الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-03-2024, 03:50 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   

    مكتبة الاستاذ محمود محمد طه
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-01-2008, 04:28 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    الأحداث الأخيرة توجب التعجيل بإنهاء قانون الغاب
    الذي يحكم العلاقات الدولية

    بقلم : طه أبو قرجة
    1- واقعة العنف الأخيرة، التي جرت فصولها في الحادي عشر من سبتمبر الماضي (2001)، وراح ضحيتها أكثر من خمسة آلاف نفس بشرية، في مركز التجارة الدولي، والبنتاجون، بمدينتي نيويورك وواشنطون، بالولايات المتحدة الأمريكية، هي واقعة، على همجيتها ومأساويتها، يمكن أن نعتبرها هدية للبشرية المعاصرة برمتها، لتفهم منها مالم تستطع فهمه بدونها. فإذا فهمنا، نحن البشرية المعاصرة، ما ينبغي علينا فهمه، فإنه يرجى لنا أن نجعل من هذه الواقعة المؤسفة، واقعة العنف الأخيرة، في هذه الحقبة من حقب التاريخ البشري. وسيكون هذا الفهم هو الوفاء الحقيقي للضحايا الذين كتب عليهم أن يروحوا فداءاً لنا، جميعاً، في هذه الواقعة المؤسفة، وفيما كان قبلها. أما إذا لم نفهم، فإن هذه الواقعة، على همجيتها ومأساويتها، لن تعدو أن تكون مجرد نذير بين يدي نوازل تالية، يأخذ بعضها برقاب بعض، أخراها شر من الأولى. ونحن إنما سنفهم، إذا بحثنا في أسباب هذه الواقعة بعقول قوية، وواجهناها بخلق رصين. أما العقول القوية في هذا الإطار فتعني العقول التي تستطيع أن تنفذ إلى جوهر المشكلة فتدرك أصل أسبابها.. وأما الخلق الرصين فيعني أمانة الفكر، وشجاعة المواجهة، اللتين تعصمان صاحبهما من إنكار نصيبه من المسئولية، وتسوقانه للاعتراف بنصيبه من الخطأ، بلا مخاتلة، وتدفعانه للسعي لإصلاح خطئه، بلا مكابرة، ولا تردد.
    2- معلوم، بالطبع، أن هذه الواقعة ليست الأولى التي نالت من الولايات المتحدة الأمريكية، في الفترة الأخيرة. فقد سبقتها أخريات. بيد أن معظم الوقائع السالفة، استهدف مصالح أمريكية فيما وراء الحدود الأمريكية. ولعل أكبر عملية عنف جرت داخل الولايات المتحدة، فيما سبق، هي عملية تفجير مبنى اتحادياً في مدينة أوكلاهوما في 1995، التي راح ضحيتها حوالي مائتي شخص. أما هذه الواقعة، فقد كانت جديدة، في أساليبها، وفي عدد ضحاياها. فهي قد استخدمت وسائل مدنية محضة لأغراض التدمير، بصورة غير مسبوقة. كما أنها حصدت أرواحاً كثيرة، وأحدثت خراباً واسعاً، بالبنى التحتية، وبالاقتصاد، فكانت بذلك أقرب إلى العمل الحربي منها إلى عمليات العنف المحدودة. وقد قال بعض المسئولين الأمريكيين أن أمريكا لم تواجه عملاً مماثلاً طيلة حربها الباردة مع الاتحاد السوفيتي السابق.
    3- والحق أن في هذه الواقعة دلالة رمزية مزعجة، تلحقها بالنذارات. فهي قد نالت من مركز التجارة الدولي، الذي يعتبر رمز الحضارة الغربية الحاضرة.. والواقعة بهذا كأنما تقول لنا أن الخط الذي تسير فيه البشرية الآن، وهو خط الصراع والعنف والحرب، إنما يهدد بالدمار الحضارة كلها، وبالفناء البشرية نفسها. كما نالت الواقعة من البنتاجون، الذي يعتبر بمثابة عرين الأسد.. وهي بهذا تقول لنا أن الخط الذي تسير فيه البشرية الآن، من شأنه أن يفضي إلى وضع لا يكون فيه أحد بمأمن، وإنما ينال القويَ الدمارُ. هذه هي رمزية الواقعة، وهي عندي واضحة كل الوضوح، وإني لأرجو أن تكون واضحة عند من يباشرون إدارة الأمور، على نحو أفضل من هذا. ووقوع الواقعة بأمريكا، بما تملك من إمكانيات إعلامية، ووزن دولي، قد قيض لها أن تُصَوَّر، وتُعْكَس، ليراها الناس حول العالم، ويتابعوا أحداثها، وتطوراتها، وليكون عليهم واجب إزاء ما يحدث.
    4- معلوم أن واقعة أوكلاهوما نفّذها مواطن أمريكي، من أصل أوروبي، ينتمي لجماعة مسيحية متطرفة. أما هذه الواقعة فقد نسبتها الأجهزة الأمريكية المختصة لمتطرفين إسلاميين، ذوي صلة بأسامة بن لادن، وبما يسمى بتنظيم القاعدة. وهناك تقارير من بعض الجهات الإسلامية شكَّكت في ذلك. ومن هذه الجهات، بل لعل على رأسها، صحيفة كيهان الإيرانية، التي نسبت الواقعة لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي، ولعسكريين أمريكيين متقاعدين، تضرروا من حرب فيتنام. وقد سمَّت تلك التقارير أولئك العسكريين، كما قالت أن السفارة الإسرائيلية بنيويورك قد وجَّهت الشركات "اليهودية" الكائنة بمركز التجارة الدولي بمغادرة المبنى قبل وقوع الواقعة، فلم يمت أي من موظفيها. وقالت تلك التقارير أن الأجهزة المعنية بالإدارة الأمريكية استدعت السفير الإسرائيلي للتحقيق معه في هذا الشأن، إلا أن أجهزة الإعلام الغربية عمَّت على الناس تلك الأنباء. (قيل لاحقاً أن غياب الموظفين اليهود ذلك اليوم سببه موافقة ذلك اليوم لعطلة يهودية). وقالت تلك التقارير أن هدف إسرائيل هو أن تُلْصَق الواقعة بالمتطرفين الإسلاميين، فتتحرك أمريكا وحلفاؤها لضرب بعض الدول الإسلامية، وضرب بعض الجماعات الإسلامية التي ظلت تقاتل في سبيل الحرية على نحو أقض مضاجع الإسرائيليين في فلسطين ولبنان، بحجة ضلوعها في هذه الواقعة، ولتجد إسرائيل تبريراً لعنفها بالفلسطينيين وغيرهم من العرب – قل المسلمين- في إطار صراعهم القائم منذ ما ينيف على نصف قرن. وقالت تلك التقارير أن إسرائيل نجحت في خطتها بالفعل، بسبب تأثيرها القوي على مراكز القرار الأمريكي، فلم تعدِّل أجهزة التحقيق عن انطباعها الأولي بأن العملية قام بها متطرفون إسلاميون، كما لم تبرِز وسائل الإعلام الأمريكية، والغربية، تلك الوقائع على النحو الواجب والمعقول. وقد حاولت تلك التقارير الاستفادة من التضارب البادي في ما أعلنته أجهزة التحقيق الأمريكية، كزجِّها بأسماء أناس مسلمين في المسئولية عن تنفيذ العملية، رغم أن بعضهم توفي قبل الواقعة بسنتين، ورغم أن بعضهم كان متواجداً خارج أمريكا لحظة الواقعة. كذلك قالت تلك التقارير أن قوائم المسافرين التي بادرت بنشرها شركات الطيران المالكة للطائرات التي نفذت بها العمليات لم تشتمل على أسماء الأشخاص الذين حمَّلتهم أجهزة التحقيق مسئولية تنفيذ العملية. (وهذه مسائل لا قيمة لها لأن المسافرين في الرحلات الداخلية لا يتم التحقق من هوياتهم، ولذلك ربما اتخذ بعضهم أسماء غير حقيقية). كما أشارت تلك التقارير إلى وقائع شتَّى، لدعم اتهامها جهات أخرى غير المتطرفين الإسلاميين، ومن ذلك قولها أن بعض منفذي العملية الذين كانوا يستهدفون الرئيس الأمريكي قد استخدموا شفرة سلاح الجو الأمريكي، وهي أمر عسير المنال للمتطرفين الإسلاميين، الذين لا صلة لهم بالجيش الأمريكي، والذين ليس لهم من علوم الطيران إلا بدايات بسيطة.
    5- ربما كانت تلك التقارير "الإسلامية" خاطئة، ولا تهدف إلا لإثارة الغبار حول نتائج التحقيقات الأمريكية، احترازاً من خطوات الانتقام التالية في الحرب الطويلة المعلنة على الإرهاب، والتي لا يعرف أحد في العالم الإسلامي محتوى أجندتها بعد أفغانستان. لكن مهما تثير مثل تلك التقارير من ريب حول نتائج التحقيقات الأمريكية، فمما لا شك فيه أن جماعات الهوس الديني الإسلامية قد اتخذت من أمريكا خصوصاً، ومن الدول الغربية عموماً، عدواً أولاً لها منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، قبل ما ينيف على عقد من الزمان. وقد نفّّذت هذه الجماعات هجمات عديدة على مصالح أمريكية، أو اتهمت بذلك، مما جعل اتهامها الآن بهذه الواقعة، ميسوراً. بل إن أكثر الناس، بما في ذلك المسلمون، أخذه كحقيقة مفروغ منها. ويلاحظ أن أسامة بن لادن نفسه لم يدن هذا العمل، وإنما أكَّد من جديد بأنه يستهدف المصالح الأمريكية داخل وخارج أمريكا، ولكنه نفى علمه بأن تكون هذه العملية، تحديداً، قد تمت على أيدي أفراد ذوي صلة به.
    6- لقد استشاط الأمريكيون – حكومة وشعباً- غضباً من الواقعة، وشرعوا على الفور يتحدثون عن الانتقام، والقضاء على الإرهاب. ورغم أن المرء يشاطر الأمريكيين أحزانهم، ويتفهم دوافع غضبهم، إلا أن المرء يأمل أن تنقشع عنهم سحابة الغضب ليصفو لهم الفكر، ليهتدوا إلى جذور العنف، والتطرف، ليوجهوا معركتهم إلى المعترك الصحيح، حتى لا تضيع جهودهم وجهود حلفائهم هدراً، وحتى لا تستمر، وتتفاقم، دوامة العنف هذه.
