الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-02-2024, 01:43 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   

    مكتبة الاستاذ محمود محمد طه
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-04-2008, 10:33 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)




    المرأة بين الشريعة التقدمية والحداثة الرجعية (2-2)
    د. عبد الله علي إبراهيم [email protected]

    هذا هو الجزء الثاني من الفصل الثالث من كتابي "الشريعة والحداثة" الصادر عن دار الأمين بالقاهرة في يناير الماضي. والكتاب قائم علي فرضية أن الإستعمار الأنجليزي حال بين الشريعة والخوض في ابتلاء الحداثة التي جاء بها على فوهات المدافع . فقد بلغنا الاستعمار الإنجليزي بعد طول مكث في الهند كان قرر خلالها أن الشريعة الإسلامية وكافة أعراف النحل الهندية قاصرة عن التحديث أو مصادمة له. وبناء عليه يريد البحث أن يحدس بما كان سيقع لنـا من قانون في الســودان لو وثق الاســتعمار بأن الشــريعة أهـل للحــداثة بما انطوت عليه من إرث قانوني صالح ، ولو أنه اطمأن إلى أن بعض تشريعاتها المثيرة لاعتراض المحدثين مما ربما تكفلت الشريعة نفسها ، سماحة منها ، بتعطيلها أو تأويلها من خلال خطابها وجدلها الخاصين. وقلنا أنه لو لقيت الشريعة هذا المضمار الطليق نسبيًا للاجتهاد في خاصة قومها وشرعهم ، تَبْتلى الحداثة وتُبْتَلى بها، لما انتهت إلى هذا التقليد القانوني الخلافي الذي نراه اليوم يصطرع حوله أهل الحداثة والتقليد وغيرهما اصطراعًا مخلاً.

    وتناولنا في الجزء الأول من الفصل كيف عالج القضاة الشرعيون، الذين هم نتاج الحداثة الإستعمارية، جانبين من شرعهما فيهما صدام مبين لمقتضي الحداثة وهما الرق وبيت الطاعة. وقد قلنا أن القضاة المذكورين حققا في هذه المعالجة إصلاحاً مناسباً برغم إستضعافهم في بئية قضائية قصرت الشريعة علي الأحوال الشخصية وأخضعت المحاكم الشرعية للمحاكم المدنية وفق شروط خدمة مسئية. وفي هذا الجزء الخير من الفصل نبين كيف ان الأنجليز فوجئوا بأن الشريعة أرحم بالنساء من العرف "القبلي" لما مالوا اليه وهجروا الشريعة خلال فترة مراهقتهم الإدارية لتمكين الإدارة الأهلية في آخر العشرينات وأوائل الثلاثينات. وأستخدمنا مفهوم "الخيبة أو الإستسلام الإستعماري" الذي جاء به الدكتور محمود محمداني لنصف كيف ارتد اللأنجليز عن حداثتهم وناصروا ذكور السودانيين حين مكنوا للعرف دون الشريعة. كما عرضنا لأوجه الإجتهاد الذكي الذي خاضه قضاة الشرع ليخلصوا الي قانون تقدمي للأحوال الشخصية اشادت به الدكتورة كارولين فلوهر-لوبان من موقع تقدمي في كتابها "القانون الأسلامي" الصادر في 1987 . كا اشادت به السيدة جيهان السادات حين سعت الي تحديث قانون الأحوال الشخصية في مصر. وسنري ان القضاة تخيروا حتي من فقه الشيعة ليقعوا علي العدالة والإنصاف. وقد تكلف هؤلاء القضاة هذه التقدمية في شروط مهنية غاية في التضييق من جهة الإنجليز وورثتهم السودانيين في القضائية المدنية.

    الأعراف الجائرة والشريعة السمحاء
    أتينا في الفصل الثاني من كتابن "الشريعة والحداثة" على قناعة الإنجليز أن العرف هو أدنى لحياة أهل القبائل السودانية من الشريعة . و هي قناعة تأذى منها المجتمع الريفي . فقد ترتب عليها نشوء حلف سياسي بين رجال البطراكية الأبوية العائلية السودانية ورجال الإدارية الإنجليزية . فتفويض الإنجليز للبطراكية الرجالية ، ممثلة في الإدارة الأهلية ومحاكمها ، النظر في قضايا النساء ضد ذكور البطراكية ، كان بمثابة تنصل منهم عن النساء اللائي زعموا أنهم ما جاءوا من أقاصى الأرض إلا لتحريرهن ، ضمن طوائف أخرى ، من استبداد الرجل الشرقي . وقد سبق الحديث لنا عن هذا الحلف حين عرضنا لجرجرة الإنجليز أرجلهم دون إنفاذ إلغاء الرق لخشيتهم غضبة هذه البطراكية إذا أوذيت فيما ملكت إيمانها . وهذا تنصل وصفه الدكتور محمود محمداني بأنه " استسلام استعماري " كف به المستعمرون يدهم عن إنجاز مهمتهم التهذيبية المعلنة . وقد احتاج الإنجليز لهذا الميثاق مع الرجال المستعمرين لأنهم كانوا خاضوا حربًا صعبة ضد نظام المهدية في السودان ، ولم تذعن لهم البلاد بعد مما أخافهم من التورط في مشروعات حداثية غير مأمونة العواقب .

