انحنيت تقديرا لأم الحسن وزملائها

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 03:10 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-29-2004, 07:19 AM

ودقاسم
<aودقاسم
تاريخ التسجيل: 07-07-2003
مجموع المشاركات: 11146

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
انحنيت تقديرا لأم الحسن وزملائها

    عذابات السنين ومعاناتها تظهر بوضوح فوق جبينها ، وصبغ الحنّاء يلوّن مقدمة شعرها ، وبدا لي أن ساقيها قد انحنتا بعض الشيء من كثرة المشاوير ( الكدّاري ) بين المحطة الوسطى ووزارة المالية ،، فقد أحسست أن قامتها أقصر مما تركتها عليه قبل أكثر من عشرين عاما حين هاجرت لأول مرة ، ثم لم ألتقيها طيلة هذه السنين ،، كانت أم الحسن في ذاك الزمان تعمل بجد في غرفة مخصصة للطباعة بالآلة الكاتبة ،، وكان بالغرفة ما يقارب العشر بنات ، يتوسطهن صبي واحد ، كلهم منهمكون في عملهم لا يجدون وقتا للتعارف ، والأنس ، والتسكع ،، لكن أم الحسن كانت أكثر زميلاتها نشاطا وانفتاحا وخروجا من المكتب ،، ورغم ذلك كان أداؤها ممتازا ، ومتميزا ، وسريعا .. وكنت كلما رأيتها تسرع في مشيتها أو في عملها ، أو استمعت إليها تشكو من ضغط العمل ، أقول لم كل هذا ؟ أيعقل أن يكون هذا كله من أجل أربعة وعشرين جنيها هي كل مرتب أم الحسن ؟
    قالت لي أم الحسن أنها بعد أن أكملت المدرسة الوسطى اتجهت إلى معهد للآلة الكاتبة ، تدربت فيه ، ثم التحقت بوزارة المالية في وظيفة ( ناسخ ) ، قالت ذلك ، وروت لي حاجة أمها الأرملة وإخوتها الصغار ، مما دفعها لترك الدراسة والانتقال إلى الوظيفة مضحية بكل مستقبلها من أجل هؤلاء الضعفاء . كان يبدو لي أن أم الحسن كانت تعاني كثيرا لتشتري ثوبا أبيض إضافيا لتأتي به إلى المكتب ، وكانت تعاني كثيرا وهي تدفع كل يوم خمسة وعشرين قرشا جيئة وذهابا في مواصلات العاصمة ، لذا لم يكن بمقدور أم الحسن أن تبدل ثوبها يوميا ، أو تغسله وتكويه يوميا ، ولم يكن في مقدورها أن تغسل شعرها أو تفرده أو تمنحه حمّام زيت بصورة منتظمة ،، وفستان أم الحسن أيضا لا يحظى باهتمام كبير ، فهي فقط تمتلك القدرة على الابتعاد عن ما يمكن أن يراكم الأوساخ ، لكنها لا تمتلك القدرة على النظافة المستمرة ..
    أم الحسن كانت في ريعان شبابها حين تعرفت عليها لأول مرة في أواخر السبعينات ، متوسطة الطول ، متوسطة الوزن ، وجهها يميل إلى الاستدارة ، عيناها واسعتان ، صدرها بارز ، شعرها ناعم مسدل ، يهتز منها الكفل حين تمشي عبر الصالة الممتدة بعرض وزارة المالية .. والبساطة كانت سمة أم الحسن ، لا تفتعلها ، ولا تتصنعها ، ولا تدّعيها ، فهي قادمة من أطراف المدينة ، من أسرة عانت الفقر واليتم ، ، لكن الابتسامة لم تكن تفارق أم الحسن ، وهي دائما منفرجة الأسارير ، تمتلك استعداد فطريا للظرف ، والفكاهة ، والمزاح ،، تبادل الزملاء والزميلات التحايا ، والقفشات ، والمودة ،، لم ألحظ على أم الحسن انهزاما ، ولم ألحظ عليها تكدرا ، ولم ألحظ عليها تطلعا إلى ما في أيدي الناس ،،
    بعد بضع وعشرين سنة ، عدت منتفخ الأوداج ، منتفخ الجيوب من غربتي اللئيمة ، وكما تغير بي الحال ظننت أن أم الحسن أيضا تغير بها الحال ،، قلت أزور وزارة المالية ، وأقابل من بقي هناك من زملاء وزميلات لم يقدّر لي أن أزاملهم طويلا ،، ربما يذكرونني لماما ، لكني سأزورهم ، وأشفي بعضا من فضول ، وبعضا من غرور ،،
    وفي الصالة الطويلة المطلة على وزارة الداخلية ، رأيتها ، نفس المشية ، نفس الهيئة ، وربما نفس الثوب الأبيض ، لم يتبدل الشكل الخارجي لأم الحسن طيلة هذه السنين ، لم تنتقل إلى الطرحة ، ولم تهجر الإهمال . أسرعت الخطى نحو أم الحسن ، إلى أن بلغتها ،، رفعت صوتي بالسلام ، والتفت أم الحسن ترد السلام بشيء من تردد ،، مددت يدي ، فترددت أكثر ، لكنها في النهاية مدت يدها ،، لا خاتم فيها ، ولا سوار ، لكنها ليست يدا مضطربة ،، سألتها :
    أنت أم الحسن ، أليس كذلك ؟
    قالت : نعم ،، وكأنك أنت ودقاسم ؟
    قلت : نعم أنا هو .
    قالت : لكنك ازددت طولا وعرضا ، عيني باردة ، ويا صلاة النبي .
    قلت : إنه ملح الغربة انتفخ به جسدي ، وهلك به عقلي ..
    أخذتني أم الحسن لمكتبها ، الغرفة تغيرت ، والأجهزة تغيرت ، وأشكال الناس تغيرت ،، سألتها عن زملائها السابقين ،، وعرفت أنهم جميعا تفرقوا ، وتفرقت بهم الدنيا ،، الغربة أخذت بنصيبها ، والبيوت أخذت بنصيبها ، والموت أخذ بنصيبه ،، وعرفت أن أم الحسن أصبحت الآن رئيسا لهذه الغرفة ، وأن الراتب تضاعف أضعافا مضاعفة ، لكن معاناة أم الحسن ظلت تتضاعف مع مرور السنين ،، فظل الثوب واحدا ، والفستان واحدا ، والحذاء واحدا ، وظل الشعر بلا عطر ولا زيت ..
    في مكتب أم الحسن شربت كأسا من الشاي ، رغم إصرارها على أن أشرب عصيرا ، إلا أنني فضلت الشاي رحمة بمحفظة أم ألحسن ،، وسألت أم الحسن عن أمها وإخوتها ، فترحمت على أمها ، وغشتها سحابة من حزن ، ثم عرّجت على إخوتها ، الذين كبروا ، إلا أنهم لم يحققوا لها حلما .. الحمد لله أن كل منهم الآن مسئول عن نفسه . قالتها أم الحسن وفي نفسها حسرة وألم ،،
    وما خبرك أنت أم الحسن ، هل جاءك ود الحلال ؟ سألتها بعد تردد .
    قالت : نعم جاءني ، غمرني بحبه ، لكن سرعان ما افترقنا ، وبيننا ولد عمره الآن سبع سنين .. كانت تجربة قاسية ، عشتها طلبا للسترة ، وما كنت أرغب في استمرارها ،، ذقت الكثير من الألم ، والكثير من سوء المعاملة ،، لا أعلم كيف تستمر النساء كزوجات ، يبدو لي أن الأزواج كلهم وقحون ، وأن الرجال كلهم مخادعون ، وأن مهنة الإنسان هي رفيقه الذي لا يخونه ،، لم يخلص لي في هذه الدنيا إلا مهنتي ، ظللت ( ناسخة ) منذ يوم تعييني ، تغيرت الحكومات ، وتبدلت أحوال الناس ، وجاءت تقنية جديدة ، لكن مهنتي ظلت رفيقا لي ، لم تتبدل ولم تخذلني ولم تتعالى عليّ ، ولم تتقاصر عن حاجتي ..
    قادتني أم الحسن إلى مكتب أحد الزملاء من الذين صمدوا أمام كل التيارات فأصبح يشغل وظيفة نائب الوكيل ، وفي مكتبه تنادى عدد آخر من الزملاء الصامدين ، لكنهم جميعا فقدوا الشعر ، أو فقدوا صمود سواده ، وانحنت ظهور بعضهم ،، تقدم بهم العمر ولم يتقدم بهم الحال ،،
    ساعتين قضيتهما مع زملاء فصلت بيني وبينهم سنوات الغربة اللئيمة ، لم يتغيروا كثيرا ، ولم يتبدلوا كثيرا ، أنا فقط تغيرت ، وبدلا عن إشباع فضولي ، وإشباع غروري ، انحنيت تقديرا لأم الحسن وبقية الزملاء ..