    7- يلاحظ أن دول أوروبا الغربية، وهي الحليف التقليدي لأمريكا، حين أكدت وقوفها بجانب أمريكا في حربها ضد الإرهاب، أبدت قلقاً وتساؤلات بشأن جدوى بعض الخطوات التي بدت أمريكا عازمة عليها في إطار إجراءاتها الانتقامية، كشن حرب على أفغانستان للقبض على بن لادن "حياً أو ميتاً". ولقد كان الرئيس الفرنسي جاك شيراك أكثر وضوحاً في هذا الجانب، حين قال أن وقوف فرنسا بجانب أمريكا في حربها ضد الإرهاب لا يعني أنها تقدم لأمريكا شيكاً على بياض، وإنما لابد أن تقنع أمريكا جماعة الحلفاء بجدوى أي خطوة تعتزمها في هذا الشأن. وجرت تساؤلات عديدة عن جدوى شن حرب للقبض على بن لادن في أحراش أفغانستان، التي دوخت الاتحاد السوفيتي، وعجَّلت بنهايته.
    8- هنالك الآن ما يدعم الاعتقاد بأن أمريكا أصبحت أكثر استعداداً للاستئناس بوجهات نظر حلفائها الغربيين. ففي حين بدأت أمريكا تحركاتها العسكرية بوتيرة توحي بأنها ستضرب أفغانستان بعد أيام قلائل من الواقعة، عادت لتقول أن حربها ضد الإرهاب ستكون طويلة، وغير تقليدية، وأن عملياتها في أفغانستان لن تكون ضربة خاطفة. كما شرعت تحرِّك الشعب الأفغاني لمواجهة حكومته، وشرعت أيضاً في محاولة تجهيز بديل معقول لنظام طالبان، وبدت فعلاً وكأنها تخوض هذه الحرب بطريقة تختلف عن الطريقة الأمريكية التقليدية، حتى أن الملا محمد عمر، زعيم طالبان، أعلن أن شبح الضربة الأمريكية قد تلاشى، وأوقف حالة الاستنفار التي كانت قد أعلنتها طالبان وحشدت بها ثلاثمائة ألف مقاتل، حسب بعض التقارير. ويبدو أن أمريكا شرعت تتدارس الموقف مع حلفائها بتأنٍ ساقها لعدم الممانعة من ملأ الوقت بجهود سلمية، فوافقت على مساعي القس الأمريكي جيسي جاكسون السلمية مع طالبان، كما انتظرت جهود "رجال الدين" الباكستانيين لإقناع طالبان بتسليم بن لادن.
    9- هذا العدول الأمريكي عن الخطوة الأساسية، وهي الضرب الفوري، لا يدعم فقط القول بأن أمريكا أخذت تعطي اعتباراً أكبر لآراء حلفائها، وإنما يدعم أيضاً القول بأن أمريكا أخذت تتخلص من غضبها وانفعالها، لتتعامل مع الحدث بذهن صاف. وكل هذا يعني أن هناك فرصة أكبر الآن لتسمع أمريكا وجهات نظر أخرى، من حلفائها، ومن غيرهم، لا سيما وأن الأمر متشابك، ويرتبط بأناس تفصلهم عن أمريكا، وحلفائها الغربيين، هوة نفسية، واجتماعية، وفكرية، عميقة. وهذا يعني أن يدلي كل صاحب رأي برأيه، في الأطر المتاحة، عسى أن تسهم الآراء العديدة (وليس بالضرورة المختلفة) في إضاءة رقعة أوسع من مسرح الأحداث.
    10- ومما يؤكد أهمية إبداء الآراء أن إبطاء أمريكا من خطواتها لا يحمل دلالة واحدة هي النية في التعامل مع الحدث بصورة موضوعية بعيدة عن الانفعال، وإنما هو يحمل دلالة ثانية هي أشد إيلاماً من التعامل مع الحدث بانفعال لا حكمة فيه. إذ ربما كان هنالك ما يشير إلى بروز اتجاه لاستغلال هذا الحدث لتحقيق مكاسب اقتصادية، تحت غطاء كثيف من التضليل، ومن المتاجرة بالحدث، حتى لكأن بعضنا قد شرع يأكل في لحم ضحايا الواقعة المؤسفة قبل أن يدفنوا على النحو اللائق بهم. كل هذا يوجب العمل على وضع الواقعة في إطارها الصحيح، وقراءة دلالاتها، عسى أن يعمل التنفيذيون للاهتداء إلى أصل الداء، واجتثاثه، بدل التعامل مع الواقعة بصورة سطحية. ومن أجل وضع الواقعة في إطارها الصحيح، لابد من تركيز بعض الأمور في الأذهان :-
    1) أول هذه الأمور هو أن هذه الواقعة لم تنشأ من فراغ، وأنها ليست حدثاً معزولاً، أو شاذاً ؛ وإنما هي، على سوئها وفداحتها، حلقة صغيرة في سلسلة العنف المتصلة التي طبعت علاقات المجموعات البشرية ببعضها حتى يوم الناس هذا. وهي ليست سوى نتاج طبيعي لممارسات طويلة من القهر، وإضاعة فرص التوعية، والظلم، والعنف الذي يمارسه الكبار على الصغار. فحتى مجتمعنا الحاضر، الذي أصبح مجتمعاً كوكبياً، لا يزال يقيم علائقه وفق قانون الغاب، الذي يعطي القوي حقاً لمجرد أنه قوي، ويسلب الضعيف حقه لمجرد أنه ضعيف. ورغم أن أمريكا قد شرعت منذ انهيار الاتحاد السوفيتي تتحدث عن النظام الدولي الجديد، إلا أنها لم تعمل إلا على ترسيخ النظام الدولي القديم، القائم أصلاً على قانون الغاب، وهي حتى اليوم لا تسعى إلا لتحقيق أكبر مصالح مادية ممكنة ولاستحواذ أكبر موارد ممكنة فيما وراء البحار، مستفيدة من مزية تفردها بالقوة والمنعة، بعد انهيار منافسها العنيد. فليس هناك من نظام دولي جديد، حتى الآن، وإنما هو النظام القديم. فالنظام الدولي الجديد يقوم على قانون الإنسانية، حيث الحق هو القوة، بعد أن كانت القوة هي الحق في فترة قانون الغاب- فترة النظام الدولي القديم. هذه هي سمة النظام الدولي الجديد، وهو نظام لم يدخل حيز الوجود بعد. وليس هناك من واجب على كل الساسة، وكل الأفراد، من كل الشعوب، هو أعظم من العمل على إدخال المجتمع البشري برمته مرحلة قانون الإنسانية- مرحلة النظام الدولي الجديد بحق. وواقعة التفجيرات الأخيرة يمكن أن تعين الذكاء البشري الحاضر على الإصرار على دخول مرحلة قانون الإنسانية، حيث يستغني الضعفاء والأقوياء، معاً، عن العنف، لعدم الحاجة إليه، حيث يحال حسم الحقوق إلى القانون الدولي العادل، مثلما تحال نزاعات الأفراد إلى القانون العادل في إطار الدولة الواحدة. ومن أجل ذلك، فإن التعامل الجاد مع هذه الواقعة يجب أن لا يقف عند حدود ملاحقة المسئولين المباشرين عنها، ومعاقبتهم، وإنما يجب أن يتعدى ذلك لفحص أصل المشكلة، والعمل على علاجها.
    2) ثاني هذه الأمور هو أن ما يسمى اليوم بالإرهاب، إنما هو، في أكثر الأحيان، حيلة الضعيف مع القوي في عالم يحكمه قانون الغاب. فالمجموعات القوية الآن تباشر الحرب الإعلامية، والدبلوماسية، والاقتصادية، بل والعسكرية، لتحقيق مصالحها بالقوة الغاشمة.. هذا في حين أن المجموعات الضعيفة لا تجد حيلة سوى القيام بأعمال العنف المحدودة، التي يباشرها بعض الأفراد والمنظمات الصغيرة، يستهدفون بها، في غالب الأحيان، الأبرياء، لعدم قدرتهم على مواجهة آلة حرب الأقوياء. ويتم استهداف الأبرياء حيناً بدافع الانتقام من مجتمعات الأقوياء، وحيناً آخر بدافع لفت أنظار المجتمع الدولي للمظالم التي ترزح تحتها المجموعات الضعيفة تحت سطوة المجموعات القوية، وبالدافعين في أغلب الأحوال. ولذلك فإن التعامل مع عمليات العنف بطريقة الانتقام والضربة المضادة، دون بحث الدوافع، والوصول لجذور العنف، إنما هو محض تكريس لقانون الغاب، وسيكون له أسوأ العواقب. فالاتجاه الجاد يوجب القضاء على أمرين في ذات الوقت: أحدهما شبح الاستغلال والهيمنة والحرب التي تباشرها المجموعات القوية على المجموعات الضعيفة، وثانيهما شبح الإرهاب والعنف المنظم الذي تباشره المجموعات الضعيفة على المجموعات القوية. فإن الأقوياء إن لم يفعلوا ذلك، كانوا من المطففين، "الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون، وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون". فلابد إذن من إقامة الوزن بالقسط.
    3) ثالث هذه الأمور هو أننا جميعاً، أفراداً، وجماعات وحكومات، مسئولون عن ما وقع. فالمسئولية لا تقتصر على المنظمات التي خططت للعملية، ولا على الدول التي رعت تلك المنظمات، ولا على الأفراد الذين نفذوها، ولا على الأجهزة الأمنية الأمريكية المقامة أصلاً لاستشعار مثل هذه الهجمات والاحتراز منها (بسبب أي تقصير ربما وقع في الاحتراز من الهجمة أو تقليل ضحاياها). إن حصر المسئولية في هذه الأطر الضيقة، يعني محاولة علاج المشكلة بوسائل عسكرية وأمنية محضة. وهذا تناول قاصر، سيكون له أسوأ العواقب على السلام العالمي. إن هذه الواقعة هي مسئولية كل فرد بشري على وجه الأرض، على تفاوت بين الناس في المسئولية. وسأتعرض لاحقاً لأهم وجوه هذه المسئولية. وإنما يكفي هنا أن أقول أن اشتراك الكافة في المسئولية، يعني أن أفضل طريق لمعالجة الأزمة هو أن يرجع كل طرف إلى نفسه، وكل فرد إلى نفسه، ليفحص مسئوليته، ويرى ماذا عليه أن يفعل للإسهام في اقتلاع جذور العنف، بين الأفراد، والجماعات، والدول.. ثم يلتقي الأطراف ليصبوا مجهوداتهم في مجرى واحد. هذا سيكون أفضل بكثير من ما نراه الآن من ازورار كل طرف عن فحص مسئوليته والإقرار بها، والاتجاه، بدلاً من ذلك، إلى إلقاء المسئولية بكاملها على الطرف الآخر. فهذا الاتجاه الخاطئ، والخطير، يعني أن لا طرف سينهي مساهمته في دورة الإرهاب والعنف. كما هو يعني أن المواجهة المستقبلية قد بدأت منذ الآن.
