الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-02-2024, 05:41 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   

    مكتبة الاستاذ محمود محمد طه
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-04-2008, 04:10 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)




    اتفاق التراضي الوطني

    حواشٍ على متون

    د. أحمد إبراهيم أبوشوك
    [email protected]

    شَهِد شهر مايو 2008م حدثين سياسيين مهمين في تاريخ السودان المعاصر، كان لهما وقعٌ صاخبٌ على المشهد السياسي، حيث ارتبط أحدهما بالهجوم المسلح الذي شنته حركة العدل والمساواة على العاصمة القومية، أمدرمان، بُغية إرسال إشارة إلى حكومة الخرطوم لتعيد النظر في ترتيب أولويات الحوار السياسي بشأن أزمة دارفور، وتجلى الآخر في الاتفاق الذي أبرمه حزب الأمة القومي مع حزب المؤتمر الوطني تحت مظلة "التراضي الوطني"، تعللاً بتنقية المناخ السياسي من شوائب الشمولية، وإعداد الشارع السوداني لخوض غمار المعركة الانتخابية القادمة. ونودّ في هذه الحواشي أن نلقي ضوءاً ساطعاً على حيثيات "اتفاق التراضي الوطني" الذي جرت مراسيم توقيعه بمنـزل السيِّد الصادق المهدي بحي الملازمين في 20 مايو 2008م، ونصحب ذلك بمواقف الرأي والرأي الآخر من تلك الحيثيات، ثم نأتي ببعض الملاحظات التحليلية على متون أطروحة التراضي، والمواقف المثمنة لها والقادحة فيها، علنا بذلك نسهم في تقويم موقف الطرفين، واندياح دائرة الحوار البناء على موائد السياسة السودانية وصُحفها السيَّارة التي تضج من آلام مخاض عسير لميلاد نظام ديمقراطي محفوف بالمخاطر.



    حيثيات وثيقة التراضي الوطني

    تتبلور وثيقة التراضي الوطني في سبع قضايا رئيسة، تشمل الثوابت الوطنية والدينية والحكم الراشد، وبناء الثقة وتهيئة المناخ السياسي لإحداث تدافع ديمقراطي، وحل قضية دارفور في إطار قومي خالٍ من أي ارتباطات أجنبية، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة، وكفالة الحريات العامة وتعديل القوانين المعارضة للدستور الانتقالي لعام 2005م، والاعتراف باتفاقية السلام الشامل (نيفاشا) ومكاسبها للجنوب، ثم إخضاع بعض بنودها للنقاش وتحويلها إلى اتفاق قومي، وتثقيف الاتفاق بين الحزبين تثقيفاً قومياً يؤسس لقيام تراضي سوداني شامل. وضَّح السيِّد الصادق المهدي الظروف التي أفضت إلى التوقيع على وثيقة التراضي في خطاب جماهيري بمنطقة "ود النَيَّل" بولاية سنَّار، في 26 مايو 2008م، حيث قال: "إن حزبه تبنى محاولات كثيرة، وصارع بقوة إلى أن حصل على التجاوب الحالي"، لا بحثاً عن السُلطة، لكن سعياً إلى تراضٍ سوداني يسهم في تحديد مسارات الحكم وتقويم آلياته في السودان. (المصدر: الأحداث، 27 مايو 2007م). ويرى مناصرو التراضي في حزب الأمة أن الدعوة إلى "الجهاد المدني" قد حققت طرفاً من غاياتها المنشودة، علماً بأن الإنقاذ بدأت إقصائية، ثم اعترفت بالرأي الآخر، والآن انصاعت لمبدأ الحوار في نسق قومي يهدف إلى تحقيق الحرية، والديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان، وهذا يعنى ضمناً الاعتراف بفشل النظام الشمولي كمنهج للحكم. ويثمِّن السيِّد الصادق المهدي هذا الموقف بقوله: "فكرة الانتفاضة التي عملناها مع نظامي عبُّود والنميري في الظروف الراهنة ستدخل السودان في تعقيدات خطيرة جداً، فالقوات المسلحة ما عادت هي القوات المسلحة الوحيدة في الساحة، فهناك أكثر من مائة تشكيل عسكري، فإذا ما أدت الانتفاضة كما تفعل دائما لخلق إضراب عام وفراغ سياسي كانت تملؤه القوات المسلحة، صار واضحاً بالنسبة لنا أن خلق الفراغ ستملؤه عشرات القوى المسلحة ذات الأجندة الضيقة والتحالفات الأجنبية. ولا أظن أن هناك وطنياً يفوت عليه مضرَّة هذا. لهذا فأنا أعتقد أن أفضل طريقة للتغيير صارت هي الانتفاضة الانتخابية. ولدينا مصلحة في أن يتمَّ التغيير عبر الانتخابات" (حوار مع صباح أحمد، آخر لحظة، 31/5/2008م). ومن وقائع هذا الحوار وأدبيات المنابر الإعلامية الأخرى لحزب الأمة يبدو أن قضية "الانتفاضة الانتخابية" هي بيت القصيد الذي ارتكن إليه اتفاق التراضي والوطني حسب رؤية حزب الأمة القومي، ولا شك أن للمؤتمر الوطني أجندة أخرى في هذا السياق. وسأعود لقضية الانتفاضة الانتخابية في محور آخر، نسبقه بطرح سؤال المحوري عن الجديد في اتفاق التراضي الوطني، وموقف الرأي الآخر منه تثميناً وتجريحاً.




