حول الأدب السوداني

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-29-2024, 04:22 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-29-2004, 04:32 AM

zumrawi

تاريخ التسجيل: 08-31-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حول الأدب السوداني (Re: zumrawi)

    3- نوار سعد, أستاذة النحت ومحاضرة في تاريخ الفن المرئي, فوق الاربعين من العمر أو فيما فوق الثلاثين, لها عينان ضيقتان, لهما رمش جميل (أجمل من رمش أي امرأة خلقها الله في الآونة الاخيرة, ان رمشها أحلى من أذن فان جوخ), كما قال ذات يوم (أمين محمد أحمد) الذي أحبها بجنون. هي دائما, رقيقة بها أنوثة دافقة وهذا <<سلطانها>> كما يؤكد (أمين محمد أحمد), نوار سعد, تعشق الرجل وتعتبره أهم قضايا وجودها, قالت ذات مرة: أنا امرأة بسيطة أحب فاسيلي كاندنيسكي وميشيل فوكو والجنس أنا مخلوقة بسيطة>>, ص45 (القديسة) كانت تنزعج من نوار, عندما تبدي رغباتها الجنسية ولا تتردد في أن تقول لرجل أعجبت به <<أنا أريدك>> المدهش في هذه الشخصية, انها خرجت من بيئة شديدة الفقر, كان الجوع صديق أسرتها, الجوع الذي هو نتاج العوز والفقر والفاقة. عبر صفحات متعددة, 103: 113. فتح لنا الكاتب قوسا كبيرا, كي نعرف معاناة الجوع والقهر. عبر شخصية (نوار سعد) أخذنا الكاتب من عالم اليوجا والنرفانا والشعر والفن التشكيلي وجمال الطبيعة الى عالم واقعي, شديد الايلام والبؤس.

    4- مايازوكوف. أو مايا العزيز, كما يسميه الطلاب, إنه فنان روسي, درس الفنون بروسيا وباريس وتخصص في النحت ونال درجة الدكتوراة بجامعة موسكو, أستاذ الجميع وصديق الجميع, يذهبون الى مرسمه المفتوح بالجبل والى بيته, جاء للبلاد الكبيرة بعد موت صديقه (مداح المداح) الذي قابله في موسكو وعرفه على الشرق, كان مايا, رجلا عاطفيا وإنسانا رقيقا كالنسيم, قلبه شارع عام, وملك مشاع لا تحده جدران السياسة أو الفكر. كانت صدمته كبيرة, عندما طلبت منه السلطات مغادرة البلاد.

    5- مداح المداح, صديق مايا زوكوف, بعد موت (المداح) كان مايا يحتفل بذكراه سنويا, وكما تقول عنه نوار, كان (المداح) مغنيا سهل الروح صعلوكا ومرحا, لا يعرف الحزن لقلبه سبيلا, وكان يحب كل شيء: المأزق, حرب حزيران, المرأة, السلام والخمر, ولو انه كان يعشق جمال عبدالناصر, الا انه كان لا يرى في الصراع العربي الاسرائيلي إلا سوء تفاهم, مجرد سوء تفاهم بين طفلين لأم واحدة وهي: الأرض, كان يؤمن بأن حل القضية العربية الاسرائيلية لا يمكن بالرصاص والحرب الاقتصادية ولكن في المعايشة السلمية بين العربي والاسرائيلي وفوق دستور غير عنصري وقانون عادل ونظام حكم ديمقراطي. لقد قال مايا: إن مداح علمه اللغة العربية والغناء العربي وزرع فيه حب الشرق.