    4) رابع هذه الأمور هو أن الزعماء التقليديين بكافة أنماطهم، ومؤسسات صناعة القرار السياسي التقليدية، في كافة المعسكرات، قد تحاول، لاعتبارات شتى، صرف الناس عن مراجعة الفهوم القديمة، والسياسات القديمة، التي لا تزال مستحكمة. ومن أجل ذلك، يجب أن يحرص الأفراد العاديين، رجالاً ونساء، من الشعوب كافة، على فحص ما يدور، وعلى مراقبة ما يقال، وما يفعل، رقابة لصيقة، لأن الأفراد العاديين هم الذين يدفعون الثمن دائماً. فمركز التجارة الدولي لم يمت فيه وزراء، ولا ساسة، ولا أصحاب نفوذ ؛ وإنما مات، في الغالب، رجل الشارع العادي المغمور، وامرأة الشارع العادية المغمورة، ممن لا يعرفهم إلا ذووهم، ودوائر ضيقة من أناس عاديين مغمورين حولهم. ولتبيين ذلك، تكفي الإشارة إلى أن حصيلة المفقودين المضافين إلى قائمة الضحايا قد ارتفعت قبل يوم الثامن والعشرين من سبتمبر إلى حوالي سبعة آلاف شخص، ولكنها عادت يوم الثامن والعشرين إلى ما يزيد قليلاً عن الخمسة آلاف شخص، بعد أن تبين أن قرابة ألفين من الذين يعملون في مركز التجارة الدولي هم في إجازات خارج أمريكا، وليسو تحت الأنقاض. فإذا كان قرابة ألفين من شاكلة من قتلوا في مركز التجارة الدولي هم ممن لا يعرف الناس مكانهم، إلى أن يعودوا بأنفسهم، فبوسعنا أن نتصور بساطة وعادية أكثر أولئك الضحايا المساكين، وكيف انهم لا ناقة لهم ولا جمل في صراع المصالح المرير، هذا الدائر في الساحة الدولية. مثل هذا النوع من البسطاء، العاديين، هو الذي يروح ضحية في كل مكان. ففي العراق لم يمت صدام حسين، ولا أي من أفراد عصابته، وإنما ظل يموت البسطاء العاديون، بالقنابل، وبالسرطان، وبنقص الدواء، ونقص الغذاء. وهكذا، ففي العالم الديموقراطي يموت الناس العاديون، وفي العالم المكبوت يموت الناس العاديون. وهذا يعني أنهم، حيث كانوا، هم أصحاب الوجعة الحقيقية مما يدور.. وأنهم، حيث كانوا، هم أصحاب المصلحة الحقيقية في إدارة الأمور على نحو مختلف.
    5) خامس هذه الأمور هو أن أي اتجاه لحصر دوافع هذه العملية (هذه الواقعة) في الهوس الديني فقط، هو اتجاه خاطيء. وبذات القدر، فإن أي اتجاه لحصر دوافع هذه العملية في خطأ سياسة أمريكا الخارجية في منطقة الشرق الأوسط وغيرها، هو أيضاً اتجاه خاطيء. هذان العاملان مسئولان، معاً، عن هذه الواقعة. أما مسئولية سياسة أمريكا الخارجية، فظاهر ويتحدث عنه كثير من الناس الآن. وأما مسئولية الهوس الديني عن الواقعة، فتتجلى في أن جماعات الهوس الديني تستهدف أمريكا أصلاً، لمجرد أنها دولة غير إسلامية. وتسمية الخميني لها بالشيطان الأكبر تكاد تكون لا صلة لها بمظالم سياستها الخارجية، وإنما لأنها أكبر غير المسلمين. وبوسعنا أن نرى أن جماعة الإخوان المسلمين، في السودان على أيسر تقدير، كانت منذ زمن طويل، سابق لانهيار الاتحاد السوفيتي، تنشد شعراً يرد فيه:-
    أمريكا، روسيا قد دنا عذابها علـيَّ إن لاقيتها ضرابها
    وبيت الشعر بهذا النحو إنما هو تصحيف لشعر الصحابي عبد الله بن أبي رواحة يوم موقعة مؤتة، بين المسلمين والروم، حيث قال من بين أبيات أخرى:-
    والروم روم قد دنا عذابها علـيَّ إن لاقيتها ضرابها
    والإخوان المسلمون إنما كانوا آنئذ يشيرون باسم روسيا إلى الاتحاد السوفيتي، الذي كان صديق العرب المسلمين في إطار مشكلة الشرق الأوسط. ولكن جماعات الهوس كانت تتربص به العذاب لسبب آخر غير سياسته الخارجية، وهو كفره. وهو ذات السبب الذي كانوا، وما زالوا، من أجله يتربصون بأمريكا العذاب. ومن عجبٍ أن أمريكا كانت غافلة عن ذلك، فتعهدت تلك الجماعات المتخلفة في كافة أصقاع العالم الإسلامي، لتعينها في حربها الباردة ضد الشيوعية، وهي لا تدري أي ضبع أدخلت في بيتها. واستهداف هذه الجماعات المهووسة لغير المسلمين، مسألة عتيدة في الفهم الديني السلفي الذي تقوم عليه هذه الجماعات، وتسعى لتطبيقه في الواقع العملي. هذه الجماعات تعتقد أن حربها على غير المسلمين يجب أن لا تتوقف إلا من أجل زيادة الاستعداد لها. وهم كثيراً ما يقرؤن الاية الكريمة:- "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم". وقد سبق للرئيس السوداني عمر البشير أن قرأ هذه الآية الكريمة في خطاب جماهيري مذاع ومتلفز، وقال أننا مطالبون بإرهاب الكافرين. هذه الجماعات ليس لديها لغير المسلمين إلا الحرب، وإنما يختلف شكل الحرب باختلاف قدرة الخصم. فحين يكون الخصم ضعيفاً، كشأن غير المسلمين في السودان، تأخذ الحرب طابعاً علنياً شاملاً، يُقْتَل فيه الناس بمئات الألوف. أما حين يكون الخصم متطوراً ومدججاً بالسلاح، كأمريكا، فإن الحرب تأخذ شكل عمليات العنف، مثل هذه العملية.
    6) سادس هذه الأمور هو أن أمريكا، والدول الغربية عموماً، بدأت تعاني من الهوس الديني الإسلامي بعد وقت طويل من معاناة العالم الإسلامي منه. بل أن الهوس الديني قد ارتخص أرواح الناس في العالم الإسلامي في وقت كانت أمريكا، على وجه التحديد، تسانده، وتدعمه، كحليف استراتيجي في حربها الباردة. ومعلوم إن بن لادن وطالبان، الذين تحِّملهم أمريكا الآن مسئولية هذه الواقعة، هم، إلى حد ما، صناعة أمريكية.
    11- قلت آنفاً أن أمريكا، والدول الغربية عموماً، بدأت تعاني من الهوس الديني الإسلامي بعد وقت طويل من معاناة العالم الإسلامي منه. كما قلت إن الهوس الديني قد ارتخص أرواح الناس في العالم الإسلامي في وقت كانت أمريكا، على وجه التحديد، تسانده، وتدعمه، كحليف استراتيجي. والأمثلة على هذا عديدة. فعندنا نحن في السودان، قام الرئيس الأسبق جعفر نميري، بعد تحالفه مع تنظيم الإخوان المسلمين بقيادة حسن الترابي، باغتيال الأستاذ محمود محمد طه علناً في ساحة عامة بتهمة الردة عن الإسلام. وقد رأت أمريكا يومئذ أن لا تتدخل لإيقاف ذلك العمل المشين، رغم كل نفوذها لدى دوائر صناعة القرار السوداني يومئذ. ولقد قال وزير الخارجية البريطاني بعد الاغتيال أنه لا يعرف الأستاذ محمود، ولا أفكاره، لكن قتله بهذه الصورة لمجرد تعبيره السلمي عن آرائه إنما هو عمل يحط من قدر أي إنسان على وجه الأرض. لكن أمريكا كانت يومئذ مشغولة أكثر باستثمارات شركاتها في البترول السوداني، وغيره من الموارد المعدنية، وغير المعدنية، فاجترحت ما يمكن أن يوصف بأنه موافقة على ذلك العمل المشين، حين اتفقت مع نميري أن يعدم الأستاذ محمود لوحده، ولا يعدم تلاميذه، المتهمون معه. ويمكن للمرء أن يرى بذلك أن أمريكا، إن كانت تهتم بحقوق الإنسان الأمريكي، فإنها لا تقيم أي قيمة، ولا وزن، ولا حق، للإنسان غير الأمريكي. كما لا يخفى أيضا،ً أن أمريكا كانت يومئذ ترضِي جماعات الهوس الديني، وبخاصة جماعات الإخوان المسلمين، وتعطيها ما تريد، بعد أن اتخذتها حليفاً استراتيجياً لمواجهة الخطر الشيوعي في العالم الإسلامي، ليس بالفكر، وإنما بإثارة العواطف الدينية الساذجة الناضبة، وبالبلطجة التي تمارسها بالعصي والسيخ في الجامعات والمعاهد والمنتديات العامة، وبالإرهاب الفكري، والجسدي، بكل صنوفهما، وبتصفية الخصوم. ويكفي لتبيين خطل الموقف الأمريكي أن الرئيس السوداني الأسبق، النميري، قد زار أمريكا بعد حوالي شهر من فعلته الشنعاء تلك، وحظي بترحيب الرئيس الأمريكي رونالد ريقان في البيت الأبيض. ولقد ظلت كثير من الأنظمة العربية والإسلامية، في منطقة الشرق الأوسط، وغيرها من الأنظمة القمعية في مناطق أخرى من العالم، تنكِّل بشعوبها، وتعرقل تطورها لعقود طويلة، وهي تنعم بمساندة أمريكا، التي اعتبرتها أنظمة حليفة لها. وأمريكا بذلك تعتبر، لدى الدقة، شريكة في كل الفظائع التي ارتكبتها هذه الأنظمة. هذه الأنظمة المتخلفة، وهذه المساندة الأمريكية الجائرة، هما الوالدين الشرعيين للمسخ الذي انطلق الآن يهدد تلك الأنظمة، ويهدد أمريكا نفسها. وبوسعنا أن نرى أن تلك الأنظمة التي كانت توصف حتى قبل حوالي عقدين من الزمان بأنها أنظمة متخلفة، باتت الآن توصف بالأنظمة المعتدلة. وما ذاك إلا لأن العلاقة المشؤومة بين تلك الأنظمة وأمريكا، قد أنجبت هذا الجهل المستشري، وهذا الهوس المستطير.
