الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-19-2024, 08:46 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   

    مكتبة الاستاذ محمود محمد طه
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-16-2008, 10:55 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)
                  

05-16-2008, 10:56 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    وابتسم الأستاذ محمود محمد طه فى وجه الموت


    محمد الحسن محمد عثمان
    قاضى سابق
    [email protected]


    ما أحوجنا فى هذه الايام ان نسترجع ذكرى رجال من قادتنا من الذين ضحوا بارواحهم ثباتا على المبدأ وتضحيه من أجل الوطن ونحن فى أيام يتوارى فيها القاده حتى عن اتخاذ موقف او الثبات على مبدأ ماأحوجنا لاستعادة سيرة رجال فى قامة محمد أحمد الريح الذى رفض الاستسلام وظل يقاتل حتى ضرب المبنى الذى كان بداخله فانهار عليه المبنى ولم ينهار الرجل.

    ومثل شباب الحركه الاسلاميه حسن ورفاقه فى دار الهاتف الذين قاتلوا فى دار الهاتف وهم جوعى فاستمروا فى المقاومه رغم حصارهم وقذفهم بالدانات ولم يستسلموا الابعد ان نفذت ذخيرتهم … وعبد الخالق محجوب الذى تهندم للموت وكانه ذاهب لعرس.
    وفاروق حمد الله الذى فتح صدره للرصاص وقال الراجل بيضربوا بقدام… وبابكر النور الذى ظل يهتف وهو يضرب بالرصاص عاش كفاح الشعب السودانى … ورجال الانصار الذين قاتلوا فى شرف فى 76… واولادنا السمر فى الجبهه الشرقيه الذين ضحوا من أجلنا ولانعرف حتى اسماؤهم وكانوا على استعداد لمواصلة الدرب لولا خيانة قياداتهم السياسيه.
    انه الشعب السودانى سيستعيد يوما سيرته الاولى وسيتجاوز قادته الأقزام ويزيل كل هذا العبث الطافى.

    ومحمود من القاده النادرين الذين عاشوا ماأمنوا به لم يكن فكرهم فى جانب وحياتهم فى جانب آخر…ولو كان قادتنا من أمثال محمود لارتفع صوتهم فى احداث ميدان المهندسين فمحمود كان منزله من الطين فى الحاره الأولى الثورة لم يكن له قصر فى الاسكندريه او شقه فاخره فى القاهره تجعله يختبىء ويفقد صوته عندما تقتطع مصر جزء من وطنه حلايب وشلاتين أو يتوارى عن الانظار عندما يغتال المصريون اطفالنا ويكشفون عورات نساؤنا فى القاهره ….لم يشبع محمود فى الطعام فقد كان نباتيا واختلف مع الذين نادوا على التركيز على افكار الرجل وليس اعدامه وماقيمة الفكر اذا لم يصمد صاحبه ويقبل التضحيات فى سبيله وهل كان الفكر سيلقى كل هذا الزخم ويصمد اذا انهار صاحبه وتاب فى مواجهة الموت … وهل كان الجمهوريين من تلامذته سيرفعون صوتهم اذا انكسر معلمهم …. واين الاب فيليب غبوش الذى هدده نميرى بالاعدام فقال كما ورد على لسانه (قلت ياود يافيلب احسن تلعب بوليتيكا) فلعب الاب فليب بوليتيكا وتاب على روؤس الاشهاد فكسب حياته وضاع فكره .. ويبقى اننى ليس جمهوريا ورايت الاستاذ محمود لاول مره فى ساحة المحكمه كانت الساحه السياسيه فى عام 85 مائجه بعد أحداث اضراب القضاه فى83 وخروج نميرى من هذه المواجهه مهزوما واعلانه بعدها لقوانيين سبتمبر فى محاوله منه لتشتيت الانظار عن تراجعه ومن ناحيه اخرى كان نميرى مرعوبا من الثوره الايرانيه التى اطاحت بالشاه رغم حماية امريكا له فارعب نميرى المد الاسلامى واراد ان يلتف عليه ويتقدم هذا المد …واصدر الاستاذ محمود محمد طه منشور هذا …. او الطوفان

    وقد ذكر الاستاذ فى هذا المنشور ان قوانيين سبتمبر جاءت فشوهت الاسلام فى نظر الاذكياء من شعبنا وأساءت لسمعة البلاد فهذه القوانين مخالفه للشريعه ومخالفه للدين
    وفى فقره اخرى: ان هذه القوانين قد هددت وحدة البلاد وقسمت هذا الشعب فى الشمال والجنوب وذلك بما اثارته من حساسيه دينيه كانت من العوامل الاساسيه التى ادت لتفاقم حرب الجنوب وطالب الاستاذ بالغاء قوانيين سبتمبر وحقن الدماء فى الجنوب واللجؤ للحل السياسى والسلمى.

    تم القبض على الاستاذ محمود وتقديمه لاحدى محاكم العداله الناجزه وقاضيها المهلاوى وهو شاب صغير السن كان قاضيا بالمحاكم الشرعيه وهو قريب النيل ابوقرون مستشار رئيس الجمهوريه وأحد مهندسى قوانيين سبتمبر وكان المهلاوى يعوزه الإلمام بقانون الاجراءت الجنائيه وقانون الجنايات وهذا مايفسر ارتباكه فى ذلك اليوم عندما مثل امامه الاستاذ محمود الذى احضر لمجمع المحاكم بامدرمان ومعه مجموعه مدججه بالسلاح احاطت بالمحكمه … كان الاستاذ يرتدى الزى الوطنى وفى الصفوف الاماميه كان المحامين الوطنيين الذين اعتدنا رؤيتهم فى مثل هذه المحاكمات السياسيه متطوعين مصطفى عبد القادر فارس هذه الحلبات (شفاه الله) وامين مكى مدنى والشامى والمشاوى وعلى السيد وآخرين
    استمع المهلاوى ومن ربكته نسى ان يحلف المتحرى مع انه الشاهد الوحيد وارتجل الاستاذ كلمته الخالده التى ردد فى بدايتها رايه فى قوانيين سبتمبر كما جاء فى المنشور واضاف: أما من حيث التطبيق فان القضاة الذين يتولون المحاكمه تحتها غير مؤهلين فنيا وضعفوا اخلاقيا عن ان يمتنعوا عن ان يضعوا انفسهم تحت سيطرة السلطه التنفيذيه تستعملهم لاضاعة الحقوق واذلال الشعب وتشويه الاسلام واهانة الفكر والمفكرين واذلال المعارضين السياسين ولذلك فانى غير مستعد للتعاون مع أى محكمه تنكرت لحرمة القضاء المستقل ورضيت ان تكون اداه من ادوات اذلال الشعب واهانة الفكر الحر والتمثيل بالمعارضين السياسيين (وماأشبه الليله بالبارحه ياأستاذ) وشكر الاستاذ المحاميين الوطنيين للتطوع عن الدفاع عن الجمهوريين واضاف ان الجمهوريين سيتولون مباشرة قضاياهم بانفسهم

    واصدر المهلاوى حكما باعدام الاستاذ محمود

    فحين يسود الرعب والوهن
    ويبطىء الشهود والقضاء والزمن
    ينفلت القاتل والمقتول يدفع الثمن

    أيدت محكمة استئناف العداله الناجزه الحكم وايده نميرى الذى قال انه بحث فى كل كتب الفقه فلم يجد للاستاذ مخرجا وهذا لا يعقل فكيف رجع نميرى فى ايام معدوده كل كتب الفقه ونميرى لا تمكنه مؤهلاته العقليه من قراءة كتاب المطالعه الاوليه بدون ان يخطىء عشرات الاخطاء.

    جاء يوم 18/1/1985م يوم التنفيذ تقاطر المئات نحو بحرى واغلبهم كان يعتقد ان الاعدام لن يتم لاسباب شتى وبعضهم بين مصدق ومكذب لكل هذه المهزله ان يعدم بشر لاصداره منشورا .. اوقفت العربات للقادمين من الغرب عند خط السكه حديد وساروا على الاقدام متجهين نحو سجن كوبر …. دخلت ساحة الاعدام بسجن كوبر وهى ساحة واسعه فى مساحة ملعب كرة قدم ووجدت مجموعه من الناس جلست على الارض فى الجانب الشرقى وفى الجانب الشرقى كانت منصة الاعدام تنتصب عاليه فى الجانب الجنوبى منها صفت كراسى تحت المنصه مباشره فى الصف الاول مولانا فؤاد الامين رئيس القضاء والمكاشفى طه الكباشى رئيس محكمة استئناف ما أطلق عليه المحاكم الناجزه وبجواره الاستاذ عوض الجيد مستشار رئيس الجمهوريه ومولانا النيل ابو قرون مستشار رئيس الجمهوريه وبجوارهم مولانا محمد الحافظ قاضى جنايات بحرى ومولانا عادل عبد المحمود وجلست فى الصف الاول وكنت اقرب الى المنصه وفى الصفوف الخلفيه ضباط شرطه وسجون… وعلى الحائط الغربى وعلى مسافه من المنصه اصطف الجمهوريين المحكوم عليهم بالاعدام كانوا يلبسون ملابس السجن ذقونهم غير حليقه يبدوا عليهم التشتت وكانوا مقيدين …رجال الامن منتشرين والشرطه باسلحتها منتشره فى المكان …كان هناك رجل طويل القامه بصوره ملفته اسمر اللون يحمل شنطه فى يده يقف خلف المنصه مباشره ونفس هذا الرجل رايته فى المحاكمه … المكاشفى كان يتحرك متوترا ويتبسم حتى والسن الذهبيه تلمع فى فمه .

    احضر الاستاذ محمود محمد طه يرتدى زى السجن مقيد الرجلين مغطى الوجه بغطأ احمر… اقتيد حتى سلم المنصه حاول السجانان الممسكان به مساعدته فى الصعود الى المنصه ولكنه لم يعتمد عليهم تقدمهم وبدأ يتحسس السلالم بقدمه ويطلع درجه بعد درجه

    انتصب الاستاذ محمود واقفا فوق المنصه وهو مغطى بالغطأ الاحمر … تلى مدير السجن من مكرفون مضمون الحكم وتلى أمر التنفيذ ….الاستاذ محمود ذو 76 سنه واقف منتصب .. حبل المشنقه يتدلى بجواره …قرىء عليه أمر تنفيذ الاعدام عليه ويمسك المكاشفى بالميكرفون ليسمع الاستاذ آخر كلمات فى هذه الدنيا فيسب الاستاذ محمود ويشير اليه فى كلمته بهذا المرتد الذى يقف امامكم .. وتستمر الكلمه زمن والمكاشفى يزبد ويرقى .. يطلب السجان من الاستاذ محمود ان يستدير يمينا .. ويستدير الاستاذ ويواجهنا تماما يتم كشف الغطاء عن وجه الاستاذ .. يبتسم الاستاذ وهو يواجه القضاة الذين حكموا باعدامه ابتسامه صافيه وعريضه وغير مصنوعه .. وجهه يشع طمأنينة لم أرها فى وجه من قبل …قسماته مسترخيه وكانه نائم …كان يشوبه هدوء غريب …غريب ..ليس فيه ذرة اضطراب وكأن الذى سوف يعدم بعد ثوانى ليس هو … والتفت الى الجالسين جوارى لارى الاضراب يسودهم جميعا .. فؤاد يتزحزح فى كرسيه وكاد يقع ..عوض الجيد يكتب حرف نون على قلبه عدة مرات .. والنيل يحتمى بمسبحته فى ربكه (النيل تعرض لاتهام بالرده فى عهد الانقاذ وتاب) كان الخوف والرعب قد لفهم جميعا والاستاذ مقيد لاحول له ولاقوه …ولكنه الظلم جعلهم يرتجفون وجعل المظلوم الذى سيعدم بعد لحظات يبتسم !!التف الحبل حول عنق الاستاذ محمود كان مازال واقفا شامخا (قيل ان الشيخ الترابى حضر مره قطع يد سارق فاغمى عليه) وسحب المربع الخشبى الذى يقف عليه الاستاذ وتدلى جسده (وكذب من قال انه استدبر القبله) هتف الرجل طويل القامه الواقف خلف المنصه .. سقط هبل .. سقط هبل ردد معه بعض الفغوغاء الهتاف .ويحضرنى صلاح عبد الصبور فى ماساة الحلاج

    صفونا .. صفا .. صفا
    الاجهر صوتا الاول والاطول
    وضعوه فى الصف الاول
    ذو الصوت الخافت والمتوانى
    وضعوه فى الصف الثانى
    أعطوا كل منا دينار من ذهب قانى
    براقا لم تمسسه كف
    قالوا صيحوا زنديق كافر
    صحنا زنديق كافر
    قالوا صيحوا : فاليقتل انا نحمل دمه فى رقبتنا
    صحنا:فاليقتل ان نحمل دمه فى رقبتنا

    كان هناك من هتف من بين الجمهور شبه لكم .. شبه لكم
    تم القبض عليه وتم ضربه اما رئيس القضاء اوقفهم مولانا محمد الحافظ (عرفت من الاستاذ بشير بكار الدبلوماسى السابق انه هو الذى هتف) خرج الحضور من القضاة عن طريق سجن كوبر….وعندما مروا بزنزانات المعتقلين السياسيين كان هتافهم يشق عنان السماء

    محمود شهيد لعهد جديد … لن ترتاح ياسفاح … مليون شهيد لعهد جديد … لم يغطى على هذا الهتاف حتى أزير الطائره التى يقودها فيصل مدنى وحملت جثمان الشهيد لترمى به فى وادى الحمار (وهذا حسب ماتسرب لاحقا) وكان محمود شهيد لعهد جديد .. وسقطت مايو

    بعد 76 يوما من اعدام الاستاذ

    هادئا كان آوان الموت
    وعاديا تماما
    وتماما كالذى يمشى
    بخطو مطمئن كى يناما
    وكشمس عبرتها لحظة كف غمامه
    لوح بابتسامه
    قال مع السلامه
    ثم ارتمى وتسامى
    وتسامى……وتسامى
                  

05-17-2008, 02:57 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    البروفيسور عبدالله أحمد النعيم لـ(الصحافة)«3 - 4»
    الإسلام هو الأقدر من الفكر الفلسفي على تحقيق الاشتراكية
    حاوره في واشنطن: صلاح شعيب

    بروفيسور عبدالله أحمد النعيم يعتبر وجهاً مشرفاً للمفكرين السودانيين في المحافل الإقليمية والدولية، واستطاع ببحوثه وكتبه الفكرية القيمة حول الإسلام والمسلمين وحقوق الإنسان وقضايا التحرر الإنساني والقانون الدولي أن يقدِّم مساهمات ثرّة في الجدل الدائر منذ فترة عن هذه المواضيع الشاغلة للذهن الإسلامي بشكل خاص والإنساني بشكل عام. فوقاً عن ذلك أسهم النعيم في ترجمة بعض الكتب من الإنجليزية إلى العربية والعكس ولعل آخر اسهاماته في هذا المضمار نقله رواية البروفيسور فرانسيس دينق إلى قراء العربية »طائر الشؤم«.
    وفي المجال الأكاديمي، والذي استهل مشواره محاضراً في جامعة الخرطوم التي تخرج فيها، عمل بالعديد من الجامعات العربية والأفريقية والأوربية والأمريكية محاضراً واستاذاً زائراً. وظل على مدار العقدين الماضيين يسهم في مجال تخصصه »القانون الدولي« حيث يعمل الآن استاذا للقانون بجامعة ايموري بالولايات المتحدة، وشارك بتقديم المحاضرات وأوراق العمل حول تلك القضايا الفكرية والسياسية التي إنشغل بإجلاء وجهة نظره حولها، وبالتوازي مع هذه المجهودات الأكاديمية الرفيعة شارك في العديد من المؤتمرات الفكرية حول العالم وانصب عمق مشاركاته داخل الولايات المتحدة التي استقر بها.
    وبوصفه تلميذاً وفياً لأستاذه محمود محمد طه، والذي قدّم نفسه شهيداً في ميدان الفكر الديني والسياسي، لعب البروفيسور النعيم مع بعض تلاميذ آخرين للأستاذ دوراً مقدّراً في إبراز وتوضيح وتفسير مقولات مؤسس الفكر الجمهوري عبر العديد من الكتابات والندوات الثقافية.
    وأخيراً صدر للبروفيسور النعيم كتاب جديد حول العلمانية بالإنجليزية -وترجم إلى ثماني لغات- وصاحب هذا النشر تلبية لعدد من الدعوات لتوضيح الفكرة الاساسية للكتاب وقدم إلى منطقة واشنطن بدعوة من قسم الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة جورج تاون وقدم محاضرة هناك، وأعقبها بأخرى أقامتها مدرسة الجالية السودانية بالميرلاند بالتعاون مع الجالية السودانية.
    (الصحافة) انتهزت فرصة وجود البروفيسور عبدالله أحمد النعيم وأجرت معه هذا الحوار الذي تطرّق لعدد من القضايا، فإلى الجزء الثالث منه:
    * هل انتهت فاعلية التنظيم في الحزب الجمهوري، وهل يعاني الحزب من أزمة قيادة وهل لا زلت جمهوريا وتصنف هكذا..أم أنك تجاوزت الفكرة الجمهورية فكريا؟
    ـ الحزب الجمهوري لم يكن حزبا سياسيا في يوم من الايام وإنما هو إطار تنظيمي لتقديم نموذج النبي عليه الصلاة والسلام كمنهاج في التربية الذاتية واشاعة العدل والسلام بين الناس وقد عاش الاستاذ محمود على ذلك النموذج ومات عليه وبذلك قدم التجربة العلمية المعاصرة والدليل العملي على صحة هذا المنهاج وحياة وفكر الاستاذ محمود متوفر للجميع وليس وقفا على تلاميذه الذين يعرفون بإسم الاخوان الجمهوريون فكل من اقتنع والتزم بممارسة المنهاج النبوي كما قدمه الاستاذ محمود معاشا في الدم واللحم فهو جمهوري، وكل من تنازل عن تلك القناعة والالتزام فليس بجمهوري حتى ولو كان في يوم من الايام من قيادات حركة الاخوان الجمهوريون بالسودان. هذه هي القاعدة التي ارى بها بحيرات الايام والتجارب الشخصية لكل من اطلع أو يمكنه الاطلاع على فكر وحياة الاستاذ محمود محمد طه.
    أما عني شخصيا فانا تلميذ للاستاذ محمود وارجو أن أكون أهلا لهذا الشرف العظيم في حقيقة حالي واقوالي واعمالي جميعها. وحسب علمي وجهدي وقناعتي الشخصية فأنا لم أتجاوز الفكرة الجمهورية ولا ينبغي لي، وإنما كل محاولاتي أن أكون صادقا وامينا في اتباع هذه الفكرة قدر جهدي وطاقتي .. فكل همي أنني دون هذه القامة لانها غاية سرمدية لا تنتهي ولأنها هي الاسلام. فقولي بإني لا يمكن أن اتجاوز الفكرة الجمهورية هي قولي.. أرجوا أن ابقى على الاسلام حتى يتوفاني الله.
    * قلت سابقا أن «الفكرة الجمهورية لا تقدم منهج اتفاق حول كل القضايا» ولكنك في ذات الوقت تؤكد أنها منهج الطريق النبوي، هل هذا يعني أن الفكرة الجمهورية هي مبادئ عامة أكثر من كونها منهج تفكير مساعد في فهم تفاصيل الواقع...؟
    ـ الفكرة الجمهورية هي دعوة للإسلام ويصح في حقها ما يصح عن الإسلام، وفي الإسلام المبادئ العامة وفيه كذلك منهج تفكير وعمل يساعد المسلم في فهم تفاصيل الواقع. ومعلوم أن كبار الصحابة قد اختلفوا في كثير من الأمور الكبرى التي واجهت مجتمعهم الأول بعد انتقال النبي عليه الصلاة والسلام إلى الرفيق الأعلى، كما جرى في أمر ما يسمى بحروب الردة حين خالف عمر أبي بكر في قوله بوجوب قتال القبائل التي منعت الزكاة عن بيت المال. وكما هو الحال في الإسلام، فإن المبادئ العامة تعين على تقريب وجهات النظر حتى أن الخلافات بين المسلمين إنما تكون في مدى محدود وبطريقة تعين على تحقيق الاتفاق من خلال الحوار الموضوعي المؤدب وسعة الصدور على احتمال الخلاف في المكان الأول. وهذا صحيح في حق الفكرة الجمهورية كما هو صحيح عن الإسلام نفسه.
    * برغم تأكيك هذا إلا أننا نلاحظ أن وجهات النظر بين الاخوة الجمهوريين حول بعض المسائل الفقهية والسياسية تختلف بين شخص وآخر. ألا يطرح هذا الاختلاف سؤالا حول قدرة الفكرة الجمهورية في إعطاء منهج راسخ في معالجة مشاكل الواقع، خصوصا وأنك تقول إنها تتبع الطريق النبوي الصحيح ؟
    ـ بما أن الفكرة الجمهورية هي الإسلام كما قلت فإنها لا تمنع تلاميذ الاستاذ محمود من الاختلاف حول بعض القضايا، بل من المتوقع الخلاف بين الجمهوريين لأن تحقيق الأصالة في إطار تقليد النبي عليه الصلاة والسلام هو الغاية المطلوبة لتلاميذ الاستاذ محمود، فبما أن الاصالة والفردية هي الغاية فإن الفكرة الجمهورية لا تقدم منهجا للأتفاق حول كل القضايا وإنما منهجها هو منهج لإحترام الرأي الآخر والسماحة والسعة لبعضنا البعض عندما يكون بيننا اختلاف الرأي، فليس العبرة بالاتفاق السطحي تفاديا لمظهر الاختلاف، وإنما هي في تنظيم مناهج الحوار الودي والتفرد في معارج الحرية الفردية.
    * هناك جدل متواصل حول الفكر الماركسي في أعقاب نهاية تجربة الاتحاد السوفيتي، كقارئ للفكر الماركسي هل ترى أن الماركسية تحمل الاجابة على أسئلة الصراع الانساني..وهل تفرق بين النظرية والممارسة لتخلص إلى القول ـ مثلا ـ أن الماركسية ستظل اضافة جذرية للفكر الانساني وتبقى نظرية علمية لم يتم تجاوزها حتى الآن؟
    ـ الفكر الماركسي هو أحد الروافد للفكر الفلسفي والسياسي الانساني بصورة عامة، وله في ذلك مساهمات مفيدة كما أجد فيه نقاط ضعف عميقة وخطيرة من المنظور النظري..وقد ظهر بصورة واضحة لدى الممارسة العملية في الاتحاد السوفيتي وغيره من الأنظمة الماركسية خلال القرن العشرين، وقد كان من الخطا الزعم بأن الفكر الماركسي يقدر منفردا على حل جميع المشاكل التي تواجه البشرية وكذلك من الخطأ اليوم رفض كل ما يتعلق بالفكر الماركسي كأنه باطل مطلق لا يقدر على المساهمة في حل المشاكل. فمساهمات ماركس في فهم علائق الانتاج وطبيعة الصراع الطبقي مقبولة عندي إلا أني أعارض رفضه للدين وتضحيته بالفرد في سبيل الجماعة فالفرد عندي هو الغاية والمجتمع من اهم وسائلها.
    * قلت إن النظام الاشتراكي المقصود عند الأستاذ محمود يساهم في الاستجابة لضروريات الحياة، هل هناك علاقة لمرجعية الاشتراكية في الفكرة الجمهورية بالإسلام أم أن الاستاذ وظف الفكر الاشتراكي في سياقه الفلسفي الحديث ..؟
    ـ في اعتقادي إن الإسلام هو الأقدر من الفكر الفلسفي على تحقيق الاشتراكية، بل إن الاشتراكية عندي لا تحقق إلا من خلال الإسلام. ففي التعريف البسيط والمباشر، الاشتراكية تعتمد على استعداد الإنسان على استهلاك أقل مما ينتج، كما تعتمد على إقامة الإنسان نفسه رقيباً على سلوكه في السر والعلن بدلا من الاعتماد على رقابة ومحاسبة أجهزة الدولة التي تتعرض لعوارض الفساد والغرض. والتربية الدينية هي الأقدر على ضمان هذه الشروط لتحقيق الاشتراكية أكثر من الفكر الفلسفي.
    هناك جوانب عديدة لهذه المسألة لا يمكن معالجتها في هذا المجال الضيق، ولكن يمكن الإشارة بإيجار إلى أمرين قد يتبادرا إلى ذهن القارئ. أولاً الإسلام المقصود في هذا الحديث هو القوة الفاعلة الكبرى في تحقيق مكارم المعاملة بمنهج النبي عليه الصلاة والسلام، في صدق وإخلاص، وهذا لا يكون بإكراه الأجهزة الرسمية فيما يسمى بالدولة الإسلامية. ولهذا فأنا (عبد الله أحمد النعيم) أعارض مفهوم الدولة الإسلامية لأنه يتعارض مع منهج النبي عليه الصلاة والسلام في التربية. والأمر الآخر هو أن هذا لا يعني الاستغناء عن الدولة نفسها أو رفض أي دور للأجهزة الرسمية.
    فللقانون والقضاء والإدارة وأجهزة الأمن دور هام في تحقيق الاشتراكية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية على أن يقوم كل ذلك على قاعدة التربية الدينية الخاصة والخالصة. فالاعتماد على أجهزة الدولة في غياب التربية هو عبث لا يجدي لأن التربية هي أساس عمل تلك الأجهزة. فإذا قامت التربية على منهج النبي على الصلاة والسلام في العبادة والعمل في خدمة الناس فيمكن لأجهزة الدولة القيام بدورها الصحيح.
    * كأنك بهذا تقول إن الاشتراكية فكرة سابقة على المناهج العلمية الحديثة، كما أن ردك يوحي بأن الاسلام لا يتناقض مع الاشتراكية.؟
    ـ فكرة الاشتراكية لم تبدأ بالماركسية ولم تنته معها ولا تعدو الماركسية أن تكون أحد المناهج أو المداخل على الاشتراكية وقد فشلت التجربة الماركسية السوفيتية إلا أن ذلك ليس فشل لمفهوم الاشتراكية نفسها وأعتقد أن المنهج الديمقراطي أقدر على تحقيق الاشتراكية والمحافظة عليها من المنهج الشمولي لرأسمالية الدولة الذي كان ساريا في الاتحاد السوفيتي والصين الماووية.
    * وكيف ترون مسألة البنوك الاسلامية التي قدمها الاتجاه الاسلامي كأجتهاد فقهي وما هو موقفك من الربا بوصف أنه محرم بنصوص من القرآن الكريم؟
    ـ أبدأ بتكرار القول إني لا أتحدث بإسم الاستاذ محمود محمد طه ولا ينبغي لي ولا نيابة عن الجمهوريين وإنما فقط أصالة عن نفسي وعلى مسؤوليتي الشخصية فأنا عبد الله النعيم أقول بأن فكرة البنوك الاسلامية هي خدعة كبرى وتحايل على تحريم الربا من أجل تكديس الاموال والثروات في أيدي قيادات الاسلام السياسي وفي خدمة مآرب ذلك المشروع، وقد جلبت فكرة البنوك الاسلامية أوخم العواقب السياسية والاقتصادية على السودان بالتحديد منذ ادخال هذا النظام الربوي المستتر في نهاية العقد السابع من القرن لعشرين وأنا أقول كذلك إن تحريم الربا هو الحكم الشرعي الواجب على كل مسلم ومسلمة ولكن هذا لا يعني تحريم الدولة التعامل مع البنوك وبيوت الاعمال..على هذا الاساس على الدولة عدم التدخل في هذا المجال وللمسلم الالتزام بواجب تجنب الربا في تعاملاته وحسب فهمه لمعنى ومدى تحريم الربا شرعا.
    * كتابك الجديد يعزز أهمية العلمانية في واقع المجتمعات الإسلامية، والبعض من المفكرين السلفيين يعتبرونها تتعارض مع الإسلام وأنها بضاعة مستوردة نشأت في سياق تاريخي مختلف عن واقع المسلمين ... هل هناك استنادات من القرآن الكريم والسنة النبوية تؤكد ضرورة فصل الدين عن الدولة ..؟
    ـ كما كان الأستاذ محمود طه يؤكد باستمرار فإن العبرة هي في فهم النص وليس في توهم وجود نص قطعي لا يقبل الاختلاف في الفهم. صحيح أن الآية 7 من سورة آل عمران تقول أن من القرآن آيات محكمات هن أم الكتاب، لكن القرآن لا يحدد ما هي هذه الآيات المحكمات كما أن البني عليه الصلاة والسلام لم يحددها في السنة. فأي الآيات محكم وأيها من المتشابهات هي في مجال الفهم والاختلاف بين المسلمين، مثل موضوع تفسير كل القرآن والسنة النبوية المطهرة.
    وحقيقة الأمر في الدولة هي أولا أنه لا يوجد نص قطعي بوجوب الدولة الإسلامية ولا بضرورة فصل الدين عن الدولة. وأكثر من ذلك، فإن مفهوم الدولة لا يرد في القرآن على الإطلاق ولا مرة واحدة. كما أن القرآن دائما يخاطب الفرد المسلم والجماعة المسلمة، ولا يخاطب مؤسسة أو هيئة يمكن وصفها بأنها الدولة، ولا يستقيم عقلا أن يخاطب القرآن غير الإنسان المكلف شرعا. لذلك فنقرر أن حجة من يدعو إلى ما يسمى بالدولة الإسلامية أو يعارضها إنما تقوم على فهم نصوص وملابسات موضوعية في أمور تنظيم شئون السياسة والحكم والقضاء وما إلى ذلك. هذه الحقيقة واضحة في غياب أي خطاب عن الدولة الإسلامية بين علماء المسلمين على مدى التاريخ قبل القرن العشرين، وإن مفهوم الدولة الذي تقوم عليه دعاوى المودودي وسيد قطب وغيرهم ممن ابتدعوا مفهوم الدولة الإسلامية في أواسط القرن العشرين هو مفهوم أوروبي للدولة الاستعمارية التي تقوم عليها أحوال المسلمين اليوم. وأنا أقبل ضرورة الدولة في إدارة أمور المجتمعات الإسلامية كغيرها من المجتمعات الإنسانية على مدى التاريخ البشري، وإنما يقوم اعتراضي على وصف الدولة بأنها إسلامية لأن هذا القول يزعم قداسة الإسلام لمؤسسة هي بالضرورة بشرية وهي بذلك عرضة للخطأ والظلم وعن ذلك يتسامى الإسلام.
    ولعله من المفيد أن نشير إلى الآيات 44 إلى 47 من سورة المائدة التي كثيرا ما تساق للدليل على وجوب الدولة الإسلامية. والسؤال هنا من هو المخاطب بهذه الآيات وغيرها من النصوص المتعلقة بالحكم بالعدل والقسط. بحكم طبيعة القرآن والإسلام نفسه، فهذه النصوص إنما تخاطب الفرد المسلم والجماعة المسلمة، في إقامة ما أنزل الله في حكم أنفسهم أولاً، فإذا فعلوا فسوف ينعكس ذلك على إدارتهم لأمور الدولة. ولكن بما أن الدولة هي جهاز مشترك لجميع المواطنين، فإن إتباعها لأحكام الإسلام إنما يكون من خلال أخلاق وأعمال القائمين على أداء المهام والأدوار المختلفة، وليس من خلال توهم أن الدولة أو أجهزتها يمكن أن تكون إسلامية بصورة مباشرة. وكما يجري التفصيل في كتابي عن علمانية الدولة، فمن الضروري التمييز بين الإسلام كدين والدولة كمؤسسة بشرية حتى لا يقع التضليل على المسلمين بأن أعمال الدولة هي الإسلام نفسه، مما يجعل المعارضة السياسية للحزب بالحاكم خروج على الإسلام
    * قلت أنه لا ينبغي الحكم على المجتمعات الإسلامية بما عليه الآن في إطار حديثك عن الصراع بين السنة والشيعة .. ولكن يبدو أن هذا الصراع سيؤثر على مستقبل المسلمين نظرا للمد الشيعي الذي وجد مساحات للعمل في أفريقيا والعالم العربي.. وماذا تقول عن المظالم التاريخية التي يشكوا الشيعة أن السنيين اقترفوها في العراق وأجزاء أخرى من العالم العربي..؟
    ـ ما قصدت إلا القول إن الاختلاف بين المذاهب السنية والشيعية وحتى داخل كل مذهب مسألة قديمة وطبيعية، ولن تنتهي ولكن يجب التمييز بين هذا والصراع السياسي بين قطاعات الصفوة الحاكمة التي تنتسب للمذاهب السنية أو الشيعية، وهو صراع يجري بين الصفوات الحاكمة التي تنسب إلى نفس المذهب السني أو الشيعي، كما نرى اليوم فى السودان و إيران، كما يحدث بين اهل المذاهب المختلفة. وقد كانت هذه الصراعات كذلك على مدى التاريخ الإسلامي، وفيها تعرض بعض أهل السنة للظلم من الشيعة، وكذلك تعرض بعض الشيعة للظلم من أهل السنة. فقولي أنه يجب أن نفهم هذه الظواهر والصراعات، مذهبية كانت أو سياسية، كمسائل تتعلق بالطبيعة البشرية وكيف أن «كل قوم بما لديهم فرحون» كما يخبرنا القرآن. وهذا قائم الآن بين الدول العربية فيما بينها، رغم ان الحكام فيها ينتسبون للمذاهب السنية.
    فبدلا من توهم أن الاختلاف المذهبي أو الصراع السياسي يمكن أن ينتهي تماما، على كل منا أن يركز على تقصيره هو في فهم الإسلام والالتزام بأخلاقه السمحة، وأن تتسع صدورنا للاختلاف ونقيد شهواتنا في السلطة والجاه... فإذا فعلنا أمكننا ان نضيق من شقة الخلاف وأن نرفع الظلم عن بعضنا بعضاً عندما نختلف سياسياً. فليس المشكلة في الاختلاف ولا في الصراع، وإنما في التشدد والفجور في الخصومة، والذي يكون حتى بين أعضاء الجماعة السياسية الواحدة كما نرى الآن بين قيادات الجبهة القومية الإسلامية في السودان.
    * التجربة التركية، هزيمة النخبة العلمانية في الانتخابات الاخيرة..ثم عودة حزب العدالة والتنمية الاسلاموي للسلطة هل هذه مؤشرات على فشل العلمانية في تركيا ورغبة نحو البرنامج الاسلامي..؟
    ـ التجربة التركية الراهنة هي تصحيح لمفهوم الدولة العلمانية ومراجعة لتطرف الجمهورية الاتاتوركية، فحزب العدالة والتنمية يقبل ويلتزم بمبدأ الدولة العلمانية في تركيا ولذلك لا يمكن اعتبار استمراره في الحكم هزيمة أو فشل العلمانية كما يقول سؤالك وهنا نميز بين رأي وفهم الصفوة الاتاتوركية في الدولة العلمانية على المنهج الفرنسي والفهم الاصح للدولة العلمانية في كتابي عن «علمانية الدولة» فصل كامل في تقييم التجربة التركية وهو نقد للتطرف العلماني بنفس القدر الذي انتقد به مفهوم الدولة الاسلامية..

    http://www.alsahafa.sd/News_view.aspx?id=48475
                  

05-17-2008, 11:54 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    كيف نوفق بين حرية المعتقد في القرآن وحد الردة في السنة




    لا إكراه في الدينتعتبر قضية الردة من المواضيع الخلافية التي اشتد حولها النقاش في السنوات الأخيرة وذلك لصدور فتاوى وأحكام قضائية – بل وتهديدات مؤخراً - عديدة تعلن ردة بعض المفكرين والأدباء المسلمين. ولذلك شن الغرب حملات تشهير ضد الإسلام بصفته ديناً يعتدي – بزعمهم - على أعلى قيم العصر وهي الحرية. وإشكالية حد الردة في الإسلام تكمن في كون القرآن الكريم يدعو إلى حرية المعتقد بصورة واضحة لا تحتمل اللبس ولا التأويل: (وقل الحق من ربكم، فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر). ولكن السنة النبوية الشريفة توجد بها أحاديث تدعو إلى قتل المرتد، وهناك أيضا قضية حروب الردة. فكيف نوفق بين حرية المعتقد من جهة وحد الردة من جهة أخرى؟ يطرح الشيخ الدكتور طه جابر العلواني في كتابه الذي يحمل عنوان «لا إكراه في الدين» اجتهاده في إشكالية حد الردة، التي يخشى الكثير من علماء الدين المعاصرين الاجتهاد فيها والجدير بالتذكير أن معظم علماء الدين المحافظين والتقليديين ينتقدون اجتهادات بعض المفكرين المعاصرين في موضوع حد الردة نظراً لأنهم، كما يقولون، مجرد مثقفين لم يتخصصوا في الشريعة الإسلامية ولا يملكون الأدوات العلمية لجعل اجتهاداتهم تكتسب أية مصداقية. ومن هنا تكمن أهمية هذا الكتاب، لأن مؤلفه ليس مجرد مثقف عادي أو مفكر إسلامي غير متخصص، بل شيخ أصولي وعالم دين عراقي حاصل على الدكتوراه في أصول الفقه من جامعة الأزهر عام 1973. وهو عضو المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، وعضو مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة، ورئيس جامعة قرطبة بالولايات المتحدة، والرئيس السابق للمجلس الفقهي لأمريكا الشمالية. ومصدر قوة هذا البحث أنه لم يخضع للمؤثرات الليبرالية في تفسير مفهوم الحرية، بل استعمل المنهج الإسلامي الأصيل في التعامل مع الخطاب القرآني والنبوي.

    ويعترف العلواني بحساسية الاجتهاد في هذا الموضوع وخطورته، إذ يشير في المقدمة أنه أعد مسودة هذا الكتاب عام 1992 ولكنه تردد في نشره خوفاً على علاقات المعهد العالمي للفكر الإسلامي في أمريكا الذي كان يرأسه آنذاك مع بعض المؤسسات الدينية المحافظة في العالم العربي. ولكنه بعد تركه رئاسة المعهد، وتقدمه في العمر، قرر نشر هذا البحث الجريء خوفا من كتمان العلم رغم ما قد يسببه له من إحراج شخصي مع تلك المؤسسات. ومن دون شك أن مثل هذا الاعتراف مؤسف للغاية، ويصور بدقة البيئة المحيطة بحرية الاجتهاد والبحث العلمي في القضايا الدينية.


    الشيخ الدكتور طه جابر العلوانيويشير العلواني إلى أن حد قتل المرتد أصبح في حكم المجمع عليه رغم مخالفته لآراء فقهاء كبار لهم وزنهم مثل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وإبراهيم النخعي، وسفيان الثوري، وغيرهم. ولذلك فهو يشكك في دعوى الإجماع. ولولا تحديات الحضارة المعاصرة التي جعلت النقد والمراجعة خطوات منهجية لها صلاحية مطلقة في تناول أي شيء بالنقد والتحليل لما فُتح ملف الحديث والجدل حول هذا الموضوع في العصر الحديث منذ جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده مروراً بمحمود شلتوت ومحمد أبو زهرة إلى حسن الترابي وغيرهم في وقتنا هذا.

    ويستعرض العلواني أشهر قضايا الردة في العقود الثلاثة الأخيرة. فيتطرق إلى قضايا محمود محمد طه، وسلمان رشدي، وفرج فودة، ونصر حامد أبو زيد، وحسن حنفي، ونوال السعداوي، وأخيراً الأفغاني عبد الرحمن عبد المنان. وبسبب تلك القضايا – يقول العلواني - اشتد هجوم الغرب على الإسلام كدين متهم بهدر حقوق الإنسان. ويتساءل العلواني - بذكاء – قائلا: لو كان حد الردة قائما ومطبقا في بلاد المسلمين كلها، هل كان أولئك الذين تبنوا تيارات فكرية إلحادية أو مناقضة للإسلام ثم عادوا من أنفسهم ودون تدخل قضائي ليكتشفوا هويتهم، ويتبنوا من جديد نهج الإسلام، هل كان هؤلاء اليوم أحياءً يدافعون عن الإسلام؟ وهذا السؤال الجوهري هو ما دفع العلواني لدراسة حد الردة. وهو يؤكد أن قضية البحث الأساسية هي الردة الفردية المسالمة بمعنى: تغيير الإنسان عقيدته بطريقة مسالمة ليس فيها رفع للسلاح أو خروج على الجماعة أو دعوة لهدم الإسلام.

    ثم يناقش العلواني حقيقة الردة في القرآن الكريم. فيسرد ويفسر الآيات المتعلقة بهذه القضية. ومن ذلك يتضح أن حرية العقيدة في القرآن أحيطت بسائر الضمانات القرآنية التي جعلت منها حرية مطلقة لا تحدها حدود، وأن القرآن المجيد لا يحتوي على حد للردة أو عقوبة دنيوية لها، لا إعدام ولا دون ذلك، ولم يشر لا تصريحا ولا على سبيل الإيماء إلى ضرورة إكراه المرتد على العودة إلى الإسلام، وأن العقوبة على الردة هي عقوبة أخروية موكولة إلى الخالق لقوله تبارك وتعالى ?ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون?.

    ويتناول العلواني قضية الردة في السنة النبوية حيث يشير إلى أنه يستحيل عقلا وشرعا أن يأتي في السنة النبوية - الثابتة الصحيحة - شيء يناقض مبادئ القرآن الكريم، فضلا عن أن ينسخه. وإذا كانت مبادئ القرآن الكريم قد حددت بوضوح إطلاق حرية الاعتقاد، وأحاطتها بسائر الضمانات، وجعلت جزاء المرتد لله تعالى في الدار الآخرة، فلا يتوقع من السنة أن تأتي على خلاف ذلك. خاصة وأن هذا الأمر لم يرد في آية واحدة، أو اثنتين، بل جاء في ما يقارب مائتي آية بينة وكلها متضافرة على تأكيد حرية الاعتقاد. ونطالع سردا لعدد من وقائع الردة التي حدثت في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم قبل وبعد الهجرة إلى يثرب لنخلص منها أن الرسول لم يقتل مرتدا أو زنديقا طيلة حياته إلا في حالة كونه مرتكبا لجريمة أو محاربا.

    ثم يعرض العلواني للسنة القولية وأشهرها حديث «من بدل دينه فاقتلوه» فيورده بكل طرقه ومتابعاته وأقوال العلماء فيه. ويخلص العلواني إلى أن هذا الحديث حديث آحاد يعد في المراسيل في الغالب، ولا يؤخذ على إطلاقه ومعناه الحرفي، بل يرتبط بواقعة محددة وهي مؤامرة اليهود التي ذكرها القرآن الكريم «وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون» بهدف تحطيم الجبهة الداخلية للمسلمين وزعزعة ثقتهم بدينهم، خاصة من هم حديثو عهد بالإسلام. وبدون مثل هذا التقييد، يؤدي الأخذ بهذا الحديث على إطلاقه إلى نسخ أو إيقاف العمل بما يقرب من مائتي آية قرآنية كريمة نصت على إطلاق حرية الاعتقاد، ونفي الإكراه على الدين، وعدم ترتب أي عقوبة على مبدل دينه في الدنيا إذا كان مسالماً ولم يرتكب جرائم أخرى كما ذكرنا سابقاً. وهذا ما لا يقبله العقل. ويستشهد المؤلف كذلك برد الرسول على من اقترح عليه قتل بعض المنافقين: «لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه».

    ثم يناقش العلواني مذاهب فقهاء جميع الطوائف الإسلامية ليخلص إلى أن هؤلاء الفقهاء كانوا يعالجون جريمة مركبة غير التي نعالجها اختلط فيها السياسي والقانوني والاجتماعي بحيث كان تغيير المرتد دينه يصاحبه خروج على المجتمع والقيادة السياسية والنظم التي تتبناها الجماعة.

    أما بخصوص حروب الردة، فيؤكد العلواني أنها كانت سياسية في المقام الأول. فهي لم تكن بسبب الامتناع عن أداء الزكاة فقط، بل لإلزام مواطنين هددوا وحدة الأمة وسيادتها واستقرارها على الخضوع للسلطة الشرعية.

    ويخلص العلواني في نهاية بحثه القيم إلى أن الإنسان المكرّم المستخلف المؤتمن أكبر عند الله وأعز من أن يكلفه ثم يسلب منه حرية الاختيار، بل إن جوهر الأمانة التي حملها، والتي استحق بها القيام بمهمة الاستخلاف، إنما يقوم على حرية الاختيار التامة الكاملة: ?لا إكراه في الدين?.

    أخر خبر تفتح باب النقاش الجاد الملتزم حول هذا الموضوع لقرائها الذين نتمنى عليهم ردودا مختصرة وذات معنى وعلى الخير والمحبة دوما نلتقي .
    {mosextranews off}

    http://www.akherkhabar.net/index.php?option=com_content...view&id=24&Itemid=40
                  

05-17-2008, 11:55 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    شاكر النابلسي: العلمانية ستنتصر في العالم العربي وجرائم الإرهاب هي النزع الأخير للأصولية




    د. شاكر النابلسيتوقع المفكر الليبرالي الامريكي من أصل أردني شاكر النابلسي انتصار العَلْمانية في نهاية المطاف في العالم العربي، معتبرا أن العَلْمانية هي الحل الأمثل لإقامة دولة ومجتمع ديمقراطي.

    وقال في حديث نشرت صحيفة الأيام البحرينية أجزاءا منه وينشره موقع آفاق كاملا إن "جرائم الإرهاب التي ترتكب هذه الأيام ما هي إلا النزع الأخير للأصولية، ودليل على كسح العَلْمانية ومبادئها للعالم العربي".

    لكن النابلسي استدرك بالقول "إن الدولة الدينية القائمة الآن في إيران وفي غزة، هي شرط من شروط تحقيق التجاوز إلى الدولة العَلْمانية كما سبق وقال الفيلسوف هيجل. فلا بُدَّ أن نمر بمرحلة الدولة الدينية لكي نتجاوزها إلى الدولة العَلْمانية. وأنا أنتظر بشوق كبير حكم حركة الإخوان المسلمين في مصر وغير مصر، لكي نستطيع تجاوز الدولة التي سيقيمونها إلى الدولة العَلْمانية وبدون ذلك فلن نحقق التجاوز المنشود".

    واستبعد النابلسي أن تتحقق شراكة حقيقية بين الإسلامويين والعَلْمانيين في إدارة شئون الدولة، قائلا "من الصعب أن تتحقق مثل هذه الشراكة، في ظل سعي الإسلامويين لإقامة دولة دينية. أما إذا تخلّوا عن هذا المطلب، فالشراكة ستكون مثمرة".

    وفيما يلي النص الكامل للمقابلة:

    1- ما مفهوم العَلْمانية لديك؟ وكيف تراها؟
    العَلْمانية تعني فصل الدين عن الدولة، وإبعاد رجال الدين عن العمل بالسياسة وعدم السماح للأحزاب الدينية بالعمل. وكل هذا من أجل مصلحة الدين، لكي يبقى المقدس (الدين) بعيداً عن المدنّس (السياسة). حيث – على مرِّ العصور – استفادت السياسة من الدين وأُضرَّ الدين بمجامعة السياسة، فكسبت السياسة وخسر الدين على مرِّ العصور. وكذلك، من أجل أن يُحاسب السياسي على فعله السياسي ولا يحتمي بمظلة الدين من الحساب والعقاب. فرجل الدين الذي يجمع بين الدين والسياسة من الصعب معارضته أو محاسبته.

    والحال، أن عملية فصل الدين عن السياسة أهون في المذهب الشيعي منها في المذهب السُنيّ. فالهيئات الشيعية نشأت مثل نشوء الكنيسة، والتراتبية في الهيئات الشيعية شبيهة بالتراتبية الكنسية، بحيث بقيت كلا التراتبيتين منفصلتين عن الدولة.

    على عكس الهيئات السُنيّة التي اندمجت في الدولة منذ عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان. وبهذا استعملت الدولة الهيئات السُنيّة أكثر من استعمالها للهيئات الشيعية التي ظلت خارج نطاق الدولة العربية الإسلامية. وهكذا يخيّل لنا، أن فصل الدين عن الدولة في المذهب السُنيّ المندمج كليةً في الدولة، أصبح من سابع المستحيلات، نتيجة لاندماج الدين بالسياسة والسياسة بالدين، وزوال الحدود بينهما والقيود منهما، بحيث أصبحنا لا نُفرّق بين ما هو من الدين وما هو من السياسة.

    وتلك هي الحيلة التي تفوّق بها الحكام العرب منذ عهد معاوية بن أبي سفيان إلى الآن، وتجلّت في تحويل الحاكم إلى ظل الله على الأرض، وتحويل "بيت مال المسلمين" إلى "بيت مال الله"، بحيث لا يصرف الحاكم منه إلا بأمر من الله، ولا يتلقى أمر الله غير خليفته وخليفة نبيه على الأرض، كما قال معاوية بن أبي سفيان منذ 1400 سنة. وهذا ما يؤكده الداعية الأصولي أنور الجندي ويطلق عليه "مفاهيم الإسلام" في كتابه (الإسلام والدعوات الهدامة، ص271-293)، حيث يؤكد ضرورة دمج الاقتصاد والسياسة والاجتماع بالدين، وهي الخطوة الأخيرة نحو إقامة دولة الخلافة الإسلامية، حيث يندمج الدين (حسب المذهب السُنيّ) بالدولة كليةً، كما يقول المفكر اللبناني عادل ضاهر في كتابه (أولية العقل، ص 210).

    أما الترجمة العربية لكلمة "العَلْمانية" - بفتح العين وليس بكسرها- فهي حديثة في الأدبيات السياسية العربية. وهي نسبة إلى العَالم وليس إلى العلم؛ أي إلى الدنيا التي نحياها. والعَلْمانية ليست واحدة، بل هي عدة عَلْمانيات، وحالها كحال الديمقراطية. فالعَلْمانية الفرنسية تختلف عن الألمانية، وعن الإنجليزية، وكذلك عن الأمريكية، وعن الكمالية التركية.

    وعلى العموم، فالعَلْمانية ليست قالباً واحداً، ولكنها عدة قوالب. والأهم من هذا كله، أن لا عداء بين العَلْمانية والدين. ولكن العداء بين العَلْمانية ورجال الدين. ولذلك، فرجال الدين هم الذين رموا العَلْمانية بالكفر والإلحاد، وليس الدين نفسه. يقول الشيخ يوسف القرضاوي: "إن الدعوة إلى العَلْمانية بين المسلمين معناها الإلحاد والمروق من الإسلام" ("الصحوة الإسلامية بين الجمود والتطرف" 1984، ص112)، وتتكرر هذه العبارة عدة مرات في كتاب القرضاوي الآخر (الحل الإسلامي فريضة وضرورة). ورجال الدين الذين قاوموا العَلْمانية، كانوا يدركون أن العَلْمانية تحرمهم من مميزات سياسية اجتماعية ومالية وثقافية كثيرة، وتحصر مهمتهم في الدعوة والإرشاد الديني فقط، وبين جدران المساجد.

    وبذا، لن يعود رجال الدين نجوماً سياسية أو إعلامية، ويفتون بكل صغيرة وكبيرة كما هم الآن، مما سيحرمهم من امتيازات كثيرة لدى السلاطين. أما الدين فهو باقٍ. بقي الدين في فرنسا وفي جميع أنحاء أوروبا وكذلك في أمريكا، بل ازداد عدد الكنائس، وإن قلَّ المصلون. فالعَلْمانية لا تنكر الله، ولا تتطاول على أديان التوحيد. وأن كان هناك بعض الفلاسفة والمفكرين العَلْمانيين في الغرب والشرق أنكروا الألوهية، فذاك شأنهم، ولا يلزموا بهذا النكران الآخرين.

    ونلفت النظر، إلى أن رجال الدين ليسوا وحدهم الذين أنكروا العَلْمانية واستنكروها، ولكن هناك أيضاً بعض المفكرين الليبراليين العقلانيين كمحمد عابد الجابري المفكر المغربي المعروف، وصاحب "تكوين العقل العربي"، الذي طالب عام 1990، وعلى صفحة مجلة "اليوم السابع" التي كانت تصدر في باريس، بإلغاء كلمة "عَلْمانية"، وسحبها من قاموس الفكر العربي.

    2- هل يمكن أن تتحقق شراكة حقيقية بين الإسلامويين والعَلْمانيين في إدارة شئون الدولة؟ وهل هناك فرصة للتعايش والتزاوج بين الطرفين؟
    من الصعب أن تتحقق مثل هذه الشراكة، في ظل سعي الإسلامويين لإقامة دولة دينية. أما إذا تخلّوا عن هذا المطلب، فالشراكة ستكون مثمرة. فالدولة الدينية هي دولة الحاكمية لله التي قال بها المفكر الباكستاني/الهندي أبو الأعلى المودودي، مؤسس حزب "جماعت إسلامي" الهندي الباكستاني، وأخذها عنه سيّد قطب ومحمد قطب. بمعنى أن الله هو الذي يضع دستور هذه الدولة، وكافة الأحكام والقوانين. أي أن رجال الدين – وهم فقهاء الدين وحماته، والعَلْماء هم ورثة الأنبياء – هم الذين سيحكمون فقط، لأنهم وحدهم هم العليمون والقادرون على تفسير الأحكام الدينية وتمييزها. كذلك، فإن الإسلامويين، لا يقرون نظام الأحزاب والتعددية، ويعتبرون أن "حزب الله" ؛ أي أن حزبهم هم، هو الحزب الوحيد المرخّص له بالعمل السياسي، وإن كانت هناك أحزاب دينية أخرى فهي تنضوي تحت مُسمّى "حزب الله".

    وهناك فتوى لحاكم إيران الديني علي خامئني تقول بأن "معارضة الحكومة الإسلامية كفر بالله".

    كذلك، فالإسلامويون، ينكرون عدم التفرقة بين المواطن والمؤمن، ويصرّون على هذه التفرقة، ويعتبرون أن المواطن هو المسلم فقط. وكل هذه المباديء ينكرها العَلْمانيون، الذين يؤمنون بأن المجتمع والدولة لا يصبحان ديمقراطيين إلا إذا سادت العَلْمانية. فالديمقراطية شرطها العَلْمانية. ولا ديمقراطية بدون عَلْمانية. لأن العَلْمانية هي التي تساوي بين جميع المواطنين بالحقوق والواجبات، بغض النظر عن جنسهم ومذهبهم ودينهم وعرقهم، وذلك هو لُب الديمقراطية وعقلها.

    3- كيف يمكن للعَلْمانية إدارة الدولة الإسلامية المبنية على أيدلوجيات؟ وهل بإمكاننا خلق عَلْمانية إسلامية؟
    لا يمكن للعَلْمانية أن تدير دولة إسلامية كإيران الآن مثلاً. كما أن الدولة الإسلامية ليست مبنية على عدة إيديولوجيات. الدولة الإسلامية أحادية الجانب. بمعنى أنها تدار من خلال مفهوم ونظام ديني واحد. وأعتقد بأن العَلْمانية العربية هي عَلْمانية إسلامية حين تطبّق حرية الفكر والعقيدة ومساواة الرجل بالمرأة في الحقوق والواجبات، وبالتعددية الحزبية، وبمداولة السلطة، ومساواة كافة المواطنين بالحقوق والواجبات بغض النظر عن دينهم وجنسهم وطائفتهم وبالعدل.

    ولا مجال في العَلْمانية للحاكم "المستبد العادل" الذي قال به جمال الدين الأفغاني. فالعدل أساس الإصلاح. والحاكم المستبد يعدل بالاستبداد، والحاكم العادل يستبد بالعدل. ولو لم يكن كمال أتاتورك عادلاً لما استطاع إسقاط الخلافة عام 1924.

    وقد شهدنا تطبيق العَلْمانية الإسلامية في عهد حكم البويهيين والسلاجقة في القرن العاشر والحادي عشر الميلادي وما بعده فقط، حين كان الخليفة العباسي هو الخليفة الديني، والسلطان البويهي أو السلجوقي هو سلطان الدنيا. وهذا أول فصل حقيقي في تاريخ الدولة الإسلامية بين الخليفة والسلطان، أو بين الدين والدنيا.

    4- هل ترون في إرساء مبادئ الدولة العَلْمانية حلاً لمحاربة الإرهاب والتطرف؟ وكيف يمكن للعَلْمانية الحفاظ على المعتقد الديني دون المساس بتشريعاته وأحكامه حين تسيطر على مفاصل الدولة؟
    الإرهاب في العالم العربي لم يقم لغاية دينية ولكنه قام لغاية سياسية. والإرهابيون لا يريدون بإرهابهم تطبيق الإسلام المطبق جيداً في كثير من الدول العربية. الإرهابيون يريدون السلطة السياسية، وهم غير مؤهلين لها بتاتاً. هل تعتقد بأن ابن لادن أو أيمن الظواهري يصلحان أن يكونا حاكمين لدولة في العصر الحديث. ربما ينفعان لحكم دولة كدولة طالبان، أو لدولة ما في القرون الوسطى. وما سعي الإسلامويين في أفغانستان والعراق وفلسطين ومصر وغيرها إلا طمعاً بالحكم.

    وسوف يخسر الإسلام بحكمهم الشيء الكثير. فالأخبار من غزة التي حكمتها وتحكمها "حماس" حتى الآن، تقول بزيادة نسبة الجريمة، والسرقة، وخطف النساء، والاعتداء على الممتلكات، وقلة المصلين في المساجد، وانتشار البطالة، وانتشار تجارة التهريب.

    5- في إحدى مؤلفاتك، ذكرت بأن القرن الحادي والعشرين سيشهد تجاذب بين دعاة الدولة الدينية ودعاة الدولة العَلْمانية، وتيقنت بأن التيار العَلْماني سيتغلب في النهاية. هل ما زالت مؤمناً بأن التيار العَلْماني سينتصر؟ وعلى ماذا يستند الدكتور النابلسي بانتصار العَلْمانية ؟
    سبب هذا التجاذب هو اقتراب العالم العربي أكثر فأكثر من العَلْمانية غير المُعلنة أو ما أُطلق عليه (العَلْمانية المقنّعة). فلو نظرت حولك في المغرب والمشرق العربي، فسترى أن أجزاء من العَلْمانية مطبّقة، وهي الأجزاء التي تكفل بقاء السلطة بيد من هم في السلطة الآن. هذا جيد، لأن الخطوة التالية ستكون البدء في مساواة المرأة بالرجل.

    وقد تمَّ تطبيق هذا في كثير من أنحاء الوطن العربي، وكذلك في بعض دول الخليج. وسبب تغلّب التيار العَلْماني في العالم العربي في النهاية، هو كون العَلْمانية حتمية تاريخية، وكأس لا بُدَّ من شربها، وإن كانت مُرَّة، بل شديدة المرارة بالنسبة للإسلامويين. العالم كله تعولم والأصولية في العالم كله تتقزم. والقرن الحادي والعشرون هو قرن العولمة في العالم العربي.

    وما جرائم الإرهاب التي ترتكب هذه الأيام إلا النزع الأخير للأصولية، ودليل على كسح العَلْمانية ومبادئها للعالم العربي. والي الآن ومنذ أن تأسست جماعة الإخوان المسلمين في 1928؛ أي بعد مضي ثمانين عاماً، لم تستطع هذه الجماعة إقامة دولة دينية إلا في قطاع غزة. وانظر إلى موقف العالم منها، والمصير الذي انتهت إليه؟

    كذلك، فإن المجتمع العربي متعَلمن إلى حد كبير. فالحدود الشرعية – رغم كل هذا الزعيق والطبل الأصولي – غير مُطبَّقة إلا في دولة عربية واحدة فقط، من ضمن أكثر من عشرين دولة. ونسبة المحجبات في العالم العربي لا تتجاوز العشرة بالمائة، ونسبة من تزوجوا بأربع نساء لا يتجاوزون الخمسة بالمائة. والعالم العربي ساوى في معظمه بين الرجل والمرأة، حتى في دول الخليج، وإن لم تكن هذه المساواة تامة وكاملة كما نريدها حتى الآن، ما عدا دولة واحدة، وذلك بسبب ظروفها الدينية والتاريخية والسياسية، التي لا تسمح لها بتخطي خطوطٍ حمراء معينة.

    وبدون تشريع مدني واضح، يتجه المجتمع العربي بحكم حتمية التاريخ ومنطق العصر، ومسار العالم إلى العَلْمانية، وهي برأيي "عَلْمانية توحيدية"، وليست عَلْمانية كافرة وملحدة، كما يُطلق عليها رجال الدين في هذه الأيام. فالعَلْمانية الملحدة لم تُوجد حتى في فرنسا، ولا في أية دولة غربية، وإنما وُجدت في ثلاث دول فقط، وهي الاتحاد السوفيتي المنهار والمكسيك وكوبا.

    إن قولنا بانتصار العَلْمانية أخيراً، ناتج عن كوننا نرى في العَلْمانية الحل الأمثل لإقامة دولة ومجتمع ديمقراطي. ولقد جرّب الآخرون في الشرق أنظمة غير النظام العَلْماني فماذا كانت النتيجة؟ إن العَلْمانية لا يمكن لها أن تأتي أُكلها إلا بالديمقراطية. فلقد كان الاتحاد السوفيتي السابق نظاماً عَلْمانياً ملحداً، ولكنه لم يكن ديمقراطياً، فكانت عَلْمانيته ناقصة وغير مفيدة، فانهار.

    كذلك الحال مع النازية والفاشية والماوية. وفي العالم العربي، هناك دول عَلْمانية ولكنها ليست ديمقراطية. لذا، فإن عَلْمانيتهم مزيفة وعبارة عن قشرة ذهبية لخواتم من تنك وزنك، يفتضح أمرها من أول حكّة. فمن الممكن أن يتمَّ تحديث صناعي وعلمي في ظل الديكتاتورية العَلْمانية، كما جرى في فرنسا في عهد نابليون الثالث، وفي ايطاليا الفاشية، وألمانيا الهتلرية، وروسيا الستالينية، ومن الممكن أن تتمَّ إقامة ديكتاتوريات عَلْمانية معادية للدين كما تمَّ في المكسيك والاتحاد السوفيتي وكوبا، ولكن لا ديمقراطية بدون العَلْمانية.

    6- ذكرت في إحدى مقالاتك: "لا نظام سياسياً دينياً يمكن أن يحكم ويسود في هذا العالم العَلْماني، بعد أن تعلْمَن العالم" . كيف بنيت أن العالم متجه للعَلْمانية على الرغم من وجود دول دينية قائمة، وجماعات أصولية استطاعت الوصول لحكم الدولة عبر الانتخابات العامة؟
    في العالم هناك دولة دينية واحدة فقط، وهي إيران. ولكن هذه الدولة الدينية تحكم الشعب الإيراني بالحديد والنار والقهر. والحرس الثوري الديني الإيراني (باسدران) هو الحاكم الفعلي في إيران. ويتألف - حسب تقديرات المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في لندن- من 350 ألف عنصر. وهو يذيق الشعب الإيراني القهر إلى الحد الذي أصبح معه الشعب الإيراني أكبر مستهلك للحشيش والأفيون في العالم حسب تقارير الأمم المتحدة، وذلك نتيجة لحجم الظلم والقهر الذي تمارسه الدولة الدينية ممثلةً بالحرس الثوري عليه.

    وطبقا لتقرير المخدرات العالمي عام 2005، الذي أصدرته الأمم المتحدة عن مدمني الأفيون في العالم، توجد في إيران أعلى نسبة من المدمنين في العالم، إذ أن 2.8 في المائة من السكان الذين تزيد أعمارهم عن 15 سنة مدمنون على نوع من المخدرات. والي جانب إيران، توجد دولتان فقط في العالم تتعدى نسبة المدمنين فيهما 2 % وهما موريشيوس وقيرغيزستان.

    وإذا ما وضعنا في الاعتبار أن عدد سكان إيران يصل إلى 70 مليون نسمة، وأن بعض الإدارات الحكومية الإيرانية، تعتقد أن عدد المدمنين يصل إلى 4 ملايين شخص، فإن ذلك يضع إيران على قمة عدد السكان المدمنين في العالم على المواد المخدرة، بما في ذلك الهيروين. فهذه هي الدولة الدينية التي تسعى الفصائل الدينية الإرهابية في العالم العربي إلى إقامة مثيل لها.

    إلى جانب ذلك، ومن الناحية الدينية، فإن الأرقام التي أذاعها رئيس الشؤون الثقافية في بلدية طهران، الشيخ محمد على زام، مؤخراً، عن نسبة الالتزام الديني لدى الشعب الإيراني، وخاصة الطلاب والشباب، فيما يتعلق بأداء الصلاة والإباحية الجنسية والإدمان على المخدرات، أحدثت نوعاً من الصدمة والدهشة والذهول لدى المراقبين والإسلاميين خارج الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وأثارت قلقاً شديداً على مستقبل التجربة الإسلامية في القرن العشرين، ودفعتهم للتفكير، وإعادة النظر في مخططاتهم الحركية، وبرامجهم للحكم في المستقبل.

    فقد كان الإسلاميون في أواسط القرن الماضي يتجادلون فيما بينهم حول الطريقة الفُضلى لإقامة المجتمع الإسلامي، وفيما إذا كانت التربية قبل مرحلة السلطة ، أم السلطة قبل مرحلة التربية ؟ وجاءت الثورة الإسلامية في إيران في نهاية السبعينات لتحسم ذلك الجدل الطويل، بعد انضمام قطاعات واسعة من الشعب الإيراني إلى المشروع الإسلامي، وخضوعها لقيادة رجال الدين، ودعمهم في إقامة حكم إسلامي.

    وكان ينتظر أن يواصل رجال الدين الذين استلموا السلطة في إيران أسلمة ما تبقى من المجتمع والقضاء على جذور الفساد والانحلال والانحراف، إلا أن الأرقام التي أذاعها المسئول الثقافي الإيراني، وكشف عنها خلال مؤتمر صحفي، يُعدُّ الأول من نوعه من حيث الشفافية والصراحة والنقد الذاتي، أشارت إلى تراجع نسبة الالتزام الديني لدى غالبية الشعب الإيراني وخاصة الشباب حيث تجاوزت نسبة غير المصلين الثمانين بالمائة، وتجاوزت نسبة الإباحية الجنسية الستين بالمائة، وبلغت نسبة المدمنين على المخدرات عشرين بالمائة، وهي أرقام مرعبة حقا في مجتمع إسلامي تحكمه حكومة دينية، وتسيطر فيه على وسائل الإعلام من صحافة وإذاعة وتلفزيون، ويوجد فيه حوالي نصف مليون رجل دين!

    ورغم أن الحكومة الإسلامية بذلت عناية فائقة في إعداد برامج دراسية دينية للأطفال منذ نشوئهم في المدارس الابتدائية وغيرها، إلا أن حصيلة تجربة عقدين من الزمن كانت ابتعاد الشباب والطلاب عن الدين بنسبة عالية جداً. كما قال أحمد الكاتب في بحثه (لماذا يتراجع الإيرانيون عن التزام الديني؟).

    من ناحية أخرى، يقول الكاتب الإيراني جاسم الحلوائي في سلسلة مقالات تحت عنوان (سنوات بين دمشق وطهران)، إن العواقب الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية لسيطرة رجال الدين على السلطة في إيران كثيرة، ومنها بعض المعطيات ذات الدلالة الهامة، وهي مستقاة من دراسة للدكتور أمان الله قرابي، الخبير الاجتماعي والأستاذ الجامعي، تتناول معالجة ظاهرة البغاء التي تشمل 300 ألف من بنات الشوارع في طهران وحدها، وتتراوح أعمارهن بين 11 إلى 18 عاماً. وفي الوقت الذي يؤكد فيه الباحث، بأن الظاهرة تشير إلى ضعف القيم الدينية في المجتمع ( في استطلاع أجرته الصحف الرسمية الإيرانية، تبين أن 85% ممن ولدوا بعد الثورة لا يمارسون الشعائر الدينية)، إلا أنه يؤكد بأن أسباب الظاهرة اقتصادية بالأساس. فهناك أربعة ملايين عاطل عن العمل.

    والبلد بحاجة إلى مليون فرصة عمل جديدة سنويا، في حين إن ما يتحقق هو من 400 إلى 500 ألف فرصة. وتبلغ البطالة من 20 % إلى 27% في أوساط الخريجين. وهناك تسعة ملايين عازب وعزباء، بينهم 5.5 ملايين من العازبات. ويوجد خمسة ملايين مدمن مخدرات، ويعيش مليونان من سكان طهران في ضواحيها حياة بائسة (صحيفة "ميهن"، عدد 96، 2006).

    والعدالة التي ينادي بها رجال الدين ليلاً ونهاراً كانت نتيجتها، وهم في قيادة السلطة لأكثر من ربع قرن، زيادة الأغنياء غناً وزيادة الفقراء فقراً في إيران، حيث "يعيش أكثر من نصف الشعب الإيراني تحت خط الفقر، وتفتك البطالة بأكثر من عشرين بالمائة من الشعب الإيراني. ويتعاطى ثمانين بالمائة من الشعب الإيراني المخدرات، حسب آخر تقرير دولي نشر، كما ذكرنا سابقاً.

    إن الاتجاه الحامل للمشروع الحداثي مقصر في صراعه الفكري مع الأصولية، لأنها هي التي تمثل بمشروعها الديني العتيق والظلامي خطراً فعلياً على الإسلام. وهذا ما برهنت عليه التجارب الأصولية الثلاث الإيرانية، والسودانية، والأفغانية. فإيران الأصولية شجعت الإيرانيين على ترك المساجد خاوية حيث 75 ٪ من الشعب و86 ٪ من الطلبة تركوا الصلاة. وقد تكون الجمهورية الإسلامية أول دولة مسلمة تبيع المساجد المهجورة، فهل بعد هذا الإفلاس إفلاساً؟

    إن انتصار الأصولية في إيران، كان تدشيناً للعودة بالعالم الإسلامي إلى القرون الوسطى.

    والحال، أن معارضي ثورة 1979 الخمينية، لو كانوا منطقيين مع أنفسهم بما فيه الكفاية، لاعتبروا هذه الثورة خطوة حاسمة لتجاوز الإسلام التقليدي والأصولي للانتقال إلى الحداثة، تطبيقاً لمبدأ فلسفة التاريخ الهيجلية: "التجاوز شرط التحقيق".

    7- ما مستقبل الدول الإسلامية القائمة؟ وهل باستطاعتها الصمود نحو ما أسميته "المد العَلْماني"؟
    لقد سبق وأجبنا على هذا السؤال، وهو أن الدولة الدينية القائمة الآن في إيران وفي غزة، هي شرط من شروط تحقيق التجاوز إلى الدولة العَلْمانية كما سبق وقال الفيلسوف هيجل. فلا بُدَّ أن نمر بمرحلة الدولة الدينية لكي نتجاوزها إلى الدولة العَلْمانية. وأنا أنتظر بشوق كبير حكم حركة الإخوان المسلمين في مصر وغير مصر، لكي نستطيع تجاوز الدولة التي سيقيمونها إلى الدولة العَلْمانية وبدون ذلك فلن نحقق التجاوز المنشود.

    8- سؤالي الأخير، هناك من ينتقد شاكر النابلسي، ويوجه اليه انتقادات لاذعة، تخرج عن اللياقة في بعض الأحيان.. برأيك هل هذا النقد نابع من خصومة أم مقارعة وصراع للفكر العَلْماني؟

    الانتقادات التي تعتبرها لاذعة، هي أهون الشرور الأصولية. وهي أهون من الانتقادات الأصولية التي وُجهت إلى من هم قبلنا من الليبراليين. إقرأ ما قالته وما فعلته الأصولية بطه حسين، وعبد العزيز الثعالبي (مؤسس الحركة الوطنية بتونس)، ومنصور فهمي، وعلى عبد الرازق، وخالد محمد خالد، وفرج فوده، وحسين مروة، وفرح أنطون، وغيرهم. لقد أعدمت الأصولية السودانية بقيادة حسن الترابي المفكر الإسلامي محمود محمد طه عام 1985 في عهد "أمير المؤمنين" جعفر النميري، لأنه نفى إمكانية قيام دولة دينية، وقتلت الأصولية المصرية فرج فوده (صاحب الحقيقة الغائبة) عام 1992 ، بسبب مناظرة فكرية بينه وبين محمد عمارة في معرض الكتاب الدولي بالقاهرة، وأنكر فيها فوده إمكانية قيام الدولة الدينية. وحاولت الأصولية المصرية قتل نجيب محفوظ عام 1994. وحديثاً كفّرت الأصولية السعودية وطلبت محاكمة اثنين من الكتاب الليبراليين السعوديين (عبد الله العتيبي ويوسف أبا الخيل). إذن، فنحن في خير عميم الآن، إذا ما توقف العدوان الأصولي عند حد الشتم، والسباب البذيء، والاتهامات الباطلة فقط. والحال، أن هذه التصرفات كلها نتيجة لإفلاس الأصولية، وعدم مقدرتها على مقارعة الفكر بالفكر، لجهلها التام بواقع الفكر الإنساني المعاصر.
    فلا يوجد في العالم العربي رجل دين أو "فقيه" يستطيع الوقوف أمام مفكر أو فيلسوف شرقي أو غربي. ولقد طالب المفكر التونسي العفيف الأخضر الشيخ راشد الغنوشي الأمين العام لحركة "النهضة" الإسلامية التونسية بالحوار على إحدى الفضائيات، أو في قاعة من قاعات الجامعات، إلا أن الأخير رفض، خوفاً من انكشاف سطحية وتهافت الفكر الأصولي. والأصولية لا تردُّ على الفكر بالفكر، لأنه لا فكر لديها، ولكنها تردُّ على الفكر بالنار، والأحزمة الناسفة، وكاتم الصوت، والسياط، والسكين، والسيارات المفخخة، وبالسباب، والتكفير، وتُهم الإلحاد، وذلك أضعف الإيمان!

    عن آفاق



    http://www.akherkhabar.net/index.php?option=com_content...ew&id=1283&Itemid=31
                  

05-18-2008, 05:00 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    مدرسة السقوط
    أو الأبناء الذين أكلوا ثورتهم
    بلى ياصديق ..
    عشنا وشفنا عصر الردّات وزمن الجزْر ، وسمعنا الثورات التى أكلت بنيها وجماعات تسرق الثورات ومدرسة " الشباب" المشاغبين ، والأبناء يأكلون ثورتهم و"أمّتهم" وأمَتهم ، ينتبذون بها زمكاناً قصياً ثم يغتابونها و"يصلبونها فى جميزة البنك" –حقوق محمد محى الدين- ثم يمشون فى جنازتها ..
    ألم يكتب ع.ع. أبراهيم الشهر المنصرم عدّة مقالات عن من ينعون ثورة اكتوبر ويسومونها الهوان؟؟

    دعنى أسوق محكيّتين كدليل أعتباطى ترويان عن تيار أو مدرسة تخوض مع الخائضين فى وحل الردّة أياه.

    مشهد تاج السر الحسن..

    كنا جماعة فى شتاء 1985 الحزين – كونه أخذ شهيد الفكر- فى معيّة أستاذنا الوارف الدكتور عبدالمحسن صالح (خضّرالله ضُراعه) فى منزله بمدينة أم درمان ، الصديق منيف عبدالباقى وبدرالدين (لا أذكر أن كان معنا الصديق كباشى ، أم اعتذر عن الحضور) وشخصى وكانت الدعوة أحتفاء بأربعتنا. وكان أن التحق بالدعوة باكرا الشاعر تاج السر الحسن ، شاعر آسيا وافريقيا (هل نشر تاج السر الحسن أيضا مع الشاعر الفذ على عبدالقيوم؟) . ولعلّ الصديق عبدالمحسن رأى أن يعرّفه بمجموعة يفتخر بتدريسها كما ذكر فى تلك الجلسة.
    المهم دار النقاش عن ساس يسوس والشعر والاكتوبريات ونميرى وأستوزاراته للنخب وسارع تاج السر بتأكيد الأشاعة التى سارت حينها بين الناس أنه كان مصطفى لأحد وزارات الثقافة وأن نميرى تحدّث معه حول نيّته فى استوزاره وكيف انه رفضها الخ..
    وحين أستبدّ بنا نخْب أكتوبر الميمون وسلافها و"فخر ذاك الجيل!" قلنا نكافئ لحظتنا سماع نشيد "آسيا وأفريقيا" من خشُم سيدو ...غير أن الخشم كان معتّتاً وصديدياً.. كان تاج السر يخرج مجموعة أوراق من جيب جلبابه بيدٍ ويمنع بيده الأخرى نسائم الحوش الذى نتوسطه من أطفاء نار الشمعة التى تتوسّط أحد التربيزتين بعد أن أنطفات الكهرباء. واصبح يعدنا بقراءة قصيدة "طازه" وحارّة كتبها من توّه . حلف بدينو وأيمانو الاّ يقرأ آسيا وأفريقيا لأنه ببساطه لن يتشرّف بقراءة تلك القصيدة الناشز. وكنا ، صديقى منيف وشخصى نكيل له كيلا يستحقّه جملة بعد اخرى حتى فاض الكيل .
    اقترحنا عليه ، والعواطف الأكتوبرية مجروحة تطلب ثأرا، بأن يدخّّل تلك القصيدة الدافئة فى موضع آخر. فلا شأن لنا بها ولاتلزمنا من بعيد أو قريب بعد أهاناته الشخصية لثورة أكتوبر، وأقتطفنا فى كيل غضبنا المضرى المستشرى بالطبع من"هام ذاك النهريستلهم حسنا" و"القيود اشتعلت جدلة عرس فى الأيادى" والقمح والتمنّى وكل جمايل ودالمكى الستينيّة المبذولة والتى التقطها ودالمكى بعدسة عقل حسّاسة وشفافه حينها.
    همّ تاج السر بأنصراف سريع حين أنسرف الكيل وأنفضّ السامر باكرا ونحن نطمّن أستاذنا على ما لا يد له به.

    و ..عبدالكريم الكابلى ....

    أظنه فى صيف 1998 حينما أستضافته الجالية السودانية فى تورنتو فى جلسة استماع تحدّث فيها عبدالكريم الكابلى عن ثقافة سودانية ون ويى one-way مستقيمة وعرجاء فى آن ، وغنى لها بالعود من الشمال والغرب والشرق كناية عن تعددها .. وضِمن السائلين أبتدرته متسائلا وفى البال أغنيته السياسية المسوّسة (هل من اغنية غير سياسيّة؟) "مسكين القمر" والتى كانت صدىً فنياً باهتا ورخيصا لنبيح كلب أذاعة أمدرمان (جركاس؟؟) الصباحى ضد معارضة الفنادق وكان أبناء الوسط العربسلاميين حينها يُخرَجون أفواجا من العمالة "للصالح العام" ويدخلون أفواجاً فى بيوت الأشباح ودم التنظيف العرقى فى جبال النوبة لما يجف بعد.
    كان يتبرّج فينا الكابلى متثقّفا ويختال وهو الذى يتقدّم أحتفالات الأنقاذ السنوية والتعبوية والجهادية.
    سألته : أين الكابلى الذى أمامنا من "هبّت الخرطوم فى جُنح الدجى ؟" وأينه من القابضين على الجمر من رفاقه محمد الأمين وابو عركى؟ وأينه من آسيا وأفريقيا و"باندونغ" والملايو وكل الكلمات والمشاهد الفنية السينمائية التى نستدعى بها نيم ثورة أكتوبر ومتاريسها وركوض الأقدام فى ساحة القصر وحقل النار (الواحة التى حضنت روح نصّار) ، روينا ورودتك دم ثوار، شتلنا فضاك هتاف أحرار، وشلنا الشهدا مشينا ونهتف ... الرصاص لن يثنينا.. ... الرصاص لن يثنينا.. شلنا تلك المشاهد معنا فى جميع المراحل الدراسية والمظاهرات وطبقناها فى انتفاضة "بيان بالعمل" – شكرا هاشم صديق الصمد –
    قلت له أينك من:
    "أى صوت زار بالأمس خيالى
    طاف بالقلب وغنى للكمال
    واشاع النور فى سود الليالى
    واذاع الطهر فى دنيا الجمال"
    واضح أننى قد افسدت على الجميع سعادتهم فهمو يصفّقون بين رده على بدون لباقه بين الزبد وقلّة الأدب والبلاغة حول حبّه للمراة السودانية والتغنّى لها وخلافه ، و"رفس" المايكرفون بيده التى كانت تلعب فى الفضاء بلا وجهة محددة وقال أنه لا يفخر بآسيا وافريقيا ولن يغنيها فهى من طيش الشباب وزمن الضياع .. وحين شعر مقدّم الجلسة بان وقار الكابلى قد ذهب طلب استراحة..

    فى زمن الأنحسار الأجتماعى الثقافى الكوكبى والمحلّى يتغرّب المنتج من حصاده والجسد من روحه الاّ من رحم ربى من ذوى الأفق البعيد.

    هذان دليلان جزافيان من كثير فى الخاطر فأصحاب الصمود والرفاق يولّون الأدبار واحد واحد - ترا أنحنا مسردبين فيها أبدا ان شاء الله .

    مودتى
    الفاضل الهاشمى

    http://sudaneseonline.com/forum/viewtopic.php?t=2042&post...8ad71d4dd16a8098de08
                  

05-18-2008, 05:06 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    شغل" الكبار".

    الأخ محمد سيدأحمد
    تسألني لماذا سكت قلمي عن مؤاخذة عبد الله علي ابراهيم على ما اعتبرته في مقام التواطوء السياسي مع نظام الإنقاذ و على هجومه على قرنق و على محمود محمد طه بينما أنا آخذ على محمد المكي ابراهيم إنكاره لشعر شبابه؟
    قبل مباشرة الإجابة تلزمنا وقفة عند الإضمار الماثل في ثنايا العبارة: " مواقف كبارنا".فضمير الجماعة يغطي مجمل أعلام حركة الحداثة في السودان بدون فرز.أعني بدون فرز بين المبدعين( في حزب الفن) و الناشطين السياسيين ـ ولا يغيب على فطنتك أن حكاية " حزب الفن " دي دايرة ليها جكـّة براها فاصبر علي ـ.
    أقول : أن عبارتك " كبارنا" تبيّت إضمارا لا يفرز بين كبار مبدعينا و كبار ساستنا.و ربما أمكن تفسير غياب الفرز بتداخل الحدود بين الممارسة الإبداعية و الممارسة السياسية عند عدد من مبدعينا الذين يتعاطون السياسة و عدد من سياسيينا الذين عرّجوا على أرض الإبداع في لحظة من لحظات مسارهم السياسي ، ناهيك عن ميل المؤسسة السياسية الطبيعي للإنتفاع بالثقل الإعلامي للمبدعين حين تتبدّى فرص تكريسهم ـ بشكل أو بآخر ـ كأيقونات سياسية في مقام" شاعر الشعب" أو " فنان الأمة " أو " صوت الجماهير" إلخ.
    و اللبس بين" حزب الفن" و حزب السياسة باب كبير في كتاب التاريخ السياسي الحديث ، ربما لأن هذا التاريخ الذي تأسس ضمن ملابسات النضال ضد المستعمر، إنما انكتب في السودان بأقلام أشخاص كانوا يمارسون السياسة كنوع أدبي( رومانتيكي) مثلما كانوا يمارسون الخلق الأدبي كنوع سياسي ( طوباوي )فقبل" القيود" التي " اشتعلت جدلة عرس في الأيادي " كتب إدريس جمّاع في ديوان " لحظات باقية" عن طغيان الحاكم العام البريطاني الذي مسخ البلاد سجنا كبيرا للوطنيين:
    "
    طغى فأعدّ للأحرار سجنا و صيّر أرضنا سجنا مشاعا
    هما سجنان يتفقان معنى و يختلفان ضيقا و اتـّساعا ".

    إلى آخر كلام الشعراء لو كان لكلامات الشعراء آخر.
    ولو جاز لي القول بأن حركة العمل العام السياسي قد استفادت كثيرا من طاقة المبدعين الأدباء و حماسهم الوطني ، فمن الصعب الإقرار بالعكس.
    بل أن عادات الخلق الأدبي المنخرط طوعا في ضرورات العمل العام السياسي قد ساهمت ـ بطريقة أو بأخرى ـ في إفقار الممارسة الأدبية و حجبها عن التوغل في دروب المغامرة الوجودية للكاتب كذات ناطقة عن فرادة النفس المبدعة.
    ترى هل يصلح هذا الكلام كتفسير لكون أدباء السودان ظلوا ـ لأجيال ـ يحتفون بصيغة الـ " نحن" و يتجاهلون صيغة الـ " أنا" ؟
    هل يصلح هذا كتفسير لكون كتاب السودان ظلوا ـ لأجيال ـ ينطقون عن جسد الـ " أمة " الخيالي أدبا يحجب جسد " الزول" الفرد و يغمطه و يزدري به، بل و ينفيه من ملكوت الواقع الحي الحيوان؟
    و هل يمكن القول بأن كل هذا الإحتفاء المفرط بصورة الـ " نحن" المجيدة ما هو إلا مكيدة بائسة من طرف أولاد المسلمين للهرب من مواجهة شقاء صورة الـ "أنا" المقهور المسحوق المدمّم؟
    و هل يمكن تفسير حظوة كاتب كالطيب صالح بدون التأنـّي عند حساسيته الأدبية عند تقاطع نص الجسد و جسد النص؟ و بدون الإشاره إلى خروجه من مقام جسد نص الجماعة،الذي هو مقام نص جسد الجماعة الحضرية العربسلامية المتصلب المعسّم الذي" لا تملك الخمر لبه و لا يثقب سمعيه اليراع المثقّب"؟(البارودي)
    مندري؟
    لكن لو عدنا للتعارض بين حزب الفن و حزب السياسة ضمن المشهد السوداني للمسنا بسهولة أن أهل السياسة إنما يلجأون لأرض الفن حين تضيق بهم أرض السياسة أو حين تنبهم أمامهم دروبها. و الأمثلة كثيرة. فأكثرنا لم ينس لحظات القهر البوليسي الحالكة بين 1972و 1973 التي كابدها الديموقراطيون المتعاطفون مع الشيوعيين السودانيين.في تلك اللحظات انكمش كل حضور الأدب السياسي الواسع للحزب الشيوعي السوداني المستشري في المشهد العام منذ " ثورة اكتوبر 64، انكمش لبضعة وريقات تحوي كلمات محجوب شريف،كلمات شاعرات وقفن سدّا باسلا ضد طوفان البروباغاندا الإنتقامية التي غمرت الإعلام الرسمي و طالت بعض أعلام الأدب و الفن الغنائي و المشهدي و محقت كرامتهم و سحقتها سحقا في بعض الحالات. كان الناس يتناسخون كلمات محجوب شريف العنيدة تلك بحدب و يمرّرونها خلسة، من يد ليد، كمثل شمعة ممنوعة بأسها الرمزي مجدول من بساطة شكلها الشعري و من هشاشة وسيطها المادي، مرة منسوخة بالكربون و مرات منسوخة، بتضامن أكثر من يد، على ورق الدفاتر المدرسية الرخيص. و في منتصف السبعينات تبنّى الحزب الشيوعي استراتيجية إستغلال أشكال العمل العام المشروع لتنظيم المقاومة السياسية ضد نظام النميري. في ذلك الزمان لعب المبدعون الديموقراطيون المتحركون في مجالات الفن الغنائي و الفن التشكيلي و الأدب و المسرح دورا كبيرا في صيانة " جبهة" الإبداع بعيدا عن متناول أجهزة البروباغاندا المايوية.و قد جاءت وثيقة الحزب " نحو حساسية شيوعية تجاه الإبداع و المبدعين"، و التي صاغها قلم عبد الله علي ابراهيم( قومسير الحزب السياسي المتفرغ لـ " جبهة الأبداع")، جاءت تحمل تعريف الحزب الشيوعي للعلاقة مع المبدعين و لدور "جبهة الإبداع" ضمن مشهد العمل العام السياسي الذي يهيمن عليه
    " كساد الردّة".و قد توصّلت ورقة " نحو حساسية.." (في أبريل 1976)،و
    " بإطمئنان"، إلى الإقرار بأن " جبهة الأدب و الفن إجمالا ، تتخطى حاليا الإنعكاس الخصوصي للردة وسطها. فهي تبطل سياسيا مشروع الردة الديماغوغي الذي افترض، و ما يزال ،تطور هذه الجبهة في غير شروط الحرية..".و في الوثيقة توجيه للشيوعيين بمظاءرة المبدعين و دعمهم في وجه السلطة السياسية، بناءا على قولة ماركس: " الشعراء بحاجة إلى فيض إعزاز". و قد قرأت للصديق الفنان صلاح حسن عبد الله في موقع " سودان أرتيستس غاليري" أن الحزب الشيوعي أصدر جزءا ثانيا من و ثيقة " نحو حساسية" و أن الصديق الفنان أحمد البشير الماحي ساهم في إعداد جزء ثالث من نفس الوثيقة في الفترة التي غادر فيها عبد الله الحزب الشيوعي في نهاية السبعينات.

    و" إعزاز" المبدعين في منظور الحزب الشيوعي إنما ينبني ـ من جهة أولى (جهة لينينية) ـ على مبدأ العناية بـهذه الـ " جبهة" ذات المردود السياسي النوعي الثمين في بلد كالسودان، قدرة مبدعيه على بناء علاقة ثقة مع الناس تفوق بمراحل قدرة سياسييه. و من الجهة الثانية، فعناية الشيوعيين بالمبدعين و إعزازهم إنما تقوم على بداهة القربى العضوية لقوم تمخض عنهم رحم واحد هو رحم حركة اليسار في السودان.ذلك ان معظم الكتاب و الفنانين في حركة الثقافة الحديثة إنما شبّوا (و شابوا) في ظل الخطاب الطوباوي اليساري الذي استنبته الشيوعيون السودانيون و صانوا لبُعده المحلي جسورا و أنفاقا متنوعة مع حركات التحرر العالمية ،و هو حال تشهد عنه "حفريات" الذاكرة الديموقراطية في تجربة الشعب الذي ما زال يطرب لـ " تحية آسيا و أفريقيا"( و إن تملص عنها شاعرها و مغنيها كما روى الفاضل الهاشمي).
    إعزاز المبدعين ما هو إلا واحد من دروس العمل السياسي الحديث التي بذلها الشيوعيون السودانيون لحلفائهم، مثلما بذلوها لخصومهم، في المؤسسات السياسية السودانية.ورغم أن نظام النميري كان هو أول من ثبّت " إعزاز" المبدعين في أداء مؤسسات الدولة إلا أن نظام النميري لم ير في إعزاز الدولة للمبدعين أكثر من بُعد المكيدة السياسية ذات العائد السياسي السريع ، كون الدولة البوليسية تنتفع بالتكريم الدوري للمبدعين ، من جهة أولى، في ترميم التردّي اللاحق بصورتها كدولة ديكتاتورية عسكرية دموية، مثلما تنتفع بع، من جهة ثانية، في رشوة رموز الحركة الإبداعية بالأوسمة و الأنواط و العطايا و المناصب التي يجود بها رئيس الدولة بشكل دوري.ولم يغب على المبدعين السودانيين في عهد النميري أن النظام الذي كان يوسّمهم بأوسمته المدمّمة إنما يفعل ذلك لإختلاس شيئ من رصيد الإعزاز العفوي الطبيعي الذي يتمتعون به وسط السودانيين، مثلما لا يغيب علي المبدعين الذين تداهنهم مؤسسات نظام الإنقاذ الراهنة في هذه الأيام غاية الإستخدام الأداتي لرصيد شعبيتهم بين الجماهير.
    و سلطات نظام الإنقاذ ـ في نهاية تحليل ماـ لم تفعل أكثر من مواصلة تقليد مداهنة المبدعين الذي استنته سلطات نظام النميري.
    لكن " إعزاز " المبدعين لم يعد شأنا يخص المتربعين على سدة السلطة وحدهم، فالمعارضون في ساحة السياسة السودانية انتبهوا لضرورة مقاربة المبدعين و مخاطبتهم في الشأن الأبداعي كشأن إجتماعي ذي عواقب سياسية.و ليس من مثال أنصع من مثال الصادق المهدي الذي تجشم مشقة إجتراح " مشروع قومي للفن التشكيلي" في المنتدى الذي نظمته مؤسسة أروقة للثقافة و الفنون بالتعاون مع الإتحاد العام للتشكيليين السودانيين و جمعية التشكيليين السودانيين و المجلس القومي للثقافة و الفنون في 5 مارس عام 2003.و أنتباه مؤسسة سياسية تقليدية كحزب الأمة لحضور المبدعين في نسيج العمل العام السياسي يعبر عن نقلة نوعية جبارة في أسلوب عمل هذا الحزب الذي قيل أنه أشاح بوجهه متوجسا من طلب العضوية الذي قدمه محمد عبد الحي.تلك الواقعة ـ لو صحّت ـ فهي بلا شك حسرة مؤلمة لمحمد عبد الحي (افتحوا حراس سنار أبواب المدينة)، لكنها في منظور حزب الأمة
    " طبزة" سياسية كبرى.
    و في الورقة التي قدمها، يخاطب الصادق المهدي التشكيليين السودانيين" في موضوع مشروع قومي للفن التشكيلي في ظل مشروع ثقافي قومي للسودان" و يقول:
    "منذ حين تعاظم في ذهني ان نجاة السودان من التردّي رهينة بمولد ثان مبرّأ من عيوب المولد الأول. و في كتابي ".."[ الصادق المهدي، السودان و حقوق الإنسان، دار الأمين ـ القاهرة 99ـ ـ ترجمة عبد الرحمن الغالي"] تناولت شروط المولد الثاني في كافة المجالات.ههنا سوف أتناول الجانب الثقافي عموما و أركز على الفني منه.خطابي هذا المساء يقع في ثلاثة أقسام:
    القسم الأول : متعلق بمشروع قومي ثقافي.
    القسم الثاني:يتناول الشبهات حول الدين و الفن.
    القسم الثالث: يرسم الطريق نحو مشروع قومي للفن التشكيلي في ظل المشروع القومي الثقافي"( أنظر"جهنم" رقم 23 ـ أبريل 2004).
    و تفاكير الصادق المهدي تملك ان تتجاوز منطقة إعلان النوايا الطيبة و شبهة مداهنة المبدعين المهتمين بالتشكيل لو استطاع حزب الأمة ان يوفر لها الكوادر المبدعة التي تتولى تجذيرها في تربة الحوار الفكري الدائر بين السودانيين حول دور الإبداع في دفع أسئلة الديموقراطية و التنمية الإجتماعية في السودان.السؤال الذي لا يملك أحد الإجابة عليه حاليا،ـ و هو سؤال يتجاوز أهل حزب الأمة ليشمل كل القائمين على المنظمات السياسية السودانية ،هو: ما مصلحة السياسي الحالي في صيانة محل حقيقي للمبدع داخل الآلة السياسية السودانية ؟و لو شئت قل: ما مصلحة المبدع السوداني في مرافقة السياسي الذي لا يوليه اعتبارا إلا حين تستفحل الأزمة و تنبهم دروب السياسة فيصير في مكان حرج من الوزّة و يتوكّل و " يفتح خشم البقرة".أي و لله "خشم البقرة" فتحه نفر من أعلام السياسة السودانية و وجدوا فيه أبيات محمد عبدالحي الشهيرة في هويولوجيا التمازج و استغنوا بها عن قراءة بقية أثر الشاعر و تناسوا ان عبد الحي شاعر(" و الشعراء قليل") خارج حدود الفضاء السياسي لـ :" العودة إلى سنار"


    و قد جرّتني ملابسات المناقشة التي ثارت حول دعوة نظام الإنقاذ لعدد من أعلام الإبداع السوداني لفعاليات " الخرطوم عاصمة الثقافة العربية"، إلى الخوض في موضوع الفرق بين المبدع و السياسي ضمن مشهد العمل العام الذي يجمعهما.فقد أثارت تلبية الطيب صالح وابراهيم الصلحي ( و آخرين) لدعوة " هؤلاء الناس" حفائظ نفر واسع من مثقفي السودان المعارضين لنظام الإنقاذ، فاستهجنوا و استعاذوا و فيهم من عيّر الطيب صالح بالخيانة عديل. و في هذا السياق كتب عادل عبد العاطي، الناشط الشيوعي السابق ،متخذا هيئة من يدافع عن الطيب صالح ، بينما هو يصفي حساباته القديمة مع رفاق الأمس،كتب بأن الطيب صالح ليس وحده يحمل عار التواطوء مع " هؤلاء الناس"، لأن شخصية قيادية يسارية في وزن سكرتير الحزب الشيوعي قد انخرطت في زفة " الخرطوم عاصمة الثقافة العربية".و قد جاء عنوان بوست عبد العاطي في منابر الأسافير الآتي:
    :" ما رأي من جرّموا الطيب صالح؟ نُقُد في فعاليات عاصمة الثقافة".
    و قد علقت حينها على اللبس الماثل في عنوان عبد العاطي الذي يضع المبدع و السياسي في سلة واحدة.
    "و قد أدهشني وضع عادل عبد العاطي لكل من الطيب صالح و نقد في موضع المقارنة.و ذلك رغم أن عادل بخبرته السياسية و الادبية يعرف الفرق الكبير بين طبيعتي دوريهما.فالطيب صالح مبدع ينطق عن فرادة نفسه و أصالتها الوجودية، بينما نقد كادر سياسي ينطق عن ارادة المنظمة السياسية التي فوّضته. و لو مات نقد غدا فان منظمته السياسية ستفوض غيره ليواصل الحديث باسمها،اما لو مات الطيب صالح غدا فلن يكون هناك في الوجود من يمكن أن يواصل الحديث باسمه.و فرادة الطيب صالح حظوة ما بعدها حظوة كونها تخلّقت على قاعدة المصداقية الابداعية المجانية التي لا تأبه بالكسب المادي الشخصي (و التي لا يأبه بها أهل السياسة). و هذه الصفة تكسب سلوك المبدع ثقلا خاصا يميزه عن السياسيين من كل المشارب. و في هذا المنظور تتأسّس شرعية المبدعين كـ" أقلية ساحقة" في مواجهة السلطات السياسية و غير السياسية. وفي تحليل نهائي ما، يبدو لي أن الفرق بين الطيب صالح و نقد لا يغيب على فطنة عادل عبد العاطي ، و أغلب الظن أن الاخ عادل عبد العاطي قد سعى لاستخدام الطيب صالح لنيل بعض الكسب السياسي بالطعن في المصداقية الاخلاقية و السياسية لخصومه السياسيين في أرض اليسار السوداني الذي يمثله نقد. و الطيب صالح في هذا المشهد ليس سوى" شاشة" يسقط عليها خصوم السياسة السودانية حزازاتهم و تظلّماتهم أمام الجمهور الحاضر في الصالة بذريعة الطيب صالح.أو قل أن الطيب صالح يصبح رهينة يتخاطفها الخصوم السياسيون و يبتزّون باسمها عواطف الجمهور الاعزل من النقد ، كونهم استشعروا أن الجمهور قمين باتباع المدافعين عن رموزه الابداعية العزيزة كلما شعر بأن هناك خطرا يتهددهم .."(أنظر " دليل الفالح في استخدامات الطيب صالح"، سودانفورأول دوت أورغ).


    شغل الــمُـصانـِِع:
    محمد سيدأحمد،
    لنقفل، مؤقتا، قوس الأستطرادات في عواقب ضمير الجماعة الماثل في عبارتك " كبارنا"، و لنرجع لبقية الكلام في الفرق بين عبد الله علي ابراهيم و محمد المكي ابراهيم.
    لو رغبت في إجابة بسيطة لقلت لك أن الفرق بين عبد الله علي ابراهيم و محمد المكي ابراهيم هو أن عبد الله لم يكتب " امتي"(وقد"لا ينبغي له").و هذه ـ في نظري الضعيف ـ إشادة عالية بقدر" شاعرنا"ـ و لو شئت قل هي :" فيض إعزاز" عديل ـ و ذلك دون ان تكون إقلالا من شأن عبدالله السياسي.
    ذلك أن الشاعر ساحر يخلّق المعاني تخليقا من فرادة روحه و من قلقها الوجودي قبل أن يجود بها ـ و" الجود قطعا في الجلود" ـ للفقراء والغاوين و أبناء السبيل، أبناء الشعب، فتسكّن الأفئدة الملتاعة و أيهان.
    ذلك أن الشاعرـ " ذلك المحسن حيّاه الغمام" ـ يبرّنا بحياته حين يفتح صدره ليطعمنا من لحمه ويسقينا من دمه حتى تكون لنا( و لهُ) " حياة أبدية".
    ذلك أن الشاعر خارج معارض لكل الأنظمة السياسية و غير السياسية مثلما هو أيضا صنايعي مخترع خامته لغة موجودة بين اللغة المتاحة وتلك الكامنة في رحم المجهول ، لغة يعرف كيف يَئـِر لنارها في لحم الخاطر حتى يكون الدفء في القلوب اليتيمة فنحيا و نهزم الفقر بأي وسيلة و.. أيهات.
    محمد سيد أحمد،
    لو قبلت إجابة بسيطة فقل أن محمد المكي ابراهيم ( بتاع "أمتي") شاعر ـ " و الشعراء قليل" في نظر مولانا الأمين علي مدني ـ بينما عبد الله علي ابراهيم سياسي يتمتع بـ "حساسية شيوعية " تجاه الممارسة الشعرية. عبد الله ناشط سياسي "مساوم" و" مُصانِع"( و لو شئت ضف " مشاكس") من طينة الرجال البراغماتيين كبابكر بدري أو الشيخ أبوالقاسم أحمد هاشم أو " فيدل كاسترو" بينما محمد المكي ابراهيم شاعر من نسل الأمين علي مدني و" أرتور رامبو" و " شي غيفارا" و غيرهم من المجانين الذين لا يخافون الله و لا خليفة المهدي زاتو.و الشاعر بعشوم " مابوالف كان صغير ربّوه" كما تعبّر حكمة الأهالي.فماذا يا ترى أصاب "شاعرنا" شاعر" أمتي"(أمتنا؟) حتى استكان و نام هذه النومة الطويلة في دهاليز الشعر الدبلوماسي قبل أن يوقظه مرض بولا ،العملاق السوداني، و يذكّره بقيمة شعر " أمتي"؟..( أنا جاييك يا شقليني لحكاية الشعر الدبلوماسي بتاع ناس أدونيس و وزير الداخلية "الشيراكي" دومينيك دوفيلبان )
    المهم يازول
    محمد المكي ابراهيم (بتاع "أمتي" و أشياءا شيقة أخرى) شاعر " بلا قيد و لا شرط".و الشاعر " بلا قيد( و بلا أجندة خارج اجندة الكتابة الإبداعية) رجل مشاتر و " مجنون" ( جن الأمين علي مدني )، وشتارته غير مأمونة العواقب كونه ينساق وراء اللعب بالكلمات و لا يبالي بما قد يصيب أهل التشاشات في سوق النزاع السياسي.طبعا المشكلة مع الشاعر المجنون هي أنه لا يجد من يصدقه لو عن له أن يترك جنونه و يتلبس لبوس الرصانة. و الرصانة في الشاعر أشنع من السرج على الكلب.و يبدو ان جنون الشاعر هداه ـ في لحظة جذب ـ إلى الخوض في ماء الرصانة الذي يحيط بـ : "الفكر السوداني" فأوقعه ذلك في شر أعماله. بينما عبد الله علي ابراهيم، الذي أنفق عقدا من عمره" تحت الأرض"، متفرغا للعمل العام داخل المؤسسة الحزبية اللينينية، رجل سياسي لا يعرف اللعب إلى قلبه سبيلا. عبد الله سياسي يتوسل للعمل العام بوسيلة الباحث الأكاديمي و بحساسية الناشط اللينيني الذي يعجم أدواتهو يعرّف اولوياته و ينبري لا يلوي على غيرها.و عبدالله يقيم بيننا ضمن قلة من السياسيين السودانيين المتمكنين من وسيلة اللغة و العارفين بفنون القول .و هو لا يني ينقـّب ويقلّب صفحات المتاع الشعري صفحة صفحة و يفاوض الكلم كلمة كلمة بسبيل الوقوع على:
    "إفتح يا سمسم"...
    تلك الكلمة السحرية التي تسحر الجمهور و تفتح مغاليق الواقع السوداني.
    و في مساره الطويل خبر الرجل أكثر من كلمة سحرية ابتداءا من " يا عمال العالم و شعوبه المضطهدة اتحدوا" لـ " الصراع (الطبقي) بين المهدي و العلماء" ،مرورا بصيانة الهويولوجيا العربسلاميةفي مواجهة (أو في مقارنة مع) الهويولوجيا الأفريقانية، لغاية رد الإعتبار للميراث الحقوقي للقضاء الشرعي.و من الضروري التنويه إلى أن مسار عبد الله ـ و تقافزه ـ بين كلماته السحريات ارتهن دوما بالسعي الجاد لفهم و تحليل ملابسات الواقع السياسي السوداني من موقع المراقب و الباحث الميداني.و هذه ميزة لا تتوفر في الكثيرين من أهل الأدب السياسي في السودان.و لا عجب فعبد الله يرتاد أرض العمل العام السياسي دون أن ينسى أدوات الباحث الميداني مثلما هو يركّب نصوصه السياسية دون ان يهمل هم التعبير الأدبي "والتعبير نصف التجارة"كما جاء في الأثر .


    محمد سيدأحمد،
    لو قبلت بتعريفي لعبد الله كسياسي فذلك يجعلنا نحاكمه محاكمة السياسيين.
    و في هذا الأفق فـ " هجوم " عبد الله على قرنق أو على محمود محمد طه إنما ينطرح كحديث سياسي يخاطب خصومه السياسيين.و في هذا المشهد
    " السياسي" فأنت مطالب بتفصيل قولك لأبعد من مجرد تلك العبارة العجولة التي أطلقتها في حق عبد الله لمجرد أنه حضر مؤتمر الإنقاذ الأول أو كتب يدافع عن هوية العربسلاميين أو أيّد عمر البشير أو هاجم جون قرنق.و لعبد الله ـ و لغيره ـ الحق في تناول قولك بالنقد أو بالتأييد و كل حشاش يملا شبكتو.و في نهاية تحليلي أشك في أن عبدالله يحتاج لدفاع أو لتبرير يمكن أن يصدر من جهة غيره. فالرجل موجود في ساحة المناقشة السياسية كل يوم و هو يدافع عن اطروحاته بكفاءة يحسد عليها.و أنا شخصيا اتفق مع عبد الله في بعض تفاكيره و أختلف معه في بعضها الآخر. لكن شرح خلافي مع تفاكير عبدالله ـ السياسية (و الجمالية)، ومع تفاكير آخرين غيره، ليس في قائمة أولوياتي الراهنة.و لو كنت أنت يا صديقي مستعجلا على تصفية حساب عبدالله علي ابراهيم فدونك الرجل و نصوصه مبذولة لكل من يرغب في التصدي لها. و سننتفع جميعنا بكل نقد " بنـّام "(و هو النقد البنـّاء الهدّام) يطال تفاكير عبدالله المركبة، سيّما و أننا نقرا كل يوم في كلامات الحانقين على عبدالله من مختلف المشارب (و المآكل) نصوصا لا علاقة لها بالنقد ،ناهيك عن نصوص " أولاد العرب" الخارم بارم التي لا علاقة لها بـ"كلام العرب" و لا "كلام الطير" و لا حتى بأي كلام.


    قلت ان عبد الله سياسي، وبحكمة السياسي الواعي بقدر نفسه و العارف بسعة ماعونه توصّل لموقف المصانع المساوم كخيار سياسي، و هو موقف غير مريح فداحته ووعورته تملك أن تثني أشجع أبطال المسرح السياسي السوداني، إلا أن عبد الله الذي لا ينشد الراحة زاهد في منصب "أشجع أبطال المسرح السياسي"، و لو شئت الدقة لقلت بانه الأشجع بين ذلك النفر الذي يعرّف في التقليد المسرحيي بعبارة "ضد البطل"( "آنتي هيرو")
    Anti hero

    على صورة الشيخ أبو القاسم أحمد هاشم، مؤسس معهد أمدرمان العلمي، الذي وقع عبد الله في سحر شخصيته الوطنية المغايرة و انتفع به ، كـ " ضد البطل" ، في التأسيس لمفهوم " نقد الذهن المعارض" ضد الصورة الأيقونية البسيطة للبطل الوطني التي لا تستغني عن صورة " الخائن الوطني".و إختصار التاريخ لمجرد " إذاعة ذكر الأبطال و تحقير الخونة" هو ، عند عبدالله زوغان عن " الشوف الشامل" في الظاهرة التاريخية.و " ادراك " الشوف الشامل"( و الحقوق محفوظة للشاعرة عائشة بت الملازمي) لا يكون بغير " ذكرى المصانعين" من نوع" ضد البطل" " ممن لن تكتمل معرفتنا بالأبطال بغيرهم، فضلا عن عدم جواز التاريخ ـ كعلم ـ إلا بهم" ( جريدة الصحافة 5 ـ 4 ـ 1980 أنظر " عبير الأمكنة " دار النسق 1988)


    .و أظن ان جذور موقف المصانعة عند عبد الله تعود لسنوات ما بعد أحداث يوليو الدامية التي تكشف للرجل فيها أن الحزب القوي المتجذر في تربة المجتمع السوداني، الحزب الذي صنع " ثورة أكتوبر" والذي كان الإعلام الغربي و العربي يوصّفه بصفة " أقوى حزب شيوعي في المنطقة" قد انمسخ بين يوم و ليلة دامية لحفنة من الناشطين المعزولين المطاردين المضطرين للحياة تحت الأرض.
    و لوكان لعبد الله أن يبقى في حصن المؤسسة الحزبية لبقي آمنا و لما كلفه ذلك جهدا.فهو كان يحتل منها موقع حظوة كمشرف على جبهة الثقافة في الزمن العصيب. و أغلب الظن انه كان سينمسخ إلى نوع من أيقونة لينينية للبطولة أو نوع من شيخ ثوري حكيم يحفظ تجارب الحزب و يوزّع النصائح للشباب الناهض مقابل آيات التبجيل و الرضاء العام و هو مرتاح في صدفة المؤسسة الحزبية.فالحزب درع عالي الكفاءة يحمي أهله كما الحصن الحصين.لكن عبد الله فضّل المخاطرة و المشاجرة مع خلق الله في العراء.و مرق للتلاف يناكف خصومه و يثير حفائظهم بأدواته النقدية الفتاكة و لا يوفـّر حتى حلفاء الآيديولوجيا و المتعاطفين معه من تقدميي الطبقة الوسطى " الهاربين " في الغابة من عسف الصحراء، فيتحرّش بهم،و يهجوهم هجاء غرائب الإبل و يزعزع طمأنينة الأعيان و الوجهاء بين عشائر التقدم، فكأنه يبذل الجهد الجهيد ليبقى مخلصا لموقف " شِقِتـّت" الشقي الذي " كان يمسح رجله بالزيت و يعرض للناس في "درب الترك" فإذا اتسخت بالغبار جعل ليلهم أظلم من سجم الدواك".(من "الإهداء" الذي صدّر به عبدالله كتابه الأول" الصراع بين المهدي و العلماء")


    اختار عبد الله " الشقي"، " حنك البليد البوم"، المخاطرة و المشاجرة في منطقة" المصانعة"و "المساومة" الحرجة و ظهره مكشوف للمؤججين من هواة الضربات السهلة بين رفاق الأمس الذين صاروا يصمونه بوصمة الخيانة و الإرتزاق و يكفنون في ثوبه "ميته" معارضتهم الطقوسية و هم في مأمن داخل حصن الرضاء الغوغائي العام.لكن "الفولة ابتمّلي و الفلاتة بجوا"،و ترجمتها في لغة " أولاد أمدرمان": الحساب ولد.
    أقول أن انخراط عبد الله في خيار المصانعة و المساومة قديم و سابق بسنين لمساومته و مصانعته مع نظام الإنقاذ.. فالمصانعة في الأصل موقف دفاعي.بل هي ـ في تجربة الحزب الشيوعي السوداني مكيدة استراتيجية أصيلة ، بدونها ما كان لهذا لحزب " الطليعي"(إقرأ : الصفوي) الصغير عدديا أن يبقى و يقيم على كل هذا البأس الرمزي الذي يتمتع به، " حدّادي مدّادي"، وسط قطاعات واسعة من السودانيين المتعاطفين مع أطروحاته دون ان يجرهم التعاطف للإنخراط في الحزب كعضوية منظمة. و ضمن استراتيجية الدفاع تمكن الشيوعيون السودانيون في أكثر من مناسبة ،من استثمار قوة خصومهم المهاجمين و تحريف إتجاهها و تملكها كوسيلة في رد الأذى السياسي عن جسم الحزب المعنوي و المادي.
    و في هذا يحفل ادب الحزب بلقيّات مقدّرات مثل رد فعل الشيوعيين السودانيين على الهجمة المركّبة التي كابدها الحزب، من داخله و من خارجه في نفس الوقت ، في منتصف الستينات، و القوم مازالوا سادرين في إجترار مجد الحزب بعد ثورة أكتوبر 1964.فقد فوجئ الشيوعيون السودانيون بحل الحزب الشيوعي المصري عام 1965 تحت تأثير الصعود الثوري للناصرية ضمن ملابسات الحرب الباردة.و قد ارتفعت أصوات تقدمية تتساءل عن ضرورة حزب طليعي ماركسي لينيني في مجتمع كمجتمع السودان.و برزت في تلك الظروف " الدعوة الى تكوين حزب اشتراكي و حل الحزب الشيوعي و دمجه في ذلك الحزب الذي ما زال في طور التكوين، و إنشاء تنظيم في داخله يسمى " القلب الثوري"(أنظر محمد سعيد القدال، معالم في تاريخ الحزب الشيوعي السوداني، دار الفارابي 1999، ص 173)و في نفس الوقت تم استهداف وجود الحزب من خارجه فيما عرف ب" حديث الإفك في معهد المعلمين" ، حين وقف طالب، أعلن انه ماركسي ، في ندوة نظمتها جبهة الميثاق الإسلامي حول موضوع البغاء،" و قال إن الزنا كان يمارس في بيت الرسول".."و فجر الحديث مشاعر غاضبة وسط جمهور الطلبة " .." كما اصدرت رابطة الطلبة الشيوعيين بيانا وضحت فيه ان الطالب ليس عضوا في الحزب الشيوعي".."و يبدو أن الأحزاب السياسية قررت استغلال الحادثة لتصفية حساباتها مع الحزب الشيوعي" (القدال، 153)
    و قد تميز رد فعل الشيوعيين على حادثة طالب معهد المعلمين(نوفمبر 1965) الذي استغلته الأحزاب اليمينية لحل الحزب و منع نشاطه و للتخلص من نواب الحزب في البرلمان.تميز بذكاء سياسي كبير،فقد قام الشيوعيون بتنظيم دفاعهم على محورين ، محور قانوني و محور سياسي. فعلى المستوى القانوني " رفع الحزب الشيوعي ثلاث قضايا دستورية، الأولى ضد تعديل الدستور ،و الثانية ضد قرار الحل، و الثالثة ضد طرد النواب. و أدى رفع القضايا الدستورية إلى نقل الأزمة من إطار التهريج باسم الدين و وضعها في حجمها السياسي" (القدال 159). و على المستوى السياسي تمكن الشيوعيون من أستنفار شبكة واسعة من الشخصيات و المنظمات و الهيئات الحزبية و النقابية، ليس للدفاع عن الحزب الشيوعي، و إنما للدفاع عن الديموقراطية.فانتشرت مسيرات الإحتجاج في مدن الأقاليم " و بلغت المسيرة في العاصمة 60 ألفا"( القدال 159).و قد استفاد الماركسيون المتمسكون بمفهوم الحزب اللينيني الطليعي من زخم التضامن الشعبي حول الحزب للتخلص من دعاوى خصومهم الذين كانوا ينادون بحل الحزب و دمجه في الحزب الإشتراكي الجديد.
    محمد سيدأحمد
    كما ترى فشجون الحديث عن دروس الحكمة الدفاعية للشيوعيين السودانيين طويلة، لكني لست بصدد بحث تراث " غريزة البقاء" في مشهد حزب الشيوعيين السودانيين، و إنما جرني لهذا الإستطراد إهتمامي بتقصي أصل مسلك المصانعة و المساومة عند قيادي شيوعي من عيار عبد الله علي ابراهيم.و أظن ان المصانعة عند عبدالله هي المرحلة الأولى من المساومة، فالمصانع شخص محاصر و ظهره للحائط و أولويته كسب الوقت الضروري لطرح مادة المساومة، و المساومة عملية تعليمية غايتها تفهيم الخصم القوي بمصلحته في الإبقاء على الخصم الأضعف.و على أثر المساومة تتم المفاوضة و هكذا.
    و قد استرعى انتباهنا فترة الصمت الطويل نسبيا الذي التزم به عبد الله أثر خروجه من الحزب الشيوعي في نهاية السبعينات .أذكر انني عند وصولي لفرنسا بعدها بحوالي عام سألني بولا: " و عبد الله عامل كيف؟" في معنى: عبد الله رأيه شنو؟ فقلت له شيئا مثل: عبد الله عامل ميّت..أعني ميتا كما الثعلب الذي يتظاهر بالموت حين يحس بالحصار يضيق عليه في مسد ضيق.و أظنها فترة تشاغل عبد الله فيها بشاغل البحث الأكاديمي و تراجع السياسي ليفسح المجال للباحث في الثقافة الشعبية و وقائع الشأن الثقافي العام.و أظن أن عبد الله قد بدأ ينظّر لمفهوم المعارض المساوم مع مطلع الثمانينات حيث أتاحت له الملابسات مسافة حرية مريحةفي التفكير و في التعبير باستقلال عن رفاق المؤسسة الحزبية التي هجرها و مسافة عمل عام مواتية بالنسبة لأجهزة النظام السياسي المايوي التي لم ينخرط فيها.كانت تلك أيام الثعلب المتظاهر بالموت و و العدو من ورائه و العدو أمامه.و لا أعرف بعد إن كان عبد الله قد ساوم ثمن مسافة الحرية التي حصل عليها من رفاق الأمس و كم دفع مقابل النجاة من طوائل " معارضة التأجيج و الفضح السياسي" ، فعبد الله لا يسهب في الحديث عن ملابسات خروجه من الحزب.لكنه بالمقابل لا يتردد في شرح و تبرير موقف المعارض المساوم الذي داوم عليه في ثمانينات عهد النميري و واصله في تسعينات عهد الإنقاذ.و هو شرح و تبرير موضوعه " نقد الذهن المعارض" كما جاء في عنوان مقدمته لـ " عبير الأمكنة".( الصادر عن دار النسق، 1988)
    كتب عبد الله عن مساهمته بالكتابة في صحف نظام النميري في 1980 ، و هي النصوص التي جمعها في كتابه " عبير الأمكنة"،
    "كتبت هذه الكلمات مساوما.
    كتبتها في صحيفة هي لسان حال الحزب الفردي الحاكم.. الإتحاد الإشتراكي سيء السمعة. و كانت المعارضة الرسمية لنميري لا ترى بشكل عام صواب الكتابة في مثل هذه الصحيفة لإلتزامها الحرفي بسياسة النظام " رضينا أم أبينا". و في هذا الموقف صواب كثير و خطل كثير أيضا. فالتزام الصحيفة بسياسة النظام و حجرها على كل نقد له مما لا يحتاج إلى بيان.غير أن هناك مساحة للحركة ما تزال و لا ينبغي ان تلغى جزافا. و لنتذكر ان الحركة الثقافية، الرازحة مثل غيرها تحت ترسانة القوانين المعادية للحريات ـ واصلت في الصحف المؤممة تطوير أفضل تقاليدها و هو الصفحات و الملاحق الثقافية و الأدبية".."و بهذا فقد كتبت هذه الكلمات في الحيز الذي سمح به النظام. بالأحرى كتبت هذه الكلمات في الحيز الذي يفرضه، بإطلاق، صدور صحيفة ما حتى على نظام موسوس مثل نظام نميري.
    و كتبت هذه الكلمات معارضا في المعاني التي ذكرتها آنفا. و هي معارضة قد استهون خبرها المعارضون المعتمدون لنظام نميري. و خطرها عندي أخطر لأن ثمارها عي الثمار المؤكدة التي نحملها معنا كتقليد فكري بعد زوال الطغيان لنستعين به في إعادة بناء الوطن في مثل الذي نحاول الآن.و هو تقليد يقوم على تنمية الحس بالملاحظة ، و النفاذ إلى الدقائق بالكشف المحيط للظاهرة للوقوف على نطاح الجدل فيها. و هذا التقليد شرط أول في معرفتنا بقسمات الوطن و اعلان باكر محبتنا له. و من شأن هذا الأداء الفكري أن ينزل بمعارضتنا من خفوق الشعار إلى رؤوس التفاصيل الشائكة الملهمة، و أن ينقلها من التباكي إلى الفعل. و سيغيرنا ذلك تغييرا كبيرا حين يحررنا من قلة الحيلة المستعان عليها بشراسة التعبير إلى التعبير المزلزل، المغير فالمنجز. و حينها تكون الكتابة شفاء في الوطن لا تشفيا منه".


    و لو تفحّصنا مصانعة عبد الله فهي محيرة حين ننظر إليها من مشهد المصانع الكلاسيكي الذي يلجأ للمصانعة كمكيدة تيسر " الفايدة" و الكسب الشخصي السريع.فهي مصانعة بلا فائدة ، مصانعة " حاصل فارغ". ذلك ان عبد الله الذي يعتبره بعض خصومه من " عملاء" نظام الإنقاذ لم يقبض ثمنا يليق بـ " عميل" من عياره الثقيل النادر.فهو لم يتول أي من تلك المناصب، ذات الفائدة، التي يتقاتل من أجلها بعض التقدميين السابقين ( ناس خالد المبارك و الشوش و منو و منو) ممن انبطحوا تماما أمام نظام الإنقاذ.و حتى طلبه بتصديق لاصدار صحيفة لم ينجح في الحصول عليه من سلطات نظام الإنقاذ. فما معنى هذه المصانعة التي لا تعود على صاحبها بأي منفعة مادية؟
    و لو تفحّصنا مساومة عبد الله فهي ليست مساومة الناطق الرسمي باسم مؤسسة جمعية حزبية أو عرقية أو دينية، إنها مساومة فرد ناطق بالأصالة عن ذاته ، لا بغرض الحصول على منافع فردية و إنما للحصول على شروط افضل لممارسة تكاليف العمل العام.و هذا الواقع يمسخ عبد الله لمقام ذلك الرجل الواحد الشجاع الذي يصنع أغلبية("إيميرسون" كان ما نخاف الكضب).و عبد الله بيننا رجل أغلبية،أو هو على اسوأ الفروض: " أقلية ساحقة".
    لكن صبر عبد الله الطويل على شبهات المصانعة و على وحشة المساومة ، ضمن مشهد السياسة الدامي، يحيرني و لا أجد له تفسيرا مقنعا.لماذا يعرض عبد الله نفسه لمكاره موقف " ضد البطل" و البيزنيس البطولي السهل في متناول يده في أي لحظة شاء؟
    هل يمكن تلخيص أمر عبدالله بأن المسألة برمتها ليست سوى تعبير ملتو عن مكابدات شاعر " مجنون" مُحبَط ضل طريقه إلى أرض السياسة ؟و هل انمسخ شاغل الشعر عند عبدالله، الشاعر السرّي ، إلى نوع من إنشغال سياسي عصابي يصعّد الممارسة السياسية لمقام الهاجس الشعري؟ مندري؟، لكن فضاء العمل العام السياسي كان سيفقد الكثير لو كان عبد الله قد استغنى بصناعة الشعر عن صناعة السياسة. و" رزق المساكين عند (الشعراء)المجانين" كما تعبّر حكمة شعبية من تحريفي.

    شغلنا كلنا


    http://sudaneseonline.com/forum/viewtopic.php?t=2042&post...8ad71d4dd16a8098de08
                  

05-20-2008, 06:32 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    الجزء الرابع والأخير 4-4
    بروفيسور عبدالله أحمد النعيم

    بروفيسور عبدالله أحمد النعيم يعتبر وجهاً مشرفاً للمفكرين السودانيين في المحافل الإقليمية والدولية، واستطاع ببحوثه وكتبه الفكرية القيمة حول الإسلام والمسلمين وحقوق الإنسان وقضايا التحرر الإنساني والقانون الدولي أن يقدِّم مساهمات ثرّة في الجدل الدائر منذ فترة عن هذه المواضيع الشاغلة للذهن الإسلامي بشكل خاص والإنساني بشكل عام. فوقاً عن ذلك أسهم النعيم في ترجمة بعض الكتب من الإنجليزية إلى العربية والعكس ولعل آخر اسهاماته في هذا المضمار نقله رواية البروفيسور فرانسيس دينق إلى قراء العربية »طائر الشؤم«.
    وفي المجال الأكاديمي، والذي استهل مشواره محاضراً في جامعة الخرطوم التي تخرج فيها، عمل بالعديد من الجامعات العربية والأفريقية والأوربية والأمريكية محاضراً واستاذاً زائراً. وظل على مدار العقدين الماضيين يسهم في مجال تخصصه »القانون الدولي« حيث يعمل الآن استاذا للقانون بجامعة ايموري بالولايات المتحدة، وشارك بتقديم المحاضرات وأوراق العمل حول تلك القضايا الفكرية والسياسية التي إنشغل بإجلاء وجهة نظره حولها، وبالتوازي مع هذه المجهودات الأكاديمية الرفيعة شارك في العديد من المؤتمرات الفكرية حول العالم وانصب عمق مشاركاته داخل الولايات المتحدة التي استقر بها. وبوصفه تلميذاً وفياً لأستاذه محمود محمد طه، والذي قدّم نفسه شهيداً في ميدان الفكر الديني والسياسي، لعب البروفيسور النعيم مع بعض تلاميذ آخرين للأستاذ دوراً مقدّراً في إبراز وتوضيح وتفسير مقولات مؤسس الفكر الجمهوري عبر العديد من الكتابات والندوات الثقافية. وأخيراً صدر للبروفيسور النعيم كتاب جديد حول العلمانية بالإنجليزية -وترجم إلى ثماني لغات- وصاحب هذا النشر تلبية لعدد من الدعوات لتوضيح الفكرة الاساسية للكتاب وقدم إلى منطقة واشنطن بدعوة من قسم الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة جورج تاون وقدم محاضرة هناك، وأعقبها بأخرى أقامتها مدرسة الجالية السودانية بالميرلاند بالتعاون مع الجالية السودانية.
    (الصحافة) انتهزت فرصة وجود البروفيسور عبدالله أحمد النعيم وأجرت معه هذا الحوار الذي تطرّق لعدد من القضايا، فإلى الجزء الرابع والأخير منه:
    * قيم الليبرالية الغربية بدت في حالات تمدد أكبر في ظل التأثير السياسي والثقافي والاقتصادي للولايات المتحدة وأوروبا، هل تمثل هذه القيم التي أثبتت فاعليتها حتى داخل البلدان الشيوعية نهاية لتاريخ الصراع الانساني للبحث عن قيم للتعايش وهل تؤمن بتيئة هذه القيم على مستوى العالم الاسلامي، خصوصا حرية نقد الاديان وحمايتها وحماية حقوق المثليين وحرية اقامة المعابد الدينية؟
    ـ أولا لا اقبل أو ارفض المبادئ لانها غربية أو إسلامية أو لنسبتها لهذه الحضارة او تلك وإنما أدعم ما أراه حقا وأعارض ما أراه باطلا بغض النظر عن الجهة التي ينسب لها المبدأ.. وكذلك أرى أنه لدى البحث المتروي في أعماق التجارب الانسانية التاريخية والمعاصرة فإننا سنجد أن المبادئ المنسوبة اليوم للولايات المتحدة أو الغرب أو الشرق، الاسلام أو المسيحية أو غيرها من الاديان والفلسفات هي في الحقيقة خلاصة التجارب البشرية المتنوعة والمتفاعلة مع بعضها البعض في كل زمان ومكان.
    ومن هذا المنطلق فاني أقف مع حقوق الانسان والقانون الدولي مع العدل والسلام مع التنمية والعدالة الاجتماعية ، وكل ذلك من خلاصات التجارب البشرية، وليس بمقتضى نسبة هذه المبادئ لأي من المجتمعات الانسانية دون غيرها من المجتمعات . فحرية الاديان وحق النقد والتعبير هي من المبادئ الأصولية عندي كمسلم إلا أن هذه القيم غير مطلقة ولا تفهم وتمارس بمعزل عن السياق التاريخي . فحقوق الانسان هي ما اجمعت البشرية عليه من خلال حوار الثقافات والحوار الداخلي في كل مجتمع، ولكنها دائما مقيدة بحقوق الآخرين . فحرية الدين والمعتقد لاي شخص مقيدة بضرورة احترام حقوق الآخرين في الكرامة والمعتقد أيضا. والقول بأن الحرية الجنسية مثلا من حقوق الانسان لا يعني أنها كذلك لمجرد أن المجتمع الامريكي والاوربي طالب بذلك.
    فالمطالبة بهذا الحق وطريقة تعريفه وعلاقته بحقوق الانسان القائمة اليوم هو مجال للحوار والنقد حتى تقبله أو ترفضه المجتمعات الانسانية على مدار الكوكب. فإذا تم قبول الحق أو رفضه فذلك لإجماع الانسانية على هذا الحكم، وليس لأن المجتمعات المتقدمة ماديا قد قبلت هذا الحق وفرضته على باقي المجتمعات الاخرى. واضيف هنا أن الصراع الانساني والاختلاف هي الصفة اللازمة للطبيعة البشرية وستبقى كذلك حتى يوم القيامة فمن العبث والصلف القول بان الليبرالية الغربية هي نهاية التاريخ..فالصراع والاختلاف كان منذ بداية التاريخ وسيبقى بين البشر، وذلك قبل أن تكون هناك ولايات متحدة أو بريطانيا أو فرنسا أو السعودية أو الصين وستكون بعد أن تنتهي كل هذه الدول وتزول حضاراتها...
    * كانت لديك تجربة في ترجمة أعمال للبروفيسر فرانسيس دينق..طائر الشؤم وخلافه، كيف تثمن فكر دينق وكيف تنظر لعمله الروائي داخل حقل الرواية الافريقية والسودانية..؟
    ـ أنا أكاديمي في مجال القانون بخاصة، ومعرفتي بالادب محدودة للغاية، كما أن معرفتي بفكر وأدب الدكتور فرانسيس دينق غير كافية بحال من الاحوال ..ولكن من حدود ما أعرف فإني أعتقد أن الدكتور دينق قد قدم مساهمات قيمة للغاية في مجالات القانون والانثربولوجيا ودراسات الهوية والسلام على المستوى الافريقي والسوداني بخاصة. ولعله من دواعي محن السودان المتواصلة بأن افكار خيرة ابناءه وبناته، مثل الدكتور فرانسيس دينق غير معروفة لدى غالبية المتعلمين السودانيين. وقد كانت ترجمتي لرواية «طائر الشؤم» محاولة مني في التعريف بفكر وأدب الدكتور دينق بين قراء العربية في السودان والمنطقة العربية عموما.
    * إذن ما هو الاستنتاج الذي خرجت به من قراءة ثم ترجمة رواية «طائر الشؤم»..؟
    ـ لقد حرصت على ترجمة رواية طائر الشؤم بخاصة لأنها تتعلق بجوهر صراع الهوية وأزمة القومية السودانية وهي قضايا مرتبطة بالحرب الأهلية في دارفور كما في الجنوب، فترجمتي لتلك الرواية كانت مساهمة في الحوار القومي السوداني وليس فقط لنقل ادب وفكر انساني إلى القارئ العربي والسوداني بخاصة.
    * اتفاقية نيفاشا مثلت منعطفا جديدا في واقع السودان وافرزت حقائق جيدة على مستوى العمل السياسي السوداني بإعتبارك خبير في مجال القانون كيف تقيمها ؟
    ـ لا أعتقد ان الاتفاقيات في حد ذاتها كافية لتغيير الواقع أو إفراز حقائق جديدة في العمل السياسي في اي مكان. فإذا وعيت القيادات السياسية وعرف عامة الشعب أن الحرب لا تجدي وانه لا بد من التفاوض والتعاون لتحقيق السلام الشامل والعادل وتواصلت هذه المعرفة والوعي مع إرادة التغيير فيمكن أن تقوم الاتفاقيات بدورها في توفير الاطار القانوني والمؤسسي للعمل المتواصل لتحقيق أهداف الاتفاق. فأنا كقانوني سوداني أرى اتفاقية نيفاشا كبداية ممكنة لتحقيق السلام في السوداني لكني أعرف أيضا ان هذا لا يكفي إذا لم يكن تعبيرا عن ارادة السلام لدى عامة الشعب السوداني ومحور العمل الدائب من جميع القيادات السياسية السودانية فالسؤال عندي هو ماذا فعلنا باتفاقية نيفاشا منذ ابرامها وكيف نواصل الجهد لجعل السلام حقيقة معاشة وليس مجرد امان في الحبر على الورق..؟
    * بدت أيران بخلفيتها الشيعية قوى جديدة في منطقة الشرق الأوسط وهناك تمدد للفكر الشيعي في البلدان الاسلامية ..هل سيكون الصراع في المستقبل بين الفكر السني والفكر الشيعي؟
    ـ كما سبق القول فإن الاختلاف هو سنة الله سبحانه وتعالى في البشر ولن ينتهي بحكم نصوص كثيرة في القرآن، وقد بدأ الاختلاف بين المسلمين يوم توفى النبي عليه الصلاة والسلام، ونتج عن ذلك ما يسمى بالجماعات الشيعية والسنية خلال قرون عديدة وفي مواقع مختلفة ..وقد تداولت هذه الجماعات الغلبة فيما بينها في مختلف انحاء العالم الاسلامي على مدى التاريخ، بما في ذلك بعض الدول كمصر وتونس المعروفة الآن بانها سنية والتي كانت الشيعة الاسماعيلية هي الغالبة فيها ايام الدولة الفاطمية في شمال افريقيا. وكذلك الحال في اليمن وانحاء من الجزيرة العربية، وفي إيران التي كانت غالبية اهلها من السنيين قبل أن تتحول إلى الشيعة الاثني عشرية.
    لذلك لا ينبغي الحكم على مستقبل المجتمعات الاسلامية بما عليه اليوم، وليس الامر هو غلبة فريق دون آخر، فهذا المنظور البسيط ـ مثل تمييز السودانيين بين الهلال والمريخ ـ لا يليق ولا ينطبق على القضايا الكبرى التي تواجه المجتمعات الاسلامية والانسانية جمعاء اليوم وفي المستقبل. فالسؤال عندي ماذا تفعل المجتمعات السنية بسنيتها وماذا تفعل المجتمعات الشيعية بشيعيتها في الماضي والحاضر وفي المستقبل..؟
    * ولكن كيف يتم وضع حد للخلافات المذهبية بين السنة والشيعة والتي أهدرت الكثير من الارواح والاموال وهل من الممكن تقديم مساهمة فكرية في هذا الجانب..؟
    ـ هناك خلافات عديدة وواضحة بين السنيين والشيعة من المسلمين كما توجد الخلافات بين قطاعات مختلفة في كل فريق، فمثلا نجد الشيعة الزيدية هم أقرب إلى السنينيين منهم إلى فرق شيعية أخرى، وفي هذا المجال فالمطلوب هو مواصلة الحوار الفقهي بين كل قطاعات المسلمين بطرق موضوعية وودية وسلمية فهذا ما كان بين هذه الجماعات في صدر الاسلام وما ينبغي أن يكون الحال الآن وفي المستقبل..إلا أن هذا الجانب الفقهي والفكري يختلف عن التنافس والتنازع بين هذه الدول في المنطقة العربية وعلاقتها بإيران وهذه صراعات سياسية حول مطامع الثروات والنفوذ السياسي تكون في مختلف المواقع وللعديد من الاسباب، وقد كان ذلك النوع من الصراع السياسي بين مصر والسعودية حول اليمن أيام عبد الناصر كما كان بين الكويت والعراق ايام صدام حسين وهذا يشير إلى الصيغة السياسية لهذه الصراعات أكثر من انطلاقها من الاختلاف العقائدي كما كان الصراع السياسي ولن ينتهي ذلك في الحاضر ولا المستقبل، فوحدة المسلمين لم تتحقق منذ أن إلتحق النبي عليه الصلاة والسلام بالرفيق الأعلى.المهم هو تأسيس مبادئ الخلاف الموضوعي والتفاوض على الخلافات السياسية بدون اللجوء إلى العنف بدلا من التمني بالوحدة التي لم ولن تكون.
    سياسة التعريب والتعليم العالي كيف تنظر إليها بوصفك كنت محاضرا بجامعة الخرطوم؟
    لقد كانت سياسة التعريب كارثة كبرى على التعليم العالي في السودان لانها فرضت بطريقة عشوائية ومتسلطة في غياب الامكانيات والوسائل اللازمة لمعالجة القضايا التعليمية الكبرى..فما دام ظللنا في تبعية للغرب في مجالات العلوم الطبيعية والاجتماعية والمجالات التقنية فلا بد لشبابنا من المقدرة على دراسة هذه المواد في اللغات الاوربية والتعامل مع الوسائل العلمية في البحث بتلك اللغات فالتعريب انما يكون بتنمية قدراتنا على انتاج المعرفة والمساهمة في تطوير العلوم وليس بقرارات فوقية عشوائية ومتعسفة ..محنة التعليم العالي في السودان هي أحد الخسائر الفادحة التي عانى منها السودان تحت وطأة الدولة الشمولية الدينية وأملي ان نكون قد وعينا هذا الدرس حتى لا ننكرر امثال هذه التجارب الهوجاء.
    * هل هناك مساهمات للفكر الامريكي الحديث في الاجابة على الاسئلة العالمية لفتت نظرك؟
    ـ لا أرى أن هناك فكر امريكي شامل ومتميز عن غيره من التيارات الفكرية في جماع الفكر والجهد البشري العام. فيمكن الاطلاع مثلا على انتاج المفكرين في مجالات الفلسفة والعلوم الاجتماعية أو غيرها من المجالات ومنهم من هو امريكي الجنسية أو ينتمي إلى غير ذلك من بلاد العالم ..ويمكن قياس تلك المساهمات بمعايير المجال العلمي نفسه وليس على أساس انتساب الباحث لهذا البلد أو ذاك.
    ولكن ما يمكن أن يقال في هذا المجال ان السؤال هو كيف توفر الظروف والمناخ الذي يعين على الانتاج الفكري والعلمي المتقدم وسنجد في ذلك أن الولايات المتحدة من انجح بلاد العالم في دعم وتطوير الابداع والعلمي بضمان الحريات العامة وتنمية الامكانيات المادية والمؤسسية لتنمية وتطوير المناهج الفكرية والعلمية. فأين نحن في السودان وباقي انحاء العالم الاسلامي من هذا المستوى وحقيقة الامر أن تخلفنا الراهن هو بسبب عجزنا عن معايشة قيم الاسلام في التسامح والتفكير العقلاني.
    * ولكن معظم تيارات الفكر الامريكي متواطئة مع المشاريع الامبريالية للولايات المتحدة..؟
    ـ اختلف معك في هذا الرأي فالفكر الامريكي يتنوع من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين وكل المراحل والدرجات بين هذا وذاك. كما هناك من الفكر الامريكي ما خاطب ويخاطب قضايا التحرر ويناهض مشاريع الامبريالية العالمية وأعتقد كذلك أن البيئة الامريكية تساعد على وجود مفكرين وناقدين للتجربة التاريخية الامريكية بأكثر مما هو موجود وممكن في العالم الاسلامي عموما والمنطقة العربية بالتحديد..وهكذا فإني أختلف معك في كل اطراف السؤال المطروح..فغير صحيح أن جميع تيارات الفكر الامريكي متواطئة مع المشاريع الامبريالية. وغير صحيح أن الفكر الامريكي يفتقر للجانب النقدي والناقض للتجارب التاريخية إلا أننا لا نطلع على أغلب جوانب وانتاجات الفكر الامريكي إلا فيما يتعلق بالمنطقة العربية والصراع الفلسطيني الاسرائيلي أو المسائل الاسلامية عموما. وحتى في ذلك المجال الضيق نميل إلى ملاحظة ما يوافق رأينا ورؤيتنا للمسائل ولا نرى سعة وتنوع الانتاج الفكري الامريكي على حقيقته. وكذلك نتأثر بالعرض الاعلامي الضيق والمغرض ونعتمد على «FOXNEWS» و «CNN» و لا نشاهد «CSPAN» و « NPR»
    * هل يمثل المحافظون الجدد الذين نشطوا خلال إدارة الرئيس بوش مقابلا موضوعيا للاصولية الاسلاموية؟؟
    ـ من يسمون بالمحافظين الجدد أو الاصوليين هم تيارات فكرية وسياسية انتجتها ظروف موضوعية معينة في سياق تاريخي محدد. ولا اعتقد أنه من الممكن الحديث الموضوعي عن هذا التيار أو ذاك بأعتبارها ظواهر ثابتة ودائمة بل هي تيارات فكرية وسياسية ومؤقتة ومحدودة كما أن هناك تنوعا وخلافا بين مختلف اعضاء هذا التيار وذاك بحيث يصعب تصنيفهم جميعا بصورة قاطعة تميزهم عن غيرهم من المفكرين والناشطين ..فلا المحافظة هي وقف على المحافظين الجدد ولا الاصولية هي وقف على الاسلاميين ففي الليبراليين من هو محافظ في بعض المسائل وبين العلمانيين من هو اصولي في ضيق افقه وضعف فهمه للمسائل.
    * كان للاساذ محمود محمد طه مساهمة فكرية لحل أزمة الشرق الأوسط..إلى اي مدى يمكن التنبؤ بمستقبل هذه الازمة..؟
    ـ لقد أثبتت الاحداث بصورة قاطعة صحة وحكمة تحليلات ومقترحات الاستاذ محمود محمد طه حول قضية الشرق الاوسط ، وإذا إطلعنا اليوم على كتابات الاستاذ محمود حول هذه المسائل في منتصف الستينات من القرن العشرين فسنجدها نظرة مطلع على الاحداث اليوم وكأنها ماثلة أمامه. والمحزن في الامر أن الامور كانت ستنتهي إلى السلام العادل اليوم لو كانت النصيحة التي قدمها الاستاذ محمود قد وجدت القبول يوم أن قالها. ولكن لا يزال من الممكن إتباع تلك النصيحة والعمل بها لتخيف الضرر الذي وقع على القضية الفلسطينية وعموم حال الدول العربية.. وإذا لم يقبل العرب تلك النصيحة الحكيمة فسوف يواصلون في دفع الثمن الغالي وتبديد الجهد والارواح والاموال في مطاردة الاوهام والسراب. وأقول بضرورة الاعتراف بإسرائيل والتفاوض معها اليوم لتحقيق القدر الممكن من المكاسب للشعب الفلسطيني ثم الانصراف إلى إصلاح الحكم الديمقراطي والتنمية الشاملة ..فكما قال الاستاذ محمود منذ أكثر من ربع قرن فإن اسرائيل ليست المشكلة وإنما المشكلة هي أن العرب لا يزالون على قشور من الاسلام وقشور من الحضارة الغربية العلمية المادية . وقد قال الاستاذ محمود إن اسرائيل هي الكرباج الذي يقود العرب إلى الاسلام الصحيح الذي يربي النفوس ويصلح العقول ..فلنا أن نفهم حقيقة ما قال ونعمل به أو نواصل تحمل الهزائم والمهانة والمذلة بتبعيتنا العمياء للغرب حتى بين من يزعمون بعث الاسلام فينا..فالاستعمار لا يزال في العراق اليوم وسيبقى بصورة مختلفة في مختلف انحاء العالم الاسلامي ما دام بقينا نحن على قشور من الاسلام وقصور من الحضارة العلمية المادية ..هذا هو قولي في أمر مشكلة السرق الاوسط وجميع المشاكل الكبرى التي تواجه المجتمعات الاسلامية في كل مكان..
    * ولكن قد يقول قائل يا دكتور أن تأسيس اسرائيل تم بناء على الفكر الصهيوني لأرض الغير..فكيف يتم الاعتراف بها..؟
    ـ حقيقة وجود اسرائيل كدولة تعود إلي ظروف الحرب العالمية الثانية وانحسار الاستعمار في منطقة الشرق الاوسط مع نهاية الامبراطورية ونشأة الدول في هذه المنطقة فلم تكن الاردن موجودة قبل أن أن يخلقها الاستعمار البريطاني الذي شكل العراق وكذلك الاستعمار الفرنسي الذي انتج لبنان وسوريا فإذا أمكن مراجعة بدايات دولة اسرائيل وفكرة تأسيسها فإن ذلك ينطبق على جميع دول المنطقة العربية أيضا.
    وإسرائيل الآن دولة ذات سيادة دولية وعضو في الامم المتحدة ومعترف بها من جميع دول العالم ما عدا بعض قليل من الدول العربية ..حتى بين الدول العربية اليوم فليس هناك أدنى شك في قبولها جميعها لوجود اسرائيل وحقها في البقاء كدولة مستقلة ذات سيادة فالقول بعدم الاعتراف بإسرائيل هو مغالطة وعناء طفولي لا يخدم القضية الفلسطينية ولا قضايا التحرر والاستقرار في المنطقة العربية عموما. فالسياسة الحكيمة هي التعامل مع الواقع كما هو بدلا من الاسترسال في الاحلام والاماني أن يكون الحال كما نرجو وليس كما هو حقيقة على الارض.
    صحيح أن الدول الغربية تتعاطف مع حق اسرائيل أكثر مما تفعل مع حقوق الفلسطينيين وهذا أمر يعود إلى عدد من العوامل والاسباب منها الشعور بالذنب لما حدث لليهود ومنها كذلك مقدرة اسرائيل على تقديم نفسها كحليف موثوق به للدول الغربية في المنطقة العربية، والسؤال عندي هو لماذا تنتظر من الدول الغربية الاستعمارية نصرة القضية الفلسطينية ..؟ لقد ناصبت الدول الاوربية العداء للعرب والمسلمين منذ وقت طويل وغزت واستعمرت الدول العربية وكذلك فعلت الولايات المتحدة ولا تزال تفعل اليوم في العراق ومع كل هذا لما نستغرب اضاعة العالم الغربي لحقوق الفلسطينيين ولماذا تنتظر الدول الغربية غير ذلك...؟ وأهم سؤال عندي هو ماذا نفعل نحن العرب والمسلمين في نصرة القضية الفلسطينية وحفظ حقوق الفلسطينيين..جميع الدول العربية اليوم، جميعها وكل واحدة منها معتمدة تماما على الغرب في اقتصادها وفي تسليح وتدريب وتأهيل اقتصادها وفي تسليح وتدريب قواتها المسلحة. هل ننتظر من الغرب أن يمكننا من هزيمة اسرائيل وازالتها حتى نقيم دولة فلسطين الحرة..؟ هذا لن يكون ونحن أضعف من تغيير هذا الواقع ومع ذلك نخدع انفسنا بالاماني الساذجة.

    http://www.alsahafa.sd/News_view.aspx?id=48532
                  

05-20-2008, 06:39 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    مع اقتراب الانتخابات..
    العمل الجبهوي ومحطات التحالفات السياسية
    عداد: عمرو شعبان صالح

    تعتبر ظاهرة التحالفات السياسية في الساحة السودانية من أبرز الظواهر وأكثرها انتشاراً وتمتلك رصيداً تاريخياً يكاد يكون مقارباً لتاريخ تكوين الدولة السودانية الحديثة، وهو ما يجعلها ظاهرة جاذبة للإنتباه في سياق التجربة الوطنية السودانية ومن الملاحظ أن أدب التحالفات والعمل الجبهوي، كان ينشط في فترات مصادرة الديمقراطية كتعبير عن وحدة العمل المعارض في مواجهة الأنظمة الحاكمة وبنيتها الأحادية مما يقود للقول إن ظاهرة التحالفات السياسية السودانية مثّلت وما زالت، قمة النضج السياسي في الحزبية السودانية، ولعل أبرز نموذج لهذه التحالفات «التجمع الوطني الديمقراطي» الذي ضم معظم ألوان الطيف السياسي السوداني ومؤسسات المجتمع المدني السودانية ونقاباته، كل هذا الزخم فتح الشهيّة في محاولة لسبر أغوار هذه الظاهرة في خضم بحر السياسة المتلاطم الأمواج بفعل المتغيّرات المحلية والإقليمية والدولية وما تلقيه من ظلال على هذه الظاهرة ومحاولة استنتاج حول التحالفات المستقبلية لوطننا الذي لا تزال سفينة استقراره تبحث عن معادلة حلٍّ مع أمواج الواقع المتمرِّدة.
    في ظل أسئلة حول الملامح التاريخية لهذه الظاهرة ومدى نجاحها، حملت «الصحافة» أسئلتها وراحت تبحث واستهدفت أعضاء أحزاب سياسية وناشطين ومهتمين فكانت الحصيلة:
    ? المهندس هيثم جمع الله- المكتب السياسي- الحزب الوحدوي الديمقراطي الناصري:
    هنالك دوماً سؤال يفرض نفسه عند الحديث عن التحالفات السياسية: هل هي غاية في حدِّ ذاتها أم وسيلة لتحقيق الحد الأدنى أو إيجاد الحد الأدنى من حلول مشتركة لقضايا الوطن؟ أي هل هي رغبة جامحة فقط في التحالفات وهواية أم العكس؟ إن الإجابة في اعتقادي تمثل مدخلاً مناسباً لتفكيك هذه الظاهرة في السياسة السودانية.
    فإذا نظرنا لتاريخ التحالفات القائمة في السياسة السودانية، نجدها تعبِّر عن غاية في ذاتها لتحقيق مآرب المكونين لها، أي التحالفات. وليس لأهداف التحالف المتمثِّلة في برنامج الحد الأدنى والذي يمثّل أيضاً مساهمة المكونين له عبر حوار داخلي عميق وديمقراطي أي تحقق أهداف لا تمثّل ما تواضع عليه التحالف ككل. والدليل، أن كثيراً من التحالفات تتصدّع وتنقسم بمجرّد أن يلوح في الأفق كرسي السلطة، وهذا دليل واضح على غايته -التحالف- الذاتية، والأمثلة على ذلك تتعدد.
    ? إذاً، هل ينطبق هذا على التجمع الوطني الديمقراطي؟
    = التجمع الوطني، تجمع قوى الانتفاضة، تحالف الجبهة الوطنية... إلخ، فتحالف الجبهة الوطنية أفضى للمصالحة مع النميري، ودخل الاتحاد الاشتراكي، برغم وجود قوى في الاتحاد الاشتراكي لها رأي في الاشتراكية نفسها. لكنها رأت أن الدخول يحقق مصالحها وأهدافها فدافعوا عنها، وانقلبوا عليها عندما تبدّلت مصالحهم وعادوا في أوقات أخرى وكفّروها -أي الاشتراكية-، كذلك تحالف قوى الانتفاضة، لم يستفد من التحالف السابق له المتمثّل في الجبهة الوطنية لذا تكررت الأخطاء برغم تحقق الهدف الظاهر بسقوط نميري، ويبقى الهدف الخفي المتجدد دوماً وهو الصراع على السلطة. ولكن هذه المرّة عبر الانتخابات وبالوصول للكراسي عادت الكرة. ائتلافات داخلية تعضد التمسك بكراسي السلطة فيتم لفظ البعض وانقلاب على الشرعية، وهكذا استمرت الدائرة المفزعة المعروفة في السياسة السودانية، تحالف جديد ضد الشمولية ينشد الحرية ثم ينقلب أصحابها عليها. وينشدون العدالة وهم أبعد ما يكونون عنها. والدليل على ذلك أن هناك تحالفاً قام من أجل اسقاط نظام شمولي ثم فاوضوا ثم دخلوا في السلطة فرادى، وعضّدوا مواقفهم في السلطة، أي أن النظام الشمولي والذي كان قيام هذا التحالف رد فعل على انقلابه على الشرعية الديمقراطية أصبح أولئك شركاء له في السلطة وهكذا.
    وما يدهش في الأمر أن هنالك أحزاباً تشارك في السلطة وتتحالف في المعارضة لاسقاط نفس السلطة التي تشارك فيها في الوقت ذاته، وهذا يعني بالتأكيد تضاربا في الأهداف وفي المفاهيم وفي الوسائل، وهذا إن دلَّ فإنه يدل على تخلّف القوى السياسية وعدم المنهجية العلمية في قراءة الواقع قراءة صحيحة وبالتالي وضع الحلول الصحيحة للمشكلات.
    ? في تقديرك ما هو الحل من أجل الوصول لصيغ تحالفية سليمة، خصوصاً وأن الانتخابات قد اقتربت كثيراً؟
    = في تقديري أن الحل للخروج بصيغ تحالفية سليمة تمثل استجابة لمطلوبات الواقع في ظل تقارب للرؤى السياسية بين أحزاب سياسية، يتمثّل هذا الحل في الجنوح نحو العلمية كصفة ملازمة للتطوّر نحو الأفضل في إطار النظر لكل المشكلات السياسية من أجل الاستفادة من الأخطاء السابقة. مع ذلك أعتقد أن مسألة التحالفات هي جزء من عملية الجدل الاجتماعي والذي يمثّل قانون تطوّر المجتمعات في الاشتراك في معرفة المشكلة ووضع الحلول وتنفيذ هذه الحلول، بالعمل وهذا لن يتأتى إلا في ظل واقع ديمقراطي داخل التحالف نفسه بإبداء الرأي بحرية والمساهمة في تنفيذ الحل برغبة صادقة وأكيدة تحرّكها الدوافع الوطنية أو الإرادة الوطنية الصادقة.
    الأستاذ الكاتب الصحفي بالزميلة الأيام تاج السر مكي:
    أشهر تحالف في تاريخ السياسة السودانية الحديثة هو تحالف الاستقلاليين في الجبهة المعادية للاستعمار الذي ضم الحزب الشيوعي وحزب الأمة والحزب الجمهوري، وما تجدر الإشارة إليه أن الحزب الجمهوري الاشتراكي يختلّف عن الحزب الجمهوري أو الجمهوريين، فالحزب الجمهوري الاشتراكي نشأ من زعماء القبائل، وكان هؤلاء بمثابة أول تحالف سياسي في مواجهة الاتحاديين. وعموماً داخل الجبهة هناك أحاديث كثيرة.. حيث تحدّث حزب الأمة عن تكوين علاقة خاصة مع الإنجليز والاستقلال على شاكلة «الكمنولث» على غير موقف الشيوعيين، وحزب محمود محمد طه الذي تحدّث عن استقلال مطلق. انتهت هذه الجبهة بمجرّد إعلان الاستقلال وعلى العكس، أصبح الحزب الشيوعي أقرب للاتحاديين والجمهوريين، وأصبح موقفهم مستقلاً، وداخل الاتحادي الديمقراطي الذي نشأ من طائفة الختمية ودعاة الاتحاد مع مصر بما فيهم الأبروفيون، والذي يمكن تصنيفهم مجموعة من نخبة مثقفة، متأثرين بالاتجاهات الغابية، وأصبح في النهاية حزب الشعب والاتحادي الديمقراطي، ولا يمكن قول ذلك على حزب الأمة، برغم تكوينه التكنوقراط والأنصار، ولتكوينه تمت مخاطبة السيد عبد الرحمن المهدي وعبد الله خليل والشنقيطي وغيرهم، وتكون حزب الأمة بشرط أن يكون على رأسه صديق المهدي وعبد الله خليل، وأخيراً محمد أحمد المحجوب.
    كذلك في عام 1956م تحالف حزب الأمة مع حزب الشعب الديمقراطي، وتكوّن ما يسمى «بحكومة السيدين» واستمرت حتى انقلاب نوفمبر 1958م. ويبدو أنه تحالف للوصول للسلطة وليس له أساس برنامجي لأنه بمجرّد استيلاء العسكريين على السلطة، جاء ما يشبه التأييد من السيد عبد الرحمن والسيد علي وسرعان ما حدثت الخصومة عندما تم اعتقال القيادات السياسية في حزب الأمة وحبسهم ومنهم عبد الله خليل، نقد الله، أحمد سليمان، عبد الخالق محجوب، أزهري وشاخور مشجع المريخ. والحديث عن 1958م مرتبط كما قال عبود بالتعليمات التي جاءته من وزير الدفاع، أي أن هناك اتهاماً عاماً أن الإنقلاب تسبب فيه حزب الأمة لأن تحالفه مع الشعب كان مهدداً بالانهيار، وعلى الرغم من انتهاء العلاقة بين الانقلاب وحزب الأمة إلا أن الشعب أيَّد بوثيقة شهيرة «كرام المواطنين» وموقعة بعدد كبير من القيادات متوهمين أن انقلاب عبود شبيه بعبد الناصر خاصة في حماسة الانقلاب لتعريب الجنوب وأسلمته.
    عموماً، في أثناء فترة الحكم العسكري كانت هنالك جبهة عريضة ضمت الاتحاديين والشيوعيين وحزب الأمة، لكنها لم تستمر، فقامت أكتوبر 1964م وتحالف الحزب الشيوعي مع حزب الشعب، وبصفة عامة فإن الخلاف الرئيسي بين حزب الأمة وحزب الشعب كان هو قبول المعونة الأميركية، كذلك كانت هناك العديد من التحالفات أبرزها التجمع الاشتراكي الديمقراطي كذلك الاتحاد النسائي واتحاد المزارعين واتحاد العمال، ولم يتم الاستفادة من هذه التحالفات بسبب مقاطعة حزب الشعب للانتخابات، ولكن هنالك كيانات وتحالفات على شاكلة تحالف الشيوعيين والديمقراطيين والذي برز في جامعة الخرطوم وعرف باسم «الجبهة الديمقراطية»، وقبل ذلك برز في الجبهة المعادية للاستعمار، كذلك نشأ تحالف بعد حلّ الحزب الشيوعي وتكوين جبهة الدفاع عن الديمقراطية وانضمت لها أحزاب صغيرة وكيانات وجمعيات وتنظيمات مستقلة، وشرائح من الحزب الاتحادي الديمقراطي، لكنها لم تشكِّل كياناً مستقلاً لعدم وجود برنامج سوى القضية المحددة قضية الدفاع عن الديمقراطية، كذلك تكوّنت جبهة الهيئات وهو تحالف بين النقابات، بعد ذلك جاءت فترة ما بعد أكتوبر بدون تحالفات، وانقسم حزب الأمة إلى كيانين بقيادة الصادق المهدي، وكيان بقيادة الإمام الهادي، وكان سبب الخلاف حول دور الإمام السياسي، وتشكّلت تحالفات مؤقتة بين الاتحادي وبين الصادق المهدي، ثم بين الاتحاديين وبين حزب الأمة جناح الإمام من أجل تكوين الحكومة «ائتلاف»، في هذه الأثناء شرع في تكوين الحزب الاشتراكي في كيانات بسبب نشاط الحزب الشيوعي، وفكرته لم تستمر.
    من ثم قامت مايو، وتكوّنت تحالفات عديدة للمعارضة بين الأمة والاتحادي من تحالف الجزيرة أبا، أثناء وجود الشريف الهندي وجبهة الميثاق ثم كيانات متعددة باعتبار أنها ما يسمى الجبهة الوطنية، ولم يشارك فيها الحزب الشيوعي، وجاء انقلاب يوليو 1976م وأحداثه المعروفة، وبعد ذلك العديد من المناهضات السياسية العادية..
    وأخيراً تكوّن التجمع الوطني الديمقراطي، وهو تحالف يضم حزب الأمة والاتحادي والشيوعي والنقابات. وعلى ضوئه اندلعت الانتفاضة، وبعدها تم تحالف جزئي بين كل القوى السياسية في دائرة الخرطوم «الصحافة» لاسقاط حسن الترابي، وقد كان ذلك.
    في تقديري، أن أهم تحالف ضم القوى السياسية هو التجمع الوطني الذي تكوّن بعد انقلاب 1989م وهو الأهم لسبب بسيط لأنه اشتمل على مراجعة كاملة للنشاط السياسي في الفترة الديمقراطية، وأبرز عيوبها وهشاشتها، كما ولأنه ضم كتحالف لأول مرة حركة جنوبية شاملة، وكالعادة بدأ يتفتّت، وبرغم ذلك ترجع له القيادات السياسية من وقت لآخر. وآخر حديث قاله السيد الصادق في ندوة المفصولين وكان يتحدث عن نيفاشا، فقال «لقد أعددناها في مؤتمر القضايا المصيرية أسمرا، وهو المؤتمر الأساسي الذي نوقش فيه ماضي ومستقبل السودان، فالتحلل من اتفاقية نيفاشا يُعد تراجعاً كبيراً جداً.
    ? ألا ترى أن التجمع الوطني بوثيقته التاريخية والتي يقال إنها في خبر كان، يمثِّل نقطة تحوّل تاريخية في مسار التحالفات السياسية السودانية، مما يدفع في اتجاه المحافظة عليه ودفعه للعمل خصوصاً في ظل ظروف المرحلة الحالية، على أساس أنه يمثّل قمة النضج السياسي للعقل السياسي السوداني؟
    = أ. تاج السر مكي: التحالف في التجمع الوطني، وضعه مختلف، فقد أعاد السياسيين لمراجعة كل عملهم بل أعمالهم السياسية وغفلتهم تجاه التنوّع الكثيف في التقانات والمسائل العرفية والتهميش، وساعد في ذلك وجود الحركة الشعبية كجزء منه، وكذلك وجود تمثيل للجيش سواء «عبد العزيز خالد» أو القيادة الشرعية، وهذا يحدث لأول مرة في تاريخ السياسة السودانية. من ثم فإن قراءة التحالفات القادمة في تقديري هي تحالفات «مشاريع سياسية» أكثر من أن تكون تحالفات للحكم، أي أنضج بسبب أهمية المرحلة. وفي تقديري أن هنالك تحالفاً قد ينشأ بين الاتحادي وحزب الأمة، فقد أكثر السيد الصادق الحديث عن الوسط، وأرى من الممكن أن يستحوّذ على خانة اليمين الإسلامية، منفردين وأرى كذلك من الممكن أن يتحالف الحزب الشيوعي مع الحركة الشعبية، بالإضافة إلى أحزاب صغيرة تمثل اليسار عموماً، بالإضافة لحركة تحرير السودان «دارفور» وجبهة الشرق، ولكن ذلك رهين بشروط كثيرة تغيّر صورة هذه التحالفات.
    عموماً، ما زال الإسلاميون يراهنون على تحالف مع الحركة الشعبية اعتماداً على فكرة اقتسام السلطة والمسألة برمتها رهينة بالحراك السياسي القادم.
    د. حيدر ابراهيم- مدير مركز الدراسات السودانية:
    لا أرى مثل هذه الظاهرة في سياستنا السودانية، لغياب الحد الأدنى والمشترك، فعند الحديث عن أي ظاهرة في الدولة السودانية الحديثة، يمكننا أن نقسّمها إلى حقب الديمقراطية، وحقب الديكتاتورية أو العسكريات أو الشموليات. والشموليات يمكن تحديدها بفترات مختلفة، والديمقراطيات كذلك، فهناك ديمقراطية ما بعد الاستقلال والتي كان لها مهامها المختلفة. وديمقراطية أكتوبر وما بعد أكتوبر بمهامها المختلفة أيضاً، كذلك ديمقراطية ما بعد انتفاضة «مارس أبريل» 1985م بمهامها المغايرة.
    أما بخصوص التحالفات فأنا لا أرى تحالفات سياسية ذات وزن، باستثناء ما يحدث في الانتفاضات الشعبية، أي أن الشيء الذي يجمع الأحزاب هو موقفها ضد الديكتاتوريات لكن بعد سقوط الديكتاتوريات تعجز عن عمل برنامج يكون متوفراً فيها البديل، لذلك اكتوبر حدث لها ما حدث والانتفاضة في «مارس أبريل» كذلك حدث لها ما حدث.. إذاً، ليس هنالك تحالفات قائمة على برامج بل تكون على أساس شعارات، على شاكلة «لا لحكم الفرد» و«لن يحكمنا العسكر»... وهكذا، وهذا بالتأكيد لا يمثل تحالفاً، هذا يمثل عملاً تعبوياً وحشداً للناس فقط.
    عموماً، يمكن أن نتوقّع ما تسميه أنت تحالفات هي لن تكون تحالفات أيضاً، هي ستكون ضرورات خوض الانتخابات في شكل جبهات، هذا ما سيحدث، ولكن عندما نأتي إلى التحالف والذي أصر على الزامية قيامه على «برنامج حد أدنى» مكوّن من برنامجين أنت برنامجك فيه كذا، وأنا برنامجي فيه كذا، ونحن نلتقي في كذا، يمكن في هذه الحالة فقط قيام تحالف. وبشكل عام التحالفات أنا أضعها دوماً بين قوسين لأنني غير مقتنع بالمصطلح، فهي وقتية ومؤقتة وكثيراً ما يكون فيها قدر من الانتهازية لتجاوز مرحلة معينة معاً، ومن ثم ليس هنالك تحالفات بالمعنى الصحيح، فالأحزاب تعمل بالقطاعي، أو بسياسة رزق اليوم باليوم، وهذا ليس تجنياً على الأحزاب، وإلا ما كان حدث ما حدث، بالطبع التحالف الذي يؤمّل فيه هو تحالف اليسار، لأنه يمثل القوة الأساسية، والمفترض هذه القوى هي التي تبادر به إلا أن العكس هو دائماً ما يحدث، فهي تقف حجرة عثرة في طريق قيامه كالحزب الشيوعي فهو برغم رفعه لشعار «وحدة القوى الثورية» كما هو أكثر التنظيمات السياسية التي تتحدّث عن العمل الجبهوي، لكن في نفس الوقت هو أكثر القوى السياسية التي لم تحاول أن تنقل هذا الحديث من جانبه النظري إلى الجانب التطبيقي والعملي والواقعي. إن تحالف ووحدة اليسار هو تحالف مهم لأنه وليد كتلة كبيرة من الأحزاب الصغيرة والأفراد ومن التيارات ومن الأفكار والاتجاهات، وهو التحالف الذي نحتاجه فهو تحالف حقيقي وبرنامجه غائب، البرنامج المتضمّن للتنمية وللديمقراطية الحقيقية، والديمقراطية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية هذا هو الغائب عندنا الآن. فقد جرّبنا القوى السياسية والأحزاب فترات طويلة، وقد حكمت سواء فترة قصيرة أو طويلة، لكنها حكمت وهذا هو المهم، البرنامج الذي يحتاج أن يلتف الناس حوله والمراد تطبيقه، هو ما يسمى بالبرنامج الغائب، هو برنامج القوى الحديثة، برنامج التغيير، لأن السودان بعد «52» عاماً في حاجة حقيقية ليحدث فيه نوع من التغيير بمقومات ثلاثة ديمقراطية حقيقية وتنمية وسلام، لأن ذلك يقود لشكل من شكال الوحدة الوطنية التي يمكن من خلالها تكوين دولة وطنية حديثة، وهذا في اعتقادي الحلف الوحيد المطلوب وهو غائب حتى الآن.
    ? د. حيدر هل ينسحب ما قلته سابقاً عن التحالفات على التجمع الوطني الديمقراطي برغم ما حملته وثيقته التاريخية في مؤتمر القضايا المصيرية «أسمرا 1995م»، وما أكدته من نضج العقلية السياسية السودانية؟
    = د. حيدر: التجمع الوطني الديمقراطي دفن وثيقته وقتلها. وهو يمثل شكلاً من أشكال العجز السياسي الكامل، لأنه كان ينقصه المصداقية والجدية في التعامل مع الأطراف الأخرى، والتجمع تاريخياً يمثّل أحد سلبيات العمل السياسي المعارض حقيقة، ولقد كانت لديه الفرص الجيدة، وكان يمكن أن يكون معارضة وبديلاً للنظام في السودان، لكنه أكثر شكل مناقض للعمل الجبهوي لأنه كان عبارة عن قوى سياسية موجودة بجوار بعضها البعض، لكنها كانت متوازية غير مندمجة بحيث تكون لديها رؤية واضحة.
    أنا كشخص عاصرت التجمع الوطني لسنوات طويلة في القاهرة، فليس من الممكن أن يكون كياناً سياسياً وليس لديه مقر، وليس لديه صحيفة وليس لديه ميزانية، ولا عضوية.. كل ذلك غير موجود، لذا أنا أعتقد أنه كان أحد أوهام السياسة السودانية وللأسف أضاع من عمرنا أكثر من خمسة عشر عاماً وفي النهاية وجدناه موجوداً في البرلمان، وهذه فرصة لتقديم التحيّة للأستاذ «علي محمود حسنين»، لأنه رفض أن يكون ديكوراً في برلمان لا يمثّل فيه شيئاً.. التجمع داخل البرلمان وموافق بهذا، بل ويشارك في احتفالات انقلاب الانقاذ، الذي كان يعمل ضده، كل ذلك بدون مقابل فالانقاذ لم تقدم تنازلات حقيقية، كما أن هنالك فَرقاً في أن تجعل هذه التنازلات حقاً أصيلاً لك أو أن تكون هبة يمكن لمانحها في أي لحظة أن ينتزعها منك. النظام يقول تحول ديمقراية، لكنه في أي لحظة يمكنه ضرب الصحافيين ويمكنه فصل الطلاب أي يمكنه أن يقوم بكل ما هو ضد مسألة التحول الديمقراطي لأنه أصلاً هبة، وبالتالي في أي لحظة له الحق في انتزاعها وسحبها، وواضح أن التجمع عاد بلا أسس ولم يعد يمثل قوى ضاغطة، والانقاذ تتعامل معه بازدراء شديد، وأنظر للطريقة التي يتعامل بها المجلس الوطني -على سبيل المثال- في موضوع الاستجوابات، عضوية التجمع أنفسهم يشتكون من ذلك، بالفعل كان التجمع الرديف للانقاذ وعليه يمكن أن نقول نحن كمعارضين عانينا من الانقاذ وعانينا أيضاً من التجمع لأنه ولّد في الناس قدراً كبيراً من الإحباط.
    ? أخيراً، د. حيدر.. ومن خلال الرحلة الطويلة لتاريخ التحالفات السياسية في السودان وعلى ضوء سلبياتها وايجابياتها هل يمكن استنتاج مؤشر علمي يمكن من خلاله قراءة قيام تحالفات مستقبلية في السودان؟
    = حقيقة، منحتني فرصة أن أسألك هل للسودان مستقبل؟ أي مستقبل يمكن أن تعنيه، هل الواقع الموجود اليوم يبشر بشيء اسمه مستقبل، لا يجب أن نكون خياليين، أي مستقبل لبلد اسمه السودان، هل هناك مستقبل لسودان موحّد بعد عمليات الخصخصة والرأسمالية الطفيلية الموجودة الآن؟ هل هناك مستقبل لاقتصاد سوداني يقوم بعملية تنمية وتوزيع عادل؟ هل هناك مستقبل لتعليم حقيقي ينتج إنساناً سودانياً مسلّحاً بالمعرفة وبأشكال التعليم التي نراها الآن في العالم، في ظل فقر ونسبة انحلال وايدز ومخدرات.. كل ذلك يتم تحت مشروع إسلامي حضاري يعني الأساس فيه اكمال مكارم الأخلاق؟! من هنا يمكنني القول إن الانقاذ مثّلت نهاية تاريخ الدولة والمجتمع السوداني. إن المستقبل في نظري كارثة ستقع في أي لحظة. ونحن في انتظار وقوعها، وليس في انتظار النجاة منها بل في انتظار وقوعها ثم بعد ذلك نتحدّث عن ما بعد الكارثة، وأي حديث عن أن الكارثة لن تحدث هو حديث هراء ومجرّد أضغاث أحلام، وبالتالي أنا لا أرى أي مستقبل للسودان في ظل ما نراه يومياً.
    الكاتب الصحفي الأستاذ الحاج وراق- الأمين العام السابق لحركة القوى الديمقراطية الحديثة (حق)، تحدث قائلاً:
    ظاهرة التحالفات ظاهرة قديمة في السودان وحتى الاستعمار في السودان، جاء على شكل تحالفات كذلك الثورات والدويلات التي قامت هي تحالفات كتحالف الفونج والعبدلاب، كذلك المهدية، حديثاً وجدت الجبهة الاستقلالية، والجبهة الاتحادية، وأسهمت هذه التحالفات في استقلال السودان، وبشكل عام فالنظم الديكتاتورية تصدّت لها تحالفات نظام عبود ونظام نميري وفي عهد الانقاذ نشأ التجمع الوطني الديمقراطي -كتحالف يضم معظم القوى السياسية، من ثم يمكن القول إن هناك تاريخاً للتحالفات في السودان، لكن أبرز عيوب هذه التحالفات أنها لم تصمد لانجاز مهامها التاريخية، فمثلاً التحالف القبلي في المهدية بعد الوصول للسلطة تصدّع، كذلك تبعثرت الأحزاب بعد تحقق الاستقلال، مما فتح الباب للانقلابات التي شهدتها السياسة السودانية، كذلك الجبهة الوطنية تصدّعت في فترة نميري، والتجمع أيضاً كان فيه العديد من المخاوف بين أطرافه.
    بشكل عام فإن التحالف يعد اتجاهاً رئيسياً في السياسة السودانية، كذلك الاتجاه للتبعثر أيضاً اتجاه رئيسي في السياسة السودانية.
    ? هل يمكن رسم ما يسمى بخارطة طريق للوصول لتحالفات نموذجية وناجحة في تحقيق أهدافها؟
    = الحاج وراق: يمكن القول بمبادئ أساسية تسهم في انجاح التحالفات:
    أولها: المراهنة على قضية حيوية من أجل الشعب، كتصفية الشمولية وتحقيق الاستقلال الوطني.
    ثانيها: أن يكون تحالفاً مبدئياً، بمعنى المتفق عليه معلن، والمختلف عليه معلن، والحدود بين المتفق عليه والمختلف عليه واضحة ومعلنة.
    ثالثها: الواجبات والمسؤوليات الواقعة على أطراف التحالف معلنة.
    رابعها: التعامل بأخلاقية لتحقيق أهداف التحالف المعلنة.
    خامسها: الديمقراطية في طرح القضايا ومناقشتها، وذلك يعد جزءاً من الشفافية، وقد كان ذلك أحد أسباب تبعثر التجمع.
    سادسها: أن يكون مفتوحاً لدى الشعب ليراقب أداءه وخلافاته ويراقب قيادته.
    إذا توافرت هذه الشروط يمكن للتحالفات أن تنجح، وإذا لم تتوفر فإن ذلك يقود للفشل والتبعثر، ويجب استيعاب أن أي تحالف يستبطن اختلافات في التقاليد التنظيمية المختلفة، وثقافة مختلفة، وآيديولوجية مختلفة، لذا يحتاج لسعة الأفق والصدر.
    عموماً، فإن التحالفات تطرح حالياً باعتبارها أحد أدوات تصفية الشمولية ولا يعني ذلك تصفية المؤتمر الوطني بل مصادرة وتصفية النهج الشمولي، ومن ثم فإن هذا ما يخيف المؤتمر الوطني في موضوع التحالفات، لذا تجده حريصاً على عدم قيام تحالفات في الساحة السياسية، ومن ثم فإن كان حريصاً على تحول سلمي وآمن، عليه أن يدرك ضرورة تصفية نهجه الشمولي والاحتكاري ويتوحّد مع التيار الرئيسي في السودان من أجل وحدته وأمنه وسلامته، وإذا كان المؤتمر الوطني يخاف من الإقصاء فعليه إذاً أن ينشيء قانوناً للانتخابات يقوم على التمثيل النسبي.. فذلك خير للبلد وله.. بذلك فقط يضمن وجوده.

    http://www.alsahafa.sd/News_view.aspx?id=48476
                  

05-22-2008, 03:02 PM

Hani Abuelgasim
<aHani Abuelgasim
تاريخ التسجيل: 10-26-2003
مجموع المشاركات: 1103

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)

    أ. عبدالله عثمان

    تشكر على هذا المجهود المقدر أمضيت بعض الوقت أقرأ الاستطلاع في أول البوست، لاحظت أن معظم الفتيات اللواتي تم استلاطع آرائهن لا يعرفن عن الأستاذ شيئا وهو أمر مخيب ومحبط جدا.


    وأيضا شكرا لإيرادك الورقة التي أعددتهامنذ سنوات بعنوان مصرع القداسة على أعتاب السياسة ضمن توثيقك لما كتب عن الأستاذ محمود ولو ضمنيا ..
    Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
                  

05-23-2008, 04:19 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: Hani Abuelgasim)



    مفاكرة الجمعة
    نحو نظرية جديدة للمعرفة
    الشيخ عمر الأمين أحمد
    اشكالية استلاف المصطلح للمرة الأخيرة ناقشنا فى حلقتنا الماضية إضاءات هامة ومفصلية حول عملية استلاف مصطلح (علم) ومصطلح (عقل)، فباينتنا غرابة تصريف كلمة (علم) على النماذج اللغوية الأوروية ـ كاللغة الإنجليزية مثلاً ـ إلا بعد إجراء عملية استبداله بآخر هو مصطلح (معرفة). فالمصطلح (علم) فى اللغة الإنجليزية لقيط يتيم الأبوين لا تعرف له اشتقاقات. فالكلمة الإنجليزية (ساينس) و تعنى (العلم) لا تسلك سلوك أختها الكلمة (نوليدج) ذات التصريف الإنجليزى الأصيل، فالفعل المضارع (نو) وترجمته (يعرف) يقع ضمن تصريف نستنتج منه أصالة هذا المصطلح فى اللغة الإنجليزية. أما المصطلح (ساينس) فلامضارع أو ماضى له فظهر ككلمة دخيلة على القوالب اللغوية الإنجليزية تحتاج لعملية توليف و ترقيع تخرجها تماماً من حظيرة المصطلحات ذات الأصل الإنجليزى الأصيل. و مما أراه محتاجاً للمزيد من التركيز، هو عودة على بدء التركيز المصطلحى ببذل المزيد من الشروحات مما سبق لى تنزيله فى مفاكرات سابقة بعنوان (أهى اسلامية للمعرفة أم اسلامية للعلم)، عالجت فيها شأن التفريق بين العلمى والمعرفى، وله فى هذه الأطروحة جيوب أخرى يتداعى فيها شأن التفريق بين مصطلحين آخرين هما (العقل والذهن). تعريفات ومصطلحات 1/ المعرفة : و نعنى بها ذلك الكم المتحصل من المعلومات المستخرجة من ممارسات الإنسان و معايشته مع المجتمع و مع الطبيعة . و أسلوبها الأساسى هو الإستنباط المعلوماتى عن طريق الإلتصاق بالطبيعة وبالمجتمع لمعالجة ذلك الكم المعلوماتى باختبارات عن طريق الصواب والخطأ . وتؤدى المعرفة فى أقل مقاديرها الى عدم تكرار الخطأ مرة أخرى. فى حين أنها إذا ما توفرت منها مقاديرغزيرة ومتنوعة ، فربما يؤدى ذلك الى تراكم ربما يؤدى الى نجاح فى انجاز مشاريع على درجة عالية من الكفاءة. و تعمل المعرفة وفق هذا الفهم فى مجموعة من الأبعاد منها البعد الفرى و يختص بالتجريب على نطاق الفرد بوصفه وحدة تحقيق معرفى ذات استقلالية تامة و محترمة من حيث سعة فى التجريب تختص بالمزاج والخيارات الفردية التى ربما لا تؤثر فى خيارت الجماعة بصورة مباشرة. ومنها كذلك أبعاد معرفية لمجموعات بشرية تتمايز باختلاف البيئة المجتمعية أو الطبيعية التى تعيش فيها. و يمكن ملاحظة تباين معرفى واضح مركب على هذه التمايزات فنقول : معرفة بدائية أو معرفة طفولية أو معرفة معاصرة أو معرفة عصرية. بل ويمكننا أن ننسبها الى أقليمية أو إثنية مثل أن نقول : معرفة هندية أو يمانية الخ من التمايزات ذات الخصوصية مما يمكن أن تتميز به أى من تلك المجموعات. ومنها كذلك أبعاداً معرفية عامة ومشاعة تختص بالتجريب على عموم البشرية نتيجة لأسباب مختلفة، ربما تكون لعوامل إقتصادية أو أخرى ثقافية. وتتحقق المعرفة فى كل هذه الأبعاد الثلاثة أعلاه بما يجعلنا نستل استلالاً مصطلح ( معرفة علمية ) رغبة فى أن لا نخلطه مع أى منها من أجل مزيد من التخصيص، فنعتبر العلم ــ رغم أنه معرفة فى نهاية أمره ــ فهو بالتأكيد معرفة ذات خصوصية و تفرد درجة القول باختلاف نوعى بينه وبين مطلق المعرفة درجة القول إنه كامل التحرر من البدائية و الطفولية أو الجهوية و التحضر الخ .. مما تتميز به المعرفة مما أسلفنا قوله. وسنبرزفيما يليه كيفية استلال مصطلح (علم) و خصوصيته وتمنعه على الذهن. 2/ العلم : ويمكن أن نعرفه تجاوزاً بأنه (معرفة). لكنها مميزة بكونها قد تم الثبت منها بأن تم اختبارها والبرهنة على صحة مقولاتها ومن ثم تعميمها كمعلومات صحيحة لا يلتبث إليها الشك ولا يعتورها خوف من الخطأ. والعلم وفق هذا الفهم واجب أمر تمييزه عن المعرفة فى التصاقها بالحيوى و الطبيعى . فالعلم بعد البرهنة على مقولاته يصبح محلقاً أعلى من المعرفى كتجريد للحقائق فى شكل مقولات علمية تقع خارج التداخل المعرفى العشوائى ، بل يقتضى أمره الإعتبار بارتفاعه عن البيئة ــ مجتمعية كانت أم طبيعية ــ ليصير حاكماً عليها أكثر من كونه خاضعا لها، فليس هو تقليل من شأن الأرض أن تعرفنا لاحقاً على أنها ليست مركز الكون الجغرافى ، بقدر ما كانت تلك حقائق جعلتنا نتراجع عن اعتبار خاص لأمومة أرضية لنا نحن البشر ، الى اعتراف بأننا فى الأرض أكثر ضآلة من هذا الإدعاء المعرفى العريض الذى تراجع أمام عناصر الإثبات و البرهنة العلمية. وتجريد الحقائق العلمية يؤكد دواعى تحليقها أعلى المعرفة و تفريدها ، فيتحول العمود المثبت على الأرض الى مجرد خط بين النقطتين ( أ ، ج ) ويصبح الوتر المشدود بزاوية من قمة العمود الى الأرض هو الخط ( ب ، ج ) و قاعدتة ( أ ، ب ) هى قاعدة (مسلة) قدماء المصريين باعتبار الوتر هو الظل الواقع على الآرض ، فتتحول هذه الصورة المعرفية الملموسة الى تجريد لا تقتصر على طريقة لضبط ارتفاع العمود وضبط ظلاله بقدر ما هى ( حساب للمثلثات ) غض النظر عن وقوعها على (مسلات ) أو (جملونات ) أو خلاف ذلك من قيم تطبيقية يمكن استخراجها بسهولة تبعاً لعلم تم تجريده وتحريره بعد ذلك يسمى علم حساب المثلثات. كذلك تتحول عند تجريدها العلمى مجموع برتقالات ما عند ( صابر) و ما عند (مفيد) عدد عشر برتقلات الى معادلة رقمية كالآتى 6: + 4 = 10 حيث تصير 6 و 4 و 10 مجرد أرقام مجردة لا على معان معرفية تطبيقية، بنفس القدر الذى تصير فيه الدورة الدموية فى علم الأحياء رسومات بيانية لنسق منتظم من أوعية حاملة حمولة توصيلية أو حمولة ترجيعية بصورة مقارنة لا تميز ما بين القط والأرنب و الأسد و الناموسة والإنسان. عليه يكون العلم مصطلح لما نتأكد من بلوغ أمر صحته درجة اليقين، ويستند الى براهين غير ذات التباس. و هو فى تجريده وتحليقه موضوع بمعزل عن تجريبيتنا. فعلوم الكيمياء و الفيزياء و البايولوجيا مثلاً، لا تكتسب مشروعية وجودها بحكم أنها عمل ومعرفة بشرية، فهى كاملة الوجود بمعزل عنا ، علمنا بها أم لم نعلم. فهى ذات أصول ناموسية كونية لا نمتلك إزاءها سوى تلقي أخبار أو التشرف بالتعرف عليها من خلال ارتفاع قامتنا الى مقام متعال كمصحح وحاكم لا يتقيد بمعرفيتنا، بل بأصوله من القوانين الكونية الناموسية الأكبر و الأكثر إحاطة من تجريبيتنا المعرفية البسيطة الساذجة المتنطعة. ونشير فى ختام تلخيصنا لعلاقة ناشبة بين المصطلحين (معرفة وعلم) أن المعرفة بما هى تجريب وعمل يقع ما بين البدائى المتخلف و بين المتحضر المعاصر، يشير السهم الذى يوضح وجهة سريانها أن اتجاهها من أسفل الى أعلى، فهى متصاعدة متى ما تجنب الإنسان تكرار أخطائه. أما العلم ومن خلال تصحيحه للمفاهيم المعرفية كشأن كروية الأرض فسهم اتجاهه يشير الى تنزله من أعلى الى أسفل. فالعلم متنزل والمعرفة متصاعدة. وقبل أن ندلف الى تلخيص وتعريف لمصطلح عقل ومصطلح ذهنية، أظن أنه ينبعى علينا إحسان تأويل أصولهما و مكوناتهما الأولية. وقبل ذلك فلا بد من فك الإشتباك بارجاع الديون الى أصحابها الأصليين بقول فصل حول عملية الإستلاف والتى لا تشكل اتهاماً للأوروبى يدمغه بالقيام بها، إذ لا يستقيم له استحداث قوالب لغوية جديدة دون أن تبدو مصطنعة، بقدر ما يقوم بما قام به فعلاً من استدراج للمصطلح لعملية ترقيع لغوية كما فى الكلمة (بوليس) ذات الأصل الأوروبى الذى تم استلافه عربياً فخرجت منها عبارة كقولك (رواية بوليسية ). وذلك ترقيع يتيح القول بعبارة مثل (هذا تفكير بوليسى) مع ذلك تستعصى هذه (البوليسية) أن تستجيب لتصريف يستخرج منها أفعالاً للمضارع أو الماضى أو الأمر. لكن يبدو أن صاحب الإستلاف هو المترجم الوطنى الغرير الذى يظن لغشامته أن (العلم) هو ترجمة صحيحة للكلمة (ساينس) وأن أصولها و مرجعياتها اللغوية أوروبية، فصار عنده (العلم) مولود كمصطلح ـ وبالتالى كوجود وفعالية ـ فى بيئة أوروبية خالصة. وليس ذلك إلا بسبب عماء علمى و معلافى، قاده إليه تبدل مرجعيات المناهج التعليمية بعد الحقبة الإستعمارية، كان من الطبيعى أن يسود بعد أن تيتم جراء ذلك العقل وهام على وجهه مفتقداً البيئة الصالحه لنموه. ويبدو أن تيتم ظاهرة العقلانية وكان السبيل لاستحداث وسائل ومناهج جديدة بعد استعمار العالم برمته ـ ومنه الشرق ـ بواسطة قوة السلاح الأوروبى الفتاك. و ليس ذلك سوى إفساح للدروب لأجل استحداث وسائل ومناهج جديدة للتعليم منبتة الجذور، دون أى اعتبار لمناهج ملغاة لم تجد ما يكفى من الفرص لنمو طبيعى و مستقر، فانطبق عليها المثل الشعبى (جدادة الخلا الطردت جدادة البيت). فمصطلح (عقل) بائن الغرابة على كافة اللغات الأوروبية، وذلك ناتج طبيعى لانعدام البعران (ومعناها جمع بعير) فى كل القارة الأوروبية، وبالتالى انعدام فعل (التعقيل) نتيجة انعدام ما (يعقل) به هذه البعران كما أسلفنا القول فى المفاكرة الماضية. فالعقال ذو نشأة عربية صرفة، ومن تصريفاته الكبرى (العقل)، وما تمت نسبته إليه كإصطلاح لا يخرج عن كونه ناتج من نتائج عملية (التعقيل) هذه والتى يراد بها الدلالة على تربيط وتكتيف آلية التفكير ألا وهو (الذهن). والتكتيف هنا لا يؤدى الى حجر عملية التفكير بقدر ما يؤدى الى ضمان مراقبة الذهن بكابح يمثل آلية أخرى تسمى (العقل)، ويقصد به الذهن نفسه، لكنه فى هذه الحالة مكتف (بتقوى) تمنعه من موارد التهلكة. أنظر لقوله ـ جل وعلا ـ ألم أعهد اليكم يا بنى آدم ألا تعبدو الشيطان إنه لكم عدو مبين (( وان اعبدونى هذا صراط مستقيم(( ولقد أضل منكم جبلاً كثيراً أفلم تكونوا تعقلون( سورة يس. فبنو آدم هنا يفكرون بلا أدنى ريب أو شكوك. و لا ينتفص من استحقاقاتهم التفكيرية هذه أنهم اتجهوا الى عبادة الشيطان، وتتمثل فى التفكير بطريقة تقود الى التجافى عن موارد الفلاح، فيتجافون عن (تفكير آخر) يدعوهم الى ما يخرجهم من هذا التضليل (الشيطانى) والذى هو فى معناه و مبناه يمثل الذهن غير (المعقول) الذى لا يفسح مجالاً لذهن معقول يتأدب فيطرق السمع للرحمن، فى منهج للتلقى الطوعى مقابل ومضارع لمنهج الشيطان. و ما نستنتجه مباشرة من هذا الخطاب أن العقل لا يقوم بعملية التفكير على إطلاقها مما يؤدى الى حالة تنقيص لموجبات المعرفة السليمة وفيها كامل استحقاقات التجريب، خطأ أو صواب. لكننا إن (عقلنا) أى كتفنا و قيدنا ذهنيتنا، فسنتعرف الى ما هو مكفول لنا من تجريب يجنبنا المزالق الخطرة كالمزالق الشيطانية. وذلك قول يخرج العقل من الذهن المطلوق السراح خروج الشعرة من العجين، ويحوله الى تالى له مقيد ومكبل بمنهج معطى ومضاف كخبر من أعلى الى أسفل لا يتضمنه المعرفى بصحبة ورفقة الذهن المطلوق السراح. أنظر الى قوله ـ جل وعلا ـ بلسان سيدنا الخضر لسيدنا موسى ـ عليهما السلام ـ (وكيف تصير على ما لم تحط به خبراً). ومما هو تخليط فى ترجمة هذا المصطلح، فقد صارت الكلمة (عقلانية) ترجمة للكلمة الإنجليزية (راشونال) و التى يقولون بها دائماُ كترميزالى التفكير المستقيم ذو المنطق المقبول على نطاق الإتزان و الحكمة وهو مصطلح يشير فى نهاية أمره الى حالة انسجام مع المنطق السليم وهو نفسه (الحكمة) ومنها (الفلسفة)، وكلاهما إحكام للبدايات و النهايات التفكيرية الى المنطق السليم و الموزون. وما يبدو فى الحق أن المصطلحين ( عقلانية و راشونال) قريبان من بعضهما البعض درجة التداخل. لكن الحق نفسه يقتضى حسن الفرز، فالحكمة ناتج معرفى قد يؤدى الى (العلمنة) مع ذلك فقد تخطئ العلم وقد تصيبه. وهى و إن اصابته أو أخطأته فذلك لا يغير من صفة كونها (عمل) و (تجريب) بشرى، فيه تجريب مفضى الى الخطأ و فيه تجريب يصيب الصواب. وكلتا التجربتان ـ المصيبة و المخطئة ـ معرفة هى بلا أدنى شك ذات فائدة معتبرة . وقد يكون مقبولاً كذلك التقرير أن (تجربة خاطئة) قد تقود الى الحكمة، إذ أن تجريب الخطأ والصواب هو منهج معرفى مؤكد ومضمون النتائج، ومن ذلك ما يكثر ترديده كقول قرأته للأستاذ الشهيد محمود محمد طه لا أدرى له من مصدر غيره يقول فيه: (كل تجربة لا تورث حكمة، تكرر نفسها). أما فى مقام (العلم) فلا يسمح بأى هامش من الخطأ. فما نعتبره (العلم) فذلك لا ينبغى أن يكون موصوفاً إلا بالصحة المطلقة التى لا يعتورها أدنى قدر من الإنتقاص. فبقدر ما بامكاننا القول بعبارة (تجربة خاطئة لكنها مقبولة) فلا يمكننا أن القول بعبارة (علم خطأ)، فالكلمتان فيهما من التناقض ما يجعل هذه العبارة مقززة ومقرفة، تثير الريبة و الإشمئزاز. وتمايز العلم و المعرفة هو نفسه تمايز العقل والذهن، حيث يرتبط العقل بالعلم برباط وثيق. نفس الرباط يقع بين الذهن والمعرفة. و ذاك سادتى موقف عظيم يحتاج لإفراد خاص، أمنى النفس بإثارته في المفاكرة القادمة ـ إن شاء الله ـ والله من وراء القصد وعليه التوكل إنه نعم المولى و نعم النصير.

    http://www.alsahafa.sd/Raay_view.aspx?id=48823
                  

05-24-2008, 05:01 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    ها أنت ذا تعلو على كل الهمم ....متنسما أعلى القمم
    متوسدًا نبضَ الدقيقةِ والحقيقةِ... و الشعور
    في الحس والمعنى تدور...
    نَحنُ الغيابُ وأنتَ ذا كلَ الحضُور
    ما انفك نورك في قلوبِ ألعاشقيك.. ماانفك آ يُكُ في الصدور
    نحنُ الغيابُ وأنتَ ذا كلَ الحضُور
    هذه العذراء حبلى تنتظر.... أزعجت صيحاتها صمت القبور
    راحيل تبكي زغبها الجوعى ...قد هدها الصبر الطويل ماذا أقول لها وكلُ القَوْلُ بعدك صار زُورْ ماذا أقولُ.. إذا انزوت أفكارنا ... وتوسدت صمت القبور
    ماذا أقول لها.. وكلُ القول قولك ياأبي .. لم تترك لنا شيئا نقول
    وما عُِلمْتَ حرفاً من شِعر وما ينبغي شعراً تَقُولْ
    اصدح بأمرك ياأبي اصدح بأمرك في القدر
    واحشد حضورك في الغمام
    واسري بنا في منتهاك
    في ليلة القدر الختام
    واجمع بها في جمعتك ...أرواحنا
    في ليلة الفجر السلام
    مَنْ للجياع !مَنْ للعراِة بِغير مأوى؟..مَنْ ِلأبناء السبيل!
    من يوقف النزف الحريق ؟ من يطفئ الفتن الجسام ؟
    من غيركُ ... ؟ هل نحنُ غيركُ ننتظر؟ صبراً...صبراً جميلْ جميلْ... صبراً جميل
    عوض الله الفادني
                  

05-24-2008, 05:06 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    د. عبدالله على ابراهيم: " لمن عسى يحتاجون لتوضيح"
    الصلح مع اسرائيل ليس "هرجا" ولا "وهنا"
    عبدالله عثمان
    جامعة أوهايو – أمريكا
    ==
    "وكيف ترى ليلى بعين ترى بها سواها وما طهرتها بالمدامع"
    (الى روح العم عباس عيسى الحلو– الأمير – الذى رحل عن دنيانا منذ أيام. لا أزال أذكره: عينان شاخصتان فى محراب الأستاذ محمود محمد طه، كهلا، ذا أرث ونحن أيفاع ولا أرث لنا، ثم لا نبذل بذله!! "عين" بصيرته رأت أن "رايته" – أى كان لونها - قد نصبت "حدا بيت الجالوص" فنبذ الجاه ويمم شطرها وأخذ ينشد مع منشد القوم عندنا "قلوب العارفين لها عيون ترى ما لا يراه الناظرون". نصح مع الجمهوريين أهله الأنصار فى أحداث الجزيرة أبا المشئومة، ثم فى أحداث 1976، لم تقيده عصبية أو طائفية بأن يخرج الى الشارع حاملا كتب الجمهوريين "هذا هو الصادق المهدى"، "الصادق المهدى: القيادة الملهمة والحق المقدس" وغيرها. ذلك عقل "العالم" وهو الذى عناه الأستاذ محمود بـ "العقل الغير متأثر بالرغبة" ولذلك سأعود لاحقا...
    عزاؤنا: الوالدة أم مهل عبدالله الحلو، أختى أمانى عباس، زوجها د. عبدالرحيم الريح محمود، أخوانى وأخواتى الجمهوريين أن عينا عم عباس قد ذهبتا الى "أب أرحم" كما تجىء عبارة الأستاذ محمود. عينا عم عباس فى "عيون ونهر، فى مقعد صدق عند مليك مقتدر")
    ====
    عينان نضاحتان:
    عبدالله الطيب، العالم النحرير، رجل تعبق لغته الثرة بأريج القرآن الذى بسّطه وحبّبه لعوام الناس فأحبوا القرآن وأحبوا عبدالله لحبهم للقرآن. عبدالله أحب محمودا لأنه يشم فيه شميم "خلق القرآن" فـ "شجاه مصابه" فأنهمرت ملكته الفريدة شعرا تسير به الركبان ويكتب فى صحائف الذهب:
    قد شجانى مصابه محمود مارق قيل، وهو عندى شـهـيد
    وطنيّ مجــــــاهد وأديــب منشئٌ، فى بيـانه تجـويد
    وخطـيـبٌ مـؤثر ولــديـه سرعـة الـرّد والذكاء الفريـد
    أما عزيز التوم، صاحب العبارة الجذلة والروح الوثّاب، فقد أعداه هو الآخر الحال، حال من ذهب الى ربه ثابت الجنان، راضيا،وهو حال، لا شك، يعدى صاحب كل ضمير، فبكى محمودا بدالية تتقاصر دونها كل دالية، كيف لا وهى قد صدحت بالحق وللحق ممجدة قيم الرجال:
    يامـاشـيا ثبت الجـنان كأنمـا نوديت من ذي الوعد لا المتوعد
    يامـن عـرفت الله معرفة النهي وشـققت صـفو تهجـد وتعبد
    أقسـمت يامحمـود أنك ملحـد بقـرار مخـتل العقـيدة ملحـد

    أكتفى بهاتين العينين "الثرتين" والا فالعيون كثيرة: عالم عباس، عادل الباز، عبدالله الشيخ "أجراس الحرية"، عبدالله الشقلينى، عبدالله بولا، عبدالقادر الكتيابى، عمر الكارب، عبدالعظيم الحسن، عبدالله الحسن المحامى وغيرهم وغيرهم ....
    تذكرت عقل عم عباس "الغير متأثر بالرغبة" وأنا أطالع مؤخرا مقالا نشر بالرأى العام للأستاذ د. عبدالله على ابراهيم "ع. ع" بعنوان قرار عبد الواحد الرجيم: الصفوة والوهن من فلسطين. عجبت للأستاذ الدكتور وهو يذهب ليصور لنا إجتهادا فريدا مثل إجتهاد الأستاذ محمود محمد طه فى أمر الصلح مع إسرائيل بأنه "وهن صفوة" ورجيم فى ذلك، وقد وصفه من قبل فى منبر للصحافة بأنه "هرج" وعرّف الهرج بأنه "حيلة طبقية واجتماعية الهدف منها التضليل" فلنرى من يضّلل من؟!!!
    أصدر الأستاذ محمود كتابا "مشكلة الشرق الأوسط" و"التحدى الذى يواجه العرب" وعلى هداهما وبإشرافه كتب تلاميذه الجمهوريون كتيب "أصطلحوا مع أسرائيل" وكتيبات أخرى نحت نفس النحو الذى ترّفع عن التدليس، وتمويه الحقائق، وتمليق الشعور، ودغدغة العواطف النواضب، فقد اشتملت جميعها على استقراء تاريخى للمشكلة، ثم تبيين لضعف العرب الذين لا يصنعون الآلة ولا يحسنون استخدامها، فأبانت تمسك العرب بقشور الإسلام وقشور الحضارة الغربية وتفريطهم فى اللباب، ثم خلصت الى أن اسرائيل، ولضعف العرب الآنى، لا يمكن رميها فى البحر: إذن فما المخرج؟ ذهب الأستاذ محمود لحل علمى على مرحلتين، حل عاجل وحل آجل إشتملا على تبويب وتقعيد موضوعيين وكل ذلك مدّون فى منبر الفكرة الإسفيرى فليطالعه من يشاء. www.alfikra.org
    ثم لنرى ماذا قدّم الأستاذ "ع. ع"، فبمطالعتنا للقاءه مع منبر جريدة الصحافة – المنشور على الشبكة الإثيرية – وبمقاله فى الرأى العام المشار اليه عاليه، نرى أنه لم يقدم غير عبارات طنانة وألفاظ ومعميات مثل "الوهن" و"الهرج" و"النفايا" وما الى ذلك ظنا منه أنه يمكن أن يملأ بذلك فراغ فكر بين فى أطروحته التى لا تقوم الا على عواطف متأثرة بالرغبة والرهبة كليهما. وهذا حديث قد يطول.
    ثم بغير ما مبرر، وبتعسف إعتدنا عليه من الرجل، يذهب "ع. ع" مشككا فى "إستشهاد" الأستاذ محمود محمد طه ويخلص الى أنه كانما فرضه "الرجل" عليهم فأرتضوه، يقول ذلك بينما يذهب الكاتب نفسه فى مبحثه "الشريعة والحداثة" مستسخفا موقفه من المشاركة فى موكب لتأييد إعدام سيد قطب وعدّ ذلك "عارا عظيما".. لا أدرى ما هى معايير الأستاذ "ع. ع" للشهادة فهو يمنحها ضمنا لسيد قطب ولعبدالخالق على الطرف الآخر وهو يهدى له مبحثه المشار اليه عاليه مثمنا سيره فى طريق الشهادة "ذلك طريق إخترت أن تذهب أنت فيه وبقيت أنا" ويمنح ذات الشهادة للدكتور قرنق – منبر الصحافة المشار اليه عاليه – يمنحها لكل هؤلاء ويضن بها على الأستاذ محمود أول سجين سياسى وأصلب من قاوم الإستعمار عندما كان القضاة الشرعيون يتجلببون بجلاليب الشرف!! الأستاذ محمود الذى سجن دفاعا عن شرف وعرض المرأة السودانية فى "حادثة رفاعة" والذى قدّم نفسه فداءا للشعب السودانى عندما قطّع إمام آخر الزمان أوصال بؤساءه بيينما مترفيه من الإسلاميين يتطاولون فى البنيان، هذا الرجل يضن عليه الدكتور "ع. ع" بالشهادة!!! فلمن تمنح إذن؟؟
    والألقاب هذه التى يمنحها الدكتور من "جرابه" لكل من أرتضى تجده بها شحيحا فى مقام الأستاذ محمود، فلقد يمنح الدكتور ألقابا ضخاما للراحل أبوالقاسم حاج حمد(لو ما الزمان كان ليل) ثم لا يشير للأستاذ محمود، فى ذات المقال، الا بـ "المرحوم" - وهى كلمة رغم برائتها الا أن لها ظلال نفسية سلبية لا تخفى على أحد - او يسميه تارة "المنشق الغردونى" أو فى مقال آخر بـ "محمود أفندى طه"!! ثم من هو حاج حمد هذا؟؟ ليست لى عداوة شخصية مع الرجل ولكن الرجل لا يعدو أن يكون تلميذا غير مخلص للأستاذ محمود محمد طه. حاول كثيرا دفع هذه التهمة عن نفسه ولكن "المريب" لم يزد على أن قال خذونى. كتب عن تلك "التلمذة" دكتور محمد عمارة ثم أخيرا بروفسير إبراهيم محمد زين (راجع أعمال ندوة حاج حمد – هلتون الخرطوم).
    وفى مقال آخر ينعى فيه الكاتب البروفسير عون الشريف قاسم، بمنحه ذات الألقاب، ثم يحشر إسم الأستاذ حشرا لينال منه ويخلص لأن عونا نفر من "العصبة" (ولها ظلال العصبية) بينما أرتضاها الأستاذ، وقد لا يغيب عن الدكتور كتب الجمهوريين فى البروفسير عون والتى ذهبوا فيها ليصورون كيف أن الرجل أرتضى ان يضع "علمه" فى خدمة السلفيين يستغلونه كمخلب قط للنيل من الجمهوريين.
    ثمة مقال آخر يذهب فيه للإشادة بالمرحوم الشيخ الجزولى – قاضى المحكمة العليا الأسبق - وكيف أن قد صلى لروحه السمح التقدمى بمقابر حلة حمد الخ الخ ولقد عجبت للعبارات إياها وكأنه يريد أن يأتى بعكس ما كتب به الجمهوريون عن شيخ الجزولى وبحثه الذى قدمه لـ "سمنار المرأة" بالدويم (1975) والذى وصفه الجمهوريون بأنه "تخلف" عن العصر و"قصور" عن الشريعة (راجع: المنشور السادس بمناسبة عام المرأة العالمى عام 1975 قانون وقضاة الاحوال الشخصية قصور عن الشريعة وتخلف عن العصر: حول بحث الشيخ الجزولى نائب رئيس المحكمة العليا لسمنار المرأة والتنمية بالدويم: الأخوان الجمهوريين) ولقد يزداد عجب المرء والأستاذ الدكتور يصف شيخ الجزولى بالروح "السمح" التقدمى وشيخ الجزولى رئيس لجهاز يصرح أحد مرؤوسيه فيه (الشيخ صديق عبدالحى) لسائل يسأله فى الإذاعة السودانية عن "الكفارة" فيجيب، وفى بلد تتعدد فيه الأعراق و"الحساسيات" بأن (تعتق رقبة) ... هكذا!! ثم لا نسمع لحس شيخ الجزولى التقدمى ببنت شفة، ألم يكن شيخ الجزولى أولى بالنصح من د. منصور خالد الذى ذهب دكتور عبدالله ليعطيه درسا فى تلكم المسائل حين نصحه أن "يستوثق أنه قد نقى لغته من مصطلح الميزة العرقية الذي نفرت نفسه منه. فهذا مصطلح خبيء دسّاس مثل العرق، لو استلفنا من قاموس للعرق بغيض. وهو باق في مطاوي الثقافة المستعلية لا يزول" (ومنصور خالد 11 سودانيزأونلاين)
    يمكن للمرء أن يتابع الكثير من ذلك، خاصة وان الرجل لا يكاد يكتب الا والأستاذ محمود حاضرا فى ذهنه، وتراه، فى كثير من الأحيان، متعسفا تعسفا لا يدانيه تعسف "كبير المكابراب" (عبدالله الطيب: من نافذة القطار) للنيل من الأستاذ وتلاميذه فلننظر له مثلا وهو يكتب عن "شيبون" ولدد الخصومة وما الى ذلك ثم يدلف فجاة ليشير للجمهوريين – فى غير ما موجب – بأنهم "عتالة نصوص" .. ويعجب المرء لرجل يقيم فى محراب الاكاديميا الغربية ثم ينعى على الناس استخدام النصوص. إن تحدث عن الدب "تيدى" لابد هو حاشر إسم الأستاذ، وإن سلق منانا بالسنة حداد فليكن اسم الأستاذ حاضرا، وإن زار دار الشيخ الجعلى بعطبرة فالأستاذ أمامه على الباب ولا بأس من التنويه بما قد يحمل أوجها من "مفارقة الشرع"، والأستاذ محشور ما بين "قدو قدو" اسماعيل عبدالمعين وظلم الغردونيين لقضاة الشرع، إن تحدث عن حسن سلامة، أو رقصة العجكو، عن الأمين داؤود او "قوالات" منصور خالد فلا يضير كثيرا أن يغشى "المرحوم" ببعض عبارات قد يظن أنها تدعه "يتقّلب فى مرقده" كما تقول دارجة الساكسون، ولكن لا ضير، فستكتب شهادتهم ويسألون.
    قد يحار المرء عن أى "ع. ع" يكتب؟؟ هل عن عبدالله العائد "الى الدين بعد طول اهمال" كما تجىء عبارته، الفانى فى محراب لاهوت الحداثة "الترابى" المستسخف لموقفه من إعدام سيد قطب، أم عن "عبدالله" المتّوله فى شيخه الأستاذ عبدالخالق محجوب، عنه "عرّاب" الحداثة أم عن عبدالله "حفيظ" التقاليد الذى يريد أن يعيد الحياة للقضاء الشرعى ببيت طاعته و"عبيده" وا"لإماء" (الشريعة والحداثة) عن عبدالله الصارخ فى برارى أثيوبيا "وا أسلاماه" أم عبدالله المتغزل فى "حسان تلك الهضبة "وقد اثمرت منهن النهود والأرداف" كما "نخل السيد خضر على مصطفى بقرية عتمور بدار الرباطاب" (منبر الجالية الأمريكية) وهم ذات الأحباش الذين استل لهم الكاتب من قبل، استلالا، بيتا من "ميمية" مدثر البوشى إزراءا وتقبيحا. مهما يكن من أمر فإننا ومهما ضقنا بـ "سخائم" الرجل فلن نبلغ ان نقول له ما قاله للسيد نور الدين منان "من أين أتى هؤلاء"!!! (الصحافة) او أن نذكره بما قاله محمد التوم التجانى – نديد الأمهات الذى ينذرنا بتكسير الضلوع (الرأى العام) أو نقول له كما قال هو لأحدهم "......." بتاع فنيلتك!!!

    =====

    ينشر هذا المقال بصحيفة أجراس الحرية صفحة المنبر الحر – صفحة 8
    السبت 23 مايو 2008
                  

05-25-2008, 02:23 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    مايو (إتولد) وعاش ثم مات
    تقرير: التقي محمد عثمان

    يحكى ان اصدقاء الشاعر الراحل علي عمر قاسم كانوا يسخرون من مطلع قصيدته الشهيرة (مايو إتولد.. قالوا النجوم زادت عدد). عبر اخذه في آخر الليل الى منتصف حوش السمر ، مشيرين الى السماء قائلين له (حدد لنا اين الزيادة في هذه النجوم)، وسواء اجابهم الشاعر ام ابدى امتعاضه وانصرف الا انه كان صادقا تجاه الحقيقة التاريخية (مايو إتولد) فما عرف بثورة مايو انطلقت فجر الخامس والعشرين من مايو 1969م بتدبير من تنظيم الضباط الاحرار بقيادة العقيد جعفر محمد نميري لتستمر في الحكم حتى 6 ابريل 1985م.
    ومرت مايو باربع مراحل في سنى عمرها الستة عشر، امتدت الاولى بين مايو 69 ويوليو 1971م، حين تسنمها الشيوعيون وغنوا لها (يا حارسنا ويا فارسنا.. كنا نفتش ليك زمن وجيتنا الليلة كايسنا)، الى ان اودعتهم السجون والمقابر فكتبوا عنها (مرة شافت في رؤاها حيطة تتمغى وتفلع في قفا الزول البناها. طيرة تأكل في جناها)، وتمضي مايو في مسيرتها الظافرة ، كما يقول قائدها، الى المرحلة الثانية بعد 19 يوليو 1971م، يتقدمها التكنوقراط والمنشقون من الحزب الشيوعي مرددين (تحسبوا لعب) لتنتهي هذه المرحلة بلقاء اللواء جعفر نميري والسيد الصادق المهدي بمدينة بورتسودان في 1977م، وتوقيع اتفاق المصالحة الوطنية ، وتستمر هذه المرحلة حتى اصدار قوانين سبتمبر 1983م، وتسنم الاسلاميون قيادة الامور في حقبة المشير الإمام التي تنتهي في ابريل 1985م، عبر انتفاضة شعبية كان شعارها « (بلاء) وانجلي»..
    وعلى كل فإن مايو تقترب الان من سن الاربعين اذ تكمل اليوم 39 عاما من عمرها (ان كانت الاعمار بالمدد)، واصدر المشير جعفر نميري بيانا قال فيه (الاخوة الثوار الاحرار ابناء وبنات ثورة مايو الشرفاء احييكم واحيي عبركم جماهير الشعب السوداني الابي واهنئكم واهنيء الشعب السوداني الوفي باعياد الثورة المجيدة اعادها اليه علينا والسودان يرفل في حلل القوة والعزة والنصر)، وقطعا بان هذا الخطاب القادم من ازمنة قديمة لا يمنعنا من اقرار موت مايو وان تشبثت بالبقاء ، فقط الدكتور اسماعيل الحاج موسى يفرّق في حديثه معي امس بين الميت في مايو والحي منها فبحسبه: (مايو كتنظيم سياسي حاكم - الاتحادي الاشتركي- فهذه انتهت ولكن فكرها وتوجهاتها ونهجها في التعامل مع قضايا الوطن فهذا حي)، مضيفا (مايو تاريخ وانجازات ماثلة في الارض).
    وقبل ان تدلي بتوضيحاتها حول (التجربة الايجابية الوحيدة في التجارب السياسية السودانية)، كما وصفتها، تكشف عن الموقع الذي تتحدث منه بقولها (انا لدي ولاء شديد جدا لهذه التجربة رغم خروجي عن التنظيم في عام 1999م، بسبب عودة المشير جعفر نميري في اطار التصالح مع النظام القائم»، لتمضي بعدها الاستاذة آمال عباس في تبيان تفوق مايو المتمثل في الرؤى الواضحة وميثاق العمل الوطني الذي عملت به، مشيرة إلى ان مايو «كانت نقلة في تفكير الانساني عبر التربية السياسية التي وفرتها وأظهرت للناس ما هو الحكم وما هي عضوية اللجنة الشعبية ومجلس الشعب وتحديدها في الميثاق لكيف يحكم السودان وبمن» ، مؤكدة ان لمايو رؤية «تحتاج لها اليوم وإلى يوم القيامة»، منوهة بمدرسة مايو في التربية السياسية والتنظيمية التي قادت المواطن لأن يعرف أكثر من انتمائه البدائي ويجيد الكلام السياسي المنظم.
    وهنا يشير الدكتور الحاج موسى إلى اهتمام مايو بالجوانب الثقافية عبر اهتمامها بمهرجانات الثقافة التي دأبت على تنظيمها ، وإلى الجوانب الاعلامية عبر تطوير جهازي الاذاعة والتلفزيون، وجعلهما يبثان لكل ارجاء الوطن. متنقلاً لتعداد مآثرها في مشاريع التنمية من لدن كنانة والرهد مروراً بالمعالم الاساسية في الخرطوم من ناحية العمران وانتهاء بالبترول الذي كان الفضل فيه لمايو «وطورته الانقاذ».
    لا ضير في أن تكون لميت مآثر، ولكن هل يقر المايويون بموت مايو، في خطابه الذي قرر فيه «تعليق الاحتفال بأعياد الثورة المجيدة هذا العام للظروف الأمنية التي تمر بها البلاد» ، يدعو المشير نميري أنصاره إلى «النزول إلى القواعد والالتصاق بالجماهير واعادة بناء التنظيم واحكام نظمه ولوائحه وتوسيع مواعين التمويل والعمل على اثراء الساحة السياسية باللقاءات والندوات والمؤتمرات» ،مما يعني أن المشير يريد أن يمضي قدماً، الأستاذة آمال عباس تتجاوز السؤال وتقول: لمايو كثير من الايجابيات التي يجب استصحابها، منادية بتحديد الايجابيات بلا عصبية.وحين اصر على سؤالي حول «العوامل التي جعلت مايو تموت» تجيبني بعد أن تضع تعديلاً طفيفاً على السؤال «ما هي العوامل التي جعلت مايو تلكأت» ثم تدلف إلى القول «أولاً القطاعات التقليدية لم تفهم مايو في اطارها الفكري الكبير وانما كجهة أخذت منها السلطة، فالاحزاب التقليدية دخلت في صراع مع مايو من هذا المنطلق، ثانياً أسلوب المعارضة المستحدث في حمل السلاح والارتماء في احضان الأجنبي ولجوئها إلى التضييق على الشعب بشراء السلع ورميها في البحر، ثالثاً ان مايو لم تلتزم بميثاقها وعلى رأس ذلك انها لم تلتزم بقيادة القطاع العام والاقتصاد، رابعاً انها لم تستطع تحويل ميثاق العمل الوطني إلى قناعات فكرية لعضويتها، خامساً الطامة الكبرى المصالحة الوطنية في 7791م لأنها لم تتم على اساس واضح واستفادت منها جبهة الميثاق ونخرت في النظام، سادساً الجريمة الكبرى وخطيئة النظام الكبرى إعدام محمود محمد طه» ، ومع ذلك لا تنسى آمال أن تجدد دعوتها بالجلوس على الارض ودراسة تجربة مايو والاستفادة من ايجابياتها الكثيرة.

    http://www.alsahafa.sd/News_view.aspx?id=48922
                  

05-25-2008, 02:27 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    قراءة في اتفاق التراضي الوطني (1-3)
    د. عمر القراي

    الاتفاق الذي وقع قبل أيام، بين حزب الأمة القومي وحزب المؤتمر الوطني، وسمي اتفاق التراضي الوطني، جاء مخيباً لآمال كثير من المثقفين، الذين كانوا يحترمون السيد الصادق المهدي، وكثير من أعضاء حزب الأمة الحريصين على مصلحة الحزب ومصلحة الوطن.. ولقد كان السيد الصادق يطمئن أعضاء حزب الأمة، الذين اعترضوا على التقارب بين حزب الأمة والحكومة -ولم يقبلوا بدخول ابن زعيمهم الذي يقود المعارضة للنظام، في جهاز أمن ذلك النظام- بأن الاتفاق مع الحكومة لن يتم، إلا إذا غيّرت الحكومة من سياستها، والتزمت في أدائها بالاتفاقية وبالدستور.. ولما طال الأمد، ولم يبدو شيء من ذلك، ولم يطق السيد الصادق مع البعد عن (كرسي) الحكم صبراً، هرع إلى الاتفاق، دون أدنى اعتبار لرأي اتباعه ومريديه.. ولعل أعضاء حزب الأمة الصادقين، تأكدوا الآن، أن زعيمهم كان يخدعهم، واأن الاتفاق لا جديد فيه، غير التمهيد لدخول حزبهم (الديمقراطي) العريق، في جلباب هذا النظام الشمولي العتيد!!
    ولقد كان من أبرز اعتراضات السيد الصادق المهدي، على اتفاقية نيفاشا، زعمها بأنها تريد أن تحل مشاكل كل الوطن، ثم إنها وقعت فقط بين طرفين، فما هو زعم اتفاق التراضي؟! ولماذا لم يصر السيد الصادق، على أن يكون الحوار بين كل الأطراف، حتى يجيء الاتفاق شاملاً، بدلاً من تكرار نفس الخطأ، الذي صرّح بأن الحركة الشعبية، قد وقعت فيه؟! والحق ان السيد الصادق كان في عجلة من أمره، لأنه إنما يسابق الأحزاب الأخرى، وخاصة الحزب الاتحادي على السلطة، التي لا يثق في أن حزبه يمكن أن يوصله إليها، دون تحالف مع حزب المؤتمر الوطني.. وفي سبيل تلك السلطة الزائلة، تجاهل السيد الصادق تاريخ حزبه في معارضة النظام، وإدانته للسيد مبارك الفاضل، حين خرج ولحق بالنظام من قبل، ثم رجع بخفي حنين، بل تجاهل ما كان يصرح به مراراً، من أنه لن يضع يده، في يد النظم الشمولية.
    إن ما سمي باتفاق التراضي الوطني، هو في الحقيقة اتفاق ثنائي، بين حزبين، لا توجهه إلا مصالح أفراد فيهما، ولا علاقة له بالوطن من قريب أو بعيد.. ذلك أن ما يرزح تحته الوطن من مشاكل، إنما حدثت في الماضي، بسبب حزب الأمة، واستمرت في الحاضر، بسبب المؤتمر الوطني!! فحزب الامة، تحت قيادة السيد الصادق، في فترة حكمه الأخيرة (1986-1989م) استمر في حرب الجنوب، ورفض اتفاقية السلام، التي وقعها السيد محمد عثمان الميرغني مع الراحل قرنق. بل قام باعتقال بعض اساتذة جامعة الخرطوم، واتهمهم بالعمالة، بسبب زيارتهم للحركة الشعبية في أمبو بأثيوبيا، وتفاوضهم معها حول السلام!! والسيد الصادق هو أول من سلح القبائل العربية في دارفور، واغراها بمساندة حكومية على الاعتداء على القبائل الأخرى.. كما سلح القبائل العربية في منطقة ابيي المشتعلة الآن، مما جعل تلك القبائل تعتدي في مجازر بشعة على قبائل الدينكا، في منطقة الضعين. وحين كتب الاستاذان عشاري وبلدو كتابهما (مأساة الضعين) صودر الكتاب واعتقلا بسببه، في ظل النظام الديمقراطي الذي كان السيد الصادق على رأسه!! والمؤتمر الوطني أكمل ما بدأه حزب الأمة، وزاد عليه أن ضم هذه القبائل بعد ان زاد تسليحها، الى الدفاع الشعبي، واعطاها صبغة حكومية، مكنت لها من الاعتداء الآثم، الذي حول دارفور إلى مأساة عالمية، أدت الى تدخل القوات الدولية فيها، وهي الآن توشك ان تدخل أبيي.. أما كان اشرف للحزبين وأوقع في وجدان الشعب ان يعترفا في وثيقة الاتفاق بدوريهما في ماسأة دارفور قبل أ ن يطرحا تصورهما للحل؟!
    تناقضات الاتفاق:
    جاء في مقدمة الاتفاق (إدراكاً من الحزبين لأهمية الحوار بوصفه الوسيلة الفعالة في معالجة القضايا والمشكلات الوطنية.. واستلهاماً لتطلعات الشعب السوداني في التحوّل الديمقراطي والسلام العادل الشامل.. وسعياً نحو حشد الطاقات وتكامل القدرات للارتقاء بالوطن نحو آفاق الحرية والديمقراطية والشورى والسلام والعدالة والتنمية والاستقرار والكرامة والرخاء والعيش الكريم انعقدت اللجنة المشتركة بين الحزبين وعقدت ستة عشر اجتماعاً امتدت لعدة أشهر...) (السوداني 21/5/2008م). فإذا كان هذا الحوار، يستهدف التراضي الوطني، وهو قد تم بغرض حل مشاكل الإنسان السوداني، وتوفير العدالة والتنمية والكرامة له، فلماذا لم يطلع الشعب على هذا الحوار؟! لماذا لم يكن الحوار علنياً، ومنقولاً عبر وسائل الإعلام، من أجل المصداقية والشفافية، ليرى الشعب هل حقاً تحاور الحزبان حول همومه ومشاكله، أم تحاورا حول مصالحهما الذاتية الضيقة؟! وهل كان الحوار حقاً (تراضيا) (وطنيا) أم كان (تراضيا) (شخصيا) باع فيه السيد الصادق حزبه، وتاريخة السياسي، وقبض الثمن؟! وما معنى (الارتقاء بالوطن نحو آفاق الحرية والديمقراطية والشورى)؟! فإذا كانت الديمقراطية هي الشورى في فهم الحزبين، فماذا لم يكتفيا بكلمة بواحدة دون حاجة للتكرار؟! وإذا كانت الشورى ليست هي الديمقراطية فعلى أيهما اتفقا؟! أم كتبت كلمة (الديمقراطية) ارضاءً لحزب الأمة، وكتبت كلمة (الشورى) ارضاء للمؤتمر الوطني، وكلاهما لا يقصدان في الحقيقة أياً منهما؟!
    جاء تحت موضوع الثوابت الدينية:
    1-2): حرية العقيدة والضمير.
    1-3) التزام قطعيات الشريعة.
    1-4) التسامح في الإختلافات الإجتهادية.
    1-5) التعايش السلمي بين الأديان) (المصدر السابق).
    إن هذه الفقرات جميعها متناقضة، ولا يمكن أن تقوم في أي مجتمع في وقت واحد. وذلك لأن قطعيات الشريعة، لا يمكن أن توافق على حرية العقيدة. ولو كانت الشريعة الإسلامية توافق على أن يعتقد كل شخص ما يشاء، لما قام الجهاد، وأحكم السيف في رقاب المشركين حتى يسلموا، وفي رقاب أهل الكتاب حتى يعطوا الجزيّة عن يد وهم صاغرون. قال تعالى في حق المشركين (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم). وقال في حق أهل الكتاب من المسيحيين واليهود (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزيّة عن يد وهم صاغرون). وقال في حق الكفار عموماً (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب). وقال النبي صلى الله عليه وسلم (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإن فعلوا عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وأمرهم إلى الله). هذه هي نصوص الشريعة القطعية في التعامل مع غير المسلمين، فماذا سيفعل السيد الصادق والمشير عمر البشير بها؟! هل يتفقان على تطبيقها ومحاربة المسيحيين والوثنيين من المواطنين السودانيين؟! أم انهما لن يستطيعا ذلك، وإنما أتوا بها هنا من باب المزايدة السياسية، ودعوى الاتفاق على الثوابت؟! أليس في مجرد القول بالالتزام بهذه القطعيات، مخالفة ظاهرة لحرية العقيدة والضمير، التي نص عليها هذا الاتفاق؟! أليس فيها استفزاز مقصود لغير المسلمين، واشعار لهم بأنهم مواطنون منبوذون، سيشن عليها تحالف حزب الأمة والمؤتمر الوطني الحرب الدينية، متى ما استطاعا ذلك عملياً؟! وهل يمكن أن يكون كل هذا من ضمن التراضي الوطني، الذي ينبغي ان يشمل كل السودانين مسلمين وغير مسلمين؟!
    والتعايش السلمي بين الاديان لا يتم بتراضٍ زائف، وانما سبيل تحقيقه، هو الاحتكام لإحدى مرجعيتين لا ثالث لهما: أولهما اصول القرآن، التي وفرت حرية العقيدة، لكل انسان، في قوله تعالى (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر). وهذا المستوى من الاسماح منسوخ بالشريعة، التي أحكمت آيات القتال التي أشرنا إليها أعلاه، ولا يمكن تطبيق الاسماح وهو أصل ديننا إلا بتطوير الشريعة.. ومن أجل تطوير الشريعة، لا بد من بعث الآيات المنسوخة، واحكامها، لتقوم الدعوة بالتي هي أحسن، بدلاً عن الجهاد، ويقوم الاسماح بدلاً عن الإكراه، وهذا ما دعا له الأستاذ محمود محمد طه دون سائر علماء المسلمين.. وثانيهما المرجعية العالمية لمواثيق حقوق الإنسان، التي نصت في كافة تلك المواثيق على حق كل إنسان في أن يعتقد ما يشاء.
    ومن قطعيات الشريعة، عقوبات الحدود في قطع يد السارق، ورجم الزاني المحصن، فهل سيطبقها تحالف الحزبين؟! أم انهما يعلمان انها لا يمكن ان تقوم، الا على خلفية من العدل الاقتصادي والاجتماعي، ليس محققاًً اليوم؟! ومنها أيضاً قتل المسلم، اذا غير دينه، فقد ورد في الحديث (من بدل دينه فأقتلوه)، وعلى هذا الفهم، ما زالت الردّة موجودة في قانون العقوبات السوداني، ولقد اكد على بقائها هذا الاتفاق العجيب، حين نص على ايجاد قانون يحكم على اجتهادات المفكرين، وذلك حيث جاء (يكون القانون حكماً في الاختلافات الاجتهادية)!! هذا مع انه كان قد نص على (التسامح في الاختلافات الاجتهادية)!! (المصدر السابق). فما معنى دخول القانون، ليجرم اجتهاد شخص، ما دام هنالك تسامح في اختلاف الاجتهادات؟! وحتى نتصور مبلغ السوء في هذا الاتجاه، الذي التقى عليه هذان الحزبان، يمكن ان نفترض ان د. الترابي، قد أذاع اجتهادات عديدة، مثل قوله بجواز زواج المسلمة من مسيحي، أو امامة المرأة للرجال، أو تصريحه بأن الحور العين هن طالبات الجامعة الإسلامية، أو غيرها مما نسب إليه من اجتهادات مؤخراً.. فإذا لم يوافق تلاميذه القدامى في المؤتمر الوطني، على هذه الاجتهادات، فإنهم بدلاً من حواره حولها، واثبات باطلها للناس، يلجأون الى ذلك القانون، الذي يكون حكماً على الاختلافات الاجتهادية، ليحكم لهم على اجتهاد شيخهم بالبطلان، ثم ما يترتب على ذلك من عقوبة على المجتهد، ربما كانت مادة الردّة نفسها؟! أرأيت كيف تأخذ هذه الاتفاقية العجيبة بالشمال، ما منحت باليمين؟!
    تجربة المجرّب
    في المثل السوداني يقولون: «من جرّب المجرّب حاطت به الندامة».. وقد جاء في نص اتفاق التراضي الوطني (4-6 احترام العهود والمواثيق) (المصدر السابق). ولقد وقع المؤتمر الوطني مع الحركة الشعبية، اتفاقية السلام لعام 2005م، ووقع على الدستور الانتقالي.. وقد حوت هاتان الوثيقتان، كافة الحقوق الأساسية، التي يمكن أن تحقق العدل والمساواة والتحول الديمقراطي، فهل إلتزم المؤتمر الوطني، داخل حكومة الوحدة الوطنية، بتنفيذ هذه الاتفاقيات؟! فإذا كانت الاجابة بنعم، وان المؤتمر الوطني قد نفذ كل الاتفاقيات، وتحقق السلام والحريات، والتحول الديمقراطي، فما الداعي الى اتفاقية التراضي الوطني هذه؟! وإذا كان المؤتمر الوطني، لم يلتزم بتنفيذ الاتفاقية، رغم أنه قد أشهد عليها المجتمع الاقليمي والدولي، ورغم ان عدم تنفيذها، قد يؤدي الى اشعال الحرب مرة أخرى، مما قد يدفع بالتدخل الدولي الشامل، فما الذي يجعله يلتزم باتفاقه مع حزب الأمة، الذي حوى نفس الاشياء التي وقع عليها من قبل، ولم ينفذها؟! هل يظن السيد الصادق ان المؤتمر الوطني سينفذ الاتفاق لأن هنالك نصاً فيه يقول: «احترام العهود والمواثيق»؟! إن ما يسعى إليه المؤتمر الوطني، هو أن يورّط السيد الصادق، ثم يلفظه اذا اختلف معه، أو يبقيه تابعاً ذليلاً اذا لم يجرؤ على الاختلاف معه.. وكان يمكن لتجربة السيد مبارك الفاضل، ان تكون عظة للسيد الصادق، فتبعده عن هذه الصفقة الخاسرة، لولا ان الطمع يعمي ويصم!!
    لقد أقنع السيد الصادق اتباعه، بأنه لم يدخل مع المؤتمر الوطني في هذا الاتفاق، إلا لأن المؤتمر الوطني وعد بالإلتزام باتفاقية السلام، وبالتحول الديمقراطي، وهذا خلاف الحق.. فلقد سبق للسيد الصادق، ان عقد اتفاقاً مع حكومة الانقاذ الوطني، حتى قبل أن توقع اتفاقية السلام، وحين كانت تصعد عملياتها العسكرية في الجنوب، تحت شعارات الجهاد.. وفي ذلك الوقت صرّح بأنه سار الى اتفاق جيبوتي، وهو يظن انه سيصيد (أرنباً)!! فإذا به يصطاد (فيلاً)!! ولكن سرعان ما اكتشف انه رجع خال الوفاض، وان جماعة الانقاذ قد خدعوه، فقال «لقد عقدنا مع الانقاذ (نداء الوطن) عام 1999.. وحقاً وصدقاً صفينا وجودنا الخارجي، ووضعنا السلاح، ونبذنا العنف، ودخلنا مع النظام في تفاوض جاد لتحقيق المطالب الوطنية المشروعة. لم يبادلنا النظام حقاً بحق، ولا صدقاً بصدق، بل عاملنا بالمناورة، والمراوغة...) (بيان السيد الصادق للشعب السوداني: سودانايل 7/6/2004م) حتى اضطر السيد الصادق في ذلك الوقت، لوصف حلفاء اليوم بقوله: «المؤتمر الوطني وحكومته ظلا أسيرين لشعارات فارغة ربطت الإسلام بالدكتاتورية والقهر والنهب» (المصدر السابق). فلماذا صدقهم الآن بعد تلك التجربة المريرة؟! هل تريدون الحق؟ أن السيد الصادق المهدي لا يهمه ان يطبق هذا الاتفاق أو لا يطبق، ولا يهمه ما ورد فيه بشأن السودان، وانما يهمه هو ان يقبض الثمن، تحت مسمى تعويضات آل المهدي!! ألم يرد في هذا الاتفاق تحت بند تهيئة المناخ (3- تنفيذ توصيات هيئة الحسبة والمظالم)؟! وما هي توصيات تلك الهيئة، التي يهتم بها السيد الصادق حتى يجعلها بنداً من بنود التراضي، ألم تكن تعويضات آل المهدي؟! وليت هذه التعويضات التي باع من أجلها السيد الصادق مبادئ الحزب، حين يقبضها يوزعها على أهلنا البسطاء من جماهير الأنصار في الجزيرة أبا فإن حالتهم لا تسر صديقاً ولا عدوا!!


    http://www.alsahafa.sd/Raay_view.aspx?id=48917
                  

05-25-2008, 02:40 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    إلا قليلا
    طبقة رسوبية !
    كمال حنفي

    نهايات أنظمة الحكم مثل نهايات الانسان لا يدرى نظام ماذا يكسب غدا و لا يدرى نظام بأىّ أرض يموت ... يشهد على ذلك نظام الحكم الذى أتى فى مثل هذا التاريخ و اليوم : الأحد 25 مايو ! نظام مايو طوال فترة خدمته و بقائه و تقلباته و تقاطعاته الاقليمية و الدولية واجه عددا من السيناريوهات التى تصلح نهايات سياسية ... لكن كانت تلك السيناريوهات تبدأ بمشهد مايو المردوعة ثمّ تنتهى بمشهد مايو الرادعة ! النظام بدأ اشتراكيا فحشد كل من ينطق بالاشتراكية لمحاربة غير الناطقين بها من القوى الرجعية و التى حصرها بالإسم (الأمّة و الاتحادى الديمقراطى و الاخوان المسلمين) و بنى حسابات مواجهاته على هذا الحصر ! كانت أول المواجهات الدموية مع تلك القوى فى جزيرة أبا و حى ود نوباوى الذى شهدت امدرمان أيضا فيه معركة ضارية بمقاييس ضراوة تلك الأيام ! و الثانية كانت مواجهات الانقسام بين الثورييّن الاشتراكين أنفسهم و التى خرج فيها الرئيس نميرى من معتقله مستحقّا جائزة الرؤساء فى القفز العالى بعدما قفز سور القصر ! شهد النظام بعدها انتفاضة شعبان الطلابية المسنودة بالجبهة الوطنية (القوى الرجعية) ... ثمّ حركة حسن حسين التى استلم فيها العاصمة صباح ذات جمعة و سلّمها فى ضحاها ... و بعدها بأقل من عام عمل مسلّح من محمد نور سعد و من ورائه الجبهة الوطنية تتنكّر فى ثياب مرتزقة و التى سيطرت على شوارع العاصمة و لم تسيطر على ميكروفون الاذاعة ! استطاع النظام تصفية من غير العسكريين الهادى المهدى و عبد الخالق محجوب و الشفيع أحمد الشيخ و محمد صالح عمر و جوزيف قرنق و عباس برشم وعبد الاله خوجلى و عبد الله ميرغنى ... و محمود محمد طه ! استدار النظام مثلما يستدير الزمان فأصبح اصدقاؤه هم الاخوان المسلمون و اعداؤه الشيوعيون ! لم تأت نهاية مايو الا حين عجز النظام الذى اعتاد على الردع من اخراج مسيرة الردع !

    http://www.rayaam.info/Raay_view.aspx?pid=0&id=12379
                  

05-26-2008, 05:18 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    الرحيل المفاجئ لـ د.جون قرنق، أين كنت وقتها، كيف كان تأثير الخبر عليك؟
    < حقاً كان الحدث زلزالاً، كنت في بريتوريا، وكان هنالك فريق من أبناء وبنات الحركة يتلقون تدريباً دبلوماسياً في بريتوريا تحت إشراف حكومة جنوب إفريقيا بمساندة بعض جامعاتها تمهيداً لانتمائهم لوزارة الخارجية، وكنت هناك لإلقاء محاضرة أدرجت في البرنامج، وجاءني الخبر، لم أصدق، ثم تأكدت منه. كان حدثاً مؤسفاً محزناً، وحتى الآن لا أريد أن أصدق أن رجلاً بحجم الدنيا قد رحل عن الدنيا.
    > لم ترثه برغم هذا الحزن الكبير فدموعك عبر القلم أبلغ، عندما توفي محمود محمد طه ذهبت تبكيه بالورق فلماذا كان جون قرنق استثناءً؟
    < جون قرنق يحتاج إلى أكثر من مقال، وأنا أعد كتاباً، صحيح أنه كتاب يتناول اتفاقية السلام ولكنه في الحقيقة يتناول دور جون قرنق في اتفاقية السلام.

    http://www.almshaheer.com/modules.php?name=Stories_Arch...ve&sa=show_all&min=0
                  

05-26-2008, 05:21 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)
                  

05-26-2008, 05:41 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    Re: هيئة علماء السودان (التقييم: 1)
    بواسطة بازوكا في الأربعاء 14 مايو 2008

    من الذى اختاركم علماء للسودان ... كما قال الشهيد الاستاذ محمود محمد طه ... والله فعلا علماء للسلطان ..وحساب الاخرة حساب عسير ....والعزة للسودان

    بازوكا...


    http://www.almshaheer.com/modules.php?name=News&file=co...&mode=&order=&thold=
                  

05-26-2008, 05:43 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    ضرب بالرصاص في الخرطوم واعلان حظر التجوال (التقييم: 0)
    بواسطة Anonymous في السبت 10 مايو 2008
    اين الحكومة هى عبارة عن عصابة تحمى نفسها فقط وهذه الفتنة الجديدة زرعها هذا النظام الجائر الخبيث وهذا ما زرعه وعليه تحمل تبعاته والشعب السودانى برى مما يحدث وحركة العدل والمساواة هى جزء اصيل من هذا النظام والكتور خليل كان هو المسئول الاول عن تجييش الشباب للجهاد فى الجنوب ولخلاف بين اعضلء هذه العصابة على السلطة والمال الذى سرقوه اختلفوا هناتحضرنى كامة الشيخ المرحوم محمود محمد طه عندما حكموا عليه بالاعدام قال لهم حكمتم السودان جزئيا الان وستحكموه كاملا وستدمروه كاملا وهذا هو الطوفان ونفس ما قاله الشيخ يحدث الان الشعب السودانى لم ينتخب هذه العصابة لكى تحكمه وهذا فخار يكسر بعضو عاى الشعب رص الصفوف لدحر هذه العصابات التى تسعى لتمزيق نسيجه الاجتماعى والشعب برىء من هذه الخلافات وهذه الحكومة لاتمثل اهل السودان ابدا وعليها ان تذهب غير ما سوف عليها والتحية للشعب السودانى الفضل

    http://www.almshaheer.com/modules.php?name=News&file=co...&mode=&order=&thold=
                  

05-31-2008, 09:22 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    شاهد على العصر يحكي ذكرياته في أيام حكم النظام المايوي
    خلف الله الرشيد رئيس القضاء الأسبق: محاكم العدالة الناجزة عجلت بزوال شمس حكم النميري
    الإسلاميون بايعوا النميري كأمير للمؤمنين وقتل محمود محمد طه خطأ وظلم
    الشيوعيون دمروا الاقتصاد السوداني بتأميم البنوك والشركات لكن النميري انتهى من حزبهم



    جلس اليه ـ عبدالوهاب موسى:
    مولانا خلف الله الرشيد ولد في 1930م درس ما قبل الجامعة بمدني والثانوي بحنتوب ثم القانون بجامعة الخرطوم، عمل مساعد قضائي في الابيض وسنجة والقضارف ثم قاضي درجة اولى بشندي ثم صار كبير مستشاري وزارة العدل، وتلقى الدراسات فوق الجامعية بلندن وكامبردج وهو اول سوداني يتقلد موقع المحامي العام في اعوام 1967م حتى 1969م، ثم عين في عهد حكومة مايو رئيساً للمحكمة العليا والقضاء.
    تحدث إلينا في هذه المساحة كشاهد على العصر في عهد حكومة مايو التي يرأسها آنذاك المشير جعفر نميري.. فتحدث بدون (فلترة) وقال العجب العجاب وحكى بدون تردد فماذا قال؟!



    * حكومة نميري تقلبت في اتجاهاتها الفكرية والسياسية فتارة كانت مايو الشيوعية وفي اخرى كانت اسلامية وغير ذلك.. لكن بين هذه المراحل المتعددة لمايو كانت هناك محطات؟
    مشكلة مايو الاساسية أن مجلس الثورة ليس له تفكير سياسي معين فهم ـ أي الاعضاء ـ كانوا يقولون إن الحكومات السابقة كانت فاسدة وإنهم يبحثون عن حكومة غير فاسدة ولكنهم في نفس الوقت غير منسجمين وظلوا هكذا حتى حل نميري مجلس الثورة وأصبح هو رئيس الجمهورية.
    * لكن الشيوعيين كانوا محطة أساسية في بداية مايو؟
    نميري في الفترة الأولى سيطر عليه الشيوعيون لحين قيام حركة هاشم العطا، وبعدها قتل نميري الشيوعيين وانتهى من الحزب الشيوعي، وكنت وقتها رئيساً للقضاء والمحكمة العليا.
    * كأنك تقول إن الشيوعيين لا تأثير لهم في حكومة نميري؟
    يا ابني في الفترة الأولى الشيوعيون سيطروا على الحكومة وعملوا أشياء لكنها أثرت سلباً على الاقتصاد السوداني وضمنها تأميم البنوك والشركات.
    * ماذا عن قوانين الشريعة في عهد نميري؟
    قوانين الشريعة عورضت بشدة من الكثيرين لأنه لازمها تقييد للحريات وآخرون عارضوا القانون الجنائي آنذاك.. فالاخوان المسلمون استغلوا نميري وحققوا أهدافهم على حسابه.
    * قطعاً نميري له إيجابياته.. أليس كذلك؟
    نميري كان مهتماً بالسيادة الوطنية ولم يربطنا بتحالفات أجنبية وحتى الآن نميري له نزعة وطنية واذكر آنذاك أن القذافي ما كان ـ مبسوطاً ـ من نميري وحسين هبري حاكم تشاد وحاربهما، فالنميري كان يحترم القضاء رغم أن مجلس القضاء العادل كان يرأسه رئيس الجمهورية وينوب عنه رئيس القضاء وهو المشرف على النظام القضائي.
    * لكن هناك بقع سوداء في حكم النميري والنظام المايوي من بينها محاكم العدالة الناجزة؟
    محاكم العدالة الناجزة ما كانت صورة مشرفة وهي من المسائل السلبية التي أودت بحياة مايو.
    * بحكم قربك من نميري هل كان ناصرياً يا مولانا؟
    نميري كانت له ميول ناصرية لكن أغلبها كان شعارات غير عملية.
    * انجازات لمايو ونميري؟
    النميري كان مهتماً بتسليح الجيش وكان يمنحه الكثير من العناية ونصح بأن يُنتبه للبنى التحتية، ولكن كانت أولوياته بناء البرلمان وقاعة الصداقة وفندق قصر الصداقة كأشياء يخلد بها اسمه، ولم ينتبه للسكة الحديد إلا في أواخر أيامه واهتم بالسكة الحديد، رغم أنه في البداية شرّد العمال.. في مايو السلع كانت غير ـ مطلوقة ـ والمعيشة كانت «كويسة».
    * ماذا عن بيعة نميري كأمير للمؤمنين؟
    الإسلاميون ساقوا نميري وبايعوه هناك أميراً للمؤمنين لأنه كان يدين للمتصوفة وزار أبوحراز وأم ضواً بان وكانوا دايرين يعملوا ليه نائب كأمير للمؤمنين عشان يسيطروا عليه.
    * في رأيك من الذي قتل محمود محمد طه.. وهل كان قتله حق؟
    أنا قلت وقتها إن قتل محمود محمد طه خطأ رغم أنني كنت لا اتفق معه سياسياً، والقتل خطأ لأنه لم تُوجه له أية تهمة.. لأن قانون 1983 ما فيه حد الردة فيه خمسة حدود ولم يتم الاتفاق على حدي البغي والردة أي ما في قانون يحرّم الردة.. فكانت التهمة الموجهة هي إثارة الكراهية ضد الحكومة ومحكمة الاستئناف قبلت القضية وقالت يحاكم بالردة، فقلت لهم أية محاكمة بدون سماع للمتهم فهي باطلة (لأن الله تعالى قال لإبليس مالك لا تسجد)، وقلت لهم سماع أقوال المتهم حق إلهي.. وقلت لهم المحاكمة باطلة، لكن المحكمة الدستورية ألغت الحكم واعتبرته ظلماً، ولكن كل الظلم ارتكبه الإسلاميون لأن المحكمة التشريعية التي قضت بتكفير محمود محمد طه ليست لها صلاحية أن تصدر الحكم والفتوى.
    * البعض كان يقول إن النميري ظالم ويبطش بأعدائه؟
    النميري كان حاسماً وكان يتخذ القرار ويتابعه.. كان لا يحب الاستفزاز وأن يتفلسف عليه الآخرون.. وكان يسمع كلام من يصلحه لكنه لا يريد التحدي.
    * هل كانت لكم تجارب في نقل الخبرات والتواصل مع الآخر على مستوى القضاء؟
    أرسلنا وفد صداقة مع مصر ولكن لم نأت بخبراء منهم فقط جئنا بخبراء لصياغة القوانين ولم نرسل أناساً يتدربون ولم يأتنا مدربون.
    * دستور ناجح في عهد مايو؟
    دستور 1973 هو أفضل دستور في نظام مايو لأنه اخضع الدولة لحكم القانون، ولكن الخطأ الذي وقع فيه نميري هو عدم إشراك كل المعارضة في المصالحة التاريخية 1977م.
    * ما هي العبرة من تاريخ مايو الطويل الذي حكم البلاد؟
    مشكلتنا الأساسية نحن السودانيين إذا درسنا تاريخنا السياسي نجده معتمداً على الشعارات فقط، فالأحزاب كانت تناضل من أجل طرد المستعمر ولكن لم يكن لها برنامج كما أن الأحزاب أيضاً لم تأخذ الفرصة الكافية وحتى الديمقراطية غير مفهومة بالصورة الحقيقية، فالشورى أعم من الديمقراطية، كذلك على الجميع أن يعترفوا بعاداتهم المحلية، فنحن لا نريد آراء فلسفية بقدر ما أن المطلوب دراسة المجتمع ومعرفة أحواله، ويجب ألا نتقيد بالنظريات وأيضاً أرجو الرجوع إلى الله فهو أهم شئ والواجب أيضاً محاربة الفساد بالتربية.
    * هل كنت مؤمناً بالانخراط في نظام مايو؟
    نعم، أنا اشتركت في نظام مايو وكنت عضواً بالاتحاد الاشتراكي وعضواً بالمكتب السياسي.



    **

    http://www.alwatansudan.com/index.php?type=3&id=10056&bk=1
    _________________
                  

05-31-2008, 09:23 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    امرأة من زمن النميري..
    بدرية سليمان تدقق في دفاتر مايو
    لــم انتمِ إلى مايـــو لأننــي أكـره الاشتراكيــــــة
    حرمت من العمل بوزارة الخارجية لأنني كنت اتحادية..
    الترابي لم يضع حرفاً واحداً في تشريعات سبتمبر ولا علاقة له بها من قريب أو بعيد..
    مايو كانت دولة مؤسسات ونميري رجل دولة حقيقي..



    بدرية سليمان.. اسم تردد في اكثر من مكان وزمان داخل مؤسسات الدولة في السودان خلال الثلاثين عاماً الماضية.. الا أن ارتباط صاحبة هذا الاسم بنظام الرئيس الاسبق جعفر محمد نميري جعلها لدى الكثيرين موصوفة بالمايوية. وهو الشئ الذي نفته نفياً قاطعاً اثناء الحوار الذي اجرته معها «الوطن» في اطار توثيقها لهذه الفترة.. وظلت تؤكد طوال زمن الحوار و«بشدة» على أن علاقتها بمايو لم تكن اكثر من ارتباط وظيفي مهني «بحت» وأن دورها لم يتجاوز حدود مواصفاتها القانونية التي اهلتها لشغل العديد من الوظائف العليا، ومن بينها عملها كمستشار قانوني برئاسة الجمهورية.. والحوار بطبيعة الحال تطرق إلى جوانب أخرى للاستاذة بدرية سليمان تبتعد كثيراً من دائرة وجودها داخل أضابير مايو وما صاحب تلك الفترة من قرارات وتفاعلات و«انفعالات» مازالت تداعياتها تتردد حتى اليوم في السودان، ومن بينها يكفي فقط أن نذكر ما اتفق الناس على تسميته بقوانين سبتمبر وتصر الاستاذة بدرية على اطلاق صفة «التشريعات الاسلامية» عليها وما بين هذا ذاك كان الحديث التالي:



    * حوار: هويدا الشوية *
    * أنت من بين عدد من النساء اللائي كان لهن حضوراً متميزاً داخل مؤسسات مايو.. ما هي حدود علاقتك مع هذا النظام طيلة تلك السنوات؟
    ليست لدي اية علاقة بمايو..
    * الجميع يعرف أنك كنت واحداً من أعمدة مايو.. فلماذا تنكرين الآن؟
    (؟؟؟).. دعيني اقول لك واكرر أنني لم تربطني بمايو أية علاقة سياسية.
    * إذن ما هو نوع العلاقة التي سمحت بوجودك داخل القصر الجمهوري في تلك الفترة؟
    مثل غيري عقب تخرجي في جامعة القاهرة فرع الخرطوم بكلية القانون، حاولت في البداية الالتحاق بوزارة الخارجية الا أنني فشلت في تحقيق هذه الرغبة.
    * لماذا؟
    لأنني كنت أقود تنظيم رابطة الطلبة الاتحاديين داخل الجامعة وكان هذا كافياً لابعادي من أية وظيفة بالخارجية.
    * ثم ماذا؟
    بعدها التحقت بالعمل بوزارة العدل كمستشار وكنت ثاني امرأة تعمل في هذه الوظيفة بالسودان وتدرجت حتى وصلت إلى رئاسة الجمهورية كرئيس لإدارة التشريع والشؤون القانونية في العام 1982م.
    * هل يعني هذا أنه لم تكن لديك أية ميول سياسية في تلك الفترة؟
    أنا كرست كل جهدي في العمل المهني القانوني بحكم تخصصي وخبرتي في هذا المجال.. وعملي في رئاسة الجمهورية لم يكن في أي يوم من الأيام له علاقة بالجوانب السياسية.
    * لماذا تجهدين نفسك لرد تهمة العمل مع نظام مايو؟
    بالعكس، العمل الذي قمت به ليس فيه ما يشين، بل أنني اعتز به جداً.. من الذي لم يعمل مع مايو؟ كل الشعب السوداني فعل وأنا واحدة من هذا الشعب.
    * ما الذي منعك إذن من المشاركة في نظام نميري ومؤسساته السياسية وعلى رأسها الاتحاد الاشتراكي؟
    كنت ومازلت اكره كلمة (الاشتراكية) ومعلوم أن مايو أتى بها الشيوعيون، لذلك لم افكر يوماً ما أن يكون لي أي دور سياسي في حكومة نميري.
    * وإن كنت تنفين أية علاقة سياسية لك بمايو، إلا أنك أحد (عرابي) قوانين سبتمبر.. ماذا تقولين في ذلك؟
    أولاً أنا لا أسميها قوانين سبتمبر، بل التشريعات الاسلامية هو الاسم الحقيقي لهذه القوانين لأنها مستمدة من القرآن والسنة.
    * ولكنها صدرت في سبتمبر 1983م لذلك تعرف الناس عليها بذلك الاسم؟
    هذا ليس صحيحاً فهذه التشريعات لم تصدر في سبتمبر، فهي مجموعة قوانين بلغت 15 قانوناً من بينها: قانون المعاملات المدنية وقانون أصول الأحكام القضائية وقانون الاجراءات المدنية وقانوني العقوبات والاجراءات الجنائية اضافة إلى القوانين الخاصة بالنائب العام والقوات المسلحة والشرطة والزكاة والضرائب وغيرها.. ومع ذلك لا يعرف منها إلا قانون العقوبات الجنائية!
    * ما هي مساهمتك بالتحديد في هذه القوانين؟
    كنت عضو اللجنة الفنية التي قامت بإعداد هذه القوانين وصياغتها قبل أن تقدم للمصادقة عليها.
    * ومن هم الأعضاء الآخرين؟
    النيل ابوقرون ومولانا عوض الجيد محمد أحمد..
    * وأين كان د. الترابي من هذه القوانين وكان يشغل وقتها منصب مستشار الرئيس نميري للشؤون القانونية؟
    للحقيقة والتاريخ أن د. الترابي لم يكن له أيه علاقة بهذه القوانين من قريب أو بعيد وأنا اقول هذا الحديث ود. الترابي وكل الذين كانوا بالقصر موجودون.. تستدرك.. واذكر أن المرة الوحيدة التي حاول فيها د. الترابي التدخل أن عدداً من الجهات الحكومية تقدمت بمذكرة لاستثناء السفارات والأسواق الحرة من منع استيراد الخمور واستخدامها من قبل هذه الجهات. وبحكم منصبه كمستشار قال لنا ارفعوا مذكرة للرئيس.
    * وماذا قال الرئيس؟
    رفض بشدة أية استثناءات وقال إن الذي يريد أن يعمل في السودان عليه القبول بهذه القوانين والالتزام بها.
    * الكثيرون أعابوا على قوانين سبتمبر سوء التطبيق الذي صاحب الكثير من القضايا التي خضعت لأحكامها خاصة تلك المتعلقة بالجرائم الحدية.. كيف ترين ذلك؟
    إذا تحدثت عن دوري فإنه لم يتجاوز مرحلة الإعداد والصياغة القانونية.. والحديث عن التجاوزات التي حدثت في تطبيق قانون العقوبات مبالغ فيه.
    * يقال إن عدد الأيدي التي تم قطعها بموجب تلك الأحكام تجاوز مجموع حالات القطع التي شهدتها الدولة الاسلامية منذ دولة الرسول «صلى الله عليه وسلم»؟
    هذا حديث لا أساس له من الصحة ومبالغ فيه وقصد منه التشويش على هذه القوانين ومحاربتها..
    * الواقع وربما السجلات تقول بذلك فلم تنكرين؟
    * دعيني اقول لك إن للقاضي سلطات تقديرية يمكنه استخدامها حسب الظروف الموضوعية لكل قضية ولا استطيع أن اصدر رأياً حول أي حكم صدر بموجب التشريعات الاسلامية.
    * ومقتل محمود محمد طه هل كان أيضاً بناءً على هذه السلطة التقديرية؟
    محمود محمد طه استوفت قضيته كل الشروط اللازمة للحكم الذي صدر بحقه.. والرئيس نميري رفض كل محاولات إيقاف تنفيذ الحكم التي قام بها عدد كبير من القيادات السودانية حينها ومع ذلك فقد استشار في تنفيذ هذ الحكم عدداً كبيراً من علماء الدول الاسلامية وعلى رأسهم الشيخ يوسف القرضاوي وعدد من علماء مكة والأزهر الشريف.* كانت محاكمة سياسية؟
    بل كانت حكماً بالردة تمت استتابته وقع فيه ثلاثة أيام مثلما قالت الشريعة والعلماء إلا أن محمود لم يرجع ونفذ فيه الحكم.
    * هل أنت نادمة على مشاركتك في هذه القوانين؟
    بالعكس أنا اعتز بهذه المشاركة واعتبرها شرفاً لي.
    * بعيداً عن قوانين سبتمبر وبعد كل هذه الفترة كيف تصفين جعفر محمد نميري؟
    نميري كان رجل دولة حقيقياً ويعتمد على المؤسسية في ادارة الحكم.
    * هل تعتقدين أن لمايو انجازات تحسب لمصلحتها؟
    نعم.. والدليل على ذلك الاستقرار الأمني والاقتصادي الذي صاحبها طيلة 16 عاماً من عمرها، وما ميز مايو عن غيرها من الحكومات في السودان، الديمقراطية منها والعسكرية أن جعفر نميري كان يعتمد على التكنوقراط في تكوين حكوماته المتعاقبة.

    http://www.alwatansudan.com/index.php?type=3&id=10056&bk=1
    ___
                  

07-01-2008, 00:20 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)



    الديمقراطية والشريعة و(كعب أخيل) في اتفاق مشاكوس! ـ

    عرمان محمد احمد
    [email protected]

    تروي القصة السودانية الشهيرة ان (البصيرة ام حمد) قالوا لها ان العجل ادخل رأسه في القلة ولم نستطع إخراجه، فنصحتهم بقطع الرأس..! ولما عادوا وقالوا لها ان رأس العجل مازال في القلة بعد قطعه قالت لهم أكسروا القلة..! ويبدو ان حكومة (الإنقاذ الوطني) تسير في مشاكوس علي نهج (البصيرة ام حمد) لمعالجة قضية جنوب السودان ..!! ـ

    لقد انتهت الجولة الثانية، من مفاوضات مشاكوس، دون إبرام اتفاق تكون له صفة إلزام قانونية تضمن تنفيذه علي ارض الواقع، فيما يتصل بقضية اقتسام الثروة والسلطة، التي جري بحثها في هذه الجولة. ومع ذلك فالشيء الإيجابي الوحيد الذي خرجت به مشاكوس(2) هو الإتفاق علي وقف العدائيات، و تمديد إتفاق وقف اطلاق النار، الذي ابرم قبل انعقاد المفاوضات، ويرجي من الطرفين الالتزام به وعدم نقضه كما حدث في السابق..!! وقد اقتضى (إنقاذ) مفاوضات مشاكوس (2) التي شارفت علي الانهيار التوقيع على (مذكرة تفاهم) بين حكومة الخرطوم وحركة قرنق، تحت ضغوط وسطاء(الإيقاد) الأفارقة ورعاتها من الأمريكيين والأوربيين.. وقد حوت (ورقة التفاهم) الجديدة، الكثير من العموميات، مثل الحديث عن «الاعتراف بالسيادة الوطنية للسودان» مع ان السودان قد تم الاعتراف به كدولة مستقلة ذات سيادة منذ ان نال استقلاله عام 1956.. كما نصت ورقة التفاهم علي«تقاسم السلطة، وعناصر هياكل الحكم» إضافة لاكثر من خمسة عشر بندا تتحدث عن«الحفاظ علي حقوق الإنسان والحريات الأساسية في الفترة الانتقالية كحق الحياة.. والحريات الشخصية.. ومنع الرق.. ومنع التعذيب.. والحق في قضاء عادل» الي اخر النصوص المنقولة من المواثيق الدولية دون تحديد الآليات اللازمة لتنفيذها..! كما نصت ورقة التفاهم علي «اعادة صياغة الدستور بواسطة لجنة تضم كل القوى السياسية المسجلة وغيرها» وعلي « اجراء انتخابات عامة نزيهة ومراقبة» ولكن بدون تحديد موعد وجدول زمني لتلك الانتخابات، التي قيل انها ستجري خلال (الفترة الانتقالية) وهي ايضاً فترة مجهولة الموعد!! ـ

    وتكوين لجنة غير مستقلة عن الحكومة لإعادة صياغة دستور التوالي الحالي (تضم كل القوى السياسية المسجلة وغيرها) امر لا يعول عليه، ذلك لأن (القوي السياسية المسجلة وغيرها) غير معترف بها أساسا من جانب اطراف مشاكوس، بدليل استبعادها من المفاوضات، كما ان هناك عبرة لمن يعتبر في تكوين الحكومة للجنة إعداد (دستور التوالي) الذي تتحدث (مذكرة التفاهم)عن تعديله الآن وإعادة صياغته، بعد إجازة معظم مواده بـ(الاجماع السكوتي) عام 1998!! و بالنظر الي سجل الحركة والحكومة، في مجال حقوق الإنسان، فأن التوقيع علي ورقة تفاهم تتحدث عن الحفاظ علي حقوق الإنسان والحريات الأساسية، في الفترة الانتقالية، لا معني له، والا فان الحريات والحقوق المشار اليها لاتسلب كما هي الحال الحاضرة، ولا تمنح بـ(مذكرة تفاهم) بهلوانية بين الحركة والحكومة، وانما هي حريات وحقوق طبيعية للإنسان كالماء والهواء والغذاء.. والسلام الحقيقي يقتضي إلغاء (دستور التوالي) الحالي، وصياغة دستور إنساني جديد، يصون ويكفل تلك الحريات والحقوق عملياً لكل اهل السودان. ـ

    ونصت (مذكرة التفاهم) كذلك على «تكوين مؤسسات تشريعية، من مجلسين بتمثيل عادل، للمواطنين في الجنوب، و التأكيد على ان تكون الخدمة القومية والوزارات ممثلة للسودانيين، لا سيما لمواطني جنوب السودان بشكل منصف.» ولكن (ورقة التفاهم) عجزت عن تحديد نسب التمثيل الذي تتحدث عنه، والتي كانت محل خلاف كبير في المفاوضات، وهكذا يتضح ان وريقة التفاهم التي وقعها الطرفان، تحاول فيما يشبه المهزلة معالجة الفشل في إحراز المفاوضات لأي تقدم يذكر فيما يتصل بالقضايا الرئيسية، ومع ذلك فقد نادت (ورقة التفاهم) بإجراء حملة إعلامية للترويج لاتفاق سلام مشاكوس في كل أنحاء العالم..! وعقب التوقيع قال الدكتور (غازي العتباني) رئيس وفد الحكومة السودانية في المفاوضات: «هذه خطوة جديدة ربما تكون صغيرة لكنها مهمة على طريق التوصل الى حل للصراع في السودان»!! ومن الواضح ان (غازي العتباني ) لايأبه في الصراع الذي يتحدث عنه، لمهددات الوحدة الوطنية، واحتمالات تقسيم السودان، التي اطلت برأسها في اتفاقية مشاكوس، بيد ان (العتباني) وقبيله شديدو الحرص علي السلطة والمناصب التي كانت محور الخلاف في مفاوضات مشاكوس(2).. وعلي ضوء هذه المعطيات يمكن القول بأن مصير برتكول السلام (من الخارج) الذي جري توقيعه مع (حركة قرنق) في مشاكوس، لن يكون أفضل حالاً من مصير اتفاقية الخرطوم للسلام (من الداخل) التي وقعتها الحكومة الحالية عام 1997مع مجموعات (مشار) و( اريك طون) و(كاربينو) ورفاقهم..!! وإذا كان التوقيع علي مذكرة (تفاهم) في مباحثات مشاكوس الأخيرة خـطوة صغيرة، كما قال رئيس وفد المفاوضات الحـكومي، فإن الحـديث عن نجـاح جــولة مشاكــوس (2) والترويج له، بسبب التوقيع علي مذكرة عديمة الأثر القانوني لا يعدو ان يكون مجرد تضليل إعلامي! ـ

    رأس الدولة بين حق المواطنة والشريعة! ـ

    لقد تعثرت الجولة الثانية في مفاوضات مشاكوس لعدة أسباب، منها تشبث الجماعة الحاكمة بكراسي الحكم، وعدم استعدادهم لاقتسام السلطة مع الحركة الا بشروطهم، التي تعني منح الطرف الأخر مناصب ديكورية، وسلطات وهمية، علي نحو ما حدث مع جماعات (رياك مشار) و(امين التجمع) السابق (مبارك المهدي) ومن هم علي شاكلتهم! ومنها ايضاً المزايدة السياسية بشعارات الشريعة برغم تبخر (المشروع الحضاري) كله في الشمال والجنوب، وركوع حكام (الإنقاذ الوطني) للولايات المتحدة وانصياعهم للأمر- كـان! ـ



    أزمة مفاوضات مشاكوس(2) تعكس بجلاء الأزمة الفكرية، التي تعاني منها جماعة الجبهة الحاكمة الآن في السودان، باعتبارها إحدى جماعات الإسلام السياسي،التي تتناقض أفكارها وتصوراتها وفهمها للدين، مع الواقع السياسي والاجتماعي المعاصر، وهي أزمة ظلت تعيد نفسها ويتكرر إنتاجها بصور مختلفة، ففي بداية أمرهم وفي منتصف الستينات، كان دعاة (المشروع الحضاري) الحالي ينادون بما أسموه الدستور الإسلامي، وقد سقط ذلك الدستور إبان مداولات اللجنة القومية للدستور الدائم للسودان !! وعن بعض ملابسات سقوطه يحدثنا محضر مداولات تلك اللجنة في مجلده الثاني على النحو التالي :ـ

    «السيد موسى المبارك: جاء في مذكرة اللجنة الفنية نبذة حول الدستور الإسلامي في صفحـة (7) أن يكون رأس الدولة مسلما، أود أن أسأل هل لغير المسلمين الحق في الاشتراك لانتخاب هذا الرئيس ؟» ـ

    «السيد حسن الترابي: ليس هناك ما يمنع غير المسلمين من انتخاب الرئيس المسلم، الدولة تعتبر المسلمين وغير المسلمين مواطنين، أما فيما يتعلق بالمسائل الاجتهادية فإذا لم يكن هناك نص يترك الأمر للمواطنين عموما، لأن الأمر يكون عندئذ متوقفا على المصلحة، ويترك للمواطنين عموما أن يقدروا هذه المصلحة، وليس هناك ما يمنع غير المسلمين أن يشتركوا في انتخاب المسلم، أو أن يشتركوا في البرلمان لوضع القوانين الاجتهادية التي لا تقيدها نصوص من الشريعة.»

    «السيد فيليب عباس غبوش: أود أن اسأل ياسيدي الرئيس، فهل من الممكن للرجل غير المسلم أن يكون في نفس المستوى فيختار ليكون رئيسا للدولة ؟»

    «الدكتور حسن الترابي: الجواب واضح ياسيدي الرئيس فهناك شروط أهلية أخرى كالعمر والعدالة مثلا، وأن يكون غير مرتكب جريمة، والجنسية، وما إلى مثل هذه الشروط القانونية.»

    «السيد الرئيس: السيد فيليب عباس غبوش يكرر السؤال مرة أخرى.»

    «السـيد فيليب عباس غبوش: سؤالي يا سيدي الرئيس هـو نفس السؤال الذي سأله زميلي قبل حين – فقط هذا الكلام بالعكس – فهل من الممكن أن يختار في الدولة – في إطار الدولة بالذات – رجل غير مسلم ليكون رئيسا للدولة ؟»

    «الدكتور حسن الترابي: لا يا سيدي الرئيس»

    كعب اخيل في إتفاق مشاكوس هو ان غير المسلم الذي كفل له هذا الإتفاق الحق في ان يكون رأساً للدولة بموجب (حق المواطنةً) لا يمكن ان يكون مسؤولاً عن تطبيق (الشريعة) في الدولة الإسلامية المفترض ان يكون علي رأسها، وقد تجلي هذا الأمر بوضوح عند مناقشة موضوع الرئاسة الدورية، و سلطات نائب رئيس الجمهورية، حيث رفض وفد الحكومة، مطالب الحركة في هذا الخصوص، كما رفض منحها النسبة التي تطالب بها في مقاعد الحكم والإدارة، حتي تتمكن من المشاركة الفعلية في السلطة علي ارض الواقع، ويعود ذلك الي عدم اقتناع اهل الجبهة الحاكمة، بالمساواة بين المسلمين وغيرهم، فيما يتعلق بالولاية العامة، وممارسة السلطات بصورة فعلية، فضلاً عن عدم اقتناعهم المبدئي بالديمقراطية، كأساس لتولي السلطة العامة، وهذا ما دعاهم لتنفيذ إنقلابهم العسكري علي الحكم الديمقراطي عام 1989! ـ

    وبرغم اختلاف الظروف والملابسات تكرر في مشاكوس ذلك التناقض الفكري الذي يشوب مواقف جماعات الإسلام السياسي في السودان، عندما يصطدموا بأرض الواقع .. فكما تبدي ان غير المسلم لا يمكن ان يكون رئيسا للدولة الإسلامية حسب إجابة الدكتور الترابي علي سؤال الأب (فيلب غبوش) ابان مداولات اللجنة القومية للدستور الدائم للسودان في الستينات، ظهر ايضاً شيطان التفاصيل الكامن في بروتوكول مشاكوس الحالي، بعيد توقيع (تلاميذ الترابي) علي عمومياته النظرية، وذلك من خلال رفض الحكومة لمقترح الرئاسة الدورية، باعتبارها الوسيلة العملية، التي يمكن ان يتولي بموجبها الجنوبي غير المسلم رئاسة الجمهورية، بل ورفضت الحكومة ان يكون الجنوبي غير المسلم نائباً لرئيس الجمهورية وفقاً للتصور الذي تطالب به الحركه، كما رفضت ان تكون للحركة سلطات حقيقية في ادارة دفة الحكم..! وهكذا نقضت الحكومة في مفاوضات مشاكوس الثانية ما تم التوقيع عليه في مفاوضات مشاكوس الاولي، ومن المفارقات ان فكرة التنازل عن تطبيق الشريعة في الجنوب او فصل الجنوب علي نهج (البصيرة ام حمد) كـانت ايضاً من بنات أفكـــار(الترابي) التي حملها تلاميذه وحواريوه -الذين جارواعليه- معهم الي مفاوضات مشاكوس..! وبطبيعة الحال هناك الكثير من الإتفاقيات والعهود التي وقعت من قبل مع اهل الجنوب، و نقضها ساسة الشمال قبل ان يجف مدادها، وآخر تلك الإتفاقيات كان اتفاقية (السلام من الداخل) الموقعة بين الحكومة الحالية، و جماعة (رياك مشار) عام 1997..! وبعد كل أولئك هـاهي مفاوضات مشاكــوس (2) تتمخض عن ورقة تفاهم فضفاضة، وغير ملزمة قانوناً، و مشحونة بعموميات لـذر الرماد في العيون!! واذا كان موضوع اقتسام السلطة والمناصب قد ادي الي انقلاب جماعة الجبهة علي بعضهم البعض فيما سمي بـ(انقلاب القصر) فلا غرو ان يختلفوا مع الحركة الشعبية في مشاكوس(2) حول ذات الموضوع ولا يتفقون البته..!! ـ

    وبعد هذا هل هناك من يحلم، بأن تحتكم جماعة (ثورة الإنقاذ) الي (الديمقراطية) حسب مـا ورد في مذكـرة تفاهم مشاكوس(2) وتعمل علي إجراء (انتخابات عامة نزيهة ومراقبة) تؤدي في نهاية المطاف الي مغادرتهم لكراسي الحكم، التي قفزوا عليها من عل بوسائل غير ديمقراطية؟! ـ

    عرمان محمد احمد

    نوفمبر, 2002



    http://sudaneseonline.com/sudanile2.html
    __________
                  

06-01-2008, 04:14 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    بين ذبح محمد طه وقتل الاستاذ محمود



    د. أسامة عثمان

    نيويورك





    هكذا قد انقضى أكثر من شهر على مصرع الأخ محمد طه محمد أحمد ولم نسمع أن الشرطة قد توصلت إلى شيئ قد يقود إلى معرفة الجناة وليس في تصريحات وزير الداخلية ما يدعو للاطمئنان، وقبل ان يدخل الحدث شيئا فشيئا في عالم النسيان دعونا نحاول قراءة دلالة الحدث ونتخذه مدخلا لتقديم مقترح قد يسهم في إيقاف نذر ما قد يكون الحدث بداية له.

    كتب عن محمد طه محمد احمد الكثير، وعبر الجميع عن فجيعتهم إما لمعرفة شخصية بالقتيل أو لبشاعة الشكل الذي تم به الاغتيال وإمعانه في التوحش والبربرية أو لأن الحدث يعتبر نتيجة منطقية لسياسات قادت إليه وقد تقودنا إلى مآل مظلم إن لم يتم تدارك الأمور.

    أما أنا، فقد كانت فجيعتي للأسباب الثلاثة مجتمعة حيث تعود معرفتي بالأخ محمد طه إلى أيام مروي الثانوية عندما كانت تعج بنشاط طلابي كثيف يتوزع بين الأخوان المسلمين والجبهة الديمقراطية وتنظيم الاشتراكيين العرب، كان محمد طه عروبي الهوى معجبا بعبد الناصر والعقاد وطه حسين يقرأ ويلتهم كل ما يأتي من مصر بشراهة وكان الطلاب النابهون يتوزعون بين التنظيمات الثلاثة وكان من المتوقع أن ينضم محمد طه إلى تنظيم الاشتراكيين العرب لميوله العروبية ولكنه فاجأ الجميع ذات يوم حين أعلن انضمامه لتنظيم الأخوان المسلمين وأحسب أن ذلك يعود لروح تمرد وثورية كامنة في نفسه أزكتها الاخبار التي كانت تأتينا من جامعة الخرطوم وبطولات أعضاء الاتحاد الذي يقوده الاسلاميون في مواجهة سلطة مايو فيما عرف بحركة شعبان 1393 هجرية أو حركة أغسطس 1973 ميلادية وليس شعبان 1973 كما تجدها في بعض الكتابات. كنا نتسقط أخبار تلك الأحداث وننظر إليها بإجلال من أقاليمنا النائية.

    كان انضمام محمد طه للاخوان المسلمين كدخول عمر بن الخطاب إلى الإسلام حيث رجحت به كفتهم وعلا صوتهم وصار صوت محمد طه وجداله يسمع في كل مكان ولم يعرف محمد طه التدرج في أسر الاخوان المسلمين وسلمهم التنظيمي فصار بعيد انضمامه مسؤول التنظيم السياسي ولم يقطع خياره السياسي الذي كان بعيدا عن خياراتي ماكان بيننا من صلة قوامها تبادل الكتب والمجلات المصرية التي يعز العثور عليها في ذلك الصقع النائي.

    ما من شخص كانت له صلة بجامعة الخرطوم في الفترة من 1975- 1985 إلى وقد شاهد محمد طه في ركن نقاش أو ندوة أو شاهده يعلق جريدة "أشواك" فلقد ظل على صلة دائمة بالجامعة حتى بعد أن تخرج منها.

    صرت التقيه مصادفة بعد أن فارقنا الجامعة في لقاءات قصيرة وعابرة ولكنها ذات دلالة ومفيدة انتقي منها هنا بعض مواقف ربما يكون في ذكرها فائدة.

    عاد إلى الجامعة ذات يوم وعلق في شجرة النشاط خطاب فصل صدر في حقه ممهورا باسم النائب العام "حسن الترابي" حيث أنه كان قد التحق مستشارا قانونيا بالديوان عقب تخرجه والحق بديوان المراجع العام وقد كان يجاهر بانتقاد النائب العام الذي كان رئيسا لما كان يعرف وقتها بلجنة تنقية القوانين لتتوافق مع الشريعة الاسلامية وكان ينعي على اللجنة بطئها في الأمر وخوفها من نميري!. لا شك أن ما من أحد كانت له صلة بالجامعة في الفترة المذكورة إلا وله قصه مع محمد طه.

    قابلت محمد طه راجلا، كعادته، ذات يوم في أحد شوارع حي الرياض في أيام الانقاذ الأولى في فترة كان مغضوبا عليه فيها وابعد من صحيفة الانقاذ التي كان يكتب فيها متخفيا في أيامها الأولى لمناصرة الانقاذ وهي لا تزال في المهد.

    عرضت عليه أن أوصله بسيارتي إلى حيث يريد فوافق وانطلق في الحديث دون مقدمات وكان متبرما من كل شيئ ومضي محللا لحدث الساعة إلى أن قال: "لن ينصلح حال هذه البلاد إلى بعد طلوع الروح، وكان يشير بذلك إلى الدكتور حسن الترابي الذي كان بين الحياة والموت في كندا بعد الضربة المعروفة التي تعرض لها، ومضى متبرعا لي بالكثير من المعلومات ليدلل على أن مأساة الحركة الإسلامية والسودان عموما سببها الأول حسن الترابي ثم أصدر كتابا بعد ذلك بقليل لم يذكر فيه، لدهشتي، شيئا مما صرح به دونما سؤال في تلك الرحلة! انزلته أمام أحد المنازل في الرياض عليه لافتة مكتوب عليها اسم مؤسسة ما للانتاج الإعلامي سألته ما سر كثرة الأسماء الإعلامية في هذه الأيام ففاجأني بقوله: دعك من اللافتات فكلها بيوت أمن! ومضى شارحا ان ارتباط الأمن بالإعلام يضر بالإعلام والأمن معا ولم يكن سعيدا كصحفي بهذا الارتباط فقلت له أوَ لم تتخفى أنت نفسك تحت اسم "محمد أحمد جنقال" تماهيا مع الكذبة التاريخية للانقاذ وكنت تمجد الانقلاب وتحاول ترسيخ الإنقاذ؟ فقال بربك هل في هذا الاسم اختفاء وإن كنت قد اختفيت وراء هذا الاسم لدى الكثير فقطعا لا استطيع إخفاءه ممن لهم صلة بمروي ومدرستها فالجميع يعرفنا بأولاد جنقال، قلت على كل حال إن اسلوبك يدل عليك مهما كان المسمى.

    ومرت سنوات لم أقابل محمد طه بعدها حتى التقيته قبل بضع سنوات في إحدى ساحات المحاكم التي كثر تردده عليها. كان يوما مشهودا صحبت فيه أحد الأصدقاء الذي كان قد رفع دعوى في قضية نشر ضد الاستاذ كما حسن بخيت سويت لاحقا خارج المحكمة. ربما كان ذلك اليوم مخصصا لقضايا النشر ما أن غادر الأستاذ كمال قفص الاتهام حتى ظهر محمد طه ليحل محله ليمثل أمام القاضي في دعوى رفعها ضده الدكتور مصطفي عثمان أسماعيل وزيرالخارجية وقتها بسبب مقالات نشرها محمد طه في جريدته انتقدته وانتقدت سياسته واشتملت على اتهامات متعلقة بالمال العام وتبديده. ولقد كان مسار الجلسة وخلاصتها حدثا بكل المقاييس وكنت أحسب أن محمد طه سيفرد لوقائع المحكمة ومرافعة القاضي الصفحة الأولى من جريدته في اليوم التالي ولكنه أوردها كخبر عادي دون تعليق. لقد كانت الحيثيات التي قدمها القاضي في تلك الجلسة متميزة وأدهشني القاضي حقا في عهد شهدنا فيه بعض القضاة من الشباب الجهادي في عهد الإنقاذ يدخلون قاعة المحكمة بزي الدفاع الشعبي ويصدرون أحكاما قد تصل إلى حد الإعدام. بدأ القاضي حيثياته بتعريف جامع مانع للشخصية العامة في مقابل الفرد العادي مستشهدا بأساطين القانونيين ثم طبق تعريفه على وزير الخارجية فانطبق عليه تماما. ثم مضى في تفصيل مطول عن الدوافع في بناء أركان الجريمة فخلص بعد استعراض مقنع إلى أن المحكمة لم تر دافعا شخصيا وراء النقد الذي ورد في الصحيفة حيث لم يكن بين الشاكي والمدعى عليه من تنافس أو تخاصم في أمر شخصي وخلص من ذلك إلى أن ليس للمتهم من دافع، فيما ترى المحكمة، غير المصلحة العامة وإلى أن ماكتب في حق المدعي مما أورد ممثل الاتهام من نوع "إن مصطفي عثمان هو أفشل وزير خارجية منذ استقلال السودان" ليس حقيقة مطلقة وإنما يدخل في عداد الرأي وليس على الرأي حجر بحسب القانون والدستور. ثم مضى القاضي في حيثياته في مناقشة أمر تبديد المال العام وإشارة المتهم إلى أن الوزير يصرف بدل السفرية ويقيم في منزل السفير ويتنقل بسيارة السفارة فكيف يستحل ذلك المال العام. قدم الاتهام مكتوبا من مدير الشؤون الإدارية والمالية في وزارة الخارجية يشهد فيه بأن السيد الوزير كان يرد لخزينة الوزارة بعد عودته من الخارج بدل السفرية إن لم يكن قد انفقه في رحلته. قلل القاضي من قيمة هذه الشهادة بل استبعدها تماما لأنها صادرة عن مرؤوس للمدعي وبالتالي هي مقدوح فيها. ومضى أكثر من ذلك إلى القول بأن المتهم قد استدل على ما يقول بما ورد على لسان سفير السودان في الدولة المعنية في مقالات منشورة في الصحف وترى المحكمة أن ذلك المصدر مصدر حسن لأنها لا ترى سببا في التشكيك في صحة ما أورد شخص على قدر من المسؤولية جعلت الدولة تعينه سفيرا ووزيرا فيما ما مضى وذكر أن مما يحمد للمتهم انه لم يستشهد على قوله بمن يعارضون الوزير وحكومته وإنما جاء بأدلته ممن هم في معسكر حكومة الوزير. ثم قال القاضي: لكل تلك الأسباب ولتيقن المحكمة من حرص المتهم على توخي المصلحة العامة في مجموعة المقالات موضوع الاتهام رأت المحكمة رفض الدعوى وإخلاء سبيل المتهم, ولا أدري إن كان السيد الوزير قد حاول الاستمرار في التقاضي لمرة أخرى، وربما آثر الأخ محمد طه عدم التعليق تحسبا لملاحقة قد تستمر في مستوي آخر من التقاضي.



    سودت الصحف بمداد كثير بعد جريمة ذبح الأخ محمد طه الكثير منها يحمل الحكومة، بل الدولة في عهد الانقاذ، قدرا من المسؤولية فيما حدث بخلق وتشجيع النهج الاقصائي الذي يقود إلى إلغاء الآخر حتى إن كان ذلك بتصفيته جسديا في إطار خلفية من التكفير والتجريم في جو مفعم بالهوس الديني وخطاب الغلو. اتبع أهل الإنقاذ نهجهم الثابت في الصمت والتجاهل على الرغم من خطورة الاتهام والتجاهل هو النهج الذي يردون به على الاتهامات المتكررة عندما يتعلق الأمر بالفساد والمحاباة وإهدار المال العام مما يجعل المرء يتسآل عن جدوى حرية الصحافة ومعاناة الصحفيين التي قد تقودهم إلى حتفهم دونما يحدث ذلك تغييرا في موقع أحد أو تقديمه لمحاسبة.

    ما من زعيم أو سياسي أو صحفي أو مفكر إلى وكان قد أدان وشجب واستبشع جريمة ذبح الصحفي محمد طه محمد أحمد وذلك بغض النظر عن الموقع السياسي أو الفكري وأكد الجميع على مبدأ حرية الرأي وحرية الصحافة ولكن حتى نستشعر أن من قالوا بذلك يعنون ما يقولون دعنا نضعهم على المحك فالقول ينبغي أن يؤكده العمل.

    في اعتقادي أن لحدثين اثنين مهمين دلالة كبرى في مسار تاريخ السودان الحديث ومسألة الحريات وممارسة السياسة ولن يستقيم الأمر إلا بعد الوقوف عندهما مليا وتقييمهما وتقييم مواقف الجميع استنادا على مواقفهم من هذين الحدثين. أول الحدثين هو قضية حل الحزب الشيوعي السوداني وطرد نوابه المنتخبين من البرلمان وعدم الاستجابة لقرار المحكمة الذي أبطل القرار. فالحدث ملئ بالدلالات من حيث دراسة الملابسات التي قادت إليه والنهج الذي اتخذ لتهييج الشارع ثم المكايدة السياسية وما قادت إليه وعدم الامتثال لأمر القضاء ودلالة ذلك في الحياة القضائية والسياسية. على الجميع أن يحددوا لنا رأيهم في الحدث بعد مرور أكثر من أربعين عاما عليه. أورد دكتور الترابي في أكثر من مرة أن حل الحزب الشيوعي كان إجراء دستوريا لا حرج فيه ولقد ظل يكرر هذا الرأي حتى مفاصلته مع الانقاذ ولا ندري إن كان قد اهتدى إلى غير هذا الرأي بعد محنته مع من جاء بهم. أما السيد الصادق المهدي فقد اشيع أنه قد أرسل في بداية التسعينات لسكرتير الحزب الشيوعي السوداني رسالة أقر فيها بخطأ حزبه في تلك القضية وخطأ موقفه الشخصي نأمل أن يكون ذلك يكون صحيحا وليته جاهر بهذا الموقف واثبته للتاريخ وهو لا يزال لاعبا أساسيا في الحياة السياسية في السودان. ما هو موقف بقية أهل السياسة والحكم في هذه القضية الجوهرية لا شك أن الكثيرين يعنيهم أن يسمعوا رأي الرئيس البشير ونائبيه والدكتور إبراهيم أحمد عمر وغير ه من رجال حزبه، ما هو رأي أستاذنا الحبر يوسف هل يتفق مع رأي السيد صادق عبد الله عبد الماجد الذي ظل يردد ما كان يقوله في عام 1965 بحزافيره عندما استضافه عمر الجزلي مؤخرا في برنامج توثيقي.

    الحدث الثاني المهم هو قتل الاستاذ محمود محمد طه بدعوى الردة أو محاربة الدولة أو الزندقة أو ما شئت من التهم. أننا لن نثق في سياسي أو مفكر أو صحفي أو زعيم يكلمنا عن حرية الرأي وحرية التعبير أو الحرية الدينية وهو ممسك بأن يقول لنا صراحة ما هو رأيه فيما حدث صبيحة يوم الجمعة 18 يناير 1985 في ساحة الاعدام في سجن كوبر(يسميها البعض ساحة العدالة!) كما كتب كثيرون إنا نعتقد أن محمد طه محمد أحمد قد ذبح هو أيضا في ذلك اليوم، فتصفيه الخصم الفكري أو السياسي وان اتخذت شكلا قانونيا حتى وإن كان صوريا في مثل محاكمة الاستاذ محمود لاتختلف عن تصفية صحفي باختطافه من منزله وجز رأسه وإلقائه في العراء.

    دعونا نستعرض بعض آراء من عبروا عن رأيهم في هذه القضية: سئل الرئيس جعفر نميري عن إن كان نادما على قتله الاستاذ محمود فأجاب أن "محمودا كافر وزنديق ومرتد وأنه ليس نادما على التصديق على اعدامه ولو بعث من جديد لامر باعدامه مرة أخرى" هذا رأي واضح لا لبس فيه وفيه تحمل للمسؤولية وليس محاولة للاختباء خلف عبارات من نوع "إن حل الحزب كان أمرا دستوريا" كما رأينا قبلا، أو أن هذا" أمر محكمة وليس بوسعي التعليق" كما سنرى لاحقا. ربما كان نميري صريحا فيما قال لأنه يدرك أن قوله ليس مما يعتد به حاليا أو لسبب يتعلق بقواه العقلية وتأثرها بعامل السن! ولناخذ سياسيا آخر قبل أن نعرض لرأي الثور الأسود في أكل الثور الأبيض.

    ذكر الدكتور حسن الترابي في حوار مع أمينه النقاش نشرته صحيفة الأهالي بتاريخ 1 مايو 1985 في رد على سؤالها: لماذا وافقتم على إعدام زعيم الحزب الجمهوري الشيخ محمود محمد طه؟

    أجابة الدكتور كانت اشبه بالمرافعة حيث قال " لأن الشيخ طه مرتد، واصبح قاعدة للغرب، لأنه يريد أن يجرد المسلمين من فكرة الجهاد، كما يريد أن يدخل الماركسية والرأسمالية والليبرالية الغربية في بطن الاسلام، كما جعل من نفسه إلها ينسخ أركان الشريعة، كما ظل يدعو للصلح مع إسرائيل منذ الخمسينات وأيد نظام نميري في قتل الانصار في أبا وقتل الشيوعيين ثم عارض مبدأ تطبيق الشريعة الإسلامية وأحسب أنه قد لقي جزاءه" ثم اردف ردا على سؤالها الثاني: هل معنى ذلك أنك تطالب بإعدام من يخالفونك الرأي؟ "هنالك طبعا فرق بين المخالفة في الرأي وبين الردة الدينية السياسية والعمالة للغرب وإسرائيل"

    هذا هو رأي الدكتور حسن الترابي في عام 1985، هل يا ترى أجرى الدكتور مراجعة لهذا الرأي بعد خلوته الأخيرة في سجن كوبر التي صرح بعدها بآرائه الفقهية ومن بينها عدم قتل المرتد؟ ماذا يقول بعد ان صدر عليه حكم بالردة من بعض الجماعات وفي مثل هذه الاحكام تستوي جماعات الغلو مع محاكم الغلو وغلو الحكام، نتمنى أن نسمع للدكتور حكمه الحاضر في "الردة الدينية والسياسية والعمالة للغرب وإسرائيل" .

    كتب السيد الصادق المهدي في كتابه عن الإسلام في السودان بضعة اسطر عن الحركة الجمهورية التي سماها في شيئ من السخرية "الحركة الطاهوية" لم اقع له على رأي في مسألة الردة وإعدام الاستاذ محمود تحديدا نرجو أن نسمع رأيه في هذه القضية الاساسية فهي محك ومقياس، فيما نرى، لمصداقيته الفكرية والسياسية.

    في مقابلة متميزة أجراها الصحفي ضياء الدين بلال مع الصحفي محمد طه عندما حكمت عليه بعض الجماعات بالردة وطالبت باعدامه وربما كانت ضالعة في تصفيته من يدري ونتائج التحقيق لم تظهر بعد، وأعاد نشرها بعد مقتله، كان محمد طه قد عبر فيها عن رأيه في مسألة الردة حيث قال ردا على سؤال ماذا تعلمت من الفكر الجمهوري غير الاحتجاج؟ " الفكر الجمهوري به إضافة مهمة جدا ألا وهي تأكيده على فكرة العدالة الاجتماعية، فحياة الجمهوريين وحياة الاستاذ محمود فيها كثير من الزهد، محمود كان بيته من الجالوص، وفيهم الكثير من حياة الأشعريين، ولولا بعض شطحات محمود محمد طه لاتبعه كل السودانيين... فهو قدوة في السلوك"

    هل أنت حزين لاعدامه؟

    "شوف دا سؤال خطير، وأنا زي ما بتمنى لنفسي الهداية...كذلك كنت أتمنى لمحمود الهداية... وهذا ما قاله شيخ أبو زيد كذلك.."

    الاجابة غامضة هل تعتقد أن اعدامه كان خطأ؟

    " والله دا قرار محكمة وليس بوسعي التعليق"

    لم يقتنع الصحفي اللحوح بهذه الاجابة الهروبية ولاحقه بسؤال آخر: بناء على الحيثيات التي اعدم على إثرها وأنت القانوني ماذا تقول؟

    " لعادل إبراهيم حمد إجابة ذكية هي أن محمود لم يكن طارحا نفسه كبطل ولكن كصاحب دعوة...." ومضى النهج الهروبي دون الإجابة على السؤال المحدد ولماذا الاستشهاد بشيخ أبو زيد وعادل إبراهيم حمد وكلاهما حي يرزق يمكن أن يعبر عن رأيه في أكثر من منبر؟ ألم أقل لكم أن الإجابة عن هذه المسألة هي مربط الفرس كيف صار محمد طه فجأة مراوغا وجميع إجاباته في المقابلة قبل وبعد هذا السؤال في غاية الوضوح والمباشرة. تحدث عن "قرار محكمة" ويعلم وهو القانوني الحاذق أن القضاء السوداني قد برأ نفسه من سبة تلك المحكمة عندما أصدر أمرا لاحقا في العهد الديمقراطي أبطل فيه قرار محكمة المكاشفي تماما كما برأ القضاء نفسه من مهزلة حل الجمعية للحزب الشيوعي فأصدر حكما ببطلان ذلك القرار أدى لاستقالة القاضي بابكر عوض الله كما هو معروف, بالطبع لا نتوقع إجابة من محمد طه وهو بين يدي الله ولكن نتوقع من الأحياء من أهل الفكر والصحافة والسياسة أن يقولوا لنا رأيهم في هاتين المسألتين حتى يكون لحديثهم عن حرية الرأي والتعبير معنى عند من يستمع إليهم ليت الصحافيون يجعلون السؤال عن هاتين المسألتين سؤالا ثابتا في كل مقابلة تجرى مع أحد الزعماء أو المفكرين أو رجال السياسة. نسأل الذين هتفوا في ساحة الاعدام، وفيهم أساتذه جامعة، وهو يشاهدون جسد الاستاذ محمود معلقا في الهواء "لقد سقط هبل" وعادوا إلى الجامعة يهللون ويكبرون واشاعوا جوا من الارهاب لن ينسى.

    لقد كتب الكثير عن اسهام الحكومة والدولة في إشاعة جو الهوس الديني والفكري والتمكين للفكر الاقصائي بل طالب البعض بمحاكمة البعض كمسؤلين مباشرين عن جريمة القتل النكراء ولا نريد أن نجرم أحدا ولكن نذكر الجميع بمسؤلياتهم تجاه الوطن والمواطنين بسبب موقفهم المهادن في أحسن الظروف لأصوات التطرف والغلو إننا لا نستطيع أن نفهم كيف تصدر جماعات احكاما تكفيرية وتطالب بما تسميه إقامة الحد أو إنفاذ أمر الله في أفراد يخالفونهم الرأي بل يرصد بعضها الجوائز لمن يأتيهم برأس أحد الذي ورد اسمائهم في القوائم ولقد أوردت الصحف مؤخرا شيئا من ذلك ولم نشاهد تحركا لوزير الداخلية أو الشرطة للتحري في الأمر أو إيقاف أصحاب هذه التصريحات. إن من شأن هذا الصمت المتواطئ أن يخلق الجو المناسب لإلغاء الآخر الذي يتم التعبير عنه بصور تتفاوت في الشكل وليس في المضمون، إننا نشاهد توحدا في الرسالة عندما يكتب محمد طه مثلا في صفحة الوفاق الأولى " ما في تاني مكانة لفكر علماني" نقلا عن النشيد المشهور الذي يتردد باستمرار في ساحات الفداء، ثم يشرح في مقاله كيف أن الأمة قد حسمت أمرها ووجهتها وأن الفصل الأخير في تاريخ السودان قد كتب ولقد رفعت الأقلام وجفت الصحف، ثم تجد رأس الدولة يردد أمام جمع من الجمهور وعبر الاثير وهو في حالة نشوى "مافي تاني مكانة لفكر علماني"، ثم يأتيك من يصدر قائمة بإقامة الحد على فلان وعلان بتهمة العلمانية وتضم جهة الفتوى مفتى شاب يفتح له التلفزيون القومي وقتا كبيرا للخوض في أمور الدين والأمة ولم يسآله أحد عن ارتباط اسمه بهذه الفتاوى التي يجرمها القانون حتى في نسخته الانقاذية. كيف يسأل ألم يقل الرئيس نفسه أن لا مكانة لفكر علماني؟ ألا يرى من يرددون هذه الأقوال بأن هنالك صلة وإن لم تكن مباشرة بين ذلك وبين ذبح محمد طه؟ هل هم على استعداد للقيام بخطوات معلومة لتنقية الجو وتفعيل القوانين ومحاربة الغلو أم أنهم ينتظرون حتى يذبح شخص آخر ليعلنوا إدانتهم وشجبهم للحادث البشع المعزول؟ا



    د. أسامة عثمان

    نيويورك



    http://www.sudaneseonline.com/ar/article_5802.shtml
                  

06-01-2008, 04:50 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    قراءة نقدية لخطاب المهدية الجديدة
    الصادق المهدي في آخر تجلياته
    أبكر آدم إسماعيل
    القاهرة ـ يناير 2001م
    ====


    مقدمة:

    تهدف هذه الورقة إلى تقديم قراءة نقدية لخطاب المهدية الجديدة، الذي هو خطاب الصادق المهدي، وفي آخر تجلياته، كتاب العودة، الذي صدر مؤخراً، وقامت جريدة الحياة بنشره مسلسلا في أكثر من عشر حلقات، وفي توقيت متوافق مع تحركات الصادق المهدي لدرجة قادت بعض الناس إلى إطلاق إشاعات حول تواطؤ تم بينه وبين الجريدة. ومهما يكن من أمر، فهذا جزء من طرائق عمل أجهزة الإعلام العربية في التعامل مع الشأن السوداني، الذي يعتبره البعض انحيازا تقليديا لخطاب المركزية ذات التوجهات الإسلاموعربية.

    على أية حال، فكتاب العودة، هو في رأينا تلخيص لعناصر الخطاب المهدوي الجديد. وهو في الواقع شكل من أشكال الترحُّل النصي لمقولات سابقة، إذ أننا وجدنا أن أغلب المقولات الرئيسية هي إعادة إنتاج لأفكار الصادق المهدي السابقة، وكتابه "تحديات التسعينات" بالخصوص.

    ولأن الكتاب لم يقم على منهج واضح في تسلسل موضوعاته، وهو أقرب إلى الجالوص منه إلى العمارة، وتكثر فيه التكرارات، وخاصة المقولات المنفستوهاتية، لذلك، فإننا سنحاول الإمساك بالأفكار الجوهرية والمقولات المفصلية (النمطية) والعناصر الأساسية، ومن ثم تفكيك كل منها وإرجاعه إلى حقله الفكري الأيديولوجي، وأساسه الموضوعي ـ الإجتماعي التاريخي؛ أي أن نقدنا يقوم على منهج وصفي تحليلي.

    من ملاحظاتنا، أن الصادق المهدي قد زين خطابه بمقولات تصور الأشياء بشكل لا يتسق مع واقعها في كثير من الأحيان، وعلى أساس هذه الصور، استلف المنفستوهات الطافحة فوق الأزمة السودانية وألحقها بآليات، فصلها مثل "قمصان عامر" وألبس كل عامر قميصه (وعامر هنا موديل صوري قابل للتغيير باستمرار حسب ما رغبة الصادق المهدي وما يقتضيه التكتيك). وحتى أن المهتمين والمراقبين بدأوا يتساءلون من فرط (عقلانية) "الأطروحة": إذا كان الأمر كذلك، فما هي المشكلة إذن؟

    طبعا الصادق المهدي شخص ذكي، ولديه القدرة على (اصطناع) المنطق الشكلي في حلبة اللامنطق (السياسة السودانية). ولما للأمر من أهمية قصوى تتعلق بمصير ومستقبل شعب في لحظات فارقة، فإننا ـ كما كنا دائما ـ نسعى إلى تفحض دقيق لهذا (المنطق)، إنطلاقا من شكنا المنهجي في المقولات السياسية عامة، ولمفارقة هذا (المنطق) وتلك (العقلانية) للواقع. وبالتالي ليس أمامنا إلا إعادة النظر في الخطاب بالاحتكام إلى السيرورات التاريخية، وإرجاع المقولات إلى منطلقاتها ودوافعها؛ المصالح والرغبات التي تحركها، أهدافها وغاياتها، ومواقع قائليها في حلبة الصراع. هذا لأننا نسلم بأن أي خطاب هو في الواقع تعبير عن أيديولوجيا وأي أيديولوجيا هي بالمقام الأول تبرير مصالح (مادية أومعنوية أو الإثنين معا) في حلبة الصراع التي هي (بنية/بنيات اجتماعية محددة).

    ملاحظة أخرى، أن الخطاب المعني هنا، قد شُيّد ليشمل مجالات تأثير متعددة ومتباينة، لأنه في الأساس خطاب سياسي يعتمد على الاعتقادات أكثر من اعتماده على البراهين، ويعتمد أيضا على أساليب اللعب على المجاهيل والغوامض؛ فستقوم استراتيجيتنا في هذه الورقة على تقديم مقارابات نظرية وتعريفات وتحديد لبعض المصطلحات الضرورية، وأيضا على مقاربات تاريخية نتسلح بها وعلى أساسها نتفحص مقولات الخطاب المعني بالنقد.
    مقاربات نظرية وتعريفات:

    الخطاب:
    هو سلسلة من العبارات/المقولات/المفاهيم، الإشارات/الدوال، التي تصدر عن منتج للخطاب وتستند على/ تستثمر رأس مال رمزي للتعبير عن أيديولوجيا محددة في حلبة الصراع الاجتماعي، ليصل إلى مجال تأثير محدد في البناء الإجتماعي. ومن هذا التعريف، تصبح العناصر الأساسية للخطاب هي: المنتج، رأس المال الرمزي، الأيديولوجيا ومجال التأثير في البناء الاجتماعي.

    رأس المال الرمزي:
    هو مفهوم مرتبط بنظام الاستعدادات والتصورات عند أفراد المجتمع يؤسس للقبول بأي مقولة أو ممارسة لـ(سلطة). فالإنتماء الديني ـ في مجاله ـ مصدر لرأس المال الرمزي والإنتماء للحضارة السائدة مصدر له في مجال تنافس الحضارات، وكذلك أوضاع مثل الغنى، الشرف، المركز الاجتماعي/موقع القوة. وعلى مستوى الدولة، وبحسب بيير بورديو "يعود كل شيء إلى تمركز رأس مال رمزي من السلطة المعترف بها والذي يظهر، على الرغم من كل النظريات عن الدولة كشرط، أو على الأقل، كشيء مرافق لكل الأشكال الأخرى حتى لو كانت هذه الأخيرة، على الأقل لفترة من الزمن. فرأس المال الرمزي يعني أية خاصية (لأي نوع من رأس المال الفيزيائي أو الاقتصادي أو الثقافي أو الاجتماعي) عندما تدرك من قبل الفاعلين الاجتماعيين ويعترف بها وتعطى قيمة (مثلا الشرف في المجتمعات المتوسطية..)، وبالتحديد، إنه الشكل الذي يأخذه أي نوع من رأس المال عندما يدرك من خلالفئات الإدرات التي هي نتيجة لتقسيمات أو تعارضات مسجلة في بنية توزيع هذا النوع من رأس المال (قوي/ضعيف، كبير/صغير، غني/فقير، مثقف/جاهل.. إلخ). يستنتج بأن الدولة، التي تستحوذ على وسائل لفرض وتلقين مبادئ ثابتة عن الرؤية والتقسيم المتوافقة مع بناها الخاصة هي المكان المفضل لتمركز وممارسة السلطة الرمزية"[1].

    الأيديولوجيا:
    هي كما يعرفها د. نعمان الخطيب: "مجموعة من الأفكار الأساسية التي تنبثق من العقائد والقيم المتصلة بتراث حضاري معين، لتصور بصفة شاملة ما هو كائن وما سيكون. وترسم بذلك حركة الجماعة السياسية وتحدد ملامح أهدافها"[2] أما عند بولانتزاس فـ"... لا تتكون الأيديولوجيا من منظومة من الأفكار والتصورات فحسب، بل تنصب على سلسلة من الممارسات المادية والأعراف والعادات وأسلوب الحياة، وتختلط كالأسمنت مع بنية مجموع المماراسات الاجتماعية بما فيها روابط الملكلية الاقتصادية والتملك، وفي تقسيم العمل الاجتماعي داخل علاقات الإنتاج. كما لا تستطيع الدولة إعادة إنتاج وتوطيد السيطرة بالقمع والعنف العاري لوحدهما. وإنما تستعين بالإيديولوجيا لإضفاء الشرعية على العنف.."[3] ويؤكد إريك فروم: "أن التحليل النفسي يستطيع أن يبرهن أن الأيديولوجيات هي نتاج بعض الرغبات، الميول والغرائز، والمصالح والحاجات، وهي بمعظمها لا واعية، ولكنها تتمظهر (عقلانيا) بشكل أيديولوجي"[4] أي أن الأيديولوجيا هي في النهاية "الخطاب النسبي والخاص الذي يريد إيهامنا بكونه مطلقا وشاملا"[5] بحسب ديكومب.

    إذن، بهذا المعنى، لا أحد بلا أيديولوجيا، مهما ادعى تبرؤه منها، بل التبرؤ نفسه يصبح شكل من أشكال ممارسة الأيديولوجيا (!).


    البناء الاجتماعي:
    هذا موضوع مترامي الأطراف، ولكن بقصد الاختصار، نعرفه بأنه: شكل الوجود الاجتماعي ـ أي التراتبية الاجتماعية (Social Stratification) ونظامه؛ أي العلاقات التي تحكمه والمحتوى الثقافي داخل الأطار التاريخي، أي الطابع العام للشكل والنظام الإجتماعيين. وإذا نظرنا إلى البناءات الاجتماعية القائمة في عالمنا الراهن، يمكن أن نقسمها إلى قسمين رئيسيين في حدود ما يخدم غرض البحث هنا.

    1ـ بنية المجتمع البرجوازي الرأسمالي: هو مجتمع طبقي بالمعنى المادي للطبقة. أي أن شكل الوجود الاجتماعي يقوم على تراتبية اجتماعية رأسية متمايزة. أساس الفوارق هو علاقات الإنتاج. ويتجلى ذلك في ثلاث طبقات رئيسية: الطبقة الارستقراطية، الطبقى الوسطى/البرجوازية، والطبقة العاملة. وينقسم النظام الاجتماعي البرجوازي انقساما واضحاً إلى بنيتين: بنية تحتية أو القاعدة الاقتصادية، وبنية فوقية قوامها أجهزة الدولة ومؤسساتها والأيديولوجيات المرتبطة بها[6]. وأبرز سمات هذه البنية الاجتماعية هي:

    ـ هيمنة علاقات الإنتاج الرأسمالية.

    ـ الوعي الطبقي هو المحرك للصراع.



    2ـ بنية المجتمعات ماقبل البرجوازية/ماقبل الرأسمالية:

    ويمكن تقسيمها إلى شكلين:

    أ/ المجتمعات (ماقبل الرأسمالية) التقليدية:

    وهي المجتمعات القرابية (قبائل، قوميات، طوائف، عصبيات) ووجودها الاجتماعي يخفي طبقيته الرأسية في أشكال أفقية من مراكز وهوامش لا تكون الهيمنة في أساس الفوارق فيها لعلاقات الإنتاج فحسب، وإنما تتداخل الأبعاد الأخرى؛ العرقية، الدينية، المذهبية.. إلخ. "ولا يعرف النظام الإجتماعي هنا التمايز الواضح بين البنيتين التحتية والفوقية، بل الغالب فيها هو تداخل عناصرهما بصورة تجعل نظام المجتمع برمته عبارة عن بنية كلية واحدة مما يخفي الصراع الطبقي، وبالتالي ضعف الوعي الطبقي. وأبرز سمات هذه البنية هي:

    ـ هيمنة العلاقات الطبيعية (القرابة، العصبية، القبيلة) والعلاقات الإيديولوجية (الدينية، الطائفية، والمذهبية..).

    ـ سيادة (الوعي الفئوي)[7] (العصبية القبلية، التعصب الطائفي، التضامن الحرفي/أو الإقليمي أحياناً).



    ب/ المجتمعات ماقبل الرأسمالية المشوهة: التراتبية المزدوجة:
    هي الطابع العام لمجتمعات الدول التي صنعها الاستعمار، المكونة من مجتمع أو مجتمعات قرابية متعددة أُلبست شكل الدولة الحديثة، فصارت لا هي تدار بالشكل الذي يتناسب وبنيتها وإمكانيات تطورها الداخلية، ولا هي استطاعت تغيير بنيتها لتتناسب مع شكل الدولة الحديثة، فأصبحت حقلا من التناقضات الرأسية الطبقية، والأفقية الإثنية الثقافية (الكلية)، وهو ما نسميه تناقضات المركز والهوامش. أي أن التراتبية الاجتماعية ذات طابع مزدوج، فصعود الفرد يحدده البعد الرأسي المتعلق بعلاقات الإنتاج وفي نفس الوقت يحكمه وضعه الإثني الثقافي (القرابي) في الوضعية/الدولة.



    الدولة:
    بحسب ماكس فيبر "الدولة هي هيئة بشرية تطالب بنجاح باحتكار الاستخدام الشرعي للعنف الفيزيائي في أرض محددة... ]وهي بحسب بورديو[ شيء مجهول (X) (للتحديد) تطالب بنجاح باحتكار الاستخدام الشرعي للعنف الفيزيائي والرمزي على أرض محددة وعلى مجمل المجموعة السكانية المرتبطة بها"[8]. ]ومن تطبيقاتها لهذا المعنى في الحقل الثقافي أنها[ "تحاول توحيد السوق الثقافية واللغوية، وجعل الثقافة المهيمنة ثقافة وطنية مشتركة وشرعية وشاملة ورفض اللغات والثقافات الأخرى كلغات وثقافات محلية... وفرض مبادئ الرؤية والتحليل أو التصنيف التي تتوافق مع مصالحها الخاصة (عن طريق المدرسة والتربية ومادة التاريخ تحديدا وتنشر أسس (الدين المدني) والمفترضات المسبقة الأساسية للصورة (الوطنية) عن الذات"[9] وهناك تعريفات أخرى كثيرة[10].



    اقتصاد الريع والخراج:
    الريع ـ بحسب الجابري ـ هو "الدخل النقدي أو العيني الذي يحصل عليه الشخص من (ممتلكاته) أو من (الأمير) وبصفة منتظمة ويعيش منه دون الحاجة إلى القيام بعمل إنتاجي. فكل دخل خام (هبات الطبيعة، أعطيات الأمير) لا يبذل فيه صاحبه جهدا إنتاجيا ولا هو نتيجة استثمار هو "ريع" سواء كان مصدره من داخل البلد أو من خارجه... ]أما الخراج فـ[ نقصد به ليس فقط ما تعنيه هذه الكلمة في استعمال الفقهاء المسلمين بل نقصد به جميع ]ما تأخذه الدولة[ ... كجباية ... "الخراج" هنا ما يفرضه الغالب على المغلوب من ذعائر وأتاوات وضرائب، دائمة أو مؤقتة، سواء كان الغالب أميرا أم قبيلة أم دولة، وسواء كان يتولى أخذ ذلك بنفسه أم كان يحصل عليه بواسطة ملتزمين ووسطاء من أي نوع كانوا، سواء كان المغلوب أتباعا ورعايا للغالب أم كانو أجانب، قبائل أو شعوباً أو دول. والفرق بين مفهوم "الخراج" كما نستعمله هنا وبين مفهوم "الضريبة" بالمعنى الحديث هو أن هذه تؤخذ باسم المصلحة العامة وبنوع من الرضا وتتحدد بقانون ويدفعها الجميع حاكمين ومحكومين.."[11] وبهذا المعنى لا نستطيع أن ندعي أن ما يمارس في السودان هو (ضرائب)، أو ننفي خلفيات تاريخية:

    السودان: الدولة الإعتباطية:

    السودان القائم اليوم، هو امتداد للامبراطورية التي أسسها محمد علي باشا (الاستعمار التركي ـ المصري) بعد غزوه للمنطقة ابتداءاً من عام 1820م، وقد امتدت الامبراطورية "من حلفا شمالا حتى جنجا في البحيرات جنوباً، ومن ودّاي (تشاد) غرباً إلى هرر (إريتريا) شرقاً... وشملت الامبراطورية دولاً وقبائل ومناطق مختلفة كانت تمر بمراحل متباينة من التطور الاجتماعي، ولكنها ضُمت كلها في كينونة سياسية واحدة شكلت أساس الدولة السودانية الحديثة مع بعض الحذف الذي اقتضاه التطور السياسي وتوازن القوى في المنطقة. فهي كينونة سياسية فرضتها احتياجات مصر في القرن التاسع عشر، وتوازن القوى الدولي، والأهداف البعيدة للإمبريالية، ولم تكن نتيجة للتطورات المحلية لتلك المجتمعات. ثم فُرض على تلك المجتمعات إيجاد صيغة مشتركة للتعامل. وجاءت السياسة الإدارية والاقتصادية للحكم التركي ـ المصري لتعقد كثيرا من مسار تطورها"[12]. كانت تلك المجتمعات المتباينة (ونشدد هنا على المعنى النسبي التاريخي) مجتمعات ما قبل رأسمالية قرابية، أغلبها ينتمي إلى نمط العشيرة الأبوية، وبينما وصل بعضها في تطوره التاريخي من الناحية السياسية إلى مرحلة المملكة/السلطنة (مروي القديمة، الممالك المسيحية (علوة، المقرة)، ثم بعد، الممالك ذات الطابع الإسلامي (الفونج، الفور، المسبعات)، فقد ظل بعضها في طوره القبلي، وأخرى ـ ربما ـ في طور العشيرة المتجولة (؟). أما فيما يختص بعلاقات الإنتاج، فقد كان لكل مجموعة نمط يتناسب مع مستوى تطورها التاريخي وبيئتها الطبيعية، وتكاد تكون جميعها في مرحلة الاقتصاد الإكتفائي بدرجات متفاوتة "فنجد الملكية المشاعية القبلية للمراعي في حزام السافنا، وملكية الأرض على ضفاف النيل في أواسط السودان، وقد امتزج في بعض تلك الأنظمة أنماط إقطاعية وشبه إقطاعية. كما نجد عمل الرقيق الذي يمثل الشكل الشرقي للعبودية، الذي هو جزء من العشيرة الأبوية"[13]. هذا الأساس، هو الذي حكم التطور التاريخي للدولة السودانية: وفي الوقت الذي ما يزال فيه التباين قائماً حيث "يوجد في المليون ميل مربع التي تشكل مساحة جمهورية السودان الحالية 570 قبيلة ويستخدم قوس قزح القبلي هذا 595 لغة... وقد أعاد الباحثون تصنيف هذه القبائل في 56 أو 57 فئة إثنية على أساس الخصائص اللغوية والثقافية والخصائص الإثنوغرافية الأخرى.."[14] فقد آلت مركزية السلطة إلى الكيان الإثني الثقافي الإسلاموعربي الذي هو شكل نموذجي لنمط العشيرة الأبوية الاستبدادية التي تعي وتمارس الإقتصاد الطفيلي (الريع العشائري على مستوى "الاقتصاد الجزئي" والخراجي على مستوى "الاقتصاد الكلي = اقتصاد الدولة") (راجع تعريف الريع والخراج)، وتقسيم العمل العبودي (علاقات الإنتاج)، والثقافة التي تعيد إنتاج نفسها على أساس المقدس. وقد نشأت وتطورت هذه المركزية ضمن نشأة وسيرورة الدولة (الحديثة)، حيث تم تشكّل البنيان الإجتماعي المشوه (المجتمع السوداني) ذو التراتبية المزدوجة: أي أن الترقي إلى قمة الهرم الاجتماعي/الاقتصادي/السياسي تحكمه قوانين جدلية المركز والهامش، أي التعارضات الرأسية (الوضع الطبقي) والأخرى الأفقية (البنيوية) = (الوضع الإثني الثقافي) داخل الدولة التي هي في نفس الوقت "الهيئة البشرية التي تطالب باستمرار باحتكار الاستخدام الشرعي للعنف الفيزيائي والعنف الرمزي".

    وقد كان للدولة التركية ـ المصرية دورا تأسيسيا وعميقا في تشكيل هذه الوضعية ولكنها عجلت في تكوين مضاداتها بسبب أسلوبها النهبي الميال للعنف مما أدى إلى قيام الثورة المهدية. عنه أنه الخراج بعينه لماذا كانت الثورة (مهدية)؟

    الإسلام في السودان وتضخُّم الوعي الأسطوري:

    إن دخول وانتشار الإسلام في السودان قد ارتبط بظروف تاريخية معينة، فالغالبية العظمى من الناقلين للثقافة (العربية الإسلامية) للسودان، عبر تلك القرون المتتطاولة، كانو في الواقع من الأعراب، الذين يمثلون القبائل والفئات الهامشية في الجزيرة العربية والمناطق الأخرى من الامبراطورية الإسلامية. وهم بذلك لم يكونوا ذوي (علم) بالإسلام، فكان من الطبيعي أن ينقلوا معهم الطابع الأسطوري، ليضيفوه إلى مخزن الأساطير المحلية. وبمرور الزمن، تفاعل هذا المخزون، ثم دخلت (المدرسية) في الأنماط الصوفية، التي هي الأخرى ذات طابع أسطوري في الأساس، وتعقدت المسألة بكون غالبية صوفية السودان هم من الطبقات الدنيا أو الهامشية بين الصوفية في مراكز الحضارة الإسلامية، فكان من الطبيعي أن تكون النتيجة تضخم الوعي الأسطوري، ويمكن الرجوع إلى "طبقات ود ضيف الله" للوقوف على جانب من مدى هذا التضخم.



    الثورة المهدية:

    لأي ثورة ظروفها الموضوعية. والظروف الموضوعية لقيام الثورة المهدية معروفة لحد كبير، أما محدداتها فهي في محل (جدال). ولا شك في أنها ثورة مكتملة ولا تضاهيها في الجسارة إلا القليل من الثورات. ولكن لماذا اتخاذها الشكل الديني الاسطوري المتمثل في فكرة (المهدي المنتظر) التي لم تفلح في مراكز الحضارة الإسلامية؛ مجال إنتاجها الأصلي؟؟

    يعزي د. سمير أمين ذلك إلى الوضعية الهامشية للمجتمع السوداني، على مستوى الإطار الحضاري العربي ـ الإسلامي وعلى مستوى التفاعلات الحضارية الحديثة[15]. ويذهب أبو القاسم حاج حمد[16] إلى رأي مشابه، والصادق المهدي ضمنا في قوله "كان ]السودان[ قطرا مغمورا ليس له شأن فحققت له ]المهدية[ الشهرة والتعريف"[17]. ويمكن أن نضيف إلى ذلك أنه في المجتمعات ما قبل الرأسمالية عموما، يعظم دور الدين، (أيا كان هذا الدين) وأن المحددات والمحركات في مثل هذا النمط من البناءات الاجتماعية من الراجح أن تكون ذات طابع ديني. أما أن تكون (مهدية) فهذا يفسره تضخم الوعي الأسطوري في واقعنا. وإذا رجعنا إلى مفهوم رأس المال الرمزي فهو قد يتركز في (الصوفي صانع الخوارق) لذلك وجدت فكرة (المهدي المنتظر) الطريق ممهدا، وأضفى إليها (المهدي) المصداقية بممارساته. ولكن المهدية نفسها، التي صارت أساسا أيديولوجيا لمعتقديها تحولت إلى رأس مال رمزي أعاد إنتاجه (السيد) عبد الرحمن المهدي عبر آلية الوراثة، وقام باستثماره لتحقيق أهدافه الخاصة، التي هي في الأساس مصالح مادية ومعنوية تتناقض مع (مبادئ المهدية الأم)، وقام بإعادة بناء (عشيرة أبوية استبدادية)، "مقدسة"، ليضيفها إلى رصيد البلاد. ثم أورثها بعد لحفيده الصادق المهدي عراب المهدية الجديدة التي نحن بصددها هنا بنية الصراع في السودان:

    مع نشأة وسيرورة الدولة السودانية، وتشكل الوضعية التاريخية (جدلية المركز والهامش)، ومن خلال التناقضات الاقتصادية والسياسية والجيلية والإثنية الثقافية والتحولات التي تمت مثل توسيع أشكال الحياة المدينية وتوسع قاعدة التعليم والإنفتاح على العالم، ومن ثم تطور وعي الهوية ووعي المصلحة، تطورت بنية الصراع في السودان وانقسمت إلى مستويين:

    أ/ مستوى فوقي: مستوى الصراع حول كراسي السلطة: وهو صراع داخلي في حقل الثقافة الإسلاموعربية السائدة وكياناتها الإجتماعية، وعلى أساس "ثوابتـ"ها من أجل الاستمرار في السيطرة على جهاز الدولة من قبل العشائر الارستقراطية التاريخية (البيوتات الطائفية، الزعامات الصوفية، الزعامات القبلية) ومن أجل ارتقاء سلم التراتبية من قبل "الطبقات" أو الشرائح الأدنى في الكيان الإسلاموعروبي والقوى الحديثة المتواطئة معها أيديولوجيا.

    ب/ مستوى الصراع الإثنى الثقافي بأبعاده الإقليمية، أي صراع الهويات (الصراع الكبير، صراع الكليات ضد كليات، أو بنيات تصطدم ببنيات)، وبعبارة أخرى، صراع المركز والهامش، الذي تطور إلى حرب أهلية قائمة على مستويات وعي متفاوتة. ولكن الشعار العام المضاد، في جوهره، هو رفض الهيمنة الإسلاموعروبية والمطالبة بإعادة بناء الدولة السودانية على أسس مغايرة. وهو ما نسميه (التحول التاريخي) أي الإنتقال من جدلية المركز والهامش إلى (جدلية التنوع داخل الوحدة).

    وقد ظلت الصراعات حول المستوى الأول (أ) تغطي على جوهر الصراع في السودان. ولم يتم الإنتباه إلى ذلك إلا مؤخرا وخاصة بعد ظهور الحركة الشعبية لتحرير السودان
    المهدية الجديدة؛ مشروع الصادق المهدي الأيديولوجي:

    المهدية الجديدة هي تأسيس على البناء الذي أقامه الجد عبد الرحمن المهدي، الذي يسميه الصادق: الدعوة الثانية، وآخرون، المهدية الثانية. وهو بناء يتكون من:

    1/ كيان الأنصار كمؤسسة دينية مرتبة بشكل هرمي يقوم على أساس قرابي باصطفاف الناس في قبائل تحت الشيوخ، واصطفاف الشيوخ تحت الوكلاء. ويتم التواصل مع قمة الهرم (الإمام والعشيرة المهدية) عبر المناديب، وهم مبعوثون دوريون إلى الوكلاء والقبائل. وقد تم ويتم استثمار (الراتب) وخاصية الوراثة كرأس مال رمزي ومحاور للتماسك العاطفي الضروري لعمل الأيديولوجيا، ومن ثم التحريك السياسي (الإشارة). والواقع أن كيان الأنصار هو كيان طائفي ـ ديني محافظ أشبه بالفيدرالية الإثنية منه إلى أي شيء آخر ويعيد إنتاج نفسه من خلال إعادة إنتاج علاقات القرابة والجهل كآليات تسمح للوعي الأسطوري بالإستمرار في إعادة إنتاج نفسه، ومن ثم التغطية على التناقضات الموضوعية في الحياة الاجتماعية بـ"الوعي المزيف". وعلى أية حال، فقد أثبت هذا الكيان عدم قدرته على التمدد في مجالات مستنيرة نسبياً.

    2/ حزب الأمة: كمؤسسة سياسية هو في الواقع كيان الأنصار مطعما ببعض المثقفين/الأفندية، ومعظمهم من الإنتهازيين الذين يقايضون الطائفة بمؤهلاتهم لتقوم بتوصيلهم إلى قمة الهرم السياسي/الإجتماعي/الاقتصادي.

    3/ دائرة المهدي: كمؤسسة اقتصادية، هي مؤسسة تمثل شكل من أشكال الإقطاع السوداني. إذ تقوم علاقات الإنتاج بين (السيد) و(الأتباع) على نمط (خليط من القنانة والعبودية)، فـ(الأتباع/الأقنان/العبيد) يقومون بالعمل الإنتاجي، وتكون الملكية (وسائل الإنتاج) للسيد؛ مالك الأرض وما عليها من موارد، على أن (يعلفهم) بالحد الأدنى من المعيشة مادياً و(يرعاهم) (روحياً): يعدهم بالجنة. وهذا من جانب آخر مثال واضح لنمط الأقتصاد الريعي العشائري ذي القاعدة العبودية الذي لم يتغير في جوهره حتى الآن.
    أركيولوجيا الثروة:

    مات الإمام المهدي، ولم يكن (يملك) ـ تقريبا ـ إلا سيفه الذي قدمه (السيد) عبد الرحمن المهدي للملك جورج ملك بريطانيا عدو المهدي الأول عربونا للولاء والإخلاص[18]. والمعروف ـ أيضا ـ أن الإمام المهدي، كان نجارا يأكل من عمل يده عملا بالحديث الشريف: "ما أكل ابن آدم قط طعاما خيرا من عمل يده".

    وحتى عهد الخليفة، يقر (السيد) عبد الرحمن المهدي قائلاً: "لم يكن ما لدينا من مأكل وملبس يفوق شيء مما لدى عامة الأنصار..."[19]، ولكن في أيام الحكم الإنجليزي، تبدل الحال. إذ كان "أول المستفيدين من سياسات الحكم الإنجليزي هو السيد عبد الرحمن المهدي... ]فقد[ منحته الحكومة مقاولة تجهيز أخشاب لخزان سنار الذي شُيّد لري مشروع الجزيرة. ومن خلال استثمار رأس المال الذي كسبه ]من عمل الأتباع[ من هذه العملية وضع الأساس لنشاطه الاقتصادي الواسع إنطلاقا من زراعة القطن في جزيرة أبا... وبالإضافة إلى هذه الجزيرة وأراضيها الواسعة في النيل الأبيض ـ ]التي استولى على جزء منها من الأهالي وحولها إلى ملكيته بتواطؤ مع الحكومة الإنجليزية. المذكرات:18: 56[، كان السيد عبد الرحمن يملك مشاريع أخرى مولتها الحكومة بتكلفة بلغت 28000 جنيه... وفي الجزيرة نفسها بلغت مساحة الأراضي التي كان يديرها في 1931م حوالي 9600 فدانا. وبالإضافة للأرباح الكبيرة التي حققتها له الزراعة، علينا أن نضيف الزكاة، التي كان يجمعها من الأنصار منذ سنة 1919م سنويا وكذلك الهدايا التي كان يقدمها له أثرياء الأنصار. وهكذا أصبح السيد عبد الرحمن في عام 1935م من أبرز أغنياء السودان بكل المقاييس. وفي حالة السيد عبد الرحمن لم ينحصر الدعم في المشاريع الزراعية والمساعدات المالية فقط... ولكن الفنيين الزراعيين والمهندسين التابعين للحكومة قدموا له مساعدات كبيرة في تخطيط القنوات واستغلال الأراضي وتركيب الطلمبات. وهكذا، من خلال مثل هذه الأساليب قامت الدولة الكلونيالية بمساعدة السيد عبد الرحمن في بناء قاعدته الاقتصادية ليقود المهدية التي ورثها عن أبيه إلى طور جديد. هذه (المهدية الجديدة) أكدت قدرتها على قيادة جموع الأنصار، ولكنها كانت مجردة كلية من محتوى المهدية الأصيل المعادي للكلونيالية. وفي هذا الخصوص يشير نقد الله إلى القصص الشعبية التي تقول إن السيد عبد الرحمن استطاع تنظيف أراضي الجزيرة أبا من الأشجار وزراعتها عن طريق استخدام الأنصار، الذين كان يقول لهم أن كل واحد منهم يقطع الأشجار من شبر من الأرض ويزرعه سيعوضه الله نفس المساحة في الجنة..."[20].

    ورث الصادق المهدي هذا البناء، وهو يجلس الآن على قمته، يأكل من ريعه، ويلعب البولو ويترفه، ثم يأتي لـ(يحجِّي) الناس عن (العدالة، الديمقراطية، الشمولية، والشمولية الإثنية... إلخ). وبالإضافة لكل ذلك، من هو الصادق المهدي؛ منتج الخطاب؟ فبناءاً على تأكيدات إريك فروم، وطالما أن الأيديولوجيات ـ في جانب من جوانبها ـ عبارة عن (رغبات) وبنى (لاواعية) (نزعات)، وهذه من محدداتها: الوضع والتربية، فلنتفحص منتج الخطاب حتى لا تتأشكل علينا تداخلات النزعات والبنى اللاواعية في ما سيأتي:
    منتج الخطاب:

    خلفيات النزعة التنظيروية التجريدوية:

    ولد الصادق المهدي عام 1936م، في كنف العشيرة المقدسة، تحت جناح جده عبد الرحمن المهدي لحظة بلوغه قمة الوجاهة الاجتماعية/الاقتصادية ـ وهو طبعا يملك الدينية ـ وبروز طموحه في "القيادة السياسية للمثقفين" (المذكرات:18: 13) ومن ثم السعي "بالتدريج للوصول إلى سودان مستقل تكون له ولأسرته فيه السلطة السياسية الكاملة" (نفس المرجع: ص17). وكان من المفهوم أن يتم إعداد الصادق لمهام الوراثة. و(السيد) عبد الرحمن يعرف جيدا مفاتيح المستقبل. وفي رحلة الإعداد هذه تم زرع الرغبات والحاجات الإضافية إلى رغبات وغرائز ومصالح من هم عاديين من الناس. فإبن العشيرة (سيد) منذ ميلاده، زعيم في طور التكوين، يأمر فيطاع، يشير إلى أي شيء فيصبح ملكه (بوضع الإشارة، على وزن وضع اليد ـ ذلك القانون الذي تم بواسطته الاستيلاء على الكثير من أراضي شعب السودان)، هو لا يلعب سكّج بكّج مع (رفاقه ـ إن جاز التعبير) في المدرسة أو الحي! فهم يعملون له ألف حساب، لأنهم يعرفون وضعهم (الطبقي) من هذا (السيد) (المقدس)! وهو أيضا يشعر بذلك، وربما يدركه. كان متفوقا في (حفظ الكتب والنظريات)، فسار في الطريق إلى الحد اللازم للمهمة التي (خُلق) من أجلها: أن يحكم الناس. قبل سنين الدراسة، وأثنائها، وبعدها، لم يعمل أي عمل سوى رئيس حزب، ولما بلغ الثلاثين من عمره، عمل رئيس وزراء. ولهذه أناخ أخطر رجال الدولة السودانيين (المحجوب)؛ وبانت بعض خصائصه للناس:

    أ/ معرفته بالواقع (بُرجعاجية ـ بتعبير صحافة الديمقراطية الثالثة)، (فهو يعرف سكج بكج، ولكن من مشاهدة الملازمين (الخدم) لها أو من حكاية حكاها له أحدهم؛ وسياحية على شاكلة: "بعد تخرجي من الجامعة في بريطانيا أحسست بالغربة التي اتصلت أثناء سنين التعليم لدرجة آليت على نفسى ألا أغادر السودان مرة ثانية!... كان هذا عام 1958م. وصح هذا العزم لنحو عشر سنوات بقيت أثناءها داخل السودان مترحلا داخله إلى أن طفته مرتين"[21] ثم بعد ذلك إنضافت إلى وسائل المعرفة بـ(الواقع) التقاريروية الحزبية، على شاكلة (دراسة وتوصيات الورشة زودتني بمادة استفدت منها وكتبت ورقة بعنوان: ... إلخ)، وليست المعرفة السياحية والتقاريروية عيبا في حد ذاتها، ولكن العيب في اعتماد أن تكون هي المصدر الأساس ويُظن بأنها أو يتخذ منها الطريقة المثلى (أو على الأقل الكافية) للمعرفة بـ(الواقع)؛ وهو في ذلك ضحية وضعه، فلسوء حظه أن المعايشة وإحساس المساواة المتبادل هو شرط أساسي من شروط المعرفة الحقيقية بالناس. وهذه مشكلة الرؤساء الأزلية، فحتى (أبناء التراب) عندما يصيرون رؤساء ينفصمون عن الواقع.. فما بال الذي ولد رئيساً!). ولكن مشكلة الصادق المهدي لا تتوقف عند هذا الحد.

    ب/ تعامله مع الأفكار يتم بطريقة تجار الملجة: أولاً؛ حسب المواسم وحسب "الماشي في السوق"، وهو في الغالب لا يعنى كثيرا بطريقة الإنتاج ولا بالفائدة للناس، وإنما بما سيكسبه في ملجة السياسة السودانية. في الستينات، أيام المد الإشتراكي والإبداع الرأسمالي، خرج الصادق المهدي على الناس بدعوى السندكالية (Syndicalism) وهي مذهب أنتجه البعض في الغرب الرأسمالي: ويعرّف بأنه مذهب ثوري يسيطر العمال بموجبه على الاقتصاد والحكم عن طريق الإضراب العام، أو هي ـ السندكالية ـ نظام اقتصادي يملك فيه العمال مختلف الصناعات ويديرون شئونها، أما المعنى الثالث، ونرجح أن هذا ما كان يقصده الصادق المهدي؛ أنها نظرية في الحكم مبنية على قاعدة التمثيل النقابي، لا على قاعدة التمثيل الإقليمي/الجغرافي. الصادق المهدي يدعو إلى هذه النظرية ولكنه لم يسأل نفسه ـ والغريبة لم يسأله أحد في ذلك الوقت! ـ عن أي نقابة سيرأس حتى يصبح رئيسا للوزارة؟ لأنه حتى ذلك الوقت لم يسمع أحد أنه له عملا (أو ينويه) غير رئيس حزب أو رئيس وزراء، وحتى ذلك الحين لم يسمع الناس بنقابة إسمها "نقابة رؤساء الأحزاب" أو "نقابة رؤساء الوزراء"، أضف إلى ذلك استهلاكه الراهن لمصطلحات مثل التنمية المستدامة (Sustained Development) والديمقراطية المستدامة.. إلخ.
    / موقعه الأيديولوجي:

    يقول د. منصور خالد: "لا يعد الصادق المهدي مجرد عضو نمطي ضمن الصفوة الشمالية، بل نموذجها الأصيل. وبما أن هذه الصفوة الشمالية ظلت مقتنعة بسموها وتفوقها الإثني، الثقافي، وبالفضيلة الكامنة فيها، فإنها بذلك لا تشعر بوخذ الضمير في سلوكها بفرض نفسها وصيا وموجها للآخرين..."[22] وتتجلى هذه الوصائية في كثافة استعمال الصادق المهدي لكلمة "ينبغي". وبالرغم من اتضاح ملامح الشخصية الاسبدادية في ممارسته القائمة: الإمساك بزمام كل شيء، فهو المفكر، رئيس الحزب والإمام والناطق الرسمي لدرجة أنه يطابق شخصه بـ"الحزب" ـ وهذه حقيقة يحاول إنكارها دوما بإدعاءات التجديد والاهتمام المستمر بالهيكلات، إلا أن الإعتراف يغافله في مقولاته: ففي صفحة 134 من كتاب العودة، يقول أن "أحد المواطنين... كتب في جريدة الخرطوم... يدعو لمنهج علمي لتقويم القادة والزعماء، واقترح المقاييس الآتية ]وأورد المقاييس العشرة ثم قال[ بهذه المقاييس ينال حزب الأمة تقديرا إيجابيا" بالرغم من أن المقاييس المفترضة لا تتكلم عن الأحزاب وإنما عن الزعماء، ولكنه يطابق بين الحزب والزعيم (وهذا ما هو حاصل في حزب الأمة بالفعل في الوقت الراهن).

    وكل هذا على بعضه، قد يساهم في إضاءة الجوانب المتعلقة بالسيكولوجية/النزعة التنظيروية التجريدوية التي يلاحظها الناس في خطاب الصادق المهدي.
    نقد الخطاب:

    أ/ القضية الفكرية:

    1ـ التأصيل والتحديث:

    في الفصل العاشر، تحت عنوان البطاقة الفكرية لحزب الأمة، يلخص الصادق المهدي ملفاته الفكرية، وفي مقدمتها قضية التأصيل والتحديث. وتحدث عن التأصيل وقسمه إلى "تاصيل منكفئ" و"تأصيل مستنير"، وعرفهما باختصار، ولكنه سكت عن "التحديث"! لماذا يا ترى؟ هناك احتمالات عدة:

    ـ أن يكون الصادق المهدي قد نسي الموضوع.

    ـ أن يكون ظن أن التحديث هو التأصيل المستنير؛ أي أنهما مترادفان (Synonyms).

    ـ أن يكون اكتشف تناقضا جوهريا بين مفوهم التحديث والتأصيل (يشوشر) على خطابه التأصيلي، فسكت.

    ـ أو يكون لدى الصادق المهدي قصورا معرفيا بالتحديث والحداثة.

    ولقد قمنا بالبحث والإستقصاء في كتاباته السابقة علنا نعثر على إضاءة ما، وفي الفصل الثامن من كتابه "تحديات التسعينات" ـ ذي الطابع (الفكري) ـ عثرنا على بعض التفاصيل الإضافية التي يمكن إدراجها في سياق ما أسماه بالتأصيل المنكفئ والتأصيل المستنير ضمن المحاولات الشكلانية في سبيل (نسف) العلمانية. وعلى أساس النتائج التي توصل إليها خط "نهج الصحوة أو النهج التجديدي"[23]. ويمكن أن نفهم من هذه المحاولات موقفه الضمني من "التحديث".

    ومهما يكن من أمر، فإن هناك حقيقة هي؛ أننا لا نتكلم في فراغ تاريخي، والتحديث ـModernization ـ في السياق التاريخي الراهن، سواء بالمنظور الجدلي، أو بالمنظور البنيوي، هو فعل الحداثة ـ Modernity ـ التي هي الأساس الفلسفي/النظري القائم على قواعد أهمها:

    1/ مشروعية الإبتكار/ الإبداع/ الخلق، ومن ثم اتخاذ المستقبل معياراً والتوجه إليه هو الدافع.

    2/ العلمانية: بمعنى اعتماد نسبية المعايير على مستوى المعرفة والممارسة الإجتماعية، والقطيعة (بالمعنى العلمي/التاريخي/النسبي) مع البنى الفكرية الأسطورية والدينية الإطلاقية ـ أي جعلها مقيسة وليست مقياساً. ومن ثم القطيعة مع مشروعية الأسلاف وبناهم الإجتماعية، أي جعلها موضوعا للتحويل بمعايير المستقبل.

    وبهذا المعنى، فإن التحديث لا يعني التأصيل (الرجوع إلى أصل) المستنير بأي حال من الأحوال، بل هو النقيض البنيوي له ولأي تأصيل آخر. وإذا اكتفى الصادق المهدي بـ"التجديد" كان سيكون متسقا أكثر مع أسس خطابه الفكري، فالتجديد هو باختصار "إضافة عناصر أخرى إلى نفس البنية (الأصل) وبشروطها؛ وبالمعنى المبتسر جداً: تغيير شبابيك وطلاء الجالوص.. إلخ. بينما التحديث هو تفكيك بنية قديمة (الأصل) وإعادة إنتاجها في بنية جديدة مقترحة (أكثر تقدما) وبشروط البنية الجديدة. وبالمعنى المبتسر: إقامة عمارة مكان الجالوص.

    غير أن الشيء المهم هنا هو أن "الحداثة" كمعطى تاريخي، هي المرجعية الفلسفية للأفكار (العزيزة) التي (يدعيها بالمجان) خطاب التأصيل المستنير، وهي؛ الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والتعددية، ..إلخ إلخ، التي هي نتاج سيرورة الحداثة التاريخية. ولم تستمد مشروعيتها لا من البنى الفكرية للأسلاف (الأصل) ـ البنى الفكرية الأسطورية والدينية الإطلاقية، ولا من البنى الإجتماعية لهؤلاء الأسلاف (الأصل) ـ العشائر الأبوية الاستبدادية، بل هي نتاج كفاح ضد هذه البنى، وأن ما تحتله من حيز هو مقدار ما هدمته من هذه البنى وهي لا تتقدم في الفراغ، وإنما على حساب هذه البنى نفسها.

    أما دعوى "التنوع البشري الخلاّق" التي أطلقتها اليونيسكو، وأخذها الصادق المهدي ليحاجج بها حول (بديهة) أهمية مراعاة الإنتماء الديني، فهي في الأساس صادرة من موقع العقلانية، وتنتمي للحقل الفكري للحداثة والعلمانية، إعمالا لمبدأ النسبية الذي يسلم بعدم نفي الآخر وإنما "تحديده" ومبدأ مساواة الخصوصيات (ومنها الدينية) كشخصيات اعتبارية أمام الدولة أو الجهاز المسيطر الذي يشمل بأحكامه الجميع و"يطالب باحتكار العنف الفيزيائي والرمزي" ويفترض فيه الحياد ـ وهذا المبدأ يتكلم عن الأديان بشكل عام وليس الإسلام أو الأديان السماوية أو ما يسميه فقهاء الدساتير السودانية "كريم المعتقدات" فحسب، وإنما تسلّم بالمساواة المبدئية بين "اللاة" و"الله"، و"المهدي" و"الكجور". ولا نحسب أن الصادق المهدي صادق في (إيمانه) بمبدأ "التنوع البشري الخلاق"، فهذا مجرد تجلٍّ لطريقة تجار الملجة. وعلى أساس هذا التحليل، يصبح ما أسماه الصادق المهدي بـ"الموقف الصحيح"، وهو فعلا موقف صحيح، بالنسبة لقضية الدين والدولة، المستمد من مطالب العلمانيين وغير المسلمين في السودان، ومنفستو "اليونيسكو"، لا علاقة له به وإنما هو مجرد "كلام منفستوهات" على وزن "كلام جرايد"، والعلاقة بين الصادق المهدي و"الموقف الصحيح" علاقة غير حقيقية، لأنه يستعمل هذا الأخير هنا منبتاً عن سياق بنيته الفكرية وغاياته السياسية.

    2/ قضية الديمقراطية:

    لا نظن أن أحداً قد استعمل كلمة الديمقراطية وأدعى (إنتسابها إليه؛ فهو الأصل طبعا!) مثلما فعل الصادق المهدي، الذي يقرر أن: "الفرق الأساسي ]بين الديمقراطية والشورى[ هو وجود أو غياب مؤسسات" (العودة:146)، على أساس أن "الشورى قيمة إيمانية غير مصحوبة بمؤسسات... أما الديمقراطية فقد بلورت مؤسسات" (نفسه:146)، وهو يبدو متأكدا هكذا، وقاطعاً، حتى أنه لم (يتحرفن) ويقول مثلاً: (أهم الفوارق) أو (أحد الفروقات الأساسية)، فهل صحيح أن الفرق الأساسي ـ لاحظ الأساسي هذه ـ هو وجود أو غياب مؤسسات؟؟

    للإجابة على هذا السؤال، لابد أولا من تعريف المؤسسة، وهي ببساطة، وحسب القاموس:

    Institution is:

    … long-established custom, practice, group, etc. e.g. marriage is a sacred institution



    أي هي عادة، ممارسة أو جمعية راسخة. هكذا بكل بساطة. ومجلس العشيرة، أو مجلس القبيلة، أو أهل الحل والعقد أو مجلس الشورى، كل هذه أشكال قائمة لمؤسسات الشورى، بل يذهب هاني الدرديري في رسالته العلمية التي نشرها بعنوان "نظام الشورى الإسلامي مقارنا بالديمقراطية النيابية المعاصرة" إلى ما معناه أن الدولة في الحضارة الإسلامية هي مؤسسة الشورى ـ بغض النظر عن التجاوزات التي حدثت. (الدرديري،1991، بدون عنوان ناشر). والشورى ـ عموماً ـ ليست مجرد "قيمة إيمانية" كما يقرر الصادق المهدي، بل هي في جوهرها ممارسة تاريخية ملازمة لبنية إجتماعية معينة هي "بنية العشيرة الأبوية الاسبتدادية" بغض النظر عن (الدين الذي تتبناه هذه العشيرة المحددة)، وهي بالنسبة للإسلام ممارسة مستصحبة في الأساس، مع بعض التعديلات التي اقتضاها الاستصحاب، من الجاهلية. إذن، هذا ليس أساس الاختلاف أو التناقض في رأينا. ولتقصي تفاصيل القضية فلنستمع إلى شهادة د. حيدر إبراهيم: "ارتبط مفهوم الديمقراطية مع فكرة الشورى في الفكر الإسلامي المعاصر ضمن محاولات التجديد والمعاصرة، ولكن هذه المحاولة تدخل في إشكالية أساسية تنعكس على كل المجهودات التأصيلية والاجتهادات، خاصة حين يسعى المفكرون والمنظرون الإسلاميون عموما إلى إستخدام أدوات ومناهج إسلامية أصولية. فالرجوع إلى القياس أو الرأي أو الاستصحاب، لا يحل التناقض، لأن مفهومي الديمقراطية والشورى ينتميان إلى بنيتين فكريتين مختلفتين، ولهما عناصر وجزئيات ومكونات مختلفة ومتباينة، وتطورت ضمن سيرورات تاريخية وظروف اجتماعية مختلفة تماما، لذلك يظل إنتزاع مفهوم من سياق بنيته الفكرية عملية معقدة، وفي بعض الأحيان تضر بالإثنين، إذ يفرغ من مضمونه الأصلي، وفي نفس الوقت يصعب دمجه أو تمثيله في البنية الأخرى. ونعتمد هنا على التعريف الأنثروبولوجي الذي يقول بأنه لابد للبنية أو الهيكل من أن يكون نظاما، أي تراص العناصر، بحيث يكون كل تغير في عنصر ما تغيرا في كل العناصر الأخرى"[24].

    وبالرغم من ذلك، فالصادق المهدي لا يقر بوجود تناقض في الأسس النظرية بين الشورى والديمقراطية، وهو على هذا الأساس يقول "إننا ندعو للديمقراطية ونعتقد أن كل التوجيه المطلوب والتوازن المراد يمكن أن يضما في ميثاق وطني ملزم للجميع في نصوص الدستور الملزمة" وعلى أساس "التأصيل المستنير" الذي ينسفه هذا التحليل، فالديمقراطية عند الصادق المهدي "ينبغي أن تؤصل اجتماعيا وثقافيا لتلائم ظروفنا، لتصبح متجذرة في حياتنا السياسية" (العودة:148) وهو هكذا يتبنى الأجراء المقلوب، فبدلا من أن نوفق أوضاعنا الاجتماعية والثقافية وظروفنا لتتلاءم مع الديمقراطية (أي نقوم بتحديث أنفسنا بالقيام بتحولات جذرية في المجتمع) ـ لأن المشكلة في (أوضاعنا) وليست في الديمقراطية، (يؤصلها) الصادق المهدي! وإذا تأصلت الديمقراطية وتلاءمت مع ظروفنا (بنية العشيرة الأبوية الاستبدادية) فإنها بالتأكيد لن يبقى من ديمقراطيتها شيء يذكر، إلا الهياكل بلا مضمون، وهو بالضبط ما يريده ويمارسه الصادق المهدي سواء في حزبه أو حينما يحكم السودان.

    وبمثل هذا (المنطق) يرقد الحجر والبيضة في أمن وأمان! بعد أن تم تجريدهما من هويتهما؛ تجريد الديمقراطية من مضمونها وتحويلها إلى مجرد هياكل (تسمى مؤسسات) وإلباس (الأخت الشورى) بنطلون جينز للخروج بها إلى سوق العصر! وإخفاء التناقض، بالضبط كما يحدث في "حزب الأمة الجديد"!

    وما ينطبق على الديمقراطية، ينطبق على أطروحة حقوق الإنسان بالكامل، ولا داعي للتكرار.

    وإنطلاقا من هنا ـ الأسس الفكرية ـ يستمر الصادق المهدي في خلق الإلتباسات: ففي حديثه عن علاقة الدين بالدولة يرفض مبدأ فصل الدين عن الدولة/السياسة بحجة أن "الدين يدخل في الحياة، والسياسة جزء من الحياة. والمؤمن بدين لا يستطيع أن يستمر مؤمنا ويطرد دينه من حياته" وهذا شكل نموذجي للتلبيس! فأولا؛ لم يقل أحد في علاقة الدين بالدولة الديمقراطية بأن يطرد المؤمن دينه من حياته وإنما ألا يفرضه على حياة الآخرين. وثانياً، إذا كان الصادق المهدي يقر بأن السياسة (جزء) من الحياة، فلماذا لا يكون الدين ضمن أجزائها الأخرى؟ ولنحلل مقولته لنعرف كيف يصنع الالتباس:

    1/ السياسة = جزء من الحياة (معادلة الحقيقة)

    2/فصل الدين عن السياسة = طرد الدين من الحياة. (معادلة الإلتباس)

    لأنه يجعل من:

    3/ فصل = طرد (معادلة التلبيس)

    4/ السياسة = الحياة (معادلة التناقض)

    وضمن ألعوبة الألفاظ يتم إخفاء التناقض، ويقوم هو بإخفاء الإلتباس باستعمال متلازمة "ينبغي" فـ"المبدأ الذي ينبغي إقراره في هذا الصدد، أن المؤمن مهما استهدى بدينه ينبغي ألا يحاول إخضاع الآخرين له. وأن يحترم التعددية الدينية". هذا هو (المبدأ) العلماني، وهو صحيح ولم ينزل من السماء وإنما نشأ نتيجة سيرورات تاريخية وتجارب، وهو أساس التطبيقات في الدول العلمانية، والتجربة البشرية تقول أنه لم يتم تطبيق هذا المبدأ إلا حين تم فصل الدين عن الدولة/ السياسة. ونحن نطالب الصادق المهدي بإيراد مثال واحد طُبّق فيه هذا المبدأ في الدول غير العلمانية، والإسلامية بالذات خلال القرون الأربعة عشر التي مرت وفي التجربة المعاصرة حتى يكون كلامه (موضوعيا) وقابلا للإقناع. أما الإتكال على "ينبغي" فلا يحل المعضلة، ثم قوله أن الدولة لا تستطيع أن تعمل وكأن الدين غير موجود.. ]و[ أنه لا يمكن إلغاء الوجود الحركي للدين في المجتمع" فهو تحصيل حاصل وتقرير بديهة، بل الدولة لابد أن تعمل على تحديد الدين في حدوده أولا، ومنع المتدينين من محاولة إخضاع الآخرين لأديانهم. وهنا تتجلى الذهنية الإطلاقية: فهو يفهم مسألة الفصل القائمة على مبادئ النسبية فهما دينياً مطلقا ويعبر عن هذا الفهم باستعمال كلمات مثل (طرد، إلغاء،..إلخ) هذا عوضا عن ما بهذا الإستعمال من شبهة استغلال سياسي لتهييج المشاعر.

    أما محاولته للاستدلال على "تدّين" أهم ثلاث دول علمانية، بالإشارة إلى كنكردات (عهود) الدولة الفرنسية مع الكنيسة الكاثوليكية، وظهور الصليب في العلم البريطاني، ووجود اللوبي اليهودي ووجود النص "توكلنا على الله" في الدولار، فهي من جانب تلغي إطلاقاته في (طرد، إلغاء، ..) ومن جانب آخر تؤكد أن من يتابع الشكلانية تفضي به إلى السذاجة. فالحقيقة أن الدين في هذه الدول المذكورة قد وُضِع في حدوده بفعل السيرورات التاريخية والتحولات الاجتماعية التي أدت إلى ترسيخ العلمنة وفصل الدين عن الدولة وتجاوز الأشكال الاستبدادية في أنظمة الحكم إلى غير ما رجعة، وأن الدين بعد هذا (التحديد) الطويل، سلّم وتحول إلى مواطن عادي ضمن مواطني الدولة وليس الدولة أو فوقها. وهذه قيمة لم يفهمها المنظرون الإسلاميون بعد. وأن هذه الأشكال/الأدوار الرمزية، مجال الدين الحقيقي، التي ذكرها الصادق المهدي تنتمي إلى حقيقة أخرى، هي أن (الدين)، في المجتمع البرجوازي/الرأسمالي، بالفعل، "بنية فوقية". وأن "البنية التحتية" التي هي علاقات الإنتاج هي المهيمنة في بنية الدولة، لذلك لا يستطيع الدين أبدا أن يدّعي أنه الدولة ـ فهو يعرف قدر نفسه جيداً.
    ومشكلة الفكر الإسلامي عموماً أنه لم يتم حتى الآن تشكل بنى إجتماعية قادرة على إعادة طرح (الإسلام) خارج سياق بنية العشيرة الأبوية الاستبدادية وعلاقات الإنتاج الريعية الخراجية. أي أن التنظير في هذا المجال يتكل على "ينبغي"، وحتى على مستوى "ينبغي" هذه، تظل المشكلة في السودان أن مسئولية الرفض تقع على عاتق الدين (المختار) الإسلام وعلى الثقافة المختارة الإسلاموعربية، وفي الإثنية المستعلية المسيطرة الإسلاموعروبية التي يمثل الصادق المهدي نموذجها الأصيل. فهي الجهة التي تناقض شروط "ينبغي" التي يحاول الصادق المهدي أن يقنعنا بها عن طريق التقريرية الإعتباطية. ثم يأتي بعد ذلك ويطالب أن لا يحاكم الإسلام والعروبة! والسؤال هو: لماذا يحاكم الإسلام والعروبة في السودان؟ فبالإضافة لما ذكرنا سابقاً فالمحاكمة ليست فقط بسبب ممارسات الإنقاذ التي يريد الصادق المهدي أن يجعل منها كبش فداء، بل بسبب ممارسات الصادق المهدي وأسلافه أيضا. وثم أنه ليس فقط لأن الإسلام إسلام والعروبة عروبة، ولكن لأنهما ـ بكل بساطة ـ يحكمان الناس وبالقوة، وبالتالي، على الحاكم أن يتوقع المحاكمة من المحكومين. وهذه بديهة، فالناس في زامبيا أو نيكاراقوا لا يحاكمون الإسلام ولا العروبة. ولكن ـ من جانب آخر ـ فمستجدات العصر هي التي صارت تحاكم كل شيء.
    3/ قضية التنمية:

    التنمية المستدامة:

    يقدم الصادق المهد\ي تحت هذا العنوان طرحا جاء متماسكا نظريا في مجمله. والسبب في رأينا يرجع إلى تخليه عن أسلوب التلبيس الديني الذي ظل يمارسه في طرح القضايا الأخرى. وذلك ـ من ناحية أخرى ـ لسبب جوهري هو أن الصادق المهدي لا يسلم بوجود نظام إقتصادي إسلامي، فـ"على صعيد الاقتصاد: نزل الوحي بمبادئ عامة للاقتصاد مما لا يختلف عليه الناس مثل التعمير، والتكافل، ومنع الاستغلال وغيرها، ولا يوجد نظام إقتصادي بأجهزته وضوابطه لتحقيق هذه المبادئ ]والحقيقة أنه يوجد نظام إقتصادي إسلامي هو أقتصاد الريع والخراج الذي ظل يمارس على مدى تاريخ (الحضارة الإسلامية)، ولا يزال، وإن إختلفت بعض عناصره، والصادق ينكره لأنه يجرد الإسلام من تاريخه، حين تقتضي الضرورة، أي أنه يجعل منه مجرد كائن إبستيمولوجي ويتعامل معه على هذا الأساس[، الأجهزة والضوابط، أي النظام الإقتصادي الذي يوافق مقاصد الشريعة ]إذا فُهمت بأنها المبادئ العامة التي نزل بها الوحي تصبح تقرير بديهة لا تخص الدين فحسب[ هو من وضع البشر"[25]. وكان بالتالي، أن وضع التنظير للتنمية في موضعه الصحيح، ولم يحشرها في التأصيل المستنير باعتبارها (كائنا وضعيا) بالجملة والتفصيل، ولم يفصلها بالتالي عن سياق البنية الفكرية الحديثة عموماً، والتنظير الحديث "الوضعي ـ العلماني" خصوصا، باعتبارها تحولا اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.

    ولكن إذا نظرنا إلى الجانب الآخر ـ العملي ـ تبرز تناقضات الصادق المهدي مع خطابه في الواقع. فنحن لا ننمي الفراغ، وإنما هناك واقع (أصل) قائم وبه إشكالات جمة (التخلف). والصادق المهدي يتناول بالنقد جزءا من هذه الإشكالات، وقد اكتفى بنقد أنظمة الحكم الشمولية، وإلقى باللوم على الأنظمة "الديمقراطية"، ولم يتطرق إلى البنى الإجتماعية الإقتصادية! وبالتأكيد، فالوصف والتشخيص الصحيحان للواقع يسوقان إلى المعالجات الصحيحة والتطبيقات الصحيحة للتنظيرات الصحيحة. وكما ذكرنا سلفاً فإن الدولة السودانية هي وضعية تاريخية، وصفناها بأنها بنية مركز وهامش لمجتمعات ما قبل رأسمالية يسودها نمط العشيرة الأبوية الاستبدادية واقتصاد الريع العشائري على مستوى (الاقتصاد الجزئي) والخراج على المستوى (الاقتصاد الكلي) مع استمرار القاعدة العبودية في تقسيم العمل وعلاقات الإنتاج. والسبب في إخفاق الأنظمة "شمولية كانت أم ديمقراطية" في إقامة التنمية يرجع في الأساس إلى إشكالات هذه البنية الاجتماعية/الاقتصادية التي تتناقض مع التنمية، بل وتتجه سالبا في أغلب الأحيان، خاصة بعد اكتمال سيطرة العشائر الطائفية والصوفية والقبلية ـ المحافظة بطبيعتها ـ على جهاز الدولة وتحالفها مع البيروقراطية التي يقودها أبناه هذه العشائر. وتمتلك العشائر المذكورة وسائل الإنتاج وخاصة الأكثر تطورا، وتحرسها الأجهزة النظامية والبيروقراطية التي تكافئ نفسها بالغنى من الخراج (ريع الدولة) المسمى (الضرائب) التي تؤخذ من المواطنين ولا ترجع إليهم، أو في أفضل الأحوال منقوصة نقصا فادحا، أي أن البيروقراطية والنظامية، صارت تعطل دورة الإقتصاد التي أنشأها النظام الإنجليزي بتوجهه شبه الرأسمالي الذي يأخذ من الناس الضرائب ويقدم لهم الخدمات التعليمية والصحية ويقيم البنى الأساسية (أدوات الري، الطرق، السكة الحديد، التلفون.. إلخ إلخ) وهذا يعني أن النظام الاقتصادي قد تغير وعاد إلى أصله الريعي الخراجي بعد الإستقلال بواسطة (التأصيل المستنير الذي كان يسمى السودنة)، ولم يعد هناك بالتالي تنمية ولا يحزنون! لذا لن يحدث تغيير وتنمية ـ حقيقيين ـ ما لم يتغير الوضع من خلال تغير ترابط المصالح القائم اليوم،
    أي تغيرات جذرية في الأسس التي تقوم عليها الدولة والبنى الثقافية/الاجتماعية/ الاقتصادية، وخاصة أنماط المؤسسات مثل "دائرة المهدي". لأن "تحرير الإقتصاد" ـ إذا سلمنا بمبدأ الرأسمالية ـ يتطلب تحرير العبيد/الأقنان/الأتباع ليصبحوا عمالا (أحرار) في سوق العمل. وتحرير الأرض ووسائل الإنتاج من قوانين العشيرة الأبوية، وتحرير العقول من ثقافة احتقار العمل (عند السادة) واحتقار العمل اليدوي والحرفي الذي يعتبر (عمل العبيد) في الثقافة الإسلاموعربية المهيمنة في السودان وتحرير الآخرين منها وتحرير المرأة من قيود الفكر الديني خاصة، وتحرير أشياء أخرى كثيرة، وما لم يحدث ذلك، أو على الأقل يجري العمل عليه، فلن تقوم للتنمية أية قائمة.

    وخلاصة القول في الجانب الفكري، أن الصادق المهدي يمارس "التشبُّح" الفكري بوضع رجل في التقليد والأخرى في الحداثة، ويمارس التلفيق بنزع المقولات من سياق البنى الفكرية التي نشأت فيها ولزقها في أخرى بآلية أقرب إلى التقريرية الاعتباطية. وكما يظهر لنا من التحليلات أعلاه أن التناقض في خطابه الفكري يعكس تناقض وضعيته الاجتماعية؛ فهو رجل تعليمه ووسائل حياته حديثة، ويعيش على ريع مؤسسة غاية في المحافظة والتقليدية. وكما أنه يكسب "رزقه" (بدون عمل) فهو أيضا يكسب نظرياته (بدون عمل) ـ أي بطريقة وضع اليد. فهو حتى الآن، رغم كلامه الكثير، لم يمتلك شجاعة الأستاذ محمود محمد طه لتأسيس منهج للتأصيل المستنير (كنسخ الناسخ بالمنسوخ مثلا، الذي ضحى من أجله الأستاذ بحياته) نكافئه عليه.


    ب/ القضية السياسية:

    1ـ الخروج (تهتدون):

    لم الخروج؟ والإهتداء إلى ماذا؟؟

    يقول الصادق المهدي: "كانت هجرتي نتيجة للاستقطاب الحاد النافي للآخر المفضي إلى الاستئصال المغذي للاستئصال المضاد... ]ويفصّل ذلك بأن[ سياسات النظام ـ في ذلك الوقت ـ أدانت القوى السياسية الرئيسية في الشمال وخوّنتها، وعمقت المواجهة مع قوى المقاومة في الجنوب وكفرتها، واتخذت سياسات إقليمية ودولية توسعية، فأدى ذلك كله إلى تكوين تحالف عريض ضد النظام، تحالف سوداني، إقليمي ودولي"، وإذا حللنا الجزء الأول من المقولة بتاليه تصبح المعادلة كالتالي:

    1/ النظام "المشروع الحضاري" = استئصال (معادلة الفعل الخطأ)

    2/ تحالف سوداني إقليمي دولي "مقررات أسمرا للقضايا المصيرية" = الاستئصال المضاد (معادلة رد الفعل الصواب)

    3/ الصادق المهدي "برنامج تفلحون" = تهتدون "معادلة التواطؤ الأيديولوجي"

    والمعادلة الثانية إذا قرأنا تفاصيلها نجد فيها "برنامج وضعية دولة التنوع داخل الوحدة" ونجد ملامح تشكل "كتلة تاريخية" لاستئصال وضعية تاريخية متفسخة؛ "جدلية المركز والهامش" والوضعيتان المذكورتان نقائض تاريخية شرط تواجدهما التعاقب وليس التزامن، لذلك كان النظام منسجما في منطق إدانته للقوى السياسية الرئيسية في الشمال ـ كجبهات مركزية ـ وتخوينها لأنها في لحظة بدت حاسمة اختارت موقفا تكتيكيا مع نقيضها التاريخي: الهامش. ولكن الصادق المهدي كان له موقف آخر قائم على التواطؤ الأيديولوجي المباشر مع النظام، فعمل على:

    أ/ هداية حزب الأمة إلى "الصراط القويم"، بدفعه للكف عن المضي في برنامج التحالف لأنه سيؤدي، لو قدر له الإنتصار، إلى تغيير أساسي يضر بمصالح الصادق والقوى التكتيكية في نهاية المطاف، وبالمكاسب التاريخية للكيان الإسلاموعروبي عموما بتجريده من بعض امتيازاته غير المشروعة.

    ب/ هداية النظام إلى تغيير أساليبه، وتكتيكاته بالابتعاد عن سياسة التشدد واللجوء إلى سياسة النفس الطويل، للحفاظ على الوضعية التاريخية التي يستمد منها الكيان الإسلاموعروبي امتيازاته، خاصة وأن أي تغيير جذري للنظام سيحمل معه توازنا جديدا للقوى (وضع الحركة الشعبية كمعنى رمزي لقوى الهامش، وصورة أيديولوجية في ذهن الصادق للكتلة التاريخية) يخشاه الصادق المهدي والنظام بالطبع.

    وسواء كان الصادق المهدي قد خرج بتخطيطه الخاص أو بالتواطؤ مع النظام (كما تذهب بعض التحليلات والتخريجات)، فإن المسألة تبقى هي هي؛ فالدور الذي لعبه الصادق المهدي كان في مصلحة النظام ومصلحة التوجه الإسلاموعروبي في السودان ـ وهذا أمر عادي، فهو بخروجه قد حقق (أو ساهم في تحقيق) الأمور التالية:

    أولا: ساهم الصادق المهدي في إقناع الأنظمة العربية بالتهديد الذي تواجهه هيمنة الكيان الإسلاموعروبي في السودان، ومن ثم تخفيف العداء للنظام، وتهيئة المناخ لاستعادة النظام لعلاقاته العربية تدريجيا. وبالتالي أنقص التحالف السوداني الإقليمي الدولي جزءا إقليميا وأضافه في نفس الوقت إلى النظام.

    ثانيا: أرجع خطاب الأزمة إلى حلقة قديمة، بتصوير الصراع وكأنه صراع فوقي حول كراسي السلطة، أو آليات الوصول إليها، وصارت المناظرات تجرى بين الصادق المهدي والترابي، وهما في الواقع جبهتين في سياق أيديولوجي واحد، وبذلك أضعف الصادق الجزء السوداني من التحالف ضد النظام.

    ثالثا: نقل العلاقات بين حزب الأمة والحركة الشعبية إلى العداء بعدأن كان حزب الأمة "يدعو كل المليشيات القبلية في كردفان ودارفور والأجزاء الأخرى لبلادنا أن توقف فورا عداءها ضد الجيش الشعبي لتحرير السودان، وأن توجه أسلحتها صوب العدو المشترك ]النظام["[26].

    ويمكننا أن نقرأ مواقفه من الجانب الآخر من الصورة، أي مواقف الإنقاذ. وإذا رجعنا إلى خارطة الصراع التي حددنا ملامحها سابقا، فإننا نرى أن الصراع بين الإنقاذ والصادق المهدي هو في مجمله صراع المستوى الفوقي حول كراسي السلطة، وليس فيه تناقض قومي أو أيديولوجي أساسي باعتبارهما من حقل أيديولوجي واحد "المركزية الإسلاموعروبية" والخلاف بينهما في آليات التنفيذ وكيفيات الممارسة وأولويات المصالح الفئوية. وقد تغيرت المواقف فيما بينهما حسب المراحل التي مرت بها الإنقاذ.

    ففي مرحلة التمكين، كان هم الإنقاذ الأساسي توطيد موقعها (التمكين) في السلطة والدولة والاقتصاد، ومن الطبيعي أن يكون موقفها عدائيا من الصادق المهدي الذي انقلبت عليه. وهذه هي المرحلة التي استقوى فيها الصادق بالحركة الشعبية.

    بعد أن مكنت الإنقاذ نفسها وحزبنت الدولة وزادت التناقضات بينها والآخرين مما أفرز الضغوط، الداخلية والخارجية، ولأجل توازن ما، لجأت إلى مرحلة الاحتواء، احتواء آثار ممارساتها ومغازلة القطاعات التي تقع في هامش مجال تأثير خطابها الأيديولوجي المتشدد بتوسيع مواعينها والتأرجح بين التشدد والاعتدال.

    بعد "مؤتمر أسمرا وقراراته حول القضايا المصيرية" اتجهت للاستقواء بجبهات المركزية الإسلاموعروبية المعارضة، وكان أقربها الصادق المهدي، فبات من الطبيعي أن يقوم بدور الـ(Buffer) في تقسيم العمل الأيديولوجي للمركزية الإسلاموعروبية في حلبة الصراع المحتد. وبعد أن أنجز مهمته التي ساعدته في إنجازها ظروف بتغيرات في الوضع الإقليمي، وتراجعات التجمع بسبب الإشكالات الداخلية (التناقضات الأيديولوجية، اتخاذ بعض التنظيمات من التجمع مظلة تخفي تحتها إنشقاقاتها الداخلية وعجزها عن العمل، هذا بالإضافة لعامل الزمن بإطالة أمد الأوضاع التحالفية دون تحقيق تقدم = جمودها) انتقل الصادق إلى مرحلة أخرى، هي مرحلة العودة أو ما أسماه "تفلحون".

    2/ العودة (تفلحون):

    يقرر الصادق المهدي أن النظام صار يقبل بجوهر المبادئ المطلوبة لاتفاق سلام عادل:

    المواطنة أساسا للحقوق الدستودرية والتعددية الدينية والثقافية (ويفسره بـ) الانتقال من هيمنة دين واحد وثقافة واحدة والدولة المعبرة عن ذلك إلى التعددية الدينية والثقافية والدولة المعبرة عن الجميع على أساس المواطنة ... والاستفتاء أساسا للوحدة الطوعية.

    وجوهر المطلوب لتحول ديمقراطي: التعددية الفكرية والسياسية ومراجعة هيكل الدولة. وإحلال دولة الوطن ـ كما يقول.

    وكل هذا مبني على تقرير مشكوك في صحته أن واقعا جديدا خلقه نضالـ"نا" (ويمكن تأويل الضمير هنا إلى عدة معاني) وأن النظام، الذي نراه كل يوم، تعامل معه والتطورات الداخلية والإقلمية والدولية في الفترة 1995ـ1998م، وبالتالي، صار يقبل المبادئ. وهذا الواقع يمكن قراءته من منظور آخر مرتبط بتحليلنا لتطورات الإنقاذ وتطورات مواقف الصادق المهدي:

    ـ فخروج الصادق المهدي والدور الذي لعبه في المجال العربي، والتحول في الموقف المصري من النظام، وبروز تناقضات التجمع، والحروب الإقليمية بين الجيران وجمود الموقف الدولي عموما تجاه القضية السودانية مؤخرا، والإنشقاق الذي حدث في الإنقاذ وإنقسامها إلى تيارين والإجراءات التي اتخذت ضد الترابي، وهو انقسام أساسه في الواقع الوسائل والمصالح وليس المبادئ، وكان من نتائجه تنفيس الغضب لاعتقاد الكثيرين من الناس أن الترابي هو المسبب الأكبر للمشاكل، والتغطية بالتالي على جوهر الصراع.

    وبالتالي، كان كل ذلك تحسين في وضع النظام، وفي مصلحة الكيان الإسلاموعروبي، واستراتيجية المدى الطويل. لذا، يمكن رد قبوله ـ أي النظام ـ للتفسير الإسلاموعروبي لـ"السلام العادل" و"التحول الديمقراطي" الذي يتفق مع تفسير الصادق المهدي الذي يرمي إلى تفادي أي تغيرات حقيقية للوضعية القائمة للدولة السودانية، وذلك لأنه في هذا الوقت بالذات فإن ميزان القوى يميل لمصلحته والصادق المهدي يريد أن يسرع لاستغلال هذه الفرصة "التاريخية" أي أن موقف الصادق المهدي والنظام موقف تكتيكي من قضية السلام العادل. ولكن المدهش حقيقة أن الصادق المهدي لا يكتفي بنسب هذه المبادئ لنفسه ويقسمها لجيرانه بل ويؤكد أن أن هناك رؤية مغايرة وينسبها للحركة الشعبية! والناس يعرفون أن هذه المبادئ التي ذكرها وسماها جوهر المطلوب، هي مطالب قديمة ظلت تقدمها جبهات الهامش وبعض القوى اليسارية والليبرالية وظلت تقاتل من أجلها جبهات في مقدمتها الحركة الشعبية، وهي بالذات التي ساهمت بالقدر الأكبر في عملية فرض هذه "المبادئ/المطالب" على طاولة النقاش والمنفستوهات رغما عن "نهج الصحوة". ولكن الصادق المهدي يقوم بالإستيلاء عليها هكذا بطريقة وضع اليد، ولا يكتفي بإدعاء مكليتها فحسب وإنما يوزعها على النظام بل وينفيها عن صناعها وملاكها الحقيقيين وينسب إليهم ضدها!! وهكذا، بمثل هذه الفبركة، تصبح الصورة معكوسة: فأصحاب المطالب الذين يقاتلون من أجلها يصبحون بـ"منطق" الصادق المهدي ضدها. والجهات المعنية بالمطالبة تصبح هي صاحبة المطالب/المبادئ!! هذه مفارقة غريبة وكأن المسألة كلها مسرح مخرجه الصادق المهدي، وكأن الجمهور ليس هو الجمهور. وقد يحسب البعض أن وراء ذلك المكر الشديد ـ وهذا أمر وارد في عالم السياسة ـ ولكننا نرجح أن ذلك يعود إلى شخصية "الطفل المدلل" الكامن تحت إهاب الصادق المهدي ـ الذي يحسب أن مجرد رغبته في الشيء تجعل منه ملكا له! يا صادق يا مهدي، أن هذه المطالب/ المبادئ لم تتحقق لأن هناك جهة تاريخية قائمة تمارس الأحادية الدينية والثقافية والشمولية..إلخ وليس هناك سببا واحدا يدعو الآخرين لرفضها ـ لأنها مطالبهم ـ إلا إذا كنت تعتقد أن هؤلاء يعانون تخلف (وراثي)، ولكنك أول المطالبين ـ بفتح اللام ـ بهذه المطالب.

    وأيضا "إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه": فالجهة المتعودة على العيش فوق رؤوس الناس واستغلال عرق جباههم، الجهة المتعودة على ممارسة الهيمنة والتهميش والإقصاء والأحادية والشمولية (بمعناها الجوهري) لا تستطيع تصور "المساواة"؛ فقاعدة فهمها هي "أما أن تهيمن أو يهيمن عليك = ومن لا يظلم الناس يظلم (التي تدرّس في المدارس الثانوية)!"، وهكذا الصادق المهدي مسكون بهاجس "الهيمنة المضادة"، الذي إنطلاقا منه يفصل قميص الشمولية الإثنية ويزركشه بالألفاظ المتشددة ليصبح "الإنقلاب الإثني" ـ وهذا مجرد تحول لفظي لموقف مسبق يصف كل محاولة لمقاومة الهيمنة الإسلاموعروبية بـ"العنصرية" التي لم تعد مناسبة بعد انضمام أبناء الشمال الإسلاموعربي إلى حركات الهامش ـ ثم يتبنى موقفا من شيء لا وجود له في الواقع كبقية المخلوقات الابستمولوجية (الغول، البعاتي، الشكلوتة، الإنقلاب الإثني.. إلخ) بينما الحقيقة الواقعة أن هناك شمولية إثنية وحيدة قائمة في السودان هي الشمولية الإثنية الإسلاموعروبية التي يجلس الصادق المهدي على قمتها، ويعترف بها بشكل استهبالي "نعم كان لثقافة المركز في السودان هيمنة": يموه هيمنة الحاضر بـ"كان" ويموه عن كيانها الإثني الذي يمارس الشمولية الإثنية بـ"ثقافة المركز" ويسكت عن الطرف المهيمن عليه الذي هو في الواقع 55 مجموعة إثنية ثقافية. ولنفترض على سبيل الجدل، أن السلطة آلت إلى المجموعات، فبأي منطق يسمى ذلك شمولية أو إنقلاب إثنى؟! وما هو المعيار الذي على أساسه توضع المجموعة الإثنية الإسلاموعربية في مقابل 55 مجموعة إثنية أخرى؟ المعيار طبعا هو مبدأ اللامساواة النابع من الاستعلاء التاريخي والهيمنة القائمة في الواقع. ولكن حتى لو افترضنا أن الصادق المهدي يريد أن يقول أن هذا الإنقلاب سيقوم به الدينكا بقيادة جون قرنق، فهذا مجرد تصور يشف عن شيئين:

    الأول: احتقار الصادق المهدي للوعي السياسي للدينكا ولجون قرن باعتبارهما جهات قاصرة عن فهم التاريخ. وبالتالي ستكرر أخطاء الاسلاموعروبية في السودان، أو قاصر عن الفهم في كل شيء فتقلدها.

    والثاني: المكر الأيديولوجي: وهو سلوك في أغلبه لاواعي، يهدف إلى مبدأ فرق تسد، من خلال تخويف الجماعات الإثنية الأخرى من "عدو" نظري ومصطنع، والتمويه عن الـ"عدو" القائم بالفعل، وبالتالي سد الطريق أمام/ أو تأجيل قيام كتلة تاريخية قادرة على خلق التوازن الضروري ـ في القوة والوعي ـ لتحقيق مشروع التحول التاريخي في السودان.
    تحليل معادلات الصراع:

    أ/ المعادلة التي يصنعها الصادق المهدي للصراع على أساس الموقف من مبادئ/مطالب السلام العادل والتحول الديمقراطي لأسباب مؤقتة، سواء كانت حقيقية أو متوهمة:

    الصادق المهدي = المبادئ/المطالب (استنتاج نظري)

    النظام = يقبل (مجبر)

    التجمع = يماحك (ليس هناك تبرير واضح)

    الحركة الشعبية = تغاير (وليس ترفض فحسب، بل تخطط للإنقلاب الإثني)



    يصبح قطبي التناقض هما الصادق المهدي والحركة الشعبية، وهذه نتيجة صحيحة في مضمونها، خاطئة في شكلها وتبريرها. ولكن إذا قرأناها بتفسير مبادئ السلام العادل والتحول الديمقراطي تفسيرا جوهرياً بمعنى ضرورة التحول التاريخي من وضعية جدلية المركز والهامش المأزومة إلى جدلية التعدد داخل الوحدة، مع الوضع في الاعتبار قانون الصراع الذي يقول "أن أي تغير جوهري/ أساسي لا يقوم إلا رغما عن أشياء قديمة قائمة"، تصبح المعادلة كالتالي:

    الحركة الشعبية = التحول التاريخي (صاحب المطالب والمصلحة الأكبر)

    التجمع = يقبل (صاحب مصلحة)

    النظام = يرفض (متضرر)

    الصادق المهدي = يغاير (المتضرر الأكبر)

    وفي هذه المعادلة يبدو النظام في موقع أقرب نسبيا للتحول من الصادق المهدي، وذلك لأنه:

    أولا: من الناحية النظرية، النظام أقرب نسبيا إلى الحداثة منه إلى التقليد باعتبار وسائل كسبه ومجال كسبه ذي الطابع المديني في المقام الأول، وهذا يعني قدرته على المنافسة والاستمرار في مجال التحول.

    ثانياً: ارتباط مصالحه بتوجهات أقرب نسبيا إلى الرأسمالية منها إلى الريع الخراجي (بسبب الطابع المديني العام).

    ثالثاً: بعد إنجاز (التمكين) تحولت الدولة إلى عبء أكبر من كونها مصدرا للكسب بعد التدهور الشامل، وهذا ـ في رأينا ـ ما جعل الترابي يبتعد ويستعد لدور جديد ومواجهة احتمالات أخرى.

    إذن لماذا يرفض النظام التحول التاريخي؟

    أولا: لطبيعته الأيديولوجية وموقعه المسيطر نسبيا

    ثانيا: للتغيرات التي ذكرناها سابقا التي صبت في مصلحته، ولم يعد مضطرا بالدرجة الكافية لتقديم تنازلات جذرية.

    ثالثا: لم تتشكل القوى البديلة بعد، بعد أن ضعف التجمع.

    رابعا: هامش المناورة: فموقف النظام المبدئي من قضية الحرب والسلام مختلف جذريا، وأساسه الإيمان بالإنفصال بين الشمال والجنوب، وإنفراد التحالف الإسلامي العريض المكون من الحركات الإسلامية بجبهاتها العديدة مع قيادات حزب الأمة والإتحادي الديمقراطي بالسيطرة على دولة الشمال الإسلاموعربية. والنظام يعلم أنه ـ في هذه الحالة ـ لن تكون هناك معارضة جدية في المدى القريب، ثم أن الموقف الدولي سيتغير كلية تجاه الدولة الإسلاموعربية التي ستقوم في الشمال وسيتعامل معها ضمن سياق الدول العربية ـ الإسلامية.
    ويتضح من ذلك أن قبول النظام الذي يتحدث عنه الصادق المهدي هو في الواقع قبول شكلي تكتيكي مثلما قبل من قبل مبادئ الإيقاد وظل التفاوض المباشر ـ الذي يعطيه الصادق المهدي أهمية قصوى ـ مستمرا، ولكنه لم يُحدث أي تقدم. وإذا قرأنا هذا مع واقع توصل الحركة الشعبية إلى إتفاق مع التجمع (بما فيه حزب الأمة في مرحلة تهتدون) على قرارات مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية، فإن ذلك دليل على أن النظام والصادق المهدي هم الذين يرفضون مبادئ "السلام العادل" بالمعنى الجوهري، أي التحول التاريخي للدولة السودانية. ومن الأساليب التي يتبعها الصادق المهدي إيراد أسانيد سماعية مثل "قال لي الرئيس اليوغندي موسفيني أن قرنق يريد كذا وكذا" في مسائل ليس فيها سرية أو تحتاج إلى شهادات من موسيفيني مثل أن قرنق يريد "تغيير هوية السودان أو أفرقته" ولكن ذلك رغبة منه للإيحاء بوجود مؤامرة في موضوع ليس سريا لأن مسألة تغيير هوية السودان أصبحت مسلمة في كل المنفستوهات بما فيها المنفستوهات التجريدية للصادق المهدي نفسه، أما مسألة أفرقته، فهذه أطروحة مثلها مثل احتمالات عروبته أو أسلمته، ومذكور حتى من الصادق على سبيل الاحتمالات، أليست (أو) تعني الاحتمال؟ ولكن المغزى الضمني هو (إقصاء) الاحتمالات الأخرى لهوية (السودان) في ذهن الصادق عبر صيغ الاستنكار هكذا.

    وبعد أن يقوم الصادق المهدي بإلباس نقيضه ـ الحركة الشعبية، قميص "الشمولية الإثنية"، يعود لصيغة "كلمة الحق التي يراد بها الباطل"، يقول "المجموعات الوطنية السودانية مهما كانت ثقافاتها وانتماؤها الإثني تستطيع أن تتطلع لأية مراكز تريدها ما دامت تحترم حق المواطنة للآخرين بالوسائل الديمقراطية، ولكن المرفوض أن تتطلع إلى السلطة بالقوة تحت أي شعار أيديولوجي" (العودة:5) هذا الكلام صحيح في الإطار النظري، ولكن الواقع أن التطلع إلى السلطة لا يتم في الفراغ، والمنطق هو أنه إذا توفرت الوسائل الديمقراطية والفرص العادلة فلا نعتقد أن هناك مجموعة وطنية تتطلع إلى السلطة بالقوة إلا إذا كان لديها (أوهام استعلائية)، وهذا ينطبق على مجموعة واحدة فقط في السودان هي المجموعة الإسلاموعروبية. ثم أنه إذا كانت هناك جهة تحتكر السلطة وتمارسها شموليا، ولا تزال لا تؤمن إلا بالقوة فما هي الوسائل البديلة للقوة لمقاومتها؟ ثم ما السبب الذي يجعل الصادق المهدي يمنح حق "الاستفتاء أساسا للوحدة الطوعية" للجنوب فقط دون أبيي والأنقسنا وجبال النوبة طالما المشاكل هي من نفس النوع؟

    تقول الفقرتان (ط) و(ي) من نداء الوطن[27]:

    ط/ إكمال تلك الإجراءات في فترة إنتقالية قدرها أربعة أعوام، في نهايتها يستفتى جنوب البلاد بحدوده عام 1956م ليختار بين وحدة طوعية بسلطات لامركزية يتفق عليها أو الإنفصال.

    ي/ معالجة قضيتي جبال النوبة والأنقسنا بما يحقق مطالبهم في القسمة العادلة للسلطة والثروة ]والقسمة العادلة للسلطة والثروة عبارة عن تكرار لفقرة عامة هي الفقرة (ز)[، في إطار السودان الموحد.

    وهذا يؤكد إزدواجية معايير الصادق حول ما يدعيه حول السلام العادل.
    الإخفاء والإظهار

    في كيفية تفصيل الرؤى والاستراتيجيات والأجندات:

    بعد أن فصّل الصادق المهدي الرؤى إلى اثنتين في البداية لتناسب نظام الكفتين وأقطاب التناقض: إلى رؤية المبادئ والرؤية المغايرة للحركة الشعبية، عاد ليقسم "الساحة السودانية الآن إلى ثلاث رؤى اساسية تتصارع:

    ـ الثقافة المركزية ودولتها الشمولية، وهي رؤية ما زال يوجد من يتمسك بها وإن عدل من أساليبه ]فإذا تعاملنا هنا مع كلمة شمولية بمعناها الجوهري، فإن هذا بالضبط هو موقع الصادق المهدي[.

    ـ رؤية المواطنة المتساوية وتعايش الأديان والثقافات والوحدة الطوعية والتحول الديمقراطي. ]وهذا يتناقض جوهريا ـ كما بينا سابقا ـ مع الأساس الفكري والأساس الموضوعي للصادق المهدي الذي يستمد منه مصالحه ووضعيته، ولكنه (يتسلبط) لاحقا في هذه الرؤية عن طريق منهج التقريرية الاعتباطية الذي ينتهجه كثيرا[

    ـ رؤية الإنقلاب الإثني ودولته الشمولية الجديدة. ]افتراضية["

    وبعد هذه الترسيمة، يقفز إلى ما يسميه صراع الأجندات:

    في الفصل السادس من كتابه ـ العودة ـ يوزع احتمالات التحالف والمواجهة بين القوى السياسية السودانية على اربعة أقسام (أجندات)؛ وطنية، حربية، شمولية، وتدويلية، وينسب لنفسه ـ بالطبع ـ الأجندة الوطنية، ويكرر في مقدمة "أمورها الأربعة" و"نقاطها السبع" التي هي تفاصيل الأمور الأربعة: للسلام العادل والتحول الديمقراطي. ويقرر بأن التسليم بهذه المبادئ (النقاط) يعني فتح صفحة جديدة تسمح بتحقيق تطلعات الشعب المشروعة، ويقرر أيضا أن الحريات الأساسية وتمكين القوى السياسية من تنظيم صفوفها لتمارس دورها المشروع والتسليم بالاحتكام للشعب لحسم الخلافات السياسية وبالتداول السلمي الانتخابي للسلطة يعني إلغاء أي مبرر لحمل السلاح ]ويبقى بالتالي[ اتخاذ التفاوض المباشر وسيلة لتحقيق تطلعات الشعب.."

    إذن هذه هي النتيجة التي أراد التوصل إليها بعد كل تلك التفصيلات.

    ولكن من المقصود بهذا الكلام؟ المقصود طبعا الجهات التي تحمل السلاح: الحركة الشعبية، التحالف، والتجمع (افتراضا)، ويستضمن هذا الكلام، إذا قرئ مع تقرير سابق بأن النظام صار يقبل جوهر المبادئ المطلوبة للسلام العادل والتحول الديمقراطي، يبقى في كفة السلام الصادق والنظام. ومن واجب الجهات الأخرى أن تأتي إلى المفاوضات المباشرة (المفترضة). وهكذا فبالإضافة لتجلي النزعة التصوراتية التجريدة التي تجعل من الأمر وكأنه اختلاف بين جهات تتصارع على إناء فارغ وحول من سيملأه أو كيف يملأ هذا الإناء الذي هو الدولة! وتصبح المطالبة بإلقاء السلاح لمجرد الإقرار بإعلان مبادئ (أي النظرية الهبنقية) مثله مثل بقية الإعلانات، والتي استمر التفاوض على أساس آخرها لعدة سنوات دون الوصول إلى شيء. هكذا يظهر تحيز الصادق المهدي الإيديولوجي للنظام، فالنظام غير مطالب بإلقاء السلاح بالرغم من أنه يسيطر على الدولة ويعيد صياغة كل شيء بالقوة وهو في نفس الوقت "يتفاوض"!: والصادق المهدي يعرف (ولو نظرياً) أن "توازن القوى" أمر ضروري لأي "إتفاق عادل". وبالنسبة للسلام العادل والتحول الديمقراطي هو أمر أكثر ضرورة من كل النظريات. فلماذا يصر الصادق على تجريد أحد أطراف الصراع من مصدر قوته الوحيد المعترف به؟ إذن السلام العادل عند الصادق المهدي ليس هو "السلام العادل"، ثم أن ما ذكره هو مجرد نقاط مُختلف حول تفسيراتها اختلافا كبيرا، ويمكن لأي أحد أن يتبناها نظريا ويبقى بالتالي الضمان الوحيد لتحقيقها في الواقع هو توازن القوى. ومن ضمن وسائل هذا التوازن حمل السلاح الذي يسميه الصادق المهدي الأجندة الحربية، كأنما الحرب حفلة لأكل البوظة!! يجعلها الناس أجندة بمزاجهم!! والغريبة أنه ينسب هذه الأجندة للحركة الشعبية دون الجهات الأخرى التي تحمل السلاح، ومن ضمنها الأجندة الحربية التي تحكم السودان لزمان طويل والتي تطورت إلى "أجندة جهادية" تجد دعما من بعض الجهات العربية والإسلامية!

    عندما يأتي دور النظام، يفبرك المسألة بطريقة ماكرة، يقسم فيها النظام إلى لوبيات، ينسب إلى بعضها الأجندة الشمولية، والبقية طبعا الأجندة الوطنية، و"الدبابين" ليسوا أجندة حربية ولا يحزنون! وهو بهذا يبرر "تفلحون"، ويبرر شمولية النظام في نفس الوقت. أما في الحركة الشعبية فلا توجد لوبيات يمكن أن يوجد من بينها من يتبنى الأجندة الوطنية، فهي حربية جملة وتفصيلا، وهنا يتجلى أحد مضامين خطاب المركزية؛ "الإقصاء الرمزي"، فهم، أينما كانوا لا يخلون من الوطنية، أما الآخرون فليس فيهم احتمال لوبٍ واحد وطني: "فكلهم في الهم بلوة"!
    الاستراتيجيات:

    وبنفس الطريقة التي يتبعها في تفصيل الرؤى والأجندات، على المقاسات التي يريد أن يلبسها لنفسه وللآخرين، يقرر أن هناك استراتيجيات تحكم آليات التفاوض، وحددها في استراتيجيتين:

    أ/ استراتيجية تهدف لأفرقة الشأن السوداني، وتحجيم دور الشمال داخليا، وإبعاد الشمال الأفريقي إقليميا؛

    ب/ استراتيجية تعترف بالواقع السوداني العربي الافريقي وتطلع إلى تجاوز مظام الماضي...إلخ

    ولكنه يسكت عن أهم استراتيجية:

    أـ1/ الاستراتيجية الأزلية: استراتيجية الأسلمة والاستعراب "السودان جسر العروبة والإسلام إلى أفريقية" وهي الاستراتيجية التي يتبناها الصادق المهدي والنظام، وتتبناهم جهاتها، وإن كان يرجع الفضل لأحد في ابتداع آلية تتناسب مع هذه الاستراتيجية، فإنه يرجع إلى الصادق المهدي بمساهمته في "تخليق" "المبادرة الليبية ـ المصرية"، أو ما يسمى بـ"المبادرة المشتركة"، التي يضعها الصادق المهدي كآلية أساس، لما أسماه بالحل السلمي الشامل، ويكثر من مقارنتها بالإيقاد، المعترف بقصورها الذي يتمثل في:

    1/ حصر أطراف المفاوضات في النظام والحركة الشعبية.

    2/ حصر القضية محل النزاع في منظور شمال ـ جنوب.

    ولكن الصادق المهدي لا يتكلم عن مزايا الإيقاد، وهي:

    1/ ركزت الإيقاد على القضايا الجوهرية محل النزاع. وطرحت القضية بوضوح بالنص على علمانية الدولة أو تقرير المصير. وبهذا أغلقت باب المناورات بالمنفستوهات والتخريجات التي تنتهج أسلوب المداورة في قضية الدين والدولة مثلما يفعل الصادق المهدي بتمويه القضية في جملة "المواطنة أساسا" التي تحتمل التأويلات الواسعة.

    2/ ترتيبها للأولويات منطقي، إذ أنها لا تفترض وقف إطلاق النار الشامل قبل التوصل إلى اتفاق سلام شامل.

    أما المبادرة المشتركة، فمن إيجابياتها:

    جمع أطراف النزاع السوداني، (وهذه قد لا تعدو عن كونها نقطة شكلية)

    أما سلبياتها فهي:

    أ/ تضع وقف إطلاق النار الشامل في أول بند من بنودها. (وهذا يتطلب إجراءات مثل: تهيئة المناخ، وبناء الثقة، وتحديد مدى زمني للوصول إلى اتفاق أو إعلان فشل المفاوضات المباشرة، وهذه أمور بالغة التعقيد، ويمكن للنظام أن يتلاعب عليها بسهولة كما حدث بالفعل).

    ب/ تسكت عن تقرير المصير، (يعني تراجع القضية وتجاوز لمسلمة أصبحت أمرا واقعا لدى كافة أطراف الصراع في السودان.)
    والصادق المهدي بعد أن (دبّس) التجمع في "المبادرة المشتركة"، عاد للمنطق الشكلي باللعب على المجاهيل المطعمة بالسخرية قائلا: "والغريب أن الحركة الشعبية وهي تقود إصرار الفصائل على منع برنامج المبادرة المشتركة ما لم ينفذ النظام السوداني إجراءات بناء الثقة، وما لم يتم التنسيق مع مبادرة الإيقاد ]وهي تفاوض النظام منفردة في نفس الوقت[". وطبعا، بالمقارنة بين المبادرتين نكتشف زيف هذا المنطق، فالصادق يلعب على إمكانية جهل القارئ بمحتويات المبادرتين، فالسبب الواضح في المطالبة بإجراءات بناء الثقة أو ما يسمى بتهيئة المناخ ـ سواء جاء من التجمع أو من قبل الحركة الشعبية هو وضع بند الوقف الفوري لإطلاق النار ووضع آلية مراقبة في البند الأول في المبادرة المشتركة، بينما الإيقاد ليست في حوجة إلى كل ذلك لأن وقف إطلاق النار يأتي بعد إمكانية التوصل إلى اتفاق سلام في ظل "توازن ما للقوى". أما مسألة تفاوض الحركة منفردة فهذا يرجع في الأساس لرفض النظام لإضافة أطراف أخرى، لأن استراتيجيته تقوم على حصر القضية في منظور وسياق (شمال ـ جنوب)، ويسميها "مشكلة الجنوب" وهذا مرتبط بما ذكرناه سابقا حول موقف النظام المبدئي القائم على رؤية الإنفصال. أما مسألة رفض الحركة (في السر) لتوسيع الإيقاد، فهذا تخريج سيء من الصادق المهدي لخطابه (فيا ترى كيف عرف الصادق المهدي بهذا السر الكبير؟)، ثم أنه ليس للحركة أية مصلحة في ذلك، فالتجمع هو حليفها ووجوده يقويها بأقصى درجة ممكنة، ولكنها رغبة الصادق المهدي في إلباس الحركة الشعبية قميص اللوم بمناسبة وبدونها لأنها حاضرة دائما في ذهنه في صورتها الرمزية المخيفة، كمثال للنقيض الإيديولوجي/التاريخي، ورحم الله امرئا عرف نقيضه الإيديولوجي.

    وهكذا، لعب الصادق المهدي دوره وعاد إلى حقله الإيديولوجي بعد أن ساهم في إمكانية استمرار الوضعية التاريخية المأزومة، أي تعليق إمكانية الحلول الحقيقية وقرّب النظام من هدفه الرامي إلى فصل الشمال. عاد والتقى بالجبهة الإسلامية لمواصلة العمل في توحيد جبهة الكفاح الداخلية (الإسلاموعروبية) من أجل البقاء في موقع "المطالبة باحتكار الاستخدام الشرعي للعنف المادي والرمزي" بعد أن وصل الاستخدام غير الشرعي إلى مداه وأنتج مضاداته:

    وقد يجمع الله الشتيتين بعدما
    يظنان كل الظن ألا تلاقيا
    والحقيقة أن ما بين الشتيتين مجرد حماقات سلطة، ولكنهما في الهم شرق. وإن ما هو جوهري ليس في الكلمات التي تصاغ في المنفستوهات بقدرما هو في الخلفيات والمرجعيات الموضوعية/ التاريخية التي هي قادرة على جمع الشتيتين بعدما يظنان كل الظن ألا تلاقيا.



    الهوامش:

    --------------------------------------------------------------------------------

    [1] نقلا عن د. علي سالم: بيار بورديو (6) نظام الاستعدادات والتصورات، الدولة: اكتشاف بورديو للبعد الرمزي، مجلة أفكار معاصرة. ويشرح د. علي سالم مفهوم رأس المال الرمزي بقوله: يعني رأس المال الرمزي القبول أو الاعتراف بسلطة من يملك مزايا أكثر.. وأن رأس المال الرمزي مرتبط بأهمية الموقع المحتل أو بالقيمة المعطاة من قبل الناس، أو بالتسمية المعطاة لشيء. ومما لا شك فيه أن هذه القيمة تتعلق بإنظمة الاستعدادات والتصورات للأشخاص المتوافقة مع البنى الموضوعية القائمة.

    [2] نعمان الخطيب؛ الأحزاب السياسية ودورها في أنظمة الحكم المعاصرة، ار الثقافة للنشر والتوزيع، 2 شارع سيف الدين المهراني، 1983م، ص 167.

    [3] نيكولاس بولانتزاس؛ نظرية الدولة، ترجمة ميشيل كيلو، دار التنوير للطباعة والنشر، بيروت، 1987م، ص 25.

    [4] إريك فروم؛ أزمة التحليل النفسي، ترجمة طلال عتريسي، الطبعة الأولى، المؤسسة العامة للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 1988م، ص50.

    [5] ديكومب؛ الذات والآخر، (نعتذر عن ضياع بقية تفاصيل عنوان المرجع).

    [6] محمد عابد الجابري، نقد العقل العربي 3: العقل السياسي العربي محدداته وتجلياته، الطبعة الأولى، المركز الثقافي العربي، المغرب، 1990، ص 17.

    [7] المرجع السابق، ص 28.

    [8] د. علي سالم؛ المرجع السابق، ص126. ويخلص بورديو في تحليله إلى أن الدولة تعتبر نتيجة لعملية التوافق بين البنى الموضوعية والبنى الفكرية أو نتيجة العلاقات المباشرة العفوية اللاواعية بينهما. أو أنها نتيجة للواقع أو الشروط الاقتصادية والاجتماعية وبعبارات أخرى، ليست مفهوما مقدسا، أو جوهرا قائما بذاته، وإنما مفهوم له بعد اجتماعي، وبهذا ففهم الدولة يكون من خلال القطيعة مع نظرية الجواهر أو الحقائق المطلقة ومن خلال العودة، بالتالي، إلى المنطق التاريخي والسيرورات التاريخية.

    [9] نفسه، ص129.

    [10] يعرف ماركس الدولة بأنها"أداة أو آلة لخدمة البرجوازية، أو كجسم طفيلي مخيف". أما دوركهايم فيعرفها بأنها "جهاز من المجتمع يؤدي إلى إقامة علاقات من التضامن بين أعضائه ويراقب تربيتهم... أو كأجسام اجتماعية لها صفة التحدث والتصرف باسم المجتمع أو كبنية مميزة عن بنى أخرى (أو أنظمة) تتضمن التوازن الاجتماعي بمجمله، أو كشكل للسلطة محدد بالصراعات الطبقية الاقتصادية والسياسية والأيديولوجية، وبعلاقات الإنتاج، أو كشكل يلعب دورا أساسيا في تكوين علاقات الإنتاج. (بولانتزاس) نفسه، ص132.

    [11] الجابري، المرجع السابق، ص48.

    [12] محمد سعيد القدال؛ تاريخ السودان الحديث 1820ـ1955م، مطابع شركة الأمل، 1993م، ص53.

    [13] المرجع السابق، ص16.

    [14] د. شريف حرير ود. تيرجي تفيدت؛ السودان الإنهيار أو النهضة، ترجمة مبارك على عثمان ومجدي النعيم، الطبعة الأولى، مركز الدراسات السودانية، القاهرة، 1997م، ص 19.

    [15] د. سمير أمين، مقال، ، مجلة المستقبل العربي، عدد

    [16] أبو القاسم الحاج حمد، السودان: المأزق التاريخي وآفاق المستقبل: جدلية التركيب، المجلد الأول، دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 1996م.

    [17] الصادق المهدي، السودان إلى أين: إعلان الجهاد المدني، دائرة الإعلام الخارجي، حزب الأمة، 1993م، ص7.

    [18] مذكرات الإمام عبد الرحمن المهدي، مركز الدراسات السودانية، القاهرة، 1996م، ص7.

    [19] المرجع السابق، ص28.

    [20] د. تيسير محمد أحمد؛ زراعة الجوع في السودان، ترجمة محمد علي جادين، مركز الدراسات السودانية، القاهرة، 1994م، ص37.

    [21] الصادق المهدي؛ كتاب العودة: من تهتدون إلى تفلحون، القاهرة، 2000م، ص1.

    [22] نقلا عن د. فرانسيس دينق: صراع الرؤى ونزاع الهويات في السودان، ترجمة عوض حسن، مركز الدراسات السودانية، القاهرة، 1999، ص387.

    [23] الصادق المهدي؛ تحديات التسعينات، شركة النيل للصحافة والطباعة والنشر، القاهرة، 1990م، ص 126.

    [24] حيدر إبراهيم علي، التيارات الإسلامية وقضية الديمقراطية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1996م، ص 139.

    [25] الصادق، تحديات، مرجع سابق، ص 127.

    [26] حزب الأمة؛ الحرب والسلام، البيان المشترك بين حزب الأمة والحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان، بتاريخ 17/2/1990م، ص 6.

    [27] حالة الوطن؛ التقرير الاستراتيجي السوداني الأول 1999ـ2000م، مركز الدراسات السودانية، 2000م، ص89.
                  

06-01-2008, 04:52 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)



    قضية الخفاض بالسودان
    تاريخ الأخطاء وفرص التصحيح

    قصي همرور - مارس 2008

    إن الكتابة عن قضية الخفاض تحتوشها الصعاب، وذلك لعدة أسباب، منها أن القضية تختزل في طياتها قضايا مجتمعية شائكة، تنعكس على الفرد والأسرة والجماعة والدولة، بصور ومستويات شتى، وبالتالي فإن الحديث عنها يقتضي التعامل الموزون مع كافة هذه الانعكاسات.. من الأسباب أيضا أهمية السياق الذي يفيد فيه الحديث المسهب عن القضية، وهي الآن تشهد في السودان مرحلة جديدة نسبيا من مراحل المواجهة، فيها ظهور لحركة وعي متكافلة وإيجابية، وفيها أيضا صور من المواقف والقرارات غير الحكيمة، بحسن نية وبسوئها، من أطراف النزاع المختلفة.. أحد الأسباب أيضا يكمن في انشغال شخصي بالقضية، سببه الإحساس بمسؤولية تجاهها، كإنسان صاحب رأي في قضية إنسانية، لكن الرأي الذي لا يتبعه اتساق في العمل لا ينفع، بل يضر، ومن هذا المنطلق فهذه الورقة أضعف الإيمان، كجهد المقل في سبيل هذه القضية المهمة جدا.. ولا أزعم أن في هذه الورقة فتحا فكريا أصيلا، أو حلا ناجزا للمشكلة، بل فقط أشارك القارئ بما يردني في الأمر، عله يكون مفيدا.. تتزامن هذه الورقة أيضا مع ذياعة البرنامج العالمي ضد الخفاض (بشتى أشكاله حول العالم)، والذي دشنته مؤخرا منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونسيف) مع صندوق الأمم المتحدة للسكان، بهدف معلن هو تقليل عدد ضحايا الخفاض في العالم بنسبة 40% بحلول عام 2015، مع العمل على إنهائه كليا خلال جيل واحد من الآن.
    أنطلق في مكتوبي هذا من أرض التأييد لموقف الفكرة الجمهورية من هذه المسألة، لكن ليكن واضحا أن رأيي هنا لا يمثل سوى فهمي لموقف الفكرة، ما يعني أني مسؤول عنه مسؤولية مباشرة.. إني، ببساطة، لا أريد أن يحمل غيري مسؤولية ما قد يظهر من قصور فكري في هذا المكتوب، بيد أني أيضا لا أريد أن أدعي ما قد يظهر فيه من قاعدة فهمية حصيفة مستمدة من تاريخ الفكرة الجمهورية، في القول والفعل، المتعلق بهذه القضية، فاستنادي على هذه القاعدة الحصيفة لا يعني أني سأحسن استعمالها وأخرج بنتائج جديدة متسقة معها، لكني بالطبع أرجو ذلك.خريطة هذا المكتوب ستكون كالأتي: بداية تأسيسية بفذلكة تاريخية عامة لموقف الجمهوريين من قضية الخفاض في السودان، ومقارنة عامة باتجاهات أخرى، يليهما تحليل عام لما يمكن أن نستخرج من نتائج معيارية عامة، ثم أخيرا طرح خطوط عريضة لما نرى أن يكون عليه خط العمل العام في سبيل المواجهة الناجعة لهذه القضية في سياقنا المعاصر.

    فذلكة تاريخية

    ظهر قانون الخفاض في السودان الانجليزي/المصري في ديسمبر 1946، بصورة فوقية من السلطة، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وبداية نفاذ وثيقة الأطلنطي التي تكفلت بتقرير المصير للشعوب المستعمرة الجاهزة للاستقلال .. عارض الجمهوريون القانون منذ صدوره، واتهموا الاستعمار بأنه لم يسن القانون اهتماما بالمرأة السودانية، بل لإذلال الشعب السوداني وإظهاره بمظهر الشعب المتخلف الذي لمّا يستحق تقرير المصير بعد.. كانت الملابسات السياسية التي ظهر قانون الخفاض نتيجة لها واضحة للمتابعين، وبما أن عادة الخفاض كانت متأصلة في الشعب السوداني حينها، ومربوطة لديهم بالعرض والشرف، فقد كانت مخالفته لهذا القانون متوقعة ومحسوبة، بل ومرغوبة من قِبل الاستعمار لتكون له دليلا أمام المجتمع الدولي على تخلف الشعب السوادني.. وقد عمل الاستعمار على تطبيق هذا القانون بشدة وغلظة، ليستثمر غرضه السياسي منه لأقصى ما يمكن.
    أما الجمهوريون فقرروا استثمار هذا القانون لمصلحة الشعب السوداني، ليملأوا فراغ الحماس فيه ضد الاستعمار لينهض الشعب على المستعمر الدخيل الذي يريد "تمدينه" بصورة فوقية.. لكن الجمهوريين، حين أرادوا استثمار هذا القانون، كانوا أيضا حريصين منذ البداية على توضيح منهجهم، وأنهم ليسوا بصدد الدفاع عن عادة الخفاض بل هم ضد تغييرها بالقوانين الفوقية الصادرة من حاكم لا يبغي مصلحة الشعب فعلا، لأنه غريب في الأصل عن هذا الشعب ومفاهيمه، وتاريخ وجوده في ذلك المنصب منذ بدايته يسطر سيرة القهر والاستغلال.. أصدر الجمهوريون بيانهم الأول بخصوص هذه الحادثة، وقالوا فيه:"لانريد بكتابنا هذا أن نقف موقف المدافع عن الخفاض الفرعوني، ولانريد أن نتعرّض بالتحليل للظروف التي أوحت به لأهل السوان، والضرورة التي أبقته بين ظهرانيهم إلى يومنا هذا – ولكننا نريد أن نتعرض لمعاملات خاصة، وأساليب خاصة، وسنن خاصة سنتها حكومة السودان، أو قل، ابتدعتها ابتداعا وأرادتنا أن ننزل على حكم ابتداعها إرغاما (...) من الآيات الدالّة على سوء القصد، في هذه الأساليب، إثارة مسألة الخفاض الفرعوني في هذا الظرف.. وأساليب الدعاية التي طرقتها له، والطرق التي ارتأتها مناسبة لإبطاله، والقضاء عليه، ولقد جاءت هذه الآيات دليلا واضحا على التضليل المقرون بسبق الإصرار".

    كان موقف الجمهوريين واضحا وقويما موثقا منذ البداية، ولا يضيره اليوم محاولات بعض المثقفين تشويهه ووصفه بالرجعية، منذ نهاية ستينات القرن الماضي وحتى هذه الألفية الجديدة، وهم – أي هؤلاء المثقفون – الذين لم يستطيعوا فهمه جيدا، برغم وضوحه، أو لم يقاوموا إمكانية تسجيل نقاط سياسية، متوهمة، تنفعهم في صراعهم الفكري مع الجمهوريين.. المسألة ببساطة هي هكذا: دخل الانجليز السودان منذ عام 1898، فلماذا لم يثيروا قضية الخفاض بهذه الصورة إلا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وبداية نفاذ وثيقة الأطلنطي؟
    وهكذا فقد صعّد الجمهوريون قضية الخفاض، كقضية اجتماعية، إلى مستوى العمل السياسي، بدون أن تصدر منهم شبهة تأييد لعادة الخفاض، وما هذا إلا لأنهم يملكون منهجا مغايرا لمحاربة هذه العادة، وغيرها من العادات الضارة التي تكتنف الشعب السوداني، كغيره من الشعوب.

    "حين ناهض الأستاذ محمود محمد طه، قبل نصف قرن من الزمان، اتجاه السلطات البريطانية لإصدار [قانون الخفاض]، ذكر، ضمن ما ذكر، حينها، أن الانجليز ليسوا أحرص منا على صحة بناتنا ومستقبل حياتهن.. كما ذكر أن العادات الضارة لا تحارب بسن القوانين وتطبيقها، وإنما تحارب بالتعليم وبالتوعية وبالأخذ الجاد بأسباب النهضة الشاملة.. وقال بالتحديد إن على الانجليز، إن كانوا صادقين فيما يزعمون، أن يسارعوا بفتح المدارس في كل أرجاء القطر، ودفع القطر نحو النهضة الاقتصادية والاجتماعية الشاملة، بدل العمل على تجريم الأميين على عادات ورثوها من آبائهم وأجدادهم".

    في سبتمبر 1946، ظهرت أولى نتائج القانون، فقد اقتيدت سيدة شابة في رفاعة، في غسق الليل وبإزار النوم، للسجن لأنها خفضت بنتها.. اقتيدت السيدة كمجرمة لأنها مارست عادة اجتماعية غائرة ومتوارثة في بيئتها، ولم تجد من التعليم والتوعية ما يثيرها لمخالفتها (بل إن مخالفتها في تلك البيئة كانت تقود لنتائج اجتماعية فادحة عليها وعلى ابنتها معا، فالسيدة لم تخفض ابنتها إلا حرصا عليها في الأساس، حسب فهمها).. وضعت السيدة في سجن عمومي، هو الوحيد في رفاعة (فلا يوجد سجن للنساء).. حينها اتصل الأستاذ محمود محمد طه وثوار رفاعة بالمفتش الذي حكم عليها محتجين، فاعترف بعدم صلاحية السجن للنساء في رفاعة وأطلقها بضمانة، لكنه بعد عودته للحصاحيصا أمر بإعادة الفتاة للسجن!
    من تلك اللحظة تداعت الأحداث وتصاعدت، وعُرفت في التاريخ السياسي السوداني بثورة رفاعة، ولا نريد هنا المضي في تفاصيل الثورة، لأننا غير معنيين بها مباشرة هنا، ويمكن العودة لتفاصيلها في مصادر أخرى .. ما يهمنا هنا هو تأكيد الحيلة السياسية القذرة التي أرادها الاستعمار من هذا القانون، وتأكيد أن ثورة رفاعة لم تقم تأييدا لعادة الخفاض، بل قامت نضالا ضد وصاية المستعمر الدخيل.. إثر تلك الأحداث انتبه كثير من المثقفين ومتابعي السياسة لخطورة القانون، وتجاوبوا مع موقف أهالي رفاعة والجمهوريين، فجاء في إحدى افتتاحيات جريدة الرأي العام، في أكتوبر 1946، الآتي:

    "أصبح واجبا لزاما علينا أن ننبه الحكومة، على ضوء ماحدث أخيرا، في أول تجربة لتطبيق هذا القانون، إلى الخطر الذي ينجم من التسرع في تطبيقه، وإلى النكبه الاجتماعية الخطيرة التي ستتعرض لها المرأة السودانية عند تطبيق هذا القانون عليها (...) هناك خطر جسيم لا بد من التنبيه عليه، ذلك أن المرأة السودانية الشريفة الحرة لم تتعرض حتى الآن إلى محنة السجن بحكم حياتها الاجتماعية التي تنأى بها عن مواطن الجريمة، وقانون الخفاض بوضعه الحالي سيخلق عقابا لجريمة سوق تتعرض لها بالتأكيد كرائم النساء السودانيات اللواتي لا يرين ان في الخفاض جريمة بحكم ما يسيطر على عقولهن من سلطات العادات والتقاليد المتبعة، ومعنى هذا انه من المحتمل جدا أن يتعرض لسطوة القانون هذا النوع من السودانيات المحصنات، ويقينا أن إلقاء هؤلاء في السجن، بغض النظر عما يثيره في رجالهن وذويهن، فإنه من ناحية النظرة الاجتماعية المحضة يقضي على سمعتهن وكرامتهن قضاء مبرما (...) إذن فالعقاب بالسجن لمثل هذا النوع من النساء لا يعد إصلاحا وتهذيبا لنفوسهن ولا يردع غيرهن، وهذا هو الغرض من سجن المجرم".

    بعد تلك الأحداث مضت عقود من محاولات التوعية التي قاد طليعتها جمع من النساء المتعلمات السودانيات (ونخص بالذكر الاتحاد النسائي)، وغيرهن أيضا (كالشبكة السودانية للقضاء على ختان الإناث التي تأسست مؤخرا عام 2002)، وأثمرت شيئا من الوعي، خصوصا مع زيادة نسبة السوادنيات المتعلمات ومستوى تعليمهن، إلا أن العادة ما زالت مستوطنة عند الشعب السوداني، فوسط كل الأحداث التاريخية والمستجدات المعاصرة بقيت نسبة المخفوضات لليوم 90% من السودانيات القاطنات في الشمال والوسط ضمن الفئة العمرية بين 15 و 49 عاما، وفقا لإحصاءات منظمة اليونسيف .. تقل هذه النسبة، لنفس الفئة العمرية، في الشرق إلى 87%، وفي دارفور أكثر إلى 65% (لا توجد حتى الآن إحصاءات للجنوب).. أما الإحصاءات الأكثر خطرا فتقول إنه في عام 1990 كان النساء من نفس هذه الفئة العمرية، في عموم السودان، يؤيدن استمرار عملية الخفاض بنسبة 79%، ثم ينقسمن إلى نصفين تقريبا بين مؤيدات لاستمرار الخفاض الفرعوني ومؤيدات لاستمرار الخفاض الذي يسمى بالسنة .. ما تدل عليه هذه الإحصاءات بوضوح هو أن المزيد من التوعية ورفع مستوى المرأة التعليمي ما زال مطلوبا بشدة، وقد تضافرت عوامل شتى، منذ الاستقلال وحتى اليوم، لحجب أغلبية الشعب عن مسيرة الوعي.. بهذا فإن حملات التوعية التي جرت في هذه الفترة وأثمرت لم تستطع نشر المد الوعيوي بصورة كافية لأسباب عدة، تتعلق بمسائل لوجستية وسياسية أكثر من تعلقها بمنهجية التوعية (وإن كانت هذه أيضا بحاجة للتطوير دوما).
    كان خطأ الاستعمار في إصدار قانون الخفاض واضح، وما زال، من الناحيتين الاجتماعية والسياسية، كما قد مرت على السودان قوانين فوقية كثيرة منذ قانون 1946، وتراوحت بين منع الخفاض الفرعوني أحيانا ومنع جميع أشكال الخفاض الأخرى أحيانا، والتجاهل أحيانا أخرى، لكنها جميعا فشلت في التأثير الواضح على مدى الممارسة وأشكالها.. وقد استجاب بعض المفكرين الغربيين لدروس التجربة بعد سنوات، إذ يرد في كتاب الأستاذ إبراهيم يوسف عن ثورة رفاعة حديثا للبروفيسورة ألين قرونبوم، في كتاب لها عن الخفاض "بعد خمس سنوات من البحث الميداني عن فشل الغربيين في التعامل مع عادات المجتمعات الشرقية مثل عادة الخفاض، حين حاولوا التعامل معها بالقوانين بدون أي اعتبار للعوامل الأنثروبولوجية".
    في بداية ثمانينات القرن المنصرم، قامت جامعة الأحفاد بحملة مناهضة للخفاض، وكان أن أقيم يوم توعية ودراسات عامة للموضوع في الجامعة نفسها، حضره الأستاذ محمود محمود طه ومجموعة من تلاميذه، وعاد منه مستاء من الصورة التي يحاول بها المثقفون والمثقفات التعامل مع هذه القضية الحساسة، بصورة تقليدية للأسلوب الغربي القديم، جليب المستعمر، في التعامل معها، وكانت هذه هي الحادثة التي خرج إثرها كتيب الجمهوريين عن الخفاض الفرعوني (أكتوبر 1981).. وفي الفترة الأخيرة، تحت حكم جماعة الإنقاذ الوطني، نحا الكثير من عموم أهل اليسار العريض، داخل السودان وخارجه، إلى تصعيد هذه الحملة ضد الخفاض الفرعوني بنفس الصورة الغربية القديمة وأكثر، بالتشنيع بها ثقافيا، كعمل شيطاني، في مواجهة خيال البسطاء من ممارسيها (الذين لا يحسبون أنهم يؤذون بناتهم ولا يرضون أن يوصفوا بذلك)، وبتحريض المؤسسات الغربية على السلطة في السودان بسبب هذه العادة (وليت السلطة الحالية كانت هي من اخترعت هذه العادة، أو أنها من يمكن أن توقفها)، وبمخاطبة أجهزة الحكم لإصدار قوانين فوقية لإبطال العادة أكثر من مخاطبة الشعب منهجيا لتوعيته بمضار العادة.. إن ظلال الهدف السياسي المقصود من هذه الحملة، في تشديد الضغط العام على الحكومة الحالية على شتى الأصعدة، واضح، والعيب ليس فيه، إذ من المؤكد أننا هنا لا نشير لعدم أهمية مواجهة قضية الخفاض، واضطهاد المرأة عموما، على المستوى السياسي كما الاجتماعي، لكننا نشير لضرورة الحكمة في التعامل والتحليل الاجتماعي الواقعي للبيئة السودانية، حتى حين الفعل السياسي.
    إلا أن الاتجاه الأخطر هو ما آلت له الحكومة الحالية في السنوات الأخيرة، فهي قد دعمت هذه العادة بوسائل عدة، قصدا أو بغير قصد؛ إذ قامت بإفساح سبل الدعاية لمؤيديها في أجهزة الإعلام الرسمية، وهي اتجهات ترويجية للخفاض باسم الدين، لتضع قداسته درعا لعادة اجتماعية ضارة (و هي عادة تمارسها شعوب عديدة متباينة الأديان، حول العالم وفي السوادن نفسه).. المؤسسات الدينية المدعومة، ماديا وإعلاميا، من الحكومة يتخذ كثير منها موقفا مؤيدا للعادة، برغم الموقف العام المذاع للحكومة في معارضة الخفاض وتصريحات وزير الصحة عام 2003 في اتجاه الوعود بمحاربة الحكومة للعادة بالقانون والتوعية معا، ففي مايو 2005 صدرت فتوى عن مجمع الفقه الإسلامي التابع لرئاسة الجمهورية تقول إن "ختان السنة مستحب وواجب، وإذا تم فهو فعل مأجور".
    أثارت مؤخرا قصة الطفلة انعام، التي ماتت في ديسمبر من عام 2005 جراء التهاب حاد نتيجة لخفاضها، موجة إعلامية كبيرة مناهضة للعادة، بصور شتى، ليس من جانب أجهزة الإعلام الرسمية في الدولة، بل من جانب قنوات التعبير الحديثة التي صارت بمتناول الكثير من فئات المجتمع خارج إدارة الدولة، خصوصا منتديات الحوار والصحف الالكترونية في الانترنت.

    قراءة تحليلية

    إن قضية الخفاض لهي أحد الأمثلة القوية على ضرورة التعامل العلمي الرصين مع واقع التراث المحلي في عملية تغيير مثالبه، بدون التعرض غير الحكيم وغير مدروس الجرعات، للعقل الجمعي للشعوب في قضاياها الحساسة التي تحتاج مبضعا ماهرا، يعالج الجروح دون تشويه الجسد، فهناك مسائل في تراث الشعوب تقوم على أسسها نواة مجتمعاتهم، كالقوانين والعادات المرتبطة بالعلائق الجنسية في المجتمع، ولهذا تظهر حساسية المجتمعات تجاه التغيير فيها أكبر من حساسيتها تجاه القضايا الأخرى بكثير، ويكفي أن ننظر لتاريخ الغرب الحديث لنعرف كيف أحدثت الاتجاهات الجديدة، والتي ظهرت تدريجيا، في التعامل مع علائق الجنس، تغييرا واضحا لصيغ تلك المجتمعات، في كل أنماط تفكيرها وممارساتها، فلم يعد الغرب بعد سقموند فرويد وويلهيلم رايخ وسيمون ديبوفوار كما كان، بل ولم يعد العالم كله كما كان.. لكن، هل يعلم الناس مقدار التسلط الذكوري على جسد المرأة الغربية اليوم، مما تجلى ويتجلى يوميا للآن في صور الرقابة الذاتية للمرأة لتطابق مواصفات النظرة التسليعية لها في المجتمع الغربي الذكوري، ما أتى بصور جديدة من الأمراض والآلام الجسدية والنفسية التي تعانيها المرأة في الغرب اليوم جراء ضغوط المجتمع على جسدها ونمطي حياتها وتفكيرها؟ الغرض من ذكر هذا هو أن الموضوع معقد ومتشابك، ويتصل بقوانين المجتمع التي يفرضها على أفراده من الجنسين، وبالتالي فإن الحكمة تقتضي أن نعمل على حل مشاكلنا في سياقاتها، لا باستيراد حلول اجتماعية من مجتمعات مغايرة.
    هل قضية الخفاض قضية عاجلة؟ نعم! وأليس وضع المرأة في السودان عموما، عبر تاريخه، موسوم بالاضطهاد والتجني؟ بلى! وهل ينبغي أن نقوم بفعل ينهي هذه الأزمة بأسرع ما يمكن؟ بالتأكيد! لكن الحديث هنا عن السؤال الصعب.. عن "كيف؟".. أدناه سنحاول عرض تحليل قد يفيد في الإجابة على هذا السؤال.

    لمحة من التاريخ

    إن الخفاض موروث من تاريخ قهر الجماعة للفرد، والذي كان ضروريا في بدايات تاريخ المجتمع من أجل الحفاظ على نسيجه، وقد كانت الغريزة الجنسية أولى الغرائز التي جرى تنظيمها بصرامة شديدة، ذلك لأنها مربوطة بمسألة الغيرة الجنسية الموروثة عند البشر منذ بدايات التطور، ونجدها ماثلة لليوم في مجتمعات الحيوان.. وهنا يحسن التطرق لمسألة فكرية مهمة، مرتبطة في أذهان كثير من اليساريين بأصل الغريزة الجنسية، ومن تحليلها الخاطئ تظهر بعض المنهجية الخاطئة اليوم في التعامل مع القوانين المرتبطة بالجنس في المجتمع، كما هو الحال في قضية الخفاض.
    يرى فريدرك إنجلز، والماركسيون من بعده، ومن تأثر بهم عموما، في مسألة الغيرة الجنسية ورغبة الاستحواذ بالشريك الجنسي دون الآخرين أنها ظهرت في المجتمعات البشرية بعد ظهور الطبقات والصراع على وسائل الإنتاج، ما أدى لإنتاج نظم اجتماعية تنظم العلاقة الجنسية بصورة أكثر حزما مما كانت عليه في المجتمعات المشاعية، وذلك لغرض حفظ المصالح المادية للطبقات والفئات المتناحرة، والتحكم في الإنتاج البيولوجي للمرأة من قبل مؤسسي المجتمع الأبوي.. حقيقة الأمر أعمق من هذا التحليل، وهي أن الغيرة الجنسية ظهرت قبل المجتمعات البشرية بكثير، منذ مرحلة المجتمعات الحيوانية، وصور الغيرة الجنسية واضحة جدا في المجتمعات الحيوانية، خصوصا تلك القريبة للإنسان في سلم التطور (كالقردة العليا والحيوانات الداجنة، ثم الثديات عموما)، وقد ورثها البشر متأصلة فيهم بمجرد ظهورهم على سطح المعمورة، رجالا ونساء، ولهذا كانت أهم أسس تشكيل قوانين مجتمعاتهم (ولكل مجتمع قانون، حتى في الغابة)، منذ بداياتها، لأن تنظيمها كان السبيل الوحيد لقيام المجتمع، والتاريخ يرينا صورا متعددة في أشكال هذا التنظيم الجنسي، وذلك مما لا ينفي أهمية التنظيم بل يشير إلى تنوعه واختلافه بحسب البيئة والتجارب الموروثة المتعددة التجليات (حتى في نفس مراحل الإنتاج المجتمعية، بخلاف ما يشير له إنجلز من أن تعدد شكل التنظيم الجنسي يعود أصلا إلى المرحلة التاريخية الإنتاجية للمجتمع).
    نستمر بعد هذا فنقول إن القهر الجنسي على الفرد في المجتمع تم على الجنسين، لكنه في المجتمع الأبوي كان على المرأة أكثر، لأنها مخزن النسل الذي كان هناك حرص على وضوح سلسلته، كما ان استثمار المرأة كان، وما زال، في العلاقة الجنسية أكبر من استثمار الرجل فيها، فالمرأة هي التي تتحمل نتائج الممارسة الجنسية ليوم واحد على مدى تسعة أشهر من الحمل، وبعدها أكثر من ذلك من الرضاعة والعناية المباشرة بالطفل، وكل ذلك يجعلها في حالة استنزاف وقت وطاقة عظيمين ((وهْنـًا على وهن))، ما يجعلها ضعيفة ومعتمدة جدا على من حولها في تلك الفترة، خصوصا رجال الأسرة والقبيلة الذين يوفرون الغذاء والمسكن والحماية لها، فمعظم النساء الأخريات يعشن عموما تحت وطأة نفس الاستنزاف.. لأسباب كهذه، وهي كثيرة ومتشابكة، كان قانون المجتمعات الأبوية حاسما تجاه الممارسة الجنسية للمرأة أكثر منها للرجل، وساعيا لضبطها بكل الحيل الممكنة، فكان الخفاض إحدى تلك الحيل.. هناك أيضا عوامل ثقافية أخرى ساهمت في توطين العادة على مدى التواريخ المتوارثة، مثل ضرورة مرور الأفراد – رجالا ونساء – بطقوس تتطلب نزيف الدم كشرط وعلامة للانتماء العشائري (والطقوس الدموية معروفة في القدم).. عليه يتضح أن مشكلة الخفاض تكمن في الملابسات الاجتماعية التاريخية التي أدت لظهوره وبقائه.

    الأثر النفسي

    هناك قضية مهمة أخرى تتعلق بفهم أثر الخفاض على المرأة، فبالرغم من الأضرار الجسدية التي تصحب العادة غالبا (وهي تتفاوت حسب الظروف البيئية التي تجري فيها العادة)، إلا أن الضرر النفسي هو الأعظم، فالحق أن الألم الجسدي في عملية الخفاض له ما يشبهه، شبها غير قليل، في عادات شعوب كثيرة تمارس على الرجال أيضا، مثل وشم الجسد كاملا بالآلات الحادة، والتي تؤدي لإفراز كميات خطرة من الدم ولتلوث الجروح لمراحل قد تصل للموت، وعادة الوشم هذه ممارسة كثيرا عند عدد من القبائل الافريقية المعاصرة، وبطقوس متنوعة تفيد ضرورة مرور الفتيان بهذه التجربة ليصبحوا رجالا في نظر مجتمعهم القبلي، ما يشكل ضغطا نفسيا يجعل الفتى وأهله يصرون على العادة رغم خطورتها.. هذا علاوة على أن الألم الجسدي الذي يواجهه الذكور في عملية الختان، بالأدوات البدائية، معروف، ويؤدي لمضاعفات صعبة قد تؤدي لعاهات مستديمة أحيانا كثيرة، وربما لأخطر من ذلك.. لا نقصد هنا بالطبع استسهال الآلام الجسدية المزمنة للخفاض، إنما نقصد فقط أن الألم الجسدي ليس ما يميز عادة الخفاض، برغم خطورته، خصوصا في الظروف البيئية البدائية.
    الأثر النفسي الغائر عند الفتاة المخفوضة هو أن الخفاض إعلان لدونيتها الإنسانية، وكأنه يقول لها ان أهميتها، في نظر المجتمع، ليست في وعيها أو مشاعرها أو قيمها أو مهاراتها، بل في جسدها، كما هو إعلان للشك في قدرتها على العفة وحفظ قيم مجتمعها بوازع شخصي، برغم أنها موكلة منذ البداية لحمل عبء شرف الأسرة والقبيلة.. بهذا فإن المرأة واجهة عِرْض الأسرة، وهو مقام خطير، وفيه فخر (فهذه المجتمعات تفخر أكثر ما تفخر بعفة نسائها وشجاعة رجالها)، لكن الفتاة رغم ذلك مصدر شك من البداية، بدليل أن عفتها تحتاج لضمان الخفاض! بهذا فإن المجتمع يضع المرأة في وضع "الجسد" المشكوك فيه والمحذور منه من البداية، ويعلن لها أنها تحت الوصاية الغليظة، والرقابة المشددة، لضمان الأخلاق، سواء التزمت بها بوازع شخصي أو بدونه.
    وعليه يتضح أن الخفاض في الأساس ليس المشكلة، بل هو نتيجة من نتائج المشكلة، أما المشكلة الأصلية فتكمن في نظرة المجتمع للمرأة، وإعادة إنتاج هذه النظرة عبر الأجيال حتى من قِبل النساء الكبريات اللائي مررن بنفس مراحل المحنة وتقبلنها بعد ذلك كضرورة اجتماعية، ومن ثم نرى اليوم كثيرا منهن أكثر إصرارا من الرجال أحيانا على خفض البنات الصغيرات، وهي أعمق مراحل الاضطهاد تلك التي وصلنها جدّاتنا السودانيات، حيث يصبح المضطـَّهد نفسه حارسا أمينا لأسباب اضطهاده، لأنه لم يعد يعرف احتمالا آخر للحياة خارج مؤسسة الاضطهاد.. من هنا يستبين أن حل مشكلة الخفاض يكمن في حل مشكلة المرأة عموما بإزالة الظروف التي أدت لظهور العادة، فالطبيب الماهر يعالج أصل المرض ولا يعالج أعراضه الظاهرية فقط.. ويجب أن نعرف أن محاربة عادة الخفاض لا تعني بالضرورة محاربة اضطهاد المرأة عموما، فهناك مجتمعات، تاريخية ومعاصرة، لم تعرف نساؤها الخفاض، لكن عرفن الاضطهاد جيدا وما زلن يتعرضن له يوميا.. في بادرة من بوادر الفهم الأوضح لهذه المشكلة، تقول الدكتورة ناهد فريد طوبيا:

    "إن ما قيل عن الخفاض في العشر سنوات الأخيرة [أي من 1985 إلى 95]، وخاصة من قبل الإعلام الغربي والمنظمات الدولية، قد خلق جوا من الحساسية تجاه الموضوع من قبل بعض الجهات المختصة في مجتمعاتنا. فقد تعامل الغرب مع ظاهرة الخفاض وكأنها اكتشاف لوباء خطير قاموا وحدهم بالاستدلال عليه ثم حولوه إلى موضوع الساعة في الأوساط الدولية للمرأة بمساعدة الإعلام الغربي. كما صوروه على أنه دليل واف على بربرية وبشاعة بعض المجتمعات المتخلفة بل أصبح دليلا ضمنيا على تخلف العرب والمسلمين والأفارقة في آن واحد".

    وتواصل الدكتورة بعد ذلك في سرد المضار النفسية والجسدية لموضوع الخفاض، مصطحبة أثر الضغط والفهم المجتمعي الذي يجعل من الصعب تغيير هذه العادة في المجتمع بعصا سحرية، سواء كانت في شكل قانون رادع أو تناول صفوي لا يقترب كفاية من واقع الأهالي، وتقول إن اختيار ممارسة هذه العادة يكون أحيانا تضحية في سبيل إمكانية البقاء المجتمعي، إذ أن الفتاة تفقد فرصتها في الزواج ومن ثم فرصتها في الحياة في مجتمع لا قيمة فيه للفتاة بدون زواج، فالمشكلة مجتمعية قبل أن تكون طبية، ولهذا لا بد من مواجهتها مجتمعيا لا طبيا فقط، ولا يكون التغيير الاجتماعي بإصدار القوانين الفوقية.. تقول ناهد:

    "أما من الناحية النفسية والجسدية (للمرأة السودانية) نفسها وإمكانية نمو الوعي بحقوقها ومطالبها بأعضاء جسدها فذلك صعب دون خلق ذلك الوعي من الخارج. فالمرأة السودانية لم تعرف في تاريخها القريب أي حالة أخرى يمكن أن تكون عليها سوى أن تكون مخفوضة (...) إذن يجب أن نعود للتفكير في كيفية تغيير مفاهيم العائلة الموسعة والجماعة ولا نكتفي بأساليب الإقناع الفردي العقلاني فهو ضعيف أمام ضغوط الجماعة. يجب أن نوجه مجهوداتنا لخلق لغة تخاطب مع المجتمع ككل وإيجاد فوائد لدعواتنا تعود على الجماعة وليس على الفرد فقط ذلك بجانب مخاطبتنا أيضا لعقلية الفرد المثقف المتميز الذي يستطيع أن يساهم في التغيير".

    يمكن القول ان الفرق الزمني بين تاريخ دراسة الدكتورة ناهد أعلاه واليوم جعل هناك صورة مجتمعية جديدة نسبيا، تتطلب تعاملا مختلفا بعض الشيء، كما يمكن أن نقول نفس الشيء عن موقف الجمهوريين في إطاره الزمني السابق (والجمهوريون دعوا لاستمرار تجديد مستويات التعامل، وساهموا فيه)، إذ الواقع اليوم يشير لأن الكثير من المجتمعات المتعلمة نسبيا في السودان قد خطت خطوات طيبة في تجاوز موضوع الخفاض وصارت تتجه لتركه بالنسبة لأجيالها المعاصرة، لكن هذا لا ينطبق بعد على أغلبية سكان السودان في معظم المناطق البعيدة عن تأثير تيار التوعية الاجتماعية.. تصبح هناك إذن حاجة لخطة عمل عامة جديدة نسبيا، ضمن خطة العمل الكبيرة في التغيير الاجتماعي عموما، وفي تغيير وضع المرأة خصوصا.

    خطوط عريضة للعمل

    هنا سنعرض اقتراحات عامة لما يمكن أن يكون عليه العمل، بتشجيع وتطوير حملات التوعية التي بدأت فعلا منذ زمن وما زالت مستمرة، وحصر الاتجهات القانونية الفوقية التي تضر أكثر من نفعها، وعرض مسارات جديدة تستحق الاعتبار.
    نحن بحاجة، بجانب حملات التوعية لمضارالخفاض، لتوفير الخدمة الصحية المناسبة للأسر التي تصر على تنفيذه، حرصا على سلامة البنات ومن أجل تخفيف الضرر عليهن لأقصى حد ممكن، ونحتاج التدريج في مسألة المنع القانوني لهذه الممارسة، حتى لا يؤدي العسف القانوني غير المصحوب بتوعية ملائمة إلى نتائج عكسية لا تخدم مصلحة ضحايا الخفاض.. ليست هذه دعوة لجعل الخفاض متاحا بسهولة في مرافق الصحة في البلاد، ولا لمباركة الدولة له أو السكوت المتواطئ عليه.. هي دعوة لاستثمار مرافق الصحة وأجهزة الدولة في تعليم الشعب ليترك عادة الخفاض بسرعة، لكن حين تكون هناك حالات إصرار على إجرائها فلا أقل من أن نوفر سبل هذه العملية في مناخ طبي، بأدوات معقمة وأيدي متدربة وحريصة على تخفيف ضرر العملية لأقصى ما يمكن، من أجل مصلحة البنات، ويجب ألا يكون هناك قانون تجريمي للعادة يقود الأسر المصرة عليها لإجرائها بسرية، بعيدا عن أعين القانون، فهذا مما يضاعف احتمالات إجرائها في ظروف غير آمنة طبيا، ببيئات ملوثة، تضاعف من ضررها على الضحية.. المنطق هنا هو نفس منطق الطبيب الماهر حين لا يستطيع استئصال المرض تماما بعد، فهو يعمل على تخفيف الألم على المريض قدر المستطاع، ريثما يستطيع استئصاله، والمريض هنا ليس ضحية الخفاض فقط، بل المجتمع ككل.
    لم لا نعمل من أجل توفير بيئة وأدوات طبية أكثر صحية في عملية الخفاض ما دمنا لا نستطيع إيقاف هذا الأمر فيها بالسرعة المرجوة؟ أوليس هذا من المصلحة المباشرة لضحايا هذه العادة؟ وبهذا العمل يمكن التقرب أكثر لهؤلاء الناس، وإحصائهم بدقة (خصوصا الضحايا)، لتوعيتهم القريبة بسيئات وأخطار العادة.. يسمى هذا الاتجاه عالميا بـ"تطبيب الخفاض"، وله مؤيدون ومعارضون، ومن المؤكد أنه مثير للاحتجاج بين بعض مناهضي الخفاض في السودان، خصوصا وهو مماثل لأحداث جرت في مصر في العقد الماضي واستمرت للآن، فقد كان الخفاض يجرى في المستشفيات في مصر منذ سنين (نسبة المخفوضات 97% من الفئة العمرية المذكورة سابقا)، إلا أن ضغوط بعض الناشطين المحليين لحقوق المرأة والطفولة، وبدعم المنظمات الدولية، جعلت الخفاض ممنوعا قانونيا الآن بمصر، فثارث أيضا ثائرة الأوساط المحافظة فيها وقامت بردود فعل مضادة.. برغم أن لدينا رأي عام بخصوص ما يجري هناك إلا أن ما نقوله اختصارا هنا إن ما يجري بمصر من الأحداث شبيه بما يجري بالسودان، بحكم أن عادة الخفاض متأصلة في مواريث شعبي البلدين، لكن اختلاف الأوضاع السياسية والاقتصادية والمدنية يجعل من الصعب الحكم على إحدى التجربتين مقارنة بجارتها، ولهذا نفضل في هذا السياق حصر الحديث على السودان، فهذه القضية على العموم لها ملابسات خاصة داخل كل الثقافات التي تمارسها حول العالم، في عموم افريقيا والشرق الأوسط كما في بعض مناطق آسيا.
    إن ما يقلق معارضي هذا الرأي – أي تطبيب الخفاض – أنه قد يساهم في توطين الخفاض أكثر، بتمويه مساوئه وتثبيط المسيرة الاجتماعية لإزالته، لكننا نرى من الواقع، ومن الإحصاءات المذكورة آنفا، أن هذه العادة لا يمكن توطينها في السودان أكثر مما هي عليه الآن فعلا (فنسبتها العامة لم تتغير طيلة العقود الماضية)، وعلى العموم فالشعوب لا تتشجع لممارسة العادات كهذه حين يصير إجراؤها متوفرا في ظروف أكثر أمنا صحيا، فممارسو هذه العادة لم تردعهم المخاوف الصحية طيلة تواريخهم، فهم قد مارسوها قديما في ظروف صحية أسوأ وبنسبة أخطار ووفيات أعلى، لكنهم كانوا، وما زالوا، يخافون أكثر من العواقب الاجتماعية إذا لم يمارسوها، فالأمر عندهم أخطر من مجرد صحة البعض لأنه يتعلق بصحة نسيج المجتمع ككل، حسب فهمهم.. الرعاية الصحية الرسمية للخفاض لا يمكن أن تساهم في تشجيعه ما دام خط التوعية مستمرا قويا وفعالا، بل هي فقط تقلل من خطورته على الطفلات، وتنقذ بعضهن من الموت (كقصة انعام).. تقول اليونسيف إن أقل من 1% فقط من ضحايا الخفاض في السودان يتعرضن له تحت ظروف طبية آمنة، ما يعني أن الأغلبية الساحقة تتعرض له تحت ظروف وخبرات طبية سيئة، كما تقول إن الممرضات المتدربات، من اللائي يمارسن هذه العملية بطلب الأسر (بعيدا عن المرافق الرسمية)، أكثر ميلا لإجراء نوعي الخفاض الأخف من الفرعوني، بخلاف الخافضات الشعبيات غير المتدربات واللائي يملن أكثر للفرعوني وبأساليب أسوأ طبيا، وهن الأغلبية.
    ما نريد تأكيده أن اتجاهنا هذا ليس فيه تشجيع للخفاض على الإطلاق، لكنه تعامل مع الواقع، فهذه العادة تمارس اليوم على الأغلبية العظمى من الطفلات والفتيات السودانيات، وعدم توفير المناخ الصحي لهذه الممارسة لا يعني سوى إنكار الواقع وتسبيب المزيد من الضرر لضحايا العادة.. أكثر من ذلك فإن اقتراب المرافق الرسمية من عامة الشعب يصنع ثقة بين بسطاء الناس ومتعلميهم في تلك المرافق، ما يتيح فرصا أكبر للوصول لممارسي هذه العادة مباشرة ونصحهم، نصحا بليغا ملحاحا، وتوعيتهم بعواقب العادة، كما فيه رصد لضحايا العادة لمتابعة مشاكلهم الصحية المستقبلية الناتجة عن مضاعفاتها، ومن ثم تخفيفها بقدر الإمكان (خصوصا في ظروف الولادة للمخفوضات فرعونيا)، بصورة تخطيطية مدروسة تصطحب حكمة الممارسة الصحية وحكمة التوعية الاجتماعية معا.. بهذا الأسلوب تستطيع مرافق الصحة التكافل مع المجتمع المدني المحارب لهذه العادة، بتوفير الإحصاءات والمعلومات عن الخفاض وأماكن كثافته الديمغرافية، ودراسة عقلية ممارسيه للخروج باستراتيجيات أكثر فاعلية في محاربته، على مستوى الأسر ومستوى الجماعات.. إن القضية عامة وشاملة، وتتطلب تبعا لذلك اعترافا عاما وشاملا، وتعاملا شفافا، من جانب جميع المؤسسات الاجتماعية ذات الصلة بالقضية، وأولها مرافق الصحة ومنظمات المجتمع المدني.
    وبالنسبة للقانون العقابي، فمن الواضح أن ليس من مصلحة ضحية الخفاض عقاب والديها، أحدهما أو كلاهما، إلا إذا كانت الحالة عبارة عن رغبة مضمرة ومقصودة لتعذيب الطفلة وتشويهها، ومن غير المعقول أن تكون هذه نظرتنا للمجتمعات السودانية الكثيرة التي تمارس هذه العادة.. كما ان عقاب من يقوم بتنفيذ عملية الخفاض كأجير من طرف الأسرة أيضا غير منطقي، فهذا الأخير لا يقوم سوى بتلبية رغبة الأسرة، ولولاها لما كان له سلطان.. علاوة على ان هذا النوع من العقاب يتطلب إمكانيات رقابية شديدة للدولة لا يملك السودان ربعها، ومن الخير له ذلك، فأي دولة تضطر لمراقبة جماهير الشعب داخل بيوتهم هي دولة فاشلة على التحقيق.. بعض الآراء ترى حرمان الأسرة من الطفلة (أي أخذها منها وتربيتها بعيدا عنها، عقابا للأسرة) إذا ثبتت ممارسة الخفاض، وهذه أيضا عقوبة غير منطقية، فنحن نجعل من الطفلة المخفوضة ضحية للحرمان من البيئة الأسرية أيضا، فصارت مشكلتان على كاهلها بعد أن كانت واحدة.. هذا علاوة على أن إمكانيات السودان الاقتصادية الحالية تجعل من الخيال توفير الضرورات اللوجستية لمثل هذا "العقاب" الأخير، لأن ملايين الطفلات السودانيات سيتم اقتلاعهن من ذويهن، بموجب هذا القانون، وتعهدهن من جانب الدولة الفقيرة.. القانون العقابي ببساطة، بجميع أشكاله، لا ينفع مع مشكلة الخفاض في السودان الآن.
    التقنين المانع لهذه العادة يمكن أن يأتي في مرحلة متقدمة، بعد أن يصبح واضحا أن هناك رأي شعبي عام، غالب في الريف والحضر على أن هذه العادة ضارة، وتقل ممارستها لنسبة 25% أو أقل.. حينها يمكن منع ممارستها بالقانون باعتباره تجسيدا لوعي الأغلبية العظمى للشعب، ودرءا لممارسات مجموعة قليلة لا تستجيب لمد الوعي بعد كل هذا، وعلى العموم فإن حركة التوعية الاجتماعية دينامية الخصائص، فهي إن استطاعت إقناع خمس الممارسين للخفاض اليوم بضرره، مثلا، فإن هذه النسبة ستبدأ بالتزايد بعجلة تسارعية لتصل لغيرهم بسرعة أكبر بكثير من التي بدأت بها.. نفس هذا الاتجاه يمكن أن يقال عن التعامل مع أشكال أخرى من اضطهاد المرأة والطفل في السودان، فالعمل الأول يكون باتجاه التعليم والتوعية العامة، الأجدى أثرا، حتى إذا بقيت فئة قليلة من الشعب لا تستجيب للمد الوعيوي فحينها تُمنع بالقانون.. أما تجريم هذه الممارسات بالقانون اليوم فيعني أن أغلبية الشعب مجرم في نظر الدولة، وليس هذا بالوضع الصحي في علاقة الشعب، أي شعب، مع دولته، من أي النواح أتيته.. إن القانون يصبح فاعلا في التغيير الاجتماعي حين يكون الشعب على قدر كاف من الوعي الذي يجعله يحترم القانون، ويشارك في صنعه وتطبيقه، لمعرفته بالمصلحة الفردية والجماعية في هذا النشاط.. أغلبية الشعب السوداني اليوم لم تصل لهذا المستوى من العلاقة بالقانون، بسبب عوامل شتى، كضعف الاستقرار السياسي والاقتصادي وضعف شبكات المجتمع المدني، وأهم من كل هذا نقص المعلومات الوافية، الضرورية للتوعية، بين أغلبية الشعب.
    هنا يستحسن، للمزيد من التمحيص، أن نتطرق لمواقف المنظمات العالمية بخصوص الموقفين أعلاه (تطبيب الخفاض ومنعه بالقانون).. تقف اليونسيف ومنظمة الصحة العالمية ضد تطبيب الخفاض، لنفس الأسباب التي ذكرنا آنفا، كما تدعو هيئة الأمم المتحدة الحكومات عموما إلى اتخاذ خطوات رسمية وقانونية لتوعية الشعوب توعية واسعة النطاق ومتعددة السبل لترك الخفاض، وأيضا تدعو لاتخاذ خطوات لمنع الخفاض قانونيا، لكنها لا تحدد نوع تلك القوانين وعقاب من يخالفها.. من ناحية أخرى فإن اليونسيف تدعو اليوم، بعد تجارب عدة، للتوعية الصبورة غير الإجبارية للشعوب لترك العادة (نلاحظ هنا التناقض الواضح بين ما تدعو له هيئات الأمم المتحدة بمنع الخفاض قانونيا وما تدعو له من التوعية غير الإجبارية، فالقانون العقابي وعدم الإجبار لا يمكن أن يكونا خطين متسقين في نظام واحد إلا لو اعترفنا ضمنيا بأن القانون لن يجد الاحترام المطلوب ولن يجد مساحة واقعية للتطبيق).. نقول هنا إننا بالطبع نتفق مع هذه المنظمات في قضية أهمية دور الحكومات في مناهضة الخفاض بدعم حملات التوعية وتسخير أجهزة إعلام الدولة لذلك، لكننا، كما هو واضح، لا نتفق معها في عدم تطبيب الخفاض وفي منعه بالقانون، خصوصا بالسودان، وقد ذكرنا أسبابنا للاثنين أعلاه بصورة وافية.. ما نريد الإشارة له هنا هو أن منظمات الأمم المتحدة تركز على دور القانون بطبيعتها لأنها تتعامل مع الحكومات أكثر من تعاملها مع المجتمع المدني (والحكومات تتحدث لغة القوانين)، فهيئات الأمم المتحدة لا تمارس أنشطتها في أي بلاد بغير تنسيق مع حكوماتها أولا، ما يجعلها تضطر للحديث مع الحكومات بلغة القانون، أما المجتمع المدني فيشمل نواح ثقافية/دستورية أكبر من القانون بكثير، ولهذا فإن عمل المنظمات المدنية المحلية قد يكون أكثر حكمة من توجيهات هيئات الأمم المتحدة أحيانا، ومن المعروف تاريخيا أن هيئات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية تتبنى مواقف شاملة لعلاج القضايا المتعلقة بشعوب متعددة حول العالم، فهي لا تصنع استراتيجيات خاصة لكل شعب حسب سياقه الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، ولهذه فمواقفها كثيرا ما تكون توفيقية عامة أكثر من كونها عملية تفصيلية، وهو أمر واضح في تناقض مواقفها المذكورة أعلاه.. إن السودان من أسوأ حالات انتشار الخفاض في العالم، ما يعني أن وضعه متميز، فهل يعقل أن نرسم له استراتيجية حل عامة مشابهة لتلك التي نرسمها، مثلا، لكينيا وتنزانيا واليمن؟ لأن هذا هو ما تفلعه هذه المنظمات حين تضع استراتيجيات عالمية كهذه، لا مجال فيها لاعتبار خصائص المشكلة في البلدان المختلفة.. لا نريد بهذا أن نهدم مصداقية هذه المنظمات، فهي تؤدي دورا مهما، ولكن يجب ألا نجعل لآرائها واقتراحاتها قداسة في غير موجب، فالتجارب السياقية لكل شعب، حسب ظروفه الخاصة، تسمح للكثير من أهله الواعين بأن يتوصلوا لحلول أكثر حكمة وعملية لمشاكلهم من تلك المقترحة من هذه المنظمات.
    وعلى العموم فمن الواضح أن الخط العام والأهداف مشتركة، ويبقى التباين فقط في تفاصيل الاستراتيجيات المتبعة للوصول لهذه الأهداف.. لهذا نصر، بناء على استنتاجاتنا، على موقفنا من تطبيب الخفاض والمنع القانوني، خصوصا في ظروف السودان الحالية، ويتغير موقفنا بتغير هذه الظروف التي دعت له.. وعلى العموم أيضا فمن الواضح في تقاريرها أن المنظمات العالمية هذه تعول أكثر على الحركة الاجتماعية وقدرتها على التغيير وسبله، وعلى أن التغيير الأقوى يكون عندما يأتي من داخل المجتمع وليس بالقوانين الفوقية، وعلى أن تكون هذه القضية مرتبطة مباشرة بعموم قضايا حقوق المرأة والطفولة وليس بمعزل عنها، وهو ما نعول عليه أيضا.. الصحيح عندنا هو العمل على نطاقات ثلاث:

    1. توعية الأوساط الممارسة لعادة الخفاض لأن الغرض منها، كما تتصور تلك الأوساط، لم يعد مخدوما، وأن المفاهيم السابقة التي قالت بجدواه خاطئة، ومن ثم فهو لا يأتي اليوم بغير الألم والمزيد من المشاكل الاجتماعية.. هذا الاتجاه يختص بالخطاب الاجتماعي الشامل، وباستثمار تأثير الزعامات المحلية في وعي الشعوب، مثل الرسالة التي وقع عليها حوالي 30 من زعامات الطرق الصوفية في السودان، عام 2004، والتي تجرد الخفاض من أي مشروعية دينية، من أجل إزالة وهم الارتباط لدى ممارسيه بالدين .. لهذا الاتجاه العام في العمل الاجتماعي الكبير أثر مشهود وتجارب يمكن التعلم منها، فقد أعلنت جراءه بعض القرى والبلدات في غرب افريقيا التزامها جماعيا بترك الخفاض.
    2. توعية الأسر للأضرار الجسدية والنفسية البالغة للخفاض وتشجيع هذه الأسر على مواجهة مفاهيم المجتمع المتخلفة من أجل صحة بناتها.. من المهم ألا نتجاهل قدرة الأسرة على الوقوف في وجه المجتمع أحيانا كثيرة، كما من المهم أن نستثمر شبكة العلائق الأسرية في مشروع التوعية نفسه، فتأثير الأسر بعضها على بعض قوي وفعال، والأسر الواعية تستطيع أن تؤثر على آراء الأسر الأخرى من حولها في الحياة العامة.
    3. آخر النطاقات، وأوسعها، هو تبني برنامج كبير، متعدد الأنشطة والمجالات، لتوعية وتعليم المرأة في السودان بصورة شاملة لإعدادها لمواجهة جميع صور الاضطهاد، داخل الأسرة وخارجها.. يجب أن يكون واضحا لنا أن القضية الأساسية هي قضية المرأة ككل، منذ طفولتها المبكرة، وأن العمل الذي لا يتكامل مع الاتجاه العام للقضية محكوم عليه مسبقا بالفشل.

    وفي النطاق الثالث هذا يكمن الصراع الكبير الذي تحسم نتائجه ما يكون عليه الشكل العام للمجتمع، ولهذا فهو يشتمل على أصعدة متعددة، من أهمها، في نظرنا، إعادة تنظيم علائق العمل داخل الأسرة، نواة المجتمع، وإعادة التقييم المنصف لإنتاج المرأة، داخل وخارج محيط الأسرة، مع وجوب مشاركة الرجل لها في جهد رعاية الأطفال، وما إلى ذلك من المقاربات التي تعيد للمرأة كرامتها المعنوية والمادية في المجتمع، فالواقع المعاش أن عمل المرأة الإنتاجي، في الأسرة وفي المجتمع، لا يقل قيمة عن عمل الرجل، إن لم يزد عليه، لكن أنظمة الاقتصاد الرأسمالي المعاصرة تجعل قيمة الأعمال التي يقوم بها الرجال عادة أكبر من تلك التي يقوم بها النساء عادة، كما انها، بالاشتراك مع ثقافة المجتمع الأبوي، تعمد لإبقاء النساء بعيدا عن مواقع صنع القرار التنموي (الاقتصادي/اجتماعي والسياسي) وعن وسائل إعادة تقييمهن أنفسهن لدورهن التنموي المستدام، قديما وحديثا، وبالتالي يصبحن محصورات في نفس الأعمال المهمشة والمستمرة برتابة تضعف قدرتهن على التجديد الخلاق.. يكفينا، دليلا على كل هذا، الإحصاءات التالية من الدول النامية:

    • تمثل مساهمة المرأة الإنتاجية 66% من ساعات العمل في العالم، بينما تكسب فقط 10% من الدخل العالمي وتمتلك فقط 1% من الممتلكات على مستوى العالم.
    • تقضي النساء في المتوسط 6.5 ساعة أسبوعيا في سحب وحمل الماء.
    • في المتوسط تعمل المرأة 63 ساعة في الأسبوع في الأعمال مدفوعة وغير مدفوعة الأجر، مقارنة بالمتوسط بين الرجال حيث يبلغ 50 ساعة في الأسبوع.
    • تقضي المرأة الريفية في إنجاز الأعمال المنزليه 8 أضعاف الوقت المبذول من الرجل.
    • تصل نسبة الأسر التي تعولها امرأة حوالي 21% وترتفع في بعض المناطق الي 33%.
    • تشكل المرأة 80% من منتجي الغذاء بافريقيا بينما تتلقى 2% إلى 10% فقط من الخدمات الإرشادية.

    خاتــــمـة

    وبعد، فإن الرأي المعروض هنا قد يستدعي ردود فعل متفاوتة، لا نستطيع التنبؤ بمستوياتها، لكن حسبه أنه طرح يسعى لحل عملي جوهري لهذه المشكلة، ضمن إيمان راسخ بأن هذه العادة إلى زوال بلا شك، لكن يبقى العمل من أجل إسراع زوالها.. من غير البعيد أن يقول البعض، لسبب أو لآخر، بأن هذا الرأي يعتبر مهادنة زمنية في قضايا المرأة الملحة، وهي غير قابلة للتجزئة.. الإجابة عليهم هي أن قضايا المرأة فعلا ليست عرضة للتجزئة، لكنها عرضة للترتيب الأولوي الحكيم، كسائر قضايا التغيير الاجتماعي الواعي الذي يتبنى خط الثورة المتزنة (فلا هو بطيء متردد ولا هو عجول مضطرب).. ليتنا نستطيع الاستيقاظ غدا لنجد جميع مشاكلنا الاجتماعية قد حلت، بقوانين فوقية أو بغيرها، لكن ذلك من غير مشاهد الواقع المعاش الذي لا بد لنا من التعامل معه.
    بهذا الاتجاه المعروض هنا نرى أن الخفاض يمكن التخلص منه في مدة لا تتجاوز الجيل الواحد فعلا في السودان (بخصيصة الحركة الدينامية المذكورة آنفا)، كما هو الطموح العالمي الذي ظهر مؤخرا بصوت هيئة الأمم المتحدة، في إطار التخلص من جميع أشكال اضطهاد المرأة قريبا جدا، إذ هذه المدة هي التي سيصبح فيها الجيل القادم في صدارة الحركة الاجتماعية في البلاد، فإن كان مسلحا بالمعرفة والوعي الكافيين فذلك سيعني بداية عهد جديد للمرأة، وعهد جديد للمجتمع ككل، فتموت عادة الخفاض موتا طبيعيا.

    هوامش وإحالات
                  

06-01-2008, 05:12 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    نقلا عن سودانايل

    محمود


    إبراهيم جعفر

    [email protected]

    محمود بصَلّي مع النّجوم

    مرّاتْ يَعَاينْ

    من شَبَابِيْكْ الغِيُومْ

    يلَمْلِمْ النَّدْ والطّرِيْقَه

    يمَدِّدْ الشَّوْقْ لي التِّخُومْ

    ولَمَّنْ حماماتَ الْمَغَارِبْ

    يَهْدِلَنْ: حيْ يا قَيٌومْ!

    يشربْ الشّايْ في الحَدِيْقَه

    والزّمانْ عاشِقْ يرُومْ

    طينةْ انْسَانْ في الحَرِيْقَه

    تْرٌوقْ وتِذَّارَفْ علُومْ

    ***

    محمٌودْ ينَازِلْ في الضَّرِيْمْ

    بَسْ غَشْوَه من بَرْد اليَقِيْنْ

    تخَدِّرٌو وكاس النّدِيْمْ

    يَلْفَاهٌو بي الوَعْدَ الْقَدِيْمْ


    الجمعة 20\2\2004

    الأحد 22\2\2004

    * من مجموعة قُول ليّا وين مارِقْ وِحَيْدَكْ؟!
                  

06-02-2008, 03:24 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    رأي
    إجحاف القراي وتراضي الصادق المهدي(1)
    محمد عيسي عليو

    لا أنفي أني من المتابعين لمقالات د. عمر القراي ، لما فيها من الاعجاب والاستعجاب، ويأتي استعجابي دوماً عندما يتناول أمرا يتعلق بالسيد الصادق، فهو ينفذ إليه مباشرة دون أدنى دبلوماسية، وكأن القراى «محرش» أو موكل من جهة خصصته في السيد الصادق المهدي ... لقد تناول د. القراى إتفاق التراضي في حلقة أولى من ضمن ثلاث حلقات.. وكان لي من التعليق رغم أن حلقاته لم تنته بعد، وذلك لسببين، الاول أن القراى قال زبدة حديثه في السيد الصادق في حلقته الأولى، والسبب الثاني فإني مسافر لجهة يصعب الحصول على صحيفة «الصحافة» فيها، فخشيت إن عدت أجد أن الموضوع قد فقد بريقه.
    وليسمح لي د. القراى بالتعليق.. لقد قال القراى في صدر مقاله إن إتفاق التراضي الوطني، جاء مخيباً لآمال الكثير من المثقفين الذين كانوا يحترمون السيد الصادق المهدي، وكثير من أعضاء حزب الأمة الحريصين على مصلحة الحزب ومصلحة الوطن.
    أولاً: أسأل القراى هل يمكنه أن يعرف لي من هم المثقفون وكيف عثر على إحصائياتهم التي من خلالها علم أن آمالهم قد خابت؟ ثم هل هم شريحة قائمة بذاتها، ثلة منفصلة عن القوى السياسية الحزبية التي نعرف آراءها جميعاً ومنطلقاتها، أم هم ينتشرون في كل الأحزاب؟ ولا شك أن هناك فئة مثقفة لا تنطلق من أى من الأحزاب، وهي على قلتها وحسب ما لمسناه من بعض كتاباتهم يميلون وحريصون على الوفاق الوطني والتراضي الوطني، وأي مسمى يجمع السودانيين على كلمة سواء.. فأين مثقفو القراي الذين خاب أملهم في الصادق المهدي؟!. اما حديثه عن أعضاء حزب الأمة والذين يقول إن الاتفاق خيب آمالهم، نقول إن هذا الاتفاق مرَّ على كل مؤسسات الحزب الرئاسية والتنفيذية والسياسية، ولم يشذ فرد في رفضه حتى الآن... صحيح هناك تحفظات ذكرت في جلسات التداول، وهذا شيء طبيعي، ولكن الجميع أيد الاتفاق إذن من أين لك بهذه المعلومة ؟! إلا اذا كان حديث أشخاص قابلهم القراى بالمصادفة لهم اعتراضاتهم هذا ممكن، ولكن هؤلاء قد فوضوا مؤسسات الحزب، وهي التي اتخذت القرار، فأين الديمقراطية إن لم نلتزم بها، إلا اذا كان القراى يتشكك في الديمقراطية، او يتشكك في إن حزب الامة ليست لديه مؤسسات منتخبة تتخذ القرار.
    ولكن فلنتابع القراى، وقد خرج من الموضوع برمته، وهو التراضي، الى موضوع ابن رئيس الحزب الذي قال انه دخل ضابطاً في جهاز الأمن، هذا الموضوع كما يعلم الجميع، فإن مؤسسات الحزب اتخذت فيه قرارا منذ أكثر من ثلاثة شهور، والتزم به المعنى بالأمر، وأيده رئيس الحزب الذي كان خارج البلاد بكل رحابة صدر، فما علاقة ذلك بالتراضي الوطني؟ هل إذا ابن القراى اتخذ قراره بأن يعمل في مجال الأمن وهو بالغ راشد، أيحق للقراى أن يرفض ذلك البتة ! هل يريد القراى ان ينكأ الجراح التي اندملت ليجدد عذابات الآخرين؟ هل نقول إنها سادية القراي أم هي قذف السهام في كل اتجاه، كنت اعتقد أن الأمر مقارنة علمية لنظريات فكرية علمية. إلا أن القراي ذهب بعيداً. ثم قال القراى إن السيد الصادق لم يطق البعد عن كرسي الحكم صبراً فهرع إلى الإتفاق دون أدنى اعتبار لرأى اتباعه ومريديه، دي كبيرة يا دكتور..!! ما بالك بشخص بإمكانه الدخول في حكومة الانقاذ في الاسبوع الأول من قيامها، ثم يصبر عشرين حجة، ثم تقول إنه لم يطق صبراً الجلوس بعيداً عن كرسي الحكم، ثم القراي يستكثر كلمة اعضاء الحزب، بل لمزيد من التحقير يدلف الى كلمة أتباع، فهو لا يرى للحزب مؤسسات، بل يرى أن الحزب هو الصادق والصادق هو الحزب.. ولو ذهبت في تحليلاتك هذه لخدعت الكثيرين ثم يكتشفون ذلك ولو بعد حين.. ولا أدري أين سيذهبون بكتاباتك.
    ثم يكرر القراي المنوال الالتفافي في محاولة منه لكسر عنق الحزب، عندما يقول إنه تمهيد لدخول حزبهم في جلباب النظام الشمولي العتيد.. طيب يا دكتور تدفع كم إذا لم يدخل حزب الامة جلباب المؤتمر الوطني؟.. في تقديري أقل شيء يمكن أن تدفع به إذا تحقق أنك قد ظلمته، هو أن تدفع بيديك مبايعاً الحزب غسلاً للإثم الذي حاك في صدرك، ومحواً للبهتان الذي رميت به إخوتك في الوطن، وحتى لا يراودك تعذيب الضمير. وحتى لا ندخل في مهاترات أن الصادق المهدي قبض الثمن، نذهب الى التحليل الآخر، وهو أن هذا الاتفاق ثنائى، ونحن نقول لظروف بلادنا لم نمنع أى طرفين يوقعان إتفاقا ثنائياً، ولكن نقول ضرورة عرضه على الآخرين، وهذا ما فعله إتفاق التراضي الذي التزم بالمؤتمر الجامع الذي سيناقش الاتفاق وغيره، حتى يصل السودانيون الى كلمة سواء.
    ثم هذه المرة يخرج القراي خارج الحلبة مطروداً لمخالفته المتكررة في الخروج من صلب الموضوع، وهو التراضي، ليذهب إلى التهجم الشخصي خارج قانون اللعبة، حيث يقول دون ادنى مقدمات إن الصادق المهدي سلَّح القبائل العربية في دارفور عام 1986م.
    وصدقني يا قراى لو كنت في مقام الصادق المهدي لفتحت بلاغا ضد شخصكم، وستدان بعدم وجود إثبات الاتهام حتى لو استعنت ببلدو وعشاري كما ذكرت.. والطامة الكبرى والكذب الصراح للقراى عندما قال إن الصادق المهدي سلَّح القبائل العربية في أبيي المشتعلة الآن، مما جعل تلك القبائل تعتدى بمجازر بشعة على قبائل الدينكا في منطقة الضعين.. قل لي بربك أين الضعين من أبيي؟ الضعين يا دكتور تقع في جنوب دارفور، وأبيي تقع في جنوب كردفان، والمسافة بينهما مئات الكيلومترات، فكيف تسليح العرب في أبيي يؤدي الى هجوم الدينكا في الضعين.
    نحن فعلاً محتاجون لدروس الجغرافية في ثالثة اولية مرة أخرى، أين تقع بابنوسة ويامبيو وود سلفاب والقولد، حتى نعرف أين تقع أبيي من الضعين.
    ويذهب القراي في قوله إن المؤتمر الوطني واصل سياسة الصادق المهدي، إذ ضم القبائل العربية في دارفور الى الدفاع الشعبي وزاد تسليحها، وهذه القبائل تمكنت من الاعتداء الآثم الذي حول دارفور إلى مأساة عالمية، كل القبائل العربية في دارفور مرة واحدة، سبحان الله..!!
    لا أدري أين سيقف القراى في اتهامه للقبائل العربية، مرة يقول القبائل العربية في أبيي، ومرة ثانية القبائل العربية في الضعين، وثالثاً القبائل العربية في دارفور؟! يا إلهي القراي لم يستثن احداً، ولم يبق له إلا أن يقول القبائل العربية في النيجر.
    أخى القراى إن كنت تقصد القبائل العربية في الضعين، فدونك الضعين، ويمكنك الذهاب اليها وستجد قهوة ود القراى هناك ترحب بك، وسيطوف مناديبها معك شمالاً. وستجد أن قبائل دارفور التي اضطهدت من جراء الحرب، هي الآن في حماية أهلك القبائل العربية في الضعين، وإذا جُلت في جنوبها اى جنوب الضعين، ستجد أكثر من مائتي ألف جنوبي نزحوا اليها من عشرات السنين، وهم في أمان سلام. وليس من رأى كمن سمع، لقد سمعت لبلدو وعشاري، والأمانة العلمية تدعوكم للنظر بالعين، وإلا تكون غير عادل، والمظلومون منك سيقابلونك يوم المحشر العظيم، فماذا انت وقتها قائل لهم.
    وفي المقال القادم إن شاء الله سأكتب عن الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، الذي نسخ به القراي السيد الصادق المهدي من ملة المعتدلين، إلى ملة المتطرفين.. وإلى لقاء. ===
    التعليقات

    1/ ابوركشة - (السودان) - 2/6/2008
    الاستاذ المحترم محمد عيسي ماكنت اود ان تعلق علي هذا الرجل النائب الكبير للمرتد محمود محمد طه...ان انكر علي ابن الصادق فان اسرة القراي الكبيرة تنكر عليه جمهوريته واتباعه لمحمود..حلال عليك حرام علي الاخرين...انا حضرت وقت صلاة جماعة في مناسبة معه ..فا نكر بشدة صلاة الجماعة وقال ماهي من الدين(. تصور هذا وضع رجل يحافظ علي امر جماعة في حياته كلها)ووالله ان تركه صلاة الجماعة حدث امامي ولو سالته لاينكر بل هو علي يقين...القراي جاء موتورا مغبونا حتي اسرته الكبيرة لايزور صلة رحم ولايعرف له صلة رحم فهو قطع ارحامه جميعا ارجوك لا تتعب نفسك ...؟ وترد عليه واتركه يلهث ...؟

    http://www.alsahafa.sd/Raay_view.aspx?id=49355
                  

06-02-2008, 03:32 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    قراءة في إتفاق التراضي الوطني (2-3)


    الغموض والتضليل :
    لقد جاءت معظم بنود إتفاق التراضي غامضة، بغرض التضليل عن حقيقة ما ترمي اليه ، حتى تجوز على جماهير حزب الأمة وعلى عامة الشعب . وفي سبيل ذلك ، جنح الاتفاق الى التركيز على قضايا ليست من أولويات المشاكل العديدة التي يعاني منها الوطن . ومن ذلك مثلاً جاء تحت بند تهيئة المناخ ( تكوين لجنة لمراجعة أسماء الشوارع والمنشآت لتعميم الرمزية القومية) !! فهل مشكلتنا هي أسماء الشوارع ؟! بل هل مشكلة الشوارع نفسها هي اسماؤها ؟! أم ان الشوارع متسخة وضيقة وغير مرصوفة ، وغير مضاءة، وليس بها مجار للأمطار ولا يجد من يقف بها مواصلات ؟! إن بعض الشوارع الآن مسماة باسماء شخصيات إسلامية قديمة، لا يعرف كثير من السودانيين عنها شيئا،ً وبعضها إطلق عليه اسم شبان من الجبهة الاسلامية، لا يعرفهم الشعب السوداني ، قتلوا في حرب الجنوب ، واعتبروا شهداء، فهل يريد السيد الصادق ان يغير هذا الوضع ، ام يضيف عليه اسماء من رموز المهدية ؟ ولقد حكم حزب الامة بعد الاستقلال ، وفي الحقب التي تلته ، فلماذا لم يسم الشوارع ، باسماء قومية ؟! واذا كانت الرموز الوطنية ، مخالفة للسيد الصادق ، فهل ستقوم لجنته المقترحة ، التي لا نعرف من هم اعضاؤها ، بتسمية الشوارع بهذه الاسماء، التي تعارض الصادق، وتعارض المؤتمر الوطني ، فنرى شارعاً باسم الاستاذ محمود محمد طه ، أو د. جون قرنق، أو الاستاذ عبد الخالق محجوب ؟!
    وكلما اقتربت الاتفاقية من القضايا الحساسة ، التي لا يريد المؤتمر الوطني ، حتى مجرد ذكرها، يرتفع معدل التعميم فقد جاء ( النظر في اطلاق سراح المحكومين سياسياً في جميع انحاء الوطن ) (الرأي العام 21/5/2008م) . فلماذا النظر بدلاً من إطلاق سراحهم فوراً ؟! الا يمكن ان تكون الحكومة لجنة لتقوم بهذا ( النظر) ، ثم تقرر بعد ذلك ، انهم يستحقون البقاء في الحبس ؟! ثم هل توافق الاتفاقية ، على ان اعتبار تعاطي السياسة ، بما فيها المعارضة السياسية ، جريمة حتى تطلب ( النظر) بدلاً من اطلاق السراح الفوري ؟ ثم لماذا لم تتم الاشارة للمعتقلين السياسيين دون محاكمة ، وتطلب اطلاق سراحهم ، اثناء الاحتفال بتوقيع اتفاق التراضي الوطني ؟!

    ولأن هنالك قضية مطروحة حول ضرورة المساءلة والمحاسبة ، ولأن هنالك قضايا مرفوعة من المواطنين ضد شخصيات محددة ، قاموا بتعذيبهم في بيوت الاشباح ، فقد جاء في اتفاق التراضي الوطني ( الإسراع في تكوين آلية للحقيقة والمصالحة والانصاف للوقوف على تجاوزات الماضي عبر الحقب وبيان حقيقتها وافراغ النفوس من مرارات الماضي ) !! (المصدر السابق) . فلماذا الحديث عن ( آلية) وليس لجنة تحقيق ؟! ولماذا ذكرت العبارة (المصالحة) قبل ( الإنصاف) ؟! هل رأيتم كيف اعاد الاتفاق موضوع ( عفا الله عما سلف) في استحياء وتضليل ؟! ثم كيف يحدث ( افراغ النفوس من مرارات الماضي ) دون القصاص أو العفو؟! واذا كانت نفس السيد الصادق ، سوف تفرغ من مراراتها بتعويضات آل المهدي، فلم يحدثنا البيان ، كيف ستفرغ مرارات من شردوا من وظائفهم بالاحالة للصالح العام، وكيف تفرغ مرارات من عذبوا في بيوت الاشباح حتى الإعاقة ، ومن قتل أهلهم ، واغتصبت نساؤهم في دارفور؟! أم ان السيد الصادق يريد لكل المتضررين ان ينسوا ما لحق بهم ، ويصالحوا الحكومة ، لأنه هو فعل ذلك ؟! ألم نقل مراراً ، ان هذا الرجل يدور حول نفسه، ولا يرى الا مصلحتها ؟!

    مأزق دارفور :
    إن اكبر ما يدلل على ان اتفاق التراضي ، انما هو مجرد خداع للشعب ، ما ورد بشأن دارفور. جاء عن ذلك ( ان جذور الإختلال الأمني بالمنطقة تعود الى ما قبل الاستقلال ولكن ظل التفاقم في مرحلة ما بعد الاستقلال وحتى الآن بسبب التنافس على الموارد الطبيعية والزعامات الإدارية والمظالم السياسيةالمتراكمة مثل فرط المركزية في الإدارة والحكم وخلل التوازن التنموي والخدمي والاضطراب الامني في دول الجوار ... زاد الاستقطاب السياسي الحاد والتصعيد في الآونة الأخيرة والتدخلات الخارجية من تفاقم الأزمة الأمنية ) ( المصدر السابق). إن حجة الصراع على الموارد ، قد ذكرها بعض الأكاديميين ، ثم تلقفها المؤتمر الوطني ، وهي لو بررت الصراعات البسيطة ، المتفرقة ، بين المزارعين والرعاة ، فانها لن تبرر الحرب الشاملة ، التي استخدمت فيها الأسلحة المتقدمة .. والدفع بهذه الحجة ، معروف ولا جديد فيه ، ولكن الجديد هو الاعتراف بالمظالم السياسية ، وهو اعتراف ينقصه الصدق، وتنقصة الشجاعة .. والا فمن هو الظالم ، ومن هم المظلوم، في احداث دارفور ؟! واذا عجز هذا الاتفاق ، ان يسمي الاشياء باسمائها ، ويحدد المسئولية ، فهل يتوقع منه ان يحل مشكلة دارفور ؟! ولقد اقترح الاتفاق لحل المشكلة ، اتفاق لوقف اطلاق النار، يطور الاتفاقات السابقة – حصر القوات ونزع سلاح مليشيات القوى العفوية في المجتمع ) !! ولم يخبرنا هذا الاتفاق بنوع وقف اطلاق النار، الذي يريده ، وكيف سيطور الاتفاقات السابقة ؟! واذا كان السيد الصادق المهدي ، الذي يزعم انه مهتم بدارفور، ومتعاطف مع أهلها ، لوشيجة علاقتهم الطيبة بالمهدية ، وبسبب ان معظمهم كانوا من الأنصار، يعجز عن ذكر اسم الجنجويد ويسميهم ( القوى العفوية) ، ارضاء للحكومة ، فهل يمكن ان يظل بعد ذلك محترماً ، عند أهالي دارفور، او مرجواً ليسهم في حل مشكلتهم ؟! إن ابسط مستويات التعاطف الانساني، وأقل درجات الإلتزام الأخلاقي ، تفرض على كل حر، شجب الممارسات الوحشية، التي قامت بها قوات الجنجويد، والتي كانت ترعاها ، وتسلحها ، وتحميها ، حكومة الانقاذ ، وليس دون تقرير هذه الحقائق اعتبار للحق والعدل .

    جاء في اتفاق التراضي ( لقد شكلت اتفاقية أبوجا الموقعة في مايو من عام 2006م خطوة نحو الحل لم تكتمل بسبب عدم توقيع بقية الفصائل عليها والتدخلات الاجنبية وتشظي الفصائل غير الموقعة غير ان كافة الجهود الوطنية يجب ان تبذل لاستكمال عملية السلام والاستقرار) ( المصدر السابق) . ولم يسأل المتحالفان أنفسهما لماذا لم توقع بقية الفصائل على اتفاقية ابوجا ؟ ولم يطرحا تحفظ تلك الفصائل ، ويجيبا عليه ، بما يطمئنها ويحثها على التوقيع . وما دام الاتفاق قد دعا الى الحوار الدارفوري ، وذكر ( حوار وتراض أهل المنطقة من خلال مشاركتهم في إدارة الشأن العام بعدالة وشفافية ) ، فلماذا لم يقم حزب الأمة بادارة هذا الحوار ، وينظمه لابناء دارفور المنتمين للحزب ، وغير المنتمين ، وبناء على نتائج ذلك الحوار، يتفاوض مع المؤتمر الوطني ، حول قضية دارفور ؟! أليس ذلك أكرم لحزب الأمة، من ان يتبنى رئيسه ، وجهة نظر المؤتمر الوطني ، ويهمل صوت أهالي دارفور؟!

    ومن الحلول التي اقترحها اتفاق التراضي ، ووقع عليها رئيسا الحزبين ( اطلاق سراح المعتقلين لاسباب سياسية بأزمة دارفور) ( المصدر السابق). فهل يشمل هذا العفو المعتقلين من أعضاء حركة العدل والمساواة ، الذين لم يشاركوا في الهجوم على أمدرمان ؟! أم ان اولئك يشملهم ما جاء في خطاب السيد رئيس الجمهورية ، في نهار نفس يوم توقيع اتفاق التراضي الوطني ؟! وذلك حيث قال ( أي زول ينتمي الى العدل والمساواة لا يصبح في بيته لازم يتم قبضه والتحفظ عليه ... ما بنعرف لا طالب ولا عامل ولا موظف ...) ( الصحافة 21/5/2008م) ؟!

    لقد فرح أهالي دارفور، بدخول القوات الافريقية والأممية ، لتحميهم من هجمات الجنجويد، ولكن هذا الاتفاق العجيب ، يريد ان يغير دور القوات الدولية ، ومهمتها ، وفق رؤية جديدة ، بخلاف الاهداف التي وضعتها لها الامم المتحدة ، وذلك من خلال خلق تجمع لقوى سودانية، يسوّق دولياً لدور جديد لهذه القوات، يجعلها تقف محايدة ، فلا تضرب الجنجويد المعتدين على أهالي دارفور!! جاء في الاتفاق ( ان القوات الافريقية الأممية المشتركة بموجب قرار مجلس الامن رقم 1769 والتي وافقت عليها الحكومة تكون محايدة بين اطراف النزاع وتكون مهمتها قاصرة على حماية المدنيين ومراقبة وقف اطلاق النار وتأمين الاغاثات والاشراف على متابعة ما يتفق عليه اطراف النزاع السودانية ويعمل الطرفان على تسويق هذه الرؤية دولياً ) ( المصدر السابق) . ومعلوم ان مثل هذه الرؤية ، لو كانت تتفق مع واجبات القوات، كما حددها القرار الدولي، فانها لا تحتاج الى تسويق . وهي ان كانت مخالفة لذلك، فلن يستطيع الحزبان تسويقها دولياً ، أو بين اطراف النزاع .. ومصلحة الحكومة وحزبها ، في ان تقف القوات الاممية مكتوفة الايدي ، بدعوى عدم التدخل ، فلا تضرب الجنجويد ظاهرة ، ولكن ما هي مصلحة السيد الصادق في ذلك ، غير ارضاء الحكومة ، لتوقع معه هذا الاتفاق ، ولو كان على حساب ابناء دارفور .

    ولمزيد من التضليل ، والقاء صبغة دينية على هذا الاتفاق الخائر، تحتوي على ارهاب روحي وتضليل للبسطاء ، وصف السيد الصادق اتفاق التراضي الوطني ، بانه سفينة نوح ، في اشارة مقصودة ، الى تشبيه نفسه ، بنبي الله نوح عليه السلام !! والذي نراه هو ان موقف السيد الصادق المهدي، وقد خالف اجماع الشعب السوداني ، بما فيه الشرفاء من ابناء حزب الامة وكيان الانصار ، يشبه موقف ابن نوح ، الذي خالف أباه والعقلاء من قومه ، واتبع الغاوين فغمره الطوفان ، وحين يقع الندم ، ويدرك السيد الصادق الغرق، يلتمس له هذا الشعب المغفرة ، فيقول بلسان حاله ، ما قاله نوح عليه السلام بلسان مقاله ( رب ان ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت احكم الحاكمين ) !! وعند ذلك يسمع ارباب القلوب، من أودية الغيوب ، قول العزيز المتعال ( أنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني اعظك ان تكون من الجاهلين ) !!

    د. عمر القراي
                  

06-02-2008, 03:44 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    بين مزمار محمود وصليل سيف الجلاد!

    صراع الرؤى الإسلامية حول مفاهيم الثقافة والجمال في السودان (1)

    عبد الجبار عبد الله*

    توطئة


    كان في تصوري المبدئي أن أتناول مادة هذه الدراسة في دفعة واحدة عبر كتابة مطولة تأتي على الموضوع كله من شتى جوانبه وتشعباته كما يتوقع في دراسة يطمح فيها القارئ إلى الوقوف على كيف يكون التقابل الصارخ الحاد بين رقة وعذوبة ألحان المزمار وصليل وقعقعة السيوف التي تصطك لها الأرواح قبل الأسنان وكيف يكون صراع الرؤى حول مفاهيم الثقافة والجمال في تراث وفكر الشهيد محمود محمد طه من جانب وفي عيون وفكر خصومه وجلاديه الذين زهدوا كدأبهم في الفكر والحوار واختزلوا طريق الخلاف المضني الطويل، بحبل المشنقة القصير وحد السيف والحرابة من الجانب الآخر. ولكني آثرت لأسباب عملية –يخصني الجزء الأعظم منها- التأني في دراسة الموضوع وتناوله، وتقسيمه إلى حلقات متصلة، تنشر عبر هذا الموقع، وتتاح لها فرصة الإفادة والإثراء بالنقاش والحوار التفاعلي مع القراء، كي تصل إلى هدفها وتحقق غرضها وهي أكثر وثوقاً واطمئناناً إلى ملامستها كافة جوانب الموضوع الذي تناقش، واستيفائها دون تعجل لشروط ومتطلبات البحث العلمي. بهذه القناعة، وحرصاً مني على الإسهام الجاد في إحياء ذكرى اغتيال الشهيد محمود محمد طه، وتأمل معاني ذلك الاغتيال، أبدأ بنشر الحلقة التمهيدية الأولى من هذه الحلقات. وآمل أن تلاقي هذه الفكر ة، هوى في نفوس القراء المكدودين مثلي والموزعين بين شتى هموم الحياة ومشاغلها التي يصعب الفوزفي خوض سباق ماراثوني أعرج معها.

    رحلتي إلى الجحيم!

    في لفحة نهار يوم صيفي قائظ الحر من عام من عام 1984، اختطفتني إحدى عصابات الأمن إلى مكاتب "القسم العقائدي" بمقر جهاز الأمن العام. وبعد تحقيق متوتر لئيم مقتضب، أحلت إلى زنازين السجن الداخلي –التي عرفت لاحقاً وعلى المستوى العالمي ببيوت الأشباح، سيئة الذكر في بدايات هجمة الإنقاذيين الغاشمة على الحياة والإنسان وحقوق الإنسان- وهناك طال أمد إقامتي، وعرفت كيف للإنسان أن ينام نوم الديك حرفياً، مع هبوط كل طائرة محملة بالسودانيين القادمين من ليبيا يومي الاثنين والخميس إن لم تخني الذاكرة في مطار الخرطوم. كنت حينها أشفق على الزنزانة الصغيرة الضيقة التي لا تزيد مساحتها على بضعة أمتار تكفي لتمديد القدمين، حين تغص بعدد كبير يستحيل جلوسهم على الأرض ناهيك عن التفكير في الإغفاء أو النوم. عندها تمضي الساعات الطوال ونحن نرفع رجلاً وننزل أخرى مثل طيور الرهو والبجع، ولا يكون ثمة مهرب في نهاية الأمر من نوم الديك، حين تتهادى الساعات السلحفائية الثقيلة، وحين يسري التعب والإنهاك في خلايا ومسام الجسد الجوعان المكدود، بطيئاً وقاتلاً كسريان السم.

    أما معتقلو الطائرات الليبية المجني عليهم، الذين ذاقوا الأمرين كما يقول محمود، وعانوا أشد ألوان التحقير والعذاب على يد جلادي الأمن، فكان معظمهم من أبسط بسطاء السودانيين الذين ضاقت بهم الحياة في بلادهم، فذهبوا إلى ليبيا حيث امتهنوا مهنة الرعي أو عملوا في أشغال البناء وخطوط أنابيب النفط وخفر المباني وغيرها من المهن التي لا تتطلب كثير خبرة ولا تأهيل. وكان معظمهم أمياً حتى لحظة انتقاله إلى سجن كوبر حيث فك منهم من فك الحرف ومحا أميته هناك. وصادقت الكثير منهم من داخل الزنازين وأنشدنا وغنينا ومثلنا معاً في الليالي التي أقمناها داخل السجن لمختلف المناسبات الوطنية لاحقاً، ونشأت بيننا أجمل العلاقات التي يستطيع السودانيون خلقها في عز صحراء العبث والعدم. كان اعتقالهم بالعشرات والمئات جريمة كبيرة بحق مدنيين أبرياء ما عرفوا للسياسة سبيلاً ولا وعياً ولا حماساً.

    وحين رأيت الفوج وراء الفوج يأتي ويمر عبر زنزانتي إلى سجن كوبر، وأنا وحدي الذي كتب عليه أن يحمل "صخرة سيزيف"، يجوع عمداً وينام نوم الديك مرتين في كل أسبوع على الأقل، قررت أن أبدأ إضراباً منفرداً عن الطعام. وبررت رفضي تناول الطعام بطلبين تقدمت بهما إلى مسؤولي الأمن. أولهما استعادة كتبي التي صودرت مني لحظة اعتقالي –كان بينها الأعمال الكاملة لشكسبير ونسخة مترجمة إلى الإنجليزية من القرآن الكريم- وثانيهما تقديمي إلى محاكمة عادلة وإدانتي أو إطلاق سراحي فوراً. فيما يتعلق بمطلب استرداد الكتب، كنت جاداً وعازماً على الموت من أجلها إن دعا الأمر. وبالفعل نجحت في استعادة 8 من جملة 13 كتاباً منها، مرفقة باعتذار مكتوب من ضابط في جهاز الأمن عن بقية الكتب التي لم يعثروا عليها. كان اسم ذلك الضابط "جلال" فيما أذكر. أما المطالبة بالمحاكمة أو إطلاق السراح، فلم تكن سوى مناورة تكتيكية مني، كان هدفها تحقيق حلم "الترقية" السريعة إلى سجن كوبر والتخلص من جحيم زنزانتي اللعينة، وأنا الزاهد في حلم الحرية بعدما رجموني به من شتائم واتهامات عويصة يندى لها الجبين، تؤكد جميعها طول إقامتي في السجن.

    عودة إلى زنزانة الأمن اللعينة تلك، كنت قبل دخولي إليها قد قرأت تعريفاً للكاتب الفرنسي الكبير هونريه دو بلزاك، ورد في معجم أدبي أنيق رصين متخصص في سير الشخصيات الأدبية العالمية جاء فيه كناية عن معاناة بلزاك في حياته الفقيرة المعذبة "كان بلزاك يسكن في بيت لا يوجد فيه إلا بلزاك نفسه"! لا أورد هذا التعريف تنطعاً أو تلميحاً إلى رغبة سرية منى في مضاهاة نفسي ببلزاك، ولكنها لعنة الأمكنة البائسة الشقية، التي صورت لي بيت بلزاك الخاوي من كل متاع الدنيا ومباهجها، إلا من ساكنه، قصراً دافئاً مرفهاًِ ومخملياً حسدته عليه، وأنا حبيس زنزانتي البائسة الخاوية إلا من بلاطها الخشن الذي كنا ننام عليه مباشرة دون فرش أو لحاف حين لا تهبط الطائرات الليبية، أو "تطب"علينا مجموعة جديدة من المعتقلين الداخليين. في مثل تلك الحالات الهادئة كنت برفقة اثنين آخرين مستديمين، أحدهما سوداني مختل العقل يدعى إبراهيم، وآخر مجزوم يدعى محمدو من جمهورية مالي. وحتى لحظة خروجي منهما، كنت قد استأنست من وحشة المكان بحضورهما، ولكني كنت في الوقت ذاته، حزيناً لوجودهما في ذاك المكان الغريب، ومنشغل التفكير دائماً بطبيعة تلك المؤسسة الشريرة التي تطال مخالبها الشرسة حتى أمثال إبراهيم ومحمدو. بالمناسبة كانت المرة الأولى والوحيدة في حياتي التي ألعب فيها أوراق "الكوتشينة" مع ابراهيم، وكان يفوز علي دائما، ويعقبها في كل مرة بضحكة مدوية ومترعة بنشوة الانتصار والفرح وهو يصيح في وجهي وأذني بعبارة "كيشا ... كيشا ... كيشا".

    ولعنة الأمكنة البائسة الشقية نفسها، هي التي أحبطت لاحقاً حلم "ترقيتي" إلى سجن كوبر. وكان تشبثي بذلك الحلم، تشبث الموعود بالانتقال من كوخ تعيس كئيب إلى فندق مهيب فخم من فنادق الخمس نجوم! ولكن هيهات وليس أمام الظمآن سوى سراب الصحراء. فقد طار قلبي من الفرح، حين استعدت كتبي المسروقة، مصحوبة بقرار الانتقال أخيراً إلى "كوبر". وبعد دهليز وراء الآخر، وانحناء وركوع وقيام، عبر الأبواب والمنافذ الضيقة التي شقت عبر الجدران الحجرية السميكة العتيقة، دلفت أخيراً إلى حيث يريدون إنزالي. وكان حظي كالحاً حين ذهبوا بي إلى قسم "الورشة". وهي ورشة بحق كانت تستخدم لهذا الغرض، إلى أن اتسع عدد السجناء والمعتقلين وفاض بهم السجن، فما كان من بد من التوسعة على "عباد الرحمن" فكانت نعم الورشة، وكنا نعم العباد!! هندسياً كانت مثل كل ورش النقل الميكانيكي والسكة الحديد وغيرها، مصممة من عنبرين طويلين ماهلين، شيدا من السيخ والحديد والأسلاك، وسقفا بصفائح الزنك الحارق نهاراً والبارد برودة الثلج في زمهرير الشتاء ليلاً.

    ونظراً لنقص المراتب والأسرة التي تسد حاجة كل "عباد الرحمن" المعتقلين، فقد لفت نظري لحظة دخولي مباشرة، أن عدداً كبيراً من الأسرة كان يسع الواحد منها لسجينين بدل الواحد! كيف؟ أرجو ألا يشتط بكم الخيال إلى أسرة الـ double bed)) في داخليات البركس وغيرها من داخليات جامعة الخرطوم ومعهد الكليات التكنولوجية سابقاً. فالمقصود هنا أن "عباد الرحمن" ينقسمون كيفما اتفق إلى "طبقتين"، بعضهم يتمدد كما البشر العاديين فوق سرير مفروش بملاءة نظيفة على الأقل، وإن كانت مهلهلة ومهترئة وعفا عليها طول "السهك" والانبطاح. أولئك هم المحظوظون من أبناء "الطبقة العليا" الذين أنعمت عليهم الورشة بفيض رزقها وكرمها المعطاء. أما أبناء "الطبقة السفلى" فهؤلاء هم أهل الدرك الأسفل من الجحيم، ولم يكن أمامهم من بد سوى الانبطاح كيفما اتفق تحت السرير، على ملاءة أو بطانية أو بدون. قلت وأنا أدخل القسم واستسلم لقدري الذي لا مفر منه: "إن كان حظك بين أبناء "الطبقة السفلى" فمن الأحرى بك أن تتمرن من الآن على مد اللسان طويلاً من بوابة القسم، حتى تتقن فن لهاث الكلاب التي ترقد تحت الأسرة والعناقريب عادة في البيوت، عندما يشتد بها هجير حر الشمس! تأملوا بالله عليكم لحظة، ما كانت تفعله "شريعة الكيزان" بعباد الرحمن، الذين ورد ذكر إكرام كل واحد منهم وإعزازه ورفع منزلته في كافة نصوص القرآن الكريم! ولكن عفواً .. يا سادتي للخطأ الفادح، إذ كنا في واقع الأمر فئراناً وصراصير وجرذاناً في عيون الكيزان المستبدة الصلفة بحكم التربية والتكوين السياسيين. فأين مزمارك العذب، أين أنت من كل هذا يا محمود؟ لقد كنت رجلاً من غير ذاك الزمان.. كنت فيهم غريب الوجه واليد واللسان... فكيف لا يكفروك ويصلبوك ويقتلوك؟! طوبى لروحك .. طوبى للغرباء كما قال المسيح.

    مشاهدات حية من جوار ساحة العدالة الناجزة

    ولما شرعنا في الولوج الوئيد التدريجي إلى صلب موضوعنا الرئيسي، فقد كانت "الورشة" مجاورة لما كان يعرف باسم "ساحة العدالة الناجزة" سيئة الذكر، التي تعيد للأذهان رعب وذكريات مقصلة سجن الباستيل الرهيب. ففي تلك الساحة كانت تنفذ أحكام الإعدام وتجز الرؤوس وتكسر الأسنان وتفقأ العيون، تقطع الأيادي ويصلب المحكومون بأحكام الحرابة. لم تنفذ أحكام فقأ العيون ولا كسر الأسنان بالطبع، لكنها المكان الذي خصص لهذه الأغراض، وحتى لحظة خروجنا من السجن في السادس من أبريل 1985، كان أحد المحكومين في انتظار تنفيذ حد السن بالسن عليه. من هناك ومن أمام عيوننا مباشرة كانت تمر طوابير الرعب والوحشية والبربرية المريعة كل أسبوع تقريباً. والمثير للسخرية في تلك الطوابير، أن أبسط المحكومين وأدناهم وعياً وتعليماً كان يتقدم الطابور وهو على علم بمدى عبثية ولا معقولية تلك المؤسسات والقوانين التي تحيل المجرم الحقيقي بحق بلد بكامله، إلى قاض ومفت وجلاد، وإلى خصم وحكم في آن، يدعي لنفسه حقاً وتكليفاً إلهياً بتقويم السلوك الاجتماعي. ولا أشك لحظة في أن الشاعر محجوب شريف هو من استعار من أولئك المحكومين في إحدى "حضراته الشعرية" المسكونة بحب الناس ومعرفة خلجات ومكنون نفوسهم، ما كان يردده كل واحد لنفسه سراً وهو أمام الطابور من عزاء شخصي للذات:

    "حليلك بتسرق سفنجة وملاية

    وغيرك بيسرق خروف السماية....

    تصدق في واحد بيسرق ولاية؟!!"

    وفي عيون ووجوه وضحكات وابتسامات أولئك الذين كانوا يقادون إلى ساحة "عدالة الإخوان الناجزة" رأيت سخرية وهزءًَ بتلك المسرحية الهزلية السخيفة، الباعثة على الغثيان والضحك رغم مأساويتها ووحشيتها. وفي وجه كل واحد من المحكومين، رأيت شيئاًَ من سخرية وفلسفة بطل رواية "الغريب" للكاتب والفيلسوف الفرنسي البير كامو. فقد كانوا مثله في زهدهم عن الدفاع عن أنفسهم، أمام طائلة عبثية وكوميديا لامعقولية القوانين والمؤسسات الاجتماعية التي جرمتهم وأدانتهم. وعلى رغم الحواجز الشاهقة وتجهم ملامح الطابور الدموي، تبادلنا الضحكات والابتسامات وكلمات الوداع الأخيرة، مع عدد من المحكومين بالقصاص –بمن فيهم المحكومون بعقوبة الإعدام- وهم يقطعون خطواتهم الختامية المفضية بهم إلى الموت. ولم يكن غريباً أن يفلت أحدهم من أمام الطابور ليخطف سيجارته أو "تخميسته" الأخيرة من أحد أصدقائه الواقفين منا وراء سياج الورشة، علماَ بأننا كنا نشكل دائماً جمهور المودعين الأخيرين إلى مسرح العرض الدموى.

    وما هي إلا لحظات تتلى فيها الإدانة والمصادقة القضائية عليها، فيعقبها ذلك الصوت المدوى الذي يصم الآذان، فتسقط على إثره الجثة هامدة في جب بئر المشنقة المظلمة. عندها تتحول السخرية والنكات على عبثية الوجود كله، إلى غصة حنظلية المذاق، يصعب على الحلق ابتلاعها أو احتمال مرارتها. وفي خلايا الجسد المستباح المصعوق، تسرى رعشة وحمى غريبة، لا يعرف مصدرها حين يخلد الواحد منا إلى فراشه. وأنى لك النوم والكوابيس المفزعة، وأنت ترى إنساناً مر من أمامك سليماًَ معافى يهز الجبال قبل لحظات، ولم يخرج من "مسلخ العدالة" إلا وقد تحول إلى رميم أو حطام إنسان مبتور الأوصال، أو خرج منها محمولاً على آلة حدباء بعد أن حولوه إلى جثة هامدة لا حراك فيها! من هناك مر الواثق صباح الخير، وبعده عشرات ... عشرات آخرون، قبل أن يمر منها أخيراً المفكر الشهيد محمود.

    عندما استيقظت على مقام محمود

    من القراء التمس المعذرة إن أطلت في الوصف والتقديم، ولكن كان من المهم جداًَ أن أرسم صورة الأجواء القانونية والسياسية والنفسية والأخلاقية التي أحاطت بمحاكمة الأستاذ وتجريم فكره وتعليقه على حبل المشنقة قبل تصفيته جسدياًَ والتخلص منه مرة واحدة وإلى الأبد... ولكن هيهات. وقبل أن تكون هذه الكتابة شهادة من داخل السجن على ما جرى قبيل الإعدام وفي عشيته وصبيحته، أستشعر من خلالها أولاً وقبل كل شيء، واجباً فكرياً وأخلاقياً معاً، إزاء الكشف عن تلك المؤسسة الظلامية الغاشمة، التي استلهمت عقلية "محاكم التفتيش" من أضابير وتجاويف القرون الوسطى، واستنهضت تقاليد القمع الفكري والسياسي كلها –برصيدها الإسلامي والمسيحي معاً- لتستخدمها أداة وسيفاً مسلطاً على رقاب خصومها السياسيين والفكريين، بل لتشطب بها الإسلام كله بضربة لازب واحدة، فلا تبقى منه سوى حد العقوبة والسيف.

    كان ذاك هو فحوى المحاكمة المهزلة التي شاهدناها وتابعنا تفاصيلها من داخل السجن. وكان ذاك هو مضمون "الاستتابة" التي سخر منها محمود قبل غيره، أيما سخرية ومضى سامقاً فارع القامة والطول إلى أعواد المشنقة، مستعيداً بذلك في لحظة تاريخية غريبة مفارقة، صورة تلك المحاكمة المهزلة التي تعرض لها الحسين بن منصور الحلاج، وما أعقبها من صلب وجلد وحز للرأس وتقطيع للأوصال، بعد أن أدانه قضاة بوزن وفقه "مهلاوي ومكاشفي" ذلك الزمان بتهمتي الزندقة والإلحاد اللتين وجهتا إليه. وللمفارقة فقد كانت تلك أيضاً دولة بوليسية يحكمها العسس وسواري ليل بغداد عام 301 ه. ولم يكن جرم الحلاج إلا أن له عقلاً مفكراً وأنه أبصر ما لا يبصره الآخرون من خلال فلسفته ورؤيته الصوفية الشفيفة القائمة على فكرة الإيمان بوحدة الوجود التي يرقى فيها الإنسان في علاقته بربه إلى مرحلة نورانية روحانية من "الحلول". وما جرم الحلاج إن عجز قصور عقول أعضاء محكمة التفتيش تلك عن تأويل قوله شعراً:

    أنا من أهوى ومن أهوى أنا

    نحن روحان حللنا بدنا

    فإذا أبصرتني أبصرته

    وإذا أبصرته أبصرتنا

    وإلى أعواد المشنقة تقدم محمود واثقاً، ثابت الخطى وباسماً، لا لجرم ارتكبه سوى عقله المفكر وقدرته على رؤية ما لم يره الآخرون –سيما خصومه المتشددون من ذوي البصيرة المسدودة- كما سنرى من خلال دراستنا لجانب واحد فحسب من تراث فكره المتصل برؤيته للثقافة والفنون في سياق ريادته لحركة التجديد الفكري الديني وانتمائه إلى الاستنارة والحداثة من مواقع الفقه الديني نفسها.

    ذاك محمود، ذاك ثوبه البسيط الناصع البياض، ذاك إبريق مائه وتلك فروته.. ذاك زهده وطهره وطهارته ... كيف تقتلوه؟ رأيت كل ذلك حيث كان في لحظاته الأخيرة، من زنزانة مقابلة لزنزانته، كانت قد حشرتنا فيها حشراً سلطات السجن التي أفرغت قسم الورشة بكامله حتى لا نشهده مباشرة وهو يتقدم طابور الإعدام. عندها كنت أهتف مع المحتجين وأشاركهم هز جدران السجن وأركانه بأصواتنا التي عانقت أصوات آلاف المتظاهرين والمحتجين في شوارع وبيوت كوبر المحيطة بالسجن. ولكنني بين نفسي كنت قد أدركت مقام الرجل، صحوت من غفوتي وغفلتي في إمعان النظر إليه مبكراً. لحظتها اجتاحني نهم عارم لكل ما كتب وقال، وندمت ندماً ما بعده على عدم زيارتي لحلقات إنشاده وحواره التي كان يقيمها بانتظام في منزله في بداية مدينة الثورة بأم درمان وأنا الغادي والرائح عبرها كل يوم! تلك هي اللحظة التي يشعر الواحد منا أن ثروة عظيمة قد تبددت وتسربت من بين أصابعه، دون أن يدري قيمتها أو يفيق من غفلة الحياة وتفاصيلها اليومية العابرة ليفتح عينيه على كنوز الذهب.

    عادة قبر الرموز!

    وإن كانت قد نازعتني منذ ذلك الوقت رغبة في قراءة فكر محمود كله والكتابة عنه، فقد تآكلت روحي سنيناً وسنين، حسرة على استهانة بلادنا كلها، دولة وشعباً ومؤسسات، وتفريطها المستفز في تراث ومكانة أعظم مفكريها وعلمائها ومثقفيها ومبدعيها في كافة المجالات. أين بالله تكون مكانة العشرات والعشرات من أذكى وأنبغ بنات وأبناء السودان من الشعراء والأدباء والفنانين والعلماء والباحثين النوابغ في مختلف المجالات، لو أنهم كانوا ينتمون إلى جنسيات أخرى، وأنجزوا ربع ما أنجزوه في بلد آخر وواقع آخر.. غير واقعنا نحن وغيربلادنا نحن؟ إلى متى هذه الخيبة المبينة وإلا متى نظل نقبر الرموز وهم أحياء وأموات؟! وبعض التجاهل يصدر عن "طيب خاطر وحسن نية" سودانيين. وبعضه ناشئ وقائم في ضعف أو غياب المؤسسات الثقافية نفسها، وكامن في ظاهرة الانقطاع في ممارستنا الثقافية واعتمادها على الظرفية وعادات المشافهة السيئة. وفي ظل واقع كهذا، كثيراً ما يعتمد الإبداع الفكري والثقافي على المبادرة الذاتية، بكل ما يحيط بها من ظروف حياتية ضاغطة ومكابدات عنيدة مع معركة توفير الحد الأدنى الضروري لحياة المفكر والمبدع، الذي يسعى مثل غيره إلى تحقيق شرط وجوده البيولوجي أولاً قبل أن يشطح إلى سماوات الإنسانية والإبداع!

    كل هذا مفهوم ومن الممكن بل من الواجب معالجته. ولكن بعض الإهمال لئيم ومقصود ومتعمد، ويستمد لؤمه وقبحه من قبح وبدائية تقاليدنا السياسية السيئة، التي تربي الأفراد على بناء حاجز نفسي آيديولوجي سميك، يحجب البصيرة ويسد البصر، ويدفع الفرد في كثير من الأحيان، إلى تقديم الانتماء الحزبي السياسي الضيق، على المصلحة الوطنية العامة. ومن هذا الباب فما أضخم تراث الكيد السياسي البائر في حقل تقييم الفكر والإبداع. ولئن كانت الممارسة السياسية للجبهة الإسلامية "مشاترة" ومفارقة في كل شيء، لدى إصدارها قاموساً للشخصيات السودانية، حذفت منه بجرة قلم واحدة أسماء وقامات لا يستقيم للقاموس نفسه أن يحمل صفته تلك بدونها إلا إن كان قاموساً خاصاً بشخصيات من جزر القمر أو الكناري –شملت القائمة المحذوفة محمود محمد طه، فاطمة أحمد إبراهيم، عبد الخالق محجوب، الأمير عبد الرحمن نقد الله، الشفيع أحمد الشيخ- وغيرهم من الأسماء التي يطعن غيابها في قيمة القاموس، وفي نواياه ومحصلته، إن كانت تلك هي المشاترة العمياء بعينها، فما الذي يفسر سلوك برنامج توثيقي تلفزيوني قومي مخصص هو الآخر للتوثيق لحياة الشخصيات السودانية؟ أشير هنا إلى برنامج عمر الجزلي "أسماء في حياتنا" الذي لفت نظري فيه تلك العين الآيديولوجية الفاحصة في اختيار الشخصيات التي يوثق لها ويقدم. صحيح أن جعفر نميرى مثلاً كان اسما في حياتنا، ولكن أي اسم؟ مقابل ذلك تلاحظ غياب شخصيات كثيرة، هي التي تحمل وتعبر عن اسم البرنامج بمعناه الإيجابي بحق. دون أن أخوض في التفاصيل أسأل عمر الجزلي: ألم يكن مصطفى سيد احمد مثلاً اسماً كبيراً في حياة ملايين السودانيين ووجدانهم حتى بعد رحيله؟ وما هو المعيار الذي يحدد أن فلاناً أو علاناً كان اسماً في حياتنا نحن المفترى علينا؟ قبل ذلك، استضاف عمر الجزلي جعفر نميري فهل تذكر أن يستضيف محمود، أم أن هذا الأخير يندرج تحت قائمة "نكرات في حياتنا" المخبوءة في مكان ما بين أضابير الجزلي؟

    عودة إلى أهمية دراسة تراث محمود وإسهامه الحداثي التنويري، فلا يزال من واجبنا حتى الآن، أن ننهض بهذه الدراسة كمفكرين ومثقفين، وأن نبين حجم الخسارة الفادحة التي ألحقها خصومه وجلادوه بثقافتنا وفكرنا وبحركة التجديد في الفكر الإسلامي كله. وما لم ننهض نحن بهذا الواجب فمن ننتظر أن يقوم به بالوكالة عنا؟ من جانبي كنت ولا أزال أطمح للقيام بهذا الواجب على مستوى أكاديمي مؤسسي، أضطلع فيه بتناول فكر وفلسفة محمود التنويرية، تناولاً مقارناً بفكر التيار الأصولي المتشدد، الذي ترضع اليوم من أثدائه كافة الحركات الإرهابية الناشطة على نطاق العالم، من السودان وحتى أفغانستان. ولتكن هذه الحلقة والحلقات التي تليها، المخصصة لدراسة جانب محدد من فكر وتراث محمود، ترجمة عملية لبعض هذه النوايا.




    *عبدالجبار عبد الله

    ناقد صحفي ومترجم
    محاضر سابقا بجامعة الخرطوم وجامعة أمدرمان الأهلية 1994-2000 في علوم الترجمة

    http://www.sudaneseonline.com/sections/kitabat_naqdiya/pa...ljabbari_mizmar.html
    _________________
                  

06-02-2008, 05:15 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    في ظلام غيبة الوعي
    أشياخ التكفير .. أساتذة جامعات؟! (1-5)
    د. عمر القراي

    ) إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم(
    صدق الله العظيم
    اطلعت مؤخراً، على كتيب بعنوان ( فتاوي العقيدة والمذاهب)، مؤلفه هو د. عبد الحي يوسف. ولقد لفت نظري في البداية، ان كاتبه مشار إليه بلقب (الدكتور) بدلاً من )الشيخ)!! كما ان الكتاب ليس فيه اسم الجهة التي أصدرته، أو دار النشر التي طبعته، ووزعته، الأمر المخالف لكل نظم المسؤولية، في التوثيق العلمي.. وحين اطلعت على الكتيب، وجدت انه ملئ بالفتاوي المتطرفة، التي تجنح للتكفير، والإثارة، والتحريض، والاستعداء على فئات مختلفة من الشعب السوداني.. مما يعد جهلاً بحقائق الدين، واستهتاراً بالدستور، وباتفاقية السلام، التي ارتضت التباين الديني، والفكري، والثقافي، والسياسي.. وأقرت مبدأ الحق في العيش الكريم، لأبناء الوطن الواحد، رغم اختلاف أديانهم، ومعتقداتهم..
    ولقد افتتح الكتاب، بكلمة للناشر- الذي لم يورد اسمه - جاء فيها (وهذه المجموعة تمثل نماذج منتقاه لبعض الأسئلة التي وردت إلى موقع شبكة المشكاة الإسلامية وأجاب عليها فضيلة الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف رئيس قسم الثقافة الإسلامية بجامعة الخرطوم)!! ولم يوضح لنا الكتيب، لماذا قدمت هذه الأسئلة لذلك الموقع بالذات، ولا عن اي جماعة إسلامية، يعبر ذلك الموقع، الذي يفخر بنشر فتاوي التكفير، ولماذا قدم الموقع الأسئلة للشيخ عبد الحي، دون سائر الفقهاء والوعاظ، الذين درجوا على إصدار الفتاوي قبله..
    ولقد كان من الممكن ان نتجاوز عن هذه الفتاوي الجاهلة، الحاقدة، البعيدة عن واقع العصر، لو انها صدرت من شيخ عادي، بسيط، لا يتجاوز علمه "متن العشماوية"، أو "ألفية ابن مالك"، وما شابهها من الحواشي والمتون.. ولكن ان تأتي الفتاوي المتطرفة، من شيخ بلقب (دكتور) في جامعة الخرطوم، ثم هو، رغم هذه العقلية، المسؤول عن الثقافة الإسلامية، في هذه المؤسسة العريقة، فأمر لابد من الوقوف عنده .. ذلك ان هذه الظاهرة الغريبة، انما تشير الى أمرين خطيرين: أولهما انتشار التيارات الدينية المتطرفة، التي تسيء إلى الإسلام أبلغ الإساءة، بما تعكسه من ممارسات إرهابية، تخالف جوهر الدين، وتشوه صورته، في نظر العالم.. ثم هي منسوبة بصورة أو أخرى، لحكومة الوحدة الوطنية، التي سمحت بها، رغم أن الحكومة تحاول جاهدة، تبرئة ساحتها، من تهم الإرهاب، وتصرح مراراً، بانها تسعى لإقرار السلام، في دارفور، كما أقرته في الجنوب، علها بذلك تمحو تهمة الإرهاب، وتدفع شبح تدخل القوات الدولية، التي دخلت دارفور، من التدخل في غيرها من بقاع السودان، وهي تعلم ان تدخل المجتمع الدولي، لا يبرره شئ مثل الإرهاب والعنف..
    أما الأمر الآخر فهو تسرب هذه الاتجاهات الارهابية، التكفيرية، الى مؤسسات التعليم العالي، دون كفاءة علمية، ودون اعتبار للوائح، والنظم، ومعاييرالتعيين، في هذه المؤسسات.. مما أسقط هيبة الجامعات، وحد من قدرتها على المنافسة، في التقييم العالمي، وأثر سلباً على تربية، وتأهيل النشئ ، وأكد ما ظلت المنظمات الدولية لحقوق الانسان تردده، من ان ما حدث للتعليم العالي، في السودان، يرقى الى حد الانتهاك لحقوق الانسان..
    داعية الفتنة.. كيف يفكر؟
    والشيخ عبد الحي يوسف، لم يبدأ الفتنة بهذه الفتاوي العجيبة، وانما درج على تصدر كافة المناسبات العامة، التي تتعلق بأي موقف سياسي، أو فكري، ليحولها الى مأساة، بزرع بذور الفتنة، والفوضى، وتهديد أمن المواطنين.. فقد قاد مجموعة من الشبان، تهتف (الحد الحد للمرتد) أمام قاعة المحكمة، التي برأت المرحوم محمد طه محمد أحمد، من تهمة الردّة، التي حاول جاهداً أن يلصقها به!! وسبق أن هاجم معرض الأخوة المسيحيين، بجامعة الخرطوم، وحرض عليه، واستنكر وجوده، مما اثارسخط المتطرفين، فقاموا بحرقه، واهدروا بذلك، حق اولئك المواطنين، في التعبير عن معتقداتهم، وعرضوا ارواحهم للخطر، واتلفوا ممتلكاتهم!! ولقد كانت تلك الفتوى الجاهلة، مخالفة واضحة، لقوله تبارك وتعالى (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين)، ولقوله تعالى (ولا تجادلوا أهل الكتاب الا بالتي هي أحسن).. ثم إنها مخالفة للدستور، واخذ للقانون في اليد، وكل ذلك لا يليق بالطالب الجامعي، فأعجب ان يقوم به الاستاذ الجامعي، داخل الحرم الجامعي!! ثم لا يساءل عما اقترف من جريمة التحريض!! لقد كان أجدر بالشيخ عبد الحي ان يعرض للافكار التي يختلف معها فيبين حقها من باطلها، ويمكن ان يحاور اصحابها فيهدي الله لنوره من يشاء ، ولكن اسلوب التكفير والاثارة وتحريض البسطاء، ليقوموا هم نيابة عنه، بما يدعي انه واجب ديني، حتى يكون هو بمعزل عن المساءلة القانونية، انما هو عمل ينقصه الصدق، وتنقصه المروءة!!
    ولم يكن سبب تحريض عبد الحي، ضد المسيحيين، غضب مفاجئ، لم يستطع تمالكه، وانما يرجع الى ايمانه الراسخ، بعدم التقارب بين الاديان المختلفة!! فقد سأله أحدهم (كثر الحديث هذه الأيام عن التقارب بين الأديان فما صحة هذا القول؟ ) فاجاب عبد الحي (... فان الدعوة الى التقارب بين الاديان يراد من ورائها التسوية بين الحق والباطل والهدى والضلال والكفر والايمان..... فالتقارب بين الاديان بدعة ضلالة تولى كبرها الماسون ومن خدع بهم أو باع آخرته بدنياه) (فتاوي العقيدة والمذاهب - الجزء الأول صفحة 20).. ولو كان الشيخ عبد الحي، يعرف اقل القليل، عن الاديان، لعرف انها متقاربة لأن مصدرها واحد، وأصلها واحد، وغايتها واحدة .. أما مصدرها فهو الله سبحانه وتعالى، واما أصلها فهو كلمة التوحيد " لا اله الا الله "، واما غايتها فهي تجسيد كلمة التوحيد، في الخلق.. قال تعالى عن وحدة الأديان (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي اوحينا اليك وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى أن اقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم اليه الله يجتبي اليه من يشاء ويهدي اليه من ينيب)، ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (خير ما جئت به انا والنبيون من قبلي لا اله الا الله).. ولو كان الشيخ عبد الحي يعرف، لعرف ان من اسباب التقارب بين الاديان، ان ما جاء به القرآن، هو ما ورد في الكتب المقدسة قبله، قال تعالى (ان هذا لفي الصحف الأولى صحف ابراهيم وموسى).. وان الاختلاف وقع في الشرائع، قال تعالى (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) لاختلاف الزمان، وحاجة كل زمان لما يناسبه من التشريع.. فالتقارب إذاً هو الاساس، والاختلاف فرعي، وهو لا يبرر التباعد، الذي افتعله الجهلاء، من اتباع الأديان، وليس ادل على ذلك من هذه الفتوى!!

    ومن نماذج الفتاوي، التي تنطوي على النفاق، تحريم الشيخ عبد الحي، العمل في الأمم المتحدة!! فقد سألته إحدى النساء (بحكم عملي أخالط كثيراً من النصارى، نتناول الطعام سوياً أثناء العمل، اشاركهم في بعض الدعوات والحفلات في منازلهم وبعض الاماكن العامة فما مدى حرمة ذلك؟ مع العلم بأني التزم بالزي الاسلامي حتى في هذه الحفلات) فكانت اجابة عبد الحي ( فالحكم على عمل ما بالحل أو الحرمة يتوقف على معرفة ماهية ذلك العمل، وهل يندرج تحت التعاون على البر والتقوى أم التعاون على الإثم والعدوان؟ وها هنا أسئلة تستطيعين من خلال الجواب عنها معرفة حكم عملك في تلك الهيئة: هل الأمم المتحدة تنتصر لقضايا المسلمين أم العكس؟ هل هي في احكامها ونظمها تخضع لما انزل الله أم العكس؟...... أما مخالطتك لهم وانت أنثى فما ينبغي لك ذلك بل المطلوب من المسلمة أن تلزم حدود الاسلام بالا تخالط الرجال الا لضرورة أو حاجة، وحسبك ان تعلمي ان النبي صلى الله عليه وسلم منع اختلاط الرجال بالنساء حتى في المسجد وفي الصلاة، فاتقي الله في نفسك ودينك) (المصدر السابق ص (22-23)). هل كان الشيخ عبد الحي، صادقاً في هذه الفتوى، وهل هو مطبق لها في الجامعة، حيث الطلاب والطالبات في المعمل، وفي المكتبة، وفي الفصل، وفي فناء الجامعة، في حالة اختلاط؟ وهل يطلب الشيخ عبد الحي، من أي طالبة تسأله في الجامعة سؤالاً، أن تخاطبه من وراء حجاب؟! وهل ركب عبد الحي، يوماً، المواصلات العامة، أو ركب الطائرة، وجلست بقربه امرأة، فترك المركبة في الحال؟! واذا كانت الأمم المتحدة، لا تخضع في أحكامها، ونظمها، لما انزل الله، فمن أولى بان يقال له ذلك، موظفة بسيطة، أم حكومة السودان، التي تتعامل، وتتعاون، وتستلم المعونات من الأمم المتحدة؟!
    ====
    في ظلام غيبة الوعي
    أشياخ التكفير .. أساتذة جامعات؟! (2-5)

    تكفيره للحركة الشعبية
    لقد ورد السؤال كالآتي: (مارأي الشرع في انضمام رجل مسلم الى الحركة الشعبية كتنظيم سياسي مع العلم ان قيادتها لم يكونوا مؤمنين؟ ) فاجاب الشيخ عبد الحي (فلا يجوز لعبد يؤمن بالله واليوم الآخر ان ينضم لحركة تعادي الإسلام وأهله سواء ن كانت الحركة الشعبية أو غيرها من الاحزاب الإلحادية والعلمانية التي تجاهر بعدواة الاسلام أو تكون برامجها مشتملة على الدعوة الى إقصاء الدين عن الحياة... والحركة الشعبية على وجه الخصوص لم تخف في يوم من الأيام عداوتها للإسلام وأهله واعلنت مراراً عن نيتها وسعيها لإقامة ما يسمونه بالسودان الجديد يعنون بذلك سوداناً علمانياً لا مكان للدين فيه، كما انهم قد بدت البغضاء من افواههم تجاه كل ما يمت للعروبة بصلة، وما فتئوا ينادون بان سكان السودان الأصليين هم الزنوج وأن العرب الجلابة ليسوا الا غزاة الى غير ذلك من الترهات التي يبثونها ويدندنون حولها مراراً وتكراراً، وان المرء لا ينقضي منه العجب حين يرى منتسبين الى الاسلام يسارعون فيهم لنيل عرض من الدنيا قليل يبيعون من اجله دينهم ويوادون من حاد الله ورسوله فاذا عوتبوا يقولون "نخشى ان تصيبنا دائرة" وهم يجهلون حكم القرآن الواضح "يا ايها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فانه منهم ان الله لا يهدي القوم الظالمين") (فتاوي العقيدة والمذاهب: د. عبد الحي يوسف صفحة 24-25)
    إن فتوى الشيخ عبد الحي، لا عبرة بها، من حيث الفهم الديني السليم. ذلك ان الحركة الشعبية، قد حاربت بشرف، وحين جنحت للسلم، حق على محاربيها، ان يجنحوا له أيضاً، نزولاً عند قوله تبارك وتعالى (وان جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله انه هو السميع العليم).. ولأنه في أصل الدين، فان الانسان حر ان يختار الاسلام او يختار غيره.. قال تعالى في ذلك (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)!! ومن احترام الاسلام لانسانية الانسان، بغض النظر عن معتقده، فقد أمر بحسن معاملة غير المسلمين، قال تعالى (ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ان ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين)، وقال جل من قائل (ولا تجادلوا اهل الكتاب الا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون)!! فاذا قال الشيخ عبد الحي ان هذه الآيات منسوخة، وان الآيات المحكمة هي آيات القتال، فليسأل نفسه لماذا أنزل الله، هذه الآيات الانسانية الرفيعة، اذا كانت لن تطبق مطلقاً؟! لقد أنى للمتصدرين لأمر الإسلام، أن يعلموا أن النسخ إنما هو إرجاء، وليس إلغاء.. وان الآيات التي تدعو للسلام، والمودة، والحسنى بين المسلمين وغير المسلمين، هي أصل الدين، وهي صاحبة الوقت اليوم، ولا بد من بعثها، ومعيشتها، حتى لا يتناقض ديننا مع حياتنا، فيقبل الشيخ عبد الحي، ان يكون زعيم الحركة الشعبية، نائباً لرئيس الجمهورية، ومسؤول عن كل البلد، في حالة غياب الرئيس، ومسؤول عن المؤسسات التابعة لرئاسة الجمهورية، بما فيها مجمع الفقه، الذي يعمل عبد الحي موظفاً فيه، ثم هو وكل اعضاء تنظيمه، يعتبرون مع كل ذلك، في نظر عبد الحي كفاراً!! أما كان الأجدر بعبد الحي، ان يستقيل اولاً، عن كل مؤسسات الحكومة، ويعلن معارضته لها، لأنها والت الكفار، ولم تتبع الآية التي اوردها لنا، في حديثه أعلاه، وهي قوله تعالى (يا ايها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فانه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين)، قبل أن ينصرف عن هذا الواجب المباشر، الى تكفير الذين انضموا للحركة الشعبية ؟!
    ولو ترك الشيخ عبد الحي، أمر التكفير جانباً، وفضل تقبل الفهم، لشرحنا له كيف ان الآية التي اوردها ومثيلاتها، آيات فروع، تنزلت عن الأصل، مناسبة لطاقة المجتمع في الماضي، حيث العرف السائد قد كان القتال.. واما العرف اليوم، فهو السلام، ونحن مأمورون باتباع العرف، إذا لم يخل بغرض من أغراض الدين.. قال تعالى (خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين).. هذا العرف، انما يدعونا الى احسان معاملة المسيحيين، التزاماً بآيات الأصول، مثل قوله تعالى (ولتجدن اقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا انا نصارى ذلك بان منهم قسيسين ورهباناً وانهم لايستكبرون)!! ولو انشغل الشيخ عبد الحي، بالتفكير، عن التكفير، لدعوناه ليتأمل، قوله تعالى (ان الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) !!
    أما من حيث الفهم الانساني، فان هذه الفتوى جريمة نكراء، لانها مخالفة تبلغ حد الاستهزاء بالدستور، وباتفاقية السلام، ثم هي خطيئة لا تغتفر، في ميزان الديمقراطية وحقوق الانسان، حيث حرية الاعتقاد، حق راسخ، نصت عليه كل الاتفاقيات والمواثيق الدولية، ثم انها بالاضافة لكل ذلك اثارة للبسطاء، والمضللين باسم الدين، ليأخذوا القانون في أيديهم، فيثيروا الفوضي ويقتلوا زعماء الحركة الشعبية، أوالمتعاونين معهم!! ولقد حدثت مثل هذه الفتن، من قبل، في يوم الاثنين المشؤوم، وأزهقت فيها أرواحاً بريئة، دون ذنب ، فلماذا يريد عبد الحي ان يكررها ؟! ثم ان الدعوة لعدم التعاون مع الحركة الشعبية، بعد توقيع الاتفاق معها، نكوص عن العهد، وخيانة للاتفاق (وان الله لا يهدي كيد الخائنين)!! ومن هنا، يجب عدم السكوت على هذه الفتوى الحمقاء، او قبولها باعتبارها مجرد رأي ديني، من حق الفقهاء اشاعته بين الناس.
    وحين حرض الشيخ عبد الحي، المواطنين المسلمين، على عدم موالاة اعضاء الحركة الشعبية، أورد الآيات التي تحذر من ذلك، وتعتبر المسلمين الموالين للنصارى مثلهم، كقوله تعالى (يا ايها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فانه منهم ان الله لا يهدي القوم الظالمين ) !! والمواطنين الذين يحذرهم الشيخ عبد الحي، لم يوقعوا اتفاقية السلام، وانما وقعها قادة حكومة الإنقاذ الذين أوقفوا الحرب.. فهل يقصد الشيخ عبد الحي - بايراده لهذه الآية - بان رجال الإنقاذ خرجوا عن الدين، واصبحوا مثل النصارى؟! وإذا كان هذا هو رأيه الخفي، في قيادات الحكومة، فلماذا يتعامل معهم، ويأتمر بأمرهم، وهم في رأيه قد خرجوا على أمر الله ؟! أليس في هذا نفاقاً، لا يبقي لأحد ديناً ولا يذر؟! إن خطورة مثل إشاعة هذه الفتاوي الجاهلة، هي ان يسمعها بعض البسطاء، المضللين، فيعتدوا حتى على من كانوا قادتهم في الجماعة الاسلامية، من رموز الحكومة، بحجة أن عبد الحي قد قال انهم مثل أهل الكتاب، لأنهم موالين لهم وشركاء معهم في حكومة واحدة!!
    تكفيره للجمهوريين
    ولقد كفر الشيخ عبد الحي الجمهوريين، دون ان يناقش افكارهم، ودون ان يحاورهم فيها، وظن من الشذرات، التي بترها عن قصد، من هنا وهناك، ان امر تكفير الاستاذ محمود، والجمهوريين، بداهة لا تحتاج حتى ان يتردد في اطلاقها، ولذلك يقول: (فان الفكر الجمهوري الذي كان داعيته والمنظر له الهالك المذموم "محمود محمد طه" فقد حوى جملة من المصائب والطامات تجعل الحكم عليه بيناً... إنكاره لأمورقد علمت من دين الاسلام بالضرورة كوجوب الحجاب على المرأة ووجوب الزكاة واباحة تعدد الزوجات.... سوء ادبه مع الله وانبيائه ورسله ودينه وقد طفحت بذلك منشوراته ومؤلفاته..... بلغ من زندقته وفساد عقله ان ظن ان احكام الاسلام موقوته وان اختلاف الزمان يأتي على اصلها.... واذا تبين مروق هذه الفرقة من دين الاسلام فانه لا يحل لمسلم أن يتزوج من نسائهم لقوله تعالى "ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم" ولو استبان لزوج ان إمرأته تعتنق هذا الفكر لوجب عليه فراقها إن لم تتب، لقوله تعالى "ولا تمسكوا بعصم الكوافر" ولا يحل لمسلمة كذلك أن تتزوج رجلاً يعتنق هذا الفكر، لقوله تعالى "ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم")(المصدر السابق ص 28-33).
    ولو كان الشيخ عبد الحي، يملك من الورع، ما يجعله ينقل من كتب الجمهوريين، نقلاً صحيحاً، غير مبتور، لناقشنا الحجج التي اوردها، في فتواه البائسة. ويمكن لمن اطلع، على كتب الاستاذ محمود، ان يدرك دون عناء، ان معظم ما أورده عبد الحي، مزور، ومحرف، ومبتور بقصد، حتى يعطي فهماً معاكساً.. ونحن هنا، نكتفي بمثال واحد، مما أورد، لندلل على كذب هذا الشيخ !! فقد كتب عبد الحي (رابعاً: سوء أدبه مع الله وانبيائه ورسله ودينه وقد طفحت بذلك منشوراته ومؤلفاته حيث وصف رب العالمين جل جلاله بالحقد حين يخلد الكفار في النارفقال في كتابه الرسالة الثانية ص78 "وما من نفس إلا خارجة من العذاب في النار وداخله الجنة حين تستوفي كتابها من النار وقد يطول هذا الكتاب وقد يقصرحسب حاجة كل نفس الى التجربة ولكن لكل أجل قدر ولكل أجل نفاد، والخطأ كل الخطأ في ظن ان العقاب في النار لا ينتهي إطلاقاً فجعل بذلك الشرأصلاً من أصول الوجود وما هو بذلك، وحين يصبح العقاب سرمدياً يصبح انتقام نفس حاقدة) (المصدر السابق صفحة 30).
    أما النص الحقيقي فهو كالاتي (وما من نفس الا خارجة من العذاب في النار وداخلة الجنة، حين تستوفي كتابها في النار، وقد يطول هذا الكتاب، وقد يقصر، حسب حاجة كل نفس الى التجربة، ولكن، لكل قدر أجل، وكل أجل الى نفاد. والخطأ، كل الخطأ، ظن من ظن أن العقاب في النار لا ينتهي إطلاقاً، فجعل بذلك الشر اصلاً من أصول الوجود، وما هو بذاك. وحين يصبح العقاب سرمدياً يصبح انتقام نفس حاقده، لا مكان فيها للحكمة، وعن ذلك تعالى الله علواً كبيراً) (الرسالة الثانية صفحة 104-105)
    وحذف الشيخ عبارة (وعن ذلك تعالى الله علواً كبيراً)، وانهاء النص عند كلمة "حاقدة"، ليصل الى غرضه المبيت، في اتهام الاستاذ بما ذكر، بالاضافة الى دلالته على ضعف الاخلاق، والكذب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا يكذب المؤمن)، انما يدل ايضاً على عدم الأمانة العلمية، وضعف التدريب في مجال البحث العلمي، الذي يقتضي الرجوع الى المراجع، ودقة التوثيق.. وهو ما يفترض ان يكون الشيخ قد حصل فيه على درجة الدكتوراة، التي يفضل ان يوصف بها، دون ان يملك ابجديات مقدماتها!!

    اجراس الحرية
                  

06-04-2008, 08:42 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    [size=24]صباح الخير يا حكام أفريقيا السابقين والحاليين

    لماذا تظل الأنظمة السابقة تطارد الأنظمة التي تليها..؟!
    منقستو خاف من الإمبراطور الميت فدفنه تحت مكتبه
    وزيناوي يلاحق منقستو - الحي الميت - في زيمبابوي
    عيديد سمح بدفن جثمان سياد بري في قرية بعيدة بعد جهد جهيد!
    أزهري طارد نظام نميري فسجن أبو الاستقلال.. ومات مهملاً بالمستشفى!



    الأنظمة الجديدة في العالم الثالث أو «الرابع عشر» في الحقيقة تضيّع نص عمرها عندما تأتي للحكم بوسيلة أو بأخرى «ليس من بين هذه الوسائل صندوق الانتخابات» في الغالب - في ملاحقة من سبقها من الحكام لدرجة، أن النظام الجديد - المنقلب على انقلاب أو نظام ديمقراطي ينسى بنود ووعود «بيانه الأول»!
    إننا وقبل أن نأخذ أمثلة لندلل على ما قلنا، فإن مناسبة هذا الحديث هي ما أعلنته الحكومة الأثيوبية الحالية برئاسة - الدكتور - مع وقف التنفيذ أو التخرج - ملس زيناوي، الذي قاد ثورة مختلطة «شعبية وعسكرية وقبلية»، ضد نظام منقستو هيلي ماريام، الذي حكم عليه في الأسبوع الماضي غيابياً بالاعدام..!
    وغيابياً لأن منقستو ومنذ نحو 18 عاماً يعيش في العاصمة الزيمبابوية هراري، بناء على قرار دولي وأفريقي الشكل، وأمريكي بريطاني الأصل، ذلك لأن أمريكا وبريطانيا وربما إيطاليا - على خفيف - هي الدول التي اتخذت عام 1991 قرارين هامين في تاريخ أثيوبيا، إذ كان القرار الأكثر تاريخية وأهمية، قد اتخذه منقستو هيلي ماريام في منتصف السبعينيات من القرن الماضي عندما ألغى النظام الإمبراطوري التاريخي الذي حكم أثيوبيا لمئات السنين..!
    كان القرار الأمريكي الغربي المذكور، الذي أنهي حكم منقستو عام 1991، هو أن يتسلم الرئيس زيناوي، والذين معه، من قادة تحالف هش - يشبه تحالف المؤتمر الوطني القوي مع عناصر ومجاميع حزبية ضعيفة ومنقسمة على أحزابها، أن يستلموا الحكم في أثيوبيا، وأن يقيموا انظاماً جمهورياً ديمقراطياً على قياس أثيوبيا، ووفقا لمقتضيات الحال فيها..!
    كان القرار الثاني الصادر من - مؤتمر لندن - الأمريكي البريطاني الايطالي الغربي، هو أن تستقل أريتريا بعد حربها الطويلة ضد الاستعمار الأثيوبي لها..!
    وكان توقع أهل القرار ذاك، هو أن تصل أثيوبيا- زيناوي، وأريتريا - أفورقي - وهما أقارب بالقبيلة والحدود والجغرافيا والفكر الماركسي الماوي - إلى الوحدة - الطوعية - في المستقبل، وألا تكون أثيوبيا الدولة الكبرى، والقائدة أفريقيا ودينياً، دولة مغلقة، وبلا إطلالة على البحر الأحمر..!
    طبعاً فيما بعد، وحتى يومنا هذا، أتت رياح ذاك الاتفاق بين زيناوي وأفورقي بما لا تشتهي السفن الغربية، أو حتى الأفريقية أو الأثيوبية الأريترية، حين نشب خلاف حدود بين الشريكين في زمن النضال ضد منقستو، وأدى الخلاف إلى طرد أثيوبيا - زيناوي - من سواحل البحر بمنطقة عصب، بل وإلى قفل أثيوبيا الكبرى - 65 مليون نسمة في مقابل إطلالة واسعة على البحر الأحمر لدولة لا يتجاوز عدد سكانها الـ «6» ملايين نسمة على أفضل التقديرات، حيث خارجها الآن كلاجئين ونازحين وهاربين ما يزيد عن نصف هذا العدد..!
    إن الباحثين عن سبب الصراع بين أفورقي وابن خالته أو عمته - زيناوي - عليهم أن ينظروا لسواحل البحر الأحمر، ولا شيء سواه، إذ إن التاريخ قد يعيد أثيوبيا للاطلالة البحرية، ولكن بموجب أحد أمرين، إما بالاتفاق مع حاكم أريتري غير أفورقي، أو باجتياح أريتريا وإعادة استعمارها من جديد..!
    ولقد قلنا إن الأنظمة الجديدة تلاحق من سبقها في الحكم، وتهدر وقت الشعب وقدراته، وذلك في مناسبة القرار الأثيوبي الجديد بالحكم على منقستو هيلي ماريام بالاعدام..!
    ولقد سبق منقستو بديله زيناوي، وأصدر قراراً بإعدام الإمبراطور هيلاسلاسي معنوياً، حيث أصيب انقلاب منقستو في منتصف السبعينيات بالدهشة والأحساس بالغين والظلم والاحتقار..!
    ذلك ووفقاً للروايات الأثيوبية لأن الإمبراطور هيلاسلاسي كان هو الذي ربى منقستو في قصره، إذ كانت أمه الأمهرية تعمل في القصر الإمبراطوري، بينما كان والده - الأرومي - يعمل في وظيفة ما بالدولة الإمبراطورية، ويدين بولاء شديد للامبراطور، الذي كان مقدساً عند معظم الأثيوبيين والامهرا خاصة..
    يوم موت الإمبراطور هيلاسلاسي الذي حشره منقستو في سيارة - فلكس واجن بالية - ليبعده من القصر ليموت داخل السيارة، أو على مقربة منها، اتخذ منقستو - المهووس - قراراً عجيباً، وهو أن يدفن الإمبراطور هيلاسلاسي تحت تربيزة مكتبه.. «أي مكتب منقستو بالموقع الرئاسي»..!
    كان ولا يزال التفسير لذلك القرار العجيب الذي نفذه منقستو بالفعل مجهولا، وهو العسكري الأحمر، الماركسي الادعاء، والديكتاتوري النزعة، والذي انتهج الخط الماركسي ليلاحق الماركسي الآخر، سياد بري، الذي كان يدعمه الاتحاد السوفيتي ضد هيلاسلاسي الغربي الانتماء..!
    عقب وصول زيناوي لحكم عام 1991، قام بحفر مكتب سلفه منقستو، ليجد جثة الإمبراطور هيلاسلاسي تحت مكتب منقستو بالفعل، وليتم دفنها على نحو يليق بالإمبراطور، الأمر الذي خلق نوعا من التهدئة، وبعض الود بين ملس زيناوي - التيجراوي القومية - وقومية الأمهرا التي حكمت أثيوبيا من خلال الأباطرة - منليك - وهيلاسلاسي- وما بينهما من أباطرة وملوك، كانوا قد انتزعوا السلطة أصلاً من الإمبراطور يوحناس - الذي قتله الخليفة عبد الله التعايشي، إثر خلاف شهير بينهما..!
    إن الإمبراطور يوحناس، ذاك هو جد الرئيس الحالي ملس زيناوي، أو على الأقل هو آخر أباطرة الحبشة التيجراي، والذين عاد أو أعيد إليهم الحكم، ولو باسم مختلف تحت زعامة زيناوي الذي استبدل الاسم الامبراطوري بالاسم الجمهوري..!
    عودة لموضوع الملاحقات بين الحكام القدامى والجدد في أفريقيا على الأقل نتوقف اختصاراً عند المحطات الآتية..
    ونبدأ بأنفسنا «أي السودان» عقب انقلاب عبود عام 1958 - 1964م، نشطت مخابرات نظام نوفمبر في ملاحقة زعامات الأحزاب الحاكمة - الأمة.. الاتحادي بصورة رئيسة.. فكانت الملاحقات.. وكان سجن الرجاف.. وكانت مصادمات المولد بين عبود والأنصار..!
    * عقب ثورة أكتوبر الشعبية 1964 - 1969 - رفع الشيوعيون وحكومتهم الانتقالية شعار - التطهير واجب وطني - وهو شعار القصد منه ملاحقة الخصوم النوفمبريين - ومن حالفهم..!
    * أما نظام مايو 1969 فكان من أكثر الأنظمة التي أهدرت وقتها ووقت الشعب ومصالحه وأمواله ومقدراته في ملاحقة الخصوم القدامى والجدد.. ليبدأ النظام بمحاربة وقتل نصفه - الشيوعي - بعد أن حارب خصمه الأنصاري في أبا وود نوباوي، لينتهي النظام بمحاربة - الجمهوريين - ليغتال زعيمهم الشيخ محمود محمد طه، الذي طالما أبدى هو وأعوانه نوعاً من التعاطف مع نظام مايو، وهو موقف أملته مواقف الحزب الجمهوري التاريخية ضد الطائفية، وغيرها من مكونات الأمة، المراد التمرحل لأجل استبدالها بمفاهيم دينية ووطنية عصرية، وفقاً لرؤية الجمهوريين..!* بعد سقوط نظام نميري 1969 - 1985 - جاءت الفترة الانتقالية العسكرية الطابع، ومداها عام واحد، لتكون الأقل ملاحقة لمايو ورموزها إلا في مسألتين - هما الفلاشا - وبيع البترول - ليأتي النظام الديمقراطي 1986 - 1989 - ويغرق في مشاكل حاضره إلى أن ينتهي به الأمر عند نظام الانقاذ 1989م، حتى يوما هذا، حيث لا يمكن القول بأن النظام الانقاذي كان الأقل إهداراً للوقت والجهد والمال في محاربة الماضي، بل وفي خلق واقع جديد ومعقد ليصبح الصراع مع الحاضر وفي الحاضر أكثر منه ضد الماضي، الذي سبق الانقاذ..!
    وأفريقياً هذه ملامح من عمليات إهدار الوقت في ملاحقة الماضي.
    * يوغندا طرد نظامها الجديد برئاسة ملتون أبوتي وبعون من تنزانيا في نهاية السبعينيات، طرد الرئيس السابق عيدي أمين، وأهدر وقتا طويلا في ملاحقته، هو وأعوانه، حيث عاش ومات في السعودية، ولكنه كان ملاحقاً رغم صمته المنقفل عليه، إذ إن الحكومة اليوغندية في عهدي أبوتي والرئيس الحالي موسيفني - كانت يطاردها شيطان عيدي أمين، لدرجة رفع عدد أعضاء بعثة الحج اليوغندية بسبب - حجاج المخابرات - الذين عليهم الوقوف - على حال عيدي أمين وليس «الوقوف على عرفة»..!
    * وسياد بري 1991 - 2008 - طورد من جانب الجنرال عيديد، حتى مات سياد بري في المنفى بنيجيريا، ليسمح عيديد بأن يدفن الرجل وفي صمت شديد داخل الصومال، وفي منطقة نفوذه القبلي - بقربهري - على الحدود مع كينيا..!
    ولكن مالنا نذهب بعيداً هكذا.. ألم يمت مؤسس السودان المستقل، ورافع العلم اسماعيل الأزهري في مستشفى عام نتيجة - اليوم أو الاهمال - وليذاع خبر وفاته بقرار من نميري في نشرة الساعة الرابعة المخصصة للوفيات، وليقال إن المدرس السابق أزهري، قد مات اليوم..!
    حيث مُنع الشعب السوداني من الاشتراك في تشييعه، بل وألقي القبض على بعض من شيعوه، أو اشتركوا في تشييعه، وبين هؤلاء للتاريخ، صديقنا وزميلنا الصحفي ناشر - الخرطوم - الباقر أحمد عبد الله، الذي كانت واقعة اعتقاله في مايو يوم رحيل ودفن الأزهري، نقطة التحول في حياته، ولعمره المديد بإذن الله، حيث وقف الباقر يومها وفوق المقابر، ليرثي الزعيم وليدفع الثمن..!![/size]

    http://www.alwatansudan.com/index.php?type=3&id=10289&bk=1
                  

06-05-2008, 05:51 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)




    AM

    سعودة المجتمع السوداني دق ناقوس الخطر

    أمجد إبراهيم
    [email protected]

    الملاحظ في الفترة الماضية تزايد ملحوظ لارتداء النقاب السعودي (واعني ما أقول بكلمة سعودي لأنني لا اعتبره إسلاميا) من قبل النساء السودانيات بلونه الأسود الداكن، وانتشار ظاهرة عدم المصافحة في الأيدي بين الرجال والنساء حتى بين الأقارب. ومنع النساء من أداء العديد من الأعمال بحجة حفظ كرامتهن في بلاد مات فيها أكثر من مليوني شخص في حرب أهلية دامية وحرمت العديد من النساء من العائل مما اضطرهن للقيام بالعديد من الأعمال. مثل العمل في الطرمبات والمطاعم. كما أن الألسن تتناقل العديد من المواقف الحادة داخل العديد من الأسر بالحجر على حرية المرأة وممارسة ضغوطات كبيرة على سلوكها وانسانيتها..
    أورد هنا بعض من مظاهر هذه الأزمة التي تعصف بالمجتمع وخطورتها و تجذرها فيه بصورة ملفتة حتى وسط المتعلمين، و يعود ذلك إلى الانتشار الواسع لمذهب أنصار السنة في السودان (وهو مسمى للهروب من الاسم الأصلي ذو الدلالات السياسية وهو المذهب الوهابي السائد في السعودية). حيث أن كتيباتهم توزع مجانا داخل السودان وبكميات هائلة في ظل عدم وجود أي نشاط ثقافي لمجموعات ثقافية وسياسية أخرى تنشر وعي متحرر ومتقدم على المجتمع. وتعمل على نشر فكر ديني متسامح في ظل دولة متشددة دينيا في المقام الأول.
    الإشكال الرئيسي في تحليلي لقبول هذا التيار المتشدد هو قدومه من السعودية بالذات، وبما أنها هي مركز الديانة والثقافة فهناك نظرة رومانسية لها على أنها مركز الدين الصحيح في الوعي الجمعي السوداني، و ما عداها هو هرطقة وتجديف. الإشكال هنا نفسي لحد بعيد فمن تحليل د. الباقر العفيف لمسألة الهوية السودانية في ورقته الشهيرة (قوم سود ذوو ثقافة بيضاء) ، نجد أن السودان يوجد في هامش الثقافة العربية، وهناك سعي دائم من الهامش للتشبه بالمركز و نقل ومحاولة إعادة إنتاج هذا المركز في الهامش حتى يتشبع به، لذا نرى انعاكسات هذا المركز (متمثلا في الدول العربية المختلفة) المتعددة في الهامش (الذي يمثله في هذه الحالة السودان)، مثلا نرى أن هناك في السودان حزب البعث عن بعث العراق كما هناك ممثلين لحزب البعث السوري، و هناك اللجان الثورية من ليبيا، ، هناك ممثلين للحزب الناصري المصري.. الخ من الأمثلة، بينما لا نجد مثل ذلك الانعكاس من الواقع السوداني في تلك الدول.
    عندما يصل الأمر للشأن الديني نجد تجليات هذا التحليل ظاهرة في النموذج السعودي للتدين، الذي ينتشر بسرعة كبيرة داخل المجتمع السوداني، و لذلك نجد أن العديدين مدفوعين إليه لان النموذج التديني للسعودية هو الأصل بالنسبة لهؤلاء بحكم وجود مركز الديانة هناك فكل ما يحدث في السودان من تدين متسامح هو انحراف عن النموذج يستوجب التقويم، و قد أتاحت لي الانترنت و الحوارات العديدة مع الكثير مع الأهل تلمس ذلك جليا، بل أن البعض عاد بعد عطلات قصيرة في السعودية بهذا التفكير ويدافعون عنه دفاعا مستميتا من نفس منطلق أن ذلك هو النموذج الصحيح وأننا في السودان عارضين برة النقارة كما يقول أهلنا.
    هناك عامل آخر و هو انحسار المد الصوفي بعد أن جفت موارده و تحول الأطفال إلى المدارس وبعدهم عن مؤسسة الخلوة في التعليم الأساسي مما خلق فراغا دينيا تمددت فيه قوى الإسلام السياسي المتطرفة على حساب الطرق الصوفية المتسامحة، و توسع الفكر الوهابي السعودي في السودان مستفيدا من أجواء الحرية و التسامح في الوطن على الرغم من اختلاف البلدين. و مستفيدا من الدعم اللا محدود من السعودية مما سهل حركة منتسبيه خاصة و أن الأوضاع في الفترة الأخيرة صديقة لهم حيث لا تضاد واضح بينهم و بين الحركة الإسلامية التي تعتبرهم حليفا يمكن تفعيله بسهولة عند الدق على وتر العاطفة الدينية و هذا ما كان يحدث دائما في الانتخابات الطلابية في الجامعات. و لكن يبدو أن السحر قد بداء ينقلب على الساحر فقد زاد عدد متبعي هذا الفكر بشدة و انفتحت شهيتهم للعب دور سياسي بعد أن كانوا يتظاهرون بالزهد حيال الدنيا، و انتقل الوهابيون السودانيون من مرحلة الكمون إلى مرحلة الفعل السياسي حتى ضد حلفاء الأمس و قد أدى موقفهم السياسي هذا إلى خسارة تيارات الإسلام السياسي لانتخابات جامعة الخرطوم على الرغم من الأغلبية الميكانيكية لها في تلك الساحة. هناك ظاهرة أخرى و هي تزايد عنفهم اللفظي و الشخصي في الشارع السوداني، و نشوء جماعات دينية مناوئة ضدهم تستخدم أساليب أكثر عنفا منها الهجوم المسلح على المساجد في ظاهرة لم تكن موجودة مطلقا في السودان، و نجد تناسبا طرديا بين تزايد عددهم و ذلك العنف مما يبشرنا بطالبان جديدة في السودان إذا لم نولي الأمر الانتباه اللازم، و من مظاهر الاهتمام بالشأن السياسي ذهاب شيخ الهدية إلى مفاوضات نيفاشا الأخيرة. و نزاعه مع نائبه على من يتولى الزعامة بعده و هو صراع سياسي في المقام الأول مهما حاول الكثيرين إسباغ القداسة عليه.
    هناك تغيير في استراتيجيات و أولويات التيار الوهابي السوداني فبعد أن كان يستهدف بعدائه الطرق الصوفية و يدعو إلى تكفيرها و مهاجمتها في معاقلها كمناطق كسلا، و استهداف مناطق جبال النوبة باعتبارها مناطق عذراء يسهل الدعوة فيها، و كما وجه سهامه تجاه عطبرة باعتبارها معقل لليسار، نجده في سودان الإنقاذ يستهدف الجامعات و المدن الكبيرة و من يذهب إلى السودان يتلمس هذا جليا في تزمت العاصمة الواضح مقارنة بالأقاليم التي تكون متحررة غالبا، هذه الأقاليم تمثل عمق الثقافة و الهوية السودانية المتحررة و المتسامحة، مما خلق واقعا معكوسا عن المنطق إذ أن المعروف أن المدن الكبرى و العواصم في مختلف الدول تكون في الغالب أكثر تحررا من الأرياف و القرى. هناك عامل آخر ساهم في انتشار المذهب الوهابي و هو عودة أبناء المغتربين من السعودية إلى الدراسة في السودان بما يحملونه من مفاهيم و مسلمات وهابية تحدو بهم إلى تكفير المجتمع من حولهم مما حذا بهم إلى الانخراط في التنظيمات التي تسعى لإرجاع هذا المجتمع إلى جادة الصواب، و من الملاحظات الملفتة للنظر أن أبناء المغتربين العائدون من دول الخليج الأخرى يكونون أقل تشددا نسبة للمجتمعات المنفتحة نسبيا التي عاشوا فيها، و بالطبع فان هذه الظواهر ليست مطلقة و لست هنا بصدد إصدار أحكام نهائية بل هي ظواهر ينبغي الوقوف عندها و تأملها. لان تأثيرها قد يتعدى نطاق متبعيها حتى يصل إلى السلطة نفسها و هذا ما شهدناه جميعا عندما أصدر السيد مجذوب الخليفة قرارات منع النساء من القيام ببعض الأعمال و المهن.
    لقد دخل الدين الإسلامي سلميا بعد هزيمة جيش عبد الله بن أبي السرح حربيا على أيدي رماة الحدق من أجدادنا على التخوم الشمالية مع مصر، وبعد ذلك ساهم المتصوفة في نشر الدين سلميا، لذلك نجد أن التدين السوداني غلب عليه طابع التعايش مع الموروث الثقافي للحضارة السودانية الضاربة في القدم، و قد نشاء عن ذلك تدين صوفي متسامح تمثل في تقديم المتصوفة لنموذج سلوكي ايجابي متواضع للتدين زاهدا في المتاع الدنيوي ثر بالقيم المعنوية مما حذا بالكثيرين لإتباعه حتى صار دين الدولة السودانية دون أن تسفك نقطة دم واحدة، هذا النموذج الفريد ساهم مساهمة حقيقة في تشكيل النموذج الديني و الاجتماعي في السودان، مما خلق دولة متماسكة دون شطط و دون حروب دينية بين طوائف متعددة كالتي عرفتها المجتمعات الإسلامية الأخرى.
    إن النظر للنموذج السوداني للتدين على انه انتصار لرسالة الدين الأساسية في حرية الدين و المساواة و الدعوة بالحسنى، هو من أهم شروط إعادة بناء الدولة السودانية الحديثة لتناغم ذلك الضرب من التدين مع المزاج السوداني و الذي تطور بالكثير من التجارب و التعايش. و للأسف لم يتعلم السودانيون احترام و تقدير ما أنتجته ثقافتهم المشتركة بعد، بل أنهم يهرعون دائما لما ينتجه المركز الثقافي لهويتهم المفترضة حتى و أن جلب عليهم ذلك الويلات، و لان التاريخ ولوع بتكرار نفسه فقد تماهت قوى الإسلام السياسي السودانية مع مثيلاتها المتطرفة في الدول العربية المجاورة في السعودية و مصر، لتغتال مفكرا سودانيا مسالما استنبط عصارة الإسلام السوداني المتميز في عبارة (الحرية لنا و لسوانا) و هو الأستاذ محمود محمد طه انزل الله علي روحه شآبيب الرحمة و الغفران، في مسرحية سيئة الإخراج قبل أكثر من عشرين عاما، في تنكر واضح لمزاج السودانيين المسالم و في هرولة غير منتظمة تجاه مناهج متطرفة تسفك الدماء حول العالم يوميا.
                  

06-06-2008, 00:39 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    الذكرى الثامنة عشر

    --------------------------------------------------------------------------------


    المصدر: جريدة الحرية فى الخامس والعشرين من نوفمبر

    -------------------------------------------------------------
    الذكرى الثامنة عشرة لاستشهاد الاستاذ محمود

    منظمات حقوق الانسان العربية والعالمية تحتفل بيوم الحرية والفكر يوم حقوق الانسان

    بقلم: ابراهيم يوسف

    القوى السياسية تدين

    قوانين سبتمبر ومحاكمها

    كان سبب محاكمة الاستاذ محمود واغتياله هو نقده لقوانين سبتمبر في منشوره الشهير «هذا او الطوفان» الذي مما جاء فيه «وجاءت قوانين سبتمبر 1983 فشوهت الاسلام في نظر الاذكياء من شعبنا وفي نظر العالم واساءت الى سمعة البلاد فهذه القوانين مخالفة للشريعة ومخالفة للدين» ومواجهته لمحاكم القصر العشوائية اذ وجهت له تهمة نقد قوانين سبتمبر فواجهها بقوله «انا اعلنت رأيي مرارا في قوانين سبتمبر 1983 من انها مخالفة للشريعة وللاسلام اكثر من ذلك انها شوهت الشريعة وشوهت الاسلام ونفرت عنه يضاف الى ذلك انها وضعت واستغلت لارهاب الشعب وسوقه الى الاستكانة عن طريق اذلاله ثم انها هددت وحدة البلاد هذا من حيث التنظير

    اما من حيث التطبيق فان القضاة الذين يتولون المحاكمة تحتها غير مؤهلين فنيا وضعفوا اخلاقيا عن ان يمتنعوا عن ان يضعوا انفسهم تحت سيطرة السلطة التنفيذية تستعملهم لاضاعة الحقوق واذلال الشعب وتشويه الاسلام واهانة الفكر والمفكرين واذلال المعارضين السياسيين ومن اجل ذلك فإني غير مستعد للتعاون مع اي محكمة تنكرت لحرمة القضاء المستقل ورضيت ان تكون اداة من ادوات اذلال الشعب واهانة الفكر الحر والتنكيل بالمعارضين السياسيين» انتهى

    وحين كان الاستاذ قد اغتيل بسبب نقده لقوانين سبتمبر ومواجهة لقضاتها فان القوى السياسية والاحزاب الدينية الكبيرة بعد الانتفاضة قد جهرت بادانتها لقوانين سبتمبر كما ان القضاء المستقل بعد ان استرد موقعه قد طهر ساحته مما نسب اليه من حكم سياسي وليس قضائيا حسب تعبير المحكمة العليا في القضية الدستورية التي صدر فيها الحكم بتبرئة الاستاذ بتاريخ 18/11/1986م في القضية الدستورية نمرة ع/ق د/ 2/ 1406

    ولكل ذلك فان قوى التجمع التي برزت احتجاجا على الحكم الجائر وقادت المعارضة والانتفاضة حتى اجتاح النظام «الطوفان» كانت هي وسائر القوى المستنيرة الحرة تحتفل بالاستاذ محمود كشهيد للفكر وللحرية ولكن لما حلت ببلدنا كارثة الشمولية المتدثرة بالدين اصبح الفكر يتيما في بلدنا الحزين ووئدت الحريات ولم يكن هناك متنفس لمنظمات حقوق الانسان ومنظمات المجتمع المدني بل ان النقابات اجتاحها الاجماع السكوتي وفي هذه البيئة قد توقف الاحتفال بالاستاذ في السودان ذلك البلد الذي يعزه الاستاذ وقد فداه وقدم له من الفكر الاصيل والمواقف المشرفة ما يشرف السودانيين على اختلاف آرائهم لو كانت نظرتنا قومية تقدر القيمة وتكبر العطاء ولا تصادر الآخر وتئد الاختلاف

    وقد كان مسلمو السودان بطبيعتهم الصوفية يعترفون بالآراء ولا يغمطون حق الرأي المخالف ولذلك امكن التعايش السلمي مع الاديان الأخرى، ومع اصحاب كريم المعتقدات فصوفيتنا مثلا كانت تغلب عليها الطريقة القادرية ولكن لما برزت السمانية بنفحة بارزة لم يتحرجوا من الاعتراف بها اعترافا بالعطاء واكبار للقيمة اين كانت ونبذا للتعصب

    كان هذا هو شأن مسلمي السودان قبل ان تغزوهم وافدات الهوس الديني والاسلامي السياسي والارهاب

    وفي الوقت الذي وقفت فيه الاحتفالات في بلدنا الحزين فان الاخوة العرب عامة والاخوة المصريين خاصة ظلوا يحتفلون بالاستاذ بمواقفه المشرفة فقد قامت في القاهرة ندوة عن «حقوق الانسان في الوطن العربي والتي حضرها لفيف من كبار المفكرين ورجال القانون والسياسة والادب في العالم العربي وقد ذكرت مصادر القاهرة بأن الحشد الذي شهدته الندوة يعد من اكبر التجمعات العربية التي حضرت الى العاصمة المصرية منذ اوائل السبعينات» وقد مثل فيها السودان «ومن اهم التوصيات التي خرجت بها الندوة هي اعتبار يوم استشهاد المفكر محمود محمد طه يوما لحقوق الانسان في الوطن العربي»

    كان الاستاذ فتحي رضوان رئيس المنظمة العربية لحقوق الانسان قد قال عن موقف الاستاذ «ويشرف المواطن العربي ان يوجد من بين اخوانه في هذا الوطن من يواجه طغيان الحكام بثبات ورباطة جأش رافضا ان يتعاون مع هذا الطراز من المحاكم والقضاة وان يتمسك برأيه حتى حينما يصل الامر بالتهديد بالموت»

    كما ان مركز دراسات حقوق الانسان بالقاهرة كان يحتفل بالاستاذ ويعرض شريط حديث الاستاذ في المحكمة ويقدم احد المحامين السودانيين ليشرح خلفيات المحاكمة مثل الاستاذ طه ابراهيم وكذلك مركز الدراسات القانونية لحقوق الانسان والاستاذة الفضلى عطيات الابنودي لما شاهدت شريط المحاكمة وهي المخرجة السينمائية البارزة قد اخرجت فيلما تسجيليا عن المحاكمة بعنوان «القتلة يحاكمون الشهيد»

    كما قالت في مجلة القاهرة «هانذا مواطنة مصرية اعمل كمخرجة سينمائية احس بعد كل هذه السنوات بأن الاستاذ محمود محمد طه وافكاره اصبحا ملكا لنا وليس للسودايين فقط او لما كان يسمى بحركة «الاخوان الجمهوريون» لقد اصبح ملكا لكل من انتمى الى الثقافة العربية الاسلامية ملكا للمسلمين وغير المسلمين في اوطاننا المتحدثة باللغة العربية ثم هو اولا واخيرا ملكا للتجربة الانسانية جمعاء» كما انها نشرت كل حيثيات المحاكمة بمجلة القاهرة ـ مجلة الفكر والفن المعاصر ـ وقد قدمت المجلة الحيثيات بكلمة التحرير التي جاء فيها الحديث عن توافق «الامام» نميري والجبهة الاسلامية القومية وعرابها د الترابي «فكانت النتيجة قتل الرأي المسالم والفكر المستنير في حادثة تحمل العبر لا للسودان الشقيق وحده بل لكل بلاد العرب التي يراد لها ان تبقى في غياهب الظلام وعصور الجهل والقتل وكبت حرية الرأي والتعبير الذي هو حق طبيعي لكل انسان على هذه الارض التي ارتوت بدماء محمود محمد طه الزكية وهو يكتب صفحات من النور في طريق حرية الفكر والاستنارة» القاهرة يناير 1994م

    ولم تخرج السودانيين عن وصمة الصمت عن الاحتفال وقيمه وعبره ومواقفه في ظل الشمولية الا مجموعة «حق» التي بادرت واقدمت فاخترقت المحاذير والمعوقات فاحتفلت بالاستاذ يناير عام 2001م وقد جاء في كلمة امينها العام الحاج وراق عن الاستاذ انه قد «كان مثالا للسلام والرحمة والرحمة بالاحياء والاشياء ما امتشق سلاحا ابدا سوى سلاح الفكر فجاء اغتياله نموذجا صافيا من غير لبس او تشويه لاغتيال حرية الفكر والضمير» كما جاء فيها ان «ابتسامة الشهيد الاستاذ محمود محمد طه ستظل عنوانا لنهضة حرية التفكير في مواجهة ايدلوجيا التكفير» «واننا لنرجو في هذا اليوم يوم ذكرى اغتيال الاستاذ محمود ان تتوحد وتتحرك مؤسسات المجتمع المدني كما توحدت وتحركت عقب اغتياله للضغط لالغاء القوانين المقيدة للحريات»

    وكان الاحتفال تجربة ناجحة ومشجعة دلت على ما يختزنه الشعب السوداني من اكبار للاستاذ بل حزن على التفريط في نصرته مما يجعل الاحتفال السنوي هو اقل ما يجب في حق الرجل والمباديء وحق انفسنا علينا كمواطنين في عالم الالفية الثالثة

    ولذلك كان احتفال يناير 2002م على قصر وقت التحضير احتفالا ناجحا اقامته المجموعة السودانية لحقوق الانسان ومنظمات المجتمع المدني: مركز عبد المجيد امام ـ مركز التنمية البشرية «الفنار» جمعية التنوير الثقافية ـ مركز الدراسات السودانية ـ نشطاء حقوق الانسان كما شاركت في النشر والاحتفال كل الصحف السودانية الحرة وكان مخططا ليوم الاحتفال الختامي الذي تبناه الطلبة بمسرح نشاطهم بجامعة النيلين ان يكون احتفالا رمزيا بعد ان اوفت الصحف كل الجوانب والتفاصيل وان يكون قوميا انتظمت للمشاركة فيه جل الوان الطيف والشخصيات الوطنية والشخصيات الصحفية والفكرية والمهتمون بالعمل العام ومآلات الحرية

    وكان الاحتفال حول مبدأ الحرية والفكر حول مبدأ الاستاذ محمود «الحرية لنا ولسوانا» اذ ان تقديس الاستاذ للحرية وتجسيدها في حياته بمثابرته الصميمة الخالية من العنف ونصرته للمستضعفين وللمباديء كان «نموذجا صافيا» يحرك حماية الحرية وقداستها في صدر كل حر ولكن في الوقت الذي كانت تقام فيه الاحتفالات في مختلف اصقاع العالم وحتى البعيدة مثل امريكا وبريطانيا فإن حكومة الانقاذ غلبت طبيعتها على تطبعها الذي كانت تمليه الضغوط والمراقبة الخارجية ومراجعة سجلها في حقوق الانسان فاذا بمحسوبيها في نقابة المحامين وفي جامعة النيلين يفضحونها ويحرجونها فيعترضون على اقامة الاحتفال بذرائع مضحكة مبكية مما عرض مواقفهم لسخرية الصحف وكذلك امن النظام ووزيره الديني

    وقد صاح الاخ الاستاذ محمد طه محمد احمد منبها قومه لو كانوا «يسمعون الصايح» صاح فيهم ليتذكروا دستورهم وليتذكروا ما عليه العالم بعد حرب الارهاب وموقفه من مصادرة الحرية وحق التعبير فقال «ثم لماذا تتراجع السلطة لارضاء شرائح صغيرة تتحرك بعواطفها فقط كشأن بعض الجماعات الدينية التي تتناسى ان في البلاد دستورا يجب ان يحترم وان السودان ليس معزولا عن العالم وليس مستعدا لتلقي الضربات التي تلقاها الملا عمر في افغانستان من الداخل والخارج ان العالم يتغير وكما قال الرئيس البشير في المؤتمر الصحفي المشترك مع الرئيس اليوغندي موسيفني قال الرئيس البشير «نحن نعي جيدا المتغيرات في العالم بعد احداث سبتمبر»

    ورغم العوائق الرسمية فان دفقت روح الحرية وروح الاستاذ قد وفقت طلبة المؤتمر الوطني نفسه بجامعة النيلين نفسها ليقيموا ندوة عن فكر الاستاذ وكان من المتحدثين الاستاذ محمد طه محمد احمد الذي نبه في نفس الندوة لحالة الهدوء وحالة الامن التي كانت سائدة وقد قامت الندوة التي تحدث فيها جمهوري ايضا في نفس الساحة التي كانوا يزعمون ان الاحتفال بها سيخل بالامن فكانت الندوة برهانا على ان الفكر والحوار لا يهددان الامن الا في ذهن من يسقط تعصبه هو على الآخرين من المتعصبين والمهووسين او من ترعبهم الحرية

    واحتفال السنة الماضية على ضيق فترة تحضيره قد كان نموذجا ناجحا ومشجعا مما يجعل فرصة احتفال يناير 2003م اكبر واوسع وقد كان هذا طموح اللجنة منذ العام الماضي اذ يمكن ان ترعى الاحتفال المنظمات العربية خاصة ومركز دراسات حقوق الانسان بالقاهرة لم يكتف بالاحتفال بل اقام مؤتمرا لمنظمات حقوق الانسان العربية وكان موضوع المؤتمر ما هو السبب في صفوية حقوق الانسان في المنظمات العربية وقد انتهت المناقشة الى ان السبب هو ان الفهم التقليدي للدين هو فهم ضد حقوق الانسان ولذلك كانت حقوق الانسان صفوية وليست شعبية وانتهى الامر بالمؤتمر الى التوصية بدراسة اي محاولة تجديد وحمايتها بل رشح رئيس المركز للمؤتمرين كتاب الرسالة الثانية للاستاذ كما نشر المركز عددا من مجلة رواق عربي نشر فيها ثلاثة مواضيع عن فكر الاستاذ وذكر في مقدمته انهم اعطوا هذه المساحة لفكر الاستاذ لانه فكر تجديدي لم يجد الحماية والنشر

    كما ان المنظمات العالمية لحقوق الانسان والعالم كله بعد احداث سبتمبر اصبح يبحث عن وجه الاسلام «السلمي» «التقدمي» مما يظهر ان فكر الاستاذ محمود كان دفاعا مسبقا عن الاسلام بابرازه لوجه الاسلام السلمي في فكره وتجسيده للسلام مع الاحياء والاشياء في حياته وبمناهضته للهوس والجمود مما يجعل الاستاذ مفخرة للسودانيين على اختلاف آرائهم بما قدم من فكر سوداني اصيل وانساني رفيع

    والمحتفلون بالاستاذ وبمبدئه «الحرية لنا ولسوانا» يستظلون بالآية الكريمة «وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» وبعد ان شوه الهوس الاسلام عالميا فما هو موقع المنسوبين للاسلام الذين يحفلون بحكم محاكم الردة؟

    واخيرا فان الشعب السوداني شعب شجاع يعشق الشجاعة والصدق وقد جسد الاستاذ الشجاعة في قمة اسطورية مما خلق تلاحما وجدانيا بين الاستاذ والشعب به تمكن الشعب من اكتشاف زيف المحاكمة مهما تسترت بالدين ولذلك ظل الشعب السوداني ليلة التنفيذ في السودان وفي المهاجر ظل ساهرا مع الاستاذ وفى ضحى التنفيذ عندما حضروا لاخذ الاستاذ لمنصة المشنقة التي حولها الاستاذ الى منبر يعلن فيه كتابه الاخير «تعلموا كيف تموتون» فعندما ارادوا ربط يديه قال لهم دعوا يدي لاحيي بهما الشعب فقالوا اوامر!!

    وكما قال الشاعر عن وصية الاستاذ الاخيرة

    على منصة الاعدام يكتب الوصية

    وصية للاحرار ان يسهروا على الحرية

    وان يكون الدين دربهم الى الحرية

    وان يكون الخبز زادهم الى الحرية

    ون يكون وقتهم وقوتهم حرية

    فمن لم يمت على مصارع الحرية

    عيشته دنية ميتته دنية

    وصية موثقة منسوجة صدقا وحقا من حبال المشنقة

    ويسألونه قبل الصعود للمنصة هل تريد ان تقابل القاضي فيجيبهم وهل هناك قاض؟

    وهناك ابيات ابي تمام التي نشرها الدكتور منصور خالد ايام التنفيذ ومنها:

    وقد كان فوت الموت سهلا فرده اليه الحفاظ المر والخلق الوعر

    فاثبت في مستنقع الموت رجله وقال لها من دون اخمصك الحشر

    غدا غدوة والحمد نسج ردائه فلم ينصرف الا واكفانه الاجر

    تردى ثياب الموت حمر فما دجا لها الليل الا وهي سندس خضر

    مضى طاهر الاثواب لم تبق روضة غداة ثوى الا اشتهت انها قبر

                  

06-07-2008, 05:14 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    نداء لطلبة جامعة الخرطوم ولرفاقي في الحركة الشعبية:

    فلنطفئ نار الفتنة في البلاد!

    د.حيدر بدوي صادق
    [email protected]

    بالأمس، 6يونيو 2008، أريقت دماء في جامعة الخرطوم. أراقها من ظلوا يريقونها منذ تدنس هذا الحرم المقدس بأفكار وأقوال وأفعال من غابت عنهم سطوة الحجة الناصعة، قوة الفكر الناضج والقول الحق، فلجأوا للعنف وسيلة لمداراة عجزهم الأخلاقي. ظلت تهزم هؤلاء قوة الحق فظنوا أنهم سيهزمون الآخرين بالقوة الباطشة. منطق القوة عند هؤلاء تداعي بهم للتآمر على الشعب، وتضليله، والكذب عليه، والاستيلاء على السلطة بليل!!
    أريقت دماء طلبة من دارفور، دارفور التي أمدتهم بأعداد مقدرة من كوادرهم الباطشة، يوم ضلل هؤلاء باسم الدين وسيقوا إلى الموت زرافات ووحدانا. أراق دماء طلبة دارفور طلبة يزعمون أنهم حماة الإسلام، وأنهم، بزعمهم، حماة للعروبة!! لقد أصبحت عنصرية هؤلاء، إضافة إلى هوسهم، سافرة، كرابعة النهار!! أريقت دماء طلبة من دارفور ليترسخ في الأذهان قول الأستاذ محمود محمد طه عن أن الهوس الديني كان، دوماً، يهدد أمن ووحدة البلاد. واليوم، كما بالأمس، يتهدد البلاد شر مستطير يتمظهر أكثر ما يتمظهر في الهوس الديني المستحكم في تلافيف الحركة الطلابية هذه الأيام. على القارئ أن يتخيل طلبة علم يستخدمون أسلحة وسوائل نارية في داخل الحرم الجامعي ومن على أسطح عالية، بصورة سافرة! عليه أن يتخيل حرباً في عمق الخرطوم، في قلبها، يديرها طلبة مسلحون، والدولة تتغافل عن هذا الشأن الخطير!
    وفي حادثة أخرى، في يوم آخر، هو يوم الأربعاء، 29 مايو 2008، وأثناء انعقاد لقاء لجميعة "انفينيتي،" تناول طالب من منسوبي حركة "حق،" بكلية العلوم، جامعة الخرطوم، موضوع إستواء الرحمن على العرش رافعاً قارورة ماء ليضرب بها مثلاً يقرب به فهمه للطلبة. وكانت هناك جمهرة من الطلبة من منسوبي الوهابية وما يسمى بالحركة الإسلامية يشاركون في الركن.
    كشأن المغرضين دائماً، رأي الطلبة المهووسون في الأمر فرصة لتعزيز أجندتهم الانتخابية. فما كان منهم إلا أن أصدروا منشوراً طالبوا فيه الطالب بأن يعتذر خلال أربعة وعشرين ساعة، كأنه لم يعتذر في التو، أثناء إدارته للركن!! ودون أن يسمح هؤلاء الطلبة المهووسون حتى لمهلتهم نفسها بالانقضاء، حملوا أسلحتهم البيضاء وراحوا بطاردون هذا الطالب الأعزل، الذي لم يعنف بأحد، ولم يصدر منه غير رأي فطير أحاله الطلبة المهووسون إلى أمر خطير! وتوالت المنشورات التي تكفر الطالب مما دعاه للإنزواء خوفاً من آلة الهوس الديني المدمرة، السافرة، الماكرة.
    طلبة جامعة الخرطوم يتهيأوون هذه الأيام للتصويت لانتخابات إتحاد طلبة الجامعة. وإن عرف السبب بطل العجب!! هذا حال اليوم، وكانه الحال يوم كنت طالباً في جامعة الخرطوم (1980-1985). شهدت تلك الفترة تصاعداً لمشروع الهوس الديني في الجامعة وفي البلاد أدى إلى استشهاد الأستاذ محمود محمد طه ولانتفاضة الشعب ضد الهوس في أبريل. ثم انتكسنا بعد الانتفاضة، ليتحقق ما تنبأ به الاستاذ محمود محمد طه، فكان الطوفان.
    من كانوا لحمة وسداة مشروع الهوس في جامعة الخرطوم يوم كنت طالباً فيها أصبحوا لحمة وسداة مشروع دولة الهوس الديني كما هو معلوم. تسمت هذه الدولة بالمشروع "الحضاري" وظنت أنها ستجتاح الأرض وما عليها، ومن عليها، وبأن أميركا قد دنا عذابها. ويعلم الجميع الآن أن تلك الدولة استحالت إلى مستعطف لأميركا لترضى عنها بما يغضب الله (من بيع للكرامة في أسواق الاستخبار وغير ذلك من أفانين التلهف لنيل رضا دولة الاستكبار العظمى!!).
    في هذا المقال الموجز أتساءك: أين الأجهزة المسؤولة عن "أمن" المواطن، عن أمن الطالب الذي يتهدده الموت في هذه الساعة؟ أين جهاز الشرطة؟ بل أين جهاز "الأمن،" الذي لا يعرف مواطنو هذا البلد الكريم عنه غير الترويع والتعذيب والتقتيل والتشريد والحط من كرامة المواطن؟
    بحسب الدستور الانتقالي فإن مهمة جهاز الأمن هي جمع المعلومات ذات العلاقة بأمن المواطن والبلاد وتوفيرها لمنفذي القانون ومتخذي القرار. أو يعقل أن جهاز الأمن لم يتوفر على معرفة ما دار في الجامعة، وهو الذي خاض في أخض خصوصيات السودانيين، فقام حتى بين الزوج وزوجته، كان ذلك بالتهديد، بالترغيب، بالتشريد، أو بالتعذيب؟! أو يعقل أن يترك جهاز الأمن وجهاز الشرطة والنيابة العامة "أمن" البلاد لثلة من المتهوسين، يا خذون القانون بأيديهم، ويروعون الطلبة، ليهددوا أمن البلاد برمتها؟ أولا يدري المسؤولون في هذا الجهاز أن التهاون في الجرائم العنصرية، والإرهاب باسم الدين، والتهديد بالقتل، في أعقاب غزو أم درمان يعني التفريط الكامل في أمن البلاد؟
    لأبنائي وبناتي في جامعة الخرطوم أقول لا خير في الجامعة إن لم تستحيل إلى مشعل من مشاعل النور! وليعرف أبنائي الطلاب وبناتي الطالبات، بانهم وأنهن، لن يرتقوا أو يرتقين، إلى منازل التشريف بغير التي هي أحسن! وليقرأوا معي قول الكريم المتعال "أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن." وليقرأوا معي أيضاً قوله تعالى "قل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر." وليقرأوا معي الحكمة الكامنة في قول النبي، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أن "الدين المعاملة،" أي أن أصل الدين في المعاملة الحسنة، لا التهريج بالنصوص. وليقرأوا معي قول الكريم، الشاخص في البيان "إنك لا تهدي من أحببت، ولكن الله يهدي من يشاء." هناك متسع، عند الله، الواسع، في أرض الله الواسعة، للجميع! وقد سميت الجامعة "جامعة" لأنها تجمع بين المختلفين في الفكر والرأي، ثم هي تحتفي بالاختلاف، لأن الاختلاف هو رافعة الابداع والتجديد، لو أحسن توظيفه. فلنتحاجج بالحسنى، ولنجعل جامعة الخرطوم مشعلاً حقيقياً من مشاعل النور، بعد أن أذاقنا خريجوها من الفشل ما أصبح معه هذا الفشل مرضاَ عضالاً، ومادة للإدمان المستحكم!! جيلكم هذا يجب أن يتعلم من أخطاء جيلنا، حتى تقوموا إعوجاجنا، بالتداول السلمي للرأي، لعلنا نستقوي بكم كحملة لمشاعل النور، لا للعصى والمدي، فنمارس، معكم وبكم، بفضل استنارتكم، برشد وحكمة، فضيلة التداول السلمي للسلطة!!
    أما لرفاقي في الحركة الشعبية فإنني أقول لا خير يرجى في المؤتمر الوطني، شريكنا في الحكم، إن لم يطفئ نار الفتنة في الجامعة (وهو الأدرى بها إذ لم يأت إلى السلطة الغاشمة إلا على سلاسل متتالية من الفتن الباتعة التي صنعها بعض من أصبحت تتفلت من بين أصابعهم اليوم ناصية الأمور). ولا خير في الحركة الشعبية إن استمرت في شراكة مع شريك لا يأبه لأمن الوطن والمواطن، شريك لا يجيد غير المكابرة والمرواغة والتضليل، ولا يعرف غير خيانة العهود عهداً حاكماً!
    إن لم تتدخل سلطة الدولة لكبح جماح الهوس الديني في جامعة الخرطوم، فإنها ستحترق كما احترقت أبيي. وسيظل ما يقوم به أدعياء الإسلام فيها خرقاً للدستور الانتقالي ولاتفاقية السلام الشامل من أي الوجوه أتيته. ذلك لأن حماية حق الإنسان في التعبير، وحق الإنسان في الحياة، لهو لب الدستور وروح الاتفاقية برمتها. ومن يتعاهد على حماية حق الحياة وحق الحرية، ثم ينتهكمها، أو يحمي من ينتهكمها، فهو مجرم أفاك. ومن يشارك مجرماً أفاكاً في الحكم، فهو مجرم أفاك، من حيث يدري ولا يدري!!
    أطالب رفاقي في الحركة الشعبية أن يتداولوا شأن جامعة الخرطوم في هذه الأيام الحرجة التي تمر بها البلاد في نفس السياق الذي تتم فيه معالجة أمر أبيي. ذلك لأن جامعة الخرطوم، في ظل الاستقطابات الحادة التي تمر بها اليوم، هي أبيي الشمال!! وليتذكر الجميع بأن الهوس الديني ترعرع في جامعة الخرطوم، فشب عليه فتية مهووسون، ثم جاءونا على ظهر الدبابات، فأدخلوا البلاد في فتنة ليلها كنهارها، ونهارها كليلها. فكان الطوفان!
    علينا في الحركة الشعبية، كشركاء في الحكم، أن نمارس الحكم، أي أن نكون فاعلين في توفير الأمن للمواطن، وإلا فإن تجميد الشراكة مع شريك يرعى الإرهاب ويحميه، لهو أوجب واجب أخلاقي نقوم به !!
    هذا، أو، الطوفان، من جديد!!
                  

06-07-2008, 11:35 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    عن الطيب صالح
    عصمت العالم


    التحق بهيئة الاذاعة البريطانيه فىالفتره من 1952 الى 1956...كان يزامل الدكتور حسن عباس صبحى .. والذى وقتها كان يحضر للماجستير.. ووقع الاعتداء الثلاثى على مصر..

    رفض حسن عباس صبحى اذاعة النشرة التى فيها الخبر...وقدم استقالته احتجاجا..وطلب من الطيب صالح مساندته وان يستقيل فرفض بحجة ان هذا قطع عيش ..!! يا للهول..وعاد حسن عباس صبحى للسودان وهو كان فى امس الحاجة للتواجد فى بريطانيا لمشكلة نظره لكنه رفض .واشتغل بالتدريس فى السودان وبعثته الجامعة الاسلاميه لتحضيرالكتوراه..وبعثته لجنه من كتاب اسيا وافريقيا الى موسكو لعلا ج بصره.. الموقف الثانى تصريحه وهو يعمل بهيئة الاذاعة البريطانيه بقسم الدراما بان فقراء المسلمين يعيشون على نقود الدراما..!! اشارات عجيبه.. ثم انتقل للعمل مديرا لوزارة الاعلام بقطر...وكان رجاء النقاش مراسلا للدوحة فى القاهره..اتى به ... الى الدوحه... وقد كشف دكتور ثروت اباظة الرابط الادبى بين رجاء النقاش والطيب صالح بان رجاء يقبض ثمن مايكتبه فى اشاره ذكية تطعن بوضوح فى مقدرات الطيب صالح الفنيه..!! هذه المقابله تمت 1986 بتلفزيون سلطمة عمان...وعندما سئل الطيب صالح عن هذه الموضوع فى ايام زيارته لسلطنة عمان .... ذكر بانه لم يرد لانه اصل لا يعرف دكتور ثروت اباظه....وقد واصل دكتور ثروت اباظه حملته ضد الطيب صالح فى الصحف المصريه( قراتها ..لم احتفط بها)
    ثم موقف افادته هو شخصيا اعنى الطيب صالح عندما اتصلت به اساتذاة الادب الانجليزى باربره برى فى باريس الساعه 1 صباحا تتطلب منه تعليقا على اعدام محمود محمد طه تملص بانه فى موقع حساس فى اليونسكو.ولا يريد ان يعرض نفسه لمواقف اخرى. .وذكر لم ينم ليلتهاوهو صاحى الى الصباح..هذا ما اورده هو عن نفسه فى مجلة المجلة..بقلمه.
                  

06-07-2008, 11:42 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)



    في عدم سوية السيرة السياسية للجمهوريين
    عبد الودود منصور الرباطابي
    [email protected]

    كثيراً ما يتذكر المرء قصة " الإغراء الأخير للمسيح" Last temptation of Christ وهو يراجع ما يكتبه بعض أتباع المفكر "السوداني" الراحل محمود محمد طه خلال الفترة الأخيرة. ووجه الشبه كما لا يغيب عن فطنة القارئ هو الفراق البائن بين الصورة الحقيقية لزعيم الطائفة المقصودة والصورة التي عكف الأتباع على رسمها له بعد "مماته" لضرورات تجاوز الفقد الجلل الذي ألم بهم. هذا رغم أن كاتب قصة الفيلم الشهير – وهي قصة على أية حال- لم يشأ أو يجرؤ أن يمضي بالإفصاح إلى نهايته حيث عرض الأمر وكأنه طائف من حلم انتاب السيد المسيح وهو على الصليب. وشد ما يعجب الاحتفاء المشتط الذي شارك فيه بعضُ غير يسير من التيارات السياسية السودانية الأخرى والتي جعلت من الرجل سيد شهداء الفكر على الأقل بالنسبة للسودانيين خلال ربع القرن الأخير أو نحوه. والحق أن الثبات الذي أبداه الرجل والجسارة التي بدا عليها في خواتيم أيامه تؤهله لينال حظاً من ذلك. فالذي يراجع الكلمات التي واجه بها "الأستاذ" هيئة المحكمة التي بدت وكأنها تأتي من غياهب التاريخ البعيد لا يملك إلا أن يزيده في الاحترام والتقدير. بيد أن الثبات عند الممات لا يؤهل صاحبه لينال المكانة المتميزة والتقديس Divinity الذي يسعى أتباع محمود الآن ليوصموه به. هذا وليس بعيد عنا الثبات المنقطع النظير الذي أبداه الرئيس العراقي الراحل صدام حسين أمام ذات الظروف تقريباً. هذا فضلاً عن الكثير من البواسل السودانيين الذين فقدوا أرواحهم بذات الثبات أمام المقاصل والدروات العسكرية.
    أما التاريخ السياسي للأستاذ محمود ومع احترامنا الكامل لأتباعه فإن الراجح أنه لا يختلف كثيراً عن تاريخ السياسيين الذين شاركوه اللعبة السياسية طوال الفترة التي تلت الاستقلال السياسي للسودان. بمعنى أنه لا يخلو من الأغراض السياسية والمناورات المعلومة. ولا يحتاج كاتب المقال أو غيره كثير عناء ليثبت مثلاً كيف أن الجمهوريين قد احتفوا بمقدم انقلاب مايو 1969 والذي جاء (في لحظة تاريخية دقيقة كانت الأحزاب الطائفية وقوى الهوس الديني تتهيأ فيها لفرض دستور يسمى "الدستور الإسلامي" ، ويهدف لتمكين تلك الأحزاب من فرض حكم شمولي يتلفح برداء الإسلام، ليصادر حرية الشعب ويهدد وحدته الوطنية، فأعلن الجمهوريون تأييدهم لحركة مايو باعتبارها قد حالت بين الشعب وبين فتنة كبرى كانت لتودي باستقرار الوطن والشعب، رغم إدراك الأستاذ محمود للطبيعة المرحلية لمايو ، ولقصورها عن شأو الحكم الصالح الذي ظل يدعو له طوال حياته. وقد ظل تأييده لمايو ملتزما بهذه المرجعية التي تأسست عند قيامها، لم ينحرف منه إلى الدخول في أجهزة مايو أو مشاركتها في تقلباتها السياسية) علماً بأن العبارة بين الأقواس منقولة بالحرف عن الموقع الالكتروني للجماعة. والعبارة نفسها تفضح بالطبع موقف الجمهوريين من ما أسموه " التقلبات السياسية لمايو" طوال الفترة التي سبقت المصالحة الوطنية والتي تتضمن بالطبع المجازر الفظيعة التي ارتكبتها مايو بحق العديد من القوى السياسية السودانية الأخرى. بل أن المخطوطات السياسية للجمهوريين كانت تحاول أن تجد لمايو العذر فيما ذهبت إليه من بطش بكل القوى الأخرى من غير الجمهوريين. هذا في الوقت الذي وجد فيه الرواقيون الجمهوريون الحرية شبه المطلقة في الترويج لأفكارهم دونما مقارعة حقيقية إلا في نطاق ضيق داخل الجامعات. هذا باستثناء اعتقال يبرره حتى الجمهوريون أنفسهم لقادتهم في ديسمبر 1976م نتيجة إصدار أغضب السلطات الدينية السعودية الحليفة لمايو آنذاك!
    وقد ظل الجمهوريون للأسف على ذات الجانب من قضايا الشارع السوداني حتى نهاية العام 1984. ويذكر الكثيرون ممن تلقوا تعليمهم الجامعي في السنوات القليلة التي سبقت محاكمة الأستاذ محمود كيف أن الجمهوريين قد دافعوا عن مايو في العديد من أركان النقاش التي كانوا يديرونها خاصة في جامعة الخرطوم. وقد تفنن الأستاذان محمد المصطفى دالي والقراي في الاستهزاء بالعديد من التحركات السياسية التي كانت تقوم بها القوى الوطنية الأخرى وتنادي بإسقاط مايو إلى الحد الذي دفع كليهما إلى السخرية حتى من مشاركة بعض طالبات الجامعات في المظاهرات ضد مايو في شوارع الخرطوم. والكلمات للأسف ما زالت ترن في آذان الكثيرين ممن تسكتهم المصالح الحزبية الآنية الآن من أن ينطقوا بالحق تجاه محاولات التقديس والتأليه (في الصفات) التي عادت لتنطلق من جديد.
    وقد فات الأستاذ وجماعته للأسف إدراك الطبيعة الحقيقية لنظام مايو في الوقت المناسب. وظنوا واهمين أن بإمكانهم إزالة الخطر عن أنفسهم بمجرد كتابة المنشورات التي تستجدي الإمام النميري أن يستفيق من غفوته واستلاب عقله الذي يقوم به خصومهم السياسيين والفكريين. ولو أن محموداً التزم منهاجه الذي سوّد به صحائفه جميعها تقريباً " الحرية لنا ولسوانا" لكان له حظاً أوفر في أن يجد له حلفاء يمنعون عنه حبل المقصلة ولو حتى حين. ولكنه لم يفعل. أما أتباعه فقد شغلهم ما توهموه من مكانة لزعيمهم من أن يروا الخطر المحدق به رغم الأصوات التي انطلقت تنبههم إلى ذلك عبر أركانهم. ولكنها للأسف وجدت آذاناً صماء. ولم يستفق الجمهوريون إلا بعد فوات الأوان. أنظر إلى العبارة التالية ألا توحي لك بذلك. يقول الموقع الالكتروني للجمهوريين: " وفي يوم الثلاثاء 8 يناير 1985م أصدرت المحكمة المهزلة حكمها المعد سلفا بالإعدام على الأستاذ محمود وتلاميذه الأربعة، لتغطى سماء البلاد موجة من الحزن والذهول. " هل انتظر الجمهوريون طوال الفترة من مايو 1969 وحتى يناير 1985 ليعلموا أن أحكام مايو تعد سلفاً؟؟؟ وغني عن التذكير هنا الإشارة إلى أن الحكم لم يكن غير "معارضة للسلطة وإثارة للكراهية ضدها" رغم أن خبثاء مايو قد حولوه إلى حكم بالردة بعد أن تيقنوا من أن محمود على استعداد لتقمص دور الضحية/المخلص حتى آخر نفس بدنياه من خلال الكلمات التي أدلى بها بالمحكمة الأولى. حتى إذا صعدت روحه سعد تلاميذه " بالابتسامة الوضاءة التي لفتت الأنظار فانفتحت بموقفه الأسطوري هذا ، وبابتسامة الرضا تلك ، دورة جديدة من دورات انتصار الإنسانية على عوامل الشر في داخلها وفى الآفاق."
    أما وقد كان ما كان فإنه حري بنا أن تذكر ما أدلى به الأستاذ عبد اللطيف رفيق الأستاذ محمود أمام عدسات التلفزيون عند الاستتابة الشهيرة والتي أتوهم أنها كانت كالتالي:
    - محمود وين يا عبد اللطيف.
    - محمود مضى.
    - مضى وين يا عبد اللطيف.
    - مضى إلى حال سبيله.
    - حال سبيله وين؟ مات؟
    - الموت سبيل الأولين والآخرين.
    هو ذاك الموت سبيل الأولين والآخرين. ولا يظنن ظان أن هذه المقالة جاءت لتنال من محمود. كلا إنها تنصفه. هو آدمي مثلنا جميعاً. والآن حيث هو الآن لا يستحق منا إلا الإنصاف والترحم عليه. وأسوة بما ذاع من قول لاستأذنا عبد الله الطيب رحمه الله فإننا نسأل الله له اللطف.
                  

06-08-2008, 11:56 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    انتقد سوداني يعمل استاذا في جامعة اميركية العلمانيين المسلمين، وقال انهم "رفضوا الاعتراف بسقوطهم." ودافع عن الاسلامويين. واعلن انه هو، نفسه، "انهزم امامهم، بعد ان استقال من الحزب الشيوعي السوداني، وكان مسؤولا فيه".
    وقال ان العلمانيين "مثل اغبياء ابرياء، يخدعون انفسهم بالاعتقاد بأن التطور لا يحتاج الى تضحيات كثيرة." واضاف: "بدلا من ان يفكروا تفكيرا عميقا في تصادم العلمانية مع الثقافة الاسلامية، لاموا كل شخص الا انفسهم على الخيارات السيئة التي اختاروها".
    جاءت هذه الآراء في كتاب جديد اصدره د. عبد الله على ابراهيم، استاذ تاريخ مشارك في جامعة ميسوري الاميركية. اسم الكتاب: "هذيان مانوي: التجديد الاسلامي والقضائية الثنائية الاستعمارية في السودان".
    ركز الكتاب على التطورات القضائية في السودان منذ سنة 1898، عندما غزت بريطانيا السودان، مع مصر، وحولته الى مستعمرة بريطانية مصرية، الى سنة 1985 عندما سقطت حكومة الرئيس نميري العسكرية، بعد ان حكمت لست عشرة سنة.
    قسم ابراهيم الكتاب الى ستة اقسام. تناول في الأول بداية القوانين المدنية التي وضعها البريطانيون، ثم تحدث عن المواجهات التي استمرت اربعين سنة تقريبا بين القضاء المدني والقضاء الشرعي، مسجلاً مراسلات مهمة بين كبير القضاة (الشرعي) والسكرتير القضائي (المدني).
    وتناول بعد ذلك سنوات ما بعد الاستقلال، وحكم الاحزاب السياسية، وميلها نحو اسلمة القوانين المدنية، حسب شعار "الدستور الاسلامي"، وحكم جعفر نميري العسكري الذي استمر ست عشرة سنة، وتقلباته بين اليسار واليمين، ثم اعتماده الشريعة. وخصص صفحات لمحمود محمد طه، الزعيم الديني صاحب "رسالة الاسلام الثانية" الذي اعدم خلال حكم نميري بتهمة الخروج عن الاسلام، وكذلك للدكتور حسن الترابي الذي قاد الاسلاميين لأكثر من عشرين سنة، حتى اوصلهم الى الحكم بعد انقلاب عسكري، وأخيراً تناول "القضاء الموحد" الذي اسسته الحكومة الاسلامية الحالية، خاتمة بذلك مائة سنة تقريبا من المواجهة بين القضاء المدني (الاوروبي)، والقضاء الشرعي (الاسلامي).
    الشيوعية والشريعة
    اضاف ابراهيم الى هذه الفصول التاريخية مقدمة وخلاصة طويلتين (عشرين في المائة تقريبا من الكتاب)، فيها آراء مثيرة، ومعلومات شخصية.
    في جانب المعلومات الشخصية، كتب عن انتقاله من الشيوعية الى الشريعة. وقال: "استقلت، في سنة 1978، من الحزب الشيوعي السوداني، بعد عشرين سنة تقريبا من العمل المكثف الذي آمل ان يكون جديرا بالتقدير. عملت كطالب نشط، وعملت في المجال الثقافي".
    لماذا استقال؟
    يقول: "انتقدت عدم قدرة الحزب الشيوعي على التغلب على كارثة سنة 1971، عندما قاد انقلابا فاشلا ضد حكومة نميري العسكرية، اليسارية في ذلك الوقت. وبعدها اعدم نميري عبد الخالق محجوب، سكرتير الحزب، و الشخصية الجذابة، والقارئ الجيد، والمتكلم الجيد". ويضيف: "نظر الحزب الى نفسه كضحية، ولا يزال، ومال نحو الغضب المتزايد بدلا عن التأمل في نفسه".
    ولهذا، فان "بحث الحزب عن الانتقام قلل من قدرته على ان يعود كحزب سياسي مختلف، كما كان. وفقد رغبته في دراسة نفسه، والعالم حوله. وصار حزبا عاديا يشترك في صراعات الصفوة المميتة".في نفس السنة استقال ابراهيم من الحزب الشيوعي، وتوفي والده. وكان ذلك سبب زيارته للمحكمة الشرعية، لأول مرة، لتسوية ورثة والده. وفتحت زياراته عينيه على شيئين:
    اولا، مناظر الفقر والبؤس داخل المحاكم الشرعية: "اطفال منبوذون، وعائلات فقيرة، ونساء اسيرات زواجات لا يقدرن على الخروج منها الا بأذونات من ازواجهن".
    ثانيا: نظرات الاستعلاء من جانب القضاة والمحامين المدنيين للقضاة الشرعيين، مثل عبد الله صالح، محامي (مدني)، وصديق منذ ايام المدرسة المتوسطة في عطبرة، و"شيوعي جيد". قال انه يحمل رخصة المثول امام المحاكم الشرعية، لكنه لم يفعل ذلك أبدا.
    وفي السر، قال له شيوعي سابق: "نحن مع الرجال والنساء الذين لا يحتاجون لمساعدتنا. لماذا لا نساعد البؤساء الذين ينتظرون من المحاكم الشرعية ان تنصفهم"؟
    كل ذلك أثر على قناعاته، إضافة إلى تأثير والده، الذي كان عاملا نقابيا في السكة الحديدية في عطبرة. لكنه اصيب بخيبة امل من مؤامرات النقابيين والسياسيين، حتى الشيوعيين. ولهذا، نصح ابنه ان يبتعد عن هؤلاء، وان يقدم نصائحه من على منبر جامع.
    ويقول ابراهيم ان كتابه هذا هو "فرصة لأن اعترف بهزيمتي على ايدي الاسلامويين. هزيمة بعد قتال طويل ضدهم عندما كنت نقابيا نشطا، وناشرا، وكاتب روايات، واكاديميا، وصحافيا، منذ ان دخلت جامعة الخرطوم في بداية الستينات.. وإنه فرصة لاعيد ثقتي، كحداثي لا ينكر تغربه وراديكاليته، في امكانية تحقيق وجود علماني داخل نظام اسلامي. واتهم "العلمانيين المسلمين" بانهم "فشلوا فشلا واضحا" في تأسيس "تقليد علماني داخل الاسلام".
    وقال ان الاسلاموية يمكن النظر اليها "كامتداد علماني اكثر من ان تكون معادية للعلمانية"، وان التجديد الاسلامي يمكن النظر اليه كنتاج للوطنية، ومرتبط بها ارتباطا قويا".
    الدين والهوية
    واستشهد ابراهيم بآخرين انتقدوا العلمانيين:
    اولا، جون اسبسيتو (مدير مركز الدراسات الاسلامية والمسيحية في جامعة جورجتاون) الذي حذر من "انحياز العلمانيين" عند تناولهم الاسلام وبقية الاديان، وقال ان كتابات بعض العلمانيين عن الاسلام صارت "مثل نعي، مثل تسجيل تاريخ شيء يموت".
    ثانيا، ديفيد كوديل (مؤلف كتاب "نحو نظرية تحليل نفسي قانونية") الذي قال ان العلمانيين ينظرون الى دور الدين في حياة الانسان وكأنه "انحياز يجب ان يوضع جانبا، بدلا من اعتباره دورا لا بد منه".
    ثالثا، لويس برينار (مؤلف كتاب"الهوية الاسلامية والتغيير الاجتماعي في افريقيا جنوب الصحراء") الذي أشار إلى عدم نزاهة العلمانيين الذين يكتبون عن الاسلام في افريقيا. ويؤمن مؤلف الكتاب بأنه يوجد شيء اهم من الشيوعيين، والاسلاميين، والعلمانيين، وهو: الحرية. إنها لا تحتاج الى نظريات وفلسفات، لأنها شيء بديهي، وفطري، وطبيعي. ولأن الانسان اما حرا، او ليس حرا. لا يوجد شيء اسمه نصف حرية، او ربع حرية.
    لهذا، لا يوجد فرق بين كل من يشترك في حكومات غير حرة، او يؤيدها، او يطبل لها: شيوعي، او اسلامي، او علماني. لكن، يوجد فرق بين هؤلاء، وبين الذي يعارضون هذه الحكومات الظالمة.
    ----------------------------
    ملاحظة
    * المؤلف.. من هو؟
    ولد ابراهيم سنة 1942 في القلعة، عمودية جيلاس، مركز مروي، في شمال السودان. ونال بكالوريوس، وماجستير من جامعة الخرطوم، ودكتوراه من جامعة انديانا. وعمل استاذا في جامعة الخرطوم، ثم زميلا في جامعة نورث ويستيرن الاميركية، قبل ان يلتحق بجامعة ميسوري.
    ومن كتبه عن السودان: «العين الحارة للرباطاب» و «صراع المهدي والعلماء» و«الديمقراطية والثقافة في السودان» و «فرسان كنجرت: تاريخ الكبابيش» و "الشريعة والحداثة" و «النهضة والمقاومة في ممارسة الحزب الشيوعي».
    " الشرق الأوسط_ 25 يوليو 2007 "
                  

06-09-2008, 00:32 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    الحزام السوداني.. نحو افريقيا

    قصي همرور
    فبراير 2008
    (نشرته جريدة الأحداث على جزأين، في 11 و18 من مارس 2008)

    لم يتسن لي الاطلاع على كتاب "الحزام السوداني" الصادر عام 2005 عن مركز عبدالكريم ميرغني الثقافي، لصاحبه عبدالهادي الصديق، إلا أواخر العام الماضي، وبلغني بعدها بقليل خبر انتقال الكاتب عن دنيانا، فحزنت لكوني لم أسمع بمفكر معاصر مثله إلا بعد وفاته.. لا علم لي أيضا بحجم ما أثاره الكتاب في الساحة الثقافية السودانية، بيد ان عدم لمسي لهذه الإثارة، وسط الساحات التي أتابعها، لمؤشر لأن الكتاب لم ينل ما يستحقه من الحفاوة اليوم.
    إنه من أثمن الكتابات السودانية التي قرأتها، وفيه ارتياد واضح لدرب فكري ما زال بكرا على عموم الساحة الثقافية السودانية.. درب سلكه قلة قليلة من قبل وأدلوا فيه بما أدلوا، لكن هذا الكتاب له ما يميزه بالتأكيد.. في هذا العرض الموجز أرجو أن أساهم في الدعاية له.

    الحزام: جغرافيته، تاريخه ومزاجه

    يبدأ الكاتب بوصف ما يعنيه بالحزام السوداني، فيقول إنه "المنطقة الممتدة أفقيا من المحيط الأطلنطي غربا إلى وادي النيل والبحر الأحمر حتى هضاب الحبشة شرقا. تلك المنطقة التي يقطنها السودان من ذوي السحنة (السودانية) وهي إلى الجنوب من المنطقة التي يقطنها (البِيضان) في الجهات الشمالية من افريقيا المتاخمة لشواطئ البحر الأبيض المتوسط".. يرمي الكاتب إلى توضيح الوحدة التاريخية والثقافية لأهل هذه المنطقة، وتأثير الإسلام على هويتها هذه، خصوصا الطرق الصوفية، إذ يقول إن هذه الوحدة التاريخية والثقافية تجعل أهل هذه المنطقة أقرب لبعضهم من الصورة العامة المتواترة اليوم، وإن الثقافة المشتركة فيها، الممتدة بالإسلام ومعه، متشابهة ومتشربة بالإرث الصوفي.. تنداح نتائج هذه الوحدة التاريخية والثقافية على الظروف الموضوعية المعاصرة بين شعوب وبلدان الحزام السوداني.
    لكي نساهم أكثر في التعريف بهذه المنطقة نقول إن وصف "السودان" كان قد أطلقه العرب على هذه المنطقة تمييزا لشعوبها، بلونهم، عن شعوب شمال افريقيا "البيضان"، وقد تضاءلت رقعة التسمية هذه عبر التاريخ حتى وصلت اليوم للحدود الجغرافية السياسية لدولة السودان، لكن الكاتب يعيد إحياء هذا المسمى بمداه العريض، أي الشريط الممتد من شرق القارة لغربها.. بخلاف المسمى فإن ما يربط هذا الحزام جغرافيا معروف في التصانيف البيئية بالمنطقة السودانو/ساحلية، كما هو وصفها لدى برنامجي الأمم المتحدة للتنمية وللبيئة .. تتعرف هذه المنطقة بيئيا بتشابه كمية الأمطار السنوية وطول مواسمها وأنواع النبات فيها، وهي محصورة بين جنوب الصحراء إلى خط العرض 14 شمال خط الاستواء (تقريبا).. تضم المنطقة، من الناحية السياسية، عدة دول اليوم، كالسنغال ومالي والنيجر وتشاد والسودان وارتريا، وغيرها.
    يسيح بنا الكاتب في الآفاق التاريخية/ثقافية للحزام، فيتطرق للموروث الإسلامي الافريقي الذي تشكل فيه عموما عبر الطرق الصوفية واندماجها مع ثقافات شعوبه الأصيلة المتشابهة، رغم تنوعها، بسبب تأثرها بالبيئة المشتركة والعلاقات الاقتصادية والسياسية المتواصلة منذ قديم الزمن، فصار الإسلام عموما في المنطقة جزءا لا يتجزأ من ثقافتها، راسخا فيها.. يشير الكاتب للكثير من الأمثلة التي تنازلت فيها الشريعة الإسلامية لصالح التقاليد المحلية، لتوطين الشعور الإسلامي كتحول وجداني جديد، ويحلل براعة وحكمة مشايخ الطرق الصوفية في الدعوة الدينية في المنطقة، حيث عاشروا شعوبها معاشرة لصيقة، وصاروا منهم، واتخذوا من ثقافاتهم المحلية وسائل جديدة للدعوة للإسلام، بتسامح وتعايش، فقبلهم الناس وارتاحوا لهم، وما يظهر من ذلك لنا حتى اليوم في تقاليد وطقوس الصوفية المشتركة على مدى الحزام (برغم ما لحق بالطرق الصوفية نفسها اليوم من صور التسلط والتعصب التي لا تشبه إرثها).
    يشير الكاتب أيضا للسمات المشترك للعديد من الممالك التاريخية التي ارتبطت بالإسلام في الحزام، كحضارات غانا ومالي وبرنو وسونغهاي بجانب الفونج وسنار، كما ينتقد على مدى الكتاب التشويه التاريخي المتعمد الذي مارسه الاستعمار الأوروبي لتاريخ المنطقة، كونه إحدى أدواته المشهورة (فرّق تسد)، وكونه أضر بحصيلة قرون من المساهمة التنموية المتبادلة بين شعوب المنطقة.
    في صور تفصيلية لدراسات الحالات يتناول الكاتب تأثير اتجاهين إسلاميين على المنطقة، وتأثيرها عليهما، هما المذهب المالكي والطريقة التجانية، غير أنه في ذلك المسار لا بد أن يذكر شتى المذاهب والطرق الأخرى التي تعرض بعضها لبعض في المنطقة.. يثير أيضا دور الحركات الجهادية التي قامت في الحزام كصورة من حركات التحرير الافريقي التي واجهت الدخول الأوروبي المشؤوم للقارة.. هذه الحركات التي تنسب للشيخ عثمان دان فوديو، والحاج عمر تال الفوتي، وساموري توري، ومحمد أحمد (المهدي)، ورابح فضل الله.. يتعرض لعلاقات الشبه الكثيرة في تكوين تلك الحركات المستمد من تراث المنطقة الديني، والعلاقات السياسية واللوجستية لبعضها ببعض.
    إلا أن من أجمل فصول الكتاب ذاك الذي سماه "المزاج السوداني"، ففيه يمحص أسرار الثقافة الفنية المشتركة، والتي تتجلى أكثر ما تتجلى في ثقافات الموسيقى والرقص ووسائلهما على مدى الحزام (خصوصا السلم الموسيقي الخماسي)، بيد أنها لا تخفى أيضا في الجوانب الأخرى، من طقوس المناسبات الاجتماعية من أعراس ومآتم وولادات، وتنصيب حكام ومشايخ، وأفراح أعياد دينية وموسمية، وأحاجي شعبية، إلى ما يتجلى حديثا في طابع الإنتاج الأدبي والدرامي، مسرحيا وسينمائيا وقصصيا.. كمثال نورد مقتطفات من الفصل حول شخصية اجتماعية لكل منا ألفة معها:

    "تلك هي شخصية القريو، والتي اتخذت صفة مشتركة وأسماء متعددة ومختلفة في بقية المناطق من الحزام. وظاهرة (القريو) تنتشر في منطقة غرب افريقيا وهي خليط من شخصيتي المؤرخ والمغني. ويطلق عليها بلغة الماندينغ (جيلي)، وبلغة الولوف (جويل). ولعل جميع هذه المترادفات والتي تحمل صفة وظيفة واحدة قد جاءت من التعبير العربي (جال) (يجول) فهوي (جيلي) أو (جوالا) وتعني في النهاية (المغني) الجوال أو التروبادور (...) أما تحوير معنى الكلمة من المغني الجوال إلى المادح الجوال فقد تمثلت في إطلاق لفظ (الجيلي) كما في لغة الماندينغ ذلك المادح الصوفي الذي يجول القرى ليمدح الرسول والأولياء الصالحين والشيوخ (...) وامتدت ظاهرة القريو عبر الحزام السوداني حتى وصلت إلى الحبشة ويسمى هناك العزماري (...) لقد برزت ظاهرة القريو في الإقليم السوداني منذ زمن بعيد حيث ظهر (القريو) كمغني للبلاط الملكي في مملكة غانا القديمة (...) فالقريو أو الجيلي أو مادح السلطان برز لأول مرة كمؤرخ حافظ لتاريخ الملوك والممالك".

    ومن بعد كل هذا لا ينسى الكاتب أن يخصص فصلا لآفاق الوحدة وإشكالية الخلاف بين شعوب الحزام السوداني اليوم، فيتطرق بالتلخيص لدراسات حالات من السنغال (مشكلة الكازامانس) ومالي والنيجر (مشكلة الطوارق) و نيجريا، وغيرها، ويختمه بآراء موجزة عن "إشكالية الخلاف رغم إمكانية الوحدة" و"إمكانية الوحدة رغم إشكالية الخلاف".




    منهجية التحليل وأصالة الطرح

    في كتابات سابقة لنا بخصوص ضرورة الالتفاتة الجادة لإرثنا الافريقي العام، سياسيا وأنثروبولوجيا، ذكرنا أن هناك كتابين، ننصح بهما كل افريقي مهموم بقضية القارة.. الكتاب الأول هو "الأصل الافريقي للحضارة" لصاحبه العلامة السنغالي شيخ أنتا ديوب ، والكتاب الثاني هو "كيف قوضت أوروبا تنمية افريقيا" لصاحبه الدكتور الشهيد والتر رودني ، الافريقي الكاريبي قاطن قـَيانا، وصديق دكتورنا جون قرنق، في الحس وفي معنى المشوار الفكري الوعر.
    قيمة هذين الكتابين، في نظرنا، هي أنهما يؤطران لبداية استقراء تاريخي محلي، بعيون محلية افريقية، ليست أوروبية أو امتدادا لها.. يختلف الكتابان في مجالي تناولهما السياقي والموضوعي، لكنهما يتكاملان في القضية العليا.. لسنا على توافق تام مع أي منهما، لكن نحتفي بهما كثيرا.. ما يؤكده لنا الكتابان أن أثر الاستعمار الثقافي/سياسي، الذي جرى معظمه لنا خلال القرنين الماضيين، كان كبيرا، وما زال، في الجوانب الاقتصادية والسياسية، لكن أثره على مؤسساتنا الثقافية أعظم وأجل، ما جعلنا لليوم منبتـّين بصورة محزنة، فلا نحن أصبنا شيئا أصيلا من حضارة المستعمر ولا بقيت صلتنا قوية بجذورنا الثقافية التي كانت قبل مجيء المستعمر.. بهذا فقدنا، حتى اليوم، حق التطور الطبيعي لفلسفاتنا الاجتماعية وأدواتنا وتقنياتنا الحضارية الإنتاجية.
    مشكلتنا تبدأ من هنا، وما يحاوله ديوب ورودني، في كتابيهما المذكورين، هو إخراجنا من هذه الحفرة التي لن تفيدنا الفرفرة من داخلها، ما دمنا داخلها في النهاية، بغض النظر عما إذا كان بإمكاننا أن نجعل تلك الحفرة "مكندشة" ومؤثثة بأثاث "كولونيالي" فاخر، وبها بعض الكتب الكلاسيكية والحديثة، و"كمان" فيها خدمات تلفون وانترنت.. ليس بإمكاننا أن نتطور فعلا إذا كانت مرجعيتنا الفكرية، وأدواتنا وتطلعاتنا المنهجية، مستوردة في مجموعها مما وراء البحار.. هذا القول ليس ضد الاستفادة التلاقحية من ميراث البشرية حول الأرض، إنما هو ضد المسيرة العمياء خلف خطوات الأوروبي أو ابن جزيرة العرب، بدون الالتفات لاحتمالات أكثر مواءمة لبيئتنا الطبيعية والمجتمعية.. بالتأكيد ليس ديوب ورودني وحدهما في الساحة الثقافية الفكرية من العاملين على إجلاء هذا الأمر، لكن ما يميز الكتابين تخصصهما في المسألة التاريخية التي تبيّن أصول الداء المعاصر، بمنهجية مصقولة وتحليل حصيف.. بيد أن كلا الكتابين لا يقدم بديلا فكريا يصلح لبـِنـَة بناء وترميم للمؤسسات الثقافية المحلية، فمثل هذا البديل نجده عند غيرهما، مثل ما نجد من إنتاج الأستاذ محمود محمد طه، كصرح فكري سوداني أصيل، متشبع بالإرث الافريقي الصوفي ومتمكن من ثقافة عصره في الاجتماع والاقتصاد والسياسة، ونجد أيضا ما يبعث الأمل في أمثال طرح السودان الجديد وفي مانفستو كوش.
    لنفس الأسباب التي ننصح من أجلها بقراءة كتابي ديوب ورودني ننصح أيضا بقراءة كتاب "الحزام السوداني"، فهو طرح غريب على الساحة السودانية المعاصرة، يمتاز بجرأة لا تـُحفّز الثورة الثقافية إلا بمثلها، ويمتاز أيضا بمنهجية تحليلية تاريخية ملفتة للنظر – حتى لمن لا يتفق معها – وبمبادرات فكرية أصيلة، محترمة، في توصيف الداء وبعض الدواء.

    تحفظات مختارة

    برغم إعجابنا بالكتاب فلنا عليه تحفظات، نذكر طرفا منها أدناه، ولعل أهم مافي الكتب الجميلة أنها تحرض فيك جذوة التفكير، ولا تريح العقل من ولوج أرض النقد والحوار – الداخلي قبل الخارجي – سواء أتفقت معها أم لم تتفق، وفي حالة هذا الكتاب فقد نجد فيه ما يثير عظيم الإعجاب كما نجد فيه ما يثير أدوات النقد الموضوعي الكامنة في كل قارئ، لكن المؤكد هو أن أحدنا لن يخرج من قراءته بخفي حنين.
    إحدى النقاط التي لم يوفق فيها الكاتب، في نظرنا، كانت في حديثه عن تاريخ العلائق الأولى للعرب المسلمين مع أهل منطقة السودان، ومنها الرق، وبرغم ان بعض الظروف الاقتصاد/سياسية في الأرض تدعم ضرورة نظام الرق، على سوءاته، في المراحل التاريخية القديمة (خصوصا بفترات الحروب)، ولذا مارسته كل شعوب المعمورة، إلا أن الكاتب نحا أكثر من اللازم للاتجاه الذي يمنح العرب المسلمين وصف "المتحضرين" مقابل "الأقل حضارة" بالنسبة للأفارقة السود، في لقاءاتهم الأولى مع بعضهما، ونحن نرى غير ذلك، كما نرى أن انتصارات العرب الحربية لم تعن تفوقهم الحضاري وقتها، ولنا على هذا أمثلة من التاريخ، فالشاهد أن هناك شعوبا كثيرة هزمت شعوبا أعظم حضارة منها لنفس سبب أن تلك الشعوب كانت أكثر حضارة! تمكن المغول في مراحل تاريخية من الانتصار الكاسح على جيرانهم الصينيين، وقد كان الأخيرون حينها في قمة حضارتهم، أما المغول فكانوا أهل حياة بدوية قاسية، غير متحضرين.. استطاع المغول ذلك لأنهم كانوا أكثر مراسا على الحرب كأسلوب حياة، بل كنهج اقتصادي، فكان جميع رجال المغول جنودا مرتاضين على الحرب وخشونة مأتاها، في حين كانت الصين وقتها ذات دعة في العيش، ما جعل المجتمع الصيني أكثر تخصصا واستقرارا، فكان منهم التجار والعمال والمزارعون والإداريون والجنود (فكانت الجندية تخصصا لنسبة من الرجال)، لذا كانوا ضعيفين أحيانا أمام المغول الذين اعتادوا كلهم على حياة الترحال والخشونة والقتال والنهب الدوري.. يشبه هذا ما جرى للمصريين أيضا حين غزاهم العرب أيام عمر بن الخطاب، فقد كان العرب حينها على غير حضارة، وكانوا مشحونين بعاطفة الدين الجديد الذي وحّدهم، كما كانوا أهل بداوة وشظف عيش وقتال، وكان المصريون حينها شعبا زراعيا، مرتبطا بالأرض والتخصص المهني والاستقرار، فلم يقو على الجيوش العربية المسلمة.. نفس الأمر حدث للممالك الإسلامية بعد ذلك مع التتار.. صحيح أن الصينيين كانت لهم كرّتهم على المغول في فترة لاحقة، كما كانت للمسلمين على التتار، لكن العبرة هنا في أن سجل الحرب يشهد بحقيقة مراحل تاريخية انتصر فيها الشعب غير المتحضر وسيطر، وقد كان هذا ما جرى للمصريين، وللنوبة أيضا (لحد ما)، مع العرب المسلمين حينها.. بعدها تغلغل الإسلام في الحزام السوداني سلميا، كما هو معروف.
    من النقاط الأخرى التي تحفظنا عليها ما نحا له الكاتب من التمجيد الزائد لحركة المهدية في السودان (ضمن تمجيده للحركات الجهادية في الحزام).. ما نراه أن المهدية لعبت دورا تاريخيا ما كان ليلعبه غيرها، وقد كانت إحدى البذور الهامة لدولة السودان بحدودها الجغرافية المعاصرة، إلا أن المهدية لم تكن خيرا مطلقا على السودانيين، والتاريخ يمدّنا بمرارات تجرعتها بعض شعوب البلاد منها، خصوصا تلك التي عارضتها واختارت الولاء لطوائف دينية أخرى، وقد مارست المهدية سبي النساء والرجال من القبائل المسلمة التي أنكرتها، كالكبابيش والشكرية والجعليين، ما حدا ببعضهم للتضرع للمسيحيين لإنقاذهم، حين قال الحردلو الشكري: "أولاد ناس عزاز متل الكلاب سوّونا.. يا يابا النقس، يا الانكليز ألفونا"، والنقس هو النجاشي ملك الحبشة (منصور خالد. "السودان: أهوال الحرب وطموحات السلام". ص101).. وعموما نرى أيضا أن الكاتب أحيانا احتفل كثيرا بنقاط تاريخية غير جوهرية، وتجاهل أخرى جوهرية جدا.. والحديث ذو شجون، لذا نقف هنا ونشكر الكاتب المرحوم على هذا الذي ورّثنا له زرعا طيبا في بستان الثقافة السودانية.
                  

06-09-2008, 05:44 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    لا للهوس الديني * *

    لا ضلال ولا تضليل باسم الدين

    تعليقات في السياسة الداخلية

    فليتواصل النضل ضد هستيريا التكفير والهوس الديني واهدار الدماء

    يسهم في تحرير هذه الصفحة هذه المرة عشرات الكتاب والمفكرين والقادة السياسيين البارزين والعلماء بمختلف انتماءاتهم السياسية ومدارسهم وطوائفهم الدينية، وقفة مشهودة تتسم بعمق المعرفة والجرأة في الرأي والجسارة في الموقف والجهر بقولة الحق والدفاع عن شرف الكلمة وصدقيتها، دفاعاً عن الديمقراطية وحرية الرأي الآخر، وقيم الدين القيم ضد التشويه والابتذال، ودرءاً للفتنة، ومنازلة شجاعة لهستيريا الانفلات والهوس السياسي باسم الاسلام. وكشفاً وتعرية للدثار الذي يغطي المصالح الذاتية باسلام من صنع الكهنوت.

    في هذا الحيز نرصد اسهام بعض هؤلاء في الندوات والصحف المختلفة وغيرها ... وسنتابع ذلك في أعدادنا القادمة، بهدف ان تصل الحملة ضد الارهاب الفكري باسم الدين إلى نتائجها الطبيعية. وهي: اولاً: كشف ادعاء من يتحدثون كذباً باسم الاسلام وهم يدافعون عن الباطل والسلطان الجائر، والحكم الزائل، ولكي لا تتكرر مثل هذه المسائل التي تفتح الباب لكل من هب ودب ان يوزع التكفير دون دراية أو وازع وعن جهل وبقصد الدوافع والمنفعة الخاصة أو الطبقية والفئوية وغيرهامن الدوافع الدونية والدنيوية. ثانياً: تقديم هولاء للمحاكمة ان كانت السلطة صادقة في انه ليس لها يد في ما قام به هؤلاء. وفي هذا الجانب يستوجب على الحادبين وكافة القانونيين دعم الدعوة الشجاعة التي تقدم بها د. محمود الشعراني المحامي في 8/7/2003 ومتابعة سير القضية ضد مصدري الفتوى. (هيئة التحرير).

    * في ندوة اقيمت في جامعة الخرطوم تحدث فيها عدد من الأساتذة من بينهم نازك محجوب المحامية، والأستاذ يوسف حسين عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي والأستاذ كمال الجزولي المحامي، كشفوا باسهاب المخطط الذي يستهدف جوهره الهجوم على الديمقراطية وعرقلة الحل السياسي الشامل وأعلنوا تضامنهم ومساندتهم التامة للقوى الديمقراطية في معركة الانتخابات. وقال الصحفي المخضرم الأستاذ محجوب عثمان حاول بعض الذين أصدروا الفتوى التقليل من آثارها ومخاطرها بالحديث عنها انها صدرت قبل عامين أو ثلاثة، وسواء صح هذا الدفع أو لم يصح فان خطر هذه الفتوى وطبيعة (الفتنة) فيها ما زالت قائمة. وتشكل انذاراً باننا مقبلون على مرحلة كتلك التي عاشتها جمهورية مصر قبل سنوات والتي ابتدأت بفتاوي التكفير ثم تبعها وترتب عليها سيل من الاغتيالات المعروفة..الخ (الأيام 9 يوليو 2000). وفي البيان الذي أصدرته مركزية الجبهة الديمقراطية، في 6 يوليو 2003 أكدت ان التكفير يستهدف إيقاف مفاوضات السلام والحل السلمي الشامل ضمن أهدافه الأخرى، كما ذكر الكاتب خالد فضل – الأضواء 9/7/2003 مستفسراً كيف يجوز لأستاذ جامعي يتقاضى أجراً من والد طالب يجلس أمامه فيلغي هذا الطالب ويكفره ويطلب وقف أي تعامل معه. أما الأستاذ حسن بشير كاتب العمود الشهير بالأيام فقد ورد في مقاله الرصين – 6/7/2003، ما هي الصفة لهم في مجال الفتاوي الدينية ثم يخلص إلى ان (الكتلة) التي افتت هي كتلة سياسية وليست كتلة دينية وكل ما ذكرته ليس له علاقة بالفتاوي الدينية بل ينحصر في إطار الصراع السياسي. والدكتور مرتضى الغالي صاحب العمود الساخر يورد في ذات العدد ان هذه الفتوى تطلق الفتنة من عقالها وتشكل خطراً حقاً على التعايش السلمي في السودان.

    * وفي حديث الشيخ عبد المحمود ابو الأمين العام لهيئة شؤون الانصار لصحيفة الوفاق 8 يوليو 2003 جاء، ان التكفير السياسي إرهاب فكري واصدار الفتاوي من حق المجمع الفقهي فقط. وقال الشيخ حسن ابو سبيب القيادي البارز في الحزب الاتحادي الديمقراطي في ذات العدد من الصحيفة، لا يجوز تكفير من نطق بالشهادتين وتكفير مسلم بهذه البساطة، وهي فتوى سياسية أكثر منها دينية لأنها اقترنت بانتخابات الطلاب. كذلك يقول القيادي بالحزب الاتحادي الديمقراطي المهندس محمد فائق، انها فتوى سياسية صادرة من حزب له رأي سياسي مسبق في الذين صدرت بشأنهم الفتوى وان الاسلاميين الآن أصبحوا في مفترق الطرق والبلاد على اعتاب حقبة جديدة وهم لا يستطيعون دخولها بما يقنع الشعب، لذلك لجأوا لأسلحتهم القديمة ومنها التكفير واهدار الدماء. (ذات العدد في الصحيفة).

    ويرى عبد الرسول النور القيادي البارز في حزب الأمة، من الصعب ان لم يكن مستحيلاً تكفير المسلم، ويحذر من ادخال المسائل السياسية وخلطها بالمسائل الدينية لأنه يأتي بمردود ضد السلام الاجتماعي والاستقرار في البلاد. وليس من الاسلام في شئ ان يكفر المسلم المسلم الآخر بأي ذريعة سياسية.

    وكتب السيد عوض على الله – الأيام 7/7/2003، الرجل الجالس على مقعد في مقهى لا حجر عليه، ان ابدى رأيا متصل بعباد الله وشؤون الدنيا، فهذا حق طبيعي، ولكن ان يجلس قوم يتدثرون برداء الدين ويصدرون فتوى تحرم الانتماء إلى تنظيم بدعوى انه يدعو إلى الاشتراكية والشيوعية وتلصق بالمنتمين اليه تهمة الكفر والارتداد عن الدين الحنيف فهذا نذير شر مستطير. السلطات المختصة يركبها الجن الأزرق عندما تعقد المعارضة اجتماعاً ولا تكثرت لمصير العديد من الشباب الذين كفرتهم هذه الفتوى.

    وكتب د. محجوب هارون، الصحافة 9/7/2003، ان فتوى المجموعة الصغيرة المسماة من بعض العلماء والشيوخ، تطرح قضيتين كبيرتين يجب أخذهما مأخذ الجدية وكامل المسؤولية، ذلك انه يلزمنا ان نحدد مواقفنا بمنتهي الوضوح حتى نقدم للإنسانية ملامح نموذج اسلامي في سياق إنساني عريض، القضية الأولى هي استسهال الفتوى في قضية قطع فيها الاسلام بجلاء بلغ حد اباحة حرية الكفر حيث من شاء فليكفر.

    وقال الصفحي الناشط في منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان فيصل الباقر، ان هذا زمان التفكير لا التكفير، فقد انتهى إلى غير رجعة زمان التكفير ونحن نعيش عصر احترام التعددية والديمقراطية والسلام واحترام حقوق الإنسان في التفكير وحقه في التعبير وهي حقوق أصيلة كفلتها المواثيق الدولية والإقليمية المتعلقة بحقوق الإنسان (الأيام 8/7/2003).

    أما الصحفي صاحب العمود المضئ (آفاق ورؤى) محمد موسى حريكة أورد – الأيام 8/7/2003 لم يتسرب استخدام (الدين) كعامل سياسي في تصفية الخصوم وبذلك الشكل المؤسسي إلا في عام 1967 بعد حادثة معهد المعلمين العالي الشهيرة والتي قادت إلى حل الحزب الشيوعي باختراق واضح للدستور وتكريسه لتصفية المناوئين سياسياً. وفي الثمانينات من القرن الماضي يعتبر المفكر محمود محمد طه رمزاً في مقارعة مؤسسة الاسلام السياسي والتي أخمدت انفاسه بحبال المشنقة في محاكمة (الردة) الشهيرة عام 1984، ويستيقظ الآن وبعنف في نسيج هذا المجتمع وفي الألفية الثالثة فتاوي الردة والتكفير وهي تشق طريقها للنيل من الأفراد وصولاً لتلك الحالة الشمولية في تكفير المؤسسات والتنظيمات السياسية.

    في الأيام 20/7/2003 أكد السيد ماجد يحيى القوني ان الجبهة الديمقراطية تحترم الأرث العقائدي والثقافي للمجتمع السوداني ولا يمكن الاساءة لهذه المعتقدات بأي حال من الأحوال، وتاريخ الجبهة الديمقراطية يؤكد حرصها على احترام المعتقدات الشعبية يدل عليه الفصل من عضويتها لكل من يشذ عن السلوك العام ... وحادثتي جامعة الخرطوم والسودان توضحان ذلك. ان جريمة تكفير الآخرين يمكن تجاوزها وعَييَّا، ولكنه يؤكد اصراره على سذاجة المبررات التي دفعت اولئك لإصدار الفتوى.

    وقال د. حيدر إبراهيم – الصحافة 12/7/2003، أما في الاسلام فلا يملك بعد الرسول (ص) أي فرد أو فئة سلطاناً دينياً، وهنا يتساوى الناس في كسبهم وأخذهم في الدين من اصوله دون واسطة او وصاية من أحد. ولقد خرج الشيعة فقط من هذه القاعدة بفكرة الحاكمية ودور المشايخ والحوزات الدينية.. لذلك علينا ان نتحاور في السياسة بلغة السياسة فقط. ويمكن ان اصف الخصم بانه رجعي أو طائفي، أو حتى عميل، ولكن من الخطر والحماقة ان أصف الخصم السياسي بالكفر والالحاد.

    وقال الأستاذ تاج السر مكي – الأيام 6/7/2003، لم يتخل الحزن عني، بل صاحبه غضب عظيم وانا أقرأ اسماء من شاركوا في تلك الملهاة وهم ممن دفع لهم شعب السودان مالاً وجهداً، ينتظر ان يتدفق علمهم رداً للجميل لكن أراهم قد تنكبوا الطريق وها هم يردون الجميل عقوقاً وجرعات من السموم القاتلة.

    وكتب الأستاذ مامون عيسى المحامي – الأيام 21/7/22003، ليس هناك كيان أو تجمع أو هيئة رسمية ذات شخصية اعتبارية حسب التعبير القانوني تسمى هيئة علماء السودان، فالأمر لا يعدو ان يكون مجرد مليشيا تجند موسمياً كلما جد خطب وادلهم أو ضاق خناق على الإنقاذ وهات يا تفصيل فتاوي حسب الطلب والمقاس. كل من التحى وتعمم ووضع على منكبيه ملفحة يمكن ان يفصل فتوى سواء كانت مجموعة أو فرداً.

    وأدلى بدلوه دكتور منصور خالد – الصحافة 16/7/2003 قائلا، حملات التكفير في حد ذاتها ليست جديدة في خارطة الاسلام السياسي المعاصر، من جمهورية افغانستان الاسلامية إلى جمهورية ابسيرديستان (Absordistan) الاسلامية والأخيرة تطلق عليها اطالس الجغرافيا اسم جمهورية السودان. فمنذ ان اقتسر النظام الراهن حكم السودان أعضل داء البلاد خاصة بعد تقسيم الوطن الواحد إلى دار حرب ودار سلام وجعل أهله اصنافاً تتمايز بالديانة، فيها المسلم والكافر والمشرك، ذلك التصنيف المختلق وما تخللته من ريب خبيثة الأصل. نكاد نلمح وراء هولاء الشخابين جماعة في النظام تتناصر بالخداع وتتوالس على الخصوم، تلك الجماعة ما فتئت تهرج بين الناس لتوقد نار الفتن بوعي كامل. لا تفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله، وانما هو ترهيب لعباده. فعند هولاء الرهبوت خير من الرحموت.


    http://www.midan.net/nm/private/almidan/m1983/midan1983.htm
                  

06-09-2008, 07:08 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    اجحاف القراى وتراضى الصادق المهدي (2-2)
    محمد عيسي عليو
    في المقال السابق تحدثنا عن اتهام القراي في أن هذا الاتفاق ما هو إلا محاولة لدخول حزب الامة في جلباب المؤتمر الوطني، وتحدثنا عن بهتان القراي في حق القبائل العربية سواء في أبيي أو الضعين أو كل القبائل العربية في دارفور، أكدنا له ان هذه كلها تهم مردودة، وهي لا تنطلق إلا من عدم معرفة أو حسد، أو تجنيد من جهات لهدم أحد أركان الدولة السودانية.
    لم نشئ أن نخرج من الموضوع كما خرج القراي، وندافع عن التهم الشخصية الموجهة للسيد الصادق المهدي ومنها انه قبض ثمن التراضي الوطني وان دخول ابنه بشرى في جهاز الامن احدى المقدمات، وفي هذه الحلقة نواصل ردنا على القراي في حلقته الاولى قراءة في التراضي الوطني.. يقول القراي لماذا لم يطلع الشعب على هذا الحوار؟ ولماذا لم يكن علنياً ومنقولاً عبر وسائل الإعلام!
    يا سبحان الله يا أخي القراي متى كان هذا الحوار سرياً، لم يسل القراي هذا السؤال إلا لحاجة في نفسه واما ان يكون القراي خارج الشبكة سواء كان مريضاً أو مسافراً أو غائباً عن الدنيا لفترة، ربما يكون في خلوة صوفية، أخي القراي لقد بدأ هذا الحوار علناً جهاراً نهاراً فوق الارض وتحت السماء على نور القمر وضوء الشمس في صباح يوم من ديسمبر 7002م حيث كون الحزب خمس لجان من ضمنها لجنة للمؤتمر الوطني واعلنت اسماء اللجنة والمؤتمر الوطني اعلن اسماء لجنته وبدأت الجلسات والاعلام السوداني كان متابعاً، تخللت تلك الفترة مؤتمرات صحفية، واخيراً اعلن الاتفاق على الملأ وخرجت الصحف في اليوم التالي بكل تفاصيله. أين السرية إذن في كل مراحل هذا الاتفاق، طبعاً يا أخي القراي وكما تعلم انه يستحيل اثناء الاجتماعات اخطار الناس بكل شئ، أي تفاوض في الدنيا لا تعلن كل تفاصيله في وقته وهذا شئ معروف.. العبرة بخواتيم الاجتماعات وهو ما اعلن لكم وهو ما سيعرض في المؤتمر الجامع.
    يخرج بنا د. القراي الى فلسفة قديمة تتجدد يتساءل عن كلمتي الشورى والديمقراطية واللتان وردتا في صلب الاتفاق فهو يقول لماذا كرر الاتفاق كلمة الشورى والديمقراطية، اذا كانت الديمقراطية هي الشورى في فهم الحزبين لماذا لا يكتفيان بكلمة واحدة دون حاجة الى التكرار ،واذا كانت الشورى ليست هي الديمقراطية فعلى أيهما اتفقا أم كتبت الديمقراطية ارضاءاً لحزب الأمة وكتبت الشورى ارضاء للمؤتمر الوطني وكلاهما لا يقصدان في الحقيقة أياً منهما.
    حقيقة القراي يريد ان يرجع بنا الى العصور البيزنطية، البيضة من الدجاجة أم الدجاجة من البيضة، وهو يريد ان يعرف ماذا يقصدان بالتكرار أم هو يشكك في مصداقية الطرح أم يرى ان الديمقراطية هي غير الشورى والشورى غير الديمقراطية، الذي يعرف الديمقراطية ويعيشها لا يرى فيها اختلافاً عن الشورى.. وهذا موضوع طويل يا دكتور، ولكن ما نستطيع ان نقوله هنا وفي هذا الزمن الذي نعيشه وما يعنيه الاتفاق ان الديمقراطية هي الجامعة والشورى احدى كلياتها، يمكن لكل حزب ان يتشاور دوماً مع اعضائه أو اتباعه كما يحلو للقراي ان يردد، ويمكنه ان يتشاور مع الاحزاب الاخرى في اجتماعات متصلة، ولكن الديمقراطية هي الفصل في اتخاذ القرارات وهي التي تعطي شهادة البراءة، فما الغضاضة في ايراد كلمتي الشورى والديمقراطية في الاتفاق.
    هنا نأتي للفلسفة الدينية التي يحاول بها القراي اخراج الصادق المهدي من ملة المعتدلين الى المتطرفين، اذ يقول ان قطعيات الشريعة لا يمكن ان توافق على حرية العقيدة ولو كانت الشريعة الاسلامية توافق على ان يعتقد كل شخص ما يشاء لما قام الجهاد واحكم السيف على رقاب المشركين حتى يسلموا وفي رقاب اهل الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون. واستدل في هذا بآيات تبيح قتل الكفار.. هنا نقول للآخرين لأن القراي عارف كل شئ ولكنه واضح جداً يميل إلى الجدال وهذا ليس مكانه ولا وقته ولكني اقول فقط وبكل قوة ان قطعيات الشرعية الاسلامية لا تختلف مع حرية العقيدة، وفي زمن النبي صلى الله عليه وسلم اعلن صحيفة المدينة وهي التي حددت وجوب التعايش بين المسلمين واليهود في المدينة المنورة، وعندما جاءه وفد النصارى من نجران استقبلهم هاشاً باشاً ومد إلى قائدهم مسنده ليتكئ عليه، وما أمنا مارية القبطية إلا تمازج للتعايش بين المسلمين وغيرهم والآية الكريمة تقول «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين، إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين واخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم ان تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون» الممتحنة الآية 8-9.. لقد استدليت يا دكتور بكل آيات السيف لماذا لم تستدل بهذه الآية، لا فرق بينك وبين الذي تلا الآية لا تقربوا الصلاة.. ولم يتم وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون» فالقراى لا يريد من الصادق المهدي إلا أن يكون كأسامة بن لادن أو كالقراي. لا يا سيد القراي هناك محطة وسطى أرجو أن ترخي لها سمعك وأذنك ولو دنيت لها بحق تطلب الحكمة لما خالفتنا كثيراً وسنثبت لك أن قطعيات الشريعة، تسمح بحرية العقيدة من أراد أن يؤمن ومن أراد أن يكفر،
    الأخ القراي يمعن في الاستفزاز ويقول ان النواحي الدينية التي وردت في الاتفاق استفزاز مقصود لغير المسلمين واشعار لهم بأنهم مواطنون منبوذون سيشن عليها تحالف حزب الامة والمؤتمر الوطني الحرب الدينية. هذا تخويف من القراي غير مبرر ولم يرد في الاتفاق ولن يرد في أي اتفاق يكون حزب الامة طرفاً فيه فليطمئن الجميع. واذا كان هذا هو فكرنا لماذا لا نقوم بذلك من زمان أننتظر حتى يولد ما يسمى المؤتمر الوطني ثم نتحالف معه لقتال غير المسلمين، إذن لكان عملناها مع الاخوان المسلمين ومن زمان! هذه فرية كبرى من أخي القراي لا تصدقوها، يريد ان يخرجنا بها خارج الحلبة، واذا أخرجتنا ما هو بديلك؟ حزب الأمة هو صمام الأمان لك ولغيرك بحق اذا أردت استقرار وطنك.. كدي روق المنقة شوية وحط الكرة تحت، خلي الناس تلعب معاك.
    لكن القراي رجع للحق في حيثيات حلقته عندما قال التعايش السلمي بين الاديان لا يتم بتراضٍ زائف وانما سبيل تحقيقه، هو الاحتكام لإحدى مرجعيتين لا ثالث لهما أولهما أصول القرآن التي وفرت حرية العقيدة، لكل انسان، نقف معك لحدى هنا. القطعيات التي قصدت في الاتفاق هي اصول القرآن التي ذكرتها يا دكتور أما قطع اليد ورجم الزاني اذا اختلفت معنا فيها فيكون لك كلام تاني، ولكن السؤال ما هي الضوابط التي بموجبها نقطع ونرجم، والاجابة هي كم يد قطعت منذ زمن النبي وحتى نهاية زمن الصحابة الأربعة وكم نفس رجمت بحد الزنى في كل تلك الأزمان، لا تتعدى أصابع اليد، إذن يجب أن لا نرفض المبدأ الإلهي ولكن يجب ان نركز على الضوابط.
    لقد قفزت فوق كثير من استفزازات القراي لأني لو تابعتها ستخرجني من طائلة الموضوع ولكني اشير الى نقطة اخيرة وفيها يكرر القراي اهاناته الى اعضاء حزب الامة، عندما يقول لقد اقنع السيد الصادق المهدي اتباعه بأنه لم يدخل مع المؤتمر الوطني في هذا الاتفاق إلا لأن المؤتمر الوطني وعد بالالتزام باتفاقية السلام وبالتحول الديمقراطي وهو يأخذ على الصادق المهدي انه وقع مع المؤتمر الوطني اتفاق جيبوتي والانقاذ تصعد عملياتها في الجنوب. طبعاً استفزاز القراي مستمر باستمراره بلفظ اتباع الصادق المهدي، أما استفزازه الآخر فهو يحاول ان يحرض علينا النوبيين بأننا سعيدين بضرب الجنوب، لماذا لا يفسر اتفاقنا في جيبوتي محاولة لايقاف الصراع المسلح في الجنوب أقلب الصفحة يا دكتور هل يعقل ان تكون في اتجاه واحد طول عمرك.
    ان حزب الأمة في الخمسينات ليس هو حزب الأمة في الستينات وحزب الأمة في الثمانينات ليس هو حزب الأمة في القرن الواحد وعشرين، التطور سمة من سمات الحياة لا شك ان القراي يؤمن بالتطور، ولكنه مع حزب الأمة فالأمر مختلف عند القراي.. صدقني لو حضرت معنا جلسة واحدة في المكتب السياسي لحزب الأمة لتغيرت رؤيتك، لا تظلمنا أرجو أن تتابع التطور في حزب الأمة، إذا فعلت ذلك، من يدري لعلك تكون في يوم من الأيام أحد أقطاب هذا الحزب العريق كما ذكرت في مقدمة مقالك.

    ==
    التعليقات

    1/ ابو ركشه - (السودان) - 9/6/2008
    حضرة الاستاذ عليوة شكرا لمقالك القوي وتفنيدك لكل ادعاءات هذا الرجل الذي لم يعرف حقا ولا باطلا مال حيث القوة تميل والدليل علي ذلك اذا ما عرفته معرفة شخصية تجده بهذه الصفة وايات السيف التي اوردها ..هذا غريبا جدا الا اذا اراد الرجع عما يعتقده لانه لايؤمن بايات السيف باعتبارها ليست الاسلام ولكن الاسلام القران المكي هو الاسلام الذي يدعو له المرتد محمود محمد طه والقراي نعرفه كما تعرف اقرب الناس اليك وربما يجهل العامة من هو القراي الذي عاد من اميركا قريبا بعد مكث كل العمر في الخارج من 1990من الاعوام الماضية وانظر في زواج الجمهوريون واختلاطهم ومصادمتهم للقران ..وقطعهم للارحام ..وهذا اعرفه واعايشه الان وانا اكتب هذا المقال بالذات لمدعي الدين القراي ... القراي يؤمن بالخرافة ولايؤمن بايات السيف ويؤمن بقران مكة ولا يعترف بقران المدينة مصائب كثيرة لايعلمها الله جلبها لنا المرتد محمود محمد طه ..وجزيت خيرا عليو علي ما تفضلت به وان كنت انا غير حزبي ..ولا انتمي لحزب معين والله شاهد علي قولي هذا

    http://www.alsahafa.sd/Raay_view.aspx?id=49733
                  

06-11-2008, 01:13 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    زفرات حرى

    الطيب مصطفي

    بين عبد الله علي إبراهيم ومنصور خالد



    نقطع ما بدأناه حول الظاهرة الفرعونية المسماة بمعمر القذافي لنتيح المجال للمقال المدهش الذي خطه (الحفار) بروف عبد الله علي إبراهيم وأعني بكلمة (الحفار) التي استعرتها من الأخ الأستاذ صديق محيسي ـ رد الله غربته ـ أن بروف عبد الله لا يجارى من حيث قدرته على الغوص في الوثائق و(نبش) الماضي البعيد لإقامة الحجة وتقديم الدليل ودعم المنطق الذي يسوق به أفكاره ورؤاه وهذه ميزة لا تتوافر كثيراً في المجتمع السوداني بما فيه مجتمع المثقفين والنخب.



    أعيد نشر هذا المقال منوهاً إلى أن الاستشهاد بالقصة التي رُويت في المقال عن محمود محمد طه لا تعنى بأي حال رأياً إيجابياً أو تقديراً أكنه للرجل الذي لا يختلف رأيي فيه عن القرار الذي أصدرته حوله المحكمة التي قضت بردته.



    أود أن أطمئن بروف عبد الله بأن الوثائق التي ذكرها في مقاله باتت معلومة لدينا وأظن أن بروف عبد الله يقصد بعبارته (وسيكون من الطريف بالطبع أن يستجوب نبيل رفيقاً شيوعياً متى استدعته الانتباهة ليشهد لها) أظنه يقصد الأستاذ محمد إبراهيم نقد الذي لا نعلم ما إذا كان سيستجيب للشهادة ويفضح د. منصور خالد الذي وشى به للاستخبارات الأمريكية عندما كان طالباً في كلية الخرطوم الجامعية أو سمها جامعة الخرطوم!!



    مقال بروف عبد الله علي ابراهيم



    يمثل الأستاذ نبيل أديب عبد الله المحامي الدكتور منصور خالد في قضية إشانة السمعة التي رفعها ضد جريدة الانتباهة. ومع أن للمحاماة أعرافها في خوض القضايا إحقاقاً للحق بغض النظر عن رأي المحامي في طبيعة المتهم أو التهمة إلا أنني استغربت شيئاً ما أن يكون نبيل طرفاً في القضية لسببين. أما السبب الأول فهو رأي نبيل (الذي هو أميز من يكتب هذه الأيام عن مادة إشانة السمعة وحرية التعبير) أن هذه التهمة من مثبطات النقاش الوطني ومبطلات دوران الرأي في الشأن العام، فلو وقع لي حديث نبيل أديب فهو على الحجة التي ترى في دعوى إشانة السمعة مصادرة للحق في انتقاد الحكام.



    وبدا لي من عرضه الجيد لهذه المادة أن قانوننا يكفل هذا الحق لأنه استثنى من الحماية كل مشتغل بالعمل العام. وبدا لي أن نبيلاً ميال لأعراف القانون الأمريكي حول القذف دون سواه لأنه لا يتطلب من شانئ المشتغل بالعمل العام أن يثبت صحة أقواله عنه. فلو طالبناه بمثل هذا الاثبات لعطلنا النقاش الحر لأن الوقائع كثيراً ما خفيت. وهكذا يرخص القانون الأمريكي للمعلقين على رجال الشأن العام ونسائه حق الخطأ في إيراد الوقائع طلباً لليقظة تجاه أدائهم ومساءلتهم باستقامة لا تهدأ أو تكل. فمن مستحبات الأمريكان أن تخطئ. طالما أخطأت. على الجانب الصحيح من المسألة. وليس هذا الترخيص دعوة للسفه بإطلاق القول على عواهنه بالطبع. فالصحف من جانبها تأخذ هذه الطلاقة القانونية بجدية ومهنية تفلفل فيها قصصها فلفلة فلا تخرج الواحدة منها للنشر إلا بعد تمحيص لا يترك شاردة ولا واردة.



    أما السبب الثاني فهو أن نبيلاً، مثل كل اليساريين من جيلي، ترعرع على ذائعة عمالة منصور للأمريكيين التي هى موضوع القضية موضوع الحديث. وصحيح القول أن الانتباهة لم تبتدع تهمة هذه العمالة وإنما اتبعت الشيوعيين فيها حذو النعل بالنعل. وهى عبارة تعلمناها من حبيبنا صلاح أحمد إبراهيم. ولم نسأل جيل منصور من رفاقنا الشيوعيين على ما قالوا عن منصور خالد برهاناً. وكان آخر شائنة لمنصور من الشيوعيين بهذه العمالة في كتابهم الذي قوموا فيه اتفاقية أديس أبابا ٢٧٩١م. ثم أسقطوا التهمة بالتقادم وبغير شرح حين أعادوا نشر الكتاب بالقاهرة في التسعينات. ووصفت هذا الاختلاس الثقافي في وقته بـ »خفة اليد الثورية«. ووجدت الأستاذ محمد إبراهيم نقد في كتاباته قبيل خروجه من المخبأ عاتباً على رفاقه الذين تطفلوا على نص الكتاب. وسيكون من الطريف بالطبع ان يستجوب نبيل رفيقاً شيوعياً متى استدعته الانتباهة ليشهد لها.



    لو عامل الناس منصوراً بالمثل لما خرج من محاكم إشانة السمعة لحظة واحدة فالقذف سليقة تجري على قلمه. وليس ذلك لأن منصوراً سيئ الطوية بل لأنه خريج مدرسة التفاصح العربي التي تطغى فيها محسنات اللغة وبديعها بصورة تصبح الوقائع نفسها عرضاً. فاللغة عند أهل هذه المدرسة ليست حالة من الوعي بل هى لتسويد صحائف »في متونهن جلاء الشك والريب«. فقد وصف منصور الدكتور خالد المبارك مدير معهد الموسيقى والمسرح في آخر السبعينات وأوائل الثمانينات، في كتابه »المخيلة العربية« بأنه من المرابطين في ثغور مايو يأكل تمرها عن آخره قبل أن ينقلب عليها ويرميها بالنوى. وأنه التحق بجوقة المايويين مديراً لمعهد الموسيقى والمسرح، وأنه صوّت لصالح دعوة الرئيس نميري في وجه اعتراض بعض الأساتذة وكانت عقوبة هؤلاء المعترضين الفصل بتهمة الشيوعية. عقاب مايويتك يا منصور! لقد كنت طرفاً في هذه القصة كعضو بمجلس المعهد الاكاديمي. وأشهد الله ما رأيت في حياتي، وقد بلغت هذا المبلغ من العمر، رواية لواقعة افترسها سوء النية وشح النفس كمثل رواية حادثة معهد الموسيقى والمسرح، وقد أخذها منصور بذبابتها عن الشيوعيين لم يحقق فيها بصورة مستقلة فيسأل المعاصرين لتتكافأ فصاحته ووقائعه.



    أما أدق من نظر في فلتان منصور عن الملاحقة القضائية بإشانة السمعة فهو المرحوم الأستاذ محمود محمد طه وتلاميذه. فقد وقف الاستاذ وحواريوه بمحكمة بورتسودان العام ٥٧٩١ متهمين بإشانة سمعة القضاة الشرعيين. فقد كان نظم الجمهوريون معرضاً لهم بالمدينة ووضعوا بخط كبير على ملصق عبارة للأستاذ عن هؤلاء القضاة بعد حكمهم عليه بالردة في ٨٦٩١م قال فيها إن قضاة الشرع (أذل من أن يؤتمنوا على الأحوال الشخصية. لأنها أخص وأدق القوانين لارتباطها بحياة الأزواج والزوجات والاطفال. وفي كلمة واحدة ـ العرض.) وزادوا بكلمة أخرى من الاستاذ »متى عرف القضاة الشرعيون رجولة الرجال وعزة الأحرار وصمود أصحاب الأفكار«.



    ولما انعقدت المحكمة قرأ السيد أحمد سليمان المحامي (الجمهوري) للشاكي ما كتبه منصور عن القضاة الشرعيين في كتابه »حوار مع الصفوة« (٤٧٩١ وجاء فيه: »نريد وقد خرجتم من سلطانكم المشروع كقضاة أنكحة وميراث. نريد أن نسمع حكم الاسلام في الإمام الكاذب والوالي الظالم والوزير السفيه. نريد حكمه في السفاه السياسي الذي نعيشه اليوم وهو سفاه شيوخ ولا حلم بعده. شيوخ يرتدي بعضهم قفطاناً مثلكم ويتمنطق بحزام مثلكم ويضع على رأسه عمامة كشأنكم.« وسأل المحامي الشاكي إن لم يكن كلام منصور هذا إساءة للقضاة الشرعيين. فرد الشاكي سلباً معتذراً لمنصور بأنه من أصحاب الطموح السياسي يكتب ويسخر لا غير.« فتدخل السيد بدر الدين السيمت المحامي قائلاً: السيمت: يا مولانا سفاه الشيوخ الذي لا حلم بعده، شيوخ يرتدي بعضهم قفطاناً مثلكم، هل هو إساءة أم غير إساءة؟



    الشاكي: لفظ ما مهذب.



    ثم استجوب الأستاذ محمود الشاكي بنفسه لفترة طويلة. وأنكر الشاكي أن مقالة منصور مما يشين القضاة. ثم عاد السيمت فسأل الشاكي إن كان قد علم أن منصوراً قد هاجم محكمة الردة التي قضت بردة الأستاذ في ٨٦٩١. ثم عرض عليه نصاً آخر من منصور يقول: »من بين رجال الدين هؤلاء طائفة قضاة الشرع. ما كنت أود أن اتناولها بالحديث لو اقتصرت على أداء واجبها كموظفين يتقاضون رواتبهم من مال دولتهم الذي تجبيه من ريع بيع الخمور«.



    أما المعاملة التفضيلية لمنصور لأنه يقذف ولا معقب على قذفه فقد جاءت في لحظة دقيقة في دراما المحكمة. فقد وقف سكرتير الثقافة بنادي الخريجين ببورتسودان، الذي انعقد فيه معرض الجمهوريين، شاهداً للاتهام، فسأله السيمت:



    السيمت: هل سمعت بالدكتور منصور خالد؟



    الشاهد: شغال شنو؟



    السيمت: أنت أستاذ في التربية والتعليم والسكرتير الثقافي لنادي الخريجين ولا تعرف الدكتور منصور؟



    الشاهد: مش الوزير؟



    السيمت: هل تعلم أن الدكتور منصور خالد هاجم القضاة الشرعيين؟



    الشاهد: لا أذكر.



    السيمت: طيب أذكرك. ده كتاب (حوار مع الصفوة) للدكتور منصور خالد (يقرأ عليه نصاً منه). هل الكلام دا فيهو إساءة للقضاة الشرعيين؟



    الشاهد: فيهو إساءة.



    السيمت: هل تعرف الأسباب البيها القضاة الشرعيين اشتكونا نحن وما اشتكوا منصور خالد؟



    الشاهد: لا أعرف.



    السيمت: هل تفتكر لأنو منصور خالد وزير ونحن ضعيفين.



    الشاهد: جايز أكون عندهم ضدو قصة.



    وقصة قصة قصة ولسه لسه لسه: إن عقلي موزع بين أمرين فنصفه العاقل يؤمل أن يتصالح منصور والانتباهة على حد أفكار نبيل، رفيق الصبا اليساري، الرصينة عن فساد فكرة إشانة السمعة بالنسبة للمشتغل بالشأن العام، وأن يصحب ذلك تحريض على الصحف أن ترتفع بمهنيتها لكي لا تبتذل هذه الرخصة حتى بلغت الشكاوى منها »٠٥١« شكوى في بحر العام المنصرم. ونصف عقلي المجنون يريد للمحكمة أن تنعقد ليرى عامة الناس صفوتهم لا كما يريدون لأنفسهم أن يراهم الفراجة من غمار الناس كل في صغائره زعيم. أو كما قال حبيبنا محمد المهدي المجذوب.






    http://alintibaha.sd/index.php?option=com_content&task=...gory&id=8&Itemid=154
                  

06-14-2008, 03:24 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    جمعية الامة الوطنية الخيرية .... الصادق المهدي وشركاؤه

    --------------------------------------------------------------------------------

    في ختام ندوته بالسفارة السودانية في القاهرة، لتسويق اتفاق التراضي بين حزب الامة والمؤتمر الوطني، وفي معرض رده علي الاسئلة التي طرحت عليه ، وردت عبارة تستحق التوقف امامها ، والتأمل فيها، وتحليلها، لما لها من دلالة خطيرة للقائمين علي الشأن السياسي السوداني ، وعلي اذن المحللين السياسيين..فقد قال سيادته بالحرف الواحد ( ليس للحزبين الموقعين علي الاتفاق اي مصلحة فيه )) هذه العبارة علي سذاجتها فهي خطيرة، ولا يمكن ان تصدر عن رجل مبتديء في السياسة ناهيك عمن احترفها طيلة حياته. فانك ان اخذت هذه العبارة علي كل الوجوه، ومع ابداء حسن الظن في كل كلمة تصدر عن زعيم حزب،، وحزب ليس بالهين، حزب عريق كحزب الأمة، فانها تعطيك نتيجة كارثية، فلنبدأ بتعريف المصلحة حتي نصل الي مدلولها الخطير، فالمصلحة تعني فيما تعنية (الفائده، الغاية، الطائل، المدلول..الخ) فأذا اخذنا ايا من هذه المعاني والصقناه في مكان المصلحة التي ورد ذكرها في رده،سوف تقرأ كالاتي)ليس للحزبين الموقعين علي الاتفاق اي ..... فيه) اذا كيف يمكن ان يكون مقبولا من وجهة نظر السياسة التي انبنت في معناها الحرفي والمعنوي، علي انها وسيلة لتحقيق مصلحة، او غاية، او فائده سوي كان لممارسها او للمجتمع والدولة التي تمارس فيها، عندها نجد ان الصادق بعبارته هذه قد جرد نفسه من اي صفة سياسية تتيح له انتاج فوائد او مصالح ، وهذا حقه الاصيل، اما ان يجرد الطرف الاخر في الاتفاق (المؤتمر الوطني) من هذه الصفة فهذا ما جانبه فيه التوفيق،كان الاجدي لو حصر الرد في ما يخصه ويخص حزب الأمة فالمعلوم ان المؤتمر الوطني حزب يقوم بكامله علي المصلحة، وفيه رجال برعوا في ايجاد المصالح والاستفادة منها للدرك الذي باتو يبحثون فيه عن مخلفات ونفايات الاحزاب الاخري وتحويلها الي مصلحة مفيده لهم ولسياساتهم. وتحضرني هنا مزحة سياسية انطلقت ابان قوة الانقاذ (ان جماعة من الناس ذهبت الي عرافة لتسألها عن عمر الانقاذ الافتراضي، فقالت لهم هناك الرقم 6 فهو ثابت وهناك الرقم واحد متحرك ، فهو اما 16 او 61 ولحسم هذا الامر اوعزت اليهم بمراجعة شيخ العرافين ابليس، فذهب وفد لمقابلة ابليس، ولما طرقوا بابه خرج اليهم ابنه الصغير فسألوه عن الوالد، فأجابهم بانه في دورة تدريبية في الدفاع الشعبي.). وبرغم كل هذا يريد زعيم الجمعية الخيرية، بهذا التصريح ان يقنعنا بانه قد فاوض فيما لاطائل فيه،، لمصلحتنا نحن، وهو بهذا يرشح نفسه ليكون ولينا الرشيد، ولكن سيادته نسي انه حتي لوائح وقوانين جمعيات النفع العام، تتيح لمنسوبي تلك الجمعيات الاستفادة مما يتوفر لديها من اموال او وسائل تفضي الي تحقيق فوائد خاصة، وهو بذلك خالف كل النواميس والقوانين والشرائع التي قدمت المصلحة العامة والخاصة في انجاز اي اتفاق او عمل (فكيف نستفيد نحن مما لا طائل فيه)، ومن ناحية اخري فخطورة مدلول هذه العبارة في ان حزبي المؤتمر الوطني والامة القومي امضيا الساعات والايام والليالي يتناقشان ليتفقا اخيرا فيما لا فائده من ورائه ، وهذا يعني ان كل هذا الزمن والاموال العامة اهدرت فيما لا غاية مرجوة منه، وهو امر لا بد من تدخل المراجع العام ، ووزارة الرعاية الاجتماعية ليتخذا فيه اجراءا حازما، والوقوف بصلابة في وجه استغلال المال العام فيما لا طائل فيه.
    هذا التصريح والتصريح الذي سبقه في وصف وتصنيف السياسين في السودان بالبعر والدر اصبحا مدخلا لمعرفة وتحليل شخصية الامام الجديدة، وهي شخصية لم يوفق في تسويقها حتي الان، وقد دلت عبارتيه السابقتين بان المعلومات السياسية والاقتصادية لدي السيد/ الصادق اضحت في حاجة الي عملية تحديث لتواكب العصر، فهو لا زال يعيش في زمن الدر الذي اصبح بدون فائدة اقتصادية تذكر، وبات احدي وسائل الزينة للنساء فقط، في حين اصبح البعر عنصرا اقتصاديا مهما، فهو يدخل في كثير من الصناعات ذات التقويم الاقتصادي العالي، كصناعة الاواني، والاسمده العضوية، وصناعة الاسمنت، وهندسة تنسيق المناظر الجميلة، الامر الذي غاب عنه وجعله يصنف نفسه من حيث لا يدري مجرد زينه، اللهم الا اذا احسنا فيه الظن وفرضنا جدلا انه صنف نفسه ضمن البعر..يبدو ان بعض امراض العصر قد انتقلت من الانسان الي السياسة، فهكذا اعراض لا يمكن تصنيفها الا تحت المسمي الطبي (باركنسون) فأذا كان الجمهوريون قد وصفوا الامام في الماضي بعدم القدرة علي صعود القوز الاخضر، فانه بات اليوم لا يقوي علي صعود قوزا يابس..
    _________________
                  

06-15-2008, 04:35 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)



    [size=24]القراي واعوجاج الرأي (1)

    محمد الامين أحمد عبدالنبي
    [email protected]

    ـ مدخل أول:

    قال البحتري:

    على نحت القوافي من مقاطعها.. وما على اذا لم تفهم البقر

    ـ مدخل ثاني:

    يحكى أن نفراًمن بني أمية قد ضاقوا ذرعاً من الحسين بن علي فقالوا لمعاوية بن أبي سفيان: إنا نرى أن الحسين بن علي قد صار له شأن كبير فدعنا نقضي عليه فقال لهم: بل جادلوه الحجة بالحجة أمام الملأ، فدعوه الى مناظرة فصاروا يحدثونه ويسألونه وكان يرد عليهم بكل أدب واحترام لآرائهم فقام اليه المغيرة بن شعبة وأساء اليه والى نسبه وفي ختام المناظرة قال: أما أنت يا ابن شعبة فان مثلك كمثل باعوضة نزلت على بعير فلما أرادت ان تطير قالت له أيها البعير استمسك فإني ذاهبة عنك فقال لها البعير فهلا علمت بك وانت حالّة علي حتى استمسك وانت عني ذاهبة).

    إن قضايا الوطن السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية الشائكة والمتداخلة تمثل همّا حقيقيا للإمام الصادق المهدي؟ ما هي مقومات الوحدة الوطنية؟ كيف يحكم السودان؟ كيفية استدامة التنمية والديمقراطية والسلام؟ مكافحة الفقر؟ الرعاية الاجتماعية؟ مستقبل السودان في ظل العولمة؟ كذلك فان قضايا الإسلام والديمقراطية وحوار الحضارات وكيفية التعامل مع التراث والاصل وكيفية التعامل مع العصر والحديث والوافد كيف يتم إنزال المبادئ الاسلامية في الحكم والاقتصاد والاجتماع؟ كيف ندعو إلى الإسلام؟ كيف نحقق توحيد أهل الملة؟ كيف نتعامل مع الآخر كيف نتعامل مع المستجدات ـ الارهاب ـ العولمة ـ البيئة ـ المياه ـ التطرف... الخ ما هي الديمقراطية الأنسب في العالم الدعوة لمبادئ الحكم الصالح.. وقضايا الكيان الأنصاري في تجديد أفكاره وتطوير تنظيمه وتأهيل كوادره. ان هذا الهمّ الكبير يجعله لا يركن ولا يلتفت الى سفاسف الأمور وضعاف النفوس ولا يرى كائناً من كان أن يحيده عن هدفه الاساسي في الحياة وبحثه عن الحقيقة والكمال هذا بالاضافة الى أن الحبيب الامام يتحلى بأدب جمّ وسلوك قويم يعصمه عن الرد على أي كلام من أي انسان كما ان للوقت عنده قيمة لا يضيعه في الجدل والتلاعب بالألفاظ فقد ظل على الدوام يقدم رؤاه وأفكاره ومبادراته بكل شجاعة وتجرد ولا يضره اذا لم تفهم البقر ولا يهتم بالباعوض.

    فمسيرة هذا الكيان ماضية لا تستجيب الى سهام د. القراي ومن شايعه أمثال د. محمود شعراني وغيره التي تنطلق من قوس الغيرة والحسد والكراهية (كل ذو نعمة محسود) والتي تنبع من الأفكار الممجوجة والمعششة في عقولهم وسويداء قلوبهم، فلّوثت كلامهم وكتاباتهم. هذه مقدمة لابد منها وقبل الولوج الى مقال الدكتورعمر القراى (قراءة في اتفاق التراضي الوطني) بصحيفة الصحافة فليسمح لي القارئ الكريم التعرف على المرجعية الفكرية التي ينطلق منها كاتب المقال بعد ان تعرفنا على سلوكه الشخصي تجاه الأنصار وحزب الأمة وشخص الأمام.وذلك لأهميتها في تحديد منطلقات الرجل في نقده لأي فكرة أو مشروع، الملاحظ أن هذا التفشي والتجريح هو أحد سمات هذه المدرسة (الجمهورية) أو النسخية (نحتاً عن نسخ القران المدني) أو الطاهوية (نسباً لمؤسسها محمود محمد طه) والتي تقول إن للاسلام رسالتين: الرسالة الأولى: كانت في عهد الرسول الكريم وصحابته وهي الرسالة السلفية القاصرة على القران المدني التي تصلح للقرن السابع الميلادي أما الرسالة الثانية فهي رسالة للأخوان الجمهوريين التي جاء بها محمود محمد طه والتي تصلح للقرن العشرين وهي الرسالة الخاتمة.

    الامام الصادق المهدي تصدى لهذه الفكرة كغيرها من الأفكار التي تشوه الاسلام وفندها وناقش أفكار محمود محمد طه بكل صدق وأمانة وبادراك لماهية الاسلام والأفكار الدخيلة (لمعرفة رأي الحبيب الأمام في الجمهورية طالع مستقبل الاسلام في السودان اكتوبر 1982م) ومع ذلك كان للحبيب الامام رأي واضح ومنشور في حد الردة وفي عدم شرعية اعدام محمود محمد طه وفي قوانين سبتمبر المسيئة للاسلام وكانت قواعد حزب الأمة تقيم حماية لأنشطة الجمهوريين وذلك حفاظاً على حرية إبداء الرأي وبالمقابل كانت الاساءة والمناشدة للطاغية نميري (أحمر التوجه) بضرب الأنصار في الجزيرة أبا وودنوباوي فقد أجرى الاستاذ عبدالله جلاب الاعلامي المايوي المعروف حواراً مع الاستاذ محمود محمد طه بتاريخ 11/12/1972م (المصدر موقع الجمهوريين بالانترنت) جاء فيه (ان هذا العهد" العهد المايوي" قد قوض الأحزاب الفاسدة وقد ضرب الطائفية ضربة كسرت شوكتها ولكنها لم تقتلع من جذورها) وقال مشيداً بالنظام المايوي (ان النظام الحاضر يجد تبريره الكافي في انه منذ البداية سار في اتجاه تصفية الطائفية بصورة لم يسبق لها مثيل في العهود السابقة ولا يمكن لهذا الشعب ان يدخل عهد كرامته ومن ثم ديمقراطيته إلا اذا تخلص من النفوذ الطائفي وليس الطائفية تنظيماً فحسب وانما عقيدة ولا تحارب العقيدة بالسلاح وان حورب التنظيم بالسلاح وانما يجب أن يسير مع السلاح الذي اضعف التنظيم الطائفي نشر الوعي بالدعوة الى الاسلام الصحيح).. انتهى.

    ما يدهش حقيقة الجمود الفكرى والانبتات المعرفى والتعامل مع ما طرأ على الساحة من تغيرات جذرية وجوهرية بمعيار ومنهج رجعي خطه شيخه الأول "محمودمحمدطه"اختيار نفس العبارات وتكرارها بشكل كربوني دون التفريق بين حزب الأمة "التقليدي" في بداية السبعينات والآن وكيان الأنصار "الطائفي"والآن والاعتقاد مع الجزم على عدم تطور الطائفية والواقع الآن يقول لكل ذو بصر وبصيرة ان هنالك مؤسسة حديثة ذات آليات متطورة تدير أمور الأنصار باسلوب حضاري تستعين بالتقنية والوسائل الحديثة لتوصيل رسالتها تسمى هيئة شؤون الأنصار كيان حديث يخضع لكل اجراءات المؤسسات المدنية والدينية كما ان هنالك تطوراً غير مسبوق في اروقة حزب الأمة على مستوى فكره وتنظيمه وأنشطته واهتماماته وقواعده لا ينكره الا من بعينه رمد اذ كل معالم الطائفية التي تحدث عنها الاستاذ المهندس في السبعينات ومازال يكررها د. القراي ود. شعراني انتهت فالظاهر ان الجمهوريين في نوم عميق فلم يستطيعوا ان يطوروا الحزب ولا الأفكار ولا المنهج فصارواكالببغاء.

    في مقاله بصحيفة الصحافة مارس د. عمر القراي هوايته في نقده اللاذع لحزب الأمة والتشفي من قيادته فقد رد عليه الاستاذين الجليلين محمد عيسى عليو وصديق الأنصاري بشيء من الموضوعية وهذا ما جعلني أدلو بدلوي عسى أن نزيل بعض اللبس عن ما أثير حول التراضي الوطني وقراءة د. القراي المعوجة والمتحاملة على الحبيب الامام وكراهيته المتوارثة كما انه لم يأت بجديد بل استغل الفرصة للصق الحبيب الامام بتهم وهو برئ منها براءة الذئب من دم ابن يعقوب. إذاً فان شهادة د. القراي في الحبيب الامام وحزب الأمة مجروحة ولا يؤخذ بها لأنها وليدة غبن ومرارة .

    يقول د. القراي (ان التراضي جاء مخيباً لآمال الكثير من المثقفين وكثير من أعضاء حزب الأمة الحريصين على مصلحة الحزب ومصلحة الوطن). هل يقصد الدكتور بالمثقفين الذين ناصروا نميري وسلطانه والانقاذ وجبروتها مثقفين آثروا السكات عن تجاوزات الحكام والانضمام للمداحين وحارقى البخور والمطبلين للسلطة أي المثقفين القريبين من السلطة فهؤلاء ليسوا بمثقفين على حد وصف الروائي المصري رؤوف مسعد وبذلك يكون قد هزم التراضي هؤلاء وعمل على فطامهم من المخصصات لذا كان يجب أن يخيب آمالهم. أما المثقف المهموم بمشاكل مجتمعه ووطنه الباحث عن بدائل ناجعة لأزماته الذي يمثل بوصلة هادية للحلول. والذي يقدم النقد والحجج والنصيحة للسلطان عندما يحيد عن الدرب فهذا بكل تأكيد سوف يجد ضالته في التراضي والمثقفين (خشم بيوت) فقد جاء وفد من أساتذة جامعة الخرطوم قبل التوقيع على التراضي للحبيب الامام مباركين الخطوة وداعمين لموقف حزب الأمة ما هو تصنيف هذا الوفد بجهاز ثقافميتر القراي؟ . أما ادعاء ان التراضي خيب آمال أعضاء حزب الأمة فهذا اصطياد في الماء العكر وتطفل خبيث . إن أعضاء حزب الأمة (الرجعيين والتقليديين والطائفيين)هم الأحرص على مصلحة الحزب والوطن وقد انتخبوا أجهزة تنظيمية وفوضوها لتحقيق أهداف الحزب وانفاذ مصالحه؟ وهم ملتزمون بقرارات هذه المؤسسات والوفود والبيانات والاتصالات التي تؤيد وتبارك التراضي خير دليل على عدم صحة كلام د. القراي.

    ما ذكره عن أن ابن الامام ضابط في الأمن وعن عدم بعد السيد الصادق عن كرسي الحكم وعن اتفاق الميرغني قرنق 1988م وتسليح القبائل العربية في دارفور 1986 وغيرها من القضايا التي حشدت وحشرت في الموضوع (التراضي الوطني) تدل على أن هذا الجمهوري قد وضع نفسه أمام خيارين ثالثهما مر ربما انه لم يطلع على اراء حزب الأمة حول هذه القضايا التي أثيرت أكثر من مرة.. أو انه اطلع عليها ولم يفهم ما جاء فيها وهذه مشكلة الدكتور أو ان المحرك الأساس لأفكار القراي التشفي وحشد الشبهات لكي تكون حاضرة في مسيرة نقده وهذه من صفات د. القراي الذى لم يقل قط أحسنت وانما اسأت وبنفس العقلية كان التعاطي مع التراضي وزعمه أن بنوده غامضة بهدف التضليل ولم يحدد أين الغموض هل في الثوابت الدينية أم الوطنية أم مبادئ الحكم الراشد أم السلام العادل أم يقصد بنود تهيئة المناخ أم دارفور والمطلوب عمله أم هي بنود الانتخابات وأحسبها هي لأنه لم يناقشها في قراءته من قريب أو بعيد لسبب بسيط لأنه لا ناقة له فيها ولا جمل (شهر ما عندك فيهو نفقة ما تعد أيامه). أما فرية أن الاتفاق ركز على قضايا ليس أولوية في مشاكل البلد كتكوين لجنة لمراجعة الشوارع لتعميم الرمزية القومية هذه النقطة تشير لأمرين: الأول ان الاتفاق لم يدع شاردة ولا واردة حتى الأمور الصغيرة التي لا تمثل أولوية آنية (واحتمال تشكل اولوية في المستقبل) في نظر القراي وهذه محمدة تحسب للتراضي لأنه اهتم بصغار القضايا (النار من مستصغر الشرر) الأمر الثاني ان هذه القضية جوهرية وتمثل أحد أبعاد الصراع في السودان ـ صراع الهوية ـ والتهميش واعادة النظرفى ابراز المكنون الثقافي والاجتماعي للسودان والتعبير الصادق عن الرمزية السودانية القومية فهذه اشارة ذكية للاتفاق تصب مع غيرها من المراجعات الكثيرة في معين ازالة الشقة بين الفرقاء السودانيين. ما ورد عن آلية للحقيقة والمصالحة والانصاف والوقوف على تجاوزات الماضي وبيان حقيقتها وافراغ النفوس من مرارات الماضي يعكس مدى تحميل الدكتور النصوص فوق طاقتها وليّ عنق الحقيقة فما هو الفرق ما بين (آلية) بمعناها الواسع و(لجنة) بمعناها الضيق؟ يمكن أن تكون هذه الآلية عبارة عن لجان للتحقيق والمصالحة المهم الهدف الأساسي هو تحقيق العدالة الانتقالية ليدخل السودان مرحلة جديدة متجاوزاً سلبيات الماضي.. أما الجدل حول تقديم المصالحة على الانصاف والعكس فهذه تذكّر بالجدل البيزنطي البيضة أم الجدادة ؟ ما هي قيمة المصالحة بعد أن يأخذ الشاكي حقه؟ ما جرى في لجان الحقيقة والمصالحة في جنوب أفريقيا 1989م على سبيل المثال هو اعتراف الجلادين بالجرائم التي ارتكبت والاستماع للضحايا واشهار معاناتهم امام الملأ ويتم بعد ذلك العفو والتصالح اذاً الانصاف اكمال عملية المصالحة واعطائها البعد العدلي والقانوني ولكن هذا الجدل من سمات الفكر الجمهوري (ايجاد تفاسير ومعاني لكلمات وعبارات غير المتعارف عليها كالنسخ الذي يعني عند الجمهوريين ( الغاء القران المكي زماناً للقران المدني زماناً) مخالفاً للتعريف الشائع لدى عامة المسلمين (تعطيل الحكم الشرعي بدليل شرعي آخر) وغيره من الكلمات (الاسلام ـ الايمان ـ السنة ـ الاصول ـ الفروع .... الخ) من تحفظات الدكتور حول هذه النقطة نجده يميل للقصاص والتعامل بالمثل دون ضابط أو وازع وهذا يضاعف المأساة وهذا ما ظل الأمام الصادق يحذر منه (الفشة غبينتو خرب مدينتو) وقيل عندما نادت القوى الهندية المعارضة (العين بالعين) قال المهاتما غاندي (ان هؤلاء يريدون تحويل الهند الى شعب من العُورُ) وهذا لا يتنافى مع مبدأ المحاسبة بل الحبيب الامام يطالب ان تتم محاسبة من الاستقلال وقد اعترف عن أخطاء على الملأ وفي صفحات الجرائد بل طالب باعتذار شمالي للأخوة الجنوبيين كل هذه المواقف لتصفية الحياة السياسية في البلاد.

    قد استعرض د. القراي ما ورد بشأن دارفور في وثيقة التراضي بشيء من الاختزال والغرض وقد تناسى ولم ينس البند (3 ـ 3) الذي ينص على الآتي زاد الاستقطاب السياسي الحاد والتصعيد في الآونة الأخيرة والتدخلات الأجنبية من تفاقم الأزمة الأمنية فانعكس ذلك على الحالة الانسانية فأدخلها في قائمة الأجندة الوطني والاقليمية والدولية) والبند (3 ـ 4) الذي ينص (ان التصعيد العسكري بين أطراف النزاع لحسم أزمة دارفور لا يؤسس لحل دائم بل يوغر المشاعر الاثنية والقبلية والجهوية ويكرس لحرب أهلية) أليس هذه ادانة واضحة لنظام الانقاذ وتحميله مسؤولية أزمة دارفور. أما عن اتفاق وقف اطلاق النار الذي يطور الاتفاقات السابقة أحيل الدكتور الى بنود وقف اطلاق النار التي أبرمت في أنجمينا وأبوجا وقد فات على الدكتور أن القوى العفوية ليس هي الجنجويد فحسب وانما النهب المسلح - حرس الحدود ـ الدفاع الشعبي ـ المجاهدين ـ الدبابين وغيرها من المليشيات التي ساهمت في اشعال نار دارفور أما أن التراضي لم يحو تحفظ فصائل دارفور حول أبوجا فهذا هراء مردود فدونك نصوص التراضي (3 ـ 2) التنمية في دارفور (3 ـ 3) الحل العسكري لا يجدي (3 ـ 6) اتفاقية ابوجا لا تمثل الحل (3 ـ 7) نزع سلاح المليشيات (3 ـ 8 ـ 2) اطلاق سراح المعتقلين (3 ـ8 ـ3) اعادة النظرفى الادارات الانتقالية (3 ـ 9) اللاجئون والنازحون (3 ـ 10) التعويضات (3 ـ11) المشاركة في السلطة والثروة لأهل دارفور (3 ـ12) الادارة الأهلية (3 ـ14) الحل السياسي لدارفور (3 ـ 15) المحاسبة وتحقيق العدالة حول جرائم دارفور.

    أما عن لماذا لم يقم حزب الأمة بادارة الحوار الدارفوري وينظمه ابناء دارفور المنتمين للحزب فقد تعمد د. القراي ذر الرماد على العيون وحجب جهود حزب الأمة في حل أزمة دارفور ولكن نذكر ببعضها لعل الذكرى تنفع القراي فقد طاف الحزب جميع ولايات دارفور ومعسكرات النازحين وابرم اكثر من اتفاق مع القوى السياسية السودانية (وثيقة القوى الوطنية لحل أزمة دارفور) ومع الحركات المسلحة ومع الحكومة التشادية ومع الحكومة السودانية وسجل حضوراً فاعلاً فى كافة الفعاليات التى عقد لحل الازمة وظلت قيادات الحزب ومازالت تتابع عن كثب ما يجري في دارفور والمساهمة في تقريب وجهات النظر والمحافظة على النسيج الاجتماعي منهم على سبيل المثال لا الحصر ـ محمد عبدالله الدومة المحامي مساعد الرئيس ـ محمد عيسى عليو مساعد الأمين العام ـ اسماعيل كتر ـ الفريق صديق محمد اسماعيل ـ هذا بالاضافة لجهود السيد رئيس الحزب، ود. ادم موسى مادبو نائب الرئيس والسيد الأمين العام كما ان حزب الأمة ينظر الى أزمة دارفور كأزمة وطن لا تعني أهل الأقليم فحسب وانما أهل السودان جميعاً من هنا كان اهتمام حزب الأمة البالغ بهذه القضية عقد الندوات وورش عمل والزيارات والمؤتمرت الصحفية ووضح رؤيته للحل لمعظم المهتمين بهذا الملف في المجتمع الدولي والاقليمي واذا قرأ الدكتور البنود المتعلقة بدارفور بتجرد بعيداً عن الغشاوة لتأكد له انها تمثل رأي وصوت أهالي دارفور أما عن دور القوات الدولية فما ذكر في التراضي ضمن الدور الذي نص عليه القرار 1769 ولكن للدكتور رأي آخر ان تكون هذه القوات منحازة وغير محايدة تضرب طرفا وتناصر طرفا آخر من الذي يتاجر بقضية دارفور اذاً؟. ولنا عودة
    [/size]


    from sudanile june 14 2006
                  

06-16-2008, 04:01 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    في وداع عثمان حسين الفنان
    تعانق الدين والفنون في شفاء النفوس وترقيتها
    د. محمد محمد الامين عبد الرزاق
    [email protected]
    إن اكثر ما يميز العمل الفني ، ويجعله آسراً هو قوة الالتقاء بين الفكرة والواقع علي أرضية اللحن المنسق المهذب .. والوسيط اللحني هو الذي يبعث المتعة داخل النفس ، ويجعلها تتفاعل مع المعاني المنسابة مع الفكرة بصورة تلقائية لا فكاك منها .. وهذا هو السبب في التوجيه النبوي بترتيل القران وتلحينه ، فقد جاء في الحديث من لم يتغن بالقرآن فليس منا) وجاء أيضاً ما أذن الله لشئ إذنه لنبي حسن الصوت يتغنى بالقران )..
    إن التناسق والانسجام بين الفكرة واللحن والواقع، تجده ملازماً لجميع أغنيات الفنان عثمان حسين .. ولأن الواقع الذي تنطلق منه الكلمات مشترك بين جميع السودانين لتشابه العادات والتقاليد والبيئة ، فقد وجدت هذه الأغنيات تفاعلاً متفرداً عند كل رجل وكل إمرآة .. فكأن الفنان عثمان حسين قد لامس بحسه الفني مشاعر كل أنسان ، ودفع في نفسه قدراً من الهدهدة والراحة النفسية ، مما جعله مديناً له ، وهو لايجد ما يكافئ به هذا الدين الانساني ، ولعل هذا هو السر في تدافع السودانين علي اختلاف مشاربهم يوم التشيع لتقديم شئ من الواجب انطلاقاً من ذلك الحب الدفين .. أكثر ما لفت انتباهي مشاركة النساء في التشيع ، فقد جاءت في المقدمة السيدة تابيتا بطرس وعند لحظة الدفن اصطفت بعض النساء خلف الرجال حتي انتهت المراسم ، وهذه الظاهرة الحضارية ليست أمراً عفوياً ، وإنما هي نابعة من إحساس إنساني عميق .. فكأن الفقد فقداً عاماً يخص كل فرد وليس اسرة الفقيد وحدها .. إن النساء، بهذا الموقف العملي، قد أوصلن الرسالة بوضوح: لن يكون وداعنا لأحبائنا، بعد اليوم، بالصراخ والعويل أمام بوابات المنازل..
    لقد تغنى الاستاذ عثمان حسين بكلمات الشاعر إسماعيل حسن في بواكير أعماله ( عارفنو حبيبي وعارفني بحبو * دا حرام عليكم تقيفوا في دربو * حارمني ليه ؟
    ليه والله بحبو ) ويقول فيهاياالناسين ضميركم وما خايفين عذابو* يوم الحق هناك يا الواقفين في بابو * يوم يسألكم الله يا الناسين حسابو * حارمني ليه ؟ ليه والله بحبو ) ويقول وين درب السعادة يا الباكين لحالي * دلوني عليها انا ساهر ليالي * حتي لو بعمري او بالروح مالي).. ونحن نجيب على هذا السؤال القديم بأن السعادة تتحقق عند من يعرف ما هي مشكلته ويعرف وسائل حلها، إذن دربها هو البحث في الاتجاهين.. عندما تتابع هذه الأغنية مع اللحن تجدها نموذج لتكامل عناصر الابداع الفني ، فالمشكلة هي مشكلة كل إنسان في ذلك الزمان خاصة المرأة ، والأداء يعبر عن الحال بأبلغ ما يكون .. لذلك كانت هذه الأغنية علي عهدها علي لسان كل محروم من الحقوق الشرعية .. والحرمان ليس له سبب في أغلب الأحيان سوى الجهل والعادات والتقاليد المورو ثة .. ولشدة ارتباط تلك الأغنيات بالواقع داخل المنازل صارت أكواب الشاي تسمي (عثمان حسين)..
    وفي مثال أخر تجد أن الحس الإنساني الرومانسي في كلمات الشاعر عوض أحمد خليفة قد طغى علي الحس العاطفي ، فالشاعر يعبر عن تفاعله المتدفق مع الجمال رغم علمه بأن الطريق الي المحبوب ليس فيه بصيص أمل ولا قسمة من قلبي من أجل المحبة وهبت ليك شعر الغزل * مع إنو قدامي الطريق انا عارفو يا السمحة انقفل ).. وبتفس القدر تظهر هذه المعاني في أغنية من أجل حبي لبازرعة: (حبيبي سامحتك لحبي ما لأجلك * للمعاني الكنت انظم فيها حولك * والحقيقة كل أملي أبقى جنبك * أصلي بعدك ما هويت ولا حتى قبلك).. فكأن الشاعر يبحث عن قيم ومعاني الوفاء، فإذا قصرت عنها قامة المحبوب ،فستظل هي الهدف، ويسنمر من ثم التغني بها كقيمة إنسانية رفيعة.. في المقابل تبرز مدرسة التسامح عند الشاعر السر دوليب: (مسامحك يا حبيبي مهما قسيت عليٍ * قلبك عارفو أبيض وكلك حسن نية) وهي مدرسة قاعدتها ليس بالإمكان أفضل مما كان.. ولذلك تتم تنمبة ما كان عبر منهج التسامح، والمداومة على الحب (داوم على حبي واسأل على قلبي ما تفكر ما تفكر تنساني).. إن هذا التنوع في القيم والمعاتي والتجربة، التي تدور حولها أغنيات عثمان حسين هي التي تجعل تلك الألحان باقية مع الأيام، يطرب لها الشباب جيلا بعد جيل..
    إن الجموع التي حضرت التشيع كان لسان حالها يردد : ( طرفي اذا تأمل في حسان المواكب * وضياء الكواكب والبدر المكمل * برضي اراها دونك * بل وحيات عيونك * انت لطيف وأجمل ).. وقد صار فناننا (لطيفاً) بدخوله عالم الارواح البرزخية اللطيفة ، و(أجمل ) بما تركه لنا من الحان نرتاح بها من هجير الحياة المعاصرة .. علي خلفية هذه المقدمة ندلف إلي شئ من الفكر حول الاسلام وعلاقته بالفنون وأثر ذلك في ترقية النفس البشرية نحو مقام انسانيتها ..
    ما هي الفنون ؟
    الفنون هي عبارة عن وسائل التعبير عن مكلة التعبير في الانسان .. وملكة التعبير في الانسان أعمق من مجرد أنها عمل فكري ، وهي في الحقيقة الحياة .. إن مكلة التعبير في الانسان هي الحياة .. وكل حي معبر ، حتي في الحيوات الدنيا .. وتعبيره بالحياة في الحياة هو حياته نفسها .. ولذلك فإن الحي عندما يأكل او يتناسل أو عندما يفر من الالم ، ويحاول تحصيل اللذة ، هو في كل أولائك معبر .. هومعبر في حياته بحياته وهو كليته تعبير .. ولكننا لا نطلق عبارات الفنون علي الحياة في درجاتها الدنيا ، حيث تعبر بكينونتها كلها، وأنما نطلقها علي وسائل التعبير عن مكلة التعبير في الذهن البشري ، في الفكر .. الانسان حيوان مفكر ، هذا التعريف أصح من القول بأن الانسان حيوان ناطق ، وذلك لآن جميع الحيوانات ناطقة، وبالفكر ارتفع الانسان عن الحيوان ارتفاع مقدار وليس ارتفاع نوع .. فالانسان في اطواره السابقة قبل ان يكون معبر باللسان، كان يعبر بلسان حاله .. ثم صار يعبر بلسان المقال بعد دخول الفكر في المسرح ، وبذلك أصبح منقسماً بين التعبير القديم بلسان الحال وبين التعبير الذي جد بظهور الفكر وهو لسان المقال .. في هذا المستوي يبرز دور الفنون في أن ترتفع بعقل الانسان ، وتزيد من حيله ، وتوسع من خياله ، وتضبط فكره وتدققه ، وتفتح ينابع عاطفته الي الحد الذي يجعل تعبيره بلسان المقال في مساواة لتعبيره بلسان الحال .. فكأن العقل والجسد في كفتي ميزان ... الجسد لا يخطئ وإنما يعبر عن مكنوناته في انسياب تلقائي ، ونحن بوسائل التعبير والتمرين ، نحاول أن نرفع عقولنا الي درجة الانضباط الذي به لا تخطئ ، حتي لكأننا نهدف الي ان نوزن كفتي الميزان، الاجساد والعقول .. هذا هو موضوع منهاج الاسلام العلمي المعروف بالسنة النبوية ، فالاسلام والفنون هنا يشتركان في أنهما اسلوبا تعبير للحياة بهما يزيد عمقها واتساعها ، بيد أن أسلوب الاسلام أشمل وأعمق وأبعد مدي من أسلوب الفنون .. وقد وردت الاشارة الي الأسلوبين في الآية الكريمة ({سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ })
    فالفنون تعني بأيات الأفاق وأيات النفوس ، ولكنها تركز علي آيات الآفاق ، أما الإسلام فإنه يركز علي آيات الآفاق ويتخذها مجازاً الي آيات النفوس وعنايته بهذه خاصة في آخرياته مراقيه أكبر وأعظم ..
    يقول الاستاذ محمود محمد طه في كتابه ( الإسلام و الفنون): (وغرض الموسيقي من اللحن المنغم ، المتسق ، المهذب الحواشي ، أن توجد في داخل النفس البشرية ، نوعاً من التنغيم ، والاتساق والتهذيب ، يحل محل التشويش ، والنشاز ، الذي يعتمل فيها ..هذا هو السر في الراحة التي تجدها النفس عند الاستماع الي قطعة من الموسيقي الراقية ، ومع ذلك فإن الموسيقي ، في جميع مستوياتها قاصرة عن تأدية هذا الغرض إلا لفئة قليلة جداً من الناس .. وهي حين تؤديه إنما تؤديه في حدً ضيق جدا، وذلك يرجع لسببين رئيسين ، أولهما : ضيق نطاق الاصوات الذي تعمل فيه الموسيقي ، اذا ما قورن بالاصوات من الحركات التي هي موروث النفس البشرية في منازلها المختلفة التي أوردنا اليها الاشارة .. وثانيهما هو أن الموسيقي لا ِبترويض النفس وتدريجها ، حتي تسطيع أن ترتفق بالموسيقي الراقية فتحقق بسماعها قدراً من التنغيم الداخلي ، والمواءمة ..).
    لا بد أن نؤكد في ختام هذه الكلمة، أن الفنون حلال في أصل الإسلام بل مطلوبة، ولكن بعض صورها محرمة في الشريعة السلفية.. السبب في التحريم هو أن الناس كانوا حديثي عهد بالإسلام ، فحرم الرسم والنصوبر والنحت حتى لا ينبعث حنين في داخل النفوس إلى عهد عبادة الأصنام.. واليوم انتفت هذه العلة ، بل صارت الفنون تدل على عظمة الخالق وابداع خلقه، ولذلك انتهت الحرمة بزوال مسبباتها..
    السؤال هو: كيف نجعل من الفنون أوعية نستقي من خلال ابداعها المعرفة بمشاكل النغوس ، وبوسائل علاجها ؟؟ وأخيرا الرحمة والمغفرة لفقيدنا عثمان حسين، وفي الله عوض عن كل فائت
                  

06-17-2008, 12:52 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    حين تعجز الكلمة !!
    إن ما بلغه العنف في الجامعات ظاهرة مؤسفة، تدل على مبلغ تدني الوعي العام، وعلى خواء مناهج التعليم في مختلف المراحل، من القيم الانسانية المتقدمة والرفيعة، وعلى تراجع هذه المعاهد من أهم واجباتها، في ان تقدم للمجتمع رجال ونساء ناضجين واحرار، برئت نفوسهم من الأحقاد ،وأرتفعت عقولهم عن الجهالات والتخلف .. فاذا فقدت الجامعة الأمن، واصبح الطلاب، والاساتذة ، يخشون على أنفسهم من الاعتداء في أي لحظة، وتحولت ساحاتها الى أوكار للتآمر والجريمة، بدلاً من أن تكون منارات للعلم والتوعية، وقبل الطلاب على انفسهم، وعلى جامعاتهم، ان يصبح السيخ والمدى والعصي وسائل التعبير، بدلاً عن الحجة والمنطق والاقناع ، فقد فشلت هذه الجامعات في رسالتها، وأصبح على المجتمع الاخذ بيدها، والتدخل لاصلاح ما لحق بها، من خراب .. لقد نقد عدد من الكتاب الجامعات ، من حيث ضعف التحصيل الأكاديمي، وذلك حين تقدم حوالي مأتين من الخريجيين، لامتحان وزارة الخارجة ، ولم ينجح منهم غير أربعة ، أو خمسة !! ولقد عزا بعض الباحثين والتربويين ذلك الى تدخل السلطة سياسياً في الجامعات، وابعاد الاساتذة والإداريين، من ذوي الخبرات والكفاءة ، ووضع اللوائح والنظم التي تدعم سيطرة السلطة ، بدلاً من حرية التعليم الجامعي . ثم ان القبول نفسه ، لم يعد تنافساً على أسس علمية، بقدر ما أصبح يقوم على الولاء السياسي.. فلقد كان الطلاب المنظمين مع حزب الحكومة، يتجندون مع الدفاع الشعبي ، ويسافرون للجنوب ، ومن يعود منهم يلحق بدفعته دون امتحان، على اساس انه قد قام بعمل ديني مقدس ، يبرر له ويكمل، كل نواقصه الأخرى !! والذين يتخرجون من هؤلاء ، يتم اختيارهم كمعيدين ليحضروا الماجستير والدكتواره ، فتمنح لهم هذه الدرجات العليا ، كما منحت شهادة التخرج ، بغير نجاح .. وهكذا يعتلون المناصب العليا ، وينالون الامتيازات الكبيرة ، في الجامعات نفسها ، بغير حق، فيزيح هؤلاء الاساتذة المصنوعين الاساتذة الحقيقيين، ومع تعاقب هذا الوضع طلية سنوات الانقاذ، تدنى المستوى العام بهذه الدرجة التي نراها اليوم .. هذه هي خطة الحكومة للسيطرة على الجامعات ، وهي على ما بها من شر وسوء، انما ضحت بأهم ما يملك الوطن ، في سبيل المصالح السياسية الضيقة .. وبعد ان احكمت السلطة سيطرتها على إدارة الجامعة، وحجمت دور القلة من الاساتذة غير الموالين لها، وحلت النقابة المنتخبة ، حاولت السيطرة على الطلاب ..
    ولقد كان وجود الحركة الإسلامية كبيراً وسط الطلاب قبل ان تصل الى السلطة ، ولكنها بدأت تفقدهم كلما استمرت اخطاءها ، التي يعجز اعضاء التنظيم ، من الدفاع عنها امام زملائهم من الطلاب .. ولقد كان زخم الحركة الاسلامية الطلابية، يعتمد في الاساس على العامل الديني الفعال وسط الطلاب . وحين انقسمت الحركة الاسلامية، الى شعبي ووطني بسبب المصالح الدنيوية ، ظهر للطلاب حتى الموالين عموماً للحركة الاسلامية ، مبلغ المفارقة الدينية .. فكان لابد للمؤتمر الوطني، ان يحافظ على عضويته في الجامعات ، خاصة بعد ان فقد الاتحادات في الجامعات الكبرى ، وأصبح التحالف ضده استراتيجية مجربة في اسقاطه ، رغم الدعم المادي، الذي توفره له السلطة السياسية .. ولما لم يكف الدعم المادي، اصبحت السلطة تدعم المؤتمر الوطني، حتى حين يمارس العنف كوسيلة لارهاب الطلاب، وافساد الجو العام، حين يتأكد انه لن يكسب الانتخابات.. وهذه هي المشكلة الحاضرة، ذلك ان العنف الطلابي، الذي يمارسه الاتجاه الإسلامي ليس جديداً ، ولكن الجديد، انه يمارسه الآن، بأمكانية دولة ، ضد طلاب عزل، يحتاجون الى سيادة حكم القانون، حين يدافعون عن أنفسهم ، امام زملائهم من طلاب المؤتمر الوطني.

    ففي جامعة الجزيرة ، في بداية هذا العام ، قتل الطالب معتصم حامد ابو القاسم، وقد كان في السنة الرابعة كلية هندسة الحاسوب. وكان معتصم -وهو من طلاب الجبهة الديمقراطية- يقيم ركناً للنقاش، ينقد فيه المؤتمر الوطني ، حين تسلسل احد الطلاب المعروفين كمؤتمر وطني ، وطعنه من الخلف بمدية اردته قتيلاً. وفي اعقاب تلك الأحداث، وما تبعها من مصادمات وملاسنات بين الطلاب ، تم اعتقال عدد من الطلاب والطالبات، بواسطة رجال الأمن. وعن ذلك جاء ما يمكن ترجمته كالآتي (قامت قوات الشرطة والأمن في مدينة مدني ، بولاية الجزيرة باعتقال 40 طالباً من جامعة الجزيرة الأسبوع الماضي . الطالبات .... ضربن بواسطة كل من رجال الشرطة والأمن . الطلاب ....... عذبوا بوحشية . ضباط الأمن بمدني قاموا بالتحديد بتعذيب الطالب علي محمد علي الذي شهد تعذيب مجموعة من زملائه ,,,,, المنظمة السودانية لحقوق الإنسان بالقاهرة تطالب بصورة خاصة برلمان ولاية الجزيرة ولجانه الدستورية والتشريعية والقضائية بالتأكد من التزام لجنة أمن الولاية والشرطة وقسم الأمن والسلطات الأخرى المعنيّة بسيادة حكم القانون , يجب ان يحافظ والي الولاية على السلامة العامة بالتأكيد على الاحترام التام للحرية الاكاديمية خاصة حق الطلاب في ممارسة حرية التعبير وسلامة الحرم الجامعي من اقتحام الشرطة والأمن ) ( المنظمة السودانية لحقوق الانسان –القاهرة 22 يناير 2008م).

    وقبل أيام ، قام اعضاء المؤتمر الوطني في جامعة الخرطوم، يساندهم انصار السنة، بتكفير احد زملائهم من طلاب تنظيم حق ، واهدار دمه ، بحجة انه تحدث عن الآية ( الرحمن على العرش استوى ) وحاول يشرح الاستواء .. وسواء أكان الطالب يدلي برأيه، او يشرح آراء غيره ، وسواء ان اخطأ في هذا الشرح أو اصاب ، فلقد كان الاتجاه الديني السليم هو محاورته ، ومجادلته بالتي هي أحسن ، حتى يتضح له ملبغ خطأه ، بدلاً من الاسراع في التجريم والتكفير .. ولم يقف الامر عند هذا لخطأ البيّن، وانما قام اعضاء المؤتمر الوطني ، وهم مسلحون بالسيخ والعصي والمدى ، بالهجوم على ركن نقاش يقدمه اعضاء حق ، وطلبوا من الطلاب ان ينسحبوا من هذا المكان ، حتى يعتدوا على طلاب حق ، وحين رفض طلاب من دارفور الانسحاب، اعتدوا عليهم بالضرب المبرح، الذي ساق الى اصابات خطيرة ، تعالج الآن في المستشفيات ..

    ومنذ ان سمع الناس بالعنف في الجامعات، كان وراءه الاتجاه الإسلامي .. ففي الستينات افتعل الاسلاميون غضباً عارماً، واعتدوا بالضرب على الطلاب، في احتفال أقيم في قاعة الامتحانات في جامعة الخرطوم ، بدعوى ان الرقص الذي كان يمارسه الطلاب والطالبات حرام !! وبعد مضي سنوات ، كانوا هم رواد الحفلات ، ومنظميها في الروابط الأقليمية .. ولقد كانت استراتيجية الاتجاه الإسلامي، هي الحديث عن الديمقراطية، وزعم الدفاع عن حقوق الطلاب، وعن استقلال الجامعة . ولكن حين يقترب موسم الانتخابات، ينسون كل ذلك، ويركزون على الفوز بكل سبيل. ابتداء بالوعود الكاذبة بأنهم سيحيلون الجامعة الى جنة، لو قدر لهم الفوز، وانتهاء بالاعتداء بالضرب على افراد التنظيمات الأخرى، ممن يشعرون بان لهم خطر عليهم !!

    ولقد كانوا يعتمدون على الندوات واللقاءات السياسية، التي يلهبون فيها حماس الطلاب بالمايكرفونات العالية، التي يغلقونها وينصرف الجميع، بعد انتهاء الندوة او اللقاء .. وحين بدأ الجمهوريون بانشاء ركن النقاش، كأسلوب جديد على الجامعة، يعطي الطلاب فرصة في الحوار المباشر، حاول اعضاء الاتجاه الإسلامي، محاربة تلك الظاهرة الجديدة بكل سبيل . وبدأوا بالاعتداء على مؤسس الركن الأخ د. احمد دالي، بالضرب، بغرض ارهابه، وحين لم ينجح هذا الأسلوب، اخذوا يسحبون عضويتهم من الركن.. ولكن ذلك لم يؤثر، بل اصبح الركن اكثر هدوءاً ، وترسخت فيه ضوابط الحوار، والالتزام بعدم المقاطعة والموضوعية .. ثم اخذ بعض اعضائهم بعد فترة، يرفضون الانصياع الى رأي التنظيم، ويحضرون الركن، في هذه الاثناء ترسخ الركن وأصبح معلماً بارزاً من معالم الجامعة، يلقى فيه اعضاء الاتجاه الاسلامي الهزائم المنكرة . ولقد جعلهم الركن في وضع صعب ، فهم اذا ناقشوا فيه هزموا وضحك عليهم الطلاب، واذا بعدوا عنه ، طاردهم الطلاب بالحجج التي كانت تساق ضدهم، وعيروهم بتهربهم من الحوار في ركن الجمهوريين .. وحين تم تحالف التنظيمات ضد الاتجاه الإسلامي لاول مرة، وسقطوا في الإنتخابات عام 1979م، شعروا بأن ما حدث لهم كان بسبب ركن الجمهوريين، فاستهدفوا الأخ دالي بقصد اغتياله .. وحتى يظهر الموضوع كحادث، نتج عن مشاجرة، جمعوا حوالي اربعين شخصاً من الذين كانوا يدربونهم على (الكاراتيه)، وهجموا على حوالي ستة من الاخوان الجمهوريين، شغلوا سائرهم ، لينفرد معظمهم بالأخ دالي، فاوسعوه ضرباً حتى كسروا أضلاعه، وشجوا رأسه ، واوشكوا على قتله ، لولا تدخل الحرص الجامعي.. ومن هؤلاء (المجاهدين) الذين حاولت مجموعة منهم اغتيال فرد، من هم اليوم يتقلدون أرفع المناصب في الحكومة ويتحدثون في المحافل الدولية باسم هذا البلد المنكوب !!
    وفي اليوم التالي قام الركن في مواعيده، وكان موضوعه نقد الاعتداء الآثم الجبان، وعجز الإسلاميين عن الحوار، ولجوءهم للعنف لاسكات صوت الرأي .. ولم تستطع حركة الاتجاه الإسلامي ايقاف ركن النقاش، بل تبنت التنظيمات الاخرى الفكرة ، وبدأت تظهر اركان نقاش أخرى غير ركن الجمهوريين، حتى اضطر الاتجاه الإسلامي نفسه لاقامة ركن نقاش !! وتوسعت اركان الجمهوريين في الجامعات الاخرى، بل خرجت لشوارع العاصمة والمدن الأقليمية ..

    ولم تكن محاولة إعتداء الاتجاه الإسلامي، قاصرة على الجمهوريين، وانما اعتدت مجموعة مكونة من خمسة أفراد، على الأخ عثمان حمدان ، وقد كان عضواً بارزاً في الجبهة الديمقراطية، مما اضطره ان يرقد في المستشفى لفترة طويلة اضاعت عليه العام الدراسي . واعتدت مجموعة من أربعة من الإسلاميين ،على الاستاذة آمال جبر الله ، الناشطة في الجبهة الديمقراطية ، في ذلك الوقت . وكنا ندين هذه الاعمال، ونصفها بالجبن ، وبمفارقة الدين، الذي لا يسمح بمهاجمة الجماعة للفرد ، والمسلحون على العزل ، او عدد من الرجال على إمرأة واحدة ، وهم يرددون صيحات الجهاد !!

    إن على طلاب الجامعات، ان يدركوا ان قضية الحرية ، ليست قضية حزب معين، وانما هي قضية الكرامة الانسانية ، فيجب الا يتم التنازل عنها .. والحرية لا تتجزأ ، فان لم يتحدوا اليوم في الدفاع عن حق طلاب تنظيم حق ، ليقيموا نشاطهم ، فلن يستطيعوا الدفاع عن حق انفسهم .. ويجب ان يعلموا ان قوتهم في توحدهم ، ضد قوى الظلام هذه، حتى تبعد بالوسائل السلمية الديمقراطية، من كل موقع ..

    لقد اجتمع المثقفون في الخرطوم ، عقب تكفير د. الترابي، ورفعوا مذكرة للحكومة، تدين هذا العمل، نشرتها الصحف في حينها، ولم تتعرض المذكرة لآراء الترابي، ولم تقل انها توافق عليها اوتخالفها ، وانما ادانت التكفير من حيث المبدأ ، واتخاذ الشعارات الدينية، كوسيلة لتصفية الخصوم السياسيين . ولما كان المبدأ واحداً، فان واجب المثقفين اليوم، أن يشجبوا بقوة، ما يجري في جامعاتنا من عنف، وان يرفضوا ما يتم فيها من تكفير باسم الدين ، مهما كانت اسبابه ، فان الطلاب في هذا العمر، انما يتعلمون من الحوار والنقد، لا من التكفير والإرهاب ..

    إن على اساتذة الجامعات، ان يناقشوا اداراتها ، في وضع لائحة سلوك للطالب الجامعي، يوقع عليها عند القبول ، تمنعه من ممارسة العنف ، مهما كانت مبرراته داخل الحرم الجامعي، على ان توقع اللائحة عقوبات صارمة ، تصل لحد الفصل، بسبب سوء السلوك ، لكل من يشارك في اعمال العنف ..

    إن حكومة الوحدة الوطنية ، بشقيها ، يجب ان تعيد النظر في علاقة الحكومة بالجامعات والمعاهد العليا .. فما دامت البلد تتطلع للمزيد محادثات السلام ، ومادامت تسير نحو الانتخابات ، والتحول الديمقراطي ، فيجب على المؤتمر الوطني ، ان يغير اساليبه ، استعداداً للمرحلة المقبلة ، فان الاعتداءات والضرب والبطش، واستخدام اجهزة الدولة لقمع المعارضة السياسية، داخل الجامعات لن يفيد، ما دامت كل الاحداث ، يمكن ان تنقل للعالم، عن طريق منظمات حقوق الانسان المحلية والاقليمية والدولية .. واذا كانت الحكومة تردد انها تسعى بكل سبيل لايقاف نزيف الدم في دارفور، ويعتدي الطلاب المنسوبين لحزبها على ابناء دارفور، فيسيلون دماءهم في وسط الجامعة في عاصمة البلاد ، فلا تفعل شيئاً ، ولو مجرد ادانة هذا العمل ، فكيف تلوم بعثة الامم المتحدة على اصراها على المزيد من تدخل القوات الدولية ، أو تلوم المندوب الامريكي على قطع المحادثات التي كانت تستهدف تطبيع العلاقات مع أمريكا ؟!
    د. عمر القراي

                  

06-17-2008, 10:38 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)



    الأخ إسماعيل
    كمال رجل طيب وعيبه الكبير لا ينفذ لجوهر الأشياء وإنما تجده يراوح مكانه في السطوح وسبب إحتواء الإسلاميين له إنزلاقة كبيره إرتكبها سنة 1980 عند ما كان الدكتور أحمد المصطفي دالي يقدم ركن نقاش في كلية الطب معلق كمال لدالي والله يادالي أنا بعتبرك زي ود أبو قبورة فصفق لكمال كل الكيزان في ذلك المنبر وكانت القضايا المطروحة في المنبر من الجدية بمكان بحيث لا تسمح بأي نوع من الهذر ومنذ تلك اللحظة سار في ذلك الطريق وربما يكون كمال مفتون بدراسة الطب التي حجبت الكثير من الأطباء عن الوعي الفكري وجعلت غالبية كبيرة منهم تتجه لتمجيد وتمكين الأخوان المسلمبن من جامعة الخرطوم والسودان إلا من رحم ربي

    الأخ / بكري هل تسمح لي أن أكون سبباً لتواجد د/ كمال عبد...لقادر (كلامات) بيننا
                  

06-17-2008, 10:51 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    والحق يقال ، أنني تمنيت وظللت أتمنى أن تكون لي طولة بال احمد دالي ، قد رأيته يقف في ركن النقاش أمام مقهى النشاط لأكثر من خمس ساعات متتالية لا يمك ولايكل ، لا يشرب ولا يأكل ، يستمع بأدب ويرد بأدب ، وقد رأيته مرة يتلقى الصفعة من أحد الصفيقين من زملائه بالجامعة ، لكن دالي لم يتحرك ولم يشغل باله بهذا الموضوع ، وقد تلقى ذلك الصفيق انتقادات الآخرين وسخطهم ولعناتهم وانسحب مخذولا يجرجر خيبته الفكريه وإفلاسه ، لا أظن أن الأخ دالي عضو في البورد ، لكن حقيقة الأخ ياسر الشريف يذكرني دائما بدالي ، وإضافة لسعة الصدر فإن ياسر مجامل وكريم وقد رأيته يوزع دعواته لزملاء البورد لزيارته في ألمانيا ، ثم أنه ذكر أنه يسافر ليزور العوائل السودانية ، أضف إلى كل ذلك أن ياسر مطلع ومثقف ويؤمن بألأهمية القصوى للتنوير والتثقيف والتربية ، ياسر يستحق الترشيح ، وأخونا بكري رجل كريم وصدره رحب لكنه صاحب البيت ، فهو سيقف دون أن يشارك ضيوفه في الأكل الدسم الذي يعده لهم ويراقب إذا الملاح خلص يجيب زيادة وإذا اللحم ما موزع مظبوط يملأ يده ويضعها أمام المظلوم في التوزيع ، ويحلف بالحرام على ضيوفه أن كلوا ، ويكلف الأولاد بملْء الأباريق وجيب الصابونة يا ولد وكب لي عمك ده
    الترشيح لأخونا ياسر الشريف وعنوان البوست والله خدعنا كلنا لدرجة أنني فكرت أن أنافس بنصفي الآخر

    wad Qasim

    مسابقة أجمل صدر فى البورد!!!
                  

06-19-2008, 10:25 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    علي عثمان... الانفتاح على الجميع
    تقرير: التقي محمد عثمان
    «اهلا بكم سمحين ومتسامحين» عبارة ترحيبية اطلقها الدكتور عبد الله علي ابراهيم، عقب انتهاء اعمال المؤتمر العام التنشيطي للمؤتمر الوطني اواخر العام المنصرم، وهو يتناول كلمة علي عثمان محمد طه نائب رئيس المؤتمر الوطني في الجلسة الختامية التي جاءت فيها دعوته الى وطن عملاق يتقدمه حزب عملاق، مستلهما فيها ملاحظة الاستاذ محمود محمد طه من ان الشعب السوداني شعب عملاق يتقدمه اقزام، مما عده الدكتور عبد الله تسامحا وانفتاحا على الآخر يجب ان لا يمر دون الوقوف عنده. ويبدو ان الانفتاح على الآخرين صار خصيصة لدى نائب الرئيس تتضح ملامحها كل يوم، ففي المؤتمر العام للمؤتمر الوطني بولاية الخرطوم الذي عقد تحت شعار «حزب عملاق لوطن عملاق» المستلهم من حديثه السابق، تحدث علي عثمان في الجلسة الختامية عن ضرورة الاهتمام بمحاورالرعاية الاجتماعية للعناية بالشرائح الضعيفة من الارامل والفقراء ورعاية البعد الاجتماعي، مشيرا الى ان تحقيق هذا الجانب من شأنه ازالة الحقد الطبقي الذي يؤدي الى تفكك الاسر، مما عده مراقبون اقترابا من الشيوعيين عبر استخدام اخص مصطلحاتهم ومن ثم طرائق تفكيرهم، فيما يتعلق بتحقيق العدالة الاجتماعية عبر ازالة التفاوت الطبقي. وكان علي عثمان رحب في مؤتمر الحركة الشعبية الاخير بأطروحة السودان الجديد اذا كانت تعني التنمية واستدامة السلام في السودان، مؤكدا وسط حفاوة بالغة من المؤتمرين بثاني اثنين من صانعي السلام على اهمية ان يلتقي الجميع في سودان موحد. ولعله من المفيد ان نتتبع شيئا من مسيرة الرجل وبعضا من سيرته لنستجلي خلفيات الانتقال الى تحمل المسؤولية الاكبر التي تقتضي الالتقاء بالآخر. ويجدر بنا ان نقف في محطات: المحطة الأولى: عرف علي عثمان الحركة الاسلامية منذ تفتح وعيه السياسي في المرحلة الثانوية، وصار ملتزما فيها وعرف دروبها وتدرج فيها الى ان اصبح رجلها الثاني، ويشهد له معاصروه بالالتزام الصارم بالتنظيم وبمقتضيات العمل فيه سواء كان ذلك سرا او علانية الى ان اجتمعت لديه كل خيوط ادارة الحركة. ومما يروى عن قيامه بتمام عمل الحزب ان الدكتور حسن الترابي في زيارة له الى العاصمة البريطانية لندن عندما سئل عن حال التنظيم في غيابه؟ اجاب انه لا خوف طالما ان علي عثمان موجود. وقطعا فإن هذه الاحاطة بحزب حقق اختراقات كبيرة في الحياة السياسية السودانية اتاح لطه معرفة وتأهيلا قل نظيرهما لسياسي سوداني. المحطة الثانية: عرف علي عثمان جهاز الدولة السودانية منذ يفاعته فهو طبقا لما ذكره الخبير الاستراتيجي الدكتور صلاح بندر في محاضرته بمنبر الصحافة قبل اربعة اعوام، يعتبر اكثر سياسي سوداني التصق بجهازي الدولة التنفيذي والتشريعي، ولم يبرح طوال سني دراسته وانخراطه في العمل العام شارعي النيل والجامعة الا لفترة وجيزة قضاها في سلك القضاء بمدينة الابيض بإقليم كردفان، ويحدثني امس بالهاتف مولانا الطيب محمد سعيد العباسي الذي كان رئيس محكمة استئناف غرب السودان في منتصف السبعينيات عن فترة الخمسة شهور التي قضاها معه علي عثمان عاملا قضائيا، انه كان غاية في دماثة الاخلاق والادب الجم، ثم يروي لي موقفا حدث لعلي عثمان مع رجل مرور عقب مخالفة مرورية صغيرة لم يكن فيها مخطئا فاقتاده رجل المرور الى القسم ولم يعترض علي عثمان او يبرز بطاقته القضائية، وانما ذهب معه وهناك اعترض الضابط المسؤول على جندي المرور وكيف سمح لنفسه ان يحضر قاضيا الى القسم تتيح له بطاقته وصفته وضعا غير هذا، والقصة بما فيها من طرافة توضح في وجه من وجوهها التزاما صارما باحترام اجهزة الدولة. المحطة الثالثة: عرف علي عثمان المجتمع السوداني في جميع صوره فهو نشأ في اسرة بسيطة تعيش مع غمار الناس في الاحياء الشعبية، وحتى بعد ان تدرجت به الحياة ظل محتفظا بسكنه بامتداد الدرجة الثالثة واتاح له ذلك ان يكون ملما بدقائق الحياة الشعبية وبتعقيدات تكوين المجتمع السوداني وبتنوعه وتعدده، مما يعني قدرة على قبول الآخر والتعامل معه، ومما مدح به الاستاذ حسين خوجلي حكومة الانقاذ ذات مرة انها جعلت من تولي ابناء غمار الناس مناصب السفراء والمواقع العليا في الدولة امرا ممكنا. المحطة الرابعة: عرف علي عثمان العمل السياسي حتى قبل ان يتولى زمام وزارة الخارجية ايام كان يقوم بزيارات خارجية خاصة بحزبه، لكن اكثر تجربة صقلته وعمقت رؤيته لقضايا الداخل والخارج كانت هي الفترة التي قضاها مفاوضا بنيفاشا لمدة عام في مواجهة زعيم الحركة الشعبية الراحل الدكتور جون قرنق، وقد مثلت مفاوضات السلام مزادا دوليا، بحسب تعبير الصحفي علاء الدين بشير، للافكار والمصالح والشخصيات مما جعل كثيرين يعتبرونها تجربة حقيقية لعلي عثمان في فهمه لحقائق القوة في العالم وكيفية التفاوض. ولا شك فإن تجربة نيفاشا جعلت منه محط انظار العالم لحل جميع القضايا الشائكة، وعلى رأسها ازمة دارفور وتداعياتها، وهنا لا بد من الاشارة الى الاختراق الكبير الذي حققه في ابوجا عبر تفاهمات اجراها مع نائب وزيرة الخارجية الاميركية السابق روبرت زوليك، جعلت التوقيع على ابوجا ممكنا، وايضا مما يضئ حول معرفة الرجل بتعقيدات الواقع الدولي الجديد حديثه الشهير ببروكسل أمام مسؤولين في الامم المتحدة والاتحاد الاوربي عن امكانية نشر قوة حفظ سلام دولية في دارفور في وقت كانت تتشدد فيه عناصر متنفذة في الحكومة في رفض اي حديث عن قوات اممية في دارفور، ليتضح لاحقا انها كانت مساومة ذكية من طه، اراد بها تخفيف الضغط الدولي على حكومته وفي نفس الوقت ضمان تقليص عدد القوات وخفض مستوى تفويضها الى الفصل السادس من ميثاق الامم المتحدة.

    http://www.alsahafa.sd/News_view.aspx?id=50250
                  

06-21-2008, 11:13 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    بقلم: شتات
    وهذه لوحة ..
    (إن العبرة البالغة التي انفرجت عنها أذيال الحرب العالمية الثانية تجد تعبيرها في الحقيقة الكبرى وهي أن القافلة البشرية في كل صقع من أصقاع هذا الكوكب ، قد اقتلعت خيامها وأخذت في السير وهي في كل خطوة من خطوات السير ، تصنع التاريخ وتصنعه على هدى جديد ، فبعد أن كان التاريخ يمليه في أغلب الأحيان على تلاميذه ومسجليه الملوك ، والسلاطين ، وقواد الجيوش ودهاقن السياسة ، وأرباب الثروة وهم يتصرفون في مصير الإنسان ، أصبح يمليه عليهم الآن رجل الشارع العادي ، المغمور ، وهو يبحث عن كرامة الإنسان ، حيث كان الإنسان)





    وهذه لوحة أخرى ..
    (إن العلم التجريبي الذي نشاهده قد رد مظاهر المادة المختلفة ، إلى أصل واحد ، فإذا لم ترتفع قواعد الأخلاق البشرية إلى هذا المستوى فترد إلى أصل واحد ، فأن التواؤم بين البيئة الطبيعية ، وبين الحياة البشرية ، سيظل ناقصاً وسيبقى الاضطراب مهدداً الحياة الإنسانية على هذا الكوكب بالعجز ، والقصور ، في أول الأمر ، ثم بالفناء والدثور ، في آخر الأمر ..
    وما هي الأخلاق؟؟ هي ، في سبحاتها العليا ، حسن التصرف في الحرية الفردية المطلقة! ولذلك قال المعصوم ((حسن الخلق خلق الله العظيم)) ومن حسن التصرف في الحرية الفردية المطلقة تركك ما لا يعنيك ومما لا يعنيك اللحظة المقبلة ، واللحظة الماضية ، ولا يعنيك إلا اللحظة الحاضرة ، فإذا ملأتها بالعمل المثمر المتقن ، ثم سرت بحياتك جميعاً مشتغلاً ، فقط ، بالواجب المباشر ، محسناً له ، جهد طاقتك ، فأنك تحرز وحدة شخصيتك ، وتنتصر على الخوف ، والقلق ، وتحقق ، مع نفسك ، السلام. وتكون حياتك بركة عليك ، وعلى الإنسانية جميعاً )


    وما أكثر اللوحات ..

    ولكن ..

    نعلم بأن الفكر الجمهوري سير تخلع فيه النعال .. وتحسر الرؤوس .. لأنه سير في الوادي المقدس ..
    وسياحة في أودية الحق ..
    فهل نكتفي بجمال اللوحات ؟
    هل نكتفي بحكم الوقت وحتمية التاريخ ؟
    هل نستسلم لهذا الخدر اللذيذ ؟



    خلق الجمال
    سؤال تردد كثيراً ..

    وكنت قد طرحته في معيَّة الأخ العزيز الدكتور النور حمد والأساتذة الأعزاء أحمد دالي واسماعيل
    وحبيب الله بخيت وعثمان عبدالقادر في الرياض ..
    اتفقنا واختلفنا وتفرقت بنا السبل في مجاهيلَ شتى ..
    ولكن يبقى السؤال قائماَ ما بقيت الإجابة غائبة ..
    وهو سؤال للتأمل أتمني ألا ينحرف بجمال هذا البوست ..

    ولك التحية يا مريم يا ابنة الرياحين والقابضين على جمر الحقيقة ..
                  

06-23-2008, 03:12 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    فلنكسر دائرة العنف! درءاً للفتن!!

    بسم الله الرحمن الرحيم

    " بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون " صدق الله العظيم

    إلى الشعب السوداني

    إن الهجوم المسلح، وغير المتوقع، الذي قامت به حركة العدل والمساواة على أم درمان، في العاشر من مايو ٢٠٠٨ ، قد كان من أعظم فوائده أن أعطى الناس تصورا مقربا لآثار الحرب على أهلنا في إقليم دارفور مما جعل رفض العنف، وعدم قبوله كوسيلة للتغيير، هو الرأي السائد بيننا جميعا .. وكان من أعظم خسائره أن أزهقت الأرواح، من المهاجمين والمدافعين، من أبناء الوطن الواحد .. وإن استطاعت القوات النظامية للدولة صد الهجوم، إلا أن الحادثة، في ذاتها، قد شكلت تحّولا جديدا وخطيرا في الصراع حول السلطة في السودان .. فلأول مرة في تاريخ السودان الحديث، تحاول حركة جهوية أن تتجاوز مطالبها الإقليمية، وتتحرك في اتجاه السيطرة على السلطة المركزية في عاصمة البلاد بقوة السلاح .. وبهذا التطور الجديد في مسار الصراع تزداد أزمة الحكم في بلادنا صعوبة وتعقيدا .. ويلوح لنا في الأفق مصير قاتم من النزاعات المسلحة التي ما زالت تدور في إقليم دارفور، وتلك التي بدأت تطل برأسها في جنوب البلاد ..

    ونحن إذ نوجه نظر شعبنا إلى هذه النذر من الشر المستطير، نرجو له أن يستيقن أننا اليوم نجني عاقبة تسليم أمرنا لقادة سياسيين، أدخلوا البلاد في دائرة مستمرة من العنف، ونصبوا من أنفسهم أوصياء علينا .. وهم قد ظلوا يصطرعون بالمؤامرات وبالعنف وبكل سبل الخداع والاستغلال للوصول إلى السلطة، والخلود فيها دون اكتراث منهم لحرياتنا أو لحقوقنا في العيش الكريم .. ولذلك، فإن بلادنا لن تخرج من هذه الدوامة الشريرة إلا إذا علمنا أننا جميعا نملك حقوقا متساوية، في إدارتها، واستغلال مواردها، وأن اتفاقنا على النهج السلمي المبني على حرية الرأي هو أقصر الطرق لحل مشاكلنا، مهما كان مبلغها من التعقيد .. كما علينا، أيضا، أن نعمل ونجتهد بالوسائل السلمية لتحقيق هذه الأهداف النبيلة، بممارسة حقنا الطبيعي في تأكيد سيادتنا على بلادنا، وعدم تركها تتمزق على أيدي النرجسيين، والوصوليين، والعنصريين، والمتطرفين!!

    ما زلنا أسرى لدائرة العنف المزمنة!

    وكما أشرنا سابقا، فإن أس مشكلة بلادنا هي حكامها .. ولعل الذي يتأمل في فترة الحكم الوطني، ما بعد الإستقلال وحتى اليوم، لا يرى إلا نسقا واحدا من الحكومات المتأرجحة، بين وضع حزبي طائفي، يدعي الديمقراطية ونشر العدل والرخاء، وآخر إنقلابي عسكري، يدعي إنقاذ البلاد من تسيب الحكم المدني، وحماية الوطن من مطامع الخونة والأعداء .. وفي كل مرة يحدث فيها تغيير مدني أو عسكري يتطلع الشعب لإحلال الصلاح مكان الفساد .. ولكن ما أن يمر الزمن حتى يخيب الرجاء! وتظهر حقيقة الحكام! ويصاب الشعب الصبور بالإحباط وخيبة الآمال! فحكامنا من طينة واحدة، لا يجمعهم سوى حبهم للسلطة والتشبث بكراسيها! وهم قد فشلوا في إحلال السلام في البلاد، لأنهم يفتقرون إليه في نفوسهم! وكما قيل: فإن فاقد الشئ لا يعطيه! فانظروا إليهم! إن كانوا عسكريين، وصلوا للسلطة بالعنف، وبالعنف حرسوها! وإن كانوا مدنيين، كونوا الجيوش لاسترداد سلطتهم المغتصبة بواسطة العسكريين! وهكذا تدور بنا دائرة العنف في تبادل ممل للأدوار بين المدنيين والعسكريين دون تأثير كبير من الشعب على مجريات الصراع ..

    الحركة الإسلامية تصل الى السلطة بقوة السلاح!!

    ومن المؤكد لدينا، ولكل الشعب، أن حكم الإنقاذ، الذي جاء نتيجة الإنقلاب العسكري، والذي نفذته الحركة الإسلامية، بقيادة الدكتور الترابي، كان هو الأعنف في تاريخ الحكم الوطني .. و هو، على الإطلاق، من أسوأ تجارب الحكم الوطني التي مرت علينا .. فذاكرة الشعب ما زالت حية بالإعدامات دون محاكمات، والإعتقالات لمجرد الخصومة السياسية، والإرهاب الديني، والفصل والتشريد من العمل للآلاف من العاملين وإبدالهم بالموالين، وممارسة التضليل بإسم الدين والسيطرة على الإعلام، ومعاداة الدول المجاورة وتهديد الدول العظمى، حتى صنفنا لأول مرة في تاريخنا كدولة راعية للإرهاب .. وهذا قليل من كثير.. ولو شئنا أن نسترسل في ذكر سوءات ذلك النظام لأخطأنا في العد .. غير أننا يجب أن نذكر أن من أسوأ أعمال الإنقاذ تحويلها للصراع بين الشمال والجنوب إلى حرب دينية .. وبإسم الدين فرض على الناس، قسرا، الإستعداد للغزوات .. وبإسم الجهاد زج بالآلاف من الشباب في تلك الحرب .. فاستشرى العنف في الجامعات .. وتفاقمت حرب الجنوب .. وظهرت الحروب في الغرب والشرق .. وسفكت الدماء السودانية .. ولكن الإنقاذ لم تهتم!! فقد كان خطابها الرسمي، وفي قمته، يروج لإراقة الدماء! بل كل الدماء!! ولأن الإنقاذ أسست على العنف، فانها أكلت حتى شيخها ومربي بنيها! ثم حدث الإنقسام العظيم!! وسقطت الحركة الإسلامية!! وتشتت!! وسقط مشروعها المزيف للدولة الدينية!! واضطرت حكومة الإنقاذ، بسبب حرصها على سلطانها، أن توقع اتفاقية نيفاشا مع الحركة الشعبية، وأن تتحول إلى مرحلة حكومة الوحدة الوطنية .. وبالرغم من أن الستار قد أسدل على تلك الفترة المظلمة من حكم البلاد، إلا أن الكثير من ممارسات الإنقاذ وقوانينها المتعارضة مع حقوق الناس ما زالت سارية المفعول، مما يعد خرقا واضحا للإتفاقية، وعاملا مساعدا في إستمرار دائرة العنف، ومعوقا للسلام والإستقرار!!

    لماذا نترك بلادنا تتمزق بفعل الطامعين في السلطة؟

    إن بلادنا اليوم تمر بمرحلة خطيرة .. فوتيرة النزاعات الجهوية والقبلية المسلحة قد ازدادت حدة .. وأصبح إستعمال القوة هو الأسلوب المباشر لحل مشاكلنا .. وكما ذكرنا آنفا، فإن هذا الأسلوب كان دائما هو الخيار الأول في الصراع حول السلطة بين القادة السياسيين والعسكريين .. ولذلك، فقد ترسخ في أذهان الناس أن التغيير لايتم بغير قوة السلاح! وهذا خطا أساسي في فكرة التغيير! ويكفي للتدليل على هذا الخطا أننا سلكنا طريق الحرب الطويل لحل مشكلة الجنوب، ولم نجن إلا إهدارا للوقت والأموال والأنفس .. وفي خاتمة المطاف عدنا إلى طاولة الحوار والمفاوضات! ولذلك فليس من الحكمة أن نكرر نفس التجربة لحل المشاكل في دارفور .. فنحن مجمعون على أن لدارفور قضية ترجع في أساسها إلى أن الإقليم ظل متخلفا في التنمية والخدمات الأساسية .. وقد تفاقمت المشاكل في عهد حكومة الإنقاذ بسبب النزاعات التي اندلعت بين الجماعات المسلحة، وبين القوات التابعة للحكومة والحركات المتمردة .. وصارت القرى مهجورة خرابا .. وشرد الناس إلى معسكرات النزوح .. ولقد فشلت الحكومة في توفير الأمن لمواطنيها، مما عرض مشكلة دارفور للتدويل .. وتعقدت المشكلة بصورة أكبر، بسبب رفض الحكومة لقرارات المحكمة الجنائية الدولية، وبسبب تعنتها ووضعها للعراقيل أمام دخول القوات الدولية، التي دعا إلى تشكيلها مجلس الأمن الدولي، لحماية المواطنين العزل في دارفور ..

    إن الواقع الراهن في دارفور، يحتم علينا أن نعترف بأن المشكلة قد اتسعت حتى عبرت حدودنا وصارت قضية عالمية .. وهي الآن تحتاج إلى مزيد من الحكمة والتنازلات الكبيرة، من كل الأطراف المشاركة في معادلة الصراع، وعلى رأسها حكومة الوحدة الوطنية .. ونحن نرى أن البداية الضرورية لحل مشكلة دارفورهي اتفاق جميع الأطراف المتحاربة على الإيقاف الفوري لإطلاق النار في كل بقاع الإقليم .. وعلى الحكومة الحالية يقع العبء الأكبر، حيث عليها: (١ العمل على تسهيل دخول القوات الدولية والمعدات اللازمة لها، وذلك لمراقبة الهدنة بين المتحاربين، وتوفير الأمن والحماية والعون الإنساني للمواطنين (٢ الموافقة على التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية لإعادة الثقة لأهل الإقليم (٣ الإلتزام الجاد بالتفاوض كوسيلة، لا بديل عنها، للوصول للحل النهائي لمشكلة دارفور.. أما الذين يحملون السلاح من أهل دارفور، فعليهم أن يعلموا أن استمرارهم في الحرب هو مزيد من الخراب لبلدهم، ومزيد من العذاب لأهلهم .. فالحرب طريقها مسدود! والحرب لا تلد إلا الحروب .. ولن يصل الناس الى حل مقبول لدى الجميع الا بالتفاوض والحوار ..

    حكم الشعب بواسطة الشعب ومن أجل الشعب

    وفي سبيل التحول إلى الحكم الديقراطي، فإن بلادنا مقبلة على الإنتخابات المنصوص عليها في اتفاقية السلام (يناير ٢٠٠٥ .. فإن اتسمت هذه الإنتخابات بالنزاهة والشفافية وتوفير الأمن للمواطنين أثناءها ، فسوف تنتقل البلاد إلى وضع سياسي مستقر، وإلا فإن نتائجها ستصير وقودا محركا لدائرة العنف، التي سترجعنا إلى نفس الحالة المتكررة من الصراع الساذج حول السلطة ..

    ومهما يكن من الأمر، فإننا على ثقة تامة بأن الشعب، وحده، هو الذي يستطيع كسر دائرة العنف، التي ما زالت تهدد وحدة البلاد .. وأنه، وحده، هو الذي يمتلك مفتاح الحل النهائي والشامل لمشكلة الحكم في البلاد .. وبفضل الله وبفضل كل الإخفاقات والنجاحات للحكم الوطني، فإن وعي الشعب قد ارتفع .. وأصبح الشعب مستعدا ليملي إرادته على الحاكمين في كل شئون الحكم! ونحن متأكدون من أن الحل العبقري سوف ينبع من الشعب السوداني بتجاوزه لكل الخلافات القبلية والجهوية والدينية .. وسيتم الإستقرار السياسي في البلاد بالتوافق على دستور الحقوق الإنسانية.. وهذا الدستور أساسه حرية الرأي لكل فرد من أفراد الشعب!! وهو الضمان الوحيد لتصحيح الممارسة الديمقراطية في الحكم .. وحين يتم لنا ذلك، سوف لا نخشى أن يحكمنا من يحكمنا! فمن أعماق هذا الشعب، وبإذن الله،، حتما، سوف يأتي الصالحون!!

    والله هو الحافظ لهذه البلاد من كل الشرور .. وهو الهادي إلى سواء السبيل ..



    الجمهوريون - التنظيم الجديد

    ٢٢ يونيو ٢٠٠٨



    from sudanile
                  

06-23-2008, 03:02 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    أبا الوليد بن رشد ومحمود محمد طه .. كاد أن يكون نفس المصير

    رأفت ميلاد


    فلم المصير .. يحكى قصة الوليد بن رشد ومحرقة تكميم الأفواه .. بواسطة المتشددين المستفيدين من سلطان الدين .. لإمتلاك الدنيا .. وليس الآخرة ..
    وجعلوها سياط على رقاب المفكرين وكل من يسأل .. وكله بإسم الله .. بجيش من اللصوص أو المستلبين .. المسيرين بالعنف اللفظى .. كالأنعام ..

    وما أشبه الأمس باليوم ..
    رحم الله الأستاذ محمود محمد طه .. وكاد مصير إبن رشد أن يكون مصيره لولا صحوة الضمير .. والإنتباه الى موضع الداء .. الشيئ الذى لم تراه أعيننا ولا زال البعض عمىّ البصر والبصيرة ..

    وكما قال المثل الإنجليزى الذى ردده محمود محمد طه فى الستينات من القرن الماضى:

    In the abnormal society the abnormal is normal

    فلم المصير والمخرج المفكر يوسف شاهين .. عافاه الله وشفاه .. وليكون المصير عبرة ليصحى الضمير ويبدل المصير


    أبا الوليد بن رشد ومحمود محمد طه .. كاد أن يكون نفس المصير
                  

06-24-2008, 01:24 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    ابوبكر محمد الامين


    وداعا مولانا القاضى بابكر القراى




    رحل عن دنيانا ظهيرةالثاني والعشرين من يونيو مولانا القاضي بابكر أحمد القرّاي إثر علة لم تمهله طويلاً
    عاش الراحل فيما بين مدينتي عطبرة والخرطوم وطاف السودان من خلال عمله كقاضي وفي اعقاب الإنقلاب المشئوم في 30 يونيو تعرض الراحل ومجموعة كبيرة من القضاة الى الفصل من الخدمة ضمن مسعى السلطة لإخضاع القضاء.
    ولم يكن الراحل ممن يتركون ميدان المعركة فثبث في قلب الصراعات يقود مع زملائه العدول معركة التنظيم الصبورة فكان من بين قادة القضاة الذين فضحوا زيف ادعاءات الانقلاب في حقل الحقوق والعدالة ومن هذه المنزلة الملهمة انطلق الى ساحات العمل المعارض وأهدى الى حركة الناس المظلومين وقتاً وجهداً بدنياً وفكرياً سواءً في عمله وجهده الفذ ضمن تنظيمات المفصولين وفي اللجنة القومية أو في لجان الحقوق بالعاصمة والأقاليم أو في هيئة الدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أو في مجلس ادارة منظمة سودو أو في غيرها مما يمكن أن يقيده حصر.
    لذا لم يكن من الغريب أن يشيعه جمع كبير متباين المشارب والاتجاهات لكنه كان موحد الحزن والأسى عميق الشعور بالفقد الجلل. كان هناك الاتحاديون والشيوعيون والأنصار وكان الجمهوريون يسيرون بالتهليل وكان هناك سمانية وقادرية وقوىً ديمقراطية وبعثيون ومنظمات وأهل الحي بين القضاة والمحامين والناشطين كل يعزَي ويعزى.
    كان الراحل رجلاً صبوراً هادئاً ومتزن العبارة ، كان حسه بالعدالة يهديه الى اقناع الناس بالموقف الأصوب وكان فكره عنواناً للنضج والمسئولية وكان قلمه يستقبل قبلة البسطاء لأن قلبه كان موغلاً في الزهد والنزاهة وقد عاش فقيراً لايملك من حطام الدنيا شيئاً ولا كان يرغب.
    أذكر الآن من خضم الذكريات أنه لمّا فرغ من صياغة قانون النقابات المقترح قال أن غاشية اعترته فرأى وكأن عطبرة تمور وتعود لسابق سيرتها، قلت أن أهل البصيرة بالماضي يرون من خلل حجب الأيام القادمات .. فبالله هل كانت دمدمة ؟!
    ستكون الدمدمة يا قرّاي!
    ونعاهدك
    وستبقى ذكراك
    العزاء الحار لأسرتك الصغيرة وللأهل والعشيرة وللجيرة والأصدقاء والمعارف والزملاء وصبراً جميلا
    ولاحول ولاقوة إلا به

    رحيل... القاضى بابكر القراى ... زعيم المفصولين ونصير...ضعفين فى السودان ...
                  

06-24-2008, 03:24 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)

    [size=24]فى ندوة تجديد الفكر الديني وبناء السلام
    دعــوة لتقــريب الشــــقة بين الأديان

    رصد : الصحافة
    أقام المركز العالمي لثقافة السلام يوم الإثنين 16/6/2008 بمركز الخاتم عدلان للاستنارة والتنمية البشرية ندوة حول رؤية المركز العالمي لثقافة السلام لتجديد الفكر الديني ، كخطوة على طريق المواكبة لإنسان العصر الحالي وتعرضت الندوة في سياق الطرح لآراء المفكرين والعلماء المجددين على إختلاف مناهجهم . تحدث الاستاذ عبد المؤمن ابراهيم في ورقته عن تطور وعي البشر من مرحلة الميثالوجيا مروراً بمرحلة الفلسفة الى مرحلة الأديان التي جاءت لمعالجة قضايا الإنسان التي افرزها هبوط سلفه الأولين حيث كان الصراع والعداوة والفساد نتاج طبيعي للهبوط وكان العنف سِمة أساسية من سمات المجتمع البشري منذ بدايته ، و اضاف ابراهيم من هنا يجب علينا أن نعي حقيقة أن العنف ليس أصلاً في الدين وإنما كان ضروره إقتضاها الوضع الإنساني في ذلك الوقت ،والدليل على ذلك أن الدين في حد ذاته فضيلة وقيم رفيعة تهدف إلى خلق الإنسجام الداخلي في النفس البشرية وإعدادها لإحياء قيم السلام والتسامح. ثم تحدث مفصلاً في أديان التوحيد الثلاثة باعتبار أن لديها منهجية تطورية من اليهودية الى المسيحية ثم الاسلام ، وبإعتبار أن أتباعها هم الأكثر عدداً بين سكان العالم 75% والذين حافظوا على إرثهم الديني حتى الآن ، مقارنة بالأديان والثقافات الأخرى التي تمثل 25 % مثل اديان شرق آسيا بالرغم من أنها أديان أرضية أي من صنع الإنسان بمعنى أنه هو الذي بادر بالسعي نحو الإله وليس العكس ، ولاحظ ابراهيم أن أتباعها يعيشون في سلام وإنسجام على إختلافهم ، مشيرا الى أن الأديان الإبراهيمية مصدرها جميعا واحد وهو الله سبحانه وتعالى إله العدل والمحبة والسلام الذي كتب على نفسه الرحمة والذى غايته من إرسالها اصلاح النفس البشرية كما ورد في جميع الكتب المقدسة ، مبينا ملاحظة مهمة وهى أن أتباعها كانوا الأكثر عنفاً في علاقاتهم مع بعضهم البعض وفي علاقاتهم مع أصحاب الأديان الأخرى . وقال انه ومن هنا يجب علينا الإعتراف بأن هنالك مايستوجب النظر بعين المسؤلية والتأمل بعين العقل في هذا الشأن، ويجب أن يكون هذا من أولويات المجددين في الفكر الديني وأن هذه المسؤولية تقع أيضاً على عاتق الجميع من علماء وأدباء وفلاسفة، مؤكدا ان هذا لن يحدث إلا عبر جعل الفكر الديني مواكبا لتطور هذه المجالات ، وتحدث عن تحديات التجديد مقسما اياه الى تجديد انسيابي مثل الحركات التي يكون منهجها التجديدي في إطار الفكرة ذاتها ويكون تلقائيا مع تطور الوعي البشري (حقوق المرأة في الإسلام تحديدا) وانقلابي والذي دائما ما يتسم بالغرابة والجِدة والحداثة ودائما ما يقابل بالرفض مثل موقف فرعون من موسى (عليه السلام)، والاسرائيليين من عيسى (عليه السلام)، وقريش من محمد (صلى الله عليه وسلم) . ثم دلف الى تفصيل التجديد في الاسلام شارحاً عملية التوفيق بين النقل والعقل الى مراحل التجديد عبرتاريخ العالم الاسلامي مرورا بالتجديد السلفي الذي يعتبر إستخدام العقل والتفكير بدعة ، وضرورة العوده إلى عهد النبوة ، ثم تحدث عن تراجع العقل في العالم الاسلامي أيام المتوكل والقادر والذي تَوَّجه الامام الغزالي بهجومه الكاسح على الفلسفة ورفضه للسببية وأتمّه ابن رشد بعجزه عن ربط الحقيقة الدينية بالحقيقة الفلسفية ، وحديثاً في السودان حركة محمود محمد طه التجديدية التي أفرزت منهجاً مختلفا أوضح أن رسالة الإسلام كانت على مستويين مكي ومدني . ثم بعد ذلك تحدث عن انتقال العقلانية من الأندلس الى فرنسا ثم اوروبا الغربية حيث ترجمت فلسفة أرسطو من العربية الى اللاتينية الأمر الذي أدى الى مواكبة الفكر الديني المسيحي للتجديد والحداثة وتراجع الفكر الديني الاسلامي، ثم بعد ذلك مضى بالقول إلى أن منهجية التجديد تقوم على الزمان والمكان وواقع الانسان في مشروع الأديان ، ثم أشار الى ضرورة الحرية والديمقراطية والسلام كنتائج وأسباب للتجديد، ودعا الى مشروع تجديدي يجمع بين الدين والفلسفة والعلوم والى مشروع فكري يقرِّب الشقة بين الأديان الابراهيمية على وجه الخصوص وبقية الأديان عموما. وقال إن التجديد في السودان يجب أن يخاطب قضايا الوحدة والتعايش السلمي بين الأديان والأعراق والثقافات ، ومن هنا يأتي ربط قضية تجديد الفكر الديني بالسلام بإعتبار أن الدين هو حياة البشر والسلام أيضا حياه لا غنى عنها. وفي نهاية الطرح كان حديث المعقبين عن ضرورة ترسيخ مفهوم المساواة بين الرجل والمرأة في الإسلام ونبذ العنف داخل الجماعات الإسلامية وبينها وبين أصحاب الأديان الأخرى ، وعلق آخرون على إشكالية توطين الحداثة بما فيها من حرية وإعتراف بحقوق الإنسان وطالب البعض بتكوين آلية تجمع شتات الجماعات الداعية للتجديد في الفكر الديني للوصول إلى سلام كوني يقود جميع البشر إلى عالم يسوده الأمن والسلام والاستقرار[/size]

    http://www.alsahafa.sd/News_view.aspx?id=50474
                  

06-24-2008, 03:31 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    للموتى دور سياسي
    ناس أوربا يفعلون أشياء غريبة مثلاً إحدى القرى في إيطاليا اختارت شخصاً متوفياً ليكون عمدة عليها.. وبما أننا في السودان نقلدهم إيه رأيكم نطبّق هذه العملية سياسياً، بالذات لأننا أنجبنا سياسيين خطرين جداً مثل المحجوب ومحمود محمد طه وعبدالخالق محجوب.. وواحد اخونا في القسم السياسي أخبرني أن عدد السياسيين الراحلين يعادل عدد السياسيين العايشين ولو صدق كلامه هذا إيه رأيكم «تاني نعمل مجلس سيادة أو استشاري نصفه من الراحلين ونصفه من الحاليين».

    http://www.alsahafa.sd/News_view.aspx?id=50307
    _____
                  

06-26-2008, 04:22 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    «الرأي العلم الثقافي» يطرح الاسئلة الصعبة في اشكاليات النقد الروائي السوداني (1-2)
    اشكاليات النقد الروائي في السودان

    أجرته: رحاب محمد عثمان
    الرواية فن مراوغ تسعى لاحتواء التناقضات الحادة في الواقع والمجتمع وهي مرآة المجتمع ومهمتها تجسيد الانسان في صراعاته الاجتماعية المختلفة ما دعا بعض المعاصرين ان يطلق عليها ديوان العرب المعاصر. والنقد فن التميز بين الاساليب لمعرفة الغث من السمين ومطالب بان يكون استكشافاً لعملية الابداع وروحها وبدايتها الكامنة، والنقد ضرورة من ضرورات حياتنا الابداعية، وهو في حد ذاته عمل ابداعي موازٍ. فإن كانت البدايات الأولى للأدب الروائي السوداني لم تكن متزامنة مع نشأة وتطور القصة القصيرة والشعر الا ان الرواية استطاعت اللحاق بركب هذه الفنون الأدبية وتطورها وأفسحت لها مكاناً في دائرة النشر واحتلت مكانتها في خارطة إبداعنا السوداني من خلال ما صدر من كتب، واطلع عليها القارئ منشورة فقط في الصحف والمجلات.. ومن ثم اتسع الاهتمام بها لدى القراء.. إلا ان الملاحظ ان هناك ندرة في المنتج النقدي المكتوب عن الرواية وخاصة الدراسات والبحوث التي تلاحق بواكيرها ثم مسيرة تطورها. إلا من محاولات معدودة لا تتجاوز أصابع اليد واجتهادات مقدرة لعدد من النقاد. ما هي المراحل التي مرت بها الرواية السودانية خلال مسيرة تطورها؟! وهل يوازي المنتج النقدي للرواية من كتب ودراسات ما كتب من روايات منشورة ومطبوعة؟ ولماذا تركزت غالبية المقالات والدراسات النقدية علي أدب الطيب صالح؟ ما هي سمات وشروط الناقد الذي يتوفر على نقد الرواية؟ كيف ينظر النقاد للأصوات الجديدة والاصوات النسائية التي ظهرت على خارطة الرواية السودانية سيما في الخمس أعوام الأخيرة؟ الروايات السودانية التي كتبت في مناخات واجواء غير سودانية وبلغات غير عربية، هل يمكن اضافتها للمنجز الابداعي السوداني؟ ما هي أبرز الاقلام النقدية فلي الرواية وأبرز الروايات السودانية التي ظهرت حتى الآن؟! وإلى أي مدى استطاعت الرواية السودانية مواكبة التحولات السياسية والاجتماعية؟! هذه الاسئلة والمحاور حاولنا ان نجيب عليها من خلال استطلاع النقاد والمختصين فماذا قالوا؟! بدايات الرواية السودانية الناقد د. أحمد الصادق احمد تناول مسيرة الرواية السودانية وتطورها بداية برواية «انهم بشر» للراحل خليل عبد الله الحاج في عام 9591م: ويرى د. احمد ان تجربتنا في كتابة االرواية قصيرة نسبياً إلا ان القصة سبقتها بوقت مبكر، وشهدت فترة الستينات منجزاً روائياً بظهور الطيب صالح وروايته «عرس الزين» في العام 3691م ونشرت في مجلة الخرطوم وفي عام 6691م نشرت رواية «موسم الهجرة إلى الشمال» في مجلة «حوار» وبعدها روايتي ابو بكر خالد «كلاب القرية»، والقفز فوق الحائط القصير» واستوعبت الروايتان الاحداث السياسية ما بعد اكتوبر 3691م حتى فترة الديمقراطية الثانية. في عام 9691م طبعت روايتان باللغة الانجليزية «اجمل أيامهم» للصحافي السر حسن فضل، ورواية «في انتظار فجر الخلاص» للدكتور تاج السر محجوب التي تناولت احداث الجزيرة أبا وبدايات مايو. تطور السرد وظهور النقد الموازي ويواصل احمد صادق متحدثاً عن فترة السبعينيات التي شهدت ظهور أهم صوت روائي لتطور السرد في السودان هو ابراهيم اسحاق الذي اصدر في العام 9691م وروايته «حدث في القرية» واخرج عام 2791م «اعمال الليل والبلدة»، ورغم ان بداياته كانت عادية إلا انها كشفت عن امكانات كامنة لكاتب سيكون له مستقبل في الرواية بدليل روايته الأخيرة «وبال في كلمندو» التي وصل فيه لاقصى درجات الجمال في الكتابة السردية ومن حيث اللغة وعلاقات الشخوص ودهشة الأسلوب، ونحت اللغة الروائية. كما شهدت فترة السبعينات أيضاً بداية ظهور النقد الموازي للكتابات الروائية وشهدت تطوراً هائلاً للكتابة النقدية، وتحول التيار النقدي من فن الشعر والفلسفة والتاريخ إلى الكتابة عن السرد والرواية والاهتمام بالحكاية الشعبية، وكانت مجلة «الثقافة السودانية» منبراً للدراسات والمقالات النقدية وظهر من خلالها النور عثمان ابكر، ومحمد المكي ابراهيم الذي تناول رواية «الخنق» لشوقي بدري ولم يكن الناس يعرفونه، وظهر الصوت النقدي الشهير عبد القدوس الخاتم وكان مهتماً بأدب الطيب صالح وله دراسات في الشعر والأدب العالمي، جمال محمد احمد ايضاً كان له اهتمام بالرواية وكتب عن الطيب صالح، ومن الضروري ان نذكر شهادة للتاريخ بلسان الطيب صالح نفسه في لقاء اذاعي بأن أول من قدمه للقارئ العربي هو جمال محمد احمد وليس رجاء النقاش. وظهرت بعد ذلك اقلام نقدية سودانية عبر مجلة «الدوحة» القطرية التي كان يرأس تحريرها ويكتب فيها د. محمد ابراهيم الشوش، والنور عثمان ابكر، والطيب صالح نفسه نشر روايته «مريود» و«الرجل القبرصي» في مجلة «الدوحة»، المرحوم سامي سالم كتب كثيراً عن الطيب صالح وابو بكر خالد وأطلق على روايته «التيار السياسي في الرواية السودانية باعتباره ناشطاً سياسياً يسارياً وظهر ذلك من خلال كتاباته الروائية، وكان مثقفاً من طراز رفيع. ويؤكد احمد صادق أهمية هذه الاشارات السريعة لبدايات النقد الروائي لأي ناقد ليشتغل عليها وتنطلق منها دراساته، وإلى أي مدى كان العمل الروائي متابعاً للتحولات الاجتماعية والسياسية في السودان. ويضيف: من الضروري الإشارة إلى ان المنجز الروائي كان ضعيفاً ومتباعداً، خلاف ما حدث في العقدين الاخيرين من صدور عدد هائل من الروايات والمجموعات القصصية. قلة المنتج النقدي الناقد والمترجم عز الدين ميرغني الذي يمارس حفرياته في النصوص العربية والاجنبية عبر المجلات والصحف السيارة سألته عن قلة المنتج النقدي في الرواية السودانية، فعزا ذلك إلى ضعف الرواية السودانية في انتاجها وفي جودتها، وصعوبة فن الرواية الذي يحتاج إلى مهارة كتابية عالية، والناقد عموماً هو متلقي ذو ذوق خاص ومعرفة بدروب السرد، وهذا الذوق الخاص هو هبة والمعرفة والدراي اجتهاد، والنقد الروائي حسب متابعاتنا في الملاحق الأجنبية قليل ونادر وهو تخصص التخصص لان الرواية لا تدرس إلا في الجامعات الراقية، وقد التفت إلى السرد وعلومه مؤخراً وخاصة في المغرب العربي، وفي جامعاتنا لا توجد جامعة واحدة تخصص مواد للرواية وتخلو مكتباتها من اقسام للرواية، ولذلك يصبح النقد والنقد الروائي عموماً قليلاً ونادراً لصعوبة مواكبة المناهج النقدية الحديثة خاصة من أصلها الأم بسبب ضعف اللغات الأجنبية، والناقد والروائي الذي لا يجيد لغة اجنبية تصبح ثقافته النقدية والسردية ممعنة في المحلية. ويرى عز الدين ميرغني ان النقد ما عاد التفافاً حول النصوص وانما امتلاك المفتاح للدخول من عدة أبواب وعدة قراءات، وما عاد النقد ترفاً اكاديمياً انما هو ابداع لا يملكه إلا القادر والموهوب. تركيز النقد على أدب الطيب صالح: سألت عز الدين ميرغني: لماذا تركزت جل المقالات والدراسات النقدية على أدب الطيب صالح، ألان البعض يعتبره الأدب الشرعي والسقف للأبداع الروائي في السودان؟ فأجاب بأنه يرى الأمر خلاف ذلك ويضيف: يعتقد كثيرون بأن الطيب صالح لم يوف حقه من الدراسات في السودان كما حدث في المغرب وغيرها، حين قدمت العديد من الاطروحات الجامعية والبحوث حول ابداعه الروائي عندما امتلكوا المفتاح للدخول لعالم الطيب صالح الروائي. إلا أنني أرى ان التحدي والمحك لأي ناقد ان يكتب عن «رواية غير معروفة»، وعظمة النقد ان تخرج برواية غير مشهورة للعلن. وأعدت طرح السؤال على د. أحمد صادق الذى أكد ان الطيب صالح سيظل الأب الشرعي للرواية السودانية وإن كانت مقولة «سقف الرواية السودانية» لا تعجبه. ويوضح قائلاً: الطيب صالح كان استثناء وكان محظوظاً آنه خرج من السودان باكراً ونحن نحاول ان نتلمس الطريق لبناء دولة وطنية ولما بدأ صوته يظهر للعالم لم ينافسه آخرون لاسباب موضوعية وجوهرية. إلا ان حقبة التسعينات وما بعدها ساهمت في ظهور اصوات شبابية كتبوا روايات مدهشة وجميلة واستطاعوا ابراز ومواكبة التحولات الاجتماعية والسياسية التي تحدث في السودان عبر نصوصهم الروائية، ومن الظلم محاكمة هؤلاء وفقاً لذاكرة منجز الطيب صالح - وبالتالي عالم الكتابة يتسع للجميع، وحركة الكتابة الروائية والسردية متواصلة ومستمرة، ولكل زمن كتابه وسراده ونقاده بالضرورة، وعلى الاكاديميين والنقاد ان يقولوا قولهم في تقييم النصوص السردية وتقدير درجة الابداع.. وعلينا بقليل من الحكمة الا نتعجل الاشياء ولا نتعامل بالانفعال العاطفي. الذات والموضوع في «7» روايات الروائي ابراهيم اسحاق تحدث في إحدى محاضراته عن تجربته النقدية لسبع روايات سودانية قائلاً: في السبعينيات تجرأت على اصدار احكام لا أدري مدى صحتها على الروايات التي وجدتها أمامي يومئذ للروائيين خليل عبد الله الحاج، ابو بكر خالد، ابراهيم الحاردلو، مختار عجوبة، فضيلي جماع . تحدثت عن الذات والمحيط الانفعالي لسبع روايات سودانية عن الذات والمحيط الانفعالي للروائي ومدى تناجشهما في النص ثم ابتعدت عن البلد فلم اقرأ إلا رواية واحدة لكل من محمود محمد مدني وامير تاج السر. وخلال المحاضرة يعرب ابراهيم اسحاق عن اسفه واعتذاره للاجيال الجديدة في الرواية السودانية لعدم متابعته وإلمامه بما كتبوه وتمنى الا يكون هناك صراع أجيال، وشكوى من الكتاب الجدد بانهم مهملون، وان «الديناصورات» يسدون عليهم الآفاق. ودعا كبار الادباء ان يقوم كل بدوه لمد حبال التواصل وسد الفجوات بين الاجيال الروائية. وفي ذات السياق يتطرق الروائي ابراهيم اسحاق إلى احجام النقاد من الروائيين والكتاب إلى الكتابة النقدية عن زملاؤهم ويرى ان ذلك احد اشكاليات النقد الروائى ويرجع ذلك لعدة أسباب: كل المطلوب هو النزاهة والانصاف والعلمية في تناولهم لاعمال زملائهم، كثير من النقاد يعدون دراساتهم النقدية كرسائل اكاديمية عن مجمل العطاء الثقافي، ثم يقتطفوا منها بعض الأجزاء للملاحق الثقافية في وقت تعاني فيه الصحافة الأدبية من الاضطهاد والغبن، ثالثاً: ليس هنالك الحافز المادي الذي يحتاج إليه الناقد كي يرهق ذهنه في البحث والكتابة. ويضيف: وقد شهدت السنوات الأخيرة هجرة عدد من النقاد المتخصصين منهم عبد اللطيف على الفكي في كندا، ومحمد الربيع محمد صالح في قطر فضيلي جماع في لندن، وآسيا وداعة الله في الرياض. والاكاديميين لعلهم لا وقت لهم رغم اطلالتهم من وقت لآخر. مثل د. محمد المهدي بشرى، د. هاشم ميرغني، د. احمد الصادق احمد، وبشير ابراهيم اسحاق في ذات الوقت إلى اجتهادات النقاد عبر الملاحق الثقافية مثل احمد عبد المكرم، ومحمد اسماعيل «الخرطوم»، نبيل غالي «الحياة» مجذوب عيدروس «الصحافة»، عيسى الحلو في «الرأي العام». ولا يفوته ان يثمن تجربة الروائي والناقد د. مختار عجوبة عبر كتابه «بدايات القصة القصيرة في السودان» ووصف دراساته بالانصاف حينما يكتب عن فرانسيس دينق وعيسى الحلو، وليلى أبو العلى، وبثينة خضر مكي. حركة نقدية ضعيفة المنتج النقدي الروائي هل يوازي ما كتب ونشر حتى الآن من روايات اذا قلنا ان بدايات الرواية السودانية كانت في الاربعينيات برواية «تاجوج» عام 8491م؟ يجيب على السؤال اثنان من النقاد: مصطفى الصادق صوت نقدي مهم، وله اسهاماته عبر الصحف، كما قدم عدداً من الاوراق العلمية في مؤتمر الرواية السودانية الذي ينظمه مركز عبد الكريم ميرغني ضمن فعاليات جائزة الطيب صالح للابداع الروائي، يقول الصاوي: على النقاد ان يعترفوا ان هناك منتج روائي كمي متواتر ولم تستطع الحركة النقدية مواكبة هذا الانتاج، ويصبح السؤال: أين الخطأ، هل لدينا الناقد الذي يكتب بشكل جيد؟ هل الصحافة الأدبية تفتح ابوابها للنقد؟ هناك نقاد لديهم كتابات محكمة وجاهزة لا يرتعون بها للصحافة ولا تقرأ من قبل كل الناس كما قال عيسى الحلو مع غياب المجلة الادبية المتخصصة.. هل استطعنا ان ندخل الرواية وهمومها في حراك الاعلام؟! ويعتقد الصاوي ان من اشكاليات النقد وليس الفقد الروائي فحسب عدة اسباب ضمنها الشلليات، مجالس النميمة الثقافية، والانصراف بقضايا لا تصب في صميم العمل الابداعي. د. احمد الصادق انجز عدداً من الدراسات النقدية عن رواية ليلي ابو العلا «المترجمة»، وروايات السر حسن فضل ود. تاج السر عباس، وفرغ مؤخراً من نقد وترجمة رواية «اجنحة من غبار» لجمال محجوب وهي تحت الطبع حالياً. يرى احمد الصادق ان الكتابة النقدية حول السرد تطورت تطوراً كبيراً لكنها لا تقارن بالمنتج في المركز الاوروبي والغربي، ونحن نحاول ان نتقاطع مع هذا الانتاج في آنيته ولحظته، لكن هذا يعتمد على مقدرة الفنان في ردم هذه الفجوة. محمد احمد المهدي ومحمود محمد طه وقد فسر تاريخ السودان تفسيراً سردياً برؤية نبيلة وصادقة، وليلي ابو العلا في إحدى رواياته تنقل القارئ إلى اجواء السودان حيث «السخانة» وقطوعات الكهرباء وثرثرة النساء في مجالس النميمة، و«الجكس» داخل الجامعات. الناقد مصطفى الصاوي قدم ورقة علمية عن الأدب السوداني في المنفى خلال فعالية مؤتمر الرواية السودانية قبل عامين بمركز عبدالكريم ميرغني وهو يرى ان هذه جدلية الداخل والخارج، فالغربة الأولى عندما تكتب باللغة الأخرى؟ وهذه موجودة عند جمال محجوب كيف تكتب وتعبر عن وطنك وانت خارج عنه؟ هل ستقول هذه الرواية السودانية في المنفى؟! أحمد حمد الملك يقول: «وطني هو حقيبتي» هذا مجاز.. ويعتبر الصاوي الروايات التي صدرت في الخارج لروائيين سودانيين من ال،، الروائي السوداني لأنها سودانية الملامح وعبرت عن اهتمام الداخل. الأصوات الشبابية والنسائية في الرواية: الاصوات الجديدة، والاصوات النسائية التي ظهرت في الرواية، في الخمس اعوم الاخيرة من خلال جائزة الطيب صالح للابداع الروائي هل تعتبر صدى وتطوراً طبيعياً للحركة الروائية في السودان؟ د. احمد صادق يعد الرواية النسائية السودانية تطور طبيعي لتاريخ الكتابة ويدلل على ذلك بقوله: ملكة الدار محمد أول روائية سودانية كتبت «الى قصصها عام 0691م ونشرت بمجلة القصة عام 3691م وتزامنت روايتها «الفراغ العريض» مع صدور رواية «انهم بشر» لخليل عبد الله الحاج، وزعم انه لم يكن هناك تواصل او تسلسل تاريخي متراتب الا ان الروائيات السودانيات حتى اصغر من اميمة عبد الله ركزت على ارث روائي نسائي في مقابل صوت ذكوري مهيمن. عز الدين ميرغني يرى ان الصوت النسائي ضعيف في السودان والمنشور قليل لا يتجاوز اصابع اليد، وهذا الضعف مرده صعوبة النشر التي تواجه المرأة والرجل معاً، والولوج لعالم الرواية تتهيبه النساء، ولكن هذا لا يمنع وجود أصوات نسائية لها جرأة ومقدرة على الكتابة وانتاج عمل روائي جميل. وعن الاصوات الشبابية في الرواية يقول عز الدين ميرغني: يحمد لجائزة الطيب صالح انها اخرجت للعالم اصوات روائية جديدة واعمال جيدة استوقف شروط الرواية وحفرت عميقاً في الوجدان والمجتمع السوداني، واخرجت كنوز المعرفة السودانية التي ما زالت بكراً. ? الناقد مصطفى الصاوي يؤمن على حديث عز الدين ميرغني ويؤكد ان الجائزة احدثت حراكاً ثقافياً وأدبياً ممتازاص وطرحت الاسئلة الصعبة عن بدايات الرواية وفقدها وفنونها، كما افرزت روائيين مثل منصور الصويم، محمد بدوي حجازي، الحسن البكري على الرفاعي وغيرهم. ومن الروايات النسائية يقر بوجود ما يسمى الأدب النسائي ويصف القائلين بنفيه «بالمكابرة» ويؤكد ان هناك حركة نسوية، الموجة الأولى والثانية والثالثة انعكست على الانتاج الادبي. ويضيف الصاوي: الروائيات بثينة خضر مكي، وزينب بليل بوعي منهن يعترفن بأن الكتابة النسائية ليست «أدب اظافر طويلة» وان كتابتهن تماثل روايات الرجال، ولكن عندما تطلع على رواياتهن تجد الرؤية النسوية مهيمنة.. هناك اصوات مبشرة وواعدة وأعتبر الروايات التي كتبت باقلام نسائية تيار داخل الرواية السودانية.


    http://www.rayaam.info/News_view.aspx?pid=207&id=14424
                  

06-26-2008, 04:56 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)




    أخبار اليوم» تجرى حواراً شاملاً مع زعيم الحزب الشيوعى محمد ابراهيم نقد (1-2)
    بتاريخ 15-6-1429 هـ
    القسم: الحوارات
    لديّ مخاوف من التحكيم الدولي حول أبيي.. لكني لست متشائماً
    لايجب أن يكون لنا مأخذ على «التراضى» والمثل يقول «هذا راضى وهذا راضى ايش دخلك ياقاضى»
    لهذه الاسباب نخشى الدولة الدينية والخلافات فيها لاتنتهي مثل «تار ابوبكر الصديق»
    حاورته: نهلة عبد الرحمن
    يظل الاستاذ محمد ابراهيم نقد من القيادات السياسية الوطنية التى عرفت بمواقفها الوطنية طيلة مراحل الصراع السياسي فى السودان وعبر القضايا الوطنية المطروحة ولعل هذا ما اشار اليه الرئيس عمر البشير رئيس الجمهورية وهو يمدح الحزب الشيوعى السوداني الذى يتزعمه الاستاذ محمد ابراهيم نقد
    فى هذه المساحة اجرت معه اخبار اليوم حواراً شاملا تناول فيه قضايا البلاد الملحة وقد تطرق الحوار لقضية ابيي ،واتفاق التراضي الوطنى وتداعياته والمخاوف المثارة حوله ،والهجوم على امدرمان ،والحديث عن الدولة الدينية فى السودان ومخاوف الشيوعيين منها فالى تفاصيل الحوار
    { كيف تنظر الى اتفاق خارطة ابيي وهل يمكن أن تضع حداً للنزاع القائم حول حدود المنطقة؟؟
    عموماً أن لست متشائماً وليست هناك مخاوف من التحكيم الدولى ولكن نسأل اين الخلل واعتقد أنه فى اتفاقية نيفاشا والتى يفترض أن تكون فيها اطراف بصفة مراجع حتى ولو خارج قاعة التفاهم ليكونوا مرجعية لوحدث اشكال فأنا اعتقد أن هذا هو الخلل الخاص لموضوع ابيي وهو اغلب المشاكل التى سوف تنشأ من الاتفاقية وأنا ليس رجل قانون ولا عملت فى الخارجية حتى اقول اننى حضرت معاهدة معنية او مفاوضات وكيف تعيد الصياغه عشرات المرات وكيف جلست اللجنة المختصة من الفنيين ولكن أغلب المشاكل التى نشأت حتى الآن حول الاتفاقية فاذا اخذنا موضوع ابيي كمثال فانا مثلا لا اشكك فى معرفة وفد الحكومة بالسودان ولا فى وفد الحركة بالسودان بالذات فى موضوع الجنوب ولكن ابيي فيها طرف ثالث وهو قبائل المسيرية بذلك كان لابد من اخذ رأي الاخرين حتى اذا ما اخذ جميعه على الاقل سوف يكون هامش فى الاخر أن فى هذا الموضوع يرجى الرجوع لكذا وارقى الاتفاقيات فى العالم لديها مرجعيات هذا هو الخلل الرئيسى طيب فى هذا الوقت نشأت المشكلة والطرفان لم يقدرا على حلها فهل يمكن فى كل مرة ان تأتى باطراف نيفاشا فى كل مرة والاتفاقية لم تحدد أن تكون لجنة مرجعيات لذلك اخشى عندما نختلف فى التنفيذ اى تنشأ مشكلة فى كل بند من بنود الاتفاقية وبدل البحث عن الحل تتوقف المفاوضات ونحن الان مقبلين على فصل الخريف وهناك تحركات من آلاف البشر والانعام ماذا نحن فاعلون فى هذه الفترة.
    { برزت مخاوف من مسألة التحكيم الدولى هل لهذه المخاوف مايبررها ؟؟
    رد باستغراب حاجة غريبة جداً المساهمة الاقليمية والدولية هى العملت الاتفاقية مثلا فى السوق بقولوا دا البائع ودا المشترى ودا الضامن بمعنى اى اختلاف فى الاتفافية يرجع له الى الضامن يبقى المخاوف من التحكيم الدولى ليس فى محلها . فاذا ابديت المخاوف من المجتمع الدولى يجب أن نوسع العمل الاجتماعى الاستشارى بمشاركة الحكومة والدينكا والمسيرية والحركة الشعبية والمؤتمر الوطني فتحدث مناقشة يمكن نجد حلا
    { أن المؤتمر الوطنى يقول بتنازله عن تقرير الخبراء اوجد نص التحكيم الدولى والحركة تقول ان الاتفاقية لن تلقى التقرير كيف تقرأ ذلك ؟؟
    بصرف النظر عن من الذى اوجد نص التحكيم الدولى وأنا لا اعرف الى من يشكى المؤتمر الوطنى فهو طرف فى الاتفاق الثنائى فانا اعتقد أن الاتفاقية تحوي بعض النصوص التى ترجع بها للمجتمع الدولى واي اتفاقية تحوى هذا النص ومافى مفر من ذلك وخير البر عاجله وبقدوم فصل الخريف سوف تتضخم المشكة اكبر لان الناس لديها مصالح ومشاكل مثل هذه مثل مشاكل حصوة الكلي تتزايد كل مرة لكن لو عولجت بالسرعة بالتحكيم الدولى او الاقليمى وهى لا تخرج من اطراف نيفاشا
    { ماهو مأخذكم على اتفاق التراضى الوطنى بين الامة والوطنى؟؟
    هل يجب أن تكون لنا مآخذ فهذا اتفاق بين الامة والوطنى والمثل يقول هذا راضى وهذا راضي ايش دخلك يا قاضى اذا الطرفين راضين أنا لا ادخل فيما لا يعنيني فهذه مسألة خاصة بحزب الامة والمؤتمر الوطنى
    {بدأ الحزب الشيوعى متوجسا من اتفاق التراضى الوطنى ويعتبره تحالف ثنائى ما تعليقك؟؟
    ليس صحيحا مايقال أن الحزب الشيوعي بدأ متوجسا بالعكس طرحنا هذه المسألة فى قيادة الحزب ونوقشت على اعتبار أن حزب الامة من حقه أن يتفق مع اىة جهة لكن فى الفترة السابقة كان فى مشاورات فى كل القضايا بين الاحزاب السياسية وكان متوقعا أن الامة يخطر الاحزاب بأن هناك مفاوضات مع الوطنى قد تصل الى اتفاق بمعنى أن جيرانكم مشوا خطبوا لولدهم دون علمكم بالضبط ما قالوا ليكم اعزمونا ولكن سمعوا الزغاريد وماعارفين الحاصل شنو بالضبط هذا ما اخذناه علي الامة فنحن لا نتوجس اطلاقا من أي اتفاق ونحسم امرنا بهل الاتفاق يعنينا او لا يعنينا
    بعض الشيوعيين قد يكونوا توجسوا لكن عندما طرح هذا الموضوع فى الهيئة الحزبية فى سكرتارية اللجنة المركزية قلنا هذا شأن خاص بحزب الامة ومن خلال الممارسة سيتضح أن كان مافيه ايجابى اوسلبى ايضا هناك اشخاص فى حزب الامة قد توجسوا
    { هل يمكن أن يتحول التراضى الى قومى ويثبت فعاليته وسط الجماهير؟؟
    ليس بالضرورة مثلا جارتك عزمت ناس اهلها ممكن تلوميها تقولى ليها كان تعزمى كل الناس ما تفتكرى أن السياسة تختلف عن حياة الناس اليومية
    { هواجس الدولة الدينية عادة تطارد الشيوعيين مجددا بعد اتفاق البشير والمهدي لماذا؟؟
    نحن عشنا تجربة نميرى واعدام محمود محمد طه وقطع الايدي وتطبيق الشريعة لا نخشى الدولة الدينية كحزب ولكن الدولة الدينية باستمرار تثير الخلافات الدينية حتى ولو بين السنة والشيعة وعندما تبدأ الخلافات الدينية تكون مثل (الحبن) كلما يبدأ يعاود و(يتاور) مرة اخرى اى مثل تار ابو بكر الصديق فالدولة الدينية لاتشكل هاجساً بالنسبة لنا فنحن ننظر لها من ناحية التضييق على الحريات وتجربتها فى السودان جعلت دكتاتورية نميري تصل الى مداها النهائى فهو فجر الانتفاضة نحن فى السودان لا نخشى اى دولة دينية يسارية ديكتاتورية برلمانية كل انواع الحكم عشناها ونستطيع أن نقاومها جميعها
    { الحوار الثنائى بين الشيوعي والوطنى لماذا توقف؟؟
    توقف لانه فى اثناء الحوار حدث اشتباك بين الطلبة وقتلوا احدى الطلاب فى جامعة الجزيرة فما ممكن نحن هنا نحاور وهم هناك يحملون سكاكين فطلبنا منهم ايقاف الحوار لان هذا شئ مؤسف فالقاتل والقتيل طلاب وعزيزين على اهلهم وزملائهم وخسارة على البلاد لكن بالرغم من ذلك كان لازم للقضاء أن يأخذ مجراه فلماذ لانتعاون كى ننهى العنف من الحركة الطلابية فانا اعتقد ان المشكلة تكمن هنا يعنى لا يكفى أن نحزن او نطالب بقصاص او ننتقم أن الاوان أن نتعاون جميعا لاقناع الطلاب بالتخلى عن العنف فى الجامعات
    { صدر تصريح من الرئيس البشير فى الصحف ذكر فيه أن الشيوعيين غير مرتاحين فى الحوار معهم بدليل انهم اوقفوا الحوار عندما قتل طالب جامعة الجزيرة ما تعليقك على حديث السيد الرئيس؟؟
    ابدأ أنا انفى هذا الحديث واذا عادوا اليوم وطلبوا مننا استئناف الحوار سوف نستأنف الحوار معهم
    { بدأ نقد اكثر هجوما على مواقف الحركة الشعبية الاخيرة بشكل جعل البعض يردد مقولة أن نقد اصبح ملكيا اكثر من الملك بم ترد على ذلك ؟؟
    سألنى صحفى قال لى سلفاكير يتخبط والحركة تتخبط قلت له الاثنين يتخبطوا وفى النهاية سوف يرجعون الى مثل هذا الكلام والناس الذين التقيتهم من الحركة ناقشتهم وقلت لهم أنه مامن المصلحة كل مرة والثانية يوقفوا المحادثات فانا لم اهاجم الحركة واعتقد انها محتاجة لان تتطول نفسها ولا يمكن أن نتهمها بانها غير صبورة فهى صبرت على الحرب فنص الاتفاقية موجود والوسطاء موجودين وهناك اكثر من مجال لحل المشكلة وفى النهاية اتحلت عقدة هذا زعلان ودا طلع ودا ما اجتمع والمشكلة مازالت قائمة وأنا افتكر أن ناس الحركة ماكان من المفترض أن يكون صدرهم ضيف
    { لم يصدر الشيوعي موقفا واضحاً من هجوم حركة العدل والمساواة على امدرمان لماذا ؟؟
    كان رأينا واضحا وقد اخرجنا بيان صحفى صبيحة الاحداث يوم الاحد 11 مايو 2008 وابرزنا فيه رأينا وهو أن ما حدث من صراع مسلح امر مؤسف خاصة عندما يروح ضحيته ابناء الوطن الواحد سواء من القوات المسلحة او من القوات النظامية او القوات الاخرى او ابناء دارفور او مواطنى مدينة ام درمان اكرر أن مشكلة دارفور لا تحل بالنزاع المسلح او بنقل الصراع من دارفور الى ام درمان او الى اىة مدينة فى الاصل نحن ضد استمرار الحرب فى دارفور نفسها لذلك نحن نصر على قيام الحوار الدارفوري - الدارفورى بصورة ديمقراطية واشراك كافة قوى المعارضة باحزابها وتنظيماتها المختلفة صغرت ام كبرت مع المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية للتشاور فى الحل الديمقراطي العادل لقضية دارفور والتلكؤ فى عقد مثل هذه اللقاءات الجامعة هو ماجعل القضية تتصاعد بهذه الصورة ولا اري ضرورة الاستجابة لمطالب اهل دارفور المتمثلة فى الاقليم الواحد التعويضات العادلة ومحاكمة من اجرموا فى حق اهل دارفور ويجب أن لا تتخذ الحكومة الاحداث زريعة لحجر الحريات واشعال الحرب بين السودان وتشاد
    { على الرغم من اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الا أن الاوضاع الهيكلية والتنظيمة للاحزاب لا تزال ضعيفة مما يؤكد عدم استعدادها لخوض الانتخابات ماقولك؟؟
    فى الاسابيع الماضية شكلنا لجنة الانتخابات وعقد اجتماع لكل الاحزاب حول قانون الانتخابات وزودنا اعضاء الحزب فى البرلمان ونحن اكثر الاحزاب احتياجا للاستعداد المبكر لاننا لا نملك المال ولكن ليس بالضرورة أن يكون الاستعداد معلنا فهو فى الحزب فى الداخل والاستعداد سوف يأخذ مداه عندما يحدد تقسيم الدوائر فنحن لسنا غافلين عن موضوع الانتخابات ولكننا لا نملك المال اللازم لذلك نعوض قلة المال بتحسين التنظيم والعمل المنظم فانا لا املك الحق فى التحدث عن استعداد الحزب الاخرى مايهمنى هو الحزب الشيوعي


    http://www.akhbaralyoumsd.net/modules.php?name=News&file=article&sid=14950
                  

06-26-2008, 05:00 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    -: أيها الدول الغربية لقد انكشف المستور
    بتاريخ 10-6-1429 هـ
    القسم: لماذا؟/على يس
    [email protected]
    إن ما أفشى به عشر من اسرار ومعلومات حول عدوان حركة خليل ابراهيم على ام درمان يؤكد بدءاً ان الدول الغربية ينطبق عليها المثل الذي يقول (اسمع كلامك اصدقك اشوف عمايلك استغرب) وهذا تأكد من خلال ما قاله عشر من ان الحركة قد عقدت اجتماعات بالعاصمة التشادية مع مجموعة من السفراء الغربيين من بينهم السفير الامريكي حيث تم اخطارهم بنية الحركة القيام بعمل عسكري داخل الخرطوم للاطاحة بالحكومة السودانية.
    وهذا يؤكد ما يقال عن ان الدول الغربية حينما تصطدم المبادئ بالمصالح فانهم يرمون بالمبادئ بعيدا ويأخذون بالمصالح.
    الراحل محمود محمد طه كان شعار حزبه (الحزب الجمهوري) يقول (الحرية لنا ولسوانا)، اما هؤلاء فان الحرية لهم وحدهم وليست لسواهم، فهم يتحدثون عن ان مبدأهم الاساسي يرفض الاستيلاء على السلطة بالقوة اي عن طريق الانقلابات العسكرية الا انهم يقبلون ان تقوم حركة متمردة بغزو الخرطوم والاستيلاء على السلطة وتصفية عدد من رموز الحكم والمعارضة لا لشئ الا لان مصلحة هذه الدول الغربية التقت مع مصالح هذه الحركة الغوغائية.
    واذا ما تحدثنا عن عدالة هؤلاء فاننا نضرب مثالا لهذه العدالة بما يحدث في فلسطين السليبة فاسرائيل تحتل الارض وتنكل باهلها وتواصل قتلهم الكبير والصغير وتسومهم سوء العذاب بوتيرة يومية دون ان نسمع لا أقول كلمة استنكار بل كلمة (عتاب) رقيقة على هذه الفظائع التي ترتكبها حليفتهم المدللة اسرائيل.
    والمحزن والمبكي ان اصحاب الارض المحتلة والعرض المنتهك هم في شرعهم (ارهابيون) والمغتصب برئ وحمل وديع.
    فهل بعد كل هذا يستطيع هؤلاء القوم المخادعون ان يقنعونا بانهم اهل ودعاة للحرية والديمقراطية وحقوق الانسان؟


    http://www.akhbaralyoumsd.net/modules.php?name=News&file=article&sid=14859
                  

06-26-2008, 05:11 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    في وداع عثمان حسين الفنان

    د.محمد محمد الأمين عبدالرازق
    العلاقة بين الإسلام والفنون في معالجة النفس البشرية
    ان اكثر ما يميز العمل الفني، ويجعله آسراً هو قوة الالتقاء بين الفكرة والواقع على ارضية اللحن المنسق المهذّب.. هذا الوسيط اللحني هو الذي يبعث المتعة داخل النفس، ويجعلها تتفاعل مع المعاني المناسبة مع الفكرة بصورة تلقائية لا فكاك منها.. وهذا هو السبب في التوجيه النبوي بترتيل القرآن وتلحينه، فقد جاء في الحديث: "من لم يتغنَّ بالقرآن فليس منا"، وجاء أيضاً: "ما أذن الله لشئ إذنه لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن".
    إن التناسق والانسجام بين الفكرة واللحن والواقع، تجده ملازماً لجميع اغنيات الفنان عثمان حسين، ولأن الواقع الذي تنطلق منه الكلمات مشترك بين جميع السودانيين لتشابه العادات والتقاليد والبيئة، فقد وجدت هذه الأغنيات تفاعلاً متفرداً عند كل رجل وكل امرأة، فكأن عثمان حسين قد لامس بحسه الفني مشاعر كل إنسان، ودفع في نفسه قدراً من الهدهدة والراحة النفسية، مما جعله مديناً له، وهو لا يجد ما يكافئ به هذا الدَّين الإنساني، ولعل هذا هو السر في تدافع السودانيين على اختلاف مشاربهم يوم تشييع جثمانه لتقديم شئ من الواجب، انطلاقاً من ذلك الحب الدفين. اكثر ما لفت انتباهي مشاركة النساء في التشييع، فقد جاءت في المقدمة السيدة تابيتا بطرس، وعند لحظة الدفن اصطفت بعض النساء خلف الرجال حتى انتهت المراسم.. هذه الظاهرة الحضارية ليست امراً عفوياً، وإنما هي نابعة من احساس انساني عميق، فقد كان الفقد فقداً عاماً يعني كل فرد وليس اسرة الفقيد وحدها.
    لقد تغنى الأستاذ عثمان حسين بكلمات الشاعر اسماعيل حسن في بواكير أعماله "عارفنو حبيبي وعارفني بحبو** دا حرام عليكم تقيفوا في دربو** حارمني ليه؟ والله بحبو" ويقول فيها: "يوم الحق هناك يا الواقفين في بابو** يوم يسألكم الله يا الناسين حسابو** حارمني ليه؟ ليه والله بحبو"، ويقول: "وين درب السعادة؟ يا الباكين دلوني لحالي** دلوني عليها انا ساهر ليالي* حتى لو بعمري أو بالروح مالي** حارمني ليه؟ يه والله بحبو".. عندما تتابع هذه الأغنية مع اللحن تجدها نموذجا لتكامل عناصر الإبداع الفني، فالمشكلة هي مشكلة كل انسان في ذلك الزمان خاصة المرأة، والأداء يعبر عن الحال بأبلغ ما يكون، لذلك كانت هذه الأغنية على عهدها على لسان كل محروم.. والحرمان ليس له سبب في أغلب الأحيان سوى الجهل والعادات والتقاليد الموروثة.. ولشدة ارتباط تلك الأغنيات بالواقع داخل المنازل صارت اكواب الشاي تسمى (عثمان حسين).
    وفي مثال آخر تجد ان الحس الإنساني في كلمات الشاعر عوض أحمد خليفة قد طغى على الحس العاطفي، فالشاعر يعبر عن تفاعله المتدفق مع الجمال رغم علمه بأن الطريق إلى المحبوب ليس فيه بصيص أمل ولا قسمة: "من قلبي من أجل المحبة وهبت ليك شعر الغزل** مع إنو قدامي الطريق انا عارفو يا السمحة انقفل"..
    وعندما تستمع إلى اغنيات الشاعر حسين بازرعة، تجد انها تناولت كل ما يجيش بالنفوس من احاسيس، وتفاعلت مع تفاصيل حياة كل انسان في طرف من اطرافها:
    "في حياتي قبلك انت عشت قصة حب قاسية
    لسه ما زالت في قلبي ذكرياته المرة باقية
    لما هليت في وجودي قلت بيك سعادتي بادية
    لكن انت هدمت املي بعد لحظة ندية هادية"
    ان الجموع التي حضرت التشييع كان لسان حالها يردد: "طرفي اذا تأمل في حسان المواكب* وضياء الكواكب والبدر المكمل* برضي اراها دونك بل وحياة عيونك انت لطيف وأجمل".. وقد صار فناننا (لطيفاً) بدخوله عالم الأرواح البرزخية، و(أجمل) بما تركه لنا من ألحان نرتاح بها من هجير الحياة المعاصرة.
    على خلفية هذه المقدمة ندلف على شئ من الفكر حول الإسلام وعلاقته بالفنون وأثر ذلك في ترقية النفس البشرية نحو مقام إنسانيتها.
    ما هي الفنون؟
    الفنون هي عبارة عن وسائل التعبير عن ملكة التعبير في الإنسان.. وملكة التعبير في الإنسان أعمق من مجرد انها عمل فكري، فهي في الحقيقة الحياة. إن ملكة التعبير في الإنسان هي الحياة، وكل حي معبر، حتى في الحيوات الدنيا، وتعبيره بالحياة في الحياة هو حياته نفسها. ولذلك فإن الحي عندما يأكل أو يتناسل أو عندما يفر من الألم، ويحاول تحصيل اللذة، هو في كل ذلك معبر. معبر في حياته بحياته وهو كليته تعبير, لكننا لا نطلق عبارات الفنون على الحياة على درجاتها الدنيا، حيث تعبر بكينونتها كلها، وإنما نطلقها على وسائل التعبير، عن ملكة التعبير في الذهن البشري، في الفكر. الإنسان حيوان مفكر، هذا التعريف اصح من القول بأن الإنسان حيوان ناطق، وذلك لأن جميع الحيوانات ناطقة، وبالفكر ارتفاع الإنسان عن الحيوان ارتفاع مقدار وليس ارتفاع نوع.. فالإنسان في أطواره السابقة قبل ان يكون معبرا باللسان، كان يعبر بلسان حاله، ثم صار يعبر بلسان المقال بعد دخول الفكر في المسرح، وبذلك اصبح منقسماً بين التعبير القديم بلسان الحال، وبين التعبير الذي جد بظهور الفكر وهو لسان المقال. في هذا المستوى يبرز دور الفنون في ان ترتفع بعقل الإنسان، وتزيد من حيله، وتوسع من خياله، وتضبط فكره وتدققه، وتفتح ينابيع عاطفته إلى الحد الذي يجعل تعبيره بلسان المقال في مساواة لتعبيره بلسان الحال. فكأن العقل والجسد في كفتي ميزان.. الجسد لا يخطئ وإنما يعبر عن مكنوناته في انسياب تلقائي. ونحن بوسائل التعبير والتمرين، نحاول ان نرفع عقولنا إلى درجة الانضباط الذي به لا تخطئ، حتى لكأننا نهدف إلى ان نوزن كفتي الميزان؛ الأجساد والعقول.
    هذا هو موضوع منهاج الإسلام العلمي المعروف بالسنة النبوية، فالإسلام والفنون هنا يشتركان في انهما اسلوبا تعبير للحياة، بهما يزيد عمقها واتساعها، بيد ان اسلوب الإسلام اشمل وأعمق وأبعد مدى من اسلوب الفنون، وقد وردت الإشارة إلى الأسلوبين في الآية الكريمة "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق أو لم يكف بربك انه على كل شئ شهيد".
    فالفنون تعنى بآيات الآفاق وآيات النفوس، ولكنها تركز على آيات الآفاق، اما الإسلام فإنه يركز على آيات الآفاق ويتخذها مجازاً إلى آيات النفوس، وعنايته بهذه خاصة في أخريات مراقيه اكبر وأعظم.
    يقول الأستاذ محمود محمد طه في كتابه (الإسلام والفنون):
    "وغرض الموسيقى من اللحن المنغم، المتسق المهذب الحواشي، ان توجِد في داخل النفس البشرية، نوعاً من التنغيم، والاتساق والتهذيب، يحل محل التشويش، والنشاز، الذي يعتمل فيها. هذا هو السر في الراحة التي تجدها النفس عند الاستماع إلى قطعة من الموسيقى الراقية، ومع ذلك فإن الموسيقى، في جميع مستوياتها قاصرة عن تأدية هذا الغرض الا فئة قليلة جداً من الناس.. وهي حين تؤديه انما تؤديه في حد ضيق جداً، وذلك يرجع لسببين رئيسين، اولهما: ضيق نطاق الأصوات الذي تعمل فيه الموسيقى، اذا ما قورن بالأصوات من الحركات التي هي موروث النفس البشرية في منازلها المختلفة التي اوردنا إليها الإشارة. وثانيهما: هو ان الموسيقى لا تملك منهاجا يقوم بترويض النفس وتدريجها، حتى تستطيع ان ترتفق بالموسيقى الراقية فتحقق بسماعها قدراً من التنغيم الداخلي، والمواءمة..".
    لا بد ان نؤكد في ختام هذه الكلمة ان الفنون حلال في اصل الإسلام، والتحريم الذي ورد في الشريعة السلفية لبعض الفنون السبب فيه هو ان الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام، فحرمت الشريعة الرسم والصورة والنحت حتى لا ينبعث حنين في داخل النفوس إلى عهد عبادة الأصنام، والآن اختفت هذه العلة بل صارت الفنون تدل على عظمة الخالق وإبداع خلقه.. ولذلك انتفت الحرمة بانتفاء اسبابها.

    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147530336&bk=1
                  

06-26-2008, 05:16 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    العنف وفقدان الذاكرة المؤسسي:

    د. عبدالباسط ميرغني
    كأي حدث جلل من شأنه أن يقطع روتين الحياة اليومية، جاءت أخبار استباحة مدينة أم درمان، وسادت متفرقات العنف اللفظي، لتعيد طرح الأسئلة المهمة حول العنف والعنف المضاد في مجتمعنا المعاصر. من الصعب الحديث عن العنف كظاهرة سياسية أسرية مجتمعية في غياب الأرضية والبيئة الحاضنة لنمو العنف، وهي ذات العوامل التي تطرقنا لها عند تناولنا سايكولوجية العنف وملامح تدمير الذات في مقالات سابقة. وما زلنا عند رأينا بأن تلك العوامل تتمثل مفاهيمها الاقتصادية والاجتماعية العامة وتتمحور في: غياب العدالة الاجتماعية، تفشي الإفقار والحرمان، التهميش، والإقصاء المنهجي، وقد ذكرنا حينئذِ بأن كل هذه الضغوط قمينة بخلق شرخ يؤدي للانقسام عن منظومة القيم السائدة، وتناقض القيم المعلنة مع واقع الحال، والحرمان من الكينونة المرتجاة.
    وها هي الأحداث تأتي مسرعة لتؤكد بأن العنف حقيق بأن يفرز سلوكه وعاداته وتقاليده وقيمه في المجتمع، وأول ما يبدأ هذا السلوك يبدأ خافتاً في النفوس، ولأن ذاكرة المجتمع انتقائية يطفو عليها ما هو متفجر ومشحون ومتوتر، ويلف النسيان ما هو عقلاني ومنطقي ومتروٍّ، وهذا بلاوعي يساوي بين السبب والسببية. وقد ذكرنا بأن العنف لم يأتِ من فراغ، فاستباحة مدينة أم درمان كانت قبل ميلاد العنف بزمن طويل، فكل من ساهم في تأجيج نيران الحرب والصراع الإثني والطائفي والجهوي ساهم من حيث لا يدري في صناعة العنف. الحروب الأهلية في منظورها الختامي هي حروب عبثية ليس فيها منتصر أو خاسر.
    تؤكد الحياة اليومية أن السلوك العدواني يؤرخ لفشل العقل في استنباط ذاكرة راتبة مما يجعلنا نعيد إنتاج الأزمة بتكرار رتيب. نعيد سرد الأحداث برتابة لنعيش مكسورين مقهورين مهزومين، نتعجل القفز لمرحلة ما بعد الصدمة، ونهمل تفكيك مفردات العنف الانتقامي في حالة الهزيمة، وهذا نتاج طبيعي لثقافة التعصب وضيق الأفق المدمر في الحياة اليومية اللاسوية. نعلم أن الحقد هو من أحقر المشاعر الإنسانية ونمارسه دون مواربة، وهذه ما يعرف بمرحلة اختبار السجية، حالة أن نجعل المذنب يموت بذنبه، حالة أن نساوي بين الجلاد والضحية، نغرق في براثن الهوس الغريزي للنزعات العدمية، الحكاية والحدث وما يفرضانه من شكل مميز في الذاكرة وجروحها، ومن ثم يتطور تجاه الفئات المستضعفة في المجتمع معبراً عن غرائزه اللاسوية، وهذا ما يفسر الهلع والجشع الذي يرتبط بالثروة والسلطة، وهما بمثابة المادة الخام لصناعة الغضب وإثارة السلوك الانفعالي، فما يسمى بصراع الهيمنة على مقاليد الأمور. حتى لا نحجم القضية بتعبير (الأمن القومي) تمعن في تاريخ النزاعات نراها ماثلة في مناطق تشكو من غياب التنمية (الجنوب – الغرب - الشرق)، وهذه قضية سياسية تصب في مفهوم العدالة والمساواة، كما تتأثر سلباً بالنظرة القاصرة التي سادت معظم المفاهيم البالية في الهيمنة والإذلال وعدم احترام الحقوق، وهي ذات الرؤية الكولونيالية في سياسة كسر العظم؛ تلك التي شكلت الصراع حول النفاذ إلى، والسيطرة على الموارد الطبيعية، وأضحت مصدراً ثابتاً للنزاعات طوال التاريخ البشري. وكما هو مدرك تماماً فإن التنافس على السلطة، كان ولم يزل، أحد العناصر التي أدخلت متلازمة جديدة فى التنمية الإنسانية عرفت بالإفقار والحرمان الإنساني، وتركت قطاعات ضخمة من المواطنين ضحايا لنذر العنف الاجتماعي بينما يبقى الناس العاديون فى المدن في حالة غبن صارخ خارج مدى التمتع بالحريات المدنية والسياسية.
    بقراءة نفسية تتأكد الرؤية القائلة بأن نزعة الهيمنة تعتبر بمثابة نوع من السيطرة العرقية وطمس الهوية والشخصية الوطنية؛ نذكر إصرار الإنجليز في إجبار المواطنين على إنكار سودانيتهم كقومية والتمسك بالقبيلة كمرجعية عصبية، سياسة المناطق المغلقة، وتطور هذا السلوك بفتح الباب كمدخل للتنافس على الموارد والدفاع عن مصالح ما وراء البحار من خلال كسر التماسك النفسى لأفراد الأمة. وانظر عدوانية الاستعمار البريطاني في محاربة السلوك المسالم للمهاتما غاندي في الهند، ومحاربة داعية الحقوق المدنية مارتن لوثر كنغ في أمريكا، التنكيل بقادة ثورة 1924م، والبطش بأول إضراب سياسي لطلاب كلية غردون بالخرطوم في 1931م، ومآلآت ذلك العنف وأثره اللاحق في تصاعد الوعي الوطني، وتصاعد الحركة الوطنية، مما أدى لتنظيم حركة الخريجين وتأسيس مؤتمرهم.
    وفي فترة لاحقة انظر للتردي السياسي والنكوص الشنيع في اغتيال خصلة التعايش الفكري في شخص المفكر محمود محمد طه، ثم أمعن النظر في سياسة كسر العظم للقوى المناهضة لسياسات الإنقاذ في مراحلها الأولى التي تعورف عليها ببيوت الأشباح، وأمعن النظر مرة أخرى لما يجري الآن من حركة الوعي بالحقوق المطلبية والعنف الممارس في قمع تلك الحركات المطلبية المشروعة المسالمة في مهدها بعنف غير مبرر لا يتسق مع اتفاقية السلام الشامل التي كفلت حق التعبير والتجمع السلمي، مما يوضح الفارق والتناقض بين القيم المعلنة والواقع (كل شخص له الحق في حرية التعبير-1-6-2- 7 الخصوصية - حقوق الإنسان 1-6)، هذا الواقع يعطي رسائل سالبة تفهم بأنه لا أمل في التداول السلمي للسلطة، وإنما تأخذ عنوة. مثل هذا الابتسار لاتفاقية السلام الشامل يؤدي الى تفاقم الإحباط والغضب والشعور بالغبن الذي ربما ينفجر في بركان عنف مدمر أكثر حدة من استباحة أم درمان في صباح ذلك اليوم المشؤوم، هذا مما يستوجب اليقظة والارتقاء بالمقومات الثقافية لتفسير ظاهرة العنف السياسي بعد ثلاثة أعوام من توقيع اتفاقية السلام الشامل.
    إن تنظيم آليات الذاكرة تساعد في السيطرة على العنف على الصعيد الوطني، ولا يتأتى ذلك في مرحلة سيادة الأفكار الشمولية، بل هو من الاستحالة بمكان. لأن أصحاب الأفكار الشمولية سوف يتشبثون بما كسبوه في فترة غياب الحقوق وسيادة الولاء قبل المواطنة؛ تلك المكتسبات الرخيصة سوف تشحذ من آليات الدفاع التي تتوجه لتحطيم الآخر، وهذه المرجعية هي ما تحفز وتؤهل إنسان البدو والحضر في السودان، أن يعيشا بامتلاء يشحذ آليات الدفاع النفسي الذي يحصنهما من تدمير الذات، وإعمال الإبدال في السلوك، بما يحقق التماهي السايكولوجي والتوافق مع الواقع.
    من جانب آخر، إن الخوف من فقدان الذاكرة ربما يفضي إلى الشعور بالكرب والإحباط وعدم الملاءمة والقلق أو التوتر لدى الأفراد، كما يؤثر على العلاقات مع الآخر، وهذا بدوره سوف يؤدي إلى فلذة من فلذات سلوك العنف والعنف المضاد، مما يتناقض مع مطالب المجتمع العريض التي تستوجب المؤازرة وفق أهدافه وعاداته، هذا ما يؤكد بأن العنف (سُلفة) مستحقة ودين واجب السداد. وبما أن المساواة قيمة مقدسة، حسب الدستور، والقيمة في حد ذاتها جزء من العرف غير المكتوب وهو ما يستبطنه كل فرد لبناء لغة موازية مختلفة وضرورية للتعرف على الذات وقوة الدافع للتعايش، نفس هذا المنطق الداخلي المتماسك يتوقع دورا فعالا للدولة يدرء خلق الفوضى التي تؤدي لاختلال معاني القيم، وإذا ضربت منظومة القيم فالفوضى والدمار لا محالة واقعان.. فهلا تنادينا من أجل ذاكرة مؤسسية في حياتنا العامة والخاصة؟.


    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147530578&bk=1
                  

06-26-2008, 05:19 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    الدستور

    الدستور: هو الذي يبين شكل الدولة ونظامها الأساسي ونظام الحكم فيها كما أن الدستور هو المنظم للسلطات العامة التشريعية والقضائية والتنفيذية من حيث تكوينها واختصاصها وعلاقتها ببعضها البعض.
    إن الدستور هو الذي يقرر حقوق الأفراد وواجباتهم وحرياتهم (حقوق الإنسان) ويضع الضمانات الأساسية لهذه الحقوق والحريات.
    إن الإسلام (أصول القرآن) بتطوير التشريع بالانتقال من آية إلى آية داخل المصحف تحقق كل ما ذكر عن الدستور بل الإسلام له منهج تعبدي يحقق ما تقدم بصورة لم يسبق لها في التاريخ. وذلك بالالتزام بعمل منهاج النبي صلى الله عليه وسلم في العبادة بصدق وإخلاص يجعل المواطن هو الرقيب على نفسه في أقواله وأفعاله وبالتالي يكون المجتمع الذي يتكون من الأفراد الذي يتبعون المنهج النبوي مجتمعاً مراعياً لحقوق الآخرين وملتزماً بواجباته وبالتالي لا يفرط في حقوقه ، ويعرف أن الحرية مسؤولية في القول والعمل ويعرف ان حريته تنتهي حيث تبدأ حرية الآخرين.
    إن الإسلام في أصوله يوحد بين جميع البشر لأنه جاء يخاطب كل الناس (يا أيها الناس ، يا بني آدم) أما الشرائع فإنها تفرق بين الناس لأن كل رسول أرسل بتشريع يحل مشكلة من أرسل إليهم. (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (إبراهيم : 4).
    أما الدين فيوحد بينهم وكلمة الدين هنا تعني التوحيد (لا إله إلا الله) وقال تعالى : (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ) (الشورى : 13).
    إذن التوحيد هو الذي ما تحتوي عليه آيات أصول القرآن التي لم يقم عليها التشريع وهي مدخرة لوقتها وهذا السر في ختم النبوة وإنزال القرآن (الإسلام).
    لأن كل ما أراده الله للبشر بالمصحف ولكن المصحف لا ينطق وإنما ينطق عنه من اتقى الله وعلمه الله مثاني ومعاني والقرآن . (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا) الآية (طه : 114) (وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (البقرة : 282).
    وتزعم أنك جرم صغير ** وفيك انطوى العالم الأكبر
    يذهب المرء ويبقى ذكره الحسن (الحرية لنا ولسوانا).
    ملحوظة راجع كتابة الرسالة الثانية من الإسلام للأستاذ محمود محمد طه.
    الهادي حمد احمد علي
    معلم بالمعاش


    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147530701&bk=1
                  

06-26-2008, 05:21 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    المنهج الأصولي السلفي يشوّه الإسلام وشريعته
    طه ابراهيم المحامي
    القانون الجنائي للترابي نموذجاً (1 - 2)
    في الثلاثة قرون الأولى للهجرة شمخ المسلمون العرب والمستعربون، وأشعلوا عقولهم، وشحذوا هممهم، وفجروا كل طاقات الإبداع لديهم، فكانت ثورة تشريعية كبرى جسدت فيما عرفت فيما بعد بمنظومة الشريعة الإسلامية، ثم بدأ الإنحدار الى التخلف والجمود لأسباب ليس هذا محلاً لذكرها، وعند اكتمال القرن الرابع للهجرة فقد المسلمون عرباً وأعاجم كل قدراتهم على التفكير، وضعف مستوى إدراكهم، وتحجرت عقولهم فبدأوا يجترون إبداعات السلف المتمثلة أساساً في اجتهادات الأئمة الأربعة الكبار، ومن حاول منهم ان يجتهد فإنه تقيأ سخافات لا يجوز ذكرها، ولهذا وصيانة لهيبة الإسلام والشريعة إتفق على تقرير قفل باب الاجتهاد، وعلى الناس ان يكتفوا بما قال به السلف، وإن عرضت عليهم مستجدات فعليهم عرضها على فقه السلف ومعاييره وأصوله، ومحظور الإتيان بأي فكر جديد أو إجتهاد مخالف لأنه سيوصم بأنه ضلالات وبدع وزندقة وكفر، ولم يكن الأمر خطيراً في ذلك الوقت لأنه عندما قفل باب الاجتهاد كانت كل الاجتهادات لاتزال في وسع الناس، ولكن قفل باب الإجتهاد أدى الى تجميد الشريعة، إذ تحجرت عقول الناس، وضرب عليهم الجمود، ومرت القرون والعالم يتغير خاصة في اوروبا، وتظهر حضارة جديدة، مختلفة نوعياً عن الحضارة التي شيدها المسلمون، فقد تطورت العلوم الطبيعية والإنسانية تطوراً هائلاً، واخترعت التكنولوجيا، وصاحب ذلك ثورات عارمة قادتها شعوب أوروبا للإنعتاق من سيطرة الكنيسة والخرافات، وصاحت الجماهير تنادي بالحرية والإخاء والمساواة، وجاء في قمة هذا النداء إعلان إبطال الرق بل وتجريمه، وتحررت المرأة من قيود العبودية للرجل، يحدث كل هذا والعالم الإسلامي (محلك سر)، يجتر اجتهادات الأئمة الأربعة التي صيغت بإقتدار حسب وسع مجتمعهم، سواء وسعه العقلي أو الإقتصادي أو الحضاري أو الإجتماعي لأن هذا هو حكم القرآن ان الله لا يكلف نفساً إلا وسعها.
    جاءت الحملة الفرنسية الى مصر فأحدثت صدمة مدوية، وجاء محمد علي يرسل بعض مشايخ الأزهر الى أوروبا، فهالهم ما شاهدوه، وعاد الشيوخ الى مصر وهم على قناعة بوجوب أن تتحرك مياه الشريعة المجمدة فطالبوا بفتح باب الإجتهاد بأمل أن تلد أمة المسلمين ائمة جدداً يتجاوزون في قدراتهم على الإجتهاد ائمة السلف. لأن عصرهم أكثر علماً وتطوراً من عصور السلف، ولكن للأسف فإن الفقهاء العاطلين من أية قدرات عارضوا الدعوة لفتح باب الإجتهاد لأنهم لا يتصورون إمكانية تجاوز أئمة السلف، وعندنا في السودان عندما ولد لنا مجتهد مقتدر بغض النظر عن صحة اجتهاده هو الشيخ محمود محمد طه قتلوه.
    ائمة السلف ولأن التكاليف التي جاء بها الإسلام جاءت على قدر وسع الناس في ذلك الزمان، كان من إبداعاتهم ان بدأوا بتحديد تلك التكاليف في القرآن والسنة والإجماع، وكان اقتداراً منهم ان استخدموا القياس على أحكام تلك التكاليف لأنها جميعها كانت تعبر عن وسع الناس، ولهذا صاغوا مقولتهم الشهيرة ان معيار صلاحية النص للتطبيق هو وروده بسند قطعي ودلالة قطعية أو إنه استخلص من هذه القطعيات ومتى ثبتت قطعية النص فإنه واجب التطبيق في كل زمان ومكان، ائمة السلف لم يتصوروا انه سيأتي يوم تتغير فيه حياة الإنسان تغيراً نوعياً عن الحياة التي كانت موجودة في زمانهم فهم لم يتصوروا انه سيأتي يوم يبطل فيه الرق، ولا يكون لديهم جواري وإماء، ولم يتصوروا ان الجهاد بالسيف سيبطل، ولم يخطر ببالهم ان يوماً سيأتي يسمح فيه بحرية الدين والعقيدة، فعندهم من بدل دينه أو فهمه لدينه يقتل، ولم يتخيلوا سيادة حرية التعبير أو حرية الفكر، أو أن تكون هناك مساواة خاصة بين الرجل والمرأة أو أن تصنف العقوبة الحدية بأنها تعذيب، لها كان تصورهم ان هذه النصوص ستظل واجبة التطبيق في كل زمان ومكان إلى يوم الدين، خاصة انهم كانوا يرون ان هذه النصوص تغطي كل ما ينزل بالإنسان، فالشافعي يقول في كتابه الرسالة صفحة 477 (كل ما نزل بمسلم ففيه حكم لازم أو على سبيل الحق فيه دلالة موجودة.. فالقول بغير خبر ولا قياس لغير جائز) ويوضح ذات القضية الفقيه إبن حزم في كتابه الأحكام في أصول الأحكام بقوله (وكل هذا يبطل ان يكون للعقل مجال في حظر أو إباحة أو تحسين او تقبيح وان كل ذلك مسطر فيه ما ورد من الله تعالى في وحيه فقط).
    وتجدر الإشارة هنا ان ائمة السلف اعتبروا ان كل المنظومة صارت قطعيات لأنها صارت معلومة من الدين بالضرورة، وانها كلها جاءت وفق وسع الإنسان، ويقصدون بالإنسان هنا مطلق الإنسان لأنهم لم يتخيلوا ان الإنسان سيأتي عليه يوم لا يسافر بالإبل والخيل، ولهذا لم يتخيلوا إمكانية تغيير أحكام قصر الصلاة في السفر، أو انه لن يوجد رقيق يعتق ككفارة أو عقاب، أو إماء وجواري يشترين بدلاً من الزواج إلخ.
    العقوبات عند عرب الجاهلية:
    العقوبات عند العرب هي أعراف أفرزها وسعهم الإجتماعي والإقتصادي والحضاري والعقلي، فالعرب لم يتبنوا عقوبة السجن لأنهم قوم رحل، وحتى المدن التجارية القليلة التي نشأت كانت تديرها القبائل وفق الأعراف السائدة، إذ لم يكن في وسعها بناء مؤسسات عقابية او تمويلها - مبانٍ وحرس وإعاشة سجناء، هذا بالرغم من ان مؤسسة السجون كانت معروفة لدى الإمبراطوريات المحيطة بالعرب، وقصة صاحب السجن معروفة، ولهذا نجد ان السمة الأساسية في عقوباتهم انها تنتهي فور توقيعها، فالجاني يجلد أو يقطع أو يرجم وتسير القافلة، ولا يبقى أحد ليكون مسؤولاً عن الشخص الذي عوقب.
    وتجدر الملاحظة هنا ان مجتمع العرب كان مجتمعاً عبودياً، يلعب الأرقاء فيه أدواراً مهمة في رعي الإبل، وفي شحن وتفريغ القوافل، وكان الرقيق متوفراً لأن غزو القبائل الأخرى واسترقاق أطفالها ونسائها كان عملاً ليس فقط مشروعاً بل يعد عملاً بطولياً يفتخرون به وينشرون المعلقات في الإشادة به، والغزو يعني ان تنهب الناس جهاراً نهاراً عنوة واقتداراً، وتسبي نساءهم وتحولهم الى إماء وجواري، ويسترق رجالهم، وكل هذا لم يكن يعد من الجرائم، فالجرائم عندهم هي الأفعال التي ترتكب خلسة وفي الخفاء، ولهذا يأنف الإنسان العربي الحر من ارتكاب مثل هذه الأفعال، ومن ثم كانت الجرائم في الأغلب الأعم ترتكب بواسطة الرقيق، والرقيق عند العرب كان يعتبر سلعة وشيئا، ولهذا فإن دله أو قطعه أو رجمه كان ضرورياً لردع بقية الأرقاء، أما العربي الحر إذا أراد أخذ مال فإنه يأخذه عنوة واقتداراً، ولهذا لم يضع العرب عقوبات القطع على جرائم أشد خطورة من السرقة كجريمة النهب أو خيانة الأمانة، وتبعتهم الشريعة في ذلك، فخائن الأمانة في الشريعة لا يقطع ومثله من يرتكب الإحتيال أو الإمتلاك الجنائي أو الإبتزاز.
    ماهو أصل فكرة العقوبة؟
    أصل فكرة العقوبة عند عرب الجاهلية وكذلك عن الأقوام البدائيين هو تطبيق مبدأ المماثلة الذي يفهمه العقل البدائي، والمماثلة هي ان تفعل في الجاني مثل ما فعله بالمجني عليه، ونموذجها عقوبات القصاص، وتماثلها عقوبة قطع اليد التي تمتد للسرقة أو اليد والرجل لقاطع الطريق، وهناك مصدر آخر للعقوبة هو وجوب إيلام الجاني والتشفي منه وردعه والإنتقام منه جراء ما فعله بالمجني عليه، ولهذا كانوا في كثير من الأحيان يستمتعون بتعذيب الجاني، مثل ما كان يفعل الرومان عندما يلقون بالمجرمين والكفرة الى السباع الجائعة في الكلزيوم (الإستاد) وهم يهللون ويتصايحون معبرين عن أقصى درجات البهجة والنشوة.
    ونزل القرآن بمنهجه بأن لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ووجد القرآن بمنهجه بأن لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ووجد ان وسع العرب واعرافهم أفرزت عقوبات الجلد والقطع والقصاص والرجم، فلم يكونوا يطيقون إلزامهم بعقوبة السجن، فأقر العرب على هذه العقوبات خاصة وان عرب الجاهلية لم يكونوا يعرفون لماذا يرتكب الإنسان الجريمة، إذ يعتبرونها تعدياً مطلقاً من الجاني يستوجب العقاب الرادع، كما انهم لم يكونوا يعترفون للرقيق بأية كرامة فهو سلعة وشئ، ولهذا فإن إذلاله وإهانته بعقوبة الجلد لم تكن تشكل مصدراً للإحتجاج، بينما يستحيل عندهم ان تجلد انساناً حراً وإلا هبت قبيلته في وجهك لتمزقك إرباً، ولهذا قلنا بأن عقوبة الجلد كانت مخصصة لتأديب الرقيق أو من في وضعهم كالخلعاء والضعفاء ممن ليست لهم قبائل يحتمون بها.
    دار الزمان دورات هائلة وتغير وسع البشر العقلي والحضاري والإجتماعي وعرف الإنسان لماذا يرتكب الإنسان الجرائم، ولهذا ابتدعوا عقوبات تساعد الجاني للتخلص من دوافع إجرامه، فحولوا السجون لكي تكون مؤسسات للإصلاح والتهذيب والتأهيل المهني، وأقاموا إصلاحيات للصبية، وابتدعوا أنواعاً عديدة من الخدمات الإجتماعية كعقوبات، وكذلك ابتدعوا الزام الجاني باداء أعمال يدوية في مواعيد تجعله فرجة لكل الناس، وهي أقسى أنواع العقوبات الإجتماعية، وصاحب كل ذلك الغاء نظام الرق والاعتراف للأرقاء بالكرامة والمساواة مما دفع الإنسان في مؤسساته الدولية بان يصدر مواثيق حقوق الإنسان التي تحرم الجلد باعتباره عقوبة أو معاملة تشكل تعذيباً فضلاً على انها مهينة وحاطة بكرامة البشر، وأدانوا عقوبات القطع والرجم والقصاص فيما دون النفس باعتبار انها عقوبات تشكل تعذيباً بشعاً، فضلاً على انها عقوبات لا انسانية ووحشية وحاطة بكرامة الإنسان.
    هكذا أدى تغير وسع الإنسان الى صيرورة عقوبات عرب الجاهلية ليست في وسع الإنسان اليوم، أي ان الإنسان لم يعد مكلفاً بتنفيذها لأنها ليست في وسعه ومن ثم فإن حكمها صار منسوخاً وإن بقى رسمها في القرآن.
    الشيخ حسن لم يلتفت الى كل ما حدث في تاريخ البشر طوال الألف عام الماضية، فهو لا يفكر لأن منهج الأصولية السلفية لا يسمح بالتفكير، هكذا رأينا حكومة طالبان، ومعهم شيخهم بن لادن كيف نفذوا بالحرف كلام السلف، عندما اتيحت لهم فرصة الحكم وتطبيق منهجهم، فالترابي لا يختلف عنهم مطلقاً، فهو مثلهم تماماً فقط هناك اختلاف درجة وليس اختلاف نوع في إطار الاختلافات التي عبر عنها الائمة الأربعة، أما الأصل فهو واحد انه وجوب تطبيق النصوص القطعية السند والدلالة في كل زمان ومكان.
    ولابد أن أذكر القارئ بأن هذه القاعدة الأصولية لم ينزل بها سلطان من السماء، بل هي ابتداع من الفقهاء الأصولين السلفيين، وقد أخذوها من علم اللغة الذي يجعل معيار إعتماد اللفظ أو المعنى في اللغة هو وروده بسند قطعي ودلالة قطعية لدى المتحدثين باللغة المعينة، وعندها يصير اللفظ صالحاً في كل زمان ومكان يوجد فيها أناس يتحدثون تلك اللغة فكلمة أسد التي تشير الى حيوان محدد إعتمدت في اللغة لأنها جاءت بأسانيد قطعية، وكانت دلالتها مجمعاً عليها لدى المتحدثين باللغة، ومن ثم فإننا مثل عرب الجاهلية مانزال نطلقها على ذات الحيوان.
    يجدر ان نلفت النظر بأن وسع الإنسان قد تغير تماماً بالنسبة للعقوبة ولكنه لم يتغير بالنسبة للجريمة إلا في حالات قليلة، فالقتل والسرقة والزنا والسكر وتسبيب الأذى والجراح وإتلاف عضو الإنسان وغيرها كانت جرائم، وهي لاتزال جرائم حتى الآن، أما الذي اختلف فهو العقوبة، فقد رأينا كيف طور الإنسان عقوبات اختلفت نوعياً عن عقوبات عرب الجاهلية لأن وسعه العقلي والحضاري والإنساني قد تغير واستوجب تغيير التكليف بالنسبة للعقوبة.
    شيخ حسن يعود بالسودان ألف عام الى الوراء:
    لقد كانت الشريعة الإسلامية من أكثر المنظومات القانونية سرعة في النمو والتطور، فقد كان الأئمة وأصحابهم وتلاميذهم يعملون كالنحل في تطوير الفقه، ومن أهم إبداعاتهم تطبيق منهج القرآن في الأخذ (بالعرف) باعتباره النموذج المعبر عن وسع الإنسان لدرجة ان الإمام الشافعي غير مذهبه في عشرات المسائل عندما انتقل من العراق الى مصر لأن الأعراف المصرية تختلف عن الأعراف العراقية، ثم نزل ليل دامس على نهار الشريعة فأوقف نموها وتطورها، وأعلن قفل باب الاجتهاد باعتبار ان ما تم صياغته هو الشريعة الصالحة لكل زمان ومكان، ومرت ألف عام، وفتح باب الاجتهاد وكان من المفروض ان يقوم علماء وفقهاء وأئمة الأمة بالتفرغ للاجتهاد لتغطية كل المستجدات التي ظهرت عبر الألف عام الماضية، ومن بينها مناهج البحث التي تطورت وكانت تقضي بالغاء منهج علم أصول الفقه، وتبني المناهج الحديثة وتطبيقها في الاجتهاد، ولكن الذي تأكد أن القوم أعجز من ان ينهضوا بهذه المهمة، خاصة وان عقولهم مكبلة بمنهج علم أصول الفقه الذي من نتيجته ان الشريعة هي الشريعة التي صاغها السلف باستخدام هذا العلم.
    الشيخ حسن لم يخرج من حظيرة السلف، ولهذا عندما قرر صياغة القانون الجنائي لسنة 1991م تبنى كل ما قاله السلف عن العقوبات وشروط تطبيقها، أخذها (بضبانتها) ولم ينقص منها شيئاً.
    وهي بصفة عامة كالآتي: الجلد، قطع اليد، القطع من خلاف - يد ورجل - القتل رجماً بالحجارة، الصلب بعد القتل، القتل بذات الآلة أو الوسيلة التي قتل بها المجني عليه، التغريب، السن بالسن والعين بالعين، الدية وهي تجب على الجاني والعاقلة ويقصد بها العصبات من أقرباء الجاني.
    وأنا اسأل عقولكم وضمائركم هل هذه العقوبات لها علاقة بالوسع العقلي والحضاري والإجتماعي لإنسان القرن الحادي والعشرين؟ واسألكم أيضاً أليست آيات الوسع من القران؟ أليس الله سبحانه وتعالى فعال لما يريد؟ ويفعل ما يشاء في أي وقت شاء، وينسخ ما يشاء، ويبدل ما يشاء؟ هل تشكون ان الله سبحانه قضته مشيئته بنسخ أحكام آيات الرق وإن بقى رسمها؟ أتشكون في أن الله سبحانه وتعالى نسخ حكم آية السيف في سورة براءة رغم بقاء رسمها؟ هنالك خلل ما في عقيدة التوحيد عند السلفيين خاصة في قولهم بصلاحية القطعيات حتى قيام الساعة، وكأن الله سبحانه وتعالى ملزم بألا ينسخها استجابة لمنهجهم؟!
    وتبلغ السلفية بالترابي درجة يرفض فيها الأخذ بما اثبت العلم الحديث صحته لأنه يتعارض مع اجتهادات السلف، وسنستعرض في المقال القادم عينات من اختيار الترابي.


    http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147530729&bk=1
                  

06-26-2008, 10:42 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    التسـامح الديني:
    هل هو ممكنٌ بغير اجتهادٍ جديد؟
    د. النور حمد


    يقول العفيف الأخضر أنه لا سبيل إلى الخروج من حرب الديانات الدائرة اليوم إلا باعتراف المسلمين بالديانات التي سبقت الإسلام. ويورد العفيف الأخضر الآية: ((إن الذين آمنوا، والذين هادوا، والصابئون، والنصارى، من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون)) مشيرا إلى أن فقهاء العصور الوسطى هم الذين قالوا بأن هذه الآية منسوخة بآية ((ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخر من الخاسرين)). (1) غير أن النسخ ثابت، فآية السيف التي نصها، ((فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم)) نسخت كل آيات الإسماح، مثال آية، ((فذكر إنما أنت مذكر، لست عليهم بمسيطر)) أو آية ((وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر))، وغيرهما من آيات الإسماح العديدة. وتأكيدا للنسخ جاء الحديث النبوي القائل: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله وأن محمد رسول الله)).

    المشكلة إذن ليست في ما إذا كانت آيات الإسماح قد تم نسخها بآيات الجهاد أم لا، فهي قد نسخت بالفعل. كما أن الجهاد قد قام بالفعل وبه تمددت دولة المدينة لتصل أعماق أسيا شرقا ولتصل إفريقية غربا. فآيات الإسماح لم يعد لها الحكم منذ أن قال النبي الكريم، ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله)). المشكلة ليست إذن في ما إذا كان النسخ قد جرى أم لا. فهو قد جرى بالفعل. المشكلة هي: هل النسخ مستمر أبد الدهر، أم هو إجراء مرحلي اقتضاه الظرف التاريخي في القرن السابع الميلادي، وأن آيات الإسماح التي تم نسخها يمكن أن تكون لها عودة؟ هذا السؤال المركزي جدا، هو ما عالجه الأستاذ محمود محمد طه في كتابه، "الرسالة الثانية من الإسلام". والأستاذ محمود محمد طه مفكر إسلامي سوداني مجدد، أعدمه الرئيس السوداني الأسبق جعفر محمد نميري بتهمة الردة في 18 يناير 1985. وحادثة قتله تمثل، في حد ذاتها، أكبر الشواهد على انعدام أسس للتسامح الديني في العالم الإسلامي. فالذين أفتوا بردته وقادوه إلى حبل المشنقة إنما كانوا فقهاء دولة، استندوا على النصوص، وعلى سوابق عديدة في التاريخ الإسلامي.
    جوهر فكرة الأستاذ محمود محمد طه يتلخص في أن النسخ ليس نهائيا، لأن آيات القرآن كما يراها تتبادل الحكم. فالذي نزل في البداية كان القرآن المكي، الذي يشير إليه الأستاذ محمود محمد طه بـ "قرآن الأصول". غير أن قرآن الأصول المكي قد جرى نسخه بـ "قرآن الفروع" المدني. فالأصل في الإسلام الإسماح والحرية والمسؤولية الفردية أمام الله تمشيا مع قوله تعالى: ((فذكر إنما أنت مذكر، لست عليهم بمسيطر)) وغيرها من آيات الإسماح العديدة. فالنبي مكلف فقط بالتذكير، وليس له أن يسيطر على المدعويين أو أن يكرههم على قبول الدعوة. غير أن هذا المستوى من الخطاب القائم على الحرية والمسؤولية قد تم نسخه بآية السيف، التي بناء عليها قال النبي الكريم: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله)). فالثابت أن الجهاد قد شرع بعد أن جرى نسخ آيات الإسماح التي لم يستجب لها المجتمع المكي، الذي قاوم الدعوة وآذى النبي، وتآمر على حياته حتى اضطره للهجرة، هذا فضلا عن ما جرى من تعذيب أصحابه، الذين قضى بعضهم بسبب ذلك التعذيب الرهيب.

    يقول الأستاذ محمود محمد طه لو كان النسخ سرمديا لأصبح خير ما في ديننا منسوخ بما هو أقل منه. وذلك يتعارض مع قوله تعالى: ((واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم)). ويقول أيضا، إن النسخ ليس تغيير رأي. فتغيير الرأي لا يجوز في حق الذات العلية. ولذلك، لم يبق إلا أن النسخ قد كان إرجاء. ويستدل الأستاذ محمود محمد طه على النسخ بالآية: ((ما ننسخ من آية أو ننسها، نأت بخير منها أو مثلها)). ويستدل الأستاذ محمود محمد طه على مجيء وقت الأصول اليوم ببروز المجتمع الكوكبي الراهن، الذي أصبح فيه السلام فيه والتعايش السلمي أمران لا مناص منهما. كما أصبحت كفالة الحقوق المتساوية للناس، بغض النظر عن الدين، أو العرق، أو اللون، أو الجندر، مطلبا بديهيا. ولذلك فإن الاجتهاد القادر على التصدي على تحديات عصرنا الراهن، فيما يتعلق بقضايا الحقوق الأساسية ـ وفق رؤية الأستاذ محمود محمد طه ـ إنما هو الاجتهاد الذي يتجه إلى بعث أصول القرآن المنسوخة، وليس الزعم بأن الشريعة الإسلامية المطبقة منذ القرن السابع الميلادي، صالحة لكل زمان ومكان. وفي هذا المعنى كتب الأستاذ محمود محمد طه:
    ((من الخطأ الشنيع أن يظن إنسان أن الشريعة الإسلامية في القرن السابع تصلح، بكل تفاصيلها، للتطبيق في القرن العشرين، ذلك بأن اختلاف مستوى مجتمع القرن السابع، عن مستوى مجتمع القرن العشرين، أمر لا يقبل المقارنة، ولا يحتاج العارف ليفصل فيه تفصيلا، وإنما هو يتحدث عن نفسه. فيصبح الأمر عندنا أمام إحدى خصلتين: إما أن يكون الإسلام، كما جاء به المعصوم بين دفتي المصحف، قادرا على استيعاب طاقات مجتمع القرن العشرين فيتولى توجيهه في مضمار التشريع، وفي مضمار الأخلاق، وإما أن تكون قدرته قد نفدت، وتوقفت عند حد تنظيم مجتمع القرن السابع، والمجتمعات التي تلته مما هي مثله، فيكون على بشرية القرن العشرين أن تخرج عنه، وأن تلتمس حل مشاكلها في فلسفات أخريات، وهذا ما لا يقول به مسلم. ومع ذلك فإن المسلمين غير واعين بضرورة تطوير الشريعة. وهم يظنون أن مشاكل القرن العشرين يمكن أن يستوعبها، وينهض بحلها، نفس التشريع الذي أستوعب، ونهض بحل مشاكل القرن السابع، وذلك جهل مفضوح)). إنتهى (2)

    الشريعة الإسلامية المحكمة منذ القرن السابع الميلادي أمرت بقتال الكفار حتى يسلموا، كما أمرت بقتال أهل الكتاب حتى يسلموا، أو يقبلوا دفع الجزية عن يد وهم صاغرون. وقد فسر ابن كثير ((صاغرون)) بقوله: ((أي ذليلون حقيرون)) (3). أيضا تأمر الشريعة الإسلامية المحكمة منذ القرن السابع الميلادي بقتل الذي يبدل دينه، ((من بدل دينه فاقتلوه)). أكثر من ذلك، فإن الشريعة الإسلامية تأمر بقتل المسلم نفسه، إن هو ترك الصلاة! ولا ننسى أيضا أن الشريعة الإسلامية المحكمة منذ القرن السابع الميلادي قد أقرت الرق، وأقرت معه التمتع بالإماء، بغير عقد زواج. كما أنها لم تساو النساء بالرجال في الحقوق، وجعلت الرجال أوصياء على النساء. وكل ما تقدم لا يعيب الشريعة الإسلامية في شيء في ذلك الظرف التاريخي، ويرى الأستاذ محمود محمد طه أن كل ما جرى ذكره عاليه كان تشريعا إلهيا من لدن عليم خبير. وهو تشريع كان مناسبا جدا لذلك الوقت. ولذلك يقول الأستاذ محمود محمد طه، إن الإسلام ليس بحاجة لمن يعتذر عنه، لكونه قد استخدم السيف في القرن السابع الميلادي. وذكر في ذلك الصدد أن الإسلام قد استخدم السيف كما يستخدم الطبيب المبضع، وليس كما يستخدم الجزار المدية. كل ما في الأمر، أن القول باستخدام السيف اليوم، ومحاكمة الناس بالردة اليوم، وانتقاص حقوق الناس بسبب العقيدة، أو العرق، أو اللون، أو الجندر، أمر معيب ولا يجب أن يلصق بالإسلام في عالم اليوم.

    التعايش السلمي وحوار الطرشان:

    بعد هجمة الحادي عشر من سبتمبر 2001 في نيويورك، كثرت المؤتمرات التي تنعقد تحت مسميات حوار الأديان والتسامح الديني. غير أن من يشارك في هذه المؤتمرات، ممن يحلو لهم بأن يسموا أنفسهم "علماء الإسلام" لا يملكون زادا يمكن أن يشاركوا به في موائد الحداثة، سوى اجتهادات فقهاء الحقب السوالف. وهي اجتهادات لم تعد تسمن أو تغني من جوع، في مواجهة تحديات الحاضر. فالعلماء الذين تندبهم الجهات الإسلامية الرسمية ليشاركوا في هذه المؤتمرات لا يؤمنون أصلا بما تواضعت عليه الحضارة المعاصرة فيما يتعلق بالتعايش. فهم رغم دعاوى الإعتدال والوسطية التي يدعونها، متطرفون تكفيريون، لا يختلفون في شيء عن جماعة القاعدة وجماعة طالبان. هذا إضافة إلى كونهم مدفوعين لهذه المؤتمرات بواسطة الأنظمة السياسية العربية التي توظفهم ضمن منظومتها القمعية الشاملة. فحين أحس الغرب أنه قد أصبح بحاجة ماسة إلى تأسيس ديني للسلام في الإسلام، أوعز ـ من فرط غفلته ـ لهذه الأنظمة التي يرعاها بأن تحرك علماءها تجاه ما يريد، فحركتهم! ولا غرابة إذن إن كان عطاء هؤلاء "العلماء" في كل تلك المؤتمرات عطاء بالغ الضآلة، ألأمر الذي جعل منها مجرد مناسبات روتينية لتبادل المجاملات، والابتسامات الصفراء.

    ما يحتاجه العالم الإسلامي اليوم هو اجتهاد جديد مستند على أصول القرآن وجوهر رسالة الإسلام المتمثلة في السلام وفي المسؤولية الفردية. ومثل هذا الإجتهاد لا يكون بغير الخروج عن إطار أحكام الشريعة السلفية في ما يخص شؤون حرية الإعتقاد، وحرية الرأي، وسائر الحقوق الأساسية، ليستند على أصول القرآن التي تلتقي في الإطار العام بما تنص عليه الدساتير، والديمقراطيات، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وحين عجز علماؤنا عن الخروج عن عقلية التجبر والسيطرة والكبت والمصادرة ذهبوا ليطالبوا بأن يستثنينا العالم من مقاييسه للحقوق الأساسية زاعمين أن لنا ((حقوق إنسان خاصة بنا))! وهكذا أصبحنا نسمع بمصطلح ((حقوق الإنسان في الإسلام))! وهكذا تحول الحوار في كل هذه المؤتمرات إلى مجرد حوار طرشان. فحقوق الإنسان ليست طلاسما مبهمة، وإنما يمكن تلخيصها في: حق الإنسان البالغ الرشيد في الاعتقاد، وفي التعبير عن رأيه، وفي السفر، والسفر بمفرده إن شاء، رجلا كان أم إمرأة، وفي قيادة السيارة إن شاء، رجلا كان أم إمرأة، وفي انتخاب حاكمه وعزله إن شاء. باختصار هي حقه في ألا تتم مصادرة حقه في الحرية على أساس العرق، أو الدين، أو الجندر، أو اللون، أو الطبقة الاجتماعية.

    كيف يفكرعلماؤنا؟

    علماؤنا لا يؤمنون، من حيث المبدأ، لا بالديمقراطية ولا بحقوق الإنسان! ويستوي في ذلك علماء السنة وعلماء الشيعة، وبلا فروق جوهرية تذكر. فقضية المواطنة وحق المواطنين قضية مركزية في بناء الدولة العصرية، ولكنها لم تلق اجتهادا يواجهها في مستوى التحدي الذي تطرحه. والذين جاءوا فيها باجتهاد نير، كالمجدد محمود محمد طه كان مصيرهم القتل. نحن لا نزال نقارب قضايا الحقوق الأساسية بأفق السلف، وبتشريعات الردة، وبفقه أهل الذمة. ويكفي أن نذكر هنا أن الدكتور حسن الترابي الذي يرى فيه البعض مجددا إسلاميا، لم يتردد أن يعلن إحتفاءه بإعدام الأستاذ محمود محمد طه، قائلا: ((لا أستشعر أي حسرة على مقتل محمود محمد طه .... إن ردته أكبر من كل أنواع الردة التي عرفناها في الملل السابقة)) (4)

    أما الشيخ محمد الغزالي القيادي البارز في تنظيم الإخوان المسلمين، والذي يرفعه الكثيرون كنموذج للاعتدال، فقد وقف حين استدعته المحكمة بناء على طلب من فريق الدفاع لكي يقدم شهادته، التي أراد بها الدفاع أن تكون في مصلحة المتهمين، قائلا، إن فرج فوده مرتد، ويستحق القتل، ولكن الذين اغتالوه افتأتوا على السلطة (5). مضيفا أن الحاكم هو الجهة الوحيدة المنوط بها تطبيق حكم الردة على المرتدين، حتى لا يؤول الأمرإلى فوضى. وحين سأله فريق الدفاع عن حكم الإسلام في من يفتئت على السلطة، أجاب الشيخ الغزالي بأنه لا يعرف حكما في الإسلام على من يفتئت على السلطة. وهكذا يا عمرو لا رحنا ولا جئنا! فالشيخ الغزالي يرى أنه لا توجد في الإسلام عقوبة لمثل الفعل الذي قام به قتلة الكاتب فرج فودة، لأن فرج فودة كافر كما أفتى هو! وهذا يعني ضمنا أن الإسلام يقر مثل تلك الفوضى، وذلك بتطبيق منطق الشيخ الغزالي نفسه!

    أما الشيخ يوسف القرضاوي فلم يخالف الشيخ الغزالي فيما ذهب إليه في تكفيره لفرج فوده وتجويزه قتله (6). والشيخ القرضاوي، أيضا يرفعه الكثيرون، رمزا للإعتدال، مع أنه قد أفتى هو الآخر بتكفير الكاتب حيدر حيدر، وتكفير راويته "وليمة لأعشاب البحر" (7) . أما في الكويت، فقد أورد الباحث خليل علي حيدر أن السيد، عبدالله العلي المطوع، أحد كبار الإخوان المسلمين الكويتيين، حين سئل إذا ما كان الإسلام يسمح للأحزاب القومية والعلمانية بممارسة نشاطها، أجاب بقوله: ((أما أن يكون في الدولة الإسلامية من يسمون أنفسهم بـ "مسلمين" ثم يقومون بأمور مخالفة للإسلام ومناوئة للدين والعقيدة فلن يقبل منهم ذلك أبدا)). (8) أما إسلاميو الجزائر فلا يختلفون عن إسلاميي المشرق العربي في شيء. فقد تبنت جبهة الإنقاذ على لسان أنور هدام أحد كبار قادتها إغتيال الجامعي الجيلاني اليابس، وذلك في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية. وقد أغتيل في الجزائر أكثر من ستين من المثقفين، بينهم الشاعر الطاهر جعوط. (9)

    ولا يختلف حال الشيعة عن السنة في مسألة الحقوق الدستورية الأساسية. إذ يكفي أن نورد فتوى أية الله الخميني في حق الكاتب سلمان رشدي، وإهداره لدمه بسبب كتابه "آيات شيطانية"، ونضيف إليه ما رواه الكاتب أمير طاهري من أن الخميني قد ظل طوال حياته، ((يفخر بالفتوى التي أصدرها بقتل المفكر الإيراني أحمد كسراوي سنة 1947. ولما سئل الخميني عام 1979 عن سبب إصداره أمراً بإعدام المعارضين دون محاكمة أجاب: ((لأنهم مذنبون ولا حاجة لإضاعة الوقت في محاكمتهم)) (10)!!. أما الشيخ حسن نصر الله، الرمز الشيعي السياسي الأبرز في لبنان، فيؤكد على ما أفتي به الإمام الخميني. فقد أوردت وكالة رويترز للأنباء، على أثر نشر الرسوم الكارتونية المسيئة للنبي الكريم في الدنمارك، أن الشيخ حسن نصر الله قال: ((لو قام مسلم ونفذ فتوى الامام الخميني بالمرتد سلمان رشدي لما تجرأ هؤلاء السفلة على أن ينالوا من الرسول لا في الدنمارك ولا في النرويج ولا في فرنسا)). (11) أفلا يدل كل ما تقدم على أننا بحاجة ماسة إلى اجتهاد انقلابي يخرج أمر الدين ومستقبله تماما من قبضة هؤلاء؟. فأي غد ينتظرنا وهؤلاء هم علماؤنا وقادتنا؟ خاصة أن من بينهم من رفعته كبرى وسائل الإعلام عندنا بالأمس، ومن ترفعه اليوم، كرموز وأمل لخلاصنا من نير السيطرة الغربية؟

    نزعة التكفير لا تعرف الحدود!:

    يظن كثيرون أن التكفير والإخراج من الملة أمر يطال فقط أولئك الذين يأتون بآراء تشذ عن ما تواضعت عليه الأكثرية. كما يظنون أن هناك فهما للدين تتشاركه غالبية من الناس، يشذ عنهم بعضى الشواذ الذين يجب ردعهم. غير أن ذلك غير صحيح. فالتكفير والإخراج من الملة في تاريخ الثقافة الإسلامية، ظاهرة يمكن أن تلحق في غرابتها باللامعقول. ولربما لا يعرف أكثرية المسلمين، مثلا، أن الإمام أبا حنيفة النعمان قد تم تكفيره من قبل خصومه في الرأي! وأنه أستتيب في حياته بضع مرات! بل إن سفيان الثوري حين بلغه نبأ وفاة أبي حنيفة قال: ((الحمد لله الذي أراح المسلمين منه، لقد كان ينقض عرى الإسلام عروة عروة. ما ولد في الإسلام مولود أشأم على الإسلام منه)) (12)!! وهذه العبارة المروية عن سفيان الثوري رددها معه عدد من مخالفي أبي حنيفة، من كبار أهل الرأي. نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر، أيوب السختياني، ومالك، والأوزاعي، ووكيع، وجرير بن حازم، وإبن المبارك. كما جاء أيضا أن الإمام عبد الله قد روى بإسناده إلى حماد بن أبي سليمان أنه قال لسفيان: ((إذهب إلى الكافر إبي حنيفة، فقل له: إن كنت تقول: إن القرآن مخلوق فلا تقربنا)) (13). ورغم ذلك صار لأبي حنيفة أتباع عبر التاريخ الإسلامي، لا يقلون بحال عن أتباع مالك والشافعي وإبن حنبل وغيرهم من المجتهدين!

    الشاهد، أنه ليست هناك قواعد ثابتة تحكم نزعة التكفير. فالتكفير سلاح جرى استخدامه بأشكال عشوائية مختلفة في أزمنة مختلفة، بغرض التخلص من الخصوم الفكريين. وهو بتلك الأوصاف سلاح يمكن أن يطال أي أحد، وبلا استثناء. ولذلك فالمخرج من ورطته لا يكون بغير إخراج مفرداته كلية من القاموس الحي، ووضعها، وإلى الأبد، في أرفف التاريخ. ولكن ذلك لن يتحقق بغير اجتهاد إنقلابي منفلت تماما من قبضة السلف، ومن سائر الأطر الظرفية التاريخية التي حكمت اجتهاداتهم وخياراتهم. وإلا فدون التسامح الديني خرط القتاد!

    أما محاولة ترك الدين جانبا والإتجاه صوب "العلمانية" كما يرى بعض المثقفين المسلمين، فتمثل في نظري محاولة للسير في ذات الخط التاريخي الذي سارت عليه حركة فصل الدين عن الدولة، كما جرت في المجتمعات الغربية. فسيرنا في ذلك المضمار سوف يكون ضئيل المردود، كما أنه غير مطلوب أصلا، في ما أرى. فقضية الحرية كما عالجها الفكر السياسي والإقتصادي الغربي لم تثمر في نهاية مسارها سوى سيطرة مطلقة للمالكين، وقتلٍ ذريع للإنسان في الإنسان، وتبيان ذلك يطول. ما أراه هو ضرورة مواجهة قضية التحديث من داخل بنية ديننا نفسه، لا من خارجها. فارتداء الخوذة العقلية الغربية كما هي، غير ممكن في حالتنا، لأنه، وببساطة شديدة، لا يلمس الجماهير بأي تغيير. وأي تغيير لا يلمس الجماهير فسيكون تغيير فوقي لن يسفر في منتهاه إلا عن تكريسٍ للسلطة والثروة في أيدي النخب. هذا فضلا عن أن انعتاق الغرب نفسه، على علله الكثيرة، لم يكن ليحدث لولا أفكار مارتن لوثر، وجون كالفن، التي أعاد انتاجها وضخها في مجرى الرأسمالية المسيطرة اليوم ، الألماني ماكس فيبر.


    http://www.dohamagazine.com/dohamagazine.pdf

    pages 84 -87


    المراجع:

    1. العفيف الأخضر ـ الحوار المتمدن، العدد 1500 25-3-2006.
    2. http://www.rezgar.com/search/Dsearch.asp?nr=1500
    3. محمود محمد طه (1967) الرسالة الثانية من الإسلام. الكتاب متضمن في كتاب: نحو مشروع مستقبلي للإسلام: ثلاثة من الأعمال الأساسية للمفكر الشهيد محمود محمد طه. (ص. ص. 76- 77) (2001) الكويت: دار قرطاس والمركز الثقافي العربي ـ بيروت
    4. إبن كثير ـ الجزء الثاني ص 332
    5. صحيفة الوطن السودانية 30-4-1988
    6. د. رفعت السعيد (1998) الإرهاب: إسلام أم تاسلم؟ دار سيناء:القاهرة.
    7. د. يوسف القرضاوي (2000)الشيخ الغزالي كما عرفته، ص: 271-275 . وانظر أيضا: "أحكام الردة والمرتدين من خلال شهادتي الغزالي ومزروعة"، ص 298-300، للدكتور محمود مزروعة، طبعة خاصة بالمؤلف 1414
    8. . العفيف الأخضر، http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?t=2&aid=8336 زيارة الموقع في 23-12-2006
    9. خليل علي حيدر. (1998) إعتدال أم تطرف. الكويت:دار قرطاس
    10. العفيف الأخضر، http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?t=2&aid=8336 زيارة الموقع في 23-12-2006
    11. وكالة رويتر 2-2-2006
    12. تاريخ بغداد للخطيب البغدادي، (ص ص 370-371- 13).
    13. المصدر السابق نفسه


    http://www.dohamagazine.com/dohamagazine.pdf

    pages 84 -87
                  

06-27-2008, 04:42 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)



    Last Update 17 June, 2008 10:18:53 م

    مواعيد سودانية

    صلاح فرح
    [email protected]

    يصعب على من يحضر لأول مرة ندوات السودانيين أن يتخلص بسهولة من الانطباع الذي يستحوذ عليه إلى أن يوهمه بأن الشعب السوداني كسول... ذلك لتفشي ظاهرة عدم التزام المواعيد. ولعل المرء لا يحتاج إلى مجهود فكري كبير للوصول إلى العلاقة الموجودة بين هذا الانطباع وبين صفة «الكسل» التي تدل على الموصوف نفسه، وهو ما كان من شأنه أن يشجّع على ترسيخ هذا الانطباع في أذهان الآخرين.

    وإذا سألت سودانيًا عن السر في هذه الظاهرة أجابك بمنتهى البرودة: «كانت المواعيد السودانية دائما هكذا، وستظل دائما هكذا»، وإن أنت أضفت أي تعليق، شزرك بامتعاض شديد، ثم كتم غيظه، وقال لك بمنتهى اللباقة والأدب: «أنت خواجة!».

    حيرني كثيرًا أمر هذه الظاهرة، فإن أنت التمست تفسيرًا لها فعجزت وقلت: «ما تأخر من تأخر إلا اعتقادًا منه بأن الآخرين سيتأخرون .. وبالتالي فإن أي تأخير من جانب الآخرين يجد تبريره في هذا الاعتقاد» أخطأت، لأنّ ليس ذلك عذرًا، بل بالعكس كلما كان المرء متمدرسًا سهل إقناعه بضرورة التزام المواعيد.

    قبل التعرض لضرورة التزام المواعيد، قد يكون من المفيد إيراد حادثة نموذجية لصديق كان قد دعي من طرف مجموعة سودانية لتقديم ندوة مسائية:

    «قال صاحبنا: ما كدت أدخل مكان الندوة حتى ثبطت همتي؛ فقد وجدته خاليًا تمامًا. هممت بالجلوس، لكن وقعت عيني على ساعة حائطية ضخمة بدت كأنها ثبتت قبالتي قصدًا لأتمكن من حساب الزمن. دقت الساعة السابعة، لم يأت أحد، مرت ساعة، مضت أخرى، لا جديد... عند متم الساعة التاسعة ليلا ضاق صدري وثار البركان في رأسي؛ قررت الخروج، صرخت في قرارة نفسي: «لا ندوة ولا يحزنون!...»، لكنني ما كدت أصل الباب حتى شاهدت رجلين يتهيآن للدخول، وكلاهما حمل ترمس: أحدهما امتلأ شايًا بلبن، والثاني قهوة فهمت فيما بعد أنها كانت لزوم الندوة.



    مرت الليلة سريعة. في النهاية تقدم أحد منظمي الندوة نحوي مرسلا ابتسامة مرتبكة، صافحني بحرارة، ربت على كتفي معتذرًا، قال:

    - بلغنا أنك انتظرت طويلا هنا، وإذ نبلغك عميق أسفنا، نرجو منك الصفح والمعذرة. حقًا، إنّ ما لحقك من غبن ليستدعي منا الخجل، لكنك لو عاينت ما يستنزفه منا إعداد الشاي، والقهوة، واللقيمات من طاقات جبارة لبادرت أنت بالتماس الصفح والمعذرة عما أحطتنا به من شكوك طوال فترة انتظارك...»

    بطبيعة الحال قد تكون هناك ظروف لا مناص منها وراء التخلف عن المواعيد، ولكنني لم أفلح لحد الآن في فهم السبب في تفشي هذه العادة السيئة في مجتمعاتنا. فإننا إن استمرأنا التخلف عن المواعيد، تخلفنا في جميع شؤون حياتنا، ذلك لأن التزام المواعيد دليل على الانضباط الذاتي، وفيه احترام واعتبار للآخرين.

    الناس، في تعاملهم، يفضلون الشخص المنضبط لثقتهم في إمكانية الاعتماد عليه. فانضباطه في الزمن دليل على امتلاكه أمر نفسه، ومقدرته على التخطيط والتكيف مع الأحداث .. في حين أن من لا يلتزام بالمواعيد يدلل على أنه ضحية لمفاجآت الأحداث ولا يملك أمر نفسه، وأنه عاجز عن تحديد الأولويات في حياته الخاصة .. وبالتالي، هو لا يستطيع توقع الأحداث المحتملة أو التعامل معها أو تفاديها.

    هنا يحضرني قول للأستاذ محمود محمد طه، في جلسة سلوكية حول مسألة التزام المواعيد، حيث قال: «المواعيد دين .. نحن ليه بنقول المواعيد دين؟! لأنو عدم التزام المواعيد يضعف الثقة بين الناس .. وإذا ضعفت الثقة ضعفت المعاملة .. والدين المعاملة... والعبادات جعل ليها أوقات لتعلم الناس مراقبة الزمن واحترام المواعيد...»

    إذن، مسألة التزام المواعيد هي مسألة ثقة .. فمن عين موعدًا وجب عليه الوفاء به .. فالسبيل الوحيد لكسب ثقة الآخرين هو المداومة على الوفاء بأي التزام تجاههم .. وذلك يبدأ بالتزام المواعيد. إذ يثق الناس في من يلتزم المواعيد المحددة لأن كلمته محددة .. وفي المقابل، من يخلف المواعيد، إنما هو منافق لا اعتبار لكلمته لأنه «إذا وعد أخلف».. فطالما هو عاجز عن أن يحترم كلمته في أمر المواعيد، لا يمكن أن تكون كلمته محترمة في الأمور الأخرى! يضاف إلى ذلك أن التقيد بالمواعيد ليس مجرد واجب، وإنما هو أيضا من حسن الخلق، بل هو حرز للسمعه الطيبة، والنفوذ، والجدية .. فإذا كانت هناك فضيلة واحدة ينبغي مراعاتها، هي التزام المواعيد .. واذا كان هناك عيبًا واحدًا، ينبغي تفاديه، هو عدم التزام المواعيد.
                  

06-29-2008, 03:12 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    دعوة لحماية المرأة من العنف وتكريس حقوق الإنسان


    الدوحة - الوطن والمواطن

    دعا متحدثون الى تكاتف المجتمعات لمحاربة ظاهرة العنف ضد المرأة، وتفعيل الوعي من خلال وسائل الاعلام للتنبيه الى خطورة الظاهرة، وسن وتطبيق تشريعات تحمي المرأة وتصون حقوقها، وتبين الاتفاقيات والمواثيق الدولية لتعزيز ثقافة حقوق الانسان وتكريس مبدا التكاملية والمساواة في هذه الحقوق، وخاصة اتفاقية القضاء على كل اشكال التمييز ضد المرأة «سيداو». جاء ذلك خلال ندوة «لا..للعنف ضد المرأة ..سناء الامين نموذجا»، وضمن الاحتفال بيوم المرأة العالمي، ونظم الندوة اعضاء سودانيز اون لاين «بورداب الدوحة» الاربعاء بمركز اصدقاء البيئة ونسقها، معاوية الطيب ورندا حاتم وأدارتها الاستاذة محاسن زين العابدين، رئيسة رابطة المرأة السودانية بالدوحة، وتحدث خلالها : الدكتور محمد سعيد الطيب :خبير في مجال القانون الدولي لحقوق الانسان، ناشط وباحث واستشاري في مجال حقوق الانسان مقدمة عن القانون الدولي وكان محور حديثه عن حقوق الانسان - اتفاقية القضاء على كافة اشكال التمييز ضد المرأة - المعايير والآليات الدولية الخاصة بالعنف ضد المرأة - تقييم المعايير الدولية للعنف ضد المرأة من حيث القابلية للتطبيق والقضاء على الظاهرة. أما الاستاذة أسماء محمود محمد طه: قانونية مارست مهنة المحاماة لمدة 13 عاما، متخصصة في مجال اللغات، عملت بالولايات المتحدة الاميركية في المجال القانوني والاجتماعي، ناشطة ومهتمة بقضايا المرأة، فقد تحدثت عن وضع المرأة في الاسلام والممارسة والفهم الخاطئ لبعض التعاليم الاسلامية مما يساعد على تكريس ظاهرة العنف ضد المراة في المجتمعات الاسلامية، واعتبرت العنف ضد المرأة ظاهرة كوكبية، ودعت الى تطوير التشريع الاسلامي، وقانون الاحوال الشخصية، وتوعية المرأة بحقوقها، ومن جانبها، تحدثت دكتورة موزة عبدالله المالكي، معالجة نفسانية وكاتبة بصحيفة الراية القطرية، لها عدة مؤلفات مترجمة، حائزة جائزة دولة قطر التشجيعية، مشاركة نشطة في العديد من المؤتمرات والندوات العالمية، ناشطة في مجال حقوق المرأة، عن العلاقة بين الرجل والمرأة بعد الطلاق وحقوق المرأة وتأهيلها بعد الطلاق للاندماج في الحياة وقدمت ارشادات لمساعدة المرأة في للوقوف ضد العنف. وقدمت دكتورة أسماء عبد الحليم، محاضرة جامعية وناشطة ومهتمة بقضايا المرأة تعقيبا حول ما اورده المتحدثون وابتدرت حديثها بملاحظة هي ان حضور الرجال كبير في قضية تهم المرأة، ارتفاع الوعي في تناول قضية سناء التي اصبحت قضية رأي عام وقدمت نماذج للعنف ضد المرأة في الدول المتقدمة والعالم الثالث (يوغسلافيا، راوندا، دارفور) واستعرضت اتفاقية القضاء على كافة اشكال التمييز ضد المرأة.

    واستمع الحضور الى مداخلات هاتفية من الاستاذ علي محمود حسنين، نائب رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي د. سعاد ابراهيم عيسى ، ناشطة في العمل النسوي ومعتمة بقضايا المرأة .رئسة مجموعة «مبادرات» الراعي الرسمي لمشروعMobile Health Clinic والذي يعنى بصحة المرأة في المناطق الريفية. وخلص المتحدثون الى ضرورة حماية المرأة من العنف الذي يمارس ضدها، وتوافرالارادة السياسية لسن وتبني التشريعات التي تحارب الظاهرة وتعاقب مرتكبيها، وتطوير القوانين بما فيها قانون الاحوال الشخصية، وتبني ثقافة حقوق الانسان وادراجها في مناهج التعليم، وتكريس استقلال القضاء، وسيادة القانون، وان تعرف المراة حقوقها وتدافع عنها، ومساعدتها على التأقلم في المجتمع. وتضامن المشاركون في الندوة مع سناء الامين عوض الكريم محمد، وهي شابة سودانية أجبرها والدها على الزواج ممن لا تريده، وكان عمرها 17 عاما ، اما زوجها فقد تجاوز عقده الرابع، عاشت في جحيم لمدة عام ونصف العام، لان زاوجهما كان «معلقا»، بل كان مجرد ورقة ، فقد جهرت برأيها «افضل الموت على الزواج من هذا الشخص»، الزوج «المرفوض» شوه وجه سناء بـ «صودا كاوية» وتشوه وجهها بالكامل، وسقط شعرها وفقدت عينها اليسرى، وتحتاج لعمليات ترقيع وتجميل وعلاج قرنية للعين وعدسة وزراعة شعر ورموش. سناء الطالبة الجامعية، بدأت رحلة العلاج الصعبة، في الخرطوم وعواصم اخرى منها القاهرة.

    الوطن القطرية 10 يونيو 2008


    http://64.233.169.104/search?q=cache:9y0cio8yJM0J:www.a...n&ct=clnk&cd=3&gl=us
                  

06-29-2008, 03:15 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    أبوبكر القاضي : هِرْ السودان يصول صولة الضرغام!!

    أعلنت الحكومة السودانية، ممثلة في وزارة خارجيتها، عن طرد مبعوث المفوضية الأوروبية، والقائم بالأعمال الكندي، وقالت الخارجية السودانية يوم الخميس الماضي إنها أبلغتهما بأنهما أصبحا شخصين غير مرغوب بهما بسبب تدخلهما في شؤون السودان.

    وقد استضافت قناة «الجزيرة» في حصاد الخميس، وزير الدولة بالخارجية الأستاذ علي كرتي، وسألته عن الأسباب الحقيقية لطرد الدبلوماسيين، وتوقعنا منه تقديم حيثيات قوية ومقنعة لهذا القرار «الجراحي الاستئصالي»، فتمخض الجبل فولد فأرا!!، قال علي كرتي إن سبب طرد الدبلوماسيين يعود إلى تدخلهما في الشأن الداخلي، وتمثل الخطأ في جانبين، إجرائي وموضوعي، أما الإجرائي فقد تمثل الخطأ في مخاطبة الدبلوماسيين (بخطابين بلغة واحدة)، جهاز الأمن في الخرطوم مباشرة في تجاوز صريح لوزارة الخارجية السودانية. أما الموضوعي، فإن الخطأ يتمثل في مخاطبتهما جهاز الأمن بشأن الأستاذ علي محمود حسنين القطب الاتحادي المعروف.

    لماذا يدفع الدبلوماسيون الأجانب ثمن النزاع بين الخارجية وجهاز الأمن؟

    المنافسة بين جهاز الأمن والخارجية هي موضة عالمية، ففي أميركا صمد كولن باول ومن بعده كوندوليزا رايس، صمدا بشراسة لأن تسود الدبلوماسية والحلول الدبلوماسية عبر وزارة الخارجية الأميركية بدلا من أن تسود العقلية الأمنية والحلول الأمنية، وقد انتقلت عدوى المنافسة المذكورة إلى مصر العربية، حيث نرى أن جهاز المخابرات ينشط خارجيا ويتولى ملفات على الصعيد الدولي والاقليمي ودول الجوار ويحولها إلى ملفات أمنية، في حين أنها ملفات دبلوماسية الأصل «مع وجود البعد الأمني»، ونعود إلى قضيتنا السودانية فنقول إن هذه مشكلة سودانية ـ سودانية بين الخارجية والأمن السوداني، دفع ثمنها دبلوماسيون أجانب من غير أي موجب، إنني أسأل: لماذا استلم جهاز الأمن مذكرات الدبلوماسيين؟ ولماذا لم يعتذر جهاز الأمن للدبلوماسيين ويقول لهم: فأتوا البيوت من أبوابها، عفوا، أرجو أن تخاطبونا عبر وزارة الخارجية، ولن يتم هذا الإجراء إلا في حال وجود توافق داخلي وتنسيق بين الخارجية وجهاز الأمن السوداني؟، فالأولى بالحكومة السودانية أن تحسن ترتيب أوضاعها الداخلية ولا تسقط قصورها على الآخرين، فالأمور لا تعالج بالحماقات والعنتريات الجعلية لأن الضرر في مثل هذه الأمور يقع على الوطن وعلى الشعب وليس على قطط الإنقاذ السمان، فالاتحاد الأوروبي هو أكبر داعم لسلام نيفاشا ودارفور.

    السودان «ملطشة» التدخل الخارجي!!

    يبدو أن وزارة الخارجية لا تستحي من الحديث عن «التدخل» في الشؤون الداخلية للسودان، فعلى يدي سلطة الإنقاذ، صار السودان «رجل إفريقيا الميت سريريا»، بعد أن كان رجل إفريقيا المريض، وهذا أمر لا يحتاج إلى برهان أو دليل، فهذا أمر تشاهده بدءا بمطار الخرطوم، حيث تدخل حاويات الأمم المتحدة البلاد بمخارج خاصة بالمطار دون تفتيش، فالحاويات الضخمة يا أستاذ علي كرتي أصبحت بمقام الحقيبة الدبلوماسية، أين السيادة السودانية في مطار الخرطوم؟، توجد القوات الدولية الآن وحسب اعتراف د.ريال مشار في 14 ولاية من جملة 26 ولاية سودانية، فأين السيادة يا سعادة الوزير؟

    ملفات السودان في نيفاشا وأبوجا وأروشا وأسمرا وطرابلس والقاهرة والرياض، باختصار لدى دول الجوار والداني والقاصي، وفي كل هذه الملفات تتدخل الدول مباشرة في الشأن السوداني الداخلي وفي أدق التفاصيل الاقتصادية والأمنية والسياسية، فما الذي استجد يا أستاذ علي كرتي؟، لماذا الكارت الأحمر من أول وهلة؟ ولماذا لم تشملكم الروح الرياضية النهضوية السودانية السائدة هذه الأيام؟، كأنما الأستاذ علي كرتي في تحد مع نفسه لتسجيل أكبر الأرقام في طرد سفراء الدول العظمى، وقد سبق للخارجية السودانية طرد السفير البريطاني وطرد يان برونك ممثل الأمم المتحدة، وبهذا يضيف علي كرتي إنجازا إنقاذيا جديدا، طرد ممثل الاتحاد الأوروبي وكندا!، في إنذار مبطن للقائم بالأعمال الأميركي الفصيح في تحدثه بالعربية، إنها مناورة لها علاقة بمعركة الجنائية الدولية القادمة بعد انبطاح الحكومة في معركة القوات الأممية.

    القضائية الباكستانية والسودانية.. ما أشبه الليلة بالبارحة؟!!

    شعبك فداك يا أستاذ علي محمود حسنين، لفائدة قرائنا في الخليج فإن الأستاذ علي محمود حسنين الذي طرد بسببه الدبلوماسيين قد كان رئيسا لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم KUSU، قبل أكثر من أربعة عقود من الزمان، وهو القطب الاتحادي العلم والداعي للمؤسسية داخل الحزب وهو رجل زاهد في المناصب والكراسي يأكل من عرق جبينه كمحام متميز، وهو من أشرس المقاومين للأنظمة الاستبدادية، وتحديدا نظامي «مايو والإنقاذ»، ففي عهد مايو، وإبان إضراب القضاة الشهير عام 1983، نظمت نقابة المحامين محاضرة (معارضة) بعنوان «استقلال القضاء»، كان من أنجح المتحدثين فيها الأستاذ حسنين، بشهادة أستاذنا العالم المؤدب دكتور عبدالله أحمد النعيم، والأمير الراحل طه إسماعيل أبو قرجة، فقد حضرنا هذه المحاضرة سويا ونقلنا تقييمنا للمحاضرة في جلسة الانطباعات بصالون الأستاذ محمود محمد طه. وفي عهد الإنقاذ كان للأستاذ علي محمود حسنين شرف المقاومة من داخل السودان، متحملا كافة المخاطر. الأستاذ علي محمود حسنين ليس له سجل في العنف والحركات المسلحة، وهو في العقد السابع من عمره، فإن كان لدى وزير العدل أدلة كافية للإحالة (بينة مبدئية)، فعليه إما تقديمه للمحاكمة، أو إطلاق سراحه.

    وبالرغم من تسييس «الإنقاذ» لكل المؤسسات الحكومية، إلا أني أثق بنزاهة القضاء السوداني وعدالته، فالقضاء السوداني له ماض ناصع من النزاهة، ومن أراد أن يعرف سجل القضاء السوداني وماضيه فلينظر إلى سجل القضاء الباكستاني في هذه الأيام، فقد ترك لنا الانجليز في الهند وباكستان والسودان تراثا قانونيا وقضائيا مشتركا وثقافة واحدة، وخدمة مدنية متميزة، فإذا كانت المحكمة العليا هي المؤسسة التي التف حولها الشعب الباكستاني لاستعادة الديمقراطية والتخلص من حكم الانقلابيين والمؤسسة العسكرية، حيث حكمت المحكمة العليا ببطلان فصل رئيس المحكمة العليا في باكستان، كما حكمت بحق نواز شريف وشقيقه في العودة غير المشروطة، فإن تاريخ القضاء السوداني قد أنجز الآتي:

    1 ـ في عهد أكتوبر حكم ببطلان حل الحزب الشيوعي وبطلان تعديل الدستور.

    2 ـ في عهد مايو وحكم جعفر نميري أضرب القضاة ثلاثة أشهر عام 1983 وأجبروا النميري على الاعتذار الصريح للقضاة وإعادة القضاة المفصولين، وقد كان إضراب القضاة السبب الأساسي لكسر هيبة نظام مايو وسقوط نظام جعفر نميري.

    3 ـ أبطلت المحكمة العليا حكم الطوارئ بردة الأستاذ محمود محمد طه، الذي أعدمه وصلبه جعفر نميري، وأعادت له المحكمة العليا اعتباره، وبذلك أصبح الأستاذ محمود أول شهيد يقتل ويحاكم بالردة بسبب أفكاره ومعتقداته ومكنونات ضميره، ثم يرد له اعتباره قضائيا.

    فداك شعبك يا أستاذ علي محمود حسنين، وفداك روح الأزهري الكبير وروح محمد الأزهري الابن الطاهر النقي، وفداك الأستاذ سعد إبراهيم ياجي المحامي شريك المهنة والعمر، فقد قدمتما أفضل نموذج لمكتب محاماة هو مدرسة من مدارس العدالة، كما هو الحال عند أدهم وأبو الريس، وتجارب عبدالله الحسن وأبو شكيمة ومحمود الشيخ والحسين أحمد صالح والكارب ومدني، فالقضاء الواقف عندنا في السودان مفخرة كما هو القضاء الجالس، فإني أتحدى السيد وزير العدل أن يتكرم بتقديم الأستاذ علي محمود حسنين للمحاكمة الفورية، فإن قائمة المحامين التي ستدافع عنه ستفوق الألف، وعلى يقين بأن القضاء السوداني سوف يبرئه، وليدم القضاء «الجالس والواقف» رمزا لاستعادة الحرية والحقوق لشعوبنا في العالم الثالث، والتحية للقضاء في باكستان، والتحية لقضاتنا في السودان وشعبك فداك يا أستاذ علي محمود حسنين.


    الوطن القطرية 27 اغسطس 2007
                  

06-29-2008, 03:17 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    عماد موسى محمد : علمُ الوحي الذي لا يتبدل لا تُغيِّره النظريات المتبدِّلة!


    استضاف برنامج «الجزيرة هذا الصباح» في فضائية «الجزيرة» الأسبوع قبل الماضي اختصاصية سودانية في علم النفس تقيم في لندن، هي د.ناهد محمد الحسن، طرحت ـ هداها الله ـ من خلال أجوبتها عن أسئلة مقدمة البرنامج رؤيتها في مسألة «تعدد الزوجات» استنادا إلى نظريات نفسية وفلسفية، واعتمادا على حديث هي لا تعرف درجته على الحقيقة، وردت التفسير الصحيح للآية القرآنية المُحكمة التي أباحت التعدد، مستنتجة ـ تبعا لذلك ـ اعتراضها على شرعية التعدد، طارحة الموضوع من زوايا متعددة ومتناقضة، من أبرزها المصطلحات المولدة من «الصراع» القائم في بيئات غربية بين الرجل والمرأة، ولم تنس في سياحتها المتنوعة تلك أن تذكر لنا ما أنتجته آلة الغرب الفكرية والقانونية نتيجة لهذا الصراع كميثاق «القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة» ـ سيداو ـ كما تحدثت عن معايير اختيار الشريك من جوانب نفسية وإنسانية، ودعمت ما تراه صحيحا من أفكار ورؤى بأقوال من الأناجيل وابن عربي والتاريخ والميثولوجيا!

    وقبل أن ندلف إلى التفصيل في رد أقوالها لابد لقرائنا الكرام أن ينتبهوا إلى أن مجال العلوم الإنسانية عموما مجال رحب وواسع ترفده كثير من النظريات التي يفترضها واضعوها فيبنون عليها ثم يتضح بعد ذلك خطؤها وزيفها، هذا فضلا عن احتوائها على الأقوال الخرافية والنظريات الفلسفية والتاريخية الخاطئة عن نشأة الإنسان أو نشوئه وتطوره، كما في نظرية دارون التي هجرها كثير ممن تبنوها، هذا إضافة إلى نظريات علم الاجتماع وغيرها من العلوم الإنسانية التي تمد علم النفس بأفرعه المختلفة.

    ولذلك انتبه بعض عقلاء المسلمين من نابهي المتخصصين في علم النفس لكثير من قواعده المخالفة للشريعة الربانية وللفطرة البشرية وللعلوم النفسية الصحيحة المنبثقة من هذا العلم، وكان من أوائل من لفت الأنظار إلى هذا في بداية دراستنا الجامعية العلامة البروفيسور «مالك بدري» اختصاصي علم النفس السوداني المعروف محليا وعالميا، والمحاضر في الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا سابقا وباكستان ـ حاليا ـ حيث ألف كتابا بالانجليزية في هذا الباب سماه «معضلة علماء النفس المسلمين ـ عالم النفس في جحر الضب» أشار فيه إلى توافر علم النفس على كثير من النظريات والقواعد المخالفة بل المصادمة لأصول الشرع الحنيف كنظرية «فرويد» وغيرها، كما قدم رؤية نقدية شاملة لعلم النفس الغربي في «المؤتمر الرابع الذي أقامه المعهد العالمي للفكر الإسلامي في الخرطوم 1407هـ حيث وضع معيارا للمقبول والمرفوض في علم النفس حيث بنى معياره ـ كما نقل ذلك د.عبدالله الصبيح في مجلة جامعة الإمام عدد 22 ـ على «أن علم النفس هو في الحقيقة علم تجريبي وفلسفة وفن»، ويرى أن نقبل ما كان منه ضمن العلم التجريبي بشكل عام ولكننا نرفض خلفيته الفلسفية وبعض أساليبه وممارساته التي تتنافى مع ديننا «أما ما كان منه ضمن الفلسفة وهو ما تجده في النظريات العامة عن الإنسان وطبيعته فنرفضه، ولكننا لا نستنكف عن الاستفادة من بعض جوانبها المفيدة»

    وقد وضع البروفيسور مالك بدري قاعدتين تحددان الموقف من علم النفس الغربي أولاهما انه كلما كانت المواد التي تأخذها من علم النفس الغربي اكثر اعتماداً على البحث التجريبي الميداني فإنها تكون أكثر قبولاً واتساقاً مع الفكر الإسلامي، وفي المقابل كلما كانت المواد اكثر اعتماداً على النظريات الأريكية Armchair Theories فإنها تزداد بعدا عن التصورات الإسلامية.

    أما القاعدة الثانية التي أصلها: انه كلما كانت المواد النفسية الحديثة تدرس جانباً محدوداً من السلوك كدراسة الإدراك الحسي أو زمن المرجع أو الذكاء أو تأثير العقاقير العلاجية على السلوك كانت اكثر قبولاً من الناحية الإسلامية، وفي المقابل كلما كانت هذه المواد تهتم بالسلوك الإنساني العام فإنها تزداد بعداً عن المظلة الإسلامية.

    لكن بعض المختصين النفسيين أثاروا اعتراضاً لطيفا وان قبلوا تأصيل البروفيسور عموماً، وهو أن التجارب المعملية النفسية هي استجابة لأطر ومسلمات فلسفية انطلق منها الباحث من حيث يشعر أو لا يشعر، وضربوا مثالاً على ذلك بالتجارب المعملية للمدرسة السلوكية، فربما ـ كما قالوا ـ تتوافر فيها جميع شروط البحث العلمي الجيد، لكنها مع ذلك ليست متحررة من تأثير بعض المسلمات الفلسفية، من ذلك حصر المدرسة المذكورة موضوع علم النفس في السلوك الظاهر فقط واهمال ما سواه من السلوك الإيماني الباطني وغيره.

    وقد فصل د. عبدالله الصبيح في بحثه المذكور القول في الاشكالات التي واجهها علماء النفس المسلمون في محاولاتهم لتصفية هذه العلوم الإنسانية مما اعتراها من شوائب كثيرة فناقشوا المصطلح ونفوا ان يكون غرضهم هو «علم النفس الديني» وإنما هو إعادة صياغة المعرفة على أساس من علاقة الإسلام بها، وتأصيل هذا العلم «إسلامياً» وذلك بالكشف عن آيات الله وسننه في الإنسان ومعرفة المنهج الأمثل لحياته مما يحقق له السعادة في الدنيا والآخرة، ومعرفة اسباب انحراف الإنسان عن الحياة المثلى السوية، كما ناقشوا «نظرية المعرفة» التي تستند إليها العلوم الوافدة من الغرب ومدى اتفاقها مع المفهوم الإسلامي لنظرية المعرفة كما فعل د. جعفر شيخ ادريس الذي خلص إلى أن الإطار الذي تنطلق منه العلوم الإنسانية إطار الحادي مادي يؤمن بالمادة ويحصر مناهجه في المحسوس فقط، كما ناقشوا التعارض ـ إن وجد ـ بين ما ثبت عن طريق الوحي وما ثبت عن طريق هذه العلوم وانتقدوا ما يقع فيه كثير من المسلمين المختصين مما سموه بـ «التأويل والاسقاط» وهو ان يفسر الباحث نصوص الوحي من خلال نظريات ومفاهيم نفسية كتشبيه بعضهم أحوال النفس (المطمئنة والأمارة واللوامة) الواردة في القرآن بأقسام النفس الثلاثة في نظرية فرويد في التحليل النفسي (اللهو، والاناء، والأنا الأعلى)، وفي هذا ترويج لفكر فرويد رغم ان هذه النظرية رفضها كثير من الباحثين في الغرب ـ راجع المصدر السابق.

    كما حذر هؤلاء العلماء من الوقوع في «التوظيف والاشتقاق» السلبي الذي يترتب عليه معارضة الحقائق العلمية الشرعية وغير الشرعية، كما يترتب عليه ان يحتوي المفهوم على «التناقض الداخلي» للنظريات والمفاهيم بحث يؤدي ذلك إلى رفضها.

    أطلت النفس في هذه الجزئية حتى يكون التصور واضحاً في فهم نقدنا لبعض ما طرحته د. ناهد محمد الحسن في «الجزيرة» ثم ما طرحته كذلك في محاضرتها بمركز «أصدقاء البيئة» وقمت بالرد عليها هنالك باختصار لضيق الوقت الذي أذن لي بالحديث فيه، وكان ما طرحته هي في «المركز» تفصيلاً لما اختصرته في «الجزيرة» ولاحظت في محاضرتها ميلاً واضحاً للتأصيل الفلسفي الباطني الذي هو اقرب لمنهج الباطني الصوفي الفلسفي السوداني محمود محمد طه المقتول ردة في ثمانينيات القرن الماضي لذلك لم اتعجب لمباركة المحاضرة لفكر صاحب «الفكرة» ولا لثناء «بنته اسماء محمود محمد طه» على المحاضرة، فالطيور على اشكالها تقع، والناس كأسراب القطافي تشابه الظاهر والباطن.

    وياللعجب: فقد كانت اول اجابة للدكتورة ناهد عن سؤال مقدمة البرنامج في الجزيرة عن عبارة ذكرتها الدكتورة عن مسألة التعدد كانت طرحتها في «النادي الاميركي بالخرطوم» والعبارة تقول «الانسانية تطورت من الوحدة الى التعدد وستعود مرة اخرى الى «الوحدة»! ثم طفقت الدكتور تبني على هذه الفرضية الضعيفة غير المؤسسة بأدلة يعلم علماء المسلمين بطلانها حيث زعمت انها قصدت بعبارتها تلك ما شرحه محيي الدين بن عربي. للحديث القدسي «كنت كنزا مخفيا فأحببت ان أُعرف فخلقت الخلق فبي عرفوني» ثم زعمت ان الصفات الالهية تتجلى بعظمتها وجمالها في النسل البشري نتيجة كل لقاء بين رجل وامرأة! وقد صدق القائل:

    والدعاوى ان لم يقيموا عليها

    بينات اصحابها ادعياء

    فالعبارة الاولى دعوى باطلة وما بنيت عليه دعوى اخرى مثلها لان الحديث الذي ذكرته ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعرف له صحيح ولا ضعيف كما قال ابن تيمية وشهد عليه الامام العجلوني بالوضع في كتابه الشهير «كشف الخفاء» حديث رقم 20016 وتبعه الزركشي وابن حجر العسقلاني والسيوطي في «اللآلي المصنوعة في الاحاديث الموضوعة» ثم ان وصف ابن عربي بهذا التفخيم فيه اعجاب في غير محله فالرجل معروف عند العلماء قديما وحديثا بأنه من اشهر الداعين الى العقيدة المخالفة للاسلام المسماة «وحدة الوجود» التي من ثمارها انكار تفرد الواحد الاحد بالوحدانية وصفات الجلال والكمال بل ويرى ان الكون كله ما هو الا مظاهر لعلم الله! وان الذين عبدوا الاصنام ما عبدوا في الحقيقة الا الله ولذلك - يا للحسرة- ترى الدكتورة ناهد ان النسل البشري ما هو الا تجليات لصفات الله! - تعالى عما يقولون علوا كبيرا - وقد رد العلماء في القديم والحديث على من دعا الى هذه العقيدة وبينوا مخالفتها للشرع والفطرة.

    وابن عربي لا يختلف كثيرا عن الحلاج الذي قتل بسيف الشرع بل حكم عليه صوفية زمانه بالضلال والمروق عن الاسلام حيث دعا ابن عربي الى وحدة الوجود ودعا هذا الى حلول الله في خلقه تعالى عما يشركون فأين التأصيل العلمي المبني على قواعد العلم نظريه وتجريبه يا د. ناهد؟ ما علاقة هذا الكلام بالدليل الشرعي الصحيح او الدليل العقلي الصريح لانهما لا يتناقضان ابدا فما من دليل شرعي ديني عارضه دليل عقلي ابدا فكيف بدليلها الذي طرحته فلا هو دليل عقلي صريح ولا هي بنت علي دليل شرعي صحيح بل استدلت بكلام رجل من منحرفي الفلسفة الصوفية الباطنية يرى ان «خاتم الاولياء» افضل من خاتم الانبياء صلى الله عليه وسلم حتى قال عنه ابن تيمية «ومنهم من يدعي ان خاتم الاولياء افضل من خاتم الانبياء من جهة العلم بالله وان الانبياء يستفيدون العلم بالله من جهته كما يزعم ذلك ابن عربي صاحب كتاب «الفتوحات المكية» وكتاب «الفصوص» فخالف الشرع والعقل مع مخالفة جميع انبياء الله تعالى واوليائه كما يقال لمن قال «فخر عليهم السقف من تحتهم» لا عقل ولا قرآن! وكان الشيخ ابن تيمية قد قال العبارة السابقة لمن قرأ عنده الآية «فخر عليهم السقف من فوقهم» فقرأها «فخرّ عليهم السقف من تحتهم» فالتفت الشيخ وقال: «سبحان الله ألا عقل ولا قرآن»!

    ونحن هنا نطرح نفس العبارة لمن قرأت مستدلة بفهم ابن عربي الباطني بالآية «أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما» فقرأت «السماء كانتا رتقا» فكسرت راء «رَتقا» وقرأت «كانتا» المستعملة للمثنى للسماء وقرأتها مفردة، فوقعت في تخبط في القراءة والاستدلال والفهم، لأن مقصودها أنه لما كانت السموات والأرض رتقا فكذلك البشرية كانت على الوحدانية ففتقت وصارت «تعددية» ثم ستعود إلى سيرتها الأولى «وحدانية» وما أدري هل ترضى ان يكون إمامها في فهم الدين والعمل به سيد المرسلين ام ابن عربي الذي خالف الشِرعة والفطرة والأنبياء والمرسلين والأولياء المتقين، وأخرجه صوفية زمانه من طريق المتصوفين.

    ثم إن رب العزة والجلال ذكر لنا في كتابه ان خلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس وان خلقهما بهذا الإبداع والتقدير القائمين على العزة والعلم إنما هو دليل كذلك على قدرة الله على بعث عباده بعد ان كانوا رميما: «وضرب لنا مثلا ونسي خلقه..» إلى قوله «أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم، بلى وهو الخلاق العليم» (يس 78- 81).

    وأن في خلقهما وغيرهما لآيات لأولي الألباب، فهل تستطيع الدكتورة ناهد ان تأتي لنا بدليل شرعي أو عقلي أو منطقي على صحة استدلالها بالدليل السابق وعلى حتمية عودة البشرية من «التعدد» الى الوحدانية؟ بل الدليل حجة عليها شرعا إذ ان الله الذي هو قادر على خلق السموات والأرض وتوسيع أرجاء السموات وبسط الأرض وخلق كل شيء من زوجين في إحكام بديع هو الذي شرع لنا التعدد واباحه لمن التزم بشروطه الشرعية فالتقت الخلقة الربانية مع الشِرعة الربانية فسبحانه من لطيف خبير «ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير»؟ «والسماء بنيناها بأيدٍ وانا لموسعون، والأرض فرشناها فنعم الماهدون، ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون،ففروا إلى الله انى لكم منه نذير مبين، ولا تجعلوا مع الله إلها آخر إني لكم منه نذير مبين» (الذاريات 47- 51).

    أرأيت يا د. ناهد كيف جلت الآيات الخمس السابقة الأمر لكل عاقل بأنه سبحانه جعل هذه العوالم العظيمة نعمة للإنسانية وتسخيرا لها ليفر العباد الى ربهم بطاعته وشكره وتذكّر نعمته لا بأن تضرب آيات الله بعضها بعضا وتعرض عن المعاني الصحيحة الى معان متعسفة لا دليل لها ولا أساس، ولذلك ونتيجة لهذا الفهم السقيم تفوهت المذكورة بعبارات لو مزجت بماء البحر لمزجته منها أنها عندما سئلت عن الحياة الزوجية السعيدة قالت: «الحياة الزوجية السعيدة هي ليست هبة الهية وانما نحن نشقى.. نحن ندافع حتى لا يحصل اختطاف في الحياة الزوجية» وهي هنا ما زادت على ان جعلتها صراع الغاب القائم على النظرية الباطلة «البقاء للأقوى»، وصدق القائل:

    ولربما جهل الفتى أثر الهدى

    والشمس بازغةٌ لها أنوار.

    وللحديث بقية إن شاء الله

    http://www.al-watan.com/data/20080214/innercontent.asp?val=writer1_1
                  

06-29-2008, 03:22 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    آخر تحديث: الثلاثاء25/12/2007 م، الساعة 12:19 صباحاً بالتوقيت المحلي لمدينة الدوحة

    حكاية البنت الأمريكية تشيري التي تبحث عن جذورها الإفريقية

    أوراق من شيكاغو قبل طوفان القاعدة



    بقلم: جهاد الفكي...

    كان فصل الشتاء في ذلك العام قاسيا، لم تشهده المدينة - بشهادة أهلها - منذ اكثر من ستين عاما. الثلوج غطت الأرض المخضرة فأضحت كأنها حقل قطن ينتظر الحصاد . بلدية شيكاغو استغاثت بالحكومة الفدرالية لزيادة مخصصاتها لإذابة الثلوج إذ إن ما خصص لها من أموال نفد في الشهر الأول، وتلك لعمري ميزانية تعادل ميزانية دولة أو اثنتين من دول عالمنا الثالث.

    في ذلك الشتاء الرهيب كان سيد البيت الأبيض الرئيس بيل كلينتون يلملم أغراضه ويتأهب لمغادرة المكتب البيضاوي بعد انقضاء فترة رئاسته الثانية، بينما كان سيد البيت الجديد جورج دبليو بوش وفريقه من النيوكونز يتأهبون لدخوله، بعد انتخابات ستظل هي الأشهر في تاريخ الولايات المتحدة لما شابها من لغط واتهامات بالتزوير.

    كنت كعادتي استغل القطار(subway) من محطة كيدزي في شمال المدينة إلي الشارع رقم (63rd 63st) في جنوبها، ومن هناك استقل الأتوبيس لتكملة المشوار إلي منطقة ويسترن western كانت محطة الأتوبيسات علي غير العادة،تكاد تكون خالية من الركاب: ثلاثة أو أربعة من الزنوج الأمريكان المتدينين الذين يحرصون علي أداء صلوات يوم الأحد، بعد انتظار ليس بالطويل وصل الأتوبيس إلي محطة الشارع الثالث والستين. صعدنا بلا زحام وارتميت علي أقرب مقعد خلف المقاعد المخصصة للنساء، حيتني شابة أمريكية أفريقية وجلست علي المقعد الذي يلي مقعدي مباشرة، رددت عليها التحية، وواصلت القراءة في كتاب كنت أحمله معي للصحافية الأمريكية المخضرمة جوديث ميلر مراسلة نيويورك تايمز في القاهرة (God has nitity nine names) وترجمته إلي أسماء الله الحسني وعادة القراءة في القطارات والأتوبيسات هذه تعلمتها من الأمريكيين. فالكل يقرأ حتي لو لم يجد مقعدا يظل يقرأ وهو واقف. فهؤلاء قوم الزمن عندهم له قيمة وتقدير لا يهدرونه فيما لا يفيد. كانت ميلر وخلال فترة عملها كمراسلة للنيويورك تايمز بالقاهرة قد غطت الكثير من الأحداث بالمنطقة، وصورت بصورة مؤثرة في الفصل الخاص بالسودان لحظات إعدام الأستاذ محمود محمد طه زعيم الجمهوريين في 18 يناير 1985 من قبل نظام الرئيس السابق جعفر النميري وحلفائه من جماعة الإخوان المسلمين بزعامة الشيخ حسن الترابي. ميلر كانت حاضرة في ساحة سجن كوبر لحظة الإعدام، ولأن التاريخ ليس ببعيد وكنت أعيه تماما كأنه حدث اليوم تذكرت كيف أن الأستاذ تبسم ساخرا من جلاديه، ومضي إلي ربه في هدوء وسكينة، رفض في كبرياء وإباء الاستتابة مفضلا الموت عن التراجع فيما اعتقد وآمن به وأفني عمره في سبيل الدعوة إليه. قد يختلف الناس علي الدعوة الجمهورية ولكن ما لا يختلفون عليه موقف الأستاذ وثباته علي المبدأ. تذكرت أصوات بسطاء السودانيين تهدر من كل حدب وصوب في ساحة الإعدام لن ترتاح يا سفاح . لم تكد الأمريكية الأفريقية تستقر في مقعدها حتي فوجئت بها تجلس إلي جواري، أيقنت أنها تنوي فتح حوار معي، ذلك أن تجربتي مع الأمريكيين من أصول أفريقية انهم قوم ثرثارون خاصة إذا وجدوا من يصغي إليهم. قالت: يبدو أن هذا الكتاب الذي تقرأه مهم وممتع من عنوانه، وقبل أن انبس ببنت شفه أردفت قائلة: من أي بلد أنت؟ علي الفور رددت أبياتاً من قصيدة صلاح أحمد ابراهيم، قلت: من أفريقيا، من صحرائها الكبري وخط الاستواء.

    شحنتني بالحرارات والشموس

    وشوتني كالقرابين علي نار المجوس

    لفحتني فأنا منها كعود الأبنوس

    قالت: وهل أفريقيا كلها أصبحت قطرا واحدا؟

    اندهشت حقا من سؤالها لأنني وخلال تعاملي مع الافروأمريكان الذين كانوا يسألونني عن بلدي، وأجيبهم بأنني أفريقي يكتفون بذلك الجواب ويبدون إعجابهم بالزعيم الجنوب أفريقي العملاق نيلسون مانديلا، وبنفرتيتي. وقلة منهم من الذين أصادفهم في المترو دعوني لحضور فعالية ثقافية بمتحف التراث الأفريقي،او بجامعة الينوي او بالداون تاون، وبعضهم تحدث معي عن ألبان أفريكان وجيل الآباء المؤسسين: أحمد سيكتوري، المعلم جوليوس نايريري، كوامي نكروما والزعيم باترس لوممبا الذي ترك حادث اغتياله الجبان غصة في حلق الزعيم مالكوم اكس حيث لم تخل خطبة من خطبه النارية من الإشارة إليه وتحميل الرجل الأبيض وزر ذلك الاغتيال الإنسان رخيص، وأحيانا يتشعب بنا الحديث إلي السينما والمسرح والأدب وسمبيني عثماني وول سونيكا والروائي اليوغندي واثنقو انقوقي وسنغور. ولكن مع ذلك فهؤلاء قلة كما قلت ولا يصادفهم المرء كل يوم.

    قالت: معذورون، لأنهم لم يتلقوا قدرا وافيا من التعليم، خرجوا للعمل في سن مبكرة، فالظروف هنا لم تكن تسمح للكثيرين منهم بمواصلة تعليمهم. قلة خدمتها الظروف وكانت لديهم الرغبة والعزيمة في تغيير واقعهم المزري ففعلوا.

    قلت: قومك يا هذي لهم من الفرص ما لو وجدناه نحن أبناء أفريقيا التعساء في الصومال والنيجر والسودان والجابون والسنغال لسارت بذكرنا الركبان ،إنما قومك أوقفوا التاريخ عند حقبة العبودية والاسترقاق يريدون محاكمة التاريخ.

    قالت: علي مهلك وقبل ان تحاكمهم دعني أقول لك، نحن لا نريد أن نحاكم التاريخ، ولكننا نحاول التخلص من آثار تلك الحقبة الكئيبة في تاريخنا وتاريخ آبائنا وأجدادنا. فأنا مثلا لم اعش تلك الحقبة ولكن آثارها لا تزال باقية في. إن من يعيش تجربة الاسترقاق سيدي سيظل يعاني منها لأجيال، سيظل مطأطئ الرأس حسيره. إنها تجربة قاسية تلقي بظلالها علي حياة الإنسان وبالتالي تحكم كل تصرفاته في الحياة. ولأنك لم تعش هذه التجربة لن تشعر بمرارتها أبدا. لذلك أقول لك إن الأمريكيين الأفارقة في هذا البلد معذورون لانهم لن يتمكنوا من التخلص من عقدة الاسترقاق هذه ومهما حاولوا ستظل تحكم تصرفاتهم إزاء الآخرين. لم تقل لي من أي بلد أنت بالضبط؟

    نحن جنوب مصر مباشرة البعض يربطنا بدول شرق أفريقيا والقرن الأفريقي. من السودان هل سمعت به.

    وما أن نطقت باسم السودان حتي هتفت تشيري بأعلي صوتها، الله من السودان أنت؟ نعم من السودان هل زرته من قبل او سمعت به؟

    لا لا لم أزره ولكنني بالطبع سمعت بالسودان وقرأت عنه الكثير،وأنا مهتمة جدا بتاريخه وأخباره. الأسبوع الماضي شاهدت فيلما في الكنيسة عن الرق عندكم: انه أمر مرعب ووصمة عار في جبين الإنسانية أليس كذلك؟.

    شخصيا لم أشاهد تلك الأفلام ولكن ان كان ما تقولينه صحيحا فهو بلا شك وصمة عار علي جبين كل سوداني، ولن يستطيع أي عاقل أن يدافع عن ذلك.

    لم تقل لي من أي منطقة من السودان أنت: من الجنوب أم الشمال؟

    لن أجيبك قبل أن أعرف سر اهتمامك بالسودان.

    أنا أدرس التاريخ في جامعة الينوي وكنت ابحث في مكتبة الجامعة عن مرجع معين وبالصدفة وقعت عيناي علي كتاب عن تاريخ السودان تصفحته فشدني فقررت استعارته، كان يحكي عن الحضارات القديمة في السودان: مروي وكوش ونبته ومن يومها وأنا شغوفة جدا بتاريخ السودان وبمتابعة أخباره. وربما من خلال بحثي عن أصولي الأفريقية أصل إلي حقيقة أن لي جذورا سودانية. الا تريد ان تقول لي من أي منطقة بالسودان أنت؟

    وأنت رغم اهتمامك واطلاعك علي تاريخ بلدي لا تستطيعين التخمين، من أي منطقة أنا...؟

    اعلم أن سكان الجنوب أصولهم أفريقية صرفة وسكان الشمال بعضهم عرب وبعضهم عرقهم مختلط فيه دماء أفريقية.

    وكيف ترين الجالس لجوارك؟

    أراك أفريقي الدم فلونك اسمر مثل لوني، ولا شك لدي أبدا انك أفريقي الدماء والانتماء.

    نعم أنا كذلك.

    تشيري كانت تحمل معها إنجيلها وأوراقا وكأي أمريكي أفريقي يعتقد بداهة ان الأفارقة عموما يدينون بالمسيحية واعتقدت المسكينة إنها وجدت صيدا ثمينا وأنها تستطيع تجنيدي لصالح كنيستها. بدا ذلك واضحا لي منذ استبدالها لمقعدها وجلوسها الي جواري وأيقنت انها من جماعة شهود الإله يهوه فهؤلاء لا يكلون ولا يملون من اصطياد الناس في المقاهي وفي أماكن عملهم وفي الجامعات والتحدث إليهم عن المسيحية. تركتها تحدثني عن المسيحية دون ان أقاطعها بكلمة واحدة، وبعد ان أنهت حديثها وخطبتها المطولة التي ختمتها بدعوتي للنزول معها في محطة أشلاند للصلاة في الكنيسة. سألتها ببراءة ما الذي يمكن أن يغري شخصا مثلي -نشأ في أسرة مسلمة كابرا عن كابر وتشرب بأدب القوم المتصوفة وشهد حلقات الذكر التي كان يقيمها السادة الختمية في دارنا، الا أنني وفي مرحلة لاحقة وجدت نفسي أميل إلي السادة السمانية مني إلي الختمية - وهذا لا ينفي حبي للسادة الختمية ومدائحهم ومكانتهم الخاصة في نفسي -خاصة بعد تعرفي إلي العالم الجليل والشيخ الورع البروفيسور حسن الفاتح قريب الله عطر الله ثراه، ولكني لا، نعم ما الذي يمكن أن يغري شخصا مثلي الي المسيحية؟ ولماذا افترضت بداية أنني مسيحي. لم اترك لها فرصة للحديث - كان الزمن وقتها يسمح لمسلم مثلي يعيش في بلاد العم سام ويتمتع بحرية ضنت بها علينا أوطاننا وسلبنا إياها حكامنا الذين يحكمون بالحق الإلهي بالاسترسال واستعراض عضلاته، لم يكن المسلم هناك متهما بسبب عقيدته ولا قيود عليه مثلما هو حادث اليوم بعد طوفان القاعدة - حيث اصبح المسلم هناك يسير إلي جنب الحائط - أردفت قائلا هل شاهدت فيلم مورغان فريمان ارمستيد المعروض الآن علي شاشات السينما؟ أجبت بالإيجاب. قلت ما الذي خرجت به من هذا الفيلم وأنت تبحثين عن جذورك الأفريقية؟ هل رأيت الأفواج الأولي للمهاجرين وهم يصلون صلاة المسلمين؟ هل أنت علي قناعة بأن الغالبية من المسترقين الأوائل كانوا يدينون بالإسلام وان تحولهم للمسيحية تم بعد وصولهم إلي هنا "أمريكا ؟ وافقتني علي كل ما طرحت، ولكنها بالطبع لم تعدم تبريرا لاعتناقها للمسيحية. قالت: أنا أيضا تربيت في أسرة مسيحية كما تربي أبي وأجدادي، يعني اعتنقنا المسيحية بالتوارث. تخيل انك طفل صغير وتم انتزاعك من حضن أمك وفرض عليك الذهاب إلي الكنيسة كل يوم أحد منذ ان كنت طفلا إلي ان أصبحت راشدا وتشبعت بالتعاليم المسيحية فماذا تصير؟ هذا ليس مقنعا لي ياتشيري فها أنت اليوم وبعد عشرات بل مئات السنين علي انتهاء حقبة العبودية والاسترقاق تتجهين لدراسة التاريخ فقط لمعرفة من أين جاء أسلافك الأولون، وما دام الأمر كذلك فلماذا لا تدرسين الإسلام لتعرفي لماذا اعتنق أسلافك تلك الديانة وما هو الشيء الذي ميز الإسلام عن غيره من الديانات الأخري؟. وأردفت هل قرأت شيئا عن الإسلام؟ أجابت بالنفي. وما الذي يمنعك عن ذلك؟ لم تكن تشيري تملك إجابة واضحة عن تساؤلاتي ولكن المؤكد انها ندمت علي جلوسها بالقرب مني. وعلمت منها فيما بعد وكما خمنت إنها تنتمي لجماعة شهود الإله يهوه وانها جندت وأدخلت العشرات في جماعتها ولكن حظها العاثر في ذلك اليوم رماها - كما يقول شيخنا الطيب صالح - مع فريسة في إهاب صياد. وعدتها ان كانت لا تمانع في قراءة بعض الكتب عن الإسلام بأنني علي استعداد لمدها بما تريد فوافقت بعد تردد. ظللنا نلتقي بصورة دورية في أيام الأحد، أهديتها ترجمة الأستاذ عبد الله يوسف للقرآن الكريم ومناظرات الشيخ أحمد ديدات مع القس شاروس وكتاباً عن الرق في السودان للدكتور سكينجه وغيرها من الكتب والأشرطة الإسلامية لكنك لن تهدي من تشاء.


    http://www.raya.com/site/topics/article.asp?cu_no=2&ite...e_id=29&parent_id=28
                  

06-30-2008, 06:20 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    اتفــــــاق التراضــي الوطـني (3-1)
    د. أحمد إبراهيم أبوشوك
    شهد شهر مايو 2008م حدثين سياسيين مهمين في تاريخ السودان المعاصر، كان لهما وقعٌ صاخبٌ على المشهد السياسي، حيث ارتبط أحدهما بالهجوم المسلح الذي شنته حرك

    ة العدل والمساواة على العاصمة القومية، أمدرمان، بُغية إرسال إشارة إلى حكومة الخرطوم لتعيد النظر في ترتيب أولويات الحوار السياسي بشأن أزمة دارفور، وتجلى الآخر في الاتفاق الذي أبرمه حزب الأمة القومي مع حزب المؤتمر الوطني تحت مظلة "التراضي الوطني"، تعللاً بتنقية المناخ السياسي من شوائب الشمولية، وإعداد الشارع السوداني لخوض غمار المعركة الانتخابية القادمة. ونودّ في هذه الحواشي أن نلقي ضوءاً ساطعاً على حيثيات "اتفاق التراضي الوطني" الذي جرت مراسيم توقيعه بمنـزل السيِّد الصادق المهدي بحي الملازمين في 20 مايو 2008م، ونصحب ذلك بمواقف الرأي والرأي الآخر من تلك الحيثيات، ثم نأتي ببعض الملاحظات التحليلية على متون أطروحة التراضي، والمواقف المثمنة لها والقادحة فيها، علنا بذلك نسهم في تقويم موقف الطرفين، واندياح دائرة الحوار البناء على موائد السياسة السودانية وصُحفها السيَّارة التي تضج من آلام مخاض عسير لميلاد نظام ديمقراطي محفوف بالمخاطر.
    حيثيات وثيقة التراضي الوطني
    تتبلور وثيقة التراضي الوطني في سبع قضايا رئيسة، تشمل الثوابت الوطنية والدينية والحكم الراشد، وبناء الثقة وتهيئة المناخ السياسي لإحداث تدافع ديمقراطي، وحل قضية دارفور في إطار قومي خالٍ من أي ارتباطات أجنبية، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة، وكفالة الحريات العامة وتعديل القوانين المعارضة للدستور الانتقالي لعام 2005م، والإعتراف باتفاقية السلام الشامل (نيفاشا) ومكاسبها للجنوب، ثم إخضاع بعض بنودها للنقاش وتحويلها إلى اتفاق قومي، وتثقيف الإتفاق بين الحزبين تثقيفاً قومياً يؤسس لقيام تراضي سوداني شامل. وضَّح السيِّد الصادق المهدي الظروف التي أفضت إلى التوقيع على وثيقة التراضي في خطاب جماهيري بمنطقة "ود النَيَّل" بولاية سنَّار، في 26 مايو 2008م، حيث قال: "إن حزبه تبنى محاولات كثيرة، وصارع بقوة إلى أن حصل على التجاوب الحالي"، لا بحثاً عن السُلطة، لكن سعياً إلى تراضٍ سوداني يسهم في تحديد مسارات الحكم وتقويم آلياته في السودان. (المصدر: الأحداث، 27 مايو 2007م). ويرى مناصرو التراضي في حزب الأمة أن الدعوة إلى "الجهاد المدني" قد حققت طرفاً من غاياتها المنشودة، علماً بأن الإنقاذ بدأت إقصائية، ثم اعترفت بالرأي الآخر، والآن انصاعت لمبدأ الحوار في نسق قومي يهدف إلى تحقيق الحرية، والديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان، وهذا يعنى ضمناً الإعتراف بفشل النظام الشمولي كمنهج للحكم. ويثمِّن السيِّد الصادق المهدي هذا الموقف بقوله: "فكرة الإنتفاضة التي عملناها مع نظامي عبُّود والنميري في الظروف الراهنة ستدخل السودان في تعقيدات خطيرة جداً، فالقوات المسلحة ما عادت هي القوات المسلحة الوحيدة في الساحة، فهناك أكثر من مائة تشكيل عسكري، فإذا ما أدت الإنتفاضة كما تفعل دائما لخلق إضراب عام وفراغ سياسي كانت تملؤه القوات المسلحة، صار واضحاً بالنسبة لنا أن خلق الفراغ ستملؤه عشرات القوى المسلحة ذات الأجندة الضيقة والتحالفات الأجنبية. ولا أظن أن هناك وطنياً يفوت عليه مضرَّة هذا. لهذا فأنا أعتقد أن أفضل طريقة للتغيير صارت هي الإنتفاضة الانتخابية. ولدينا مصلحة في أن يتمَّ التغيير عبر الإنتخابات" (حوار مع صباح أحمد، آخر لحظة، 31/5/2008م). ومن وقائع هذا الحوار وأدبيات المنابر الإعلامية الأخرى لحزب الأمة يبدو أن قضية "الانتفاضة الإنتخابية" هي بيت القصيد الذي ارتكن إليه اتفاق التراضي الوطني حسب رؤية حزب الأمة القومي، ولا شك أن للمؤتمر الوطني أجندة أخرى في هذا السياق. وسأعود لقضية الإنتفاضة الإنتخابية في محور آخر، نسبقه بطرح السؤال المحوري عن الجديد في اتفاق التراضي الوطني، وموقف الرأي الآخر منه تثميناً وتجريحاً.
    ما الجديد في اتفاق التراضي الوطني؟
    طرح عدد من المادحين والقادحين في وثيقة التراضي الوطني هذا السؤال: ما الجديد في اتفاق التراضي الوطني؟ . فالأستاذ الدكتور الطيب زين العابدين يرى أن الإتفاق لم يأت بجديد في إطار الثوابت الوطنية التي تضمنها الدستور الانتقالي والاتفاقيات السابقة، بل إنه قدم بعض الحواشي وعرض مجموعة من المسائل الإجرائية، ويأتي في مقدمتها قضية الالتزام بقطعيات الشريعة واحترام العهود والمواثيق، وقومية الإعلام، والدعوة إلى تنفيذ توصيات هيئة الحسبة والمظالم، وتكوين لجنة لمراجعة أسماء الشوارع والمنشآت لتعميم الرمزية القومية، والتعاون بين حزب الأمة القومي والمؤتمر الوطني في تكوين بناء القطاعات الفئوية والطلابية والنقابية والمفوضيات.
    وينظر الدكتور عمر القراي إلى الجديد في اتفاق التراضي من منظور خلاف أيديولوجي قديم بين الإخوان الجمهوريين والسيِّد الصادق المهدي، حيث يصف الفقرات الواردة تحت الثوابت الدينية، التي تنادي بحرية العقيدة والضمير، والالتزام بقطعيات الشريعة، والتسامح في الاختلافات الاجتهادية بأنها منطلقات متناقضة مع ذاتها، "ولا يمكن أن تقوم في أي مجتمع في وقت واحد. وذلك لأن قطعيات الشريعة، لا يمكن أن توافق على حرية العقيدة. ولو كانت الشريعة الإسلامية توافق على أن يعتقد كل شخص ما يشاء، لما قام الجهاد، وأُحكِمَ السيف في رقاب المشركين حتى يسلموا، وفي رقاب أهل الكتاب حتى يعطوا الجزيّة عن يد وهم صاغرون." وبهذه الكيفية الأصولية يرى الدكتور القراي أن موضوع الثوابت الدينية عمل قادح في شرعية القيم السياسية التي أرستها اتفاقية السلام الشامل، ولا يقدم أنموذجاً للتراضي الوطني، "يشمل كل السودانيين مسلمين وغير مسلمين"، بل هو خطوة نحو ديمقراطية تعاقدية، "يمكن أن يتم فيها تزييف كل القيم الديمقراطية، باتفاق الأطراف على هذا التزييف. وإذا قدر للاتفاق أن يسير مداه، وتوحُّد الحزبان في الانتخابات، فإن مادة الدعاية الانتخابية، ستكون إعادة مسرحية الدستور الإسلامي، وستوظف المساجد، وتؤلف الفتاوى، بأنه لا يجوز للمسلم، أن يعطي صوته لغير المسلم، كدعاية ضد الحركة الشعبية (قراءة في اتفاق التراضي الوطني، سودانايل يونيو 2008م). وحاول القراي أيضاً أن يربط هذا الإنحراف السياسي من وجهة نظره بانحراف مادي آخر يتمثل في تنفيذ توصيات هيئة الحسبة والمظالم، التي تهدف من وجهة نظره إلى "دفع تعويضات آل المهدي" التي باع من أجلها السيِّد الصادق مبادئي الحزب." لا جدال أن الدكتور القراي له الحق في أن يختلف مع السيِّد الصادق المهدي أيديولوجياً، وأن يجرح في شرعية بنود اتفاق التراضي لأنها شأن عام، لكن تفسيره لتنفيذ توصيات هيئة الحسبة والمظالم بتعويضات آل المهدي فيه شطط، لأن الاتفاق لم يصرح بهذا الأمر. نعم أن الدكتور الطيب زين العابدين قد وصف بند الحسبة والمظالم بالغموض، واجتهد في شرحه بأنه "دعوة لإعادة المفصولين سياسياً"، وعلق السيِّد الصادق المهدي على هذا البند في إطار سؤال طرحته عليه الصحافية صباح أحمد بأن الدعوة إلى رفع المظالم تعني "إطلاق سراح المعتقلين، وإلغاء المصادرات، ورد حقوق المشردين من الخدمة النظامية والمدنية". ولا أدري من أين أتى الدكتور القراي بقضية تعويضات آل المهدي في هذا السياق العام، هل اجتهد في تفسير عبارة "إلغاء المصادرات وأضاف إليها تلك الحاشية؟ أم استنبط ذلك من وقائع الحوار الذي دار خلف الكواليس بين طرفي الإتفاق، ولم تحمله إلينا بنود الاتفاق نصّاً؟ القضية محل نظر!
    ويأتي موقف حركة القوى الجديدة الديمقراطية (حق) متسقاً مع موقف الدكتور عمر القراي وأكثر تشدداً، لأن "حق" تنظر إلى قضية الثوابت الدينية وقطعيات الشريعة بأنها أداة لنسف الدعوة بقومية الإتفاق ووطنيته، وأنها خطوة "لقيام دولة دينية لا يمكن لها على الإطلاق أن تكون دولة ديمقراطية، بل لا يمكن لها أن تكون إلا طغياناً منفلتاً، ودكتاتورية شمولية إقصائية حتى النخاع، وشراً مطلقاً حتى النهاية، لأن الذين يقيمونها لا يحسبون أنفسهم بشراً، وإنما تجسيداً للإرادة الإلهية. إن الإتفاق ما هو إلا محاولة بائسة لإعادة الحياة للمشروع الحضاري الساقط، والذي تخلى عنه حتى أهله ذاتهم." وبذلك يخلص نشطاء حق إلى أن الإتفاق يهدف في المقام الأول إلى إلغاء نيفاشا، لأن السيِّد الصادق المهدي من وجهة نظرهم ينظر إلى نيفاشا بأنها "مؤامرة إقصائية" ضد القوى السياسية الفاعلة في الشأن السوداني، وينسجم هذا المسعى من وجهة نظرهم مع رغبة المؤتمر الوطني في التحلل من التزاماته الناشئة عن نيفاشا واستحقاقاتها. وفي ظل هذا التراضي الثنائي وبُعده القومي المزعوم يستطيع الطرفان إلغاء مواثيق نيفاشا، والعودة إلى أدبيات السودان القديم وإرثها السياسي الذي تجاوزه الزمن (سودانيزأولاين، 26/5/2008).
    موقف نشطاء حزب الأمة من التراضي الوطني
    يبدو أن موقف نشطاء حزب الأمة منقسم حول توقيع هذا الإتفاق، فيوجد معسكر المؤيدين الذين ينطلقون من فرضيَّة مفادها أن الحوار مع الآخر هو نهج الحزب الثابت، وأن القرار السياسي يتغير حسب تَغيرُ الظروف السياسية المحيطة بالواقع المعاش، وأن اتفاق التراضي جاء في ظروف تغيير سياسي، تتجسد في انتقال حكومة الإنقاذ من مربع الإقصاء إلى مربع سماع الرأي الآخر، ثم أخيراً إلى مربع الحوار البنَّاء الذي يهدف إلى تحقيق ثلة من الثوابت التي ناضل حزب الأمة القومي وجاهد من أجلها جهاداً مدنياً في الثمانية عشر عاماً الماضية، ومن الشخصيات البارزة في هذا المعسكر الدكتور عبد النبي علي أحمد، والدكتور إبراهيم الأمين، واللواء معاش فضل الله برمة ناصر، والأستاذ رباح الصادق. ويقف في المعسكر المعارض مجموعة من النشطاء، الذين ليست لديهم معرفة تامة ببواطن الأمور، وبما يدور خلف كواليس الحزب، فهم يصفون اتفاق التراضي بأنه قفزة في الظلام، تمت دون علم قواعد الحزب، وأنه يصب في وعاء تمديد عمر حكومة الإنقاذ، ولا يقدم إطاراً قومياً يجُبَ ما جاء في الاتفاقيات السابقة، بل يظل ثنائياً في طرحه، وأم الأثافي أنه يطعن في رصيد الحزب القائم الجهاد المدني والمسلح منذ أن بزغ فجر الإنقاذ، وزد على ذلك أنه اتفاق مُهِّر مع جهة ليست محل ثقة، "وقد أثبتت تقلبات الأيام وحال السياسة السودانية أن المؤتمر الوطني لم يف بوعد واحد قطعه مع الآخرين، أو ينفذ اتفاقاً أبرمه لحل مشكل البلد"، ويسخرون من حيثيات التراضي الوطني والمؤيدين لها، ويصفونهم بقولهم: "تبررون"، أي تبررون لما لا يمكن تبريره (لنا مهدي عبد الله، تبررون، سودانايل، 30/5/2008م). ويقف في هذا المعسكر الصحافية لنا مهدي عبد الله، والأستاذ أبو هريرة زين العابدين، والأستاذ خالد عويس. إلا أن الأستاذة رباح الصادق تصف أنصار هذا المعسكر بقولها: "واختلط لدى قواعده [أي الحزب] الوهم بالحقيقة، خاصة وهناك أفواه أدخلت شفاهها، بعضها في الداخل وبعضها في الخارج، وبعضها عن جهل، وبعضها عن غرض تستغل تأخر أو محدودية حركة الجهات المسؤولة داخل الحزب لتنوير الأعضاء، وهذا باب كبير للبلبلة ندعو الله أن يتداركه الأحباب." (صحيفة أجراس الحرية، يونيو 2008م). ونلحظ أيضاً أن هناك خلط في أذهان بعض المعارضين عندما يثمنون الإتفاق من الناحية التكتيكية، ويقدحون في شرعيته من الناحية الإستراتيجية، علماً بأن التكتيك يجب أن يكون تمهيداً لترسيخ القيم الإستراتيجية، وأن الخطأ الناشئ فيه يترتب عليه خطأ في الإستراتيجية نفسها، لذا فعليهم أما أن يؤيدوا الإتفاق ويمضوا في ركب الأولين، أما أن يرفضوه جملة وتفصيلاً، ويسجلوا بذلك موقفاً معارضاً للإتفاق، دون أن يؤثروا خيار "مسك العصا من الوسط".



    http://www.alahdathonline.com/Ar/ViewContent/tabid/76/C...D/13303/Default.aspx
                  

07-01-2008, 00:28 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    د. عصام عثمان الهادى
    برز اهتمام كبير فى الاعوام الاخيرة فى منطقة جنوب شرق اسيا بموضوع ومضمون "الرسالة الثانية من الاسلام". ولعل المتصفح للمواقع المختلفة على الانترنت من تلك الانحاء يجد مايؤكد هذا القول متمثلا فى عدد كبير من الدراسات والمقالات التى تتناول او تشير او تعتمد على اطروحات "الرسالة الثانية
    من الاسلام
    ".
    وفى هذه المداخلة سأقوم بترجمة جزء يسير من ورقة قدمها استاذ القانون بجامعة الملايو بماليزيا الدكتور خو بو تيونج عن القوانين الاسلامية فى مؤتمر عقد فى شهر يوليو بماليزيا عن "دور المسيحيين فى عملية البناء الوطنى" وسأتبع ذلك بترجمة تعقيب المحرر بالاصدارة التى اوردت حديث د. تيونج.
    وقبل ان أورد النص المشار اليه اود القول بأن هذه الترجمة من اجتهادى الشخصى ولا أزعم لها الكمال.. لذا فانى أرجو من كل من يود مراجعتها الاطلاع على النص الاصلى ( الصفحتان الثالثة والرابعة) فى التوصيلة المرفقة وابداء اى اقتراح بتصحيح ما يبدو غير مناسب من الترجمة.
    الترجمة
    "يقول الدكتور خو بو تيونج استاذ القانون بجامعة الملايو فى ورقته بعنوان "القانون الاسلامى والدستورية" انه مالم يتم تطوير الشريعة الاصولية فان موضوع معاملة غير المسلمين سيبقى دائما حجر عثرة يجعلها دونا عن احكام القانون المعاصر ومتطلبات القرن الحادى والعشرين" انتهى
    ترجمة تعقيب المحرر
    "تناول د. تيونج فى ابحاثه عن الشريعة الاصولية وفقا للفهم السائد فى العالم الاسلامى موضوع التمييز القائم على اساس الجنس والدين, ورأى فيه مقدمة لصدام بين حضارتين, الغربية بارثها المسيحى واليهودى من ناحية, والاسلام من ناحية اخرى.
    الا ان الرسالة الثانية من الاسلام والتى يشير اليها د. خو بأنها الوجه الحقيقى للاسلام لاتعتمد التمييز على اساس الجنس او الدين, وان موجبات العدالة والمساواة فيها غير منقوصة.
    ويعتقد أنه قد اصبح حتما على المسلمين فى جنوب شرق اسيا ان يتخلو عن الاصولية ويتجهو نحو الرسالة الثانية من الاسلام حتى يكون ممكنا تحقيق المساواة وحقوق الانسان" انتهى.

    قرأت الحديث المشار اليه ثم كتبت هذه الرسالة فطالعنى قول الاستاذ للجمهوريين "أنتم غرباء الحق..ولكن غربتكم لن تطول..فأستمتعوا بها, من قبل ان تنظروا فلا تجدوا فى الارض الا داعيا بدعوتكم"


    http://www.necf.org.my/html/newsletter-sep-oct2001/berita_sep-oct2001.pdf ]
    _________________
                  

07-01-2008, 00:34 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    الإنسان قادم إلى المدينة

    ديوان شعر


    أحمد مصطفى الحسين

    الطبعة الأولى 1995




    إهداء

    إلى أبى وأستاذى محمود محمد طه
    والى أبنائه "الجمهوريين" حيث كانوا وكيف كانوا


    لقد جاءكم رسول، من أنفسكم .. عزيز عليه ، ما عنتم .. حريص عليكم .. بالمؤمنين ررؤف رحيم
    صدق الله العظيم

    تقديم
    فى إعتقادى أن شرح الشعر يفسده. وذلك لأن هناك دائما مسافة بين اللغة كأداة للتعبير والتواصل وبين الجو النفسى للقصيدة. وهذه بديهية نعرفها من تجربتنا فى حياتنا اليومية العادية. فالكلمة الشفوية المباشرة تحمل لمتلقيها كثيرا من الأبعاد والمعانى ما لاتحملها نفس الكلمة إذا كانت مقرؤة. ولهذا ما أردت شرحا بهذه المقدمة ، ولست بارعا فيه ، ولكنى أردت أن أوضح الظرف النفسى الذى نشأت فيه قصائد هذا الديوان وانى لأرجو أن تسعفنى فيه كلماتى المكتوبة وحسبى ما يتلقاه منه القارى وما يثيره فيه.

    لقد كانت علاقتى مع الشعر قديمة منذ طفولتى الباكرة وأفتتنت به كثيرا وخاصة فى مرحلة الدراسة الجامعية الأولى. ثم قيض الله لى أن أقابل الأستاذ محمود محمد طه بعد أن بلغت أزمتى الفكرية والحياتية مبلغا عظيما ، كنت فيه على عتبة الجنون وذلك عن طريق أخى وسمى وشيخى أحمد المصطفى دالى الذى كان يساكننى غرفتى فى الجامعة ولا يساكننى لأنه كان دائما فى الثورة وسريره خالي. وعن طريق أخى وشقيقى وشيخى وأحب أشقائى الى محمد المتوكل ( وهذا اسم متوكل عند ميلاده ) .وأحببت الأستاذ محمود وألتزمت فكرته وقصرت فى ذلك الحب وذلك الالتزام تقصيرا كبيرا. وكنت أتمنى ، وهذا دائى دائما، أن أبلغ بحبه فى حبه مقام تلميذه وأستاذى وشيخى حسن حجاز ولكن هيهات .. هيهات فذاك مقام حالت بينى وبينه حجب كثيرة من التنطع وحظوظ النفس.

    ولقد أحببت الأستاذ محمود لأن مدخلى للفكرة الجمهورية كان ولايزال مدخلا روحيا ، فلقد قدمت الى الرسالة الثانية مباشرة من الجاهلية الثانية ، ودون أن أمر بالرسالة الأولى، فلم أكن أعرف كيف أصلى بل ولا كيف أتوضأ وتعلمت كل ذلك من كتب الفكرة قراءة ، ومن شيوخها تطبيقا. وقد وجه الاستاذ محمود أخى دالى حينما أعلنت التزامى باعطائى كتاب " تعلموا كيف تصلون " وكتاب " طريق محمد " قائلا ان أحمد جاء الينا من الجاهلية ( لا أذكر هل قال الثانية أم لا ) الى الرسالة الثانية. فبدأت محبتى الحقيقية للنبى عليه الصلاة والسلام بهذين الكتابين العظيمين. وأقول محبتى الحقيقية لأننى كنت قبل ذلك أجد فى نفسى محبة للنبى عليه الصلاة والسلام " وتكلب شعرة جلدى " ، كما كانت تقول والدتى عليها رحمة الله ، حينما تسمع ذكر اسم النبى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ، وكنت أشعر بخجل من هذا الشعور الفطرى والقشعريرة الخفيفة التى كانت تنتابنى ( شعرة جلدى كلبت ) حينما اسمع ذكر اسم النبى الكريم أوأقرأ له حديثا وذلك لأنه شعور كان لا يتناسب مع شخصيتى العلمانية وتكوينى الثقافى اليسارى حينها.

    واحببت الأستاذ محمود لأننى كنت فى بداية التزامى أجد فى رؤيته ، مجرد رؤيته ، راحة تنحط بها أثقال ما كنت اشعر به من اضطراب وتمزق وحيرة وقتها . فكنت أخرج منه للجامعة لأعود مرة أخرى للثورة لأننى أفقد تلك الراحة بمجرد خروجى منه. فكنت أذهب وأرجع فى اليوم مرات عديدة ثم يستقر بى المقام فى نهاية المطاف فىركن دالى فى الجامعة حيث أجد راحة عظيمة فيه. ولا زلت أجد فى لقاء الاخوان ، كل الاخوان بقضهم وقضيضهم ، ما يهدئ بالى ويطمئن دخيلتى ويشعرنى بالانتماء الحقيقى……
    ويكفينى به حسباً ويكفى فكره نسبا
    ويكفى فكره داراً لنا.. أزلاً ومنقلبا

    وكان ذلك الحب مدخلى لحب النبى الكريم ، وبسبيل منه، ولذلك قلت فى بداية هذه المقدمة أننى كنت أتمنى أن أبلغ فيه مقام أستاذى حسن حجاز وهيهات … هيهات فذلك مقام حسبى قطرة منه بل أقل. فقد أخبرنى الأستاذ خالد الحاج ، وأنا أستأذنه فى ايراد هذه القصة ،أن الاستاذ حسن حجاز ومحمد خير محيسى ، رد الله غربته كريما سليما ،اشتركا فى نقاش مع فقيه حول الاشتراكية والديمقراطية ، وكان ذلك بحضور الأستاذ محمود. وفى نهاية النقاش انتقد الأستاذ محمود اسلوبهما فى النقاش وضعف حجتهما، فدافع محيسى عن نفسه مجادلا بصحة موقفه ، فما كان من الأستاذ حسن حجاز الا أن نهض وبادر الأستاذ قائلا " تبت يا استاذ ".

    لقد كانت تلك الفترة من أخصب فترات حياتى ،بل أخصبها على الاطلاق ، فكرا وسلوكا وشعورا وانتماء. بل إننى لأجزم أننى تعلمت من الاستاذ محمود ما لم أتعلمه فى طوال فترة تعليمى الرسمى. تعلمت منه أن العلم عمل وأن الشعور صدق. لقد عرفنى الأستاذ محمود بالنبى الكريم صلى الله عليه وسلم معرفة أنسانية فتحتنى على محبة النبى الكريم عليه الصلاة والسلام وجعلت محبتى له طريقا فكريا وحياتيا أستلهم فيه سنته طريقا للخلاص قدر إستطاعتى وأقصر فى ذلك كثيرا ... كثيرا بل وأسئ الأدب أحياناً.

    ولأن تجربتى الوجدانية مع الفكرة الجمهورية وصاحبها أكبر من الشعر فقد تركت كتابة الشعر لفترة إمتدت من عام 1976 إالى عام 1983 ، حينما أعتقلت، بفضل الله على ، وهو فضل قصرت فى واجب الشكر عليه كثيراً ، مع زمرة كريمة من الاخوان الجمهوريين ، فى سجن كوبر بالسودان بسبب من اختلافنا كتنظيم مع النظام السياسى فى السودان فى ذلك الوقت. وقد تم اعتقالى بعد شهر تقريبا من عودتى من المملكة المتحدة التى كنت مبعوثا فيها من جامعة الخرطوم. وأمتدت فترة الاعتقال الى مدة عامين الا قليلا ، من منتصف مايو 83 وحتى ديسمبر 1984.

    وفى السجن عادت إلى الرغبة فى كتابة الشعر. ولكنها عودة تغير فيها توجهى وتعقدت تفاصيلى وإهتماماتى وصار الشعر عندى تعبيرا عن حالة بسط أو قبض سلوكى لا تنفرج إلا بالكتابة. فأنا لا أتعمد الكتابة ولكنى أضطر لها إضطرارا. بل اننى لاشعر بالخجل أحيانا من كتابته ونادرا ما أقرأ قصائدى على الآخرين. ولكن الشعر يغلبنى فأكتبه حينا وأغلبه فأتركه حينا آخر. فاستاذنت الأستاذ محمود ، وأنا فى السجن ، فى العودة الىكتابة الشعر. وفى يوم خروجنا من كوبر سلمت عليه أمام منزله فأحتضننى قائلا "الشاعر" وحسبى بذلك اذنا أرجو أن أكون به مأذونا.

    وكتبت فى السجن مجموعة من القصائد النبوية التى تحمل فيما أعتقد لونا جديدا من المديح النبوى وإن لم يكن متميزا بشكل خاص اللهم إلا فيما يتعلق بتميز التجربة نفسها عن غيرها. وكنت أقرأ تلك القصائد فى السجن على أستاذى سعيد الطيب الشائب ولا زلت أرسل اليه كل ما يعجبنى مما أكتب ، وهو رجل أحبه ولا أقول له ولا اسمعه الا ما يرضيه ويعجبنى تأدباً وحباً وتبركاً. كما اننى لا زلت ولن أنفك أرسل ما أكتب لأستاذى عبد الطيف عمر وتعجبنى تعليقاته وأقدرها. ولحن أخى الناجى بعضها ، فأضاف اليها من شفافيته وعمق لحنه أبعادا تجعلنى أشك أحيانا فى أننى كاتبها. ولحن كرومة واحدة منها، وهى " فى حجيرته " التى أسماها شيخ ابراهيم "الغاسلة" ، فأعطاها بلحنه الملائكى وصوته الدافئ البرئ أبعاداً مضيئة.

    وبعد خروجى من المعتقل السياسى رزئنا بأحداث الهوس الدينى عقب تطبيق ما عرف فى السودان بقوانين سبتمبر 1983 والتى إنتهت بمحاكمة فكرية بل فى الحقيقة بمؤامرة إنسان رخيصة إنتهت بتنفيذ حكم الإعدام الظالم فى حق الأستاذ محمود وذلك فى يوم الجمعة 18/ ينائر 1985. ومن يومها لم يذق السودان عافية ولم أذق. فأرتبطت محبتى للسودان بمحبتى للأستاذ محمود بل هى منه. فكتبت فى هذه الفترة قصائدا تعبر عن هذه الحالة. وهى حالة تشتت وغضب وحزن ويأس وتمرد وغفلة غليظة ، ضمنتها ديوان صغير نشر فى الامارات بعنوان "أحزان الفتى الغافل" وديوان مخطوط بعنوان " أحزانى أحزان السودان ".

    ثم أتفق لى أن زرت النبى الكريم فى مدينته المنورة فأكرمنى وأحسن وفادتى وحملنى بكل ما تحب نفسى من مشاعر الرضى والفرحة والقبول. وقد كانت هذه الزيارة بداية النهاية لفترة من الغفلة الغليظة التى ما فارقنى فيها حبى للأستاذ محمود وذكراه لحظة واحدة. ثم بينما انا فى هذه اللجة والحيرة دعانى النبى عليه الصلاة والسلام الى جنابه الطاهر. وهى دعوة أردتها وتمنيتها فرايت فى منامى اننى أجلس فى مكان معين بقرب قبر النبى عليه الصلاة وأتم التسليم وكنت حينها فى ابعد مراحل غفلتى الغليظة أثناء عملى فى جامعة الامارات بالعين. ثم لم ألبث أن جاتنى دعوة الى مؤتمر علمى عقدته جامعة الملك سعود بعد أن كنت قد تقدمت بورقة علمية لم أكن أظن أنها فى مستوى علمى مقبول. وذلك فى النصف الأول من عام 1993.

    ولم يكن من عادة جامعة الامارات ان تسمح للاساتذة الوافدين فيها بالذهاب الى مؤتمرات الابعد مشقة وفى أضيق نطاق. وكنت قد شعرت حينما استلمت دعوة المؤتمر بأن هذه هى الدعوة التى أنتظرها من النبى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.. فقدمت طلبا الى مدير الجامعة جاءتنى الموافقة عليه فى نفس اليوم مع قرار باعطائى تذاكر سفر على نفقة الجامعة مع المصروفات اليومية للرحلة. ثم قبل أن أتسلم تذكرة الجامعة جاءتنى تذكرة من السعودية شعرت حينها بأنها مرسلة من النبى الكريم فرفضت تذكرة الجامعة. وسافرت الىالسعودية لأول مرة فى حياتى ، وكنت فى حالة استحوال حقيقية جعلتنى لا أتابع مداولات المؤتمر الذى عقد فى مدينة القصيم فى جنوب المملكة العربية السعودية ، وهى منطقة جمع فيها كل الظلام الوهابى.

    وتركت المؤتمر قبل جلسته الختامية وسافرت الى الرياض فى اليوم الثانى للمؤتمر حتى أتوجه الى المدينة المنورة لزيارة القبر النبوى الشريف حيث النور المفاض. وكنت قد أعددت جلبابا نظيفاً ، وملفحة "مغتربين" أنيقة ، وحذاء فاخراً ، ووضعتهم فى كيس مستقل ، وذلك لاننى كنت أنوى ترك حقيبتى مع شقيقى الأصغر حسين الذى يعمل فى الرياض واحمل فقط الكيس الذى أعددته معى الى المدينة. وكنت قد وضعت جلباب نومى وهو كجلاليب بيت الاخوان (أ) ، الذى كان يجمع زهاد الأخوان وعبادهم، مع سفنجة قديمة فى كيس آخر.

    وفى الرياض استقبلنى أخى حسين فأعطيته حقيبتى وأغراضى وذهبت الى المدينة. وعند خروجى من مطار المدينة مباشرة قابلنى رجل وضى الوجه ودعانى الى سيارته وأخبرنى أنه يحب السودانيين لآنهم يحبون النبى عليه الصلاة والسلام ويحضرون دائما لزيارته. ثم أخذنى ودار بى فى أرجاء المدينة بحثا عن فندق قريب من المسجد النبوى الشريف وأصر ألا يأخذ أجرا الا بعد أن أخبرته انى مصر على هذا ووعدنى أن يأتى لأخذى فى جولة فى اليوم التالى لأزور الأثار الأسلامية فطلبت منه ألا يفعل لأننى أتيت فقط لأقضى ليلة ونهارا مع النبى عليه الصلاة والسلام.

    ثم دخلت غرفتى فى الفندق وكانت الساعة السابعة والنصف مساء بغرض الغسل والذهاب للسلام على النبى عليه الصلاة والسلام. وكنت قبل زيارتى للملكة بفترة ليست بالقصيرة قد أصبت بالتهاب تورمت معه غدد العرق تحت ابطى بصورة مزعجة واحجام مخيفة ولكننى انشغلت عنها وأنا فى المدينة بفرحتى. وحينما دخلت الحمام ، خلعت ملابسى ،وأردت أن أبدأ بغسل تحت ابطىّ ، كما طلب منى الطبيب فاذا هى سليمة تماما لا أثر فيها ،أيما أثر، لاى ورم. فكدت أسقط من هول المفاجأة من حوض "البانيو"، وبدأت بالبكاء بصوت عالى ، وهرعت الى المرآة فى داخل الغرفة ، وأنا عارى تماما . وبدأت أتحسس تحت أبطى ونسيت ما كنت بصدده من تكلف الحضور بترديدعبارة الشيخ الجنيد " الله شاهد ..الله ناظر الى .. الله معى .. الله يرانى" .

    ورجعت الى الحمام وأغتسلت وانا أبكى بصوت . ثم خرجت من الحمام لكى أرتدى جلبابى وأذهب الى السلام على النبى عليه الصلاة والسلام. فوجدت أننى أحضرت الكيس الذى فيه جلباب بيت الأخوان (أ) وذهبت حلتى الانيقة مع أغراضى الاخرى الى منزل أخى حسين ، فى الرياض. فشعرت أن النبى عليه الصلاة والسلام يريدنى هكذا. فلبست ذلك الجلباب المتسخ مع "سفنجتى" القديمة، لن يميزنى من يعرفنى عن دراويش الأرصفة كما أسماهم الدكتور مصطفى محمود . وذهبت للسلام على النبى عليه الصلاة والسلام ، رغم أن أصحاب الفندق قد أخبرونى أن المسجد النبوى يغلق عادة بعد صلاة العشاء وهو محروس بالشرطة. فذهبت رغم ذلك بنية السلام عليه من بعيد اذ لا يجوز أن أدخل مدينته ثم أنتظر حتى الصبح لأسلم عليه. وسألت بعض الناس بعد أن وصلت المسجد ، وقد أصبح بناء ضخا يحتل مساحة شاسعة، عن قبر النبى فكانوا يستغربون ويجيبون بأنهم لا يعرفون وذلك لأنه عندهم المسجد النبوى وليس القبر النبوى.

    وفى صباح اليوم الثانى كنت فى المسجد النبوى مع الاذآن الاول. وبعد الصلاة التى لم أحضر فيها ولم أذق لها طعما ، وقد كانت أول صلاة لى منذ فترة طويلة. فقد كنت مشغولا بزيارتى للجناب النبوى الشريف. وبعد الصلاة وجدت نفسى مع المتجمهريين أمام القبر الشريف، وكانوا يتحدثون معه بعفوية ، بشتى أنواع اللغات متجاهلين ، تجار الدعوة ، وخبراء الدعاء امام القبر، وهم يعرضون خدماتهم فى تلقين الزائريين ما يجب أن يقولوه أمام القبر. ولم ألبث ان حملتنى الجموع الى خارج المسجد، وكنت قد انتابتنى وأنا أمام القبر ، حالة من البكاء المفاجئ وأنا فى جلبابى الألفى وسفنجتى ودون غطاء رأس .

    وحينما وجدت نفسى خارج المسجد ، شعرت بأن هذه ليست الزيارة التى رأيت لها صورة ، ليست كاملة الوضوح فى منامى الذى ذكرته سابقا. وأنا أمام باب المسجد رأيت زقاقا ضيقا قادتنى قدماى فيه حتى وجدت نفسى على سياج القبر الشريف من ناحية اليمين. فجلست على مسطبة القبر جلسة شبيهة بتلك التى رأيتها فى منامى ولم يكن معى أحد ثم بكيت للنبى وبكيت … وبكيت … وبكيت. لقد قضيت معظم يومى ذاك باكيا. وشعرت بالنبى الكريم، شعورا حقيقيا ، وهو يهش فى وجهى ويرحب بى . ومما عمق هذا الشعور الروحى فى نفسى أن رائحة البخور فى القبر هى نفس الرائحة التى كنت أشمها فى غرفة الاستاذ محمود وأن المدينة نفسها تختلف فى سمتها وطعمها وطيبة أهلها عن بقية مدن المملكة، حتى وكأنها أم درمان. وبكيت وأنا أمام القبر و" تجرست له " وتحدثت معه دون اجراءات رسمية وبدارجية سودانية. وكنت كلما بكيت كلما شعرت بالراحة. وهى نفس الراحة التى كنت اشعر بها حينما أرى الاستاذ محمود ويحط يده على كتفى …
    وأدخل فى حجيرته حزينا دامعا ارقا
    يحط يدا على كتفى يزيل الهم والارقا
    وكنت أحمل قصيدة للنبى واخبرته بذلك فى جلستى تلك ولم أكن أدرى وقتها كيف اسلمه هذه القصيدة . وفى تلك اللحظة بالذات حانة منى التفاتة فرأيت أمامى مباشرة رجلا يلقى بخطاب فى صندوق بريد أمام المسجد النبوى. وفى نفس اللحظة القى فى روعى أن أرمى القصيدة فى صندوق البريد ففعلت. وقضيت كل ذلك اليوم وأنا ابكى للنبى وأشكو له حالى وحال الاخوان. وصليت فى مسجده الظهر والعصر ، ثم ودعته ورجعت الى الرياض وغادرت بعدها للامارات. وقد كان لتلك الزيارة أثر كبير فى تجذير حب النبى فى قلبى. فكانت نفحتها وبركتها مجموعة من القصائد التى كانت تنساب وتنهمر على إنهمارا صباحا ومساء وفى أحوال عديدة. وضمنتها فى هذا الديوان. وإنى لأرجو بها حبه وقبوله ومدده وقربه و حضرته. أليس هو القائل: "أنا جليس من ذكرنى ". وهو أيضا القائل: "المرؤ مع من أحب ".
    وانى لأارجو أن أكون من زمرة الذين يحبونه. وبسب هذا الرجاء فاننى أهدى هذه القصائد لكل الاخوان ، بدون فرز ، وأقصد بها تلطيف بعض ما تعكر من جوهم أخيرا ، فقد أهمنى ذلك وأحزننى كثيرا. والى عبد المطلب بله زهران ، الفياض، الذى علق فى حقه أحد الناس بأنك اذا صرت جمهوريا فانك تستطيع أن "تركب فى رأسه"، وهو كذلك فذلك امرؤ أمة وحده. وانه بسبب هذا التفرد، وفى هذا الموضع وهذه الأيام بالذات أخصه بهذا الاهداء. وأسأل الله أن يديم عليكم كلكم عافية الدين والدنيا.
    أحمد مصطفى الحسين
    الأردن/ فى يوم الجمعة 16/4/1999




    أبيات على قبر النبى

    أتيت إليك يا حبى
    وأحمل كل أوزارى
    وتعلم أننى عاصى
    وأعرف أنك البارى

    أنا فى حواك

    أنت الغريب وقبلة الغرباء
    فى صحبة النجباء والنقباء
    أنت الحبيب تمدنا بلطائف
    ودقائق عظمت على العظماء
    أنت النبى حبيبهم ..وحبيبنا
    وختام رحلة … آدم للياء
    يا أيها المعصوم مبدأ نوره
    وتجليات الذات بالاسماء
                  

07-01-2008, 00:43 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)



    بسم الله الرحمن الرحيم
    تفكيك التنظيم وتنظيم التفكيك: نحو رؤى جديدة لسودان جديد



    د.حيدر بدوي صادق
    د. محمد يوسف أحمد المصطفي

    تمهيد: حول المصطلح وجدواه
    نقصد بعبارة " تفكيك التنظيم"، تفكيك قوى السودان القديم، التي ساهمت كوجه (أو تنويع) سابق لحزب "الجبهة القومية الإسلامية " في خلق المناخ الملائم لنشأة وتخمر الرؤى الاقصائية الغاشمة الظالمة التي تتمثل الآن في نظام الترابي-البشير. وفي تقدير الكاتبين، فإن القوى التقليدية لم تكن إلا أنواعاً من الاستبداد، والرؤى الأحادية الوراثية، التي استغلت مشاعر أهلنا الدينية النبيلة لتأتي عن طريق صندوق الانتخابات. وحين تيسر لها ذلك فشلت، فشلاً ذريعاً، في أن تكون ديمقراطية. ففي عهدها حلت أحزاب سياسية وأقيمت محاكمات للرأي، سميت إحداها بمحكمة الردة. وفي عهدها كذلك استعرت وتفاقمت الحرب في جنوب البلاد الحبيب، وتكونت "مليشيات الدفاع الشعبي." وسمي المقاتلون في سبيل الأرض والعرض "بالخوارج".
    لكل ما تقدم، يرى الكاتبان أن ما كان في السودان في العهود التي حكمت فيها القوى التقليدية، هو "انتخابات"، وليست ديمقراطية. ولهذا يرى الكاتبان ضرورة تفكيك هذه القوى، التي قد بدأت بفعل الوعي التراكمي وحركة التاريخ في السودان تتفكك، دون جهد يذكر من قوى المثقفين السودانيين الشماليين المتثاقلين.
    هذا التفكك هو نتيجة لجهد مشتت وغير منظم من قوى السودان الجديد، باستثناء الحركة الشعبية لتحرير السودان، الحركة المنظمة الوحيدة من هذه القوى الجديدة التي صمدت بقوة لظلم الظالمين الشماليين في السودان في تاريخه الحديث، وهى تصارع قوى التشتت والانفصال. وهي الحركة الوحيدة التي حاول، ويحاول النظام الحالي، محاورتها باحترام، في حين احتقر ويحتقر القوى الشمالية التقليدية المفككة، بسبب فشلها الذريع في الماضي، وبسبب عجزها المريع في المعارضة الجادة الصامدة، ذات الرؤى والأهداف والمبادئ، والوسائل الواضحة، الحاسمة.
    هذا التفكيك الطبيعي الناتج من حركة التاريخ في السودان، يجب أن يتبعه تفكيك منظم، بمعنى نقد منظم للقديم ينبني على رؤى جديدة، تبلورها القوى الجديدة، وتنتظم حولها، ونسمى هذا الأمر في هذا المقال بحرب الرؤى. و"حرب الرؤى" مصطلح جديد ساهم في بلورته وتوظيفه للشأن السوداني الدكتور فرانسيس دينق الأكاديمي والسياسي السوداني المعروف. ونود أن يتم تبني هذا المصطلح كبديل لمصطلح آخر، وهو مصطلح "الحرب"، هذه الكلمة الدامية.
    و التداول الحر لرؤى "الحرب" والإقصاء القديمة لا يمكن أن تفضي إلا إلي تفكيك القديم، وإحلال الجديد مكانه. وقوى السودان القديم يجب أن تتفكك، ويجب أن تذهب رؤاها القديمة إلي غير رجعة. ويجب أن تحل محلها قوى السودان الجديد الحر المتسامح المتعدد الأعراق والثقافات، الواحد الموحد الأهداف والغايات. ولابد أن يتم تنظيم التفكيك في "حركة" جديدة من حركات التاريخ في السودان. ولنسم هذه الحركة ما شئنا، حركة القوى السودانية الجديدة، لواء السودان، حركة تحالف القوى الحديثة، المنبر الديمقراطي، ما شئنا أن نسميها. قد تكون التسمية مهمة، ولكن الأهم منها هو الرؤى المشتركة التي يمكن أن تصاغ من هذه "الحركة" التاريخية." ويجب أن تحمي هذه "الحركة" من الانكفاء الحزبي. فهي لن تكون، ولا يجب أن تكون "حزباً". وذلك لان "الحزب" يقيد ويحجر ويخلق رؤى أيديولوجية متزمتة. في حين أن "الحركة المنظمة"، المقصودة والمرتجاة هنا، تتعرض للقدر الأدنى من التنظيم، الذي يتيح الحوار في "منابر حرة" يرعاها ويطورها. وهي-أي هذه الحركة- بذلك منسابة، مرنة، حرة، وقابلة للتشكيل والتنظيم وفق مقتضيات كل مرحلة، ولهذا فهي تنظيم حر لثورة الحرية و"حركتها"، "الثورة الثقافية"، المفضية إلي "الثورة الفكرية"، المفضية بدورها إلي "حرب الرؤى" ثم "تلاقي الرؤى" نحو السودان الجديد الحر المتقدم نحو التنمية والحرية في اسمي معانيهما.


    خطوات نحو تنظيم التفكيك
    نبدأ، فنقرر بأن أولنا ينتمي إلي الفكرة الجمهورية، فكرة الأستاذ محمود محمد طه، الداعية إلي تمثل وإتباع منهاج النبي العربي محمد ( عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم)، وعضو مؤسس في حركة القوى السودانية الجديدة "حق"، والثاني عضو مؤسس في اتحاد القوى الوطنية الديمقراطية، ويلتزم التزاماً عميقاً بصيغة لواء السودان الجديد "لنج." وعلى الرغم من هذا، لا يحسب أيًا من الكاتبين أن انتماءه إلي أي من تلك الأشكال هو-جوهرياً- انتماء حزبي!
    ولعله من نافلة القول الإشارة إلي أن اتحاد القوى الوطنية الديموقراطية هو-بصورة أساسية- اتحاد عريض لقوى وشرائح اجتماعية متنوعة واسعة حول برنامج عام للتحول الوطني الديموقراطي في بلادنا، ولذلك فإنه يجمع في عضويته مجموعات من مشارب فكرية ديموقراطية متعددة وعلى هذا النحو فهو ليس حزباً ذا أيديولوجية معينة! أما الفكرة الجمهورية، فكما تدل تسميتها، فهي "فكرة" وهي "جمهورية" تنشد تطبيق النموذج الفردي للنبي (عليه أفضل الصلاة والسلام) في حياة كل فرد على ظهر هذا الكوكب، وكونها "جمهورية" يعني بأن سلوك النبي، العربي الأمي، كان سلوكاً حضارياً سابقاً لعصره، وكان في ذلك كأنما هو قادم من القرن العشرين. فقد كان حراً كأسمى ما تكون الحرية؛ ديمقراطياً في مشربه، وهذا ما تنشده الجمهوريات الحديثة، ولذلك فإن هذه "الفكرة" تنشد النظام الجمهوري كنظام يناسب أهل السودان، وغيرهم. وهذا يعني استتباعاً أن الفكرة الجمهورية ليست حزباً، بل هي منهاج حياة لمن أراد الأخذ بها. وهذا ربما يفسر-جزئياً- استنكاف الجمهوريين عن العمل السياسي المنظم منذ استشهاد الأستاذ محمود محمد طه.

    هذا التعريف الأولي بالكاتبين كان ضرورياً كمقدمة لتقرير التالي:
    • لواء السودان الجديد (لنج) ليس حزباً بأي معيار من المعايير، وكذلك حركة القوى السودانية الجديدة (حق) لم تدع أنها حزب. وذلك لأن كليهما يمثلان "حركة" في طور التكوين تنشد رؤى جديدة لخلق سودان جديد.
    • لواء السودان الجديد، بحكم أنه جاء إلي الوجود كاستجابة لمبادرة من قيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان والجيش الشعبي لتحرير السودان من أجل تأسيس منبر ديمقراطي حر (مشترك) لقوى السودان الجديد لتبادل التجارب والقدرات العسكرية والسياسية، فقد استطاع تعبئة أقسام غير هينة من القوى المدنية التي لم تخبر العمل العسكري، والتي ترى رؤية الحركة الشعبية في شأن السودان الموحد الواحد القائم على العدل والمساواة والمرحمة والمودة بين سكانه.
    • حركة القوى السودانية الجديدة "حق" هي حركة تلتقي مع لواء السودان الجديد (وكافة قوى السودان الجديد) في أن نظام الجبهة الأسلاموية العسكري يجب أن يذهب؛ وإن اضطر ذلك كل قوى السودان الجديد الحر(من جنوبه إلى أقصى شماله)، اضطراراً مراً، لمواجهته بجنس وسائله، بما فيها الوسيلة العسكرية الضاربة الحاسمة! وذلك ببساطة لأن الجبهة الأسلاموية هي التي اضطرت السودانيين الأحرار لهذا الخيار، أولاً لأنها أتت بحد السلاح، وثانياً لأنها طلبت المنازلة بلسان حالها منذ قدومها المشئوم بإقصائها الآخرين وقتلهم وتعذيبهم وتسريحهم من الخدمة العامة وحرق قراهم وغيرها من أشكال الإقصاء العسكري الفاحش والقهري. وتوج هذا الخيار الفاجر من قبل الجبهة الأسلاموية بدعوة صريحة بلسان مقالها. فقد نطقت أدواتها العسكرية -ممثلة في شخص الفريق البشير- بدعوة صريحة لأطراف المعارضة في الشمال لحمل السلاح والمقاتلة لتبيين الجدية في العمل السياسي المعارض!! فكان أن استجابت قوى السودان الجديد لدعوة البشير للمنازلة التي طلبها.
    • ولأن قوى السودان الجديد في الشمال تسعي لأن تكون جادة، فقد سعت "حق" بجدية إلى تفعيل العمل السياسي الحر وفق رؤى جديدة تدعو للسلام، ولكن بالثمن الذي يستحقه هذا السلام من جهد وتضحية ومضاء وعزيمة في ميادين العمل السياسي المتنوعة. وأحد هذه الميادين هو "حرب الرؤى." و"حق" ترى أن ميدانها الأساسي والمؤثر سيكون في بلورة رؤى جديدة حول قضية قضايا السودان، قضية الهوية، وذلك لأن هذا المجال مجال خصب يؤدى تأطيره وتفعيله إلى خلق سودان جديد. و"حق" الآن في حالة حوار جاد، مع نفسها، حول جدوى العمل العسكري مما يليها، خاصة وأن هناك قوى جديدة أخرى (مثل الحركة الشعبية لتحرير السودان) تحمل ذات رؤى "حق" في مجملها، وتدافع في جسارة عن الأرض والعرض والحق. هذه القوى، بما فيها الحركة، البجا، التحالف، والفيدرالي الديموقراطي، تقوم بدورها التاريخي لنصرة رؤى السودان الجديد ومصالح قوى السودان الجديد، بعد أن عاثت قوى الظلم والظلام وإلاظلام فسادًا في جنوب البلاد وشمالها منذ استقلال السودان وحتى اليوم. وقد يفضي هذا الحوار الجاد-داخل "حق"-إلي تبني صيغة للعمل ترجح النشاط الفكري السياسي-الأخلاقي، ويكون هذا إسهاماً حقيقياً ومؤثراً في قضية القضايا بالسودان؛ قضية الهوية، وانعكاساتها على مسرح السياسة في السودان شمالاً وجنوباً! ويسوق هذا النوع من الحوار الجاد "حق" وغيرها من الحركات الجادة إلي اعتماد صيغة مرنة تسعي للآخرين، كما حدث وما أنفك يحدث في كثير من المواقع مع العديد من المسارات والتيارات ذات الرؤى المتقاربة.
    • أضحي بينًا مما تقدم أن "لنج" و"حق" ليسا حزبين. بل هما رؤية واحدة تم تبنيها بواسطة مجموعتين وطنيتين. وقد تخلقت هذه الرؤية ونمت في داخل هاتين المجموعتين بصورة متماثلة بالرغم من استقلالهما عن بعضهما البعض! ولكون تجربة الإنسان السوداني الحر مع الظلم والظلام والظالمين واحدة فقد تشكلت هذه الرؤية المتماثلة بعرق ودم وصبر وتضحيات جسام، الشعب السوداني بها حقيق. ولكن هواة الكسب السياسي الرخيص، حتى في داخل هذه القوى الجديدة، مازالوا يعطلون تلاقيها والتحامها على طريق الحق والعدل. وهؤلاء مصابون بغشاوة وأنانية ظلتا علامتا الوسم للمثقف السوداني المتثاقل حتى اللحظة. وهؤلاء هم العقبة الحقيقية أمام توحيد عملية "تنظيم التفكيك"، التفكيك الذي أصاب البنية التحتية والفوقية للقوى السودانية التقليدية بفعل حركة وجدلية التاريخ في السودان الحديث منذ الاستقلال، وبفعل متثاقل متباطئ، أو متخاذل إن شئت، من المثقف السوداني.
    • الكاتبان على قناعة تامة بأن "حق" و "لنج" هما أساساً حركتين، تشكلان منبرين حرين، لتداول الفكر والتحاور السياسي والتضامن حول مستقبل السودان وشروط نهوضه، وليستا بأي حال، منابر للكسب والتلهف والتهافت على السلطة والثروة والمجد الشخصي. وعليه فإن الحاجة دائماً على درجة بالغة من الإلحاح والجدية والتضحية من أجل الاستثمار الأقصى لهذا الطابع الإيجابي للصيغتين المتماثلتين.
    • حوار الأفكار العقلاني والعلمي المصحوب بتبادل الخبرات الودود الذي تتيحه هذه المنابر الحرة والديمقراطية سيفضي، دون أدني شك أو ريب، إلي تفعيل العقل السوداني المشرئب إلي الخير والتقدم في مناخ معافى وإيجابي. فالإنسان السوداني (في قناعتنا) ذو وجدان سليم كريم، والوجدان السليم لابد وأن يستصحب فؤاداً سليماً، أو إن شئت عقلاً سليماً. والعقل السليم هذا لا يكون سليماً إلا في حركته الإيجابية المتمثلة في الإسهام النشط والمباشر في ما نسميه"حرب الرؤى". وهذا بالضبط ما تحاول أن تقوم به "حق" و"لنج" والعديد من قوى السودان الجديد.
    • الشعب السوداني-بقدراته المتميزة و ملكاته المتفردة-قادر، في يقيننا، على أن يميز غشاوات الشر. ولهذا فعلينا، نحن المثقفين السودانيين، أن نضرب بعصانا بقوة في خضم التثاقف المتلاطم، مقصدنا في ذلك هو التنادي الحر والديمقراطي لتخليق رؤية مشتركة من خلال "حرب الرؤى"، المفضية بدورها إلي خلاصة الرؤى؛ وهي رؤية مجموع الشعب السوداني القائمة على الحقائق لا التصورات الوهمية، والمستقبلة مصير الأمة السودانية الموضوعي، وهو مصير فيه كثير من الخير العميم الوافر.
    • على قوى السودان الجديد ألا تغتر أو تفرط في التفاؤل في ما قد تفضي إليه عملية "تفكيك التنظيم" هذه. فأقصي إنجازات هذه العملية لن تتجاوز كونها وسيلة لإسقاط النظام الظالم الغاشم الجاثم على صدر أمتنا، وإبعاد لوجوه وكيانات أذلت الشعب السودانى وأذاقته المر المرير. ويجب أن يكون هذا أدنى درجات طموح القوى الجديدة. ويجب أن تنأى هذه القوى بنفسها عن بناء الطموحات غير المشروعة للكسب الشخصي والمجد الذاتي، لان ذلك يعرض مشروع بناء السودان الجديد الذي نحلم به إلي خطر مستطير.
    • أي تسويف أو تنازل أو افتئات على حقوق الشعب السوداني، خصوصاً من جانب القوى المتثاقفة الجديدة سيكون وخيم العواقب على من يسوف أو يتنازل أو يفتئت. فإن التفاؤل غير الجاد المؤسس على رؤية، وغير المشرب بتفاعيل "حرب الرؤى" التي سبقت الإشارة لها، لن يكون إلا من باب حسن النوايا، وحسن النية وحده لا يكفي لإسعاد الشعوب. والتفاؤل الذي لا تصحبه رؤية تؤدي إلي التغيير المنشود هو في ظننا تفاؤل عاجز وكسيح ولن يقود إلا إلي الفشل والإحباط، الذى يتلوه التسويف والتنازل والافتئات على حقوق شعبنا المشروعة.
    • علينا أن نستعد لفهم وإدراك تعقيد ومشقة أمر التغيير المجتمعي، خصوصاً إن كان ذلك متعلقاً بشعب في عظمة وقامة الشعب السوداني. فليس بحسن النية وحدها، ولا بالكلام المنمق المعسول، ولا بالخطب المحتشدة بالمحسنات البديعية يتم التغيير وتتحقق طموحات الشعوب! التغيير سيكون -إن قدر له أن يتم في بلادنا- عبر استعدادنا المتحمس للغوص في داوخلنا كأفراد. فلننظر؛ ماذا قدمنا لشعبنا الذي قدم لنا الكثير؟ وهل ما قدمناه يليق بعطاء هذا الشعب المعطاء العظيم لنا، و ما بذله في سبيل إعدادنا وتأهيلنا؟ كيف يكون إسهام كل منا في مشروع النهوض الحضاري لأمتنا؟ فثمة حقل نستطيع الإسهام فيه بقوة وهو حقل "حرب الرؤى" الذي علينا -أفراد وجماعات- أن نوطن أنفسنا على البذل فيه كأفضل ما يكون البذل والعطاء. بهذا، وليس بأقل منه، نستحق شرف الانتماء لهذا الشعب وزمرة مثقفيه.
    • الدكتور جون قرنق دي مابيور هو، على نحو ما فعل ويفعل، من أبرز مفجري هذا الحوار الحر الواعد، وذلك بنضاله وحماسته وصدق توجهه نحو سودان جديد واحد وموحد، في قارة أفريقية واحدة وموحدة. وهو بهذا المعني استتبع الحرب وسبقها بحرب الرؤى. وهو حين حمل السلاح لم يفعل ذلك إلا مضطراً "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدي عليكم". فمن يأتيك في عقر دارك ويقتل أهل بيتك -أيها المتثاقل الشمالي- مهما كانت قدرتك علي التسامح، لن تملك إن كنت حراً، إلا أن تجابهه بشجاعة النضال ونضال الشجاعة! وهذا بالضبط موقف الدكتور جون قرنق تجسيداً لسودا نويته، وهو سوداني لحماً ودماً وعظماً ولساناً! ويتأكد ما سبق في مسلك الدكتور جون قرنق إزاء الحملة الجائرة عليه التي تتهمه بأمراض سدنة السودان القديم كالعنصرية والتعصب، وما إليها من معاداة للعروبة والإسلام!!! وعلى الرغم من ذلك، فإنه بكل صبر وأناة وسعة أفق وصدر رحيب يتعلم اللغة العربية، ويبدي حماسة -تعوز الكثيرين- لحماية حق المسلمين الجنوبيين في ممارسة دينهم ورعايته وتطوير أسباب ترسيخه عن طريق المجلس الأعلى للشئون الإسلامية في السودان الجديد. وهو يرد بذلك السيئة بالحسنة، ويؤسس لأطر الحوار الفكري والتثاقف الحر بين أبناء الوطن الواحد. وفضلاً عن ذلك، فهو في سبيل إرساء الأسس المتينة للتعايش والتحاور في سودان التنوع الجديد لا يستنكف عن الجلوس إلي قوى ساهمت بصورة مباشرة أو غير مباشرة في إذاقته وأهله الأمرين، بل لا يستنكف أن يركب مع هذه القوى مركباً واحداً، يكاد بعضها أن يغرقه بدعوتها للمصالحة مع طغمة الجبهة الأسلاموية! هذا في وقت لم تنضج فيه أسباب وشروط هذه المصالحة. وأول هذه الشروط تسليم السلطة، وكل أدواتها للشعب وممثليه، وإلا فالطوفان الجارف الذي سيبقي الخير وما ينفع الناس، وسيذهب الزبد جفاءً.
    • يجدر بنا أن نضيف إلي قولنا أن الدكتور جون قرنق أحد أبرز مفجري الثورة الثقافية، أن هناك شخصيات ساهمت ومازالت تساهم بتجرد وحماسة ودراية في هذا الصدد. نشير هنا إلي ذلك الرهط المتميز من أبناء "الشمال" الذين أدركوا قبل غيرهم أهمية المشاركة ذات الرؤى الوحدوية في هذه العملية. لن ينسى الشعب السوداني السماحة والتواضع والرؤية العميقة التي تعامل ويتعامل بها السيد محمد عثمان الميرغني مع الشأن السوداني. فهو بهذا النهج البديع يخطو خطوات مباركة نحو القوى الجديدة. لن ينسى الشعب السوداني أن هذا الإنسان مهيب السمت، المتجرد من حب السلطة السياسية المحضة، رغم أنها كانت في متناول يده يوم تهافت المتهافتون عليها، هو الذي صاغ مع الدكتور قرنق أساساً لاتفاق أجهضه التسويف والتخاذل والافتئات على حقوق الشعب السوداني السليبة. وسيذكر التاريخ، بأحرف من نور، للدكتور الصميم منصور خالد أنه بحسه الوطني الوحدوي النبيل، قد بنى وأسس مع أخيه الدكتور جون قرنق أساساً متيناً للثقة بين الشمالي والجنوبي. أما الأستاذ النبيل بشير بكار الدبلوماسي السوداني الصنديد الذى ضحي بماله ووقته، وكلف نفسه وأسرته رهقاً من أجل سودان جديد، وفي سبيل تكوين نواة فاعلة للقوى الجديدة بالخارج، يوم كان الكثيرون لا يعرفون للتضحية معنى، فلن يمحو دوره جهل الجاهلين من هواة الكسب السياسي الرخيص. هذه الثقة، التي بناها هؤلاء تنمو وتنضج الآن، وستكون العروة الوثقى التي منها سيجر النظام الحالي إلى سقوطه المحتوم، وسيبنى عليها رباط السودان الجديد. ولا نقمط أخوة آخرين ساهموا في تمتين هذه الثقة حقهم، ومن هؤلاء ياسر وياسر وعبد العزيز وبازرعة وعبد الباقي وخالد ومحمود ومالك والقائد يوسف كوة مكي وغيرهم ممن استجاب لنداء الثورة وحمل بذرة الوحدة وساهم بفعالية في غرسها علي ثرى الوطن.
    • هناك قطاعات واسعة من الجماهير المهمشة التي استطاعت "حق" و "لنج" أن تصلها بالداخل وتربطها بمصير الثورة الثقافية المستعرة. ولكن هذا الربط سينفرط إن لم نمكنه ونعززه بـ "تنظيم التفكيك". فالقوى التقليدية في داخل السودان قد دخلت طوراً متقدماً في التحلل والتفكك، وما ركوب موجة الثورة من بعضها في الخارج إلا محاولة يائسة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من كيانها! إزاء هذا الواقع، نقول؛ أنه يجب تنظيم هذه القطاعات الواسعة المهمشة وتمكينها من المشاركة الفعالة والنشطة في "حرب الرؤى". فحرب الرؤى هذه، في مناخ ديمقراطي حر معافى، هي أصل "الحرب" علي قوى الشر، وذلك لأنها حرب مسالمة، غير دموية، وحضارية، تحترب فيها الرؤى بتوادد و تراحم ، يحاكي حضارة وتوادد و تراحم و تسامح الشعب السوداني، وهذا التسامح سيكون أساسه احترام الرأي الآخر، بل وصيانته و حمايته لأنه ينطق عن نفسه إن كان حقاً أو كان باطلاً، وفي ذلك حماية لحق أساسي من حقوق الإنسان السوداني السليبة، وهو "حق الحرية"، الذي تتفرع منه أمهلت الحقوق. وبفضل الله على الشعب السوداني فقد قاربت دجات الوعي لديه الدرجات المرجوة له، في التمييز بين الرأي والرأي الآخر.

    • حربنا الراهنة مع نظام الجبهة الأسلاموية هي،في جوهرها، حرب رؤى ارتدت -بصورة مؤقتة- رداءً مسلحاً! المقصد الرئيسي من هذا الشكل المسلح هو إجبار تلك الفئة الباغية على الجلوس كسيرة، صاغرة (كما تستحق) للنقاش والحوار والاحتراب الفكري وفقاً لأكثر الشروط إنسانية وتحضراً! أي إن هذا الحوار يجوز فقط بعد التجريد الكامل الناجز لهذه الفئة من كافة أدوات القهر والنهب والتدليس والقتل، وبالقوة القهرية إن كان لابد مما ليس منه بد. فالشعب السوداني الودود المتسامح لا يقاتل الظلمة من أجل القتال، وإنما من أجل إحلال الحق وتمكين العدالة وترسيخ المحبة وتعزيز المودة بين أفراده.
    • ذهب في سبيل هذه الثورة، ودون هذا النهج، رموز للشعب السوداني شهداء على عصرهم ، هذا الأغبر. في مهابة وإباء وشموخ وبسمت ولسان ناطقين، نطقاً مفحماً، ذهب الأستاذ محمود محمد طه شهيداً متكلماً وحده يوم صمت الآخرون. فقد أبان شرور الهوس الديني وخطورة إدماء الجنوب في وقت كانت فيه جمهرة متواطئة متخاذلة من المثقفين السودانيين ترى أن في ذلك ترفاً. واليوم استبان الكل بأن ذلك لم يكن إلا الحق الحقيق. كان ذلك في يوم عجزت فيه الكثرة الغالبة من المثقفين عجزاً مخزياً عن قول النصيحة. كان الشهيد الأستاذ مناديًا في جلال و كبرياء بما ننادي به اليوم. ورغم ظلم الجلاد وهوس طغمة نميري الفاسدة (وهي نفس بطانة النظام الحالي، بل سداته ولحمه)، لقي الأستاذ مصيره مبتسماً ابتسامة ما انفكت تضيء حتى يومنا هذا. وعلى هذا الضوء، وضوء شهدائنا الآخرين من القوى المستنيرة نسير ونتقدم. وهذا الضوء يلهمنا القوة والصبر والإصرار على منازلة الظلم والظالمين لإحقاق الحق، حق الشعب السوداني في حياة كريمة رغده وحرة. وبهذا المعنى فالأستاذ محمود، وموقفه، يجريان منا مجرى الدم، ونرجو ألا يكونذلك إدعاءً زائفاً، فذلك الموقف -أن تبتسم للموت علي يد الفجّار- هو الحياة كلها والنبل كله، والعبودية لله في أسمى صورها، ليت قومنا يعلمون . ونرجو أن نحيا نحن المثقفين السودانيين في سبيل ما استشهد من أجله -من ضمن ذلك السودان وأهلوه الأبرار- وإلا فسنذل إلى أرذل العمر داخل وخارج وطننا.
    • ندعو أن يكون التسامح الذي لاقي به الأستاذ محمود جلاديه ديدننا لقوى السودان الجديد، ولكن بعد أن تسلم قوى الظلام-في صغار-كل أسلحتها التي وظفتها في التنكيل والتقتيل والإذلال. وهنا يجدر بنا أن نذكر ما سطره الأستاذ محمود في الستينات عن الدكتور حسن الترابي، قائلاً عنه "إن شخص الترابي موضع حبنا ولكن ما ينطوي عليه من أفكار هو موضوع حربنا"، والحرب المقصودة هنا هي حرب الرؤى ذاتها التي ندعو لها اليوم!!! نعم هي "حرب الرؤى" التي لم نتقن استخدام أدواتها حتى اللحظة!! ليت الترابي أدرك يومها أن مثل هذه الحرب لا تخاض بالسلاح وإنما بالتي هي أحسن-كما يدعوه دينه الذي يدعيه. عوضاً عن ذلك، أعلن الترابي، هو وأدواته (غير الجديرة بالذكر هنا)، حربه الخاسرة ضد الأستاذ الشهيد، إلي أن ذهب الأستاذ محموداً في الأرض والسماء، وبقي الترابي وجماعته من سدنة الظلام مخذيين في الأرض والتراب. هذه الجماعة الغاشمة مدعوة اليوم إلي تسليم السلطة الآن، نعم الآن.. الآن.. الآن. وإلا فلينتظروا أن تقصف بهم قوى الخير الأرض، ويبقي بعد ذلك الخير كله: خير الشعب السوداني الذي ذهب الأستاذ محمود وهو مفعم بالثقة واليقين في أصالته وقدراته المتميزة، وإمكاناته المديدة لصنع التاريخ وصياغة المستقبل الوضاء لسكان كوكبنا من البشر. سيذهب هذا النظام لا محالة، وليشارك الجميع في ذهابه، حتى لا يستمر جني ا الحصاد المر للأداء المعطوب للطغمة الفاسدة الظالمة الفاجرة، حصاد الظلم والتقتيل والإذلال الذي طال أناساً شرفاء من أمثال الدكتور علي فضل ورفاقه الكواسر من الشهداء، والعميد محمد أحمد الريح وصحبه من المعذبين، وشهداء حركة رمضان الأبطال، الذين قتلوا في شهر الصيام من مدعي الدين الفجار، وقوافل البسالة والإقدام من شهداء الحركة الشعبية. مهر هؤلاء وأولئك عرس شعبنا الذي لن يتم إلا بذهاب دولة الفساد والظلام السائدة الآن في السودان، ورفرفة رايات الحرية والتسامح والمودة والحب والسلام.
    مبتغي الشعب السوداني من الثورة الثقافية، أي من حرب الرؤى، التى حاولنا بلورة أولية لها هنا، هو تخليق كائن حي نابض بالحياة والتدفق كتدفق نيلنا سليل الفراديس؛ ونحن موعودون بالفردوس في سوداننا.. نسأل الله أن يتمم لنا نورنا، نور الحرية ، إنه نعم المسئول وخير مجيب. ولنواصل التنادي بفضله العميم على شعبنا السوداني الكريم، حتى نقيل به ويقيل بنا عثرته. ونحمده على ما آتانا من صمامة العزم على ما نحن فيه ماضون، وما نحن عليه مقبلون، والحمد له وحده رب العالمين

    نقلا عن مسارات جديدة
                  

07-01-2008, 03:57 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    الرأي الأخر … والرأي … في حديث عمر القراي

    حتى لا نجعل من تفسير آيات السيف سيفاً مسلطاً على حركة الاجتهاد

    مبارك على أحمد – الرياض
    [email protected]

    اطلعت كغيري من القراء على مقال للأستاذ / عمر القراي (بعنوان الإعلام والأقلام عند غير أهلها) وانتظرت أكثر من أسبوع لأرى من يتناول ما جاء في المقال سلباً أو إيجاباً وحسب متابعتي فلم أجد أحد يعقب عليه وهذا في تقديري يعود لأحد أمرين:

    الأول: أما أن يكون ما جاء في المقال لا يستحق أن يسكب من أجله المداد باعتباره مقالاً ضحلاً من الناحية الفكرية وفقيراً من ناحية التناول السياسي الذي ورد فيه.

    والثاني: أن يكون ما جاء في المقال لا يحتاج إلى تعقيب باعتباره مقالاً رصيناً شخص الداء وأتى بالدواء.

    ولأن المقال يعنيني شخصياً باعتباري أحد المنتمين لفكر الصحوة العاملين على إيصاله للآخرين عبر كل الوسائل المتاحة فإنني قرأت المقال لأكثر من مرة وشد ما أحزنني تلك اللغة التي كتب بها المقال والتي عبرت عن حقد دفين وتشويه مريع وتعريض كبير لشخص في قامة السيد / الصادق المهدي. جاء المقال في تقديري وهو يفتقر لأبسط قواعد اللباقة في تناوله للموضوعات والتي يمكن اختصارها حسب ما أرى في الآتي:

    لا يحق لأمثال الأستاذ / محمد إبراهيم نقد وكمال الجزولي الحديث عن الآخرين في الساحة السياسية إيجاباً ولا مغازلة الصادق المهدي بهدف إبعاده عن محيطه الإسلامي.

    في مجال الاجتهاد أمام الصادق المهدي أحد خيارين لا ثالث لهما… إما أن يبقي على النصوص القطعية في القرآن الكريم وهذا يعني قتال الوثنيين والمسيحيين من المواطنين السودانيين… أو أن يتمسك بأطروحات الديمقراطية وحقوق المواطنة التي يتحدث عنها كثيراً.

    الصادق المهدي غير مستوعب لمفهوم الديمقراطية والشورى وهذا هو السبب الأساسي في عجزه المتصل عن ممارستها.

    البيعة التي تمت له مؤخراً تدل على مبلغ مفارقته للديمقراطية.

    إننا إذ نتناول في هذا المقال ما جاء في حديث الأستاذ / عمر القراي واضعين في اعتبارنا ألا ننساق وراء ما ورد من مغالطات يكذبها الواقع ويدحضها الفعل السياسي اليومي في السودان وأن نجعل من هذه النافذة فرصة لإطلاع الأستاذ / عمر القراي وغيره على ما يطرحه أهل التأصيل الصحوي في السودان مستندين على مراجع فكرية في تناول قضايا مثل الاجتهاد والجهاد والديمقراطية والشورى والبيعة آملين أن نفتح للجميع واسعاً حاول عمر القراي أن يجعل منه ضيقاً مستنداً في مراجعه ومصادره على ما جاء من تصريحات بالصحف اليومية مستخفاً بعقل القارئ السوداني الذي يلتهم السياسة مع لقمة عيشه ويقتطع من فتات موائده ليشبع نهمه السياسي.

    إننا نطلقها نصيحة نبتغي بها وجه الله إلى الأستاذ / عمر القراي وأمثاله أن تحركوا من المربع الجمهوري الذي أصبح في حكم التاريخ بل هو جزء يسير من حركة التاريخ السياسي والفكري في السودان لم تستطع حركته الجماهيرية أن تتجاوز صفوة معدودة بأصابع اليد الواحدة توقفت عن التفكير يوم ودع زعيمهم الراحل محمود محمد طه الفانية وسارت أقلامهم مداداً من دم أسود على كل ما هو غير جمهوري يعيدون ويكررون ما قاله الزعيم بصورة مملة كأنما يدعون حركة الزمن للتوقف وحركة الفكر للجمود عند محطة عفا عنها الدهر وأصابها البلى.

    الصادق المهدي جهاد واجتهاد:-

    لقد أكد الصادق المهدي غير مرة الالتزام بقطعيات الوحي (التي هي محددة للغاية) فالقرآن الكريم كتاب الله قطعي الورود ولكن كثيراً من آياته حمالة أوجه (منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات… الآية) وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في غير السنن العملية أغلبها ليست قطعية الورود وفي دلالتها أقوال وكتب الأحاديث الصحيحة (الصحاح الستة) ليست مبوبة حسب التسلسل الزمني وحتى بعد حسم مسألة صحة الورود فهناك نصوص متناقضة في ظاهرها مثلاً قال تعالى: (وما تشاءون إلا أن يشاء الله) هذه الآية حجة للجبر وتؤكد التسيير قال تعالى: (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) هذه الآية حجة للاختيار وتؤكد التخيير فأي الآيات هي المحكمة؟

    ورداً على ما أشار عليه الأستاذ / عمر القراي فيما يخص آيات السيف والجهاد في الإسلام فنقول أن الجهاد هو بذل الوسع كله لإعلاء كلمة الله – فالإنسان يغالب الشر في نفسه مجاهداً ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة مجاهداً ويغالب الجهل والفقر والمرض مجاهداً ويقاتل لكي لا يفتن في دينه دفاعاً عن نفسه جهاداً… إنه كل حياة المسلم… إنه رهبانية الأمة إلا أن هناك فهم ضيق للجهاد يجعل منه قتالاً هجومياً بموجب آيات السيف. قال الأستاذ/ سيد قطب: " إن في كتاب الله سورة هي التوبة تضمنت أحكاماً نهائية بين الأمة الإسلامية وسائر الأمم في الأرض " وقبل ذلك اعتبر ابن القيم الجوزية آية السيف الواردة في سورة التوبة الآية المحكمة الناسخة لكل ما عداها وفي هذا نقرر الآتي:

    آيات السيف هي:

    (أ) الآية (5) من سورة التوبة قال تعالى: (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم).

    (ب) الآية (29) من سورة التوبة قال تعالى: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون).

    (ج) الآية (36) من سورة التوبة قال تعالى: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين).

    إن الآية 5 من سورة التوبة سبقتها الآية 4 ونصها ( إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئاً ولم يظاهروا عليكم أحداً فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين). هذه الآية أعطت الأمان لأولئك الذين لم يكن اتصالهم بالمؤمنين عدائياً وأعقبتها الآية 6 ونصها (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون) هاتان الآيتان السابقة للآية 5 واللاحقة لها تؤكدان أن الآية الخامسة إنما تقرر حكماً يسري في ظرف معين أي أنها معنية بفئة معينة بدأت المسلمين بالعدوان وهمت بإخراجهم من ديارهم.

    أما الآية 29 فالمقصود بها ليس كل أهل الكتاب بل فريق منهم له شروط ذكرتها الآية. قال صاحب المنار الشيخ/ محمد رشيد رضا تفسيراً للآية: " إنها تعني قاتل الفريق من أهل الكتاب عند وجود ما يقتضي وجوب القتال كالاعتداء عليكم أو على بلادكم أو اضطهادكم أو فتنتكم عن دينكم أو تهديد أمنكم وسلامتكم كما فعل الروم فكان سبباً لغزوة تبوك " .

    أما الآية 36 فهي بنصها نفسه لا تأمر بهجوم بل تقول وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة مثل الآية: (ولا عدوان إلا على الظالمين) إن الفيصل في تبرير القتال واضح في الآية 13 من سورة التوبة قال تعالى: (ألا تقاتلون قوماً نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدأوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين).

    إن في القرآن الكريم مائة آية موزعة على ثمانية وأربعين سورة تأمر بالعامل مع الآخرين بالتي هي أحسن مثل الآية (8) من سورة الممتحنة قال تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) إن الدعوة إلى الله في الإسلام بالحسنى أما القتال فهو لرد العدوان قال تعالى: (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير) إننا نلمس آثار هذا الاجتهاد في كتب السيرة النبوية فقد تناولت ما لا يقل عن ألف كتاب سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم ومع أن بيعة العقبة كانت بيعة دفاعية إلا أن كثيراً من تلك الكتب تظهر النبي صلى الله عليه وسلم غازياً ومبادراً ومركزاً على واجبات القتال والحقيقة هي أن دور المغازي في نجاح الدعوة كان متواضعاً وفي حياة النبي صلى الله عليه وسلم كان القتال ما بين عامي 3هـ - 9هـ وكان عدد المقتولين في جميع الغزوات والسرايا 259 شهيداً من المسلمين و759 قتيلاً من غير المسلمين لتصبح الجملة 1018 بين شهيد وقتيل فقط.

    إن حكمة النبي صلى الله عليه وسلم حققت أهم ثلاثة إنجازات للدعوة دون قتال وهي:

    تأسيس دولة المدينة عام الهجرة دون قتال.

    استمالة غالبية أهل الجزيرة العربية للدعوة عامي صلح الحديبية.

    فتح مكة تم دون قتال.

    إننا نقول إن مصلحة الإسلام في العصر الحديث تكمن في التسامح والتعايش مع حضارات الإنسان الأخرى وذلك للأسباب التالية:

    مع أن المسلمين في أضعف حالاتهم سياسياً فإن الدين الإسلامي ينتشر بسرعة في كل قارات العالم بالقدوة وبالتي هي أحسن فهو في مناخ التسامح الديني أوسع الأديان انتشاراً في العالم.

    بروز اتجاه جديد لبعض علماء الاستشراق في نظرتهم للإسلام يدعو للتعامل معه بموضوعية أكثر.

    ثلث المسلمين اليوم يعيشون أقليات مع أغلبيات مغايرة وكذلك يعيش الباقون غالباً مع أقليات مغايرة ولا سبيل للتعامل في كل هذه الظروف إلا بالتسامح والتعايش.

    إن جوهر التجديد في الإسلام يقوم على صلاحيته في كل زمان ومكان وإن التأكيد على الهوية الإسلامية المتميزة للأمة ضرورة وإن الإقبال على فتوحات الحضارة الحديثة باستيراد أشياءها واقتنائها واستنباط بعض مؤسساتها وشيء من نظمها شيء لا بد منه وإن فك الارتباط الوثيق بين الثابت والمتغير والتمييز بينهما بدأ واضحاً في كثير من المدارس الإسلامية كالمدرسة الفقهية السورية (د . محمد المبارك ، د . مصطفى السباعي ، د . الدواليبي ، و د . مصطفى الزرقا) ثم المدرسة الفقهية المصرية مع الشيخ/ محمد الغزالي في آخر أيامه و د . يوسف القرضاوي في كثير من أبحاثه و د. محمد سعيد العوا في كثير من اجتهاداته في الفكر السياسي. فالثابت فيه مسائل كثيرة مختلف عليها ، فهو قطعي الثبوت لكن تجدهم يختلفون في نوعية دلالته وهكذا نجمت مسائل المحكم والمتشابه – العام والخاص – الناسخ والمنسوخ – المطلق والمقيد . وترك الخلاف حول هذه الثنائيات مساحات واسعة للتأويل والتأويل المخالف وذلك في أوج حضارة الإسلام وعظمتها وإنك لتجد في قتال غير المسلمين تركيزاً عظيماً على القول بأن آيات الإعراض والصفح والتسامح قد نسخت بآيات السيف وأصبح التأكيد على غاية أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وأضحى السيف مسلطاً على الآخر في الداخل والخارج. فإما إسلام أو جزية أو قتال وتجاوز هذا المنظور مسألتي التدرج في التنزيل وأسباب النزول وفيهما لعصرنا هذا وسع مرغوب ويسر مطلوب ومن جهة أخرى تجد فقه القوة يؤكد على تضييق ماعون القوة والحكم ومؤسساته لصالح الحكم المطلق وفقاً لمنظور فقه المصالح وفقه الضرورة بمنهج توفيقي تبريري بين كليات الإسلام الذي كان يبعد بعداً متعاظماً عن تلك الكليات فالمقارنة بين آراء المورودي والغزالي وابن ماجة وابن خلدون في مسائل الخلافة وقضايا الوحدة السياسية خير شاهد لاستبصار الفرق الشاسع والبون العظيم في مقولاتهم نتيجة اختلاف البيئات التي أنتجت آراءهم.

    إن دور العقل في التفسير والاستنباط وتحليل الروايات ودوره في التعامل مع الجوانب المتحركة من الشريعة دور هام في مجال المعاملات أي في المجال الاجتماعي – انه دور يقع التكليف به علي الأمة وتعطيله يدل على تقصير الأمة في القيام بواجبها ويؤدي إلى ما أدى إلية من واقع اجتماعي كريه . أن كتابنا