الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟!

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-03-2024, 08:34 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة د.حيدر بدوي صادق( Haydar Badawi Sadig)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-29-2003, 09:42 PM

Haydar Badawi Sadig
<aHaydar Badawi Sadig
تاريخ التسجيل: 01-04-2003
مجموع المشاركات: 8270

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! (Re: Alsawi)

    أخي الكريم عادل أمين،
    ها أنت تنفذ مرة أخرى إلى جوهرالأمر وبعبارات محددة واضحة. ليس، بالفعل، هناك كمشروع فكري-سياسي-اجتماعي-ثقافي جدي وقابل لتثوير السودان وتجديد طاقاته وقواه مثل الفكر الجمهوري، والحركة الشعبية لتحرير السودان. وهذا هو سر تعلقي بشخصية الدكتور جون قرنق دي مابيور والدكتور منصور خالد، الرائدين في تجديد وتعميق البعد الفكري والحركي والوحدوي في الحركة الشعبية لتحرير السودان.
    على الرغم من أن الحركة الشعبية حديثة عهد بالعمل الفكري، وما زالت تعاني قصوراً كبيراً فيه، بسبب تغليبها للجانب الحركي، إلا أنها أدركت عمق صلتها بالأستاذ محمود. وهي تحترمه غاية الاحترام، وتحترم فكرته. وقد روي لي بأن الدكتور قرنق حضر اجتماعاً للمعارضة السودانية بأسمرا. وكانت الغرفة التي عقد فيها الاجتماع مزينة بصور لأهل الريادة في السودان. وكانت صورة الأستاذ محمود واحدة منها.
    حين دخل الدكتور قرنق للغرفة وراى صورة الأستاذ محمود -فيما رواه لي الراوي- رفع يده بالتحيةالعسكرية التي انتصب مؤدياً لها أمام هيبة الأستاذ محمود. هذا رجل، فيما أعلم، لم يقابل الأستاذ محمود في حياته، ولكنه يعرف اقدار الرجال. وفيما أعلم فقد راقب دكتور قرنق مشروع الفكرة الجمهورية، بالأخص عند تمليه على مواقف صاحبها الذي جسدها قبل أن يدعو لها.
    يعرف الدكتور منصور خالد،المستشار السياسي الأول للدكتور قرنق، الفكرة الجمهورية جيداً. وبحكم أنه من محركي عجلة الحركة الفكرية في الحركة الشعبية فإن وعي الكتور قرنق بمنموذج الأستاذ محمود ربما بكون قد تعمق بعد انضمام منصور خالد للحركة الشعبية. والكل يعرف مدى تأثر منصور خالد بنموذج الأستاذ الشخصي والفكري. فهو لا يبرج يكتب كتاباً إلا أهداه للأستاذ محمود، إما بتناول فكره بعمق، أو بالإهداء وبتناول الفكر الجمهوري معاَ.
    هذان رجلان حران كريمان يعرفان للفكر الإنساني الحر كرامته. وهما شخصان مؤهلان فكرياً وحركيا وسياسياً بصورة لم تتيسر لمعظم السياسيين والأكاديميين السودانيين. فقد تمهرا في أبرع فنون القانون والسياسة والاقتصاد. وقد زاد عليها الدكتور قرنق التمهر في الفنون العسكرية، مع دكتوراة في الاقتصاد الزراعي من جامعة ولاية أيوا. أما منصور خالد فهو من أميز من تدرب في حرفة القانون الدولي، وانعكساته على، وتأثره بمجرى،العلاقات الدولية. وذلك في بعض من أعرق المؤسسات الأكاديمية الأمريكية والأوربية. ثم إنه من أميز الكوادر الدولية المؤهلة في فنون الدبلوماسية البينية-الدولية. فقد عمل في الأمم المتحدة في أرفع المناصب. كما عمل في السودان في أرفع المناصب كذلك. ومازال منصور خالد بعد حوالي مايقارب الثلاثة عقود من تنحيه عن وزارة الخارجية السودانية، أول وآخر مؤثر فاعل في جسم الأداء الدبلوماسي السوداني.
    وحين دخلت أنا وزارة الخارجية في عام 1986 كدبلوماسي ناشئ، وجدت أن أكفأ السفراء وكبار الدبلوماسيين كانوا يسمون، تقديراً للرجل ولدوره في ترسيح المهارات والفنون الدبلوماسية، "بأولاد منصور،" مع أنه كان قد فارق البلاد منذ قترة ليست بالقصيرة بعد أن ضاقت به أرض السودان بما رحبت. وقد كان للهوس الديني وتطور أدواته في الخفاء وفي العلن قصب السبق في التآمر على منصور خالد وتقليل حظوته وتأثيره في مفاصل الحكم في عهد مايو. وما ذالك إلا بعد أن ظهر الترابي في مسرح الأحداث وأصبح المسيطر الأول على أذني الرئيس نميرى وعلى عينيه بالتدريج، إلى أن تمكن منه كليا، عقلاً وقلباً ولحماً وعظما، بإعلان قوانين سبتمبر الشوهاء.
    أسوق هذا لكي أبين لماذا تحس أنت يا عادل بهذا التقارب، ولماذا أؤيد أنا مشروع الحركة الشعبية، وإن كنت لا أتبنى العمل ببعض أدواتها. فإنني مثلاً أعتقد بأن دوري، ودور كافة المثقفين السودانيين، هو في تغيير طرائق التفكير السائده بالوسائل الفكرية السلمية، مثل هذه الوسيلة. رغم ذلك فإنني أدفع بمشروع الحركة الشعبية الفكري دوما إلى الأمام. ويشرفني أنني ممن شاركوا في أول إصدارة دورية لها تسمي مسارات. وقد كان عنوان مقالتي -بالمشاركة مع الدكتور محمد يوسف أحمد المصطفي، وهو من الكوادر الأكاديمة في الحركة- "تفكيك التنظيم، وتنظيم التفكيك: نحو رؤى جديدة لسودان جديد." ويشرفني بأن مصطلج التفكيك لم يصبح متداولاً بعمق إلا بعد نشرنا لتلك المقالة، في تلك الدورية الرائدة التي أرجو أن تستأنف مسيرتها في أقرب وقت.وهنا أنوه للأخوين الكريمين ياسر عرمان و بكري الجاك بأن يسعيا سعياً حثيثاً في اتجاه بعث تلك الإصدارة من جديد، وسيجداني بجوارهما في مدها بالمواد، وبالمساعدة في إخراجها، من واقع خبرتنا في فنون وعلوم الإعلام والاتصال الجماهيري.
    ولا يغيب عن بال أعضاء المنبر التقارب الفكري الواضح بيني وبين بكري الجاك وبيني وبين ياسر عرمان وطرحه لمعطيات عمل الحركة ولأطروحاتها في وسائل الإعلام المختلفة.