    ما الجديد في اتفاق التراضي الوطني؟

    طرح عدد من المادحين والقادحين في وثيقة التراضي الوطني هذا السؤال: ما الجديد في اتفاق التراضي الوطني؟ . فالأستاذ الدكتور الطيب زين العابدين يرى أن الاتفاق لم يأت بجديد في إطار الثوابت الوطنية التي تضمنها الدستور الانتقالي والاتفاقيات السابقة، بل أنه قدم بعض الحواشي وعرض مجموعة من المسائل الإجرائية، ويأتي في مقدمتها قضية الالتزام بقطعيات الشريعة واحترام العهود والمواثيق، وقومية الإعلام، والدعوة إلى تنفيذ توصيات هيئة الحسبة والمظالم، وتكوين لجنة لمراجعة أسماء الشوارع والمنشآت لتعميم الرمزية القومية، والتعاون بين حزب الأمة القومي والمؤتمر الوطني في تكوين بناء القطاعات الفئوية والطلابية والنقابية والمفوضيات.

    وينظر الدكتور عمر القراي إلى الجديد في اتفاق التراضي من منظور خلاف أيديولوجي قديم بين الإخوان الجمهوريين والسيِّد الصادق المهدي، حيث يصف الفقرات الواردة تحت الثوابت الدينية، التي تنادي بحرية العقيدة والضمير، والالتزام بقطعيات الشريعة، والتسامح في الاختلافات الاجتهادية بأنها منطلقات متناقضة مع ذاتها، "ولا يمكن أن تقوم في أي مجتمع في وقت واحد. وذلك لأن قطعيات الشريعة، لا يمكن أن توافق على حرية العقيدة. ولو كانت الشريعة الإسلامية توافق على أن يعتقد كل شخص ما يشاء، لما قام الجهاد، وأُحكِمَ السيف في رقاب المشركين حتى يسلموا، وفي رقاب أهل الكتاب حتى يعطوا الجزيّة عن يد وهم صاغرون." وبهذه الكيفية الأصولية يرى الدكتور القراي أن موضوع الثوابت الدينية عمل قادح في شرعية القيم السياسية التي أرستها اتفاقية السلام الشامل، ولا يقدم أنموذجاً للتراضي الوطني، "يشمل كل السودانيين مسلمين وغير مسلمين"، بل هو خطوة نحن ديمقراطية تعاقدية، "يمكن أن يتم فيها تزييف كل القيم الديمقراطية، باتفاق الأطراف على هذا التزييف. وإذا قدر للاتفاق أن يسير مداه، وتوحَّد الحزبان في الانتخابات، فإن مادة الدعاية الانتخابية، ستكون إعادة مسرحية الدستور الإسلامي، وستوظف المساجد، وتؤلف الفتاوى، بأنه لا يجوز للمسلم، أن يعطي صوته لغير المسلم، كدعاية ضد الحركة الشعبية (قراءة في اتفاق التراضي الوطني، سودانايل يونيو 2008م). وحاول القراي أيضاً أن يربط هذا الانحراف السياسي من وجهة نظره بانحراف مادي آخر يتمثل في تنفيذ توصيات هيئة الحسبة والمظالم، التي تهدف من وجهة نظره إلى "دفع تعويضات آل المهدي" التي باع من أجلها السيِّد الصادق مبادئي الحزب." لا جدال أن الدكتور القراي له الحق في أن يختلف مع السيِّد الصادق المهدي أيديولوجياً، وأن يجرح في شرعية بنود اتفاق التراضي لأنها شأن عام، لكن تفسيره لتنفيذ توصيات هيئة الحسبة والمظالم بتعويضات آل المهدي فيه شطط، لأن الاتفاق لم يصرح بهذا الأمر. نعم أن الدكتور الطيب زين العابدين قد وصف بند الحسبة والمظالم بالغموض، واجتهد في شرحه بأنه "دعوة لإعادة المفصولين سياسياً"، وعلق السيِّد الصادق المهدي على هذا البند في إطار سؤال طرحته عليه الصحافية صباح أحمد بأن الدعوة إلى رفع المظالم تعني "إطلاق سراح المعتقلين، وإلغاء المصادرات، ورد حقوق المشردين من الخدمة النظامية والمدنية". ولا أدري من أين أتى الدكتور القراي بقضية تعويضات آل المهدي في هذا السياق العام، هل اجتهد في تفسير عبارة "إلغاء المصادرات وأضاف إليها تلك الحاشية؟ أم استنبط ذلك من وقائع الحوار الذي دار خلف الكواليس بين طرفي الاتفاق، ولم تحمله إلينا بنود الاتفاق نصّاً؟ القضية محل نظر!

    ويأتي موقف حركة القوى الجديدة الديمقراطية (حق) متسقاً مع موقف الدكتور عمر القراي وأكثر تشدداً، لأن "حق" تنظر إلى قضية الثوابت الدينية وقطعيات الشريعة بأنها أداة لنسف الدعوة بقومية الاتفاق ووطنيته، وأنها خطوة "لقيام دولة دينية لا يمكن لها على الإطلاق أن تكون دولة ديمقراطية، بل لا يمكن لها أن تكون إلا طغياناً منفلتاً، ودكتاتورية شمولية إقصائية حتى النخاع، وشراً مطلقاً حتى النهاية، لأن الذين يقيمونها لا يحسبون أنفسهم بشراً، وإنما تجسيداً للإرادة الإلهية. إن الاتفاق ما هو إلا محاولة بائسة لإعادة الحياة للمشروع الحضاري الساقط، والذي تخلى عنه حتى أهله ذاتهم." وبذلك يخلص نشطاء حق إلى أن الاتفاق يهدف في المقام الأول إلى إلغاء نيفاشا، لأن السيِّد الصادق المهدي من وجهة نظرهم ينظر إلى نيفاشا بأنها "مؤامرة إقصائية" ضد القوى السياسية الفاعلة في الشأن السودان، وينسجم هذا المسعى من وجهة نظرهم مع رغبة المؤتمر الوطني في التحلل من التزاماته الناشئة عن نيفاشا واستحقاقاتها. وفي ظل هذا التراضي الثنائي وبُعده القومي المزعوم يستطيع الطرفان إلغاء مواثيق نيفاشا، والعودة إلى أدبيات السودان القديم وإرثها السياسي الذي تجاوزه الزمن (سودانيزأولاين، 26/5/2008).