    بوضع نساء قبائل الريف تحت رحمة الأعراف يكون الإنجليز قد أخضعوهن لقانون أقل شفقة بهن من الشريعة . ومعلوم أن البطراكية ذات مروءة مشهودة في صون بيضات خدرها ، النساء ، بمظاهرتهن على الأزواج والقيام بأمرهن وأطفالهن متى تقاعس الزوج أو هجر . غير أن هذه البطراكية لن تأذن لهن بحسم خلافاتهن الأسرية ، سواء مع بطراكياتهن أو بطراكية الزوج ، خارج منطوق العوائد التي راكمتها وتمتلك وحدها حق تفسيرها . والعادة والشريعة كثيرًا ما افترقتا بشأن حقوق النساء وغالبًا ما كانت الشريعة هي القانون الذكي المنصف للمرأة . فالمرأة محرومة من الإرث ، الذي هو حق لها في الشريعة ، بين جماعات مسلمة كثيرة في السودان باعتبار أنها تستظل بضمان البطراكية الاجتماعي . فإذا أردت المرأة هذا الضمان كفت عن طلب الإرث تحمله إلى زوج غير مأمون العواقب . وقد بلغت هذه العقيدة البطراكية مبلغًا شائعًا حتى أن أحد الرجال قد استغرب لحكم القاضي الشرعي بإرث لأخته قائلاً أن هذا ليس من الإسلام في شيء وإنما هو إسلام بدع جاءت به الخرطوم . وقد جرى تنبيه الإدارة البريطانية لجمال الشريعة وبؤس الأعراف حيال فقه المرأة منذ 1927 حين بدأ التفكير والإعداد للإدارة الأهلية . وقد جاءت مقالة للسيد محمد أحمد أبو رنات ، الرئيس الأسبق للقضاة ، بحشد من الأعراف القبلية التي تفارق الشرع وتفتئت على النساء . فبين الجماعات السودانية من تقسم الإرث بواسطة مجلس عائلي لا تُراعى فيه الأنصبة الشرعية الإسلامية المعروفة للأبناء والبنات .

    كانت المحكمة الشرعية رائدة في حفظ حقوق النساء من إفتئات البطراكية . ولم يتخلف عن هذه الريادة حتى أولئك العلماء الشرعيين المحليين الذين عينتهم الحكومة في المحاكم القبلية الأهلية تسويغًا لخطتها في التخلص من المحاكم الشرعية في الريف القبلي . و هي الخطة التي رأينا القضاة يناصبونها العداء لمنحها زعماء القبائل سلطة شرعية لم يتأهلوا لها . فقد ردت المحكمة الشرعية الإرث لإمرتين حرمتهما منه أعراف البطراكية في القضية المعروفة بورثة أحمد خضر نقد ضد ورثة نعيمة الخضر . كما حكم عالم شرعي عضو في محكمة للإدارة الأهلية ضد ممارسة لأهله لا تعترف للمرأة بحق في المال متى ما تزوجت وكان مالها مما يقتسمه أخوتها . وكانت النساء يحملن مظالمهن من العرف إلى المحاكم الشرعية أو إلى العلماء المحليين في المحاكم الشرعية . وقد حكم أحد هؤلاء العلماء ببطلان عادة حرمان المطلقة من ورثة زوجها متى مات ولم تكتمل عدتها . كما حكمت محكمة شرعية لامرأة استظلمت من عادة قبلية في المهور . فالزوجة في هذه الجماعة السودانية تعطى بعض البقر كجزء من مهرها . ولن تملك الزوجة هذه البقرات إلا إذا ولدت لبعلها . فإذا لم تلد ظلت تتمتع بلبن البقرات ووبرها من غير امتلاك لها . وتقدمت زوجة لم تلد لزوجها للمحكمة الشرعية تحتج على هذه العادة . ونظرت المحكمة في الأمر واستحسنت العادة بعد أن أبطلت اشتراط الولادة تمليك الزوجة ما هو حق لها .

    ولم تكن البطراكية في الريف وغير الريف لتأذن حتى بنفاذ بعض التشريعات التقدمية للمحكمة الشرعية . فقد قضى المنشور الشرعي رقم 54 لعام 1960 أن يتأكد المأذون من أن الفتاة التي جاء لعقد زوجها راضية عن هذه الترتيب . غير أن المأذون كان سيأتي إلى فضاء عقد الزواج الذي تسيطر عليه البطراكية . ولن يجد المأذون في نفسه الشجاعة ليسأل ذكور العائلة أن يلقى فتاتهم فيستوضحها جلية الأمر . وحتى على افتراض لقائه بها ، وهو أمر بعيد ، فإنه سيجد العروس غير راغبة في الإفصاح بذات خيارها لثقل فعل ذلك تحت سمع البطراكية الصماء وبصرها. ومع أننا لم نبلغ من تقدمية التشريع رقم 54 (1960) شيئًا مذكورًا إلا أن أثره التحرري في قول ،الدكتورة دينا شيخ الدين ، قد مس النساء حتى في القرى النائية . وأهم من ذلك كله أنه قد أخاف العائلة البطراكية من أن تستهتر برغائب نسائهن بحملهن حملاً إلى الزواج بمن لا رغبة لهن فيه . فالأب ورهطه ، في قول دينا عثمان شيخ الدين، سيعملون حسابهم جيدًا لتفادي حرج أن تشق عليهم فتاتهم عصا الطاعة بالظهور في محكمة تعترض على زواج رتبوه .