    إذن فالتقارب بين مشروعي الفكرة الجمهورية والحركة الشعبية ليس تقارباً عابراً، وإنما هو تقارب يحمكه تجذر احترام الأستاذ محمود ونموذجه في أخلاد منصور خالد، جون قرنق، ياسر عرمان، محمد يوسف أحمد المصطفي، وآخرين من القيادات الفكرية والحركية الفاعلة في صلب الحركة الشعبية. ثم هو تجذر تحكمه علاقات تنسيق فكري وحركي عميقين. ورغم أن هذا التنسيق لم يظهر للعيان بعد، إلا أن بعض تجلياته قد ظهرت.

    فقد شرفني الله بأن كنت أول معارض سياسي شمالي يدخل الخرطوم بعد الاطاحة بالترابي مباشرة، بتاريخ 31 ديسمبر 1999، حاملاً لأول مشروع سلام يطرح للحركة الشعبية ضرورة التخلي مفهوم اقتلاع النظام من الجذور، ويطرح للحكومة ضرورة التخلي عن كافة أشكال الهوس الديني بعد أن أطيح بمنظر الهوس الديني الأول. وقد وجدت أطروحاتي استجابة فورية من الحركة، التي حملتني نقاط معينة لمناقشتها مع الحكومة الراهنة. بالفعل قابلت وزيرالخارجية لما يفارب الأربعة ساعات.
    تم في اللقاء تناول كل النقاط بشفافية ووضوح من جانبي. وقد طرحت له بأن التخلي عن الهوس الديني، وتبني تفكيك أدواته، هو الشرط الأول من جانب الحركة لقبول التخلي عن فكرة اقتلاع النظام من الجذور. كان وزير الخارجية مراوغاً كشأن المهووسين جميعا. رغم ذلك فإنه أبدى قبولاً كاملاً لكافة النقاط الخمسة التي طرحتها للحكومة استناداً على حواراتي مع دكتور محمد يوسف أحمد المصطفي العضو فيها، ومع آخرين في القاهرة وأسمرا. ولكنه، وبكل أسف، لم يرفع محتوى المقابلة لمجلس الوزراء، حسب علمي. وذلك لأنه، وبحكم أنه من "أولاد الترابي،" أي أن ولاءه السياسي كان للعراب الأكبر للهوس ولم يكن للبشير، فإنه خشي أن تزول دولة الهوس فيزول دوره معها. وليس خافياً علينا أن دكتور مصطفى عثمان إسماعيل حاذق في فنون الكذب والالتواء بحكم أنه حاذق لفنون التلصص والتجسس باعتبار أن أمثاله ربما يكونون من الكوادر الأمنية الخفية للجبهة. وهذا هو سر حظوته عند الدكتور الترابي. فقد ظل الترابي يقول بأن الأخبار عما يدور في اجتماعات الحكام تأتيه من مصادر موثوقة تعمل في الحكومة. ولأن مصطفي عثمان إسماعيل يجيد فنون الكذب والدهاء والمكر فإنا نحسب أنه من هؤلاء الذين كانوا، وما زالوا يمدون "شيخهم" في الدهاء والخبث والمكر، الدكتور حسن الترابي، بالمعلومات عن مجريات الأمور داخل دهاليز السلطة.

    أسوق كل هذا لأقول بأن مشروع التلاقي بين الفكر الجمهوري والحركة الشعبية مشروع أصيل نحن ضالعون فيه بكليتنا. وحين أقول نحن، لا أعني كل الجمهوريين. فقد عارضتني القيادة الراهنة للجمهوريين حين قمت بهذا المشروع. ولكني اشهد بأن الأستاذ إبراهيم يوسف، من القيادة العليا للجمهوريين -فهو الرجل الثاني بعد الأستاذ عبد اللطيف- وقطاع كبير من الكوادر القيادية الوسيطة، وقفوا بجانبي، ودعموا خطي للسلام. وذلك لأن مشروع السلام استند على مواقف الجمهوريين وعلى كتبهم التي دعت للمصالحة الوطنية. كما أستند على قراءة متأنية لكتاب "جنوب السودان: المشكلة والحل" الذي أصدره الجمهوريون في عقد السبعينيات. وقد كنت من المساهمين في إعداد وطباعة هذا الكتاب وفي توزيعه في أنحاء السودان المخلتفة حين صدر تحت إشراف الأستاذ جمعة حسن، عليه الرحمة والرضوان، والأستاذ محمد سالم بعشر، الذي قدم للمحاكمة المهزلة مع الأستاذ محمود من ضمن الأربعة الذين تقدمهم أستاذ عبد اللطيف عمر في التوبة عن الفكر الجمهوري والتكفير للأستاذ محمود.
    إذن تأييد معظم الجمهوريين لمشروع السلام يأتي من التأصيل الواضح لهذا المشروع في الفكر الجمهوري وفي الممارسة الجمهورية. فنحن بطبعنا متصالحون متسامحون مسالمون. وهذا لم ينتج عن سذاجة وجهل وإنما نتج عن تأصيل عميق للفكر الجمهوري في وجدان كل واحدٍ منا بالممارسة له في حياتنا اليومية، وتقويم للأحداث وفق هذا الفكر.
    أما قيادة الجمهوريين، بمن في ذلك الأستاذ عبد اللطيف -وباستثناء الأستاذ إبراهيم يوسف القيادي البارز المتميز بمواقفه المغايرة للقيادة الراهنة- فقد أختارت أن تعارضني حين تحركت بالفكرة الجمهورية، وحين بادرت بمشروع السلام السوداني-السوداني.