    موقف نشطاء حزب الأمة من التراضي الوطني

    يبدو أن موقف نشطاء حزب الأمة منقسم حول توقيع هذا الاتفاق، فيوجد معسكر المؤيدين الذين ينطلقون من فرضيَّة مفادها أن الحوار مع الآخر هو نهج الحزب الثابت، وأن القرار السياسي يتغير حسب تَغيرُ الظروف السياسية المحيطة بالواقع المعيش، وأن اتفاق التراضي جاء في ظروف تغيير سياسي، تتجسد في انتقال حكومة الإنقاذ من مربع الإقصاء إلى مربع سماع الرأي الآخر، ثم أخيراً إلى مربع الحوار البنَّاء الذي يهدف إلى تحقيق ثلة من الثوابت التي نضال حزب الأمة القومي وجاهد من أجلها جهاداً مدنياً في الثمانية عشر عاماً الماضية، ومن الشخصيات البارزة في هذا المعسكر الدكتور عبد النبي علي أحمد، والدكتور إبراهيم الأمين، واللواء معاش فضل الله برمة ناصر، والأستاذة رباح الصادق. ويقف في المعسكر المعارض مجموعة من النشطاء، الذين ليست لديهم معرفة تامة ببواطن الأمور، وبما يدور خلف كواليس الحزب، فهم يصفون اتفاق التراضي بأنه قفزة في الظلام، تمت دون علم قواعد الحزب، وأنه يصب في وعاء تمديد عمر حكومة الإنقاذ، ولا يقدم إطاراً قومياً يجُبَ ما جاء في الاتفاقيات السابقة، بل يظل ثنائياً في طرحه، وأم الأثافي أنه يطعن في رصيد الحزب القائم الجهاد المدني والمسلح منذ أن بزغ فجر الإنقاذ، وزد على ذلك أنه اتفاق مُهِّر مع جهة ليست محل ثقة، "وقد أثبتت تقلبات الأيام وحال السياسة السودانية أن المؤتمر الوطني لم يف بوعد واحد قطعه مع الآخرين، أو ينفذ اتفاقاً أبرمه لحل مشكل البلد"، ويسخرون من حيثيات التراضي الوطني والمؤيدين لها، ويصفونهم بقولهم: "تبررون"، أي تبررون لما لا يمكن تبريره (لنا مهدي عبد الله، تبررون، سودانايل، 30/5/2008م). ويقف في هذا المعسكر الصحافية لنا مهدي عبد الله، والأستاذ أبو هريرة زين العابدين، والأستاذ خالد عويس. إلا أن الأستاذة رباح الصادق تصف أنصار هذا المعسكر بقولها: "واختلط لدى قواعده [أي الحزب] الوهم بالحقيقة، خاصة وهناك أفواه أدخلت شفاهها، بعضها في الداخل وبعضها الخارج، وبعضها عن جهل، وبعضها عن غرض تستغل تأخر أو محدودية حركة الجهات المسؤولة داخل الحزب لتنوير الأعضاء، وهذا باب كبير للبلبلة ندعو الله أن يتداركه الأحباب." (صحيفة أجراس الحرية، يونيو 2008م). ونلحظ أيضاً أن هناك خلط في أذهان بعض المعارضين عندما يثمنون الاتفاق من الناحية التكتيكية، ويقدحون في شرعيته من الناحية الاستراتيجية، علماً بأن التكتيك يجب أن يكون تمهيداً لترسيخ القيم الاستراتيجية، وأن الخطأ الناشئ فيه يترتب عليه خطأ في الاستراتيجية نفسها، لذا فعليهم أما أن يؤيدوا الاتفاق ويمضوا في ركب الأولين، أما أن يرفضوه جملة وتفصيلاً، ويسجلوا بذلك موقفاً معارضاً للاتفاق، دون أن يؤثروا خيار "مسك العصا من الوسط".



    هل التراضي الوطني سفينة نوح أم التايتنك؟

    كما يرى الصحافي ضياء الدين الدين بلال إن السيِّد الصادق المهدي مُبدع في اختيار العبارات والتشبيهات التي تختزل المواقف في قوالب مختصرة وجاذبة، والتي تعكس أيضاً مهاراته اللغوية في اختيار الألفاظ المناسبة وإنزالها على مقاماتها المطلوبة، وإجراء الاشتقاقات اللفظية المثيرة للإعجاب والجدل في آن واحد. ولا شك أن هذه الاشتقاقات والعبارات الرمزية الجاذبة جعلت مواقف السيِّد الصادق السياسية بموجبها وسالبها منحوتةً في مخلية العقل السوداني، ونذكر منها اصطلاح "يهتدون" عندما خرج من السودان وناصب نظام الإنقاذ العداء، و"تفلحون" عندما عاد من مهجره السياسي وآثر الحوار مع الإنقاذ ورموزها في الداخل، وقوله بعد اتفاق جيبوتي عام 1999م "ذهبنا لاصطياد أرنب واصطدنا فيلاً". وبعد توقيع اتفاق التراضي الوطني خرج أمام الأنصار على الساحة السياسية بعبارة الشهيرة التي تشبه الاتفاق بـ "سفينة نوح"، وبهذه الرمزية المختزلة وإيحاءات سفينة نوح المثقلة مفهوم الأنا والآخر أثار السيِّد الصادق جدلاً كثيفاً حول الغايات التي ينشدها اتفاق التراضي الوطني، لأن الوصف حسب رأي الأستاذ ضياء الدين بلال فيه "احتكار للحقيقة المطلقة، لا يتوافق مع نسبيات الواقع السوداني الملتبس."

