنا .. وإنتفاء حب السيطرة هو المحك العملي لتحقيق العبودية، ومظهره في القانون، والسلوك العام هو رفع الوصاية، إلا علي الأطفال القصر .. وهم لأن أمرهم بقوم علي الشريعة وعلي العبادة، يعتبرون أنفسهم أوصياء علي الآخرين، ودينهم وصي علي غيره من الأديان، ومن هنا يجئ تكفير الآخر والعنف به .. وهذا ما تجري عليه الممارسة في إطار واسع وبصور بشعة .
    (9) هم يرون أن واجبهم الأساسي هو إقامة دولة الإسلام، كما يرونها، وإذا لم يفعلوا ذلك يكون دينهم ناقصاً، بل حتى كفاراًَ (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) .. ولما كانت الشريعة لا تقوم علي الديمقراطية، فدولتهم تقوم على الوصاية، علي الدكتاتورية، ويمكن أن يتم المجئ إليها عن طريق الإنقلاب العسكري .
    نحن نعتقد أننا غير مكلفين كأشخاص أو كتنظيم بإقامة الدولة، أو حتى فرض رؤيتنا الدينية علي الآخرين .. وإنما نحن مكلفون فقط بإقامة الدين في أنفسنا (عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ، إذا إهتديتم) .. ونحن لسنا أوصياء علي غيرنا، كما هو الأمر في أصول القرآن: (وقل الحق من ربكم، فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر) .. وعندنا لا يطبق الإسلام عل المجتمع، إلا شخص، صاحب خصوصية علاقة بالله، يكون مأذوناً منه، مأموراً منه بذلك .. وهذا لا يكون بعد ختم النبوة، إلا عيسي والمهدي، المبشر بهما .. فعملنا الأساسي هو أن نعيش الدين في أنفسنا، وأن ندعو له، ونبشر به، وأن نتكافل، ونتعاون، نحن ومن يقنع بدعوتنا بالصورة التي تعيننا علي أن نكون رفقاء سفر، وبذلك نجعل طريق الرب ممهداً، وهو وحده الكفيل بتطبيق دينه في الأرض ... وعلي هذا الفهم فإن طلب السلطة الزمنية، بإسم الدين، دليل كافٍ علي مفارقة الدين، ما لم يكن الطالب يزعم أنه المهدي أو المسيح .. فإن زعم ذلك – ومن حقه أن يفعل – هو مطالب بالدليل، مع ملاحظة أن المسيح عندما يأتي من أهم الدلائل عليه، أنه لا يمكن الخلاف حوله، كما سنبينه في موضعه .
    المهم أن التكليف بإقامة الدين، علي المجتمع، لا يكون إلا من قبل رسول، يكلف من قبل الله، بصورة شخصية ومباشرة، وقد كان هذا هو حال الرسل في التاريخ .. وكل من يدعي هذا الأمر، يسأل، من الله، ومن الناس: أ الله أمرك بهذا، أم علي الله تفتري!؟ ولا يكفي في هذا الأمر الخطير، الفهم الشخصي للنصوص العامة، فواضح في هذه الحالة، أن التكليف فردي، فالله تعالي لا يسألني لم لم تقم الدين في الآخرين، وإنما يسألني: لم لم تقم الدين في نفسك .. لذلك أي طلب للسلطة بإسم الدين هو في الواقع إستغلال للدين لأغراض الدنيا، وصاحبه ينبغي أن يكون متهماً بذلك إبتداءاً، حتى يثبت أن الله أوكل إليه أمر أن يقيم فينا الدين، وإحكامه، نحن معشر البشر الآخرين .