    لماذا عارضتني القيادة ممثلة في الأستاذ سعيد والأستاذ جلال والاستاذ عبد اللطيف؟

    لأن ذلك يضع الجمهوريين تحت بؤرة الضوء. فقد نشرت الصحف بأن قيادي جمهوري، وقيادي في "حق،" جاء بمشروع سلام سوداني-سوداني جديد كأول معارض سياسي معروف بمعارضته الشديدة للحكومة. وقد قامت الصحف بنشر مقابلتين مطولتين معي، واحدة في جريدة "الرأي الآخر" وآخرى في "جريدة الوفاق." وكانت هاتان الجريدتان هم الأوسع انتشاراً. وقد بينت في سياق المقابلتين بأنني جمهوري أولا، ومن قياديي "حق" المؤسسين ثانياً. وبأنني أوضحت للحكومة كل ذلك، لتفهم بأن معارضيها الصادقون الجادون على كامل الاستعداد للسلام إن هي أرتضته بتفكيك قوى وهياكل ومؤسسات وخطاب الهوس الديني.
    وقد كان في توسطي كجمهوري وكمؤسس في "حق" بهذه الرسالة من الحركة الشعبية، مغزىً عميقاً، لم تحسن الحكومة السودانية قراءته، حين تعاملت مع الأمر بنفس المستوى المألوف من المراوغة والكذب والتمويه الذي عرفت به. وحين بدرت مؤشرات كذب وتمويه ومحاولة لاضاعة الوقت من جانب وزير الخارجية وكادره المساعد بصورة واضحة، اتصلت به فوراً بعد رجوعي لجامعة الشارقة، في الإمارات العريبة المتحدة، حيث كنت أعمل. وقد قلت في ذلك الاتصال، الذي تلقاه واحد من السكرتارية، بأن وزير الخارجية رجل فاسد وكذاب ومراوغ، وبأنه لمواصلة هذا المشروع لابد من النظر إلى إمكانية أن نواصل هذا الجمهد مع آخرين.
    قمت بعد ذلك بالاتصال بالأستاذ عبد الباسط سبدرات الذي أبدى تفهماً واضحاً لكل الطرح، كما تفهمه وزير الخارجية من قبله. ولكنه استغرب أن يكون مصطفي عثمان بهذا المستوى من سوء الخلق. وقد حاول مرارا في تلك الحادثة أن يبرئه. فقلت له بأن قراءتي للرجل، من وقائع وأقوال وأفعال محددة هي هكذا: أنه كذاب ومراوغ. فإن أرد هو أن يواصل معي هذا المشروع كان بها، وإلا فإنني سأعتبر هذه الحكومة حكومة منافقة تظهر خلاف ما تبطن. فقد أعلن البشير في خطاب هام صاغه، واحد من الجمهوريين المقربين من عبد الباسط سبدرات، أنه أزاح الترابي لأنه أدخل البلاد في أتون الفساد والهوس باسم الدين. وأنه يقوم بثورته التصحيحية لصالح ترسيخ قيام الشعب السوداني في السلام والتسامح. وقد أعتبرت أنا وقتها بأن هذا بمثابة "إنقاذ" من "الانقاذ."

    أستمعت لذلك الخطاب، فسرني أنه احتوى على روج الفكرة الجمهورية، فقمت بالمبادرة وأقنعت الحركة، ممثله في دكتور محمد يوسف أحمد المصطفي، أن نقوم بمباردة جادة تنهي مفهوم الاقتلاع من الجذور بالوسائل العسكرية. وذلك لأنه مفهوم، إذا قدر له أن ينجح، سيعيد انتاج الأزمة السياسية السودانية. فإنه إذا ماأخذت السلطة في الخرطوم غلاباً من قبل المعارضة، وفي قمتها الحركة الشعبية، فإن القوى الحاكمة الآن ستسعى لها غلاباً في المستقبل. قد تتبدل القوى الحاكمة في هذه الحالة، ولكن لا يمكن للسلام أن يقوم، أو أن يستديم إذا ما فرض بالقوة.
    وفق هذه الرؤية السديدة المسددة، الممدودة من فكر أصيل ومواقف راسخة للجمهوريين، نصحت الحكومة ونصحت الحركة وقمت بمبادرتي، التي وأدها مصطفي عثمان إسماعيل بخبثه ومكره وكذبه.
    هذا ماعن لي أن اذكره لك ياعادل عن ملاحظتك الحصيفة بأن الحركة الشعبية في السودان في الجنوب هي المشروع السوداني المتكامل مع الفكرة الجمهورية، ومشروعها في الشمالِ. وقد أبديت أنت هذه الملاحظة كثيراً في هذا المنبر، ولم يكن الوقت قد حان بعد للتفصيل الذي أوردته هنااليوم. أما ألان وقد بدأت طبول الثورة الفكرية والثقافية تدق، فإني أشكر لك أن أتحت لي، بنظرتك الثاقبة للأمور، أن أقوم بإعلان تفصيلي لبعض ما جرى لمبادرة السلام السودانية المحضة الأولى التي قدتها، فأحبطها مصطفي عثمان إسماعيل بكذبه، وروغانه وزوغانه المتصل.