    كانت نساء الريف سباقات إلى اكتشاف عدل الشريعة وظلم العادة . فقد سعت إلى التماس عدل الشريعة نساء كثيرات قبل تقنين الإدارة البريطانية للإدارة الأهلية في العشرينات . وقد أحصى أبو رنات أن القاضي الشرعي بين المسيرية الحُمُر في كردفان نظر في 18% من النزاعات الأسرية في وقت باكر هو عام 1918 . وقد حملت النساء ظلامتهن حتى إلى المفتشين الإنجليز في أماكن لم تطأها بعد المحاكم الشرعية . وقد تخطين بذلك نظم أجاويد القبيلة والبطراكية المؤسسية وغير المؤسسية . فقد استغرب ريجنالد ديفز ، مفتش المركز البريطاني ذو الخبرات المميزة في الإدارة الأهلية التي صبها في كتاب عنوانه على ظهر جمل ، لدعوة أحد سادة القوم في قبيلته له أن ينظر في بعض النزاعات الأسرية بين أهله ونسائهم . وواضح من هذا أن النساء المتظلمات من عرف العشيرة قد أردن لنزاعتهن الأسرية أن تُنظر في غير محكمة العشيرة وعرفها . وأعترف هذا السيد في قومه للمستر ديفز أنه محتار في الذي التبس بنسائهم قائلاً : "تريد نساء هذه الأيام أن يتقدمن الرجال في المشي". وقد أخذت قوة عارضة هؤلاء النساء ديفز نفسه أخذًا فقال : " ليس على وجوه النساء اللاتي جئن للطلاق من أزواجهن مسحة من استذلال أو انخذال " .

    وكان صراع الشريعة والعادة مما أدركته النساء ونفذ إلى وعيهن بالعدل وألهم طلبهن له . وكاد حكمٌ في نزاع أسري ما أن يتسبب في تعكير صفو الأمن، لأن مفتش المركز قد أخذ برأي مجلس قبلي مهملا لحكم سبق أن صدر عن قاض شرعي في هذا الشأن الأسري . ولم تتأخر النساء عن نداء التقاضي أمام المحكمة الشرعية . فالإحصاءات أوضحت أن نصيب المحكمة الشرعية من القضايا الأسرية كان ضعفي نصيب المحكمة الأهلية . وقد حدث هذا حتى حين ضيقت الحكومة على المحاكم الشرعية فألغت بعضها وضيقت اختصاص الذي تبقى منها بين القبائل لتشجيع نمو المحاكم الأهلية وازدهارها. وقد أذهل هذا النشاط القضائي للمحكمة الشرعية الإنجليز عن الحق . فقد أقر إداري إنجليزي أن الحَمَر ، في كردفان ، يمانعون في أخذ قضاياهم إلى محاكمهم الأهلية . وراح يبرر " تمرد " الحَمَر على محكمتهم الأهلية بقول زائف مثل قوله أنه لا مشاحة أن الحمر يريدون لمحكمتهم الأهلية أن تنظر قضاياهم إلا أنهم لا يمكنهم مع ذلك إغفال وجود محكمة شرعية . وأضاف أن الحَمَر ربما لم يعرفوا أيضًا أن محكمتهم الأهلية مختصة في النظر في النزاعات العائلية . وهذا تزيين وعقلنة زائفة للأمر . فكيف حدث أن الحَمَر لم يعلموا أن محكمتهم الأهلية ذات اختصاص في النزاعات الأسرية في حين كان وجود هذا الاختصاص ، كإرث قبلي ، هو الذي روج له الإنجليز لكي يلغوا محاكم الشريعة من الريف حتى يردوه إلى أهله . لقد تفادى هذا الإداري الإنجليزي أن يحمل ملحوظته محملها المنطقي . وهو أن الحمر ونساءهم بخاصة هم خصوم أذكياء وسيختارون من بين المحاكم والقوانين تلك التي ستحكم لهم لا عليهم . فهؤلاء المتنازعون الأذكياء أحرص على النصر في القضية منهم على الحفاظ على تقاليد حمر المزعومة .

    لم يسمِ الرجال السودانيون القاضي الشرعي بـ " قاضي النسوان " اعتباطًا . فقد رأوا أن محكمته وشرعه أعدل بالنساء من أعراف العشيرة . وقد سمعنا بعضهم يصف المحكمة الشرعية بالخروج من الدين جملة واحدة ، أي الدين الذي يفارق الشرع ويواطيء أغراض البطراكية . وقد بلغ غضب هذه البطراكية على المحكمة الشرعية حدًا أن جماعة ما طردت أحد القضاة الشرعيين من بلدهم . وقد جاء خبر هذا العنف بحق قضاة الشرع في كتاب ترمنقهام المعنون الإسلام في السودان . والتفسير الذي ساد قبلاً في تفسير هذه الحادثة نظر إلى أطروحة ترمنقهام نفسه التي قالت بأن الذي يسود في ريف السودان هو الإسلام الشعبي الذي هو شيء غير الإسلام الأرثوذكسي ، أي الشرعاني ، الذي هو مدار المحاكم الشرعية . وهذا تفسير يرد عنف الرجال بحق القاضي الشرعي إلى الشذوذ الفكري للمحكمة الشرعية وقاضيها في أرض القبائل التي تعتنق الإسلام الشعبي . وسيبرز قصور هذا التفسير إذا بدأنا باعتبار مصالح البطراكية التي رأينا كيف أصابها الحرج مع نسائها ، اللائي خرجن من أطر ومقتضى الأعراف ، وسعين إلى العدل من المحكمة الشرعية . فقد تكبد القاضي الشرعي ما تكبد من عنف وإزراء لا لشذوذ ثقافي بل لأنه جاء إلى ساحة نزاع ثقافية واجتماعية بين البطراكية و " بروليتاريتها " من النساء وغير النساء . وكان من سوء حظ القاضي المزجور أنه جاء إليها بقانون التزم جانب هذه البروليتاريا .