    ولا شك أن إيحاءات الأنا والآخر المتدثرة بعباءة الحق والباطل قد أفرزت تداعيات سالبة، واجتهادات متعددة، بعضها يصب في خانة التأييد للاتفاق، وبعضها يرفض حيثياته جملة وتفصيلاً. بدليل أن الأستاذ علي أحمد السيِّد، القيادي في الحزب الاتحادي الديمقراطي جناح الميرغني، يرى: "أن وصف الصادق لاتفاقه بأنه مشابه لسفينة نوح لا يدل على أثر مصالحة وطنية، لأن سفينة نوح كانت للمؤمنين في مقابل الرافضين لركوب السفينة، باعتبارهم كفاراً، وهي مقابلة لا تقود لمصالحة أو تراضي إطلاقاً" (الأحداث: 27/5/2008م). وفي ضوء هذه التوطئة يذهب الأستاذ علي أحمد السيِّد إلى القول بأن المصالحة الوطنية جهد يجب أن تقوم به حكومة الوحدة الوطنية مجتمعة، حسب ما هو منصوص عليه في اتفاقية السلام الشامل والدستور، وأن الانفراد الحزبي بمثل هذا الجهد يضعف هذا المسعى، ويخرجه من حيزه الوطني الرحب إلى إطار الثنائيات الضيق الذي لا يفي باستحقاقات الوطن والمواطن، والمواثيق التي تعاهد عليها طرفا نيفاشا.

    وتدفع أيضاً إيحاءات الأنا والآخر الأستاذ كمال الجزولي ليتساءل في ذكاء عن ابن نوح الذي آثر عصمة الجبل دون الصعود على متن السفينة الناجية، ويجيب الدكتور القراي عن تساؤله بقول: "إن موقف السيِّد الصادق المهدي، وقد خالف إجماع الشعب السوداني، بما فيه الشرفاء من أبناء حزب الأمة وكيان الأنصار، يشبه موقف ابن نوح، الذي خالف أباه والعقلاء من قومه، واتبع الغاوين فغمره الطوفان، وحين يقع الندم، ويدرك السيِّد الصادق الغرق، يلتمس له هذا الشعب المغفرة" (سودانايل، يونيو 2008م). وهنا تكمن إشكالية التشبيه، لأن الساخطين على حزب الأمة القومي حاولوا أن يفسروه حسب ما يتفق مع توجهاتهم الأيديولوجية، ويكرسوا بذلك للقيم الإقصائية في إطار مفهوم الأنا والآخر. لأن تشبيه السيِّد الصادق المهدي بابن نوح يقلل أيضاً من فرص التواصل السياسي الايجابي بين القوى السياسية في السودان، ويضع العراقيل إمام أي تراضي وطني يمكن أن يتواضع عليه أهل السودان ليخرجوا البلاد والعباد من نفق الصراع السياسي المظلم.

    وفي مقابل تشاؤم الساخطين من التشبيه هناك تفاؤل في معسكر الراضين عن الاتفاق، ويمثل هؤلاء موقف الدكتور عبد الرحيم عمر محيي الدين، القيادي في المؤتمر الوطني، الذي يرى أن التراضي الوطني خطوة إيجابية تجاه "تصحيح أخطاء الماضي القاتلة" التي ارتكبها السيِّد الصادق المهدي "في محاربة الإسلاميين"، ويمضي ويقول "نحن أبناء الأنصار وأعضاء الحركة الإسلامية نضع أسلحتنا في كنانة الإمام، ونقول له الآن قد بدأت المسيرة التي سيسجلها لك التاريخ بمداد من نور في سجل الخالدين. إنها سفينة نوح التي سنسعى نحن في المؤتمر الوطني أن نوفر لها المراسي، والوقود، والزاد، وأن نزودها بالجدية والعزيمة، وعلى إخوتنا في قيادة المؤتمر أن يصدقوا هذه المرة مع حفيد المهدي قبل أن يدركهم الطوفان، وأن يترفعوا عن صغائر الدنيا، ومناصبها، ومغانمها من أجل سودان مسلم، وقوي، وموحد لا مجال فيه لمخالب القطط الأجنبية" (آخر لخطة، 5 يونيو 2008م).

    فلا غرو أن تفسير المتن بهذه الكيفية القادحة والمادحة دون الوقوف على حواشيه اللاحقة فيه إشكال رمزي جارح في مواقف الذين يقفون على ضفة النهر الأخرى، ويعتقدون أن اتفاق نيفاشا ومعارضة الإنقاذ سينجيانهما من الغرق، وفيه أيضاً تجسيد لجدلية التدافع بين الحق والباطل الذي تزخر به أدبيات التراث الإسلامي. إلا أن السيِّد الصادق نفسه يرى أن تفسير خصومه السياسيين فيه خطأ وإجحاف لفهم التشبيه المجازي، لأنهم فسروا عبارة "سفينة نوح" على طريقة "لا تقربوا الصلاة" دون إيراد علة السُكر القائم عليها الحكم، بذلك يرى أن مفهوم سفينة نوح المقصود به التراضي السوداني في جوهره العام، وليس اتفاق الأمة والوطني، لان الاتفاق محطة في الطريق إلى تلك الغاية المنشودة، وجزء من التراضي الوطني الشامل، وإذا لم يكن الأمر كذلك فلا داعي للدعوة إلى مؤتمر جامع (الشرق الأوسط، 5/6/2008م).