    أخي كمال عباس،
    أشكرك على إثراء الحوار بأسئلة في الصميم. كما أشكر الأستاذ النور على تفضله بإعلانه الرغبة في الرد عليك، فإني أعتبر أستاذي الحبيب النور محمد حمد من أميز "المفكرين" الجمهوريين. وهذا ملاك الأمر كله. فإن مشروع الأستاذ محمود الأول لم يكن في التنظير البديع الذي أثرى به الساحة الفكرية الإسلامية بفكر أصيل لم سبقه عليه أحد من المجددين الإسلاميين فحسب، وإنما مشروعه الأساسي كان هو في "المجتمع الجمهوري" الذي يعين على إنجاب "الأفراد المفكرين." أستاذي النور من هولاء المفكرين. وهو الآن يعمل أستاذا جامعياً في جامعة من جامعات ولاية واشنطن. وأتوقع أن يكون له دور رائد في وصل الفكرة الجمهورية بالنسق الفكري العالمي.
    من هؤلاء المفكرين أيضاً الدكتور عبد الله أحمد النعيم، الذي وضع بصمة الفكرة الجمهورية وأصولها الفكرية بشكل بديع في الفكر القانوني والدستوري الكوكبي. هذا النسق العالي من المفكرين، من أمثال الأستاذ إبراهيم يوسف، ثاني قيادي جمهوري بعد عبد اللطيف عمر، ودكتور عبد الله ودكتور النور، والأستاذة أسماء محمود محمد طه، والأستاذه هدي هاشم نجم، والأستاذ عبد الله فضل الله وغيرهم، هو أس الرجاء في تفكيك النسق الحالي للقيادة الراهنة المتكلسة، ومن يحيطون بها من متهوسي وطائفيي الجمهوريين.
    سأعيد أسئلتك هنا لأجيب عليها باختصار، حتى يعود الأخ النور فيجيب عليها هنا، أو في خيط منفصل حسبما شاء. أسئلتك تقول:
    1.لماذ وضعت هذه القيادةعلي قمة الهرم التنظيمي أن كانت بكل هذه السلبيات
    2.كيف تم أختيار القيادة عندكم؟ وهل هي مطلقة الصلاحيات؟ أم هي محكومة بصلاحيات وضوابط محددة؟؟؟
    3.هل يعتقد الاخوة الجمهورين بأن الظروف التي أدت لحل
    التنظيم قد أنتفت الان؟؟؟
    4. ماذا كان المطلوب من الاخوة الجهوريين الاربعة بمن فيهم
    الاخ عبد اللطيف أيام محاكم نميري وفي تلك الظروف
    الدقيقة والمجازر؟؟


    القيادة الجمهورية بشكلها الراهن تم اختيارها في وقت الحركة يوم كان التنظيم قائماً. وكان اختيار الأستاذ محمود للقيادات يتم وفق بلاءها الظاهر وصدق توجهها في التزام الفكرة الجمهورية في السر وفي العلن. ولم يكن أحد يجادل في أن الأستاذ سعيد الطيب شايب كان أميز جمهوري من حيث التزامه بقيم الفكرة الجمهورية، وبلاءه الظاهر فيها منذ أن كان شاباً حدثاُوإلى أن انتقل للرفيق الأعلى. وكان الأستاذ جلال الدين الطيب الهادي هو الآخر من أميز الجمهوريين في محبة الفكرة الجمهورية والالتزام وفقها. وبهذا استحق موضعه كرجل ثاني. ولا يشك أحد، بما في ذلك شخصي، بأن الأستاذ عبد اللطيف عمر كان ثالث هذين الشامخين لأن بلاءه وتميزه -منذ أن جاء صبياً والتزم الفكرة الجمهورية والمجتمع الجمهوري- كان واضحاً لكل ذي عينين. فقد أسهم في تطويرأدوات العمل بالفكرة الجمهورية بعزم وصمامة وصدق توجه وطاقة كبيرة. وهذه لا ينكرها عليه إلا مكابر.
    ولكن يصح هذا عن أستاذ عبد اللطيف حتى تاريخ الاستتابة، ثم التكفير للأستاذ محمود. ولا يصح بعدها. ولم يكن هجومي عليه مقصوداً كهجوم على شخص عبد اللطيف بقدر ما هو هجوم على نكوصه عن مبادئ في الفكرة الجمهورية لا تقبل النكوص، والتخاذل، والإنكسار لقوى القهر والإذلال والاستبداد.
    وقد يقول قائل مثلما قال النور حمد بأننا كلنا انخذلنا وانكسرنا ونكصنا في يناير 1985. ولكن ليس من الحكمة، ولا من العلم في شئ، أن نرى أن انخزال وانكسار ونكوص القيادة عن الحق يساوي مستوى نكوص وانكسار وانخذال غير القياديين. فإن القياديين، سموا كذلك، لأنهم يقودون مبادرات الصمود بالحق للحق في وجه الباطل. ويغير ذلك لا يكونوا قياديين، ولا يحزنون!
    لم أكن من الجمهوريين الذين وقعوا على التنازل عن الحركة. كما لم يكن معظم الجمهوريين من الموقعين. في تقديري، فإن عدد الجمهوريين المعتقلين في تلك الأيام لم يزد على المائتي شخص. وهذه تمثل أقل من عشرين في المائة من مجمل الجمهوريين، إذ كان عدد الجمهوريين في ذلك الوقت قد تجاوز الألف بقليل. وحتى هؤلاء المعتقلون لم يوقعوا كلهم كما أشار بذلك الدكتور النور حمد. فقد رفض الأستاذ الباقر الفضل، عليه الرحمة والرضوان، التوقيع، وهو كادر من كوادر القيادة العليا للجمهوريين، في صمود أسطوري التوقيع بتكفير الأستاذ محمود وبالردة عن فكرته، والتوبة عنه، والإصرار على عدم العودة.
    رفض رفضاً أسطورياً أزعج عبد اللطيف وصحبه من الموقعين المكفرين لأبيهم، لأنه مثل قيمة مناقضة لما قاموا به هم من تخاذل. وقد حاولت بعض قيادات الجمهوريين إقناعه بالتوقيع إلا أنه أصر. إلى أن اضطرت سلطان الأمن إلي إطلاق سراحه بعد اعتقال طويل، وبعد إطلاق سراح الموقعين المكفرين بفترة طويلة.
    وقد تمثلت معجزة ذلك الصمود في أن روح أخينا الكريم الأستاذ الباقر الفضل، عليه الرضوان، قبضت في يوم 18 يناير 1997. وذلك بعد حياة فكرية ونضالية وشخصية عامرة بالوفاء للأستاذ محمود ولفكرته. في ذلك اليوم الحزين كتبت خطاباً للأستاذ سعيد الطيب شايب، كبير الجمهوريين، أقول له فيه بأن التحاق أخينا الباقر الفضل بأبينا الأستاذ فضل في ذلك اليوم لهو أمر بالغ الدلالة في معانية الروحية والمواقفية. ففي 18يناير 1985 سجل التاريخ الصمود الساطع للأستاذ محمود. وفي 18يناير 1997 قيضت روح أعظم من مثل صمود الأستاذ محمود من بعده بأفضل مما مثله به كافة القيادين الآخرين. وأذكر مرة أخرى هنا بأن الأستاذ الباقر الفضل كان من قيادات الصف الأول وسط الجمهوريين في مدني، وفي الخرطوم حين يزورها، وكثيراُ ما كان يفعل.