    كيف جعلوا من حديث الحداثة حديث خرافة

    لم يكشف القضاة الشرعيون عن قدرة حسنة للاستجابة في أحكامهم للتغير الاجتماعي والأسري فحسب ، بل إنهم وظفوا بسخاء مصادر شرعية دقيقة في فقههم لامتلاك ناصية ذلك التغيير . فقد وظفوا آلة التخيير ، وهو اختيار القاضي للرأي الذي يناسب ظرفه وحكمه من جملة الآراء التي جاءت في الشأن نفسه في مختلف المذاهب الشرعية . وهذه طائفة من الأمثلة على ذلك . فقد أعطى المنشور الشرعي رقم 17 (1915) المرأة حق الطلاق أمام المحكمة . وكان هذا حدثًا لأنه ترخيص غير مسبوق في العالم الإسلامي . فبمقتضى هذا المنشور يمكن للزوجة طلب الطلاق من زوجها خشية منها أن تنزلق في الرزيلة متى ما هجرها زوجها لعام أو أكثر . ويمكن للزوجة أيضًا أن تطلب الطلاق للضرر الذي اقتصر أساسًا على الأذى الجسدي . وقد توسع الشارع في عام 1970 في فهم الأذى ليشمل المعنوي أيضًا . وكما هو متوقع فقد اشتجر الخلاف مجددًا بين المحكمة الشرعية والمدنية حول طبيعة الأدلة التي تقيم بها الزوجة حجة الضرر . ومن المفهوم ، في سياق ما عرفنا من تباغض المحكمتين ، أن ترفض المحكمة الشرعية طوائف الأدلة التي تثبت أمام المحكمة المدنية . غير أنهم عادوا للإقرار بشرعية تلك الأدلة ولكن بعد مضي نصف قرن بحاله . فصدر المنشور الشرعي رقم 59 (1973) الذي قضى بأن تأخذ المحكمة الشرعية بدليل المحكمة المدنية بشأن الضرر .

    وقد مالت السلطات الشرعية إلى الأخذ بالتخيير كلما غشيت المجتمع روح ليبرالية وأُذِن بإنصاف المرأة . فقد استقى المنشور الشرعي رقم 17 من المذهب المالكي - الذي عليه معظم أهل السودان- وليس من المذهب الحنفي الذي هو عقيدة الدولة ومحاكمها الشرعية . وعلى خلاف المذهب الحنفي ، فإن المذهب المالكي يأخذ في الحسبان سوء معاملة الزوجة كسبب للطلاق . وبالمثل فقد تخير القضاة الشرعيون رأى المالكية في مسألة حضانة الأطفال ورعايتهم . فالمالكية ، خلافًا للحنفية ، يأذنون للأم بحضانة أطفالها حتى يبلغ الولد سن البلوغ إلا إذا اقتضى حسن تنشئة الولد غير ذلك . كما تخير القضاة الشرعيون المذهب المالكي في نظرهم لمسألة الكفاءة ( و هي تناسب مقام الرجل والمرأة المقدمين على الزواج ) . ومرة أخرى فالمذهب المالكي ، خلافًا للمذهب الحنفي الرسمي ، لا يتطلب في الكفاءة المساوة في العنصر أو العرق والطبقة . وهو مطلب يستبعد الزواج إلا بين أهل المقام الواحد مما يكرس التراتب الاجتماعي والإثني ويخلده . في حين لا تشترط المالكية في الكفاءة إلا حسن إسلام العريس والعروس .

    وقد امتحنت بعض القضايا المستحدثة في عقد السبعينات المحكمة الشرعية في مسألة الكفاءة . فقد اشتكى شاب أسرة ما حرمته من الاقتران بابنتها لأن أصله في الرق . وكانت محكمة صغرى قد حكمت لصالح الأسرة ناظرة إلى آراء الحنفية التي هي قوام التشريع الرسمي للمحاكم . ولما نظرت المحكمة الشرعية العليا في القضية حكمت لصالح الشاب ناظرة إلى آراء المالكية الذين مذهبهم مذهب سائر السودانيين كما تقدم . وهذا حكم فذ اعتنى بالعصر أبلغ عناية ، واستصحب مرونة التشريع وفسحة المذاهب في هذه العناية بغير أن يرتج عليه أو يتخبط .

    أما في جهة الزواج فلم يجد القضاة حرجًا مع مذهبهم الحنفي الرسمي لسماحته في مسألة موافقة المرأة على زوجها . وهكذا وجد القضاة فيه سككًا سالكة استصبحوا فيها شريعتهم في زمان اشتدت فيه النزعة الديمقراطية في الأسرة بفضل نشر وتنامي المراكز الحضرية واشباهها . وفي شأن عقود الزواج بدأت المحكمة الشرعية بفقه الحنفية الذي يقضي بأن بوسع المرأة أن تعقد لزواجها بنفسها . غير أنها انتكست عن هذا المبدأ الحنفي الحق في عام 1933 في ظروف وملابسات غير واضحة لنا حتى الآن . واستبدلت المبدأ الحنفي بالرأي المالكي الذي يعطي ولي أمر الزوجة القول الفصل في عقد زواجها . غير أن المحاكم الشرعية عادت في 1960 إلى المبدأ الحنفي المهجور الذي أعطى المرأة حق الموافقة على زواجها ممن تقدم لها . وهذه العودة على بدء كانت محاولة مخلصة من المحكمة الشرعية للاستجابة لمطالب الحركة المرأة الجديدة بقيادة الاتحاد النسائي ذى النفوذ الواسع بإعطاء المرأة حق الموافقة أو غيرها لمن يتقدم لزواجها لوقف الزيجات المفروضة على النساء التي أدت إلى انتحار بنات لم يقبلن بما قبلت به أسرهن .