    6- في الرواية شخصيات أخرى مثل أمين محمد أحمد وسارة حسن وآدم وحافظ, الذي قتل في السجن ودفنت جثته في مكان مجهول, حتى عثر عليها بعد جهد طويل من أصدقائه كذلك شخصية (سابا تخلى), خادمة (نوار سعد) وصديقتها, سابا, لغز محير, قابلتها, نوار بسجن صغير لنقطة تفتيش بالحدود الوطنية الاثيوبية عندما حجزت نوار ليوم واحد بسبب حملها لتحف اثيوبية نادرة. تقول نوار, انها كانت في مقتبل العمر, جميلة في ملابس حبشية, لها عينان قلقتان كبيرتان مستديرتان كعيني ثعلب, لا تقرأ كثيرا من الشعر ولكن فقط شعر رامبو. لماذا شعر رامبو تحديدا? هل لأنه كان تاجر في هرر? قالت (سابا) إن رامبو عشق جدتها الرابعة وانجب منها طفلين ماتا غرقا وأن جدتها ماتت بعد ان نقل اليها رامبو مرض الزهري, أسرتها وكما ذكرت, ما زالت تحتفظ بأوراق مكتوبة بخط رامبو باللغة العربية وأخرى بالفرنسية.

    بخصوص التكنيك ولغة الرواية. فقد استطاع الكاتب من خلال تكنيك حافل بالحوارات وأسلوب الرسائل التي تقطع الحكي والمناجاة والمنولوج الداخلي, إضافة للفقرات الطويلة والقصيرة في السرد وطريقة التقطيع السينمائي, استطاع أن يجنب روايته البطء وان يحتفظ بمادته الروائية, في حالة من الحركة والسخونة وأيضا حشده لأسماء فنانين تشكيليين وكتاب أوحى بمناخ حقيقي تدور الرواية فيه: مايكل انجلو, روفائيل, سلفادور دالي, هنري ماتيس, فان جوخ, بيكاسو, جويا, بول كلي, شاجال, مايا كوفسكي, باببلونيردا, فوكاياما, طه حسين, الطيب صالح, النور عثمان أبكر, جورج لوكاتش, ادوار الخراط, ناجي العلي, الشيخ امام, ناظم الغزالي وغيرهم وقد حاول الكاتب استخدام لغة مشاكسة, كأن يبدأ الجملة بـ<<قال فلان كذا>>, ويضع نقطة, ثم يعيد تكرار الجملة في السطر التالي, واشتقاق كلمات, مثل مجاسدة مجانسة, يفارشني, واضافة ألف ولام التعريف للمضارع, استعماله كاف التشبيه بكثرة. الحوار, كان في مجمله باللغة العربية الفصحى, ربما, لان معظم الشخصيات مثقفة, الى جانب بعض المفردات من اللهجة السودانية, يوجد خطأ في السرد, ربما بسبب السهو او النسيان, في صفحة 37, نجد الراوية تقول, انها كانت تصغر الفتى (محمد آدم) بثلاث سنوات, كان الفتى في الثالثة عشرة من عمره, إذن هي في العاشرة. ثم نجدها تقول في صفحة 43, انها كانت في الثالثة عشرة. هل هذا يا ترى خطأ الراوية أم خطأ الكاتب نفسه? كذلك يوجد خطأ آخر, تمثل في الخلط بين اسمى, نورا ونوار, ولكن هذا الخطأ, ربما يكون من الأخطاء المطبعية. اللافت في تكنيك الرواية, أن الراوي أنثى وهذا بعد هام سواء على مستوى التقنية أو الرؤية.

    هناك اشكاليتان, يجدر بي التوقف عندهما, أولا: فكرة الوطن, وهذه الفكرة صارت تطرح بشكل متزايد في أدبنا العربي, يكفي ذكر أسماء مثل, رؤوف مسعد, جبار ياسين, حسونة المصباحي وغيرهم, من أسباب بروز هذه الفكرة, الفقر والظلم والواقع المرير الذي يمر به الناس والكتاب, سيما في بلادنا, مما أدى الى هجرة الكتاب وغيرهم الى بلاد أخرى, أدى ذلك بدوره الى ازدواجية الانتماء وطرح فكرة الوطن (نوار سعد) قالت: ان <<وطنك هو المكان الذي يحتويك>> ص78 وقالت ان (مايازوكوف), قد استطاع أن يخلق لنا واقعا جميلا في بلادنا, لقد شيد المرسم والمغارات وزرع الأشجار وجلب الحيوانات والبشر أيضا, بشر من جنسيات عدة, عرب, أوروبيون, آسيويون, أفارقة, صعاليك ورجال دين متطرفون, ورجال مسالمون مسامحون, شحاذون ومحسنون, مثقفات, داعرات, شعراء وأنبياء كذبة, الجميع في ساحة بيت (مايازوكوف) لقد استطاع وهو الغريب, أن يزرع في (نوار سعد) وباقي الأصدقاء, الاحساس بالمواطنة, فالإنسان وفق رؤية مايا, يستطيع أن يخلق طرفه الموضوعي, وبقليل من البحث يمكن أن يجد في بلاده ما يسعى إليه. من المفارقات, أن مايازوكوف نفسه, لم يقدر على العيش في بلاده? تبدو المسألة ملتبسة, مع ذلك لا بديل عن البحث داخل وطنك وخارج وطنك, والتواصل مع الآخرين, ربما تضيق المسافات, وتصبح المأساة عالمية, والفرحة لها طابع عام وممتد والحب أسطورة, كما تمنت (نوار سعد).