    إذن إيحاء النور بأن كل الجمهوريين كاوا من الموقعين، مع إشارة مطففة مغزى صمود الأخوين الباقر ومصطفى، إيحاء تجانبه الدقة. فقد صمد أيضاً الباشمهندس مصطفي محمد صالح مع الأستاذ الباقر الفضل حتى النهاية فاطرت السلطات إلى إطلاق سراحه دون أن يقع في خطيئة تكفير أبيه الشهيد. إذن هو لم يدنس تاريخه بتوقيع أي تكفير للأستاذ محمود أو توبة عن الفكر الجمهوري، كما فعل بعض القياديين، مثل عبد اللطيف.

    بعد كل هذا أن يقال بأن "كل" الجمهوريين قد وقعوا فإن هذا فيه أجحاف كبير على هذين الشخصين الكريمين وعلى مواقفهما الصامدة، وعلى من لم يتعروضوا للاعتقال من غير الموقعين. قد يقول قائل بأننا لم نقم بثورة على القيادة وقتها، وبأننا لم نجابه الحكومة. وهذا حق. فإنه كان يجب أن نفعل بأكثر مما فعلنا. ولكن هذا أيضاً غير دقيق. فقد تهيأ لبعضنا، وأنا من هؤلاء، العمل مع القوى الجديدة كافة، بعد ندوة عاصفة عقدتها هذه القوى في جامعة الخرطوم، على اسقاط نظام نميرى. ولولا مثابرتنا مع بعض هذه القوى لعقد الندوة، وللتنسيق مع رئاسة اتحاد طلبة جامعة الخرطوم ممثله في الأخ عمر الدقير، لما قامت الندوة، ولما تقرر إسقاط النظام، ولما قامت الانتفاضة.
    صحيحح أن الجمهوريين المشاركين في تلك الندوة وفي تنظيمها قبل ذلك كانوا قلة، ولكنهم كانوا فاعلين، ولم ينزووا في بيوتهم خوفاً من أجهزة الأمن، ولم يخيفهم قمع النظام. أذكر أنه كان من بين الجمهوريين الذين لم يهابوا قمع السلطة الأخ الكريم عرمان محمد أحمد، الذي قام بدور قيادي، في تطوير العمل النقابي بعد تنفيذ الحكم على الأتساذ محمود إلى أن ضاق به السودان، وأرضه المليون ميل بما رحبت. خرج عرمان من السودان كما خرجنا، بعد أن تأكد لنا بأن قيادة الجمهوريين الراهنة غير كفؤة وغير جديرة بشرف الانتساب للأستاذ محمود، خل عنك أن تكون جديرة بقيادة خيرة أبنائه من غير المكفرين ومن غير الخانعين.
    ولكن لم يكن هناك بد من الصمت عن تقليب الجراح في ذلك الوقت. فقد كان الجرح غائراً، والمحنة كبيرة واليتم مريراً علينا جميعا. ولم يكن من الحكمة أن ننكأً جرحاً أقعد أصحابه بصورة مؤلمة، وبصورة مذلة لهم، ولما يمثلون من فكر. لم يكن من الحمكمة في شئ أن نفعل ذلك.

    فماذا فعلنا إذن؟

    ساهمت والأخوين الدكتور الباقر العفيف، والأستاذ بشير بكار في تأسيس حركة القوى الحديثة مع نفر كريم آخرين من تنظيمات كفر بها وبأفكارها ممن انضموا إلينا. لم نكن نحن من الكافرين بالفكرة الجمهورية، ولم يكن ثلاثتنا من المكفرين للأستاذ محمود. وقد روي عن الأستاذ بشير بكار بأنه أول من صمد أمام المقصلة بعد تنفيذ حكم الإعدام قائلا "ماقتلوه وماصلبوه ولكن شبه لهم." وقد اقتادته قوى الأمن واعتقلته، وبعد مجادلات قوية مع محمد محجوب حاج نور، رحمه الله، وقع على صيغة لم تحوي أي تكفير للأستاذ أو تنازل عن فكرته، حسب علمي.
    وقد أنشانا "حق" باعتبارها منبراً حراً يجمعنا على العمل العام لصالح السودان بعد أن فشلت الكثير من التنظيمات، بما في ذلك الجمهوريين، في النهوض بمسؤلية مواجهة الهوس الديني في عهد الجبهة الإسلاموية. ومعلوم لديك يا كمال بأن الجمهوريين قالوا في منشورهم أنهم وقفوا "حياتهم" لغايتين شريفتين هما "الإسلام" و"والسودان." وقد كان إنشاؤنا لنظيم "حق" بسبيل من تفعيل نشاطنا بشأن الغاية الثانية وهي السودان، إلى أن يتعافي الجمهوريون من جرحهم العميق فينهضوا بشان القيام بأمر الغايتين الشريفيتين معاً. ولا شك عندي بأن ضعف قيادة الجمهوريين، ممثلة في أستاذ عبد اللطيف، وإخوانه الثلاتة، في ذلك اليوم المشؤوم الذي تمت استتابتهم فيه، كان هو نقطة الانكسار الرئيسية في التنظيم والحركة الجمهورية، وسبب كل آفاتها اللاحقة.