    لقد بذل القضاة الشرعيون قصارى رأيهم مستصحبين التخيير لملاقاة الحداثة والتكيف معها . وقادهم سخاؤهم - وهم من أهل السنة بمنزلة - إلى تبني رأي من فقه الشيعة عن الطلاق لطمأنة المرأة إلى حياتها مع الزوج وإسلامها . وقد جرى تضمين هذا الرأي الشيعي في المنشور 41 (1939) الذي قضى ألا يقبل القاضي الشرعي كسبب للطلاق حلفًا أو قسمًا تفوه به الزوج مثل قوله للآخر لو لم تفعل كذا لطلقت زوجتي . وهكذا أخلى هذا التشريع الرجال من سلطة وامتياز وهراء . كما نص نفس المنشور على بطلان الطلاق البائن إثر قول الزوج للمرأة أنها طالق ثلاثًا . واعتبرت المحكمة مثل هذا القول ، عددًا ، طلاقًا واحدًا . وهذا تفريغ آخر للرجال من سلطة في القول متبوعة بالفعل . وقد استصحب القضاة الشرعيون آلة التلفيق الشرعية أيضًا لملاقاة الحداثة وتوطينها إسلاميًا . والتلفيق هـو تكييف حكم ما بشأن أمر ما بالجمع بين مفردات أراء المدارس والفقهاء . وقد استخدم القضاء الشرعي هذه الآلة لاستحداث تشريعات منصفة للنساء في السودان .

    ومما يؤسف له في رأى فلوهر - لوبان ، أن الشريعة على سماحة منشوراتها وأحكامها الشرعية ، لقيت التغيير الاجتماعي مستجيبة لضواغطه متثاقلة نوعًا ما ولم تلقه مبادئه ، متنبئة به ، وسباقة إليه . وبمعنى آخر فإن التشريعات لم تصدر عن قضاة اعتقدوا في ابتلاء الحداثة واستبقوه راصدين مشمرين . واستعجبت دينا عثمان لماذا لم تصدر عن المحكمة الشرعية مبادرة مهنية غراء خالصة لله في إصلاح قوانين الأسرة مما جرها إلى مجرد التكييف الوقتي الثقيل على النفس مع مستحدثات التغيير الاجتماعي . وقد جاءت دينا شيخ الدين في تعليل تثاقل أهل الشرع بقول ثاقب . فقد قالت إن الذي حرم القضاة الشرعيين من هذه المبادرة هو أن طاقاتهم للإبداع قد استهلكها شعورهم بعدم الطمأنينة لشرعهم وحتى دينهم في ظل المستعمر الإنجليزي . كما لم يغير استقلال البلاد من ذلك شيئًا ذا خطر . فقد أهدر هؤلاء القضاة وقتًا ثمينًا في صراع لا يني طلبًا للمساواة بزملائهم القضاة المدنيين . وعليه فقد كانوا أما غير راغبين أو غير قادرين على الدعوة لإصلاح الشريعة حين لقوا الحداثة متواصين بحفظ بقية الدين لا بإنزاله بمقتضى الحادثات واستباقًا لها . وقد خلصت دينا بنباهة إلى أن إصلاح قوانين الأسرة رهين بخلق بيئة فكرية ومهنية مُثْلى تمكن القضاة من المبادرة بالإصلاح مستعينين بتجربتهم الفريدة الطويلة في قضايا الأسرة .

    ولم تتوفر للقضاة هذه البيئة لا في عهد الاستعمار ولا العهد الوطني . فبرغم ما قاله السكرتير القضائي عن القضاة في عام 1932 من أن القضاة جماعة راشدة ذكية من الرجال إذا أحسنا إليهم فإنه نادرًا ما حظي هؤلاء القضاة بهذه المعاملة . وقد رأينا كيف أنهم أسفروا في أمر الرق وبيت الطاعة عن واسع حيلة في أخذ الحادثات وشرعهم بقوة . و هي حيلة أهدرها الإنجليز الذين اختاروا في كل الأحوال أن يتطفلوا على ذلك الخطاب وأن يرتابوا في تلك الحيلة . ولم يمنع ذلك القضاة من إصدار تشريعات وأحكام أنصفت المرأة وكشفت عن مصادر باطنة للشريعة في الإحسان والعدل . وقد لقيت مساهمتهم هذه تقريظ فلوهر- لوبان التي قالت في استحسانها : " لم أكتشف خلال مباحثي عن قانون الأحوال الشخصية الشرعي الفكرَ المستنير والتقدمي الذي جاء به إلى الوجود فحسب، بل التطبيق الإنساني لذلك القانون في المحاكم التي زرتها " .

    والحق أنه لم تقم بين الطبقة الفقهية السودانية على هذا العهد والحداثة عازلات من أصل مهني أو تربوي تقطع طريق هذه الطبقة إلى التقدم . فلم يرث السودان طبقة علماء لها التمكين والقوة وضالعة في المحافظة . وقد خلا السودان من هذه الطبقة المستأصلة لأسباب . فقد نظمت الإدارة البريطانية حملة دقيقة ضد الإسلام الجهادي المهدوي ورموزه ووسائطه،فكسدت بذلك طبقة علماء المهدية . وفاقم من هذا بالطبع نكسة العلماء أنفسهم وخيبتهم في المهدية التي أساءت إلى جمعهم . ولذا كان من تبقى من العلماء بعد غزو الإنجليز للسودان قد أعيته التجربة الإسلامية المهدية أعياءًا وأراد بعده التوفر على حياة هادئة من العلم والتعلم والانقطاع للعبادة . وقد وجد هذا المزاج الإصلاحي فيهم مضمار ممارسة وإشباع في محاكم الشرع وقسم القضاة الشرعيين بكلية غردون والمعهد العلمي .

    ولم توقر الإدارة الاستعمارية ميل هؤلاء العلماء للهدأة السياسية . فقد استقطبت الحكومة نفرًا صالحًا منهم في هيئة المشائخ الدينية التي تأسست في 1904 وفي أعقاب غزو السودان. ومن المحزن أن الإنجليز لم يحسنوا إلى هذه الفئة التي قبلت بهم لا حبًا فيهم وإنما رضوخًا للنازلات . ونصح الشيخ بابكر بدرى الإنجليز ألا يطمعوا في حب السودانيين من جهة عدل حكومة الاستعمار لأن السودانيين فضلوهم لتعقلهم في تدبير الحكم واستباب الأمن وهو الذي قصرت المهدية عن فعله . وقال لهم إنهم متى طلبوا الميزة لعدلهم فالأولى بهم أن يتركوا البلاد لأنه ليس بوسع مسلم أن يرهن العدل بغير الإسلام . وقد انحدرت هيئة المشائخ هذه بسمعتها إلى الحد الذي وصفها أهل الوطنية السودانية بـ " أعوان الاستعمار " لما رأوا أنه ما صدر من جمعهم إلا ما يسوغ للإنجليز إرادتهم السياسية من جهة الشرع . وهذه عاهة أصل في الاستعمار و هي أنه عاجز عن التعامل مع جماعة وطنية باحترام وكفاءة وندية . فما تهيأ لجماعة سياسية لها عزيمة ورؤية أن بوسعها التحالف مع الاستعمار بقبول ورضى لصالح مشترك حتى تجد الاستعمار قد أحال هذه الجماعة إلى رسم مجرد وزجها في ضلالاته السياسية كلها . ولم تدم هذه الهيئة فقد عطلتها الإدارة الاستعمارية على عجل حين سنح لها أن تستميل مشائخ الدنيا والدين في الحضر والأرياف في العشرينات وما بعدها . وبقيت الهيئة تلعب دور " قس بري " في قول مدير المخابرات . ولم يرحمهم هذا المدير الجاحد بقوله إننا لم نرد لهم أصلاً أن يلعبوا دورًا أميز من دور أولئك القسس .( وقس بري انجليزي غير مذهبه وقناعاته غير مرة وكيفها لتتوافق مع كل ملك جديد يعلو العرش. فتارة هو بروتستانتي وتارة أخرى كاثوليكي وهكذا).

    لم يكن قضاة الشريعة في السودان منبتي الصلة عن وارد الحداثة . فهم من خريجي كلية غردون الذين أُشربوا فيها المعاني المحدثة من موقع الشوكة حتى قبل هؤلاء القضاة أن يرفعوا كل منشور شرعي صادر منهم ليجيزه السكرتير القضائي للحاكم العام كما اقتضى القانون الساري . فقد علموا علم اليقين أن الإنجليز هم أولو الأمر والتعقيب حتى بشأن الشريعة التي تنازلت عن حقولها جميعًا واقتصرت على مسائل الأسرة المسلمة . وسبق لنا القول في الفصل السابق أن لورد كرومر ، مندوب بريطانيا السامي في مصر قد وجه الإداريين الإنجليز في السودان ألا يحملوا كلمته للأعيان السودانيين ، عام غزو السودان 1898 ، بحقهم في ممارسة دينهم بحرية محمل تقييد أيدي إدارتهم من التدخل في أمر الرق . وقد كان كرومر يعتقد أن أيام الشريعة معدودة على كل حال .

    ولم يكن القضاة ولا محاكمهم بمنأى عن الحداثة فهما متورطان فيها ومبتلايان بها . كان القضاة الشرعيون من خريجي كلية غردون ، إذا تحرينا الدقة ، ثمرة من ثمرات الحداثة . وقد زينت لهم خدمتهم بالحكومة ، والمشي في مناكب سلطاتها وسلطانها ، والأكل من شعاب رواتبها ومخصصاتها ، طيب حياة الحداثة . وسنجد في سير هؤلاء القضاة ما يشي بأنهم الهجين الثقافي الذي يعتقد المنظرون المحدثون للإمبريالية أنه يتولد عن الاستعمار . فيروى عن الشيخ مصطفي المراغي ، قاضي قضاة السودان فيما بين 1908 - 1915 أنه كان ضالعًا في الحياة الحديثة يأكل بالشوكة والسكين . وقد نقل تلاميذه في الكلية عنه تعلقه بذيول الحداثة فكانوا يلعبون البولو والتنس وكرة القدم . وكانت في هؤلاء القضاة معابثة برقائق الحداثة . فقد تأثر إداري بريطاني بلطف قاض شرعي ما حين بعث له بتحية في مناسبة عيد الميلاد حملت تحايا سانتا كلوز . كما أثنى ديفز على قاض آخر كان يعلمه العربية ويختار جياد الأغاني والأشعار في تدريسه لا نصوص القرآن والحديث .

    ونختم بالقول أن القضاة الشرعيين انتهوا إلى آبدة من عصور خلت عنوة واقتدارا بفضل حلف مكتوب وغير مكتوب قوامه الاستعمار والقضاة المدنيين والذكور المسلمين في السودان . وقد سبق الاستعمار إلى التنبيه إلى ضرورة الإحسان إليهم ولكن هيهات . فقد سأل السكرتير القضائي مستر جيلان ، مدير كردفان والخصم الأشد للمحاكم الشرعية ، أن يتلطف مع القضاة ، وأن لا يهشهم عن مسار الدولة الرئيسي مردفًا " أنه من غير المرغوب أن نجعل من قسمهم الشرعي قسمًا مفارقًا وناشزًا عن المشروع الكلي للحكومة " . وظل هذا الإقصاء الزائف المغرض عن المشروع الحداثي ، الحكومي ، سمة في حياة القضاة الشرعيين وشرطًا لها . فلم تحسن الحكومة الإنجليزية تأليفهم أو حتى مصانعتهم لخلق أعوان من بين أهل المستعمرة ييسرون لها أمر إدارة بلد هم عنه غرباء . وظل القضاة الشرعيون حتى إلى وقت قريب جدًا موضوع هزء مهني وسياسي . فقد ساء منصور خالد- كما مر- أن يراهم يدعون للدستور الإسلامي بعد ثورة 1964 ، وكره منهم هذا التطفل السياسي ، وقال يذكرهم بمنشئهم الإنجليزي في قانون الأحوال الشخصية للمسلمين كقضاة " أنكحة وميراث " لا سبب لهم في الخوض في أمهات الأمور مثل الدستور . وقد أضطر قاض شرعي في بور سودان عام 1977 إلى رفع شكوى ضد المرحوم الأستاذ محمود محمد طه لأنه قد وصفهم في إحدى ملصقات معرض لجماعته من الجمهوريين بأنهم " أذل من أن يؤتمنوا على الأحوال الشخصية لأنها أخص وأدق القوانين ، لارتباطها بحياة الأزواج والزوجات والأطفال ، في كلمة واحدة : العرض " . ووجدنا صدى لهذا الإزراء بعلماء الشرع في دهاليز الخلاف في دولة الإنقاذ بين الرئيس البشير والشيخ حسن الترابي . وكانت هيئة العلماء قد مالت إلى كفة البشير دون الترابي . وقد وصف السيد يسن عمر - الذي شايع الترابي - وصف هؤلاء العلماء ، عقابًا لهم على هنتهم السياسية هذه ، بأنهم قضاة أنكحة وميراث يقصرون بهما عن الحكم في أمهات أمر السياسة .

    وكانت المحكمة الشرعية ، التي اختصت بمسائل الأسرة المسلمة وصحبتها و هي تتجرع غصص الحداثة الاستعمارية ، أوثق معرفة بدخائل الحداثة من المحكمة المدنية . وقالت لي مولانا نجوى كمال فريد في هذا المعنى إن المحكمة المدنية تؤجر لك المنزل بعقد إيجار وثيق غير أنها لا تدخل البيت كما تفعل المحكمة الشرعية التي ترعى عقود سكون الناس إلى بعضهم البعض . وإنه من الغلو تصوير أمر المحاكم المدنية والشرعية كمعارضة بين الحداثة والتقدمية من جهة والتقليد والرجعية من جهة أخرى . فلم تكن المحاكم المدنية هي ملاذ النساء ولا ساحة إنصافهن في كل آنٍ وحين . فقد تجاهلت هذه المحاكم مطالب النساء في زيادة استقطاع النفقة من مرتب الآباء . والتزمت بلائحة الإجراءات المدنية لعام 1974 و 1983 التي لم تسمح باستقطاع أكثر من 25% من مرتب المستخدمين لأي غرض من الأغراض . واعترفت فاطمة أحمد إبراهيم ، زعيمة الاتحاد النسائي السوداني ، أن الحيلة قد أعيت الحركة النسـائية في تعـديل هذا القانون الوضعي كما لم تعيها و هي تطالب بتعديل في شريعة السماء . وقد وقف السيد بابكر عوض الله ، رئيس القضاء في الستينات ورئيس الوزراء ووزير العدل في نظام نميري الباكر ، ضد مطالب الاتحاد النسائي في زيادة النفقة المستقطعة من المستخدمين زيادة ينظر فيها القاضي إلى حال الأطفال وحاجتهم في كل حالة . وقالت فاطمة أنه قد تم الاتفاق على حل وسط أوقف الاستقطاع عند الـ 50% من المرتب . ولا أدري إن كان هذا القرار قد توطن في القانون أو قد جرى تنفيذه أبدًا . وكانت المحكمة الشرعية ،من الجهة الأخرى ، أحنى بشأن النفقة . فقد أعطت لائحة التنفيذات ، المستمدة من لائحة المحاكم الشرعية لعام 1967 ، القاضي الشرعي حق خصم نفقة الأطفال من المستخدمين بما يفوق ما تسمح به القوانين المالية السائدة مع حفظ الحق للمتضرر أن يستأنف للمحكمة الشرعية العليا . وكانت منظمة النساء التقدمية ، الاتحاد النسائي ، تدعو إلى مثل هذا الخصم . ولم أجد في أدبها مع ذلك تنويهًا بهذا الحليف المهجور .

    ولم تقف سعة قضاة الشرع للحداثة عند حد إصلاح تشريعهم في ظرف قاهر فحسب، بل قبلوا حتى بحتمية الاشتراكية واستعدوا لها بفقه الإسلام . وجاء هذا الاعتراف في مذكرة بعث بها قاضي القضاة ،مدثر الحجاز ، إلى لجنة الدستور في عام 1956 تستحثها أن تتبنى الدستور الإسلامي دستورًا للبلاد . وقد زين القاضي الأمر بحجج كثيرة ، من ذلك فتواه أن الإسلام لا يمانع في فوائد الأرباح لطغيان المال في النظام الاقتصادي الحديث . وقد استند في فتواه على التفريق بين أرباح عصرنا وبين الربا الجاهلي الذي حرمه الإسلام . ونبه اللجنة إلى سبق مصر في هذا المضمار حين قبلت بالفوائد متى كانت ملطفة مأذونة . وهنا المربط الاشتراكي لفرس القاضي . فقد قال إن قبولنا بالفائدة هو قبول بنازلة ينحني لها المسلمون حتى حلول الاشتراكية بين ظهرانينا . فحين ننتقل من الرأسمالية إلى الاشتراكية ، وهو يوم يراه القاضي قريب ولا محالة منه ، سيكون رأس المال بيد الدولة وليس الأفراد مما قد يبطل الحاجة إلى الفوائد . وبهذا يسلم المال من الربا كما أراد الإسلام تمامًا بتحريم الربا . وهذه لغة القاضي وليست ترجمة عنه .

    ولم يجد القسم الشرعي حرجًا في تعيين النساء به منذ بداية السبعينات حتى جاء إسلاميون محدثون على عهد دولتهم الراهنة فحالوا دون النساء والقضاء ومراتب أخرى في الدولة . وقد غلب إسلاميو أيامنا هذه اعتبارات الحكم على اعتبارات الشرع . وكان للمرحوم مولانا الشيخ الجزولي ، قاضي القضاة قبل دمج القضائية في 1972 ، ومولانا نجوى كمال فريد ، أول قاضية شرعية ، الفضل في هذا الحدث الجاسر . فقد تخرجت نجوى من مدرسة اليونتى ، التي هي في الغالب مدرسة للجاليات الأجنبية في الخرطوم ، وكانت مغرمة بعلم النفس . وفاتحت معلمها في الأمر فقال لها أنك لن تحصلي على هذا العلم في جامعة الخرطوم لأنها لم تأذن به بعد . ونصحها أن تلتحق بقسم الشريعة الذي علومه هي الأدنى لعلم النفس لاشتغالها بفقه الأسرة التي مدارها النفس . وفعلت . وكانت أول طالبة بقسم الشريعة الرجالي حتى أخمص رجليه . فطلابه كانوا وحدهم يلبسون الجلابية البلدية في قلعة الحداثة الاستعمارية . ولقيت نجوى من هزء جماعة القلعة المحدثة هذه صنوفًا كثيرة . فمن تشنيعهم عليها قولهم أن المولانات سيعينونها مأذونًا . وقالت إن تعيينها بالقسم الشرعي تم في أول إبريل من السنة فأذاع الهزاء أن ذلك كذبة أبريل . وكان مولانا الجزولي مدرسًا لها بالجامعة وعطف عليها وخصها بعنايته وزكى لها التعيين بقسمه الشرعي في القضائية عملاً بفقه الحنفية الذي يولي المرأة القضاء في غير الحدود والقصاص . ولم يأذن لها بمباشرة النظر في القضايا خشية من ردة الفعل على هذا الأمر الذي لا عهد للناس به من قبل . وأوكل لها البحث في فقه القضايا المعروضة والتوصية بشأنها . ثم توالى وفود البنات على قسم الشريعة والتعيين في القسم الشرعي . وتولين النظر في القضايا وأصبحت أسماؤهن تحت إعلانات المحاكم على الصحف مشهدًا يوميًا عاديًا . وربما كانت ملابسة تعيين النساء في القسم الشرعي هي ما يعنيه أولئك الذين يقولون أن الطعن في الشريعة كخصيم لدود للحداثة هو محض سوء ظن لم يصدق في الواقع متى تيسر للقضاة بيئة من حسن النية تصرفوا فيها بلا جبر . فقد جاءتهم نجوى من حيث لم يحتسبوا تريد أن تقرأ النفس البشرية على ضوء فقههم . ولم يأنس القضاة الرغبة في ضمها إليهم فحسب بل وجدوا في فقههم بابًا تدخل منه راضية مرضية . وكان الأمر من اليسر واللطف بحيث لم يدر بالخلد أن كانت هناك أبدًا واقعة نزال بين الحداثة والتقليد .
                  

العنوان الكاتب Date
الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:38 AM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:41 AM
    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:43 AM
      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:49 AM
        Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:50 AM
          Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:51 AM
            Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:52 AM
              Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:53 AM
                Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:54 AM
                  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:55 AM
                    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:55 AM
                      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:56 AM
                        Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:57 AM
                          Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:58 AM
                            Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 03:00 AM
                              Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 03:00 AM
                                Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 03:01 AM
                                  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 03:02 AM
                                    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 03:03 AM
                                      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 03:04 AM
                                        Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 03:14 AM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 04:06 AM
    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 04:08 AM
  رد Mohamed fageer04-02-08, 04:30 AM
    Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:05 PM
      Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:07 PM
        Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:08 PM
          Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:09 PM
            Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:10 PM
              Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:11 PM
                Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:12 PM
                  Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:13 PM
                    Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:13 PM
                      Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:14 PM
                        Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:15 PM
                          Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:16 PM
                            Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:23 PM
                              Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:39 PM
                                Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:47 PM
                                  Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 02:44 PM
                                    Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 02:59 PM
                                      Re: رد عمار محمد حامد04-02-08, 07:21 PM
                                    Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 00:40 AM
                                    Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:30 AM
                                      Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:34 AM
                                        Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:36 AM
                                          Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:38 AM
                                            Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:40 AM
                                              Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:45 AM
                                                Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:46 AM
                                                  Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:49 AM
                                                    Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:52 AM
                                                      Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:58 AM
                                                        Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 02:03 AM
                                                          Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 02:07 AM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 07:23 PM
    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:34 AM
      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:35 AM
        Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:36 AM
          Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:37 AM
            Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:39 AM
              Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:40 AM
                Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:41 AM
                  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:42 AM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:45 AM
    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:45 AM
      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:46 AM
        Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:47 AM
          Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:48 AM
            Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:49 AM
              Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:50 AM
                Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:51 AM
                  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:51 AM
                    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:52 AM
                      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:53 AM
                        Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:54 AM
                          Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:55 AM
                            Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:56 AM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:02 AM
    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:04 AM
      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:06 AM
        Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:08 AM
          Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:09 AM
            Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:10 AM
              Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:11 AM
                Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:12 AM
                  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:13 AM
                    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:14 AM
                      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:15 AM
                        Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:16 AM
                          Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:17 AM
                            Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:18 AM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 03:33 PM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 07:06 PM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 07:44 PM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 10:04 PM
    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 10:05 PM
      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 11:34 PM
      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-04-08, 03:19 AM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-04-08, 00:31 AM
    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-06-08, 04:51 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de