    ثانيا, فكرة الخلاص, من اول صفحة حتى آخر صفحة, نجد فكرة الخلاص تؤرق معظم الشخوص, لقد اعتقد (المختار) أن خلاصه, يمكن أن يكون في العزلة والتأمل, وتصور (مايازوكوف) ان الخلاص بالفن والتسامح والوطن البديل. على فكرة (المختار) و(مايازوكوف), كوجهي العملة, في اختيار المكان واختيار طرق الخلاص, (المحراب وبيت مايازوكوف) بين الغابة ووسط الطبيعة. والايمان بالفن والمعرفة, لقد كان (مايازوكوف) يكرر <<إن المختار يشبهني كثيرا ولحد ما نصفي الآخر>>.ص85 كذلك اعتقدت (نوار سعد) ان خلاصها بالجنس, وسار كل من حافظ وآدم وسارة حسن في طريق النضال السياسي, وحاول (أمين محمد أحمد) أن يموت حيا في (نوار سعد), لقد تشابهت واختلفت دروب الخلاص, لكن يلوح أن لا خلاص سوى بالاشتباك مع الحياة ذاتها, فالحياة تبدو سلسلة مستمرة من البدايات.

    أعمال طارق الطيب

    طارق الطيب, سوداني, ولد لأبوين سودانيين ونشأ ودرس وعاش ربع قرن في القاهرة قبل ان يسافر الى أوروبا, إذن هو سوداني النسب, مصري النشأة والتكوين, الطيب, له ستة أعمال, بينهم مسرحية بعنوان <<الأسانسير>> كتبها بالعامية المصرية. مع ذلك فالشريان السوداني, ينبض داخل الكاتب وأعماله, روايته الاولى <<مدن بلا نخيل>> تحكي عن <<حمزة>>, الذي ترك قريته السودانية <<ود النار>>, وانتقل الى عدة مدن من اجل حياة أفضل.