    بل أنني أقول بصمامة لا تقبل الظن بأن تشكك معظم الجمهوريين في الفكرة الجمهورية بعد ذلك التاريخ، أو في فاعلية الحركة، لم يكن إلا نتيجة للذل والانكسار الذي قابل به عبد اللطيف الجلادين. إذ بدأ البعض يتساءل إذا كان هذا هو مستوى قياديينا فإن الفكرة الجمهورية إذن غير قابلة للتطبيق. فإن عبداللطيف عمر لم يكتف بأن يتراجع عن موقفه الصامد مع أبيه الأستاذ، بل تجرا على تكفيره حين أذله المكفرون فطلبوا منه ذلك. هذا، ومنشور الجمهوريين الذي بسببه قدم أبيهم فداء للسودان والإسلام بنص صراحة بأنهم وقفوا "حياتهم" لأجل الإسلام ولأجل السودان. لم يجبن عبد اللطيف عن أن يقف حياته فداء للسودان وللإسلام فحسب، بل تجرأ فكفر من وقفهما لأجلهما.

    هذا هو أس الفساد في القيادة الجمهورية الراهنة. فإنه كان أولى لهذه القيادة بعد أن وقفت ذلك الموقف المشين المنكسر أن تتراجع عن قيادتها، وأن تعتذر للجمهوريين وللشعب السوداني، عن إسهامها في كل الإنكسارات اللاحقة ضد المهوسيين. والكل يعرف أن مبلغ تلك الإنكسارات، كان سببا في أن وصلت قوى الهوس للتحكم في مفاصل السلطة كاملة بقدوم تنظيم الجبهة للحكم. وهذا يعني ببساطة شديدة بأن عبد اللطيف عمر حسب الله له يد كبرى، وإن كانت خفية، في وصول المهووسين للسلطة. لا أقول هذا جزافاً، فإني على يقين بأن صمود الجمهوريين في ذلك اليوم التاريخي في 18يناير كانت ستكون له تبعات مشرقة ومشرفة، لولا أن الله كان قد قضى أن يذل عبد اللطيف عمر بعد عز. وقد كان لذلك أثر بليغ في إنكسار قيادات الجمهوريين الأخرى التي استكانت لقوى الهوس، فأصبحت مثلها لا أرضاَ قطعت، ولا ظهراً أبقت. كما قلت في مساهمة سابقة لهذه، ياكمال، فإن أستاذ عبد اللطيف كان قد تعهد للأستاذ محمود بالصمود قبيل تنفيذ حكم الإعدام. فقد سأله الأستاذ هل أنتم مطممئنون لكونكم ستصمدون فأجاب هو و إخوانه الثلاثة الآخرين بالايجاب. ولكنهم نكثوا عن العهد بعد ساعات من تنفيذ الحكم. وإن هذا، لعمري، لهو الخسران المبين.
    كان يجب على إخواننا الأربعة أن يصمدوا لو أنهم فهموا فكرة أبيهم كما يجب، ولو أنهم عاشوها كما يجب. ولكنهم لم يفعلوا. وقد كرر الأستاذ كثيراً قوله بأن قيادات الجمهوريين "قيادات قزمية" بالنسبة لماهو مرجو منهم، وبالنسبة لسموق وسمو فكرتهم. وسأضيف هنا بأنهم كانوا بالقطع أقزاماً صغيرة، غاية في الصغر، بالمقارنة مع أبيهم الفارس العملاق المهاب الشامخ، في سموات الفكر الحر والمواقف الحرة وأراضيها.
    وقد صدق ما كان يقوله الأستاذ محمود عن قيادات الجمهوريين، مثلما صدق كل ماقاله عما سيحدث في السودان وفي الشرق الأوسط وفي العالم، في تحليلاته العلمية الدقيقة لأوضاعنا، من واقع فكرته الفذة. فقد أذلت هذه القيادة نفسها بقزمية واضحة في موقف الاستتابة المزري. كما أذلت بذلك الفكر الحر الذي كانت تدعي أنها تحمله، مع المكفرين والمذلين. ولو أن قيادات الجمهوريين كانت سامقة وصامدة، وليست قزمية، لما انحدرت بعض جيوب المجتمع الجمهوري إلى ممارسات فاسدة أقل ما يقال عنها أنها تمثل طائفية جديدة وهوس ديني من نوع ملطف، ولكنه خطير، لأن فيه مسحة من الإنكسار الزائف -للقيادة المنكسرة- توصف، زوراً وبهاتاناً، بوصف "الأدب." والأدب برئ، تمام البرءاة، عن إساءة الأدب للأستاذ محمود ولموقفه البطولي. وبرئ، تمام البراءة، من تكفير الأستاذ محمود، كما أنه برئ عن التنازل عن الفكر الجمهوري. بأسم الأدب مع القياديين تمرر على بعض الجمهوريين، من غيرالمتعمقين في الفكرة، أشكال من الإذلال والاحتقار لا تشبه إلا الإذلال والاحتقار الذي تتعرض له القواعد في الأحزاب الطائفية المعروفة. ولهذا، فإن بعض جيوب المجتمع الجمهوري قد فسدت، وقد آن للشعب السودان أن يعرف ذلك لكي يقتلع فكرته الجمهورية منهم بعون الكثرة الغالبة من الجمهوريين الصادقين المخلصين الذين يفكرون لذاتهم وفق قاعدة الطاعة بفكر والمعصية بفكر.
    وأنت تتساءل يا كمال إن كانت أسباب ايقاف التنظيم قد انتفت، وإن كان أوان تحرك الجمهوريين بفكرتهم قد حان. دعني أجمل لك ما أراه حول هذا الموضوع في النقاط التالية:
    1.التنظيم لم يكن قد حل إلا إسمياً، وذلك لتغطية الانخذال والانكسار السياسي. فقد توقف نشاط الجمهوريين السياسي، ولكن أستمر التنظم بنفس هيئة قيادته بدون أي توقف. ولم يحل التنظم نهائياً، بل كان هناك إيحاء بأنه قد حل حتى تتم تغطية الخطيئة الكبري، بمبرر أنه لا يوجد أحد يستطييع أن يقود التنظيم للقيام بالعمل السياسي. فإنه من الناحية العملية استمر أستاذ سعيد في قيادة التنظيم وأستمر كل القياديين الأخرين في مواقعم القيادية، وظلوا يشرفون على كافة شؤون المجتمع إلا الشأن الفكري والشأن السياسي، الذي أوحوا للناس بخصوصه أن التنظيم قد حل. ثم عندما ابتلع الجمهوريون حجة أن التنظيم قد حل، وبأن الحركة وقفت، وبأنهً ليس هناك نشاط فكري ولا سياسي، استأنفت قيادة الجمهوريين الحركة الاجتماعية و إدارة دفة "التنظيم-المحلول" القائم. وذلك لأن هناك مزايا جمة من استئناف النشاط الاجتماعي.
    2. هيأ استئناف النشاط الاجتماعي، و وايقاف النشاط الفكري والسياسي، الفرصة للقيادة لممارسة دورها القيادي والتمتع بطاعة البعض ممن أرتضوا أن يحيلوا تفكيرهم لهؤلاء. ولكن هذا الدور أخذ شكلاً طائفياً واضحاً في بعض الجيوب المتحلقة بالقيادة. فالقيادة لا تسآل ولا تعصى بفكر من هذا البعض. بل إن هذا البعض الذي ينال حظوة لدى القيادات يوحي لبعض صغار الجمهوريين الجدد بأن معصية القيادة أمر في غاية الخطورة من الناحية الروحية. وقد نتجت عن هذا الهوس بعض الممارسات الخاطئة في الشكل والجوهر. هذه الأخطاء لم يكن إيقاف النشاط الفكري والسياسي إلا مقدمة طبعية لها. وبالإضافة لبعض صور الطائفية، فقد ظهرت جيوب من الجمهوريين المتهوسين الذي يحيليون كل شئ للنص، ولا يقبلون التفكير الأصيل في النص.
    3. هناك مزايا جمة للتواجد في مجتمع رحيم متكافل مثل مجتمع الجمهوريين. وقد ظلت قيادة الجمهوريين تعتمد اعتمادا كبيراً في الكثير من شؤونها الاقتصادية بعد إستشهادالأستاذ محمود، على الجمهوريين العاملين بالخارج. حل التنظيم اجتماعياً كان سيحرم القيادة، والكثير من أعضاء التنظيم، من هذه المزية الكبرى.
    4. استئناف النشاط السياسي كان سيعني الجرجرة للسجون وبيوت الأشباح وربما المقاصل، وهذا ما لا يقدر عليه أي شخص يكفر أي مفكر، دع عنك أن يكون هذا الشخص من أبناء الأستاذ محمود الهمام الداعية الأول للإسلام، والفارس الأول بين شهداء السودان. من ينخذل بعد أن يتربى علي يد الأستاذ محمود لأكثر من ثلاثة عقود وهو قريب عهد به، فإنه لا يتوقع أن يصمد أمام أي أمر جلل، وهو بعيد عهد به.
    هذه جملة أسباب من عدة أسلباب أخرى سوغت للبعض بأن التنظيم قد حل، في حين أنه من الناحية العملية لم يكن قد حل. وقد كان في التسويغ البارع بعدم وجود النشاط السياسي بسبب حل التنظيم، مع الاحتفاظ به من الناحية العملية، دور كبير في تضليل العديد من الجمهوريين، وبالأخص القواعد المستجدة منهم.
    والمؤسف هو أننا كنا حين نناقش هذا التناقض نرمى من بعض سدنة القيادة بأننا خارجين على الملة، تماماً كما يحدث في الجماعات الطائفية والدينية المتهوسة.