    الدين والوطن:
    كتب السيد القاضي، وكأن الفكرة الجمهورية، حزب سياسي، بالمعني الضيق للسياسة، بمعني أنها حزب، يسعي إلي السطة في السودان، وفي الوقت الحالي، كبقية الأحزاب السياسية ويطرح نفسه للإنتخابات، وهذا غير الحق، فالحزب الجمهوري لم يسع للسلطة، ولم يشترك في أي إنتخابات، في العهود الديمقراطية، ولم يكن ذلك في نيته أساساً.. بل أكثر من ذلك حدث أن الأستاذ محمود، أوقف النشاط الخارجي، وركز علي النشاط الداخلي في التربية والسلوك، خشية أن يزيد عدد الجمهوريين، قبل أن تنضج النواة، فيأتي من يظن أن الحركة حركة سياسية، فينحرفوا بالفكرة بالأغلبية الميكانيكية.. فالحزب الجمهوري، حزب سياسي بمعني أن الإسلام يشمل السياسة، ولكن السياسة لا تشمل الإسلام.. فلو أبرز السيد القاضي هذه النقطة في كتاباته، كان سيظهر خلل كتاباته للكثير من قرائه .
    يقول القاضي: (ومشروع الفكرة الجمهورية لتوحيد السودان هو تعميم الإسلام واللغة العربية ..) هذا قول غير صحيح، ولم يرد في جهة من تراث الفكرة .. فالفكرة الجمهورية داعية لوحدة السودان منذ 1946م، وهي وحدة لا يوجد فيها أي شرط بسيادة الإسلام، أو اللغة العربية، وقد أوردنا النصوص في مساهمتنا الأولي، نورد منها هنا: (ولكن الحزب الجمهوري الذي يسعي إلي تحقيق وحدة السودان، أولاً وقبل كل شئ يقف اليوم أمام صخرة الجنوب وقد عقد النية علي إزالتها عن طريق الوحدة، بالغا ما بالغ أمرها)!! هذا هو الحال حتى منشور (هذا أو الطوفان)، والذي إنبنت عليه المحاكمة 1985م .. ولم يشترط الحزب الجمهوري، في أي يوم إنتشار اللغة العربية، كشرط لإنتشار الإٍسلام – وقد سبق الرد علي هذه النقطة – هذا تخريج من تخريجات القاضي التي عهدناها في كتابته هذه العجيبة.. الحزب الجمهوري هدفه نشر الإسلام في العالم، وليس جنوب أو غرب السودان، ولكنه لا يفرض شيئاً، وإنما يبشر بدعوته .
    يقول القاضي أن خيار الفكرة الجمهورية الأول هو الإسلام، وهذا حق، ولكن ما يريد القاضي أن يبنيه عليه هو الباطل، يقول السيد القاضي: (الفكرة الجمهورية (دينية، وليست وطنية) تقول الفكرة الجمهورية إنها معنية (بالإسلام والسودان)، ولكن عملياً خيار الإسلام قد استغرق كل وقت الفكرة، ومع كامل إحترامي وتبجيلي للفكرة الجمهورية إلا أنني أري أنها قدمت العربة علي الحصان، ولو أنها قالت (السودان والإسلام) لنجحت في رسالتها) .. كنا نتهم بالكفر، والخروج علي الإسلام، وهذه المرة التهمة هي أننا معنيون بالإسلام، ولا شئ غير الإسلام!؟ يقول القاضي عن الفكرة: (فهي معنية بالبعث الديني، وإحياء السنة بعد إندثارها، ودستورها القرآن، وبرنامج العمل الداخلي لديها هو كتاب (طريق محمد ...).. الحمد لله علي ذلك .. هذا قول حق، وهو من إيجابيات السيد القاضي رغم أنه أراد به غرضاً سلبياً، فهذا الذي أوردناه عن القاضي هو من المآخذ عنده!! هل تقديم الإسلام علي الوطن هو تقديم العربة على الحصان!؟ كيف!؟ القاضي لا يذكر تعليلاً، وكأن الأمر عنده من البداهة بحيث لا يحتاج إلي برهان، مع أن العكس هو الصحيح، فالإسلام أشمل من الوطن، لأنه دين للإنسانية جمعاء، وليس ديناً لشعب بعينه، ولأنه قضية ملازمة للإنسان حتى بعد أن تنتهي الأوطان.. فالوطن أمر متعلق بدورة هذه الحياة الدنيا، في حين أن الإسلام موضوعه السرمد، فهو يصحب الإنسان، عبر كل دورات الوجود.. ولا يوجد أي تعارض بين الإسلام، والوطن إلا في ذهن القاضي.. وقد خدم الجمهوريون الوطن خدمة جليلة من خلال التوعية والتربية، والتصدي لقضاياه منذ الأربعينات، وحتى الثمانينيات من القرن الماضي.. ويكفي أن الأستاذ محمود كان أول سجين سياسي في الحركة الوطنية في الأربعينيات وأنه إستشهد في سبيل الوطن.. ولكن يبدو أن خدمة الوطن عند القاضي، تعني السعي للسلطة، وهذا قطعاً، لم يكن من أهداف الأستاذ محمود وتنظيمه، ولو كانت السلطة من أغراضه، فقد كان يملك من التاريخ الوطني، ومن المواهب، ما يميزه علي غيره في الوصول إليها، ولكنه كان أزهد فيها، من زهده في الدنيا.. يبدو أن السيد القاضي حتى الآن لا يفهم أبعاد القضية الدينية، بدليل أنه الآن يدعو الجمهوريين، ليتركوا الإسلام للسياسة!؟ وهذا أمر جد عجيب!! أسمعه يقول: (قناعتي أن بإمكان الحزب الجمهوري، في دولة السلام، بعد إنتصار تحالف المهمشين، أن يقدم حزباً (وطنياً) يضم شماليين وجنوبيين، ومن الشرق والغرب، يستند في برنامجه علي تحقيق البرنامج الوارد في منشور(هذا.. أو الطوفان)، وكتاب (أسس دستور السودان) وبالطبع فإن هذا الحزب لن يكون معنياً بالبعد الديني من الفكرة الجمهورية، المضمن في رسالة الصلاة، وتعلموا كيف تصلون، وطريق محمد، والرسالة الثانية، لأن هذه الكتب كانت معنية بإخراج أمة المسلمين والإسلام الأخير، بالطبع سيسترشد الحزب بكتب التطوير.. قناعتي أن الساحة السودانية بحاجة إلي النشاط الجمهوري ببعده الوطني...)!؟ هكذا!! السيد القاضي صريح كل الصراحة، في دعوة الجمهوريين، ليتركوا الدين ويتفرغوا للسياسة!! ولكن إذا ترك الجمهوريون كل الذي تريدهم أن يتركوه، فلن يكونوا جمهوريين، فما تطالب بتركه هو كل الفكرة الجمهورية.. بل (طريق محمد) صلي الله عليه وسلم وحده، هو كل الفكرة الجمهورية، خل أن تضيف إليه الرسالة الثانية، وتعلموا كيف تصلون، ورسالة الصلاة .. ولكن ما هي الحجة التي قدمتها لإقناعهم بترك الدين للسياسة!؟ هل هي قناعتك أن الساحة السودانية محتاجة للنشاط الجمهوري ببعده الوطني..!؟ ولكن هذا أمر غير مقنع تماماً، بل هو معكوس تماماً.. فالساحة السودانية محتاجة للجمهوريين، وغير الجمهوريين، محتاجة لكل سوداني مخلص محب لوطنه، ولكن قيمة الجمهوريين الأساسية، لأنفسهم في المكان الأول، وللسودان في المكان الثاني، هي في البعد الديني، الذي تريد أن تبعده.. فالأزمة الأساسية في الحياة، وفي السياسة بالذات، هي أزمة قيم، أزمة أخلاق.. والجمهوريون، وقد وصفتهم أنت بقولك (الجمهوري في إيجاز جامع مانع، صادق لا يكذب، متواضع ومهذب) – نرجو لهم أن يكونوا كذلك وأكثر من ذلك – الجمهوريون القدر الذي إكتسبوه من هذه القيم، هو نتيجة وثمرة للدين، فإذا إنصرفوا عن الدين للسياسة، فهم يدخلون السياسة بنفس مدخل غيرهم، فالسياسة بلا دين تفسدهم، كما أفسدت وتفسد غيرهم، وفي الواقع غيرهم يكون أكفأ منهم، لأن السياسة، كواقع، تقوم علي عدم الصدق، والإلتواء، وهذه القيم السلبية، يصعب علي جمهوري، تمرس علي التربية وفق منهاج الفكرة، أن يحقق فيها نجاحاً، حتى ولو أراد ذلك.. اسس دستور السودان، لا يقوم بصورته الصحيحة، إلا في إطار القيم الدينية التي أفرزته.. والأنظمة التي تقوم علي الديمقراطية والفدرالية موجودة في العالم، والإختلاف بينها وبين ما جاء في كتاب الأسس، هو إختلاف، في الروح، في القيم، في بعد التربية الدينية .