    12- الإشارة الفائتة إلى ضلوع أمريكا في كثير من صور خرق حقوق الإنسان حول العالم، بمساندتها أنظمة قمعية، يجب أن لا تفهم بأنها صورة من الشماتة. فهي، لاعتبارات عديدة، أبعد ما تكون عن ذلك. هذه الإشارة، ببساطة، ترمي إلى التنبيه لحقيقة بديهية، هي أن إيثار المصلحة على المبدأ يجلب دائماً عواقب وخيمة. فأمريكا قد شاءت يومئذ أن تؤثِر مصالحها على قيم مبدئية، كحقوق الإنسان.. كما شاءت أن لا تولي الإنسان غير الأمريكي بعض كرامته الإنسانية التي يستحقها.. وهاهي الآن تجني ما بذرت. وقديماً قال السيد المسيح عليه السلام:- "من أخذ بالسيف، بالسيف يؤخذ"، وقال النبي محمد عليه وعلى آله الصلاة والسلام : "كما تدين تدان". ومن أجل ذلك، على أمريكا أن تكتسب حكمة من التجربة الماضية، التي آثرت فيها المصلحة على المبدأ، فعادت بالوبال على شعوب أخرى قبل أن تعود بالوبال عليها هي نفسها، داخل أرضها. والحكمة التي ينبغي أن تكتسبها هي أن تحترم حقوق الإنسان في كل مكان، حتى يحترم حقَ مواطنيها كلُ الناس من كل مكان. وآية اكتسابها الحكمة، هي أن تلتزم المبدأ، والقيمة، منذ الآن، وقبل فوات الأوان، فلا تنساق وراء من يحاولون "استثمار" هذه الواقعة المؤسفة للإمعان في السير في الطريق القديم، لكسب مصالح وقتية ضيقة، تزيد من عمق الأزمة القائمة أصلاً، وتجرنا إلى فصول أكثر مأساوية من هذه الرواية الحزينة. فهناك الآن من يحاول أن يصرف نظر الأمريكيين عن البحث عن نصيبهم من مسئولية ما جرى، ويصور لهم أن ما جرى ليس سوى هجمة من عالَم همجي يجب أن يناله الانتقام، وأنه ليس هنالك أمر مطلوب سوى الردع العسكري، والتدابير الاستخباراتية، والمضي قدماً لاستحواذ أكبر قدر ممكن من موارد العالم الاقتصادية، وإحكام السيطرة على أكثر شعوب العالم بالعصا الغليظة، وباستغلال الحاجة المادية للشعوب، وبالتواطؤ مع أنظمة محلية متخلفة وفاسدة، ومع كيانات أقليمية تتقاسم المصالح المادية مع أمريكا. وسأتعرض لمثل هذه المحاولات بعد قليل.
    13- لقد تابعْتُ في محطة التليفزيون البريطانية (بي بي سي) استطلاعاً مع مديرة روضة أطفال أمريكية صباح الثالث عشر من سبتمبر، قالت فيه أنهم في رياض الأطفال والمدارس الأمريكية، باتوا بحاجة ماسة إلى طمأنة الأطفال، وإلى الإجابة على سؤال ملح ومتواتر من جانبهم، إذ يتساءلون: "لماذا أمريكا؟"، "لماذا نحن؟"، ماذا فعلت أمريكا لهؤلاء؟". هذا سؤال بسيط، وبديهي، وعميق. وقد جرى على ألسنة الأطفال الأبرياء، بدون تعمُّل أو تعمُّق، وإنما هي الفطرة. هذا السؤال يجب أن يسأله كل الشعب الأمريكي لنفسه، ولصانعي قراراته السياسية، وبصورة خاصة السياسة الخارجية، والسياسة الاقتصادية. وعلى الشعوب الغربية الأخرى أن تسأل نفسها وحكوماتها أيضاً. وأي محاولة لتفادي هذا السؤال اليوم، لن تقود إلا لتراكم مزيد من الأسباب والأحقاد التي كان لها دور في وقوع هذه الكارثة. ومن المؤكد أن التراكم الإضافي سيجعل المستقبل أشد قتاماً، وأحداثه أشد فظاعة.
    14- مثلما يجب أن تسوق هذه الواقعة الشعب الأمريكي، والحكومة الأمريكية، للوقوف على مقدار مسئوليتهم عن ما جرى، فإنها يجب أن تسوق جهات عديدة أخرى إلى معرفة مقدار مسئوليتها، وإلى مواجهة نفسها بعدد من الأسئلة، التي قد تكون صعبة. فالجهات الآتية يجب أن تواجه نفسها بالأسئلة التالية:-
    · أعضاء منظمات الهوس الديني يجب أن يسألوا أنفسهم : أليس من الممكن تحقيق غاياتنا بوسائل لا تزهق الأرواح على هذا النحو، أو على أي نحو آخر اقل بشاعة؟ وهل الجهاد الأصغر هو كلمة الله لنا اليوم؟ وهل تستحق البشرية المعاصرة أن نواجهها بالجهاد الأصغر كما واجه أسلافنا بشرية الأمس بالجهاد الأصغر؟ أم أن رفع لواء الجهاد الأصغر اليوم هو مفارقة دينية وأخلاقية قبل أن تكون مفارقة حضارية؟
    · المسلمون العاديون يجب أن يسألوا أنفسهم : هل لدينا فهم للإسلام أفضل من الفهم الذي تقوم عليه جماعات الهوس الديني، أم أننا نستوي مع جماعات الهوس الديني في الجهل بالدين في حين تتفوق جماعات الهوس الديني علينا بأنها نشطة وتطبِّـق قناعاتها؟ وما هي مسئوليتنا تجاه تخليص أعضاء جماعات الهوس الديني من شرور أنفسهم وتخليص العالم من سيئات أعمالهم؟
    · جماعات العنف السياسي بكافة صوره ومرتكزاته الأيديولوجية والدينية، يجب أن تسأل نفسها أيضاً: هل من الممكن تغيير أساليبنا لتكون أساليب سلمية وناجعة؟
    · الحكومات، وبصورة خاصة حكومات الدول الكبرى، التي تنفق على وسائل الحرب أضعاف ما تنفق على مرافق التعمير، يجب أن تقف لتتساءل : هل هناك من جدوى لمواصلة إقامة العلائق الدولية وفق قانون الغاب، الذي يعطي القوي ما ليس حقه، ويسلب الضعيف حقه، خصوصاً في ضوء تطور، وسهولة، وسرعة انتشار، وامتلاك، وسائل، وأسلحة، الدمار الحديثة؟ أليس من الممكن تطوير أجهزة الأمم المتحدة لتكون أكثر قدرة على حسم الخلافات والنزاعات وفق قانون دولي عادل، بدل الدبلوماسية وصراع القوى والحرب؟
    · الأفراد ومنظمات المجتمع المدني داخل الدول الديموقراطية (الغربية) التي حققت حظوظاً كبيرة من الحقوق المدنية والسياسية وحقوق الإنسان يجب أن يسألوا أنفسهم : هل يصح لنا إغفال ما تجترحه حكوماتنا من انتهاكات لحقوق الإنسان في الدول النامية حتى لكأننا نوافقها الظن بأن إنسان الدول النامية ليس بإنسان؟
    15- هذه هي الأسئلة التي يحتاج كل فريق أن يوجهها إلى نفسه بشجاعة، وأن يجيب عليها بوضوح، وبأمانة. فإذا تم ذلك، فإن كافة الأطراف يمكن أن تلتقي لتنسق مجهوداتها لإنهاء أسباب العنف الدائر على وجه الأرض. أما ما يجري الآن من عمل غير مسئول، يلقي فيه كل طرف بالمسئولية كاملةً على الطرف الآخر، فيعني أننا نسير في الطريق القديم، ويعني أن المشكلة ستظل قائمة منغير حل، وأن مرارات جديدة ستضاف عليها، لنستعد لمرحلة جديدة من العنف المتبادل في وقت لم تعد أسلحة الدمار تسمح بمزيد من المواجهات والصدامات. ولربما يحسن هنا أن ألقي ضوءاً على مواقف الجهات المختلفة في مواجهة مسئولياتها، والأسئلة الحائرة المتعلقة بها.
    16- ليس هناك ما يشير إلى أن جماعات الهوس الديني طرحت على نفسها أي من التساؤلات التي يجب أن تطرحها على نفسها. ونظراً لأن هذه الجماعات هي أصلاً ضعيفة الفكر، وأفرادها يعيشون خارج وقتهم، فلا يكاد يرجى منهم مراجعة مفاهيمهم أو أساليبهم بسبب أثرها الفادح على الآخرين. فهم لا يشعرون بمقدار ما يلحقونه بالآخرين من أذى، ولا يهتمون لذلك، بل قد يفخرون به. لكن هذه الجماعات تفهم بصورة مناسبة إن وقعت عليها هي آثار فعلتها. ولذلك فمما لا ريب فيه أن الإجراءات الأمنية التي شرعت فيها أمريكا والدول الغربية، والمتمثلة في معاقبة الدول التي تدعم هذه الجماعات، وملاحقة قيادات هذه الجماعات في تلك الدول، وملاحقة عناصر هذه الجماعات، وحرمانها من الملاذات الآمنة، خصوصاً في أمريكا وأوروبا، وتجفيف مواردها المالية - كل ذلك- قد أشعر هذه الجماعات، بعد فوات الأوان، بأنها حين حسبت القوة التدميرية لطائرات البوينج، فات عليها أن تحسب أثر مثل هذه العملية عليهم، وعلى فرص وجود عناصرهم في أوروبا وأمريكا، تحت ستار اللجوء السياسي والتدابير الإنسانية الحديثة، التي يتربصون بها، والتي استغلوها، بلا حياء، أبشع استغلال.
    17- بخصوص المسلمين العاديين، فبالمثل ليس هنالك ما يشير إلى أن أفراداً أو جماعات منهم قد اتجهوا لمواجهة الأسئلة التي تخصهم في هذا الصدد. وباستطلاع بسيط لمنابر الحوار بالإنترنت، يمكن للمرء أن يلاحظ أن الاتجاهات الغالبة في حوارات المسلمين تتمثل في الآتي:-
    · الناشطون المقيمون داخل العالم الإسلامي مهتمون بتأليب الشعوب الإسلامية ضد الحملة الأمريكية المرتقبة، وأحياناً يعلنون عن فتح باب التجنيد لمؤازرة طالبان. وكذلك هم يحرضون الشعوب الإسلامية ضد اتجاه بعض الحكومات العربية والإسلامية لمساندة أمريكا وحلفائها في ضرب أفغانستان أو غيرها من الدول الإسلامية. وبعض هؤلاء يجهر بتبرير عملية التدمير بنيويورك وواشنطن، بحجة أن الغربيين لم يترددوا في قتل الأطفال والنساء في العراق وفلسطين وغيرهما. وبعضهم يدين هذه العملية، فقط لأنها نالت من مسلمين ونساء وأطفال.