    في الحلقة القادمة سأرد على أخي دكتور النور، والأخ دكتور ياسر الشريف، وعلى الأخ ودقاسم، والأخ دكتور الصاوي. كما سأتحدث عن الجانب الآخر من المعادلة داخل المجتمع الجمهوري. فقد كانت هناك، طوال الفترة منذ تنفيذ حكم الاعدام، أراء جريئة وقوية من قطاع عريض من الجمهوريين لم يرتض هذا الوضع المسف المذل، المحقر للقيمة الإنسانية. وسأتحدث بالتفصيل عما ظل يدور من حوارت كنت طرفاً أصيلاً فيها عن التنظيم والحركة بحكم أنني لم أوافق القيادة الراهنة على الانكسار منذ البداية، وإن اخترت إلا أواجهها في وقت لم أملك فيه أدوات للمواجهة.
    أما ألان، فإنني -بفضل الله علي وعلى قطاع عريض من إخواني الجمهوريين وأخواتي الجمهوريات ممن لم يرتضوا الذل والهوان والانكسار، بل والتكفير لأبينا الكريم- أمتلك الأدوات والخبرة، من داخل المجتمع الجمهوري وخارجه، بما يمكني أن أنقل ما يدور في أوساطنا كجمهوريين من جدل إلى الساحة الفكرية والسياسية السودانية، دون وجل أو تهيب. وإني لأرجو من هذا الكشف لوضع الجمهوريين أن أضعهم أمام عدسات الرأي العام الكاشفة. فإنه بهذا وحده نستطيع تكوين راي عام جمهوري، وسوداني، سمح. وذلك تحت سمع وبصر شعبنا الحبيب الذي ظل يتنظرنا، فلم يظفر منا بشئ، بسبب تهالك قياداتنا عن أداء واجبها الشريف، الذي مرغته في التراب.
    أشعة شمس الراي العام وحدها هي القادرة على استفزاز وحفز الجمهوريين لإعادة الفكرة الجمهوريين للشعب السوداني. وذلك إما بأن يحملوها هم، أو أن يتركوا الناس لحملها، فينزاحوا عن حجبها عنهم. وقد قال الأستاذ للجمهوريين مراراً بأن الله يمكن أن يستبدلهم بغيرهم إن لم ينهضوا بمسؤلية الفكرة الجمهورية. وهذ المسؤولية تكن في أن يعيشوها في اللحم والدم فتظهر في شمائلهم، وفي مواقفهم الفكرية والسياسية، وفي سلوكهم الخاص والعام، في شتى ضروب الحياة.