    ويندرج تحت هذه الحاشية موقف الدكتور إبراهيم الأمين الذي يرى أن السودان أمام خيارين لا ثالث لهما: أحدهما خيار توحيد القوى السياسية في السودان حول مشروع يشكل نموذجاً للدولة القومية، والممثلة لكل مكونات المجتمع السوداني، وهنا يأتي اصطلاح سفينة نوح والناجين من الغرق، والخيار الثاني هو خيار الغرق الذي يجعل السودان ساحة للصراعات الداخلية والاستقطاب الإقليمي والدولي (الأحداث: 25 مايو 2008م). إلا أن الدكتور إبراهيم الأمين لم يفصح صراحة عن ماهية المشروع القومي الذي ينشده والذي يمكن أن تتوحد حوله القوى السياسية. هل يعني اتفاق التراضي الوطني في إطاره الثنائي الناشد للقومية، أم يدعو أصحاب العقل الاستراتيجي في السودان إلى البحث عن مشروع آخر في الأفق؟ لست أدري!

    وفي نسق أكثر رحابةً من رؤية الدكتور إبراهيم الأمين ترى الأستاذة رباح الصادق أن "التراضي الوطني كفكرة مجردة (وليس الاتفاق بين الأمة والوطني) هو عصا موسى التي تلقف ما يأفكه الاستقطاب، وهو سفينة نوح التي تنقذ بلداننا من طوفان المواجهة والتمزق والدمار"، وسفينة نوح من وجهة نظرها هي "الروح الوطنية المخلصة التي تنتظم جميع الأحزاب"، وتتجاوز الأحزاب بها هنَّات الخصام السياسي إلى تشمير ساعد الجد لإنقاذ البلاد والعباد، دون تقسيم القوى السياسية إلى معسكر ناجين ومعسكر مُغرقين. وبهذه الكيفية تحاول الأستاذة رباح الصادق أن تأتي بحاشية مفيدة، تفرغ رمزية سفينة نوح من معناها التقليدي التقابلي، وتأتي باصطلاح تصالحي معاصر يتجسد في فكرة التراضي الوطني في معناها المطلق الذي لا يرتكن إلى إقصاء أحد، بل يسعى إلى وحدة الصف السياسي حول القضايا المصيرية، وبذلك يستطيع السودان أن يخطو إلى الأمام بعيداً عن أدبيات الشقاق والنفاق، وإيماءات معسكري الأنا والآخر المثقلة بجدلية الحق والباطل.



    هل التراضي الوطني خطوة نحو الانتخابات القادمة؟

    عرض مراسل صحيفة الشرق الأوسط الصحافي عيدروس عبد العزيز على السيِّد الصادق المهدي سؤالاً في هذا السياق مفاده أن "البعض يقول أن حزب الأمة يريد أن يمتطي جواد المؤتمر الوطني للاستفادة من إمكانياته لخوض الانتخابات، وأن المؤتمر الوطني يريد الاستفادة من جماهير الأمة في مواجهة تكتلات أخرى قد تطرأ؟" فرد عليه السيِّد الصادق المهدي بقوله: "لن نمتطي جوادهم ولن يمتطوا جوادنا، هناك جوادان، بدليل أننا نتحدث بلغتين في كثير من الموضوعات، مثل قضية العدل والمساواة وتشاد، ونحن حزبان مختلفان، وإن اتفقنا على أجندة واحدة."

    ويبدو أن ما جاء في الاتفاق حول قضية "التعاون بين الحزبين في بناء القطاعات الفئوية والطلابية والنقابية والمفوضيات"، قد أثار حفيظة التنظيمات السياسية المعارضة للتوجهات الإسلامية للحزبين، ودفعها لتقديم بعض الاجهادات التفسيرية الطاعنة في قومية التراضي الوطني، وعدم شرعيته كوعاء للتفاوض القومي الشامل. وترى حركة حق في الاتفاق تكريس لاصطفاف سياسي يقوم "على أيديولوجية الإسلام السياسي، ومفاهيم السودان القديم، وسيكون العمود الفقري لتحالف انتخابي مرتقب، ويدل على ذلك التوسع والاستطراد في تناول قانون الانتخابات ودعوة منسوبي الحزبين للتعاون" (سوانيزأولاين: 26/5/2008م).

    ويصف أحد ناشطي حزب الأمة في المهجر، الأستاذ أبو هريرة زين العابدين، قضية التعاون مع الحزب الوطني بأنها "الكارثة بعينها"، ولا يدري كيف سيحقق حزب الأمة هذا المسعى، هل بتشكل جهاز أمن يقوم بإجبار القطاعات الجماهيرية الرافضة للتعاون على الانصياع لتوجهات القيادة العليا في الحزب، أم يستورد الحزب جماهير جديدة لتقوم بالتطبيع الناعم مع المؤتمر الوطني الذي ذاقت جماهير الأمة العتيقة على يديه الأمرين. ومجمل قوله أن تنفيذ هذا البند دونه خرت القتاد. (سودانايل، يونيو 2008م).