    إن من لا يسعي في خلاص نفسه، لا ينتظر أن يكون له دور حقيقي في خلاص الآخرين، ففاقد الشئ لا يعطيه.. الأمر الذي يحيرني، هو ما موقفك الشخصي من الدين!؟ ما الذي جعلك بدل أن كنت علي الطريق، تصبح قاطعا للطريق!؟ هل أنت علي الإسلام، ووجدت ما هو أفضل من طريق محمد عليه أفضل الصلاة، وأتم التسليم!؟ أم هنالك أمر خلاف ذلك!؟
    آخر ما وصلت إليه هو أن تخرج الجمهوريين من الدين إلي السياسة، وبهذه البساطة!؟ في الدين، أو في السياسة، ما الذي تملكه، والذي يمكن أن يغري الآخرين بالإنضمام إليك!؟ دع عنك موضوع الدين، فحتى في أمر السياسة، التي أنت مشغول بها، أقول لك، إنك لن تستطيع أن تقدم شيئاً واحداً إيجابياً، وهو غائب عن المثقف السوداني العادي.
    كونك تدعو الجمهوريين لترك الدين، هذا دليل واضح علي إنك لا تعرف حجمك.. فأنت تزعم أنك بصدد بناء السودان الجديد علي (أسس عقلانية قادرة علي فهم وتأويل النصوص بمعيار المواطنة) ..وتتحدث عن التغير عن طريق الجمهور .. فما هو الجمهور الذي ستحدث به ثورة التغيير عندك!؟ هل هو الجمهور السوداني، أم جمهور ستستجلبه من الخارج!؟ أما الجمهور السوداني، فقد حكمت عليه بأن أحزابه وتنظيماته، قد ماتت أو تحتضر، وأنه جمهور من الأقزام، فأنت تقول (ما نريد أن نؤكده هو أن ميدان السودان القديم بلا فارس، فالساسة – علي مستوي القيادة كلهم منذ عهد أكتوبر 1964م، وقد جربهم الشعب وخبرهم، إذا سلمنا أن الأفكار لا تموت، فإن الحزب الجمهوري- كنشاط- قد مات، والحزب الشيوعي يحتضر، وحزب البعث قد إنتهي بالقبض علي صدام وحصار سوريا بقانون محاسبة سوريا، وحزب الأمة الإتحادي مصابان بداء الإنقسام، بسبب عدم تداول السلطة داخل هذه الأحزاب) وتواصل (سنحاول في الحلقة القادمة إصدار شهادة وفاة من طبب شرعي حول أسباب وفاة أحزاب المركز..) وأنت لا تؤمن بعودة الأموات للحياة في هذ الحياة الدنيا.. إذن الأحزاب عندك قد ماتت، فأنت بصدد إصدار شهادة الوفاة.. ماذا عن جمهور هذه الأحزاب!؟ أنت تقول: (الأستاذ محمود عملاقاً، يتقدم أقزاماً من الجمهوريين، وأن الصادق المهدي عملاقاً يتقدم أقزاماً من الأنصار، والسيد محمد عثمان الميرغني عملاقاً يتقدم أقزاماً من الختمية والإتحاديين، وأن الترابي عملاقاً يتقدم أقزاماً من الأخوان.. إلخ) .. إلخ تعني كل بقية الأحزاب، والتنظيمات كذلك.. وأتباع الأحزاب هؤلاء الذين ذكرتهم، هم تقريباً كل السودانيين في السودان الشمالي.. وإذا كانت إلخ هذه تشمل الجنوب، فهذا يعني أنك تعتبر جميع السودانيين أقزاماً، مناقضاً بذلك قولة الفكرة، بأن الشعب السوداني شعب عملاق يتقدمه أقزام .. والفكرة عندما قالت ذلك بنت علي أن الله حفظ علي الشعب السوداني من أصائل الطبائع، ما لا يتوفر عند الشعوب الأخرى .. المهم، أنت تعتبر كل الشعب السوداني أقزاماً، وتقول، مباشرة قبل هذا النص: (ولكن إذا كان الشعب قزماً هنا تكون المشكلة، لأن العيب هنا سيكون عيبا خلقياً لا يتعالج إلا بتغيير الجينات بالمزج التدريجي بالتزاوج خارج الشعب القزم)!! .