                  

06-29-2004, 08:27 AM

مريم الطيب
<aمريم الطيب
تاريخ التسجيل: 12-18-2003
مجموع المشاركات: 1356

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: انحنيت تقديرا لأم الحسن وزملائها (Re: ودقاسم)

    ودقاسم..

    غشتني غلالة حزن شفيف ..وانحنيت معك تقديرا لكل امهات الحسن..

    كاني قد عرفتها ..وما اكثرهن ’’تتعدد الاسماء والوجوه.. والحزن

    واحد...لي نفس العادة..البحث عن الوجوه ,,الاماكن

    ,,الشوارع حتي الوجوه لاناس لا قد لايعرفونني,,مهوسة

    انابالملامح ...سحرتني لوحتك ياودقاسم..من منا لم يمر بهذه التجربة

    وهدا التمرين النفسى القاسى...ومن منا لم يتهيبه,,لك الود







                  

06-29-2004, 07:09 PM

ودقاسم
<aودقاسم
تاريخ التسجيل: 07-07-2003
مجموع المشاركات: 11146

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: انحنيت تقديرا لأم الحسن وزملائها (Re: مريم الطيب)

    بنت الخالة \ مريم
    لك التحية
    شكرا لزيارتك ، وأثق في أن أمهات الحسن كما أسميتهن سيغيرن وجه العالم يوما ما ، فألسنة الظلم تمتد إليهن لكن صمودهن يبقى ليهزم كل ظالم ، هناك نساء عديدات في بلادي وقفن ضد الظلم وضد قسوة الحياة وقدمن المثال للمرأة السودانية التي عزفت وترفعت عن التلوث السياسي والفكري والأخلاقي ، ومثل هؤلاء أعتبرهن مصابيحا تضيء الطريق المودي إلى قهر الظلم وتركيع الظالم ،،
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de