    · المقيمون بالدول الغربية مهتمون غالباً بحماية أنفسهم من الهجمات الانتقامية التي باتوا يتعرضون لها من المتطرفين الغربيين. وهؤلاء يحرصون على التأكيد بأن الإسلام ضد العنف تماماً، وبالتالي يتجهون إلى إدانة عملية التدمير بنيويورك وواشنطن باعتبارها عملية عنف، بصرف النظر عن أنها نالت من مسلمين ونساء وأطفال. ويتحدث أكثر هؤلاء بجهل تام عن الإسلام، ويحاول بعضهم تهدئة خواطر المحاورين الغربيين، بإبداء ضروب ساذجة من الاستبشار بنتائج الضربات الأمريكية المرتقبة، وبالدعاء بالنصر لأمريكا. ورغم أن المرء يقدِّر دوافع أمثال هؤلاء، ويشعر نحوهم بالرثاء، إلا أن المرء يخالجه شعور قوي بأنهم لو كانوا في باكستان، لكانوا في قلب المظاهرات التي تتوعد أمريكا إن هي ضربت أفغانستان.
    · أكثر الذين يدينون عملية التفجير بحجة أنهم يرفضون العنف، يتفادون السؤال: كيف ترفضون العنف في حين أن الشريعة الإسلامية تأمر بجهاد المشركين وأهل الكتاب؟ وهم إنما يتفادون السؤال لأنهم، في قرارة أنفسهم، يدركون ذلك، ولكن القول بذلك في الوقت الحاضر له تكلفة أدبية وسياسية باهظة. أما الذين لا يتفادون هذا السؤال، فيقولون أن حروب الإسلام كانت دفاعية فقط. وجهل هؤلاء بالإسلام، وبالثقافة الدينية الموروثة، ظاهر جلي.
    · الذين يدينون عملية التفجير لأنها نالت من مسلمين ونساء وأطفال، يتفادون مناقشة أن الشريعة الإسلامية تأمر بجهاد المشركين وأهل الكتاب، وأنها قسَّمت الأرض إلى دار إسلام ودار حرب، وأوجبت على المسلمين عدم العيش في دار الحرب، وإلا أصبح دمهم هدرا. كما يتفادون الرد على القول بأن طبيعة الأسلحة المعاصرة، وطبيعة عملية نيويورك، تجعل من غير الممكن التمييز بين من يجوز قتله جهاداً، ومن لا يجوز. ومثل هذه النقاط تساق لتوضِّح للمسلمين السلفيين أن الشريعة الإسلامية الموروثة لا تكفي كأساس لإدانة هذه العملية، وأن حججهم هذه ضد العملية هي حجج داحضة بمقاييس الشريعة الإسلامية، ومن الأفضل لهم تأسيس إدانتهم للعملية على أساس إسلامي أحسن من الشريعة. ومن الواضح أن المسلمين المعاصرين لم يدركوا حتى الآن أن طبيعة الأسلحة الحديثة نفسها توجب إعادة النظر في مشروعية الجهاد في الوقت الحاضر. فطبيعة الأسلحة الحديثة، تجعل من غير الممكن الانطباق على ضوابط الجهاد التي تنهى عن قتل غير المحاربين، كالنساء والأطفال، والرهبان، والأجراء، ومن هم في حكمهم. فالمقاتل بالمدفع والطائرة وغيرهما من وسائل الحرب الحديثة، لا يمكنه أن يميِّز بين المحارب وغير المحارب، مثلما كان ممكناً لصاحب السيف والرمح أن يميِّز. لكن ليس هناك أي تدبُّر من جانب المسلمين المعاصرين، لإدراك موقوتية شريعة الجهاد الأصغر. وما يسوقونه الآن من منابرهم المختلفة من إدانة لهذه العملية، إنما هو لعدم رغبتهم في ربط هذه العملية المؤسفة بالجهاد الإسلامي، لأن تكلفتها الأخلاقية والسياسية باهظة، كما سلف القول.
    · الاتجاه الغالب بين المسلمين هو نقد السياسة الخارجية الأمريكية الخاصة بمشكلة الشرق الأوسط باعتبارها هي وحدها المسئولة عن ما وقع، دون التعرض لمسئولية العالم العربي والإسلامي، التاريخية، عن استمرار هذه المشكلة دون حل. فهم لا يذكرون مثلاً أن العرب قد أخطأوا حين رفضوا مشروع التقسيم الذي أقرَّته الأمم المتحدة سنة 1947 وقبلت به إسرائيل، وأنهم ظلوا إلى وقت قريب يقولون أن صراعهم مع إسرائيل هو صراع وجود وليس صراع حدود، وأن زعيماً كعبد الناصر ظل يعلن أن هدفه هو رمي إسرائيل في البحر.
    · يلاحظ أن أكثر الدول الإسلامية والعربية ترددت أو أحجمت عن إعلان مساندتها لأمريكا في حربها ضد الإرهاب. فقد ظل موقف السعودية، على سبيل المثال، مرتبكاً لأيام. أما الرئيس المصري حسني مبارك فقد حاول تفادي الحرج بقوله أن أمريكا لم تقدم أدلة على تورط أفغانستان أو بن لادن. وإذا تذكرنا أن الرئيس المصري قد اتهم الحكومة السودانية بمحاولة اغتياله في أديس أبابا سنة 1995 ، بمجرد هبوطه من الطائرة بالقاهرة، وقبل أن تبدأ إجراءات التحقيق بأثيوبيا، لأدركنا أن الإحجام الحالي سببه الخوف من القلاقل التي يمكن أن يحدثها المهووسون الدينيون في مصر. ومعلوم أن الجماعات الإسلامية المتطرفة تمسك بيدها أكثر النقابات، والمرافق، وتستطيع أن تثير قلاقل واسعة على طول البلاد. وينطبق ذلك على أكثر الدول الإسلامية. إن الدول الإسلامية لم تتردد في الوقوف مع أمريكا والتحالف الغربي لإخراج العراق من الكويت، وذلك لأن الكويت المعتدى عليها دولة إسلامية. والقاعدة الشرعية في هذا الجانب يحددها قوله تعالى (وإن طائفتان من المؤمنين بغت إحداهما على الأخرى، فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله). لكن المعتدى عليه اليوم، وهو أمريكا، ليس مسلماً. ومن أجل ذلك فإن الدول الإسلامية اليوم تخشى أن تقوم جماعات الهوس الديني بإثارة شعوبها السلفية عليها، إن هي ساندت أمريكا في حملتها ضد أفغانستان. فالمنطق السلفي يقول لهم إنكم إن لم تقوموا بواجبكم في ضرب أمريكا، فليس أقل من أن تمتنعوا عن مساندة أمريكا التي تنوي الآن ضرب أفغانستان انتقاماً.
    · إن هذه الواقعة قد وضعت الفهم السلفي للإسلام تحت دائرة الضوء. وإذا لاحظنا حرص الدول الإسلامية على تبرئة الإسلام من العنف، على لسان رجال الدين الرسميين، لأدركنا أن كثيراً من المسلمين المعاصرين يشعرون بأزمة عميقة في الفهم السلفي للإسلام، ويدركون أن بعض صور الشريعة الإسلامية (كالجهاد الأصغر) لا تصلح اليوم، ولكنهم لم يهتدوا إلى فهم من الإسلام يحل لهم هذه المعضلة العويصة. ومثلما سلطت هذه الواقعة الضوء على أزمة الفهم السلفي للإسلام، فإنها سلطت الضوء على تخلف الفلسفة البراجماتية الأمريكية، وبالخصوص تطبيقاتها في السياسة الخارجية، عن مقتضيات تحقيق السلام في هذه الفترة الحرجة من تطور الحضارة الإنسانية. إن هذه الواقعة تبين أن الفهوم القديمة والفلسفات القديمة قد وصلت بالبشرية إلى نهاية الطريق المسدود، وليس فيها ما يمكن أن يعين البشرية على خدمة هذه المرحلة من تاريخها، وأن على البشرية أن تبحث عن فهم جديد قمين بتحقيق السلام على الأرض. ومع أن رسالة هذه الواقعة واضحة في هذا الشأن، إلا أن المعالجات السياسية الحاضرة لهذه الأزمة ستشغل الناس عن صب اهتمامهم على جذور أزمة الفكر التي يرزح تحتها المعسكران.
    18- بخصوص حركات الإصلاح السياسي وحركات التحرر، فليس لدى أدنى فكرة عن أن أي حركة إصلاح سياسي أو حركة تحرير قد قادتها هذه الأحداث لإعادة النظر في وسائل العنف. ويلاحظ أنه برغم أن هناك تجارب قريبة تؤيد إمكانية تحقيق الأهداف السياسية بالوسائل السلمية، كمحو النظام العنصري في جنوب أفريقيا، في حين فشلت الوسائل العسكرية كما في حالة القضية الفلسطينية ، فإن هناك تجارب أخرى تؤيد القول بأن الوسائل العسكرية أثبتت فعاليتها في حالات أخرى. لكن من المؤكد أن الوسائل العسكرية حتى في حالة فعاليتها، لم تفلح إلا في جلب الأطراف إلى مائدة المفاوضات.
    19- بخصوص الحكومات، فليس هناك ما يشير إلى أن الحكومات قد مدَّت بصرها إلى الأمام لمراجعة سياسة قانون الغاب. بل إن رجلاً كهنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي اللامع الأسبق، لم يتردد في تذكير الرسميين الأمريكيين بأن هذا الهجوم يجب أن لا يصرفهم عن المضي قدماً في إقامة منظومة الدفاع الصاروخي، وساق لهم مثلاً بأن المرء يجب أن لا يرفض المناعة من الشلل لأنها لا توفر له مناعة من الأنفلونزا.
    20- بخصوص حَمْل الشعوب الغربية حكوماتها على احترام حقوق إنسان العالم الثالث، لابد من الإشارة إلى حركات الاحتجاج على النهج الذي تريد الدول القوية أن تتم به العولمة. فقد احتج المستبصرون من الغربيين على ذلك النهج في سياتل وفي إيطاليا وغير ذلك من البلدان التي انعقدت بها مؤتمرات للعولمة أو لمجموعة الكبار. بيد أن تلك الاحتجاجات ظلت عملاً موسمياً، كما لم تجد سبيلها بقوة لتكون موضوعاً من مواضيع السياسة الداخلية، والمعارك الانتخابية. وهي ما لم تدخل هذا الحيز، ستظل موضوعات بعيدة عن إحساس السياسيين وصناع القرار من الرأسماليين الكبار. مثل هذه الحركات هي المنتظرة لوقف الاتجاه الرامي لوضع ثروات الأرض في أيدي القلة.. وهي المنتظرة، فوق ذلك، لخلق حالة من الحب والسلام الحقيقي بين الشعوب، بها يصبح كل فرد في هذا الكوكب مواطناً عالمياَ يعيش في مجتمع كوكبي. أن هنالك الكثير مما يمكن أن يقال عن الظلم المرتكب في حق شعوب العالم الثالث. فشعوب العالم الثالث هي الآن ضحية النفايات النووية والكيماوية التي تدفن في أراضيها بغير علمها، وبعد رشوة حكامها الفاسدين في أكثر الأحوال. وشعوب العالم الثالث هي الآن ضحية نهب ثرواتها نهباً مقنناً وغير مقنن. ويمكن أن نلاحظ أن العالم المتقدم قد فتح أسواقه لناهبي الألماس والذهب وغيرهما من الثروات المهربة من العالم الثالث، تصلها بأبخس الأثمان.. كما فتح مصارفه لأرصدة أولئك اللصوص والحكام الفاسدين، تتكدس فيها بالمليارات دون أن يسألهم أحد عن مصدر تلك المليارات.. لكن حين أرتعب الغرب من تجارة المخدرات، سنَّ من قوانين مكافحة غسيل الأموال ما يوجب على المصارف التبليغ عن من يودع حفنة دولارات لا تزيد عن خمسة آلاف. والحق أن النهب من العالم الثالث قد تعدى الثروات الطبيعية، وشمل حتى الآثار؛ حتى لكأنما هم ينهبون ماضي الشعوب الضعيفة ومستقبلها، على السواء. إن كل ذلك يضع المواطن العادي في العالم الغربي أمام مسئولية تاريخية غير مسبوقة. فهو إما أن يلجم حكامه، ورأسمالييه، عن ما يرتكبون بحق الشعوب الضعيفة، وإما أن يعلم أنه بتقصيره عن ذلك، يفتح الباب على مصراعيه لفتن لا تصيبن الذين ظلموا خاصة.
    21- أما بخصوص الشعب الأمريكي، فقد أشرت إلى أن أطفال أمريكا قد طرحوا السؤال البسيط والعميق على الكبار. لا أدري ماذا كانت إجابة الكبار للصغار. كما لم أقف على انشغال للرسميين الأمريكيين بهذا السؤال الجوهري. والمرء قد يقبل القول بأنه ليس من الحكمة أن تعلن الحكومة الأمريكية الآن بأنها منشغلة بهذا السؤال، أو أنها ستراجع سياساتها التي ربما ساهمت في وقوع مثل هذه الواقعة، لأن ذلك قد يشعر المهووسين برضوخ خصمهم، وبجدوى أساليبهم، مما يغريهم بمواصلتها. بيد أن إحجام المهووسين والمجتمعات الإسلامية عن الاعتراف بنصيبهم من المسئولية، يجب أن لا يسوق الأمريكيين للإنصراف عن استقصاء نصيبهم من المسئولية، والاعتراف به. فأمريكا هي الطرف الأقوى بحسابات القوة العسكرية والاقتصادية والحضارية السائدة. ولذلك فهي يجب أن تسير أمام الضعفاء والصغار والمتأخرين نحو تحقيق القيمة، لا خلفهم، ولا معهم.
    22- قلت آنفاً (في الفقرة "10" أعلاه) أن بعض الزعماء والساسة التقليديين قد يسعى إلى صرف أنظار الشعوب عن الوجهة الصحيحة لعلاج هذه الأزمة. وأخشى أن يكون ذلك قد وقع بالفعل. فمثلما انصرف كثير من "رجال الدين" المسلمين إلى التعلل بانتهاكات أمريكا لحقوق بعض الشعوب العربية والإسلامية كمسوغ للعملية المؤسفة الأخيرة، يبدو أن هنالك وسط الساسة وقادة الرأي الأمريكيين المرموقين، من يسعى لصرف الأمريكيين عن الوجهة التي بها يتم الحل الجذري لحالة العنف التي تسود حياة المجتمعات والدول. فهاهو وزير الخارجية الأسبق، هنري كيسنجر، قد أطل على الشعب الأمريكي ليدفعه في الطريق الخاطئ. فقد حاول جاهداً أن يلقي في روع الشعب الأمريكي أن أمريكا إنما تواجه حرباً مع جزء من العالم يلجأ إلى الإرهاب، في إشارة واضحة إلى العالم الإسلامي. كما حاول أن يثير في الأمريكيين رغبة الثأر التي تلغي العقول، قائلاً لهم أن أمريكا يجب أن تنتصر، ومذكراً إياهم بالهجوم على قواتهم ببيرل هاربر خلال الحرب العالمية الثانية، وردهم عليه. أسمعوه ماذا قال في مقالته في صحيفة لوس أنجلوس تايم (حسب ما أوردته مترجما صحيفة الشرق الوسط بتاريخ 16/9/2001) :-
    (أما الوضع الحالي فيتطلب طريقة فهم ومعالجة جديدة. وقد حذَّر الرئيس جورج دبليو بوش، على نحو يتسم بالحكمة، من أن الهجمات على نيويورك وواشنطن بلغت مستوى إعلان حرب. وفي الحرب لا يكفي للمرء أن يعاني ويتحمل، بل من الضروري أن يحقق نصراً. فالهجمات على نيويورك وواشنطن تمثل تحدياً كبيراً للمجتمع المدني الأمريكي، وللأمن الأمريكي، يتجاوز الهجوم الغادر على بيرل هاربر، ذلك أن الهدف لم يكن القدرة العسكرية للولايات المتحدة، وإنما معنويات وطريقة حياة السكان المدنيين. فالضحايا الأبرياء من الرجال والنساء كانوا على نطاق فاق، بالتأكيد، الذين سقطوا في بيرل هاربر. وقبل كل شيء توفر الكارثة قناعة بأن بعض افتراضات العالم المعولم التي تؤكد قيم التوافق والانسجام والمزايا النسبية لا تنطبق على ذلك الجزء من العالم الذي يلجأ إلى الإرهاب. ويبدو أن ذلك الجزء مدفوع بالكراهية العميقة للقيم الغربية بحيث أن ممثليه مستعدون لمواجهة الموت وإنزال المعاناة الهائلة بالأبرياء، والتهديد بتدمير مجتمعاتنا لمصلحة ما يعبر عنه باعتباره "صدام الحضارات"). (الخطوط من وضعي)
    23- غير خاف بالطبع أن السيد كيسنجر، لاعتبارات تخصه، يحاول أن يصور المعركة باعتبارها معركة بين أمريكا والغرب من جهة، والعالم الإسلامي من جهة أخرى. وكذلك غير خاف أن السيد كيسنجر يحاول أن يرد الأمر إلى ما يسميه بكراهية المسلمين للقيم الغربية. فهل يريد أن يقول وزير الخارجية الأسبق أن الساحة الدولية يحكمها الحب والكراهية للقيم؟ ثم إذا كانت كراهية القيم الغربية هي التي تدفع إلى العنف والحرب، فلماذا كانت الحرب العالمية مثلاً؟ ألم تكن حرباً بين الدول الغربية فيما بينها بسبب صراعها على المصالح؟ ثم ألم يكن حادث تفجير أوكلاهوما الذي لا تزال أمريكا تكابد أحداثه بفعل مهووسين غربيين مسيحيين؟ إن المرء لا يكون قد اشتط إن قال للسيد كيسنجر أن قوله هذا لا يشرِّفه، ولا ينطلي على أحد. أعتقد أن الشعب الأمريكي ربما كان ينتظر من رجل كالسيد كيسنجر أن يلقي له ضوءاً ساطعاً على اسباب هذه الكارثة، لا أن يقدِّم له مثل هذه النصيحة المؤسفة. لقد حاول السيد كيسنجر جاهداً، بكل أسف، أن يصرف الشعب الأمريكي عن أي تعمق في أسباب المواجهة الدائرة أصلاً بين المتطرفين الإسلاميين وأمريكا، فحاول تصوير الأمر كله باعتباره معركة حربية فقط، لا تستوجب سوى الترتيبات العسكرية والاستخباراتية. وهو في بقية مقاله يبدو أكثر وضوحاً في هذا الشأن، حتى أن المرء ليحسبه عسكرياً متقاعداً، لا أكاديمياً مرموقاً، ودبلوماسياً عريقاً. أسمعه وهو يقول في مقاله المشار إليه:-
    (وهكذا فإن التحدي يتمثل في الكيفية التي يمكن بها تحويل الأهداف المشتركة إلى سياسة عملية. وبقدر تعلق الأمر بالولايات المتحدة لابد أن تكون هناك إعادة نظر أساسية شاملة في النهج والتنظيم الاستخباراتي. فإلى أي مدى شجع الاعتقاد بوجود فترة من الهدوء النسبي على التراخي النسبي بشأن التوقعات والإجراءات المضادة المحتملة؟ وإلى أي مدى لعبت المحدوديات في الوسائل والموارد دوراً؟ وهل هناك حاجة إلى تنظيم جديد للقيام بالإجراءات المضادة؟ ومن ناحية أخرى فإن الضربات الانتقامية للمصادر المعروفة لهذا الهجوم ضرورية. ولا يمكن لمراقب خارجي أن يقدم إسهاماً كبيراً لمثل هذا الجهد باستثناء الإشارة إلى أنه من المحتمل أن تؤدي أنصاف الإجراءات إلى ضرر أكثر من النفع. غير أن المهمة الأكثر شأناً تتمثل في التحرك إلى ما هو أبعد من الانتقام نحو اسئصال جذور الإرهاب. فالحرب التي أعلن الرئيس قرارها يجب أن تحقق النصر الحاسم، لا أن تدخل في طور الهجمات المتبادلة. ولهذا من الضروري التحرك إلى ما هو أبعد من النموذج القائم للانتقام والمقاضاة الجنائية، ونقل الصراع إلى مصدر المشكلة. ويتعين وضع المنظمات الإرهابية في موقف دفاعي، وتحطيم شبكاتها، وإنهاء مصادر تمويلها، وقبل كل شيء وضع قواعدها تحت ضغوط صارمة وحرمانها من الملاذات الآمنة ..). انتهى
    24- أعتقد أن مثل هذه الأصوات ستعلو، لتشتيت تركيز الشعب الأمريكي لكي لا يعرف الأسباب الحقيقية التي جعلته هدفاً لهجمات جماعات العنف المنظم، حتى لا يطالب حكوماته بمراجعة سياستها الخارجية والاقتصادية التي أوقرت صدور كثير من أبناء الشعوب ضد أمريكا. ووضعية السيد كيسنجر، كوزير سابق بارز ومرموق للخارجية الأمريكية ساهم بقسط وافر في وضع أسس هذه السياسة، ربما كانت لوحدها حافزاً كافياً له لمحاولة إلهاء الأمريكيين عن إعادة النظر في صحة هذه السياسة الخارجية، وفحص مدى مسئوليتها عن ما وقع مؤخراً. لكن من الخير للأمريكيين أن يراجعوا سياستهم الآن، ليجنبوا العالم أجمع الانجراف في دوامة العنف المستطير. ومن الخير لأمثال السيد كيسنجر أن يعرف الشعب الأمريكي الحقيقة الآن، ليصحح مساره. فذلك أفضل لهم من أن يكتشف الشعب الأمريكي الحقيقة لاحقاً بعد مزيد من الخوض في مستنقع الآلام الآسن هذا. فالشعب الأمريكي إن غفر لهم يومئذ رسمهم سياسة خارجية خاطئة في الماضي، لن يغفر لهم تضليلهم إياه اليوم، لمواصلة السير في تلك السياسة، التي لا تخدم المواطن الأمريكي البسيط في شيء، ولا تجر عليه إلا الويلات بما تدفع العالم أجمع إلى شفير الهاوية.
    25- قلت آنفاً أن هنالك خشية من بروز اتجاهات لاستغلال هذا الحدث لتحقيق مكاسب اقتصادية تحت غطاء كثيف من التضليل. وربما كانت التبدلات المفاجئة التي طرأت على العلاقة بين أمريكا والنظام السوداني هي أوضح مؤشر. فرغم أن أمريكا سبق أن وضعت السودان على قائمة الدول التي ترعى الإرهاب لأسباب منها رعاية النظام السوداني لأسامة بن لادن وغيره ممن يسمون "بالأفغان العرب"، ورغم أنها فرضت عليه مقاطعة اقتصادية منذ عام 1997، ورغم أنها تبنت خطوات مضادة له في إطار منظمات الأمم المتحدة، ورغم انها لاحقت النظام السوداني مراراً عن طريق مبعوثين خاصين لتقصي أوضاع حقوق الإنسان وغيرها وآخرهم عيَّـنته قبل أقل من شهر، ورغم أنها كانت قد أعدَّت مشروع قانون تدعم به المعارضة السودانية، ورغم أنها أبدت اهتماماً ملحوظاً في الماضي القريب بالأوضاع المأساوية في جنوب السودان، والتي راح ضحيتها حوالي مليونين من المواطنين وعانى آخرون أحط أنواع الإهانة، المتمثلة في الاسترقاق- رغم كل ذلك، إلا أن أمريكا وغيرها من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن مكَّنت النظام السوداني يوم الثامن والعشرين من سبتمبر الجاري من استصدار قرار من مجلس الأمن يلغي قرار المقاطعة الدبلوماسية الذي أصدره مجلس الأمن خلال عام 1996. ولقد سبقت قرار مجلس الأمن الأخير تقارير شتى تحدثت عن صفقة بين النظام السوداني وأمريكا. ولعل أهم ما في الصفقة بالنسبة إلى أمريكا (حسب تلك التقارير والشائعات)، هو موافقة الحكومة السودانية على إخراج الشركة الصينية من مائدة البترول السوداني، بصورة أو أخرى، لتحل محلها شركة أمريكية. بيد أن أكثر ما يدعو للأسى هو أن أمريكا، في إطار تقاسم المصالح هذا، تراجعت عن إجازة مشروع القانون الذي يدعم المعارضة السودانية الرامية لإنهاء الوضع غير الإنساني الذي فرضه النظام الحالي على المواطنين. كل هذا يشير إلى أن أمريكا قد تكون معنية في الأساس باستثمار الموقف المأساوي والإنساني، الناشيء عن واقعة تفجيرات نيويورك وواشنطن، لتحقيق مكاسب مادية للشركات الكبرى التي تحتكر صناعة القرار الأمريكي. ومما يدعو للأسى أيضاً أن أمريكا في الوقت الذي كانت تثير فيه دخاناً كثيفاً حول الرق الذي يمارسه النظام السوداني ضد المواطنين السودانيين في جنوب السودان، لم تكن تهدف إلا للضغط على النظام السوداني إعلامياً ودبلوماسياً لإضعاف موقفه التفاوضي لتتمكن من تحقيق كل المصالح التي تبتغيها في السودان. وحينها يمكنها أن تضع يدها على يد النظام الذي قهر شعبه، وجوَّعه، وأظمأه، واسترق بعضه، وترك الباقي فريسة للجهل، والمرض، والفاقة. وكانت هي نفسها تقول ذلك إلى يوم قريب. ومن عجب أن الإدارة الأمريكية حاولت أن تبرر وضع يدها على النظام السوداني بأن قالت أنه متعاون في محاربة الإرهاب. ألم تكن لإسامة بن لادن استثمارات بمئات الملايين في السودان إلى مابعد واقعة نيويورك. أليس من الممكن أن تكون ارباح هذه الاستثمارات هي التي مولت عملية نيويورك؟ أم يعلن النظام السوداني يوم قال أنه طرد بن لادن من السودان أنه قطع أي صلة له ببن لادن و بالإرهاب والإرهابيين؟ إن الصفقة التي تمت بين الإدارة الأمريكية والنظام السوداني تبين أن الإدارة الأمريكية مثلما تاجرت بقضية المواطنين السودانيين الذين يتعرضون للموت والاسترقاق، تاجرت أيضاً بضحايا واقعة التفجيرات الأخيرة.
    26- يلاحظ أيضاً أن أمريكا شرعت في منح بعض الدول، كباكستان، منحاً مادية تحت ما يسمى بقانون المساعدات الخارجية. وقد وصفت بعض قنوات الأخبار هذه المنح بأنها مكافأة لتلك الدول لمساندتها أمريكا في حملتها ضد الإرهاب. إن شاء الأمريكيون الحق، فهذه المنح والمساعدات ليست سوى رشاوى. فالدول يجب أن تحدد موقفها من الإرهاب على أساس مبدئي، وليس على أساس ما تجنيه من منفعة مادية، أو ما تجره على نفسها من عصا أمريكية غليظة. إن القانون الأمريكي الداخلي يعاقب على الرشوة. ولكن القانون الأمريكي الذي تتعامل به الدولة الأمريكية مع الدول الأخرى، لا يعاقب على الرشوة، بل يختار لها إسماً شيقاً وإنسانياً: "المساعدات الخارجية". إن هذا يعكس أن أمريكا لا تهتم بحقوق الإنسان، ولا كرامته، عندما تتعلق تلك الحقوق وتلك الكرامة بإنسان غير أمريكي. أليس على الأمريكيين أن ينتبهوا لهذا؟ بلى، وإن ما يصيب الأمريكيين من جماعات العنف، داخل وخارج أمريكا، إنما بسبب قعود المواطنين الأمريكيين العاديين عن مراقبة سياسات حكوماتهم الخارجية.
    27- لقد عرَّف الرئيس الأمريكي الأسبق أبراهام لنكولن الديموقراطية بأنها "حكم الشعب بواسطة الشعب، لمصلحة الشعب". وهذا هو التعريف الشائع للديموقراطية حتى اليوم. ومع أن الديموقراطية الأمريكية هي ديموقراطية أقوى دولة في العالم، ومن أفضل الديموقراطيات في العالم، إلا أنها متهمة من قبل بعض المواطنين الأمريكيين بأنها معيبة، لأنها ليست لصالح الشعب، وإنما لصالح الشركات الكبرى التي تأتي بممثليها لمراكز صناعة القرار. وخلال احتفالات اليوم الوطني في يوليو من العام الجاري، قامت جماعات ناشطة بتغيير العلم الأمريكي باستبدال النجوم التي ترمز للولايات بالعلامات التجارية الخاصة بالشركات الكبرى التي تحتكر صناعة القرار الأمريكي. إن هذا الاتجاه فيه بريق أمل بإصلاح الديموقراطية الأمريكية. وهو اتجاه يجب أن تعمل هذه الواقعة على تقويته. فهذه الواقعة أكدت أن عيب الديموقراطية الأمريكية يقع فوق رؤوس المواطنين الأمريكيين البسطاء. إن العصر الحاضر هو عصر رجل الشارع العادي، وامرأة الشارع العادية. ولذلك، إن هم لم ينهضوا لمراقبة حكامهم فيما يعملون باسمهم، فإنهم سيدفعون ثمن أخطاء حكامهم. إن المواطن الصالح في الوقت الحاضر هو المواطن الذي يراقب ويحاسب حكومته. وإذا فشل المواطنون في النهوض إلى ذلك المستوى، فإن الله سيسوق لهم من الأحداث المريرة ، ما ينبههم، ويعينهم على النضج، ليكونوا في ذلك المستوى. وأعتقد أته يحسن بالشعب الأمريكي أن يفهم حادثة التفجيرات الأخيرة في هذا المستوى، فيرتفع بديموقراطيته عتبة جديدة في سلَّم كمالها.
    28- إن على أمريكا أن تعيد النظر في مساندتها غير المشروطة لإسرائيل، ولو اقتضى ذلك تعديل أي اتفاقيات ثنائية بينهما. إن مساندة أمريكا لإسرائيل خلال الحرب الباردة يمكن أن تكون مفهومة ومبررة. لكن كان يجب على أمريكا أن تضبط سياستها بعد نهاية الحرب الباردة، لاسيما وأن كثير من الدول العربية ظلت تربطها بأمريكا علاقات وطيدة، ولديها معها مصالح مشتركة. كما أن الفلسطينيين قد ارتضوا باولايات المتحدة وسيطاً للسلام، وذلك يكفي لحمل أمريكا على لعب دور وسيط نزيه. لقد تابعت قبل شهور قلائل رفض اسرائيل لجنة تحقيق دولية لتحقق في اسباب انفجار العنف بين الفلسطينيين والإسرائيليين بصورة أوقفت مفاوضات السلام، وإصرارها على لجنة تحقيق أمريكية. كما تابعت رفض اسرائيل لمراقبين دوليين للسلام، وإصرارها على مراقبين أمريكيين. وقد قام في بالي في الحالتين أن أحداً لم ينل من الدبلوماسية الأمريكية ومن الشرف المهني الأمريكي مثل ما نال ذلك الموقف الإسرائيلي. فإسرائيل بذلك، لم تطعن في شرف اللجان الدولية التي تمثل المجتمع الدولي، وإنما طعنت في شرف الأمريكيين. ومن أعجب الأمر، أن أمريكا لم تحتج (على الأقل علناً) على هذا الموقف الإسرائيلي الصارخ. إن مساندة أمريكا غير المحدودة لإسرائيل قد ساقها لإخضاع الأنظمة العربية الموالية لها حتى أصبح شائعاً عن الدول العربية أنها لا تستطيع أن تعقد لقاء قمة لمدارسة مشكلة الشرق الأوسط إلا بعد أن تحصل على ضوء أخضر من أمريكا. هذا الخضوع المذل قد بلغ من السوء حداً ساق به مواطنين عرب خليجيين إلى التمرد والتطرف، رغم أن الخليجيين اشتهروا عموماً بهدوء البال، وهدوء الطبع. ويبدو أن هذا الخنوع الطويل قد ساعد على إنجاب أجيال من المتطرفين، بها استحقت الأنظمة الإسلامية التي كانت إلى وقت قريب تسمى بالأنظمة الرجعية أو المتخلفة، تسمية لطيفة : الأنظمة المعتدلة. إن المرء ليخشى أن يكون التطرف الذي ولَّدته هذه الظروف الخاطئة كالنار تحت الرماد، لم يرى الناس منه حتى الآن إلا بعض الشرر.
    29- وبنفس القدر فإن على الفلسطينيين أن يسيروا قدماً بما أسموه ثورة الحجارة. إن على الفلسطينيين أن يلاحظوا أنهم لم يحققوا أي مكسب، ولا أي تعاطف دولي ذي شأن، بالثورة المسلحة. ولكنهم حققوا مكاسب جمة، وتعاطفاً دولياً واسعاً، بثورة الحجارة. كما عليهم أن يلاحظوا أن شعب جنوب أفريقيا حقق مقاصده كلها بالمقاومة السلمية التي نفذها على نحو تصح تسميته بالثورة الراقصة. إن تحول الفلسطينيين من الثورة المسلحة إلى ثورة الحجارة قد كان خطوة جبارة. ولكنهم بقوا مع حجارتهم فترة طويلة، بل هم كادوا أن ينقلبوا عنها إلى البندقية مرة أخرى. إن من الأفضل للفلسطينيين أن ينتقلوا من ثورة الحجارة إلى المقاومة السلمية. فإن هم فعلوا ذلك، وكانت مطالبهم عادلة، ظفروا بتعاطف العالم أجمع، ومساندة العالم أجمع، ولن تقوى إسرائيل يومئذ على الوقوف في وجه مطالبهم وحقوقهم.
    30- إن اسم "الإرهاب" اسم غير موفق. فمن الخير أن تعرف جماعات الهوس التي ترتكب العنف أنها لا تسترهب الآخرين. إن تسمية الإرهاب تغري المهووسين بمواصلة عنفهم، لأن التسمية توحي بأن الآخريف يهابونهم. إنهم بحاجة لأن يعلموا أن الآخرين لا يهابون العنف ولا الموت. وهذا يتطلب جهداً من الناس، به يكونون على ثقة مما عندهم.
    31- إن هذه الواقعة، بوسائلها غير المسبوقة، وبعدد ضحاياها الهائل، تؤكد أنه حتى أساليب السلم وطرق العيش الحديثة- دع عنك أسلحة الحرب الحديثة- قادرة على إحداث دمار هائل، يفوق قدرة أسلحة الدمار التي كانت متوفرة في يد البشرية قبل عقود قلائل. فالحياة الحديثة، بتركيزها الناس في المدن بمعدلات تتصاعد باستمرار، وبوسائل ووسائط خدماتها العديدة التي أصبح لا غنى عنها والتي يمكن تحويلها بيسر إلى وسائل خطرة، أصبحت توفر أهدافاً سهلة لعمليات تخريب وتقتيل واسعة.
    32- ماذا يعني هذا؟ هذا يعني أنه ليس بمقدور البشرية الاستمرار في طريق تغليب المصالح، وصراع القوى، والعنف، والحرب. هذا يعني أنَّ على البشرية منذ اليوم أن تقلع عن نهجها الحالي الذي يؤسس العلائق الدولية على قانون الغاب، حيث القوة هي الحق، لتؤسس علائقها على قانون الإنسانية، حيث الحق هو القوة. هذا يعني أن على البشرية أن تطور أساس العلاقات الدولية من الصراع، إلى التعاون، ومن الحرب الإعلامية، والدبلوماسية، والاقتصادية، والعسكرية، إلى القانون الدولي العادل، الذي يكفل للقوي وللضعيف، على السواء، حقهما، فيغنيهما بذلك عن الحرب، وعن ما يسمى بالإرهاب، مثلما يغني حكم القانون الأفراد داخل كل دولة من اللجوء إلى العنف لحسم نزاعاتهم.
    33- الجميع الآن يقولون أن العالم أصبح قرية صغيرة، بسبب تطور وسائل النقل ووسائل الإتصال الحديثة، التي قطعت شوطاً بعيداً في إلغاء الزمان والمكان. ومع ذلك، فلا يزال الفكر الاجتماعي، والسياسي، على نطاق العالم، متخلفاً تخلفاً مزرياً عن مقتضيات هذه البيئة الكوكبية الجديدة. وإنما يجب أن نستبصر، جميعاً، من هذه الحادثة المؤسفة، فنرى هذا الخُلْف الكبير بين التقدم التكنولوجي من ناحية، والفكر الاجتماعي والسياسي من ناحية أخرى. كما علينا أن نستبصر من هذه الحادثة المؤسفة، فنرى أن البيئة القديمة إذا احتملت الحرب، فإن البيئة الكوكبية الجديدة لا تحتمل الحرب. كما علينا أن نستبصر من هذه الحادثة المؤسفة، فنرى أنه لا يمكن الاحتراز من عمليات العنف، والدمار. فها هي أمريكا، رغم كل المنعة، ورغم كل الاحتياطات الأمنية، قد أُتِيَتْ من حيث لم تحتسب. من كان يظن أن وسيلة سلمية هي أرقى وسائل التنقل والتواصل الإنساني في الأرض يمكن أن تحوَّل بسرعة إلى أداة تدميرية بهذه القسوة؟ ومن قال أن مسلسل العنف هذا إذا اتصل ستكون وسائله المستقبلية هي أيضاً الطائرات المدنية؟ إن العقل البشري لن تستعصي عليه الوسائل. فمثلما استخدم بعضهم قارباً مطاطياً رياضياً لينال من المدمرة الأمريكية العملاقة في ميناء عدن قبل شهور، ومثلما استخدم هؤلاء الطائرات المدنية في هذه الحادثة المؤسفة، يمكن أن يستخم آخرون وسائل لم تخطر على البال. ومن ثم، فإن الإجراءات والضوابط الأمنية التي فرضتها سلطات الطيران المدني في أكثر من أجزاء العالم بعد هذه الحادثة، والتي بلغت حداً جعل من العسير على الرجال المسافرين أخذ شفرات الحلاقة، بل جعل من غير الممكن للنساء المسافرات أخذ بعض أدوات الزينة، هي إجراءات وضوابط، رغم أهميتها، لا قيمة لها في الاحتراز مما يمكن أن تتفتق عنه عقول المهووسين، وجماعات العنف من وسائل جديدة. إن الأجهزة الأمنية والاستخباراتية مهما كانت قوية ومؤهلة، ستظل في غالب أحوالها تسير خلف جماعات الهوس والعنف والجريمة، التي أصبحت تجدد وسائلها كل يوم جديد.
    34- إن هذا يعني أن خير طريقة لوقف العنف، هي تجفيف منابعة. ومع أن هذه العبارة صحيحة، إلا أنها قد تفهم على نحو قاصر، وخاطيء. وهي ربما كانت تقال الآن في الغرب عموماً، وفي أمريكا خصوصاً، ولا يراد منها إلا ضرب معسكرات جماعات معينة حددتها أجهزة الاستخبارات، وملاحقة أفراد سمتهم تلك الأجهزة، وربما تغيير أنظمة سياسية ترعى الإرهاب. هذه خطوات يجب أن تتم، ولكنها مع ذلك ليست كفيلة بتجفيف منابع الإرهاب، أو استئصاله كما يرد التعبير أحياناً. فهذه الخطوات قد تقضي على مهووسين ومرتكبي عنف محددين أنفقت أجهزة الاستخبارات أعواماً في رصدهم. لكن طالما بقيت الظروف الموضوعية التي تولد العنف والمهووسين قائمة، فستنشأ عناصر جديدة، تتخذ أساليب جديدة، وستحتاج أجهزة الاستخبارات إلى وقت طويل لحصرها، وتعقبها. فإذا رأينا أن العناصر المتهمة حالياً قد شرعت في التدرب على الحرب الكيمائية، ورأينا أن تصنيع وامتلاك الأسلحة الكيمائية والجرثومية لم يعد صعباً، لأدركنا ضرورة التحرك السريع لتجفيف منابع الإرهاب، بفكر ثاقب لا يقف عند حدود الجهود الاستخباراتية والعسكرية، كما نلمح في الساحة الدولية الآن. إن مما يؤلم المرء اليوم هو أنه بالرغم من أن المجتمع البشري اصبح مجتمعاً كوكبياً، إلا أن السياسيين في كل مكان لا يزالون يديرون الأمور بعقليات زعماء القبائل، وملوك المدن، ورؤساء الدول القومية. إن تصفية الإرهاب تحتاج إلى فكر سياسي جديد، وإلى خلق جديد، فهل نحن مستعدون؟
    .. .. .. .
    طه أبو قرجة
    أول أكتوبر 2001
                  

العنوان الكاتب Date
الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:38 AM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:41 AM
    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:43 AM
      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:49 AM
        Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:50 AM
          Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:51 AM
            Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:52 AM
              Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:53 AM
                Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:54 AM
                  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:55 AM
                    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:55 AM
                      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:56 AM
                        Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:57 AM
                          Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 02:58 AM
                            Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 03:00 AM
                              Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 03:00 AM
                                Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 03:01 AM
                                  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 03:02 AM
                                    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 03:03 AM
                                      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 03:04 AM
                                        Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 03:14 AM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 04:06 AM
    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 04:08 AM
  رد Mohamed fageer04-02-08, 04:30 AM
    Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:05 PM
      Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:07 PM
        Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:08 PM
          Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:09 PM
            Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:10 PM
              Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:11 PM
                Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:12 PM
                  Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:13 PM
                    Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:13 PM
                      Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:14 PM
                        Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:15 PM
                          Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:16 PM
                            Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:23 PM
                              Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:39 PM
                                Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 01:47 PM
                                  Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 02:44 PM
                                    Re: رد عبدالله عثمان04-02-08, 02:59 PM
                                      Re: رد عمار محمد حامد04-02-08, 07:21 PM
                                    Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 00:40 AM
                                    Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:30 AM
                                      Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:34 AM
                                        Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:36 AM
                                          Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:38 AM
                                            Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:40 AM
                                              Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:45 AM
                                                Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:46 AM
                                                  Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:49 AM
                                                    Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:52 AM
                                                      Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 01:58 AM
                                                        Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 02:03 AM
                                                          Re: رد عبدالله عثمان04-04-08, 02:07 AM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-02-08, 07:23 PM
    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:34 AM
      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:35 AM
        Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:36 AM
          Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:37 AM
            Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:39 AM
              Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:40 AM
                Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:41 AM
                  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:42 AM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:45 AM
    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:45 AM
      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:46 AM
        Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:47 AM
          Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:48 AM
            Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:49 AM
              Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:50 AM
                Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:51 AM
                  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:51 AM
                    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:52 AM
                      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:53 AM
                        Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:54 AM
                          Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:55 AM
                            Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 00:56 AM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:02 AM
    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:04 AM
      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:06 AM
        Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:08 AM
          Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:09 AM
            Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:10 AM
              Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:11 AM
                Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:12 AM
                  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:13 AM
                    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:14 AM
                      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:15 AM
                        Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:16 AM
                          Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:17 AM
                            Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 01:18 AM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 03:33 PM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 07:06 PM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 07:44 PM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 10:04 PM
    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 10:05 PM
      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-03-08, 11:34 PM
      Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-04-08, 03:19 AM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-04-08, 00:31 AM
    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! عبدالله عثمان04-06-08, 04:51 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de