    فطالما أنك حكمت علي الشعب السوداني، أنه شعب من الأقزام، وقررت أن حالة القزمية هذه لا يمكن معالجتها إلا بالتغيير الجيني، فهذا يعني، بالضرورة، أن حالة الشعب السوداني ميئوس منها، ولا يمكن تغييرها إلا بالتغيير الجيني عن طريق التزاوج مع شعب آخر، علي المدي الطويل!! فهل منهج التغيير عندك للسودان الجديد، هو هذا التغيير الجيني!! ألم أقل أنك غير وفي لا لماضيك ولا لوطنك.. حتى خصائص الشعب السوداني الأصلية، التي لا خلاف حولها، تنكرها عليه!!
    وهؤلاء الزعماء العمالقة، ألست أنت من حكم عليهم، بأن الشعب قد جربهم، ولا مجال لهم في سودانك الجديد!؟
    ويتضح مما نقلناه لك من أقوال، أنك تري أنه ليس للسودان من فارس إلا أنت!!.
    لقد قالت الفكرة الجمهورية عن ثورة أكتوبر السودانية: (أنها ثورة فريدة في التاريخ المعاصر، تمكن بها شعب أعزل من إسقاط نظام عسكري إستأثر يالسلطة مدي ست سنوات.. ثم كانت ثورة بيضاء، لم ترق فيها الدماء.. وكانت إلي ذلك، ثورة بغير قائد، ولا مخطط، وبغير خطباء، ولا محمسين للجماهير، وتم فيها إجماع الشعب السوداني رجالاً، نساء، وأطفالاً، بشكل منقطع النظير، فلكأنها ثورة كل فرد، من أفراد الشعب، تهمه بصورة مباشرة وشخصية).. مقابل هذا قال السيد القاضي: (وبالرغم من ان ثورة الخميني كانت ثورة شعبية لها قيادة واعية، ومدركة لأهداف الثورة، وقد تمت الثورة في زمن طويل، ومعارضة منظمة عرفت بثورة (الكاسيت) وهي ثورة أعظم من ثورة أكتوبر الشعبية السودانية 1964م التي مجدتها الفكرة الجمهورية)!! لماذا أعظم؟ القاضي يقرر ولا يذكر سبباً.. أنت قلت بنفسك أن ثورة الخميني لها قيادة واعية وهي الإمام الخميني، وهو عندك شخصياً صاحب الوقت، وأن التخطيط لها تم في الزمن الطويل عن طريق الكاسيتات، وهذا فرق أساسي بينها وبين ثورة أكتوبر، التي لم يكن لها قائد ولا مخطط، فهي ثورة شعبية صرفة إذا صحَّ التعبير .. وهذا هو الفرق الأساسي بين الإثنتين.. ثم أن ثورة الخميني كانت لها أهداف منذ البداية، هي في جملتها إقامة دولة الشيعة، وهي دولة بمقاييسك أنت شخصياً دولة متخلفة، لأنها دولة دينية، وتقوم علي فكرة غيبية هي فكرة الإمام الغائب، والذي وضع الدستور بإسمه، ومن يحكم إنما يحكم نيابة عنه في غيبته، فهو ليس صاحب حق أصيل في الحكم، ولو أجمع عليه الشعب الإيراني كله.. والثورة الإيرانية تم تحريكها وزعيمها، خارج إيران، فأرجو لك أن تطلع علي وثائق هذه الثورة .
    وأنت نفسك تقول: (المؤسسات الحزبية التي تقوم فيها العلاقة بين زعيم الحزب وأعضائه، علي أساس العلاقة بين (المرشد والمريد) لا يمكن أن تنتج رجال ونساء دولة، لأن هذه المؤسسات قائمة علي تربية (الطاعة) بموروثها الثقافي الشيعي أو الصوفي الذي ما هو في النهاية إلا تحوير للموروث الإستبدادي الكسروي ..) ورغم ذلك تمجد الثورة الإيرانية، وتفضلها علي ثورة أكتوبر السودانية، وما ذلك إلا لأنك غير وفي لوطنك، وتعمل علي أن تبخس الشعب السوداني أشياءه، وتجور علي حقوقه، الواضحة، بغير حق.
    إنك لا تعرف ما تقول، وتقول ما لا تعرف .. ومن كتاباتك هذه، لا شئ يدل علي إنك تملك المواهب التي تؤهلك لتكون فارس السودان الجديد الذي تتحدث عنه.
    إن رجلاً عايش الأستاذ محمود، ولو ليوم واحد، ثم يقول عنه، أنه ينطلق من دوافع ذاتية، وأن عمله يقوم علي دفع إحتياطي، فإذا تمّ فبها، وإلا هنالك بديل، أن من يقول مثل هذه الأقوال، ليست مشكلته أنه منذور الحظ من الفطنة وحسب، وإنما مشكلته، مشكلة تتعلق بالحس، وقد قال قائل أهل الحس:

    يكفيني أني عشت زماناً كان له معني ومــــذاق
    يكفيني أني كنت جليسك رغم شعور الإبن العاق

    خالد الحاج .. رفاعة
    17/8/2004
    يتبع

    يمكن الرجوع للجزئين الأول والثاني من رد الأستاذ خالد الحاج على الوصلة التالية:
    الأستاذ خالد الحاج عبد المحمود يرد على السيد ابوبكر القاضي - الجزء الأول
                  

08-18-2004, 10:51 PM

Emad Batran

تاريخ التسجيل: 10-13-2003
مجموع المشاركات: 125

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ خالد الحاج عبد المحمود يرد على السيد ابوبكر القاضي - الجزء الثا (Re: Omer Abdalla)

    الاخ عمر
    ان الشكر هنا علي اجر الانزال لهو اقل وصفا من حالة الغبطة والسكون اللتان امتعاني بهما استاذ جلال ...
    فله مني عظيم الاجلال ....

    فقد خفف علي نفسي كثيرا من الظلم ...

    ظلم علي نفسي وظلمي لغيري ..

    قد حق فحقق...

    واقول

    أخر الخطايا ...

    لاتلقمهم حجرأ

    فأفواه الملسنين

    عافتها الصخور

    لكنك في عقول الشاهدين تزرع كلامأ اخضرأ ...
    وحتمأ
    سيشهد تفتق زهرأ يغير التاريخ.......
                  

08-19-2004, 01:46 AM

degna
<adegna
تاريخ التسجيل: 06-04-2002
مجموع المشاركات: 2981

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ خالد الحاج عبد المحمود يرد على السيد ابوبكر القاضي - الجزء الثا (Re: Emad Batran)

    الاستاذ العزيز عمر سلام الله عليك ورحمته وبركاته

    لا استطيع وصف حالة فرحي وغبطتي علي الاطلاع علي هذه المقالات الاكثر من مفيدة وحيوية
    لانها تعرفني اكثر بالحركة الجمهورية التي لم اتشرف بحضور عهدها
    الذي كانت فيه بحركة وحيوية ونشاط
    اكثر من ذلك مقالات الاستاذ الفاضل خالد الحاج جاوبت علي اسئلة كثيرة ظلت في ذهني لمدة طويلة عن الفكرة الجمهورية وبعض النقاط التي تحتاج الي تفصيلا اكثر
    عسكت هذه المقالات بالنسبة لي حجم وعي ورجاحة عقل الجمهورين في كثيرا من المسائل في الامور الدينية الدقيقة التي لم اضطلع علي فهما واسعا ومريحا كفهم الجمهورين لهذه المسائل من اي فكر ومدرسة

    انا اتابع وبشغف كبير مواصلة المقالات الرائعة الجميلة

    اشكر كثيرا الاستاذ ابوبكر القاضي علي كتابته تلك المقالات الي ادة الي تحريك اقلام هذه الشخصيات (الكنز)الخفي بيننا
    ولكي نتعرف اكثر علي الحركة الجمهورية وجوانب كثيرة مفيدة في مضمار الفكر الجمهوري الكبير


    ولك الشكر الجزيل لربطنا بمقالات الاستاذ المفكر خالد الحاج ابن الاستاذ الشهيد المفكر محمود محمد طه


    علي احمد (دقنه)
                  

08-19-2004, 01:44 PM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ خالد الحاج عبد المحمود يرد على السيد ابوبكر القاضي - الجزء الثا (Re: degna)

    أخي العزيز على (دقنة)
    كثير التحايا وأزكى السلام
    لقد أفرحني فرحك بالمقال وأحمد الله أنك وجدت من بين سطوره الفائدة المرجوة ولوكان هذا حسبه لكفى .. أتدرى أن الأستاذ محمود كان عندما يذهب أو يرسل تلاميذه للأصقاع النائية من سوداننا الشاسع كان يقول فيما معناه أن المقصود من ّّذلك العمل ربما يكون شخص واحد يقيم في ذلك الركن القصي وهذا يكفي ..
    ولاشك أن الأخ القاضي قد أتاح فرصة لتعريف الكثير من القراء بحقيقة الفكرة الجمهورية ومواقفها من بعض القضايا التي تناولها رغم التشويه المتعمد الذي ولغ فيه قلمه .. وهو بذلك قد أسدى لها خدمة بدون أن يشعر كما أشرت الى ذلك بذكاء ..
    وتجدني في شوق مثلك لقراءة الجزء الرابع (ولعله الأخير) من ردود الأستاذ خالد على مقالات الأخ القاضي .. أرجو أن يتمكن أخينا الصحفي عماد البليك من نشرها في جريدة الوطن القطرية التي نشرت مقالات القاضي ، لعل نشرها يزيل بعض التشويه الذي سببته تلك المقالات لقراء الصحيفة ..
    عمر
                  

08-19-2004, 01:26 PM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ خالد الحاج عبد المحمود يرد على السيد ابوبكر القاضي - الجزء الثا (Re: Emad Batran)

    أخي العزيز عماد
    شكرا على المرور والتعليق اللطيف وقد لاحظت ان قلمك جرى بذكر أخينا الراحل المقيم الأستاذ جلال فله ولك مني كثير السلام ..
    متكلم هو وحده متكلم هذى الحوادث كلها كلماته
    تياره رجع الحياة لنبعهاقد ذاب فيه حماته وعداته
    وأستوطن العقل القديم بداره واستيقن النبأ العظيم رواته
    التحية لكل من حولك

    عمر
                  

08-19-2004, 07:29 AM

تاج السر حسن

تاريخ التسجيل: 03-23-2004
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ خالد الحاج عبد المحمود يرد على السيد ابوبكر القاضي - الجزء الثا (Re: Omer Abdalla)

    أخى عمر عبدالله تحياتى واشواقى
    أرجوك دوما ان تغفر لنا خطايانا ، أن نجر ونهتم بكثير من المواضيع الأنصرافيه فى ظل مواضيع جاده هادفه مثل التى يرد فيه أخونا العزيز/ خالد ، على الأخ/ أبو بكر القاضى، نرجو -لنا- وله الهدايه.

    وكلما رجعت لما يكتبه الأخ/ خالد، أكاد أشاهد أستاذنا الشهيد عيانا بيانا، لا ادرى لماذا؟؟

    لعله الصدق الذى يحبه الشهيد ويلتزمه ، أجده فى كلمات الأخ/ خالد.

    وليت المسلمين جميعهم يتواضعون ويستمعون لهذا الفكر، الذى لا منجاة بغيره.

    فهو الفكر الوحيد القادر على حل مشاكل البشرية كلها، دون تنازل أو خنوع.

    فالأفكار والمذاهب الأسلاميه الأخرى تنادى وتطالب بتطبيق الشريعة لكنها تخشى غضبة المستنيرين واهل الوعى فتلتف حول تعاملات يريدها الدين ويرضى عنها وترفضها الشريعه.

    وهم يؤمنون بالجهاد بالسيف وباللفظ ويؤمنون بالعنف ، لكنهم يخافون أمريكا ومحاربتها للأرهاب فيلتفون الى المجادله بالتى هى أحسن، أى ينطقون بعكس ما يؤمنون.

    أما هذا الفكر هو الذى ينادى الى قبول الأخر والمساواة معه أن كان مسلما أو صاحب دين مخالف ، رجلا أم امراة.

    هو الذى يعلى من قيم جهاد النفس لا جهاد السيف، دون مواراة أو تنازل عت مبدأ.

    لذلك ليتهم يفيئون اليه كى يحملهم الى بر الأمان.
                  

08-19-2004, 01:56 PM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ خالد الحاج عبد المحمود يرد على السيد ابوبكر القاضي - الجزء الثا (Re: Omer Abdalla)

    الأخ العزيز تاج السر
    أطيب تحية وأزكى سلام
    شكرا على التوقف والتعليق .. وأجدني أدعو بدعوتك راجيا أن يستخدمنا الله الأستخدام الصالح فيما يفيدنا ويفيد الآخرين ، اذ انه انه من السنة التي نرجو أن نوفق في معيشتها قول النبي الكريم ""من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت" ..
    نعم كتابات الأستاذ خالد كتابات عميقة وتعليمية ومشربة بروح الفكرة وأنا شخصيا استفيد منها كثيرا ولذلك أجد حماسا زائدا في مشاركة الآخرين بها حتى تعم الفائدة ..
    اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا فيك علماً

    عمر
                  

08-20-2004, 04:19 AM

تاج السر حسن

تاريخ التسجيل: 03-23-2004
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ خالد الحاج عبد المحمود يرد على السيد ابوبكر القاضي - الجزء الثا (Re: Omer Abdalla)

    فوق من أجل السمو بالذوق
                  

08-20-2004, 01:10 PM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ خالد الحاج عبد المحمود يرد على السيد ابوبكر القاضي - الجزء الثا (Re: Omer Abdalla)

    شكرا تاج السر
    ومعك يد واحدة - تاني فوق

    عمر
                  

08-21-2004, 03:58 AM

تاج السر حسن

تاريخ التسجيل: 03-23-2004
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ خالد الحاج عبد المحمود يرد على السيد ابوبكر القاضي - الجزء الثا (Re: Omer Abdalla)

    شئ لله يا حسن
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de