    ويرى بعض الناشطين في معسكر المؤتمر الوطني خلاف ذلك، لأن التعاون بين الحزبين من وجهة نظرهم سيفسح المجال لتجاوز الخصومة السياسية بين الأنصار والحركة الإسلامية، تلك الخصومة غير المبررة، التي لا تستند إلى "أسس فكرية، وإنما تؤججها الغيرة والتنافس حول مناصب الدنيا. فكل واحد من طرفي الاتفاق يحتاج بشدة للآخر. فالمؤتمر الوطني قادم على انتخابات غير مضمونة النتائج، وعلى مستوى حزب الأمة فإن السيِّد الصادق لا زال يرقد على عسل نتائج 1986م، ويظن أن الولاء لا يزال ثابتاً له، وكأنه لم يستصحب نفور وابتعاد أقرب الناس إليه، أمثال مبارك، والصادق الهادي، ومسار، والزهاوي، ونجيب، وغيرهم من الزعامات والبيوتات، علاوة على اشتعال دارفور، وظهور قوى جديدة في غرب السودان لها طموحاتها وارتباطها المحلية والإقليمية والدولية". ومن هنا يأتي تصور الدكتور عبد الرحيم عمر بأن التراضي الوطني سيمكِّن الحزبين من مراجعة مشروع الإسلام الحضاري، وتنقيحه ليكون ترياقاً ضد أي مخطط يهدف إلى تفكيك السودان عبر زرع مخالب قط أمريكية بين جنابته، لذلك يسارع حفيد المهدي ليأخذ سيف الإمام بحقه، ويستعد لمنازلة المشاركين في المخطط الأمريكي الصهيوني." (عبد الرحيم عمر، آخر لحظة، 5/6/2008م).

    لا جدال أن مثل هذه الرؤية الحالمة بانصهار الحزبين تخلق تشوشاً لمشروع السيِّد الصادق المهدي، الذي يريد أن ينطلق به من ضيق الثنائية الحزبية إلى رحاب القومية الشامل، وذلك عندما تناقش مفردات التراضي الوطني في مؤتمر جامع، يعقد الأمل عليه ليكون مخرج صدق من الأزمة السياسية الراهنة. ولكن يبدو أن بعض أنصار المؤتمر الوطني يفكرون في إطار حزبي ضيق لا يسمح لهذا المشروع بأن تنداح دائرته لتشمل الجميع، بل لا يزالوا يفكرون في إطار سفينة نوح ومفهومها التقليدي القائم على أدبيات المعسكرين المتخاصمين، وبذلك تصبح حواشي أمام الأنصار وأنصاره المؤيدين لاتفاق التراضي الوطني محل شك في نظر الخصوم، الذين يقدحون في الشرعية الثنائية القائم عليها الاتفاق، وفي عُرف بعض ناشطي حزب الأمة القومي الذين يروون في التعاون السياسي مع حزب المؤتمر الوطني حشف وسوء كيل لجهاد حزبهم المرير ضد حكومة الإنقاذ ورموزها السياسيين.



    إشكالية الثنائية وجدلية الإجماع الوطني

    يصف السيِّد الصادق المهدي اتفاق التراضي بأنه خطوة تجاه الإجماع الوطني، يمكن أن "يهجم" الأمة والمؤتمر الوطني به على بقية القوى السياسية، ويحصلان على مباركتها. إلا أن الأستاذ كمال الجزولي يقف عند مصطلح "الهجوم" بهذا الاتفاق على القوى السياسيَّة الأخرى، ويهجم بطرح عشرين سؤالاً على السيِّد الصادق المهدي تصب في إطار القيمة والدلالة الحقيقتين لاتفاق التراضي. فلاشك أن مصطلح الهجوم مصطلح فريد، كما يرى الأستاذ الجزولي، ويبدو أن السيِّد الصادق استمده من تراث جده الإمام المهدي، الذي بيَّن في منشوراته التي بعثها إلى أهل السودان أن المهدية "هجمت" عليه، وبفعل هذا الهجوم يؤكد لهم أن فكرة المهدية كانت أمراً تكليفياً مرتبط بوحي الرسالة المحمدية، ولم تكن من بنات أفكاره كما يزعم "علماء السوء"، وهنا لا نود القول أن التراضي كان أمراً تكليفياً عال المقام، لكن يظل مصطلح الهجوم مصطلحاً فريداً في قاموس السياسة السودانية.

    وفي نفس الاتجاه الذي ذهب إليه الأستاذ الجزولي في إطار بعض الأسئلة القادحة في ماهية التراضي الثنائية التي لا تسمو إلى قامة الوطن الجامع، يصف الدكتور إبراهيم الكرسني الوثيقة بأنها "وثيقة لقيادات مأزومة" ولا يمكن تحويلها إلى إجماع وطني، لأنه لا يعقل "أن تعمل قوتين سياسيتين منفردتين لفترة ستة إلى سبعة أشهر متصلة، وبمعزل تام عن بقية القوى السياسية، لصياغة وثيقة سياسية بكل تفاصيلها، ومن ثم يعرضانها على تلك القوى في "مؤتمر جامع" لمناقشتها وإقرارها!! هل هنالك استغفال لبقية القوى السياسية أكثر من ذلك؟ بل هل هنالك استهبال لتلك القوى أكثر من هذا؟ ألا يقدم مثل هذا الموقف في حد ذاته تفسيراً موضوعياً لغياب تلك القوى عن هذا اللقاء" (التراضي الوطني: وثيقة لقيادات مأزومة، سودانايل، 21 مايو 2008م).

    ويصب في الاتجاه ذاته موقف حركة القوى الجديد الديمقراطية (حق)، التي تطرح حزمة من الأسئلة القادحة في قومية الاتفاق ووطنيته: "إذا كان الصادق المهدي صادقاً حقاً في الوصول لتراض وطني، فلماذا لم يطوَّر حواره مع حلفائه من الأحزاب للوصول لتصور متشرك أولاً، ثم الذهاب معاً لمفاوضة المؤتمر؟ أولم يكن ذلك أكثر قومية وثنائية؟ أو ليس هو ابسط ما يقتضيه المنطق السليم؟" (سودانيزأولاين، 26/5/2008).