    (عدل بواسطة Haydar Badawi Sadig on 11-29-2003, 09:45 PM)
    (عدل بواسطة Haydar Badawi Sadig on 11-30-2003, 00:10 AM)

                  

العنوان الكاتب Date
الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! Haydar Badawi Sadig11-27-03, 08:13 PM
  Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! muntasir11-27-03, 09:12 PM
    Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! Haydar Badawi Sadig11-28-03, 04:14 PM
      Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! الطيب بشير01-25-04, 07:58 AM
  Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! adil amin11-28-03, 05:22 PM
  Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! kamalabas11-29-03, 01:24 AM
    Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! Dr.Elnour Hamad11-29-03, 05:34 AM
  Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! Yasir Elsharif11-29-03, 11:16 AM
  Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! ودقاسم11-29-03, 02:17 PM
    Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! Abureesh11-29-03, 03:05 PM
      Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! ودقاسم11-29-03, 03:13 PM
  Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! Alsawi11-29-03, 02:37 PM
    Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! Haydar Badawi Sadig11-29-03, 09:42 PM
    Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! Dr.Elnour Hamad11-29-03, 09:59 PM
  Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! omar ali11-29-03, 11:20 PM
    Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! Dr.Elnour Hamad11-30-03, 01:14 AM
      Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! إسماعيل وراق11-30-03, 08:51 AM
        Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! Dr.Elnour Hamad11-30-03, 11:39 AM
          Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! إسماعيل وراق11-30-03, 11:50 AM
          Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! doma12-01-03, 11:49 AM
        Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! Abdel Aati11-30-03, 02:26 PM
          Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! Dr.Elnour Hamad11-30-03, 07:58 PM
          Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! Abureesh11-30-03, 08:33 PM
            Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! Haydar Badawi Sadig11-30-03, 10:28 PM
  Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! omar ali11-30-03, 11:28 PM
    Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! Dr.Elnour Hamad12-01-03, 00:19 AM
      Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! Dr.Elnour Hamad12-01-03, 05:48 AM
  Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! omar ali12-01-03, 09:00 AM
  Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! ودقاسم12-01-03, 10:46 AM
    Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! Abdel Aati12-01-03, 12:47 PM
      Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! Abureesh12-01-03, 02:33 PM
        Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! Abdel Aati12-01-03, 03:08 PM
        Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! ودقاسم12-01-03, 03:25 PM
          Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! Abureesh12-01-03, 04:10 PM
            Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! إسماعيل وراق12-02-03, 09:16 AM
              Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! Dr.Elnour Hamad12-02-03, 10:24 AM
            Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! ودقاسم12-02-03, 11:55 AM
  Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! Emad Batran12-02-03, 11:41 AM
    Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! أحمد أمين12-02-03, 01:30 PM
      Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! Shinteer12-02-03, 01:50 PM
        Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! Haydar Badawi Sadig12-03-03, 00:42 AM
          Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! degna12-03-03, 02:47 AM
            Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! Haydar Badawi Sadig12-03-03, 08:22 PM
              Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! degna12-05-03, 10:10 AM
  الفكرة الجمهورية .. الطرق الصوفية .. والطائفية Yasir Elsharif12-05-03, 09:53 PM
    Re: الفكرة الجمهورية .. الطرق الصوفية .. والطائفية Haydar Badawi Sadig12-07-03, 09:46 PM
      Re: الفكرة الجمهورية .. الطرق الصوفية .. والطائفية Yasir Elsharif12-14-03, 03:01 PM
        Re: الفكرة الجمهورية .. الطرق الصوفية .. والطائفية Yasir Elsharif12-16-03, 02:12 AM
          Re: الفكرة الجمهورية .. الطرق الصوفية .. والطائفية Haydar Badawi Sadig12-16-03, 07:47 PM
            Re: الفكرة الجمهورية .. الطرق الصوفية .. والطائفية Yasir Elsharif12-16-03, 08:25 PM
              Re: الفكرة الجمهورية .. الطرق الصوفية .. والطائفية Haydar Badawi Sadig12-17-03, 04:23 AM
                Re: الفكرة الجمهورية .. الطرق الصوفية .. والطائفية Yasir Elsharif12-17-03, 06:42 PM
                Re: الفكرة الجمهورية .. الطرق الصوفية .. والطائفية Yasir Elsharif12-17-03, 08:16 PM
  Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! الطيب بشير01-19-04, 01:01 AM
  Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! الطيب بشير01-19-04, 02:37 AM
    Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! د.أحمد الحسين01-19-04, 12:54 PM
      Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! الطيب بشير01-19-04, 08:45 PM
      Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! Yasir Elsharif01-21-04, 08:21 AM
        Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! الطيب بشير01-21-04, 08:36 AM
      Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! adil amin01-26-04, 11:54 AM
  Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! الطيب بشير01-26-04, 05:59 AM
  Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! حمزاوي01-26-04, 02:02 PM
    Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! Haydar Badawi Sadig01-26-04, 09:09 PM
      Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! Haydar Badawi Sadig02-07-04, 08:56 PM
  Re: الجمهوريون: الفكرة والمجتمع؟! Yasir Elsharif02-09-04, 01:31 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de