    لذا فكونه مصريا سودانيا, فان ذلك بلاشك يعطيه حساسية خاصة, ويفتح له آفاقا واسعة للابداع, كما قال الكاتب الكبير, الطيب صالح, في تقديمه لمجموعة <<الجمل لا يقف خلف إشارة حمراء>>, يمكننا الآن الدخول الى عالم طارق الطيب, ولعل سمة الحنين من السمات التي تغلف أغلب أعماله. الحنين لبشر وأماكن وحكايات, تسربت في الأعماق منذ الطفولة وفترات التكوين الأولى, تجلى ذلك الحنين بدرجات متفاوتة, وصل ذروته في مجموعتيه القصصيتين, <<الجمل لا يقف خلف إشارة حمراء>>, و<<اذكروا محاسن>>, هناك شخصيات وأماكن ذكرت أكثر من مرة بتنويعات متعددة, شخصيات, <<عم اسماعين اللبان>>, و<<أم علي>>, <<عبدالمالك>>, الأب, الأم, الأخوة والأقارب والأصدقاء, وأماكن ومفردات بعينها, الشارع والحارة والبيت والمدرسة والترعة والمقابر القديمة, والنخلة وشجرة الليمون وقضبان القطار, <<ما زلت أذكر هذه النخلة وهذا المكان>> ص116 (قصة, يجب أن يغادرونا, م, الجمل لا يقف خلف اشارة حمراء), الحنين لبشر وأماكن ومفردات شديدة الخصوصية, يجعلنا نتوقف عند دور الذاكرة في أعمال, طارق الطيب, <<ما اسهل أن نعود بالذاكرة الى سنين مضت, وما أصعب أن نتحلل من حبائلها دون حنين ممزوج بالأسى. أجهد نفسي في طرد ذكرياتي من عقلي وأتشبث بها في آن. هويتي ضاعت, حائرا أقف في منتصف الطريق بل في نهاية الطريق, أحمل رأسا مخضبا بالذكريات>> ص63, (قصة, طفو فوق الذكريات, م, الجمل لا يقف...), يمكن الاستشهاد بأكثر من فقرة, تدشن دور الذاكرة. مجموعة <<اذكروا محاسن>>, يحكي فيها الراوي عن رغبته في البوح والخلاص عن طريق استرجاع الحكايات, فهو لن يرضى أن يموت بغير حكاية, <<حكاية لن تؤذي أحدا>>,ص11, حتى في كتابه <<حقيبة مملوءة بحمام وهديل>>, - مع ان هذا الكتاب ينتمي لمرحلة جديدة- نجد عبارات عن الذاكرة التي تحمل لنا الماضي وتظهر لنا المصائب أخف ص33, لاشك أن الذاكرة لعبت دورا كبيرا عند معظم الكتاب, سيما الذين تركوا بلادهم وهاجروا, لأسباب شتى, الذاكرة كانت في كتاباتهم, بمثابة- ولن أقول بديلا عن- البيت والوطن. فالذاكرة, ذاكرة الكتابة تحديدا, تعني حماية البيت الأول والمكان من خطر التلاشي والنسيان. تعني أيضا, القبض على كل كلمة وجملة وحكاية حدثت في الوطن, تبدو الذاكرة في تلك الحالة, كأنها حفر مستمر لاستخراج ما هو غائب وجعله حاضرا باستمرار, الذاكرة وفق هذا التصور, تعني الهوية. اضافة الى ما ذكرنا يمكننا رصد سمات أخرى في أعمال الكاتب.

    1- يقول الراوي في رواية <<مدن بلا نخيل>>, <<إن له مع المقابر ألفة وحبا>> ص18, كما انه يشعر بارتياح عميق لاكتشافه أشياء ثابتة لا تتغير في الكون, كما انه يشعر بالتشتت والغربة عندما تجري الأرض تحت قدميه. هذا الحب للمقابر وذلك الشعور المريح باكتشاف أشياء ثابتة لا تتغير في الكون, في بعد من أبعاده وكما ذكرنا سابقا, يعود للرغبة في الحفاظ على المكان الأول, وفي بعد ثان, محاولة لعمل توازن داخل الانسان, كي يحمي نفسه من المتغيرات السريعة ومحو الهوية الذي يمكن أن يحدث; بسبب الجري خلف الجديد أو بسبب التراكمات الثقافية المختلفة عن الثقافة الأم.

    2- في أعمال الكاتب, إدانة واضحة للعنصرية والتعالي الأوروبي. بداية من <<مدن بلا نخيل>> يحكي الراوي عن <<أدهم>> الذي يعمل في أحد أسواق الخضر والفواكه في باريس ولا تقابله <<مشكلات سوى مشكلات الأجانب والمضطهدين في كل بقاع الأرض>> ص36, وفي مجموعة <<الجمل لا يقف خلف إشارة حمراء>>, فيها أكثر من قصة أظهرت عنصرية البعض, قصة <<في انتظار سارة>>, أحد شخوصها, نادل مقهى, يكره وجود الأجانب ليس في المقهى فقط بل في كل البلد. وقصة <<يجب أن يغادرونا>> بها رجل أعمى يقول, ان الأجانب هم السبب في المشاكل العديدة. كذلك قصة <<مجنونة>>, عندما ينسى الراوي نفسه ويتمتم ببعض كلمات, خرجت منه دون أن يدري وهو تحت ضغط نفسي شديد, نجد أحدهم يقول له, <<عد الى بلدك واشتم هناك كما تريد>> ص144, ربما خلاصة المشكلة, قالتها <<حكيمة>>, وهي شخصية الأم التي لا تعرف القراءة والكتابة في مسرحية <<الأسانسير>>, <<يشتغلوا عندنا ويأخدوا أحسن المرتبات وولادنا يشتغلوا عندهم مرمطونات>> ص83, بالطبع هناك أبعاد وملامح أخرى لهذه المشكلة, لكن ليس هذا المقال مجالا لعرضها.

    3- توجد قصص, عبارة عن لحظات انسانية خالصة تذكرنا بالأبعاد الإنسانية في قصص, محمود البدوي ويوسف ادريس وعبدالحكيم قاسم, قصص مثل <<مساومة>> (م, الجمل لا يقف..), هذه القصة جيدة شكلا وعمقا, شكلا أو تكنيكا, لأن الكاتب قبل أن يدخل بنا الى عالم الحدث الرئيسي, قدم لنا توطئة للمساومة الكبيرة التي ستحدث, هذه التوطئة تمثلت في الطفل الغني الذي يقدم الشيكولاته لطفل أفقر منه, مقابل أن ينقل منه بعض الواجبات المدرسية, ثم يصف الراوي, المساومة الأكبر, والتي تمت بين البائع, شجي الصوت, الذي يبدو عليه المرح والنشاط, وبين امرأة جميلة. في تصوري ان سرد أحداث القصة والبداية والنهاية لن يغني عن قراءة القصة. لكن تجدر الاشارة الى مهارة الكاتب وقدرته في القبض على لحظات عميقة في حياة البشر. يضاف الى هذا الاتجاه, قصة <<عم اسماعين اللبان>> (م, اذكروا محاسن) وقصة <<أم علي>> و<<ياعسس العقارب يا حصيرة>>, نفس المجموعة, قصة <<أم علي>>, عن امرأة, تحمل ابنها الكبير القعيد على ظهرها بعد الظهر, وفي الصباح تحمل الماء الى البيوت. قصة <<يا عسس العقارب يا حصيرة>>, عن الطفل <<نور>>, الذي أصيب بالغرغرينا وبتروا ذراعه, هذه القصص وغيرها, رحلة للامساك بالمشاعر الدفينة الحزينة والنبيلة, في حياة الانسان.

    4- بين ثنايا القصص, حس فنتازي ساخر, مثلا, الجمل الذي حين وصل الى الخيمة ضحك م (الجمل لا يقف...), والجمل الذي يهمس في أذن مهرة, قصة <<مداخل لخروج>> م (اذكروا محاسن),, او امرأة جميلة يرضع من ثديها ضبع, كما في (حقيبة مملوءة بحمام وهديل>> الكتابة بلا فنتازيا, تصبح وصفا مملا, الحسن الفنتازي قريب ومرتبط بالنفس. أي فعل عادي يقوم به الانسان, كتدخين سيجارة, أو ملامح الفرح او الحزن على وجه انسان وغيرها من الأفعال الروتينية, يستطيع الكاتب ان يحولها بفضل الحس الفنتازي, الى لقطات فنتازيا جميلة بها غموض, يقلق لكن لا يعتم. لقد قال الكاتب, إن كتابه (تخلصات الطيب), سيكون مليئا بمجموعة من الحيوانات التي تتكلم وتتحرك, الهدهد, الضبع, الديك, الثور, ابن آوى, عناوين الكتاب أغلبها اسماء طيور وحيوانات. نقلة من نقلات الكاتب كي, يشعر القارئ انه في عالم غير واقعي ومفاجآته في نفس الوقت برؤية لا يتوقعها.

    - عند قراءتي قصة, <<جسد يذوب في عطر وألوان وفانوس>>, (م, اذكروا محاسن), شعرت انها تهليلة للجسد وأفراحه واسراره ولذائذه. السرد والوصف في هذه القصة, تم ببطء مضفور بمتعة في الحكي. وكأنما الراوي, سعى لتطويل وتمديد اللحظة, لا يريد بلوغ الذروة بسرعة, لحظة اللذة لا تتجاوز ثواني, لذا مددت واستطالت أثناء الكتابة, كي نصل ربما, الى اكتشاف جديد. هذه القصة, دعتني لاسترجاع المشاهد والعلاقات الجسدية, في رواية <<مدن بلا نخيل>>, نجد <<حمزة>>, وقد أحب <<حياة>>, زوجة التاجر الذي يعمل عنده. العلاقة الجنسية بينهما جعلها تحمل بطفل. زوجها العقيم اعتقد أن الطفل طفله, كذلك أحب <<مهدي>>, <<مريم>>, زوجة أخيه, في قصة <<رب البنات>> (م, الجمل لا يقف...) وقصة <<شابان>>, (م, اذكروا محاسن), ارتبط الجنس فيها بالشذوذ, ثم قصة <<في آن>>, نفس المجموعة, حكي الراوي وهو طفل, عن خاله الذي كان يبيت عندهم ليلة مع زوجته, فتصرخ ويسمع منها اصواتا غريبة طوال الليل, <<بينما أمه تؤنب أخاها في صوت مبحوح غاضب على طيشه وفيضان صبره>> ص63. هذه المشاهد والعلاقات الجنسية, على قلتها, لكن تبدو عنيفة وخارجة عن المألوف ولا يستطيع أصحابها السيطرة على غرائزهم, جائز, لانهم سعوا بوعي أو من دون وعي, لتجاهل العالم المحيط بهم.

    6- نهايات القصص لا تحمل توقعات الراوي والقارئ معا, فالقارئ عندما يقرأ يتوقع عدة أشياء, لكن الكاتب قد اختار عدة نهايات يصعب على القارئ توقعها أو تخيلها, مع دخول هذه النهايات في السياق الطبيعي والمناسب مع القصة, حدثت هذه النهايات غير المتوقعة في قصص, <<الفريسة>>, <<الجثة>>, <<في انتظار سارة>> وغيرها.

    7- بعض القصص فيها توظيف للحكايات والأساطير القديمة. كما في <<عين في عيون العين>> و<<مداخل لخروج>>, من (م, اذكروا محاسن), كذلك في كتاب (حقيبة مملوءة بحمام وهديل), الاسطورة والحكاية الخرافية وظفت غالبا, من أجل, كسر حدة السرد واختراق الحكي وجعله أكثر تشويقا ومتعة.

    الآن لنتوقف بعض الوقت عند اللغة والتكنيك, لقد كتب طارق الطيب, مسرحية <<الأسانسير>>, بالعامية, وقدم لها بكلمة قصيرة عن علاقته مع العامية والفصحى, ورأى أن العامية وهي لهجة اللسان الأولى منذ المولد, لا يمكن نزعها بسهولة, كما انه يعتقد أن هناك أحاديث تكون العامية فيها أعم والفصحى فيها أفصح, وتمنى في ختام تقديمه للمسرحية, أن تكون, <<وصلتي هذه في محلها, وصلة بين العامية والفصحى, على أن تكون التفرقة بينهما عن احترام لكليهما لا عن كراهية واحدة للأخرى, وعلى ألا يصير مستقبلا كاتب العامية عدوا للفصحى وللغة الأم>>,ص11, يمكن القول, إن لغة, الطيب, سواء الفصحى أو العامية, بمثابة أداة هامة في مشروعه من أجل الوجود والمعرفة, وإذا أردنا التدقيق, نقول مع آخرين, إن لغته, فيها من الغنائية قدر ومن الشفافية قدر ثان ومن الألغاز والمراوغة قدر ثالث, لغة تملك القدرة على التعبير, عن تلك المنطقة الغامضة أو المضببة لدى كل إنسان, حيث تختلط الأحزان بالأشواق والرغبات الدفينة بالمخاوف, خلاصة القول, لغة, تتفتح وتتدفق كالحياة ذاتها, بخصوص التكنيك, التكنيك عند الطيب, متنوع حسب المواضيع, تنوعت أساليب السرد والحكي وهو أمر طبيعي كما قال الطيب صالح في تقديمه لمجموعة (الجمل لا يقف...), هناك الاسلوب المباشر في رواية الأحداث, وأحيانا يتبع أسلوبا متقطعا متداخلا أقرب الى الأسلوب السينمائي, وأحيانا يتبع أسلوبا دراميا أقرب الى المسرح وفي بعض احيان يتبع أسلوبا سورياليا, أو فنتازيا, اضافة لذلك, أرى إنه مغرم بالوصف المسهب والتفاصيل الصغيرة, الوصف عنده يرتبط بالسابق واللاحق, لكن في نسيج الكتابات تفاصيل صغيرة, يقف عندها, يدفعنا, كي نقف ونتأمل مشهدا أو تفصيلة بعينها, قصة <<القطار>> (م, الجمل لا يقف...), يحكي فيها الراوي عن الطفل الذي يشعر بإلفة وهو تحت القطار الواقف. كذلك وصف شجرة الليمون والعلاقة بين اللون الأصفر والأخضر في قصة <<اذكروا محاسن>> من المجموعة التي بنفس العنوان. يمكن أيضا أن نتكلم عن الايقاع في القصص, يوجد ايقاع شبه موسيقي, ناتج عن اللعب بالكلمات وتوزيعها بشكل أحجة وأشكال مختلفة, قصة <<القطار>> و<<كلمات عمياء>> (م, الجمل لا يقف...) وقصة <<العرافة تقول>> و<<جسد يذوب>> (م, اذكروا محاسن), الايقاع الذي بداخل هذه القصص, يقترب من ايقاع وصوت الطبول البعيد في الغابات الافريقية.

    قبل أن انهي وقفتي مع هذه المرحلة من أعمال الكاتب, أحب أن أشير الى ثلاث شخصيات, الأولى, شخصية <<حمزة>> في رواية <<مدن بلا نخيل>>, شخصية متحركة, بداخلها هموم وأحزان وتمثل في آن, قطاعا كبيرا, يسعى لحياة أفضل. الثانية, شخصية <<جاب الله>> في قصة, <<رب البنات>> (م, الجمل لا يقف...), شخصية ثابتة نمطية, لا تتطور, ولا تحب الخروج على العادات والتقاليد القديمة الموروثة, الثالثة, شخصية <<خليل الناس الشيروني>>, (م, اذكروا محاسن) شخصية توحي بالخروج على السائد وكسر المألوف, تسعى للجمال والمعرفة, على طريقتها الخاصة, النماذج الثلاثة, بمثابة الجسر الذي يربط بين مرحلة قديمة ومرحلة جديدة.

    المصادر:

    1 - أخبار البنت مياكايا, رواية, ابراهيم اسحق ابراهيم, مركز الدراسات السودانية, القاهرة 2002.

    2 - القصة الحديثة في السودان د. مختار عجوبة, مركز الدراسات السودانية بالقاهرة, طبعة2, 2002.

    3 - عندما يهتز جبل البركل, قصص, مركز الدراسات السودانية.

    4 - صالح الجبل , رواية, عندما يهتز جبل البركل, قصص, مركز الدراسات السودانية.

    5 - الطواحين, رواية, عبدالعزيز بركة ساكن, مكتبة الشريف للطباعة والنشر, السودان, 2001.

    6 - مدن بلا نخيل, رواية, طارق الطيب, الحضارة للنشر, القاهرة, ط2, 1994.

    7 - الجمل لا يقف خلف اشارة حمراء, قصص الحضارة للنشر, القاهرة 1993.

    8 - الأسانسير, مسرحية, السلالم للطباعة, القاهرة 1992.

    9 - اذكروا محاسن, قصص, مشرقيات, القاهرة, 1998.

    10- حقيبة مملوءة بحمام وهديل, دار سيلينه للنشر, فيينا 1999

    Nizwa Magazine
    Issue 36
    http://www.nizwa.com
                  

العنوان الكاتب Date
حول الأدب السوداني zumrawi06-29-04, 04:30 AM
  Re: حول الأدب السوداني zumrawi06-29-04, 04:32 AM
    Re: حول الأدب السوداني Habib_bldo06-29-04, 08:40 AM
    Re: حول الأدب السوداني أمير تاج السر06-29-04, 08:45 AM
  Re: حول الأدب السوداني zumrawi06-29-04, 07:07 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de