    وفي بيان الحزب الشيوعي السوداني المؤرخ في 24 مايو 2008م وصفت سكرتارية اللجنة المركزية للحزب اتفاق التراضي الوطني بأنه في "جوهره اتفاق ثنائي بين حزبي الأمة القومي والمؤتمر الوطني"، وأنه لم يأت بجديد، بل يصب في وعاء الاتفاقيات الثنائية، ويبدو أن طرفيه يخططان لخطوة أبعد من ذلك، تشبه "التحالف الاستراتيجي" لخوض الانتخابات القادمة. وبهذه الكيفية يسقط الحزب الشيوعي السوداني قناع القومية عن الاتفاق، ويحصره في إطار الاتفاقيات الثنائية، ويصف خواتيمه بالتحالف الاستراتيجي الذي يتعارض في كلياته مع طرح الحزب الشيوعي السوداني.

    وتنصَّل أيضاً المؤتمر الشعبي عن مواقفه الداعمة للاتفاق، لأن حزب الأمة من وجهة نظره قد تعامل بسلبية مع الأحزاب السياسية عندما وقع وثيقة التراضي منفرداً دون استصحاب ملحوظات القوى السياسية الأخرى، وفي هذا السياق يقول الدكتور بشير آدم رحمة، الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي: "عندما دعانا الصادق لتقديم ملاحظاتنا ذهب إليه نقد، والترابي، وعلي محمود، وقدموا إليه ملاحظات مكتوبة حول مجمل الاتفاق، لكننا عندما طالعنا الوثيقة في صورتها النهائية لم نجد أي من ملحوظتنا أو ملحوظات الأحزاب الأخرى مدرجة في الوثيقة. وبهذه الكيفية تبرأ المؤتمر الشعبي من مباركته السابقة للاتفاق قبل وتوقيعه، بل ذهب أنصاره في اتجاه معاكس لأدبيات الاتفاق، لأنهم شرعوا في إجراء اتصالات سياسية مع القوى الأخرى، يحسبونها "أفضل حالاً من جهد الأمة والوطني، لأنه تشمل أحزاباً سياسية، شرقاً وغرباً وجنوباً، وشخصيات مجتمعية، وتكنوقراط، وغيرهم من أجل إضاءة نفق الوطن المظلم الآن" (عمار عوض، التراضي الوطني هل يبدأ بأزمة، الأحداث، 27 مايو 2008م). وسواء أثمرت هذه الاتصالات أم لم تثمر، فنجدها تقلل من شأن الاجتماع الوطني حول اتفاق التراضي، وتفسح المجال لمزيد من المناورات السياسية، التي لا تصب في صالح الإجماع القومي الذي ينشده حزب الأمة.

    ومن خلال هذه المواقف الناقدة لثنائية اتفاق التراضي الوطني يبدو أن إمكانية تحويله إلى اتفاق قومي شامل تتواضع عليه كل القوى السياسية ليس بالأمر السهل، لأن القوى السياسية الرافضة تعللت بعدم مشاركتها في صياغة الاتفاق، وعدم مباركتها لمراسيم توقيعه، فلا جدال أن مثل هذا الشعور بالتجاهل والتهميش يفضي إلى تقليص فرص التوافق السياسي حول وثيقة التراضي، بل أن بعض إيماءات الاتفاق القادحة في اتفاقية السلام الشامل (نيفاشا) تجعل الحركة الشعبية أكثر تتشككاً في نوايا شريكها في الحكم، وتتطير بأن الاتفاق موجَّه بشكل خاص ضدها وبشكل عام ضد الجنوب. فإذا ظل موقف الأحزاب السياسية بهذه الصورة القاتمة والرؤية الضبابية فإن اتفاق التراضي بين الأمة والمؤتمر الوطني سيسهم في إنتاج أزمة أخرى، ويفضي أيضاً إلى تعقيد المشهد السياسي أكثر مما كان عليه، بدلاً من أن يكون مخرجاً لحل الأزمات التي يعاني منها السودان. وعند هذا المنعطف يضحى موقف السيِّد الصادق المهدي موقفاً حرجاً، لا يحسد عليه بين المعارضين والمؤيدين، الذين فشلوا في أن يجتمعوا على كلمة سواء.






    خاتمـة

    تدور كل التحفظات التي أثارها المؤيدون والمعارضون لاتفاق التراضي الوطني حول مصداقية حكومة الإنقاذ في الوفاء بالوعود التي قطعتها مع حزب الأمة القومي وغيره من الأحزاب الأخرى، لأن الإنقاذ في عُرفهم حكومة قد أدمنت نقض العهود والمواثيق مع الآخرين، ومواقفها في هذا الشأن ليست مجرد حالة مزاجية طارئة يمكن تبديلها بالمواعظ السياسية والأخلاقية مهما كانت وجاهتها وأهميتها، بل هي مواقف تنطلق من نهجها الإقصائي المتجذِّر في تصورها الشمولي للأشياء، ونظرتها الحزبية المرتبطة بأدبيات "التمكين والتمتين"، علماً بأن وجودها في السُلطة قد تدثر بامتيازات كثيرة لا يمكن التنـزال عنها بسهولة. وهنا مربط الفرس، الذي تخشاه الأحزاب السياسية التي طرحت على حزب الأمة حزمةً من الأسئلة المرتبطة بضمانات تنفيذ اتفاق التراضي الوطني، وطبيعة القيد الزمني المرتبط بإجراءات التنفيذ، وتفعيل الاتفاق على صعيد الواقع. وأما الفريق الآخر من المعارضين فيتوجس أن يكون التراضي الوطني مدعاة لقيام تحالف استراتيجي بين الأمة والوطني، يصب في خانة المشروع الحضاري الإسلامي، الذي يمكِّن لأدبيات "السودان القديم" حسب زعمهم، ويسحب البساط من تحت قيم "السودان الجديد" التي أرستها اتفاقية السلام الشامل (نيفاشا)، وبذلك يجمعون على أن مثل هذه الخطوة ستكون خصماً على فاتورة الوحدة الوطنية، والديمقراطية التي ينتظر أن تكون خطوة تجاه تأسيس نظام حكم يتواضع عليه الناس جميعاً.

    لا جدال أن هذه المواقف تضع حزب الأمة في موضع حرج لا يغار عليه، وتطرح أسئلة محورية تحتاج إلى إجابات شافية. هل سيواصل حزب الأمة في تنفيذ اتفاقه الثنائي مع حزب المؤتمر الحاكم إذا لم يتحقق الاجتماع الوطني المرجو؟ وإذا آثر المواصلة، هل سيحتج الحزب بأن الاتفاق سيبقى، لأنه حلقة مهمة لتضييق الخناق على الشموليين في الحزب الحاكم؟ وهل بموجب ذلك يسهم الحزب في إنجاز عملية انتقال السودان من ضيق الشمولية إلى رحاب الديمقراطية وفق منظومة "الانتفاضة الانتخابية" التي يدعو إليها السيِّد الصادق المهدي؟ فالإجابات عن هذه الأسئلة شأن يهم حزب الأمة وقيادته السياسية، وأن الأيام كفيلة بالإفصاح عنها، لكن إذا لم يتحقق لحزب الأمة الإجماع الوطني الذي ينشده حول التراضي الوطني، ولم يف المؤتمر الوطني بتنفيذ بنود الاتفاق كما يروق لجماهير الأنصار وحزب الأمة، فهل سيركز السيِّد الصادق المهدي جهوده في تفاعيل "الانتفاضة الانتخابية"؟ والتفعيل يعني الاهتمام بالبُعد الساكن للعملية الانتخابية، والقائم على تشكيل المفوضية القومية للانتخابات، تشكيلاً يبعدها عن تأثير الأجهزة التنفيذية ويضمن حياديتها، ويوطِّن لها أيضاً في إطار قانوني انتخابي ورقابة محايدة، تكون غايتهما تحقيق الحرية والنـزاهة المنشودتين لإحداث التحول الديمقراطي الذي يحلم به أهل السودان. ومن ثم يجب على الأحزاب السياسية أن تتحرك بحكمة وعقلانية من منعرج التركيز على نقد سلبيات التراضي الوطني تجاه إنجاز أولويات المرحلة المقبلة، والمتمثلة في حل أزمة دارفور، وتنفيذ استحقاقات الاتفاقيات المبرمة، وتفعيل آليات "الانتفاضة الانتخابية".


    تم النشر بصحيفة الأحداث وسودانايل ومنابر أخرى
                  

العنوان الكاتب Date
الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:38 AM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:41 AM
    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:43 AM
      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:49 AM
        Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:50 AM
          Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:51 AM
            Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:52 AM
              Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:53 AM
                Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:54 AM
                  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:55 AM
                    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:55 AM
                      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:56 AM
                        Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:57 AM
                          Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:58 AM
                            Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 03:00 AM
                              Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 03:00 AM
                                Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 03:01 AM
                                  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 03:02 AM
                                    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 03:03 AM
                                      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 03:04 AM
                                        Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 03:14 AM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 04:06 AM
    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 04:08 AM
  رد Mohamed fageer04-02-08, 04:30 AM
    Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:05 PM
      Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:07 PM
        Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:08 PM
          Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:09 PM
            Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:10 PM
              Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:11 PM
                Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:12 PM
                  Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:13 PM
                    Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:13 PM
                      Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:14 PM
                        Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:15 PM
                          Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:16 PM
                            Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:23 PM
                              Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:39 PM
                                Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:47 PM
                                  Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 02:44 PM
                                    Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 02:59 PM
                                      Re: رد عمار محمد حامد04-02-08, 07:21 PM
                                    Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 00:40 AM
                                    Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:30 AM
                                      Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:34 AM
                                        Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:36 AM
                                          Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:38 AM
                                            Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:40 AM
                                              Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:45 AM
                                                Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:46 AM
                                                  Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:49 AM
                                                    Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:52 AM
                                                      Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:58 AM
                                                        Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 02:03 AM
                                                          Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 02:07 AM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 07:23 PM
    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:34 AM
      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:35 AM
        Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:36 AM
          Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:37 AM
            Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:39 AM
              Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:40 AM
                Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:41 AM
                  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:42 AM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:45 AM
    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:45 AM
      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:46 AM
        Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:47 AM
          Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:48 AM
            Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:49 AM
              Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:50 AM
                Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:51 AM
                  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:51 AM
                    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:52 AM
                      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:53 AM
                        Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:54 AM
                          Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:55 AM
                            Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:56 AM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:02 AM
    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:04 AM
      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:06 AM
        Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:08 AM
          Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:09 AM
            Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:10 AM
              Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:11 AM
                Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:12 AM
                  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:13 AM
                    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:14 AM
                      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:15 AM
                        Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:16 AM
                          Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:17 AM
                            Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:18 AM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 03:33 PM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 07:06 PM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 07:44 PM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 10:04 PM
    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 10:05 PM
      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 11:34 PM
      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-04-08, 03:19 AM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-04-08, 00:31 AM
    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-06-08, 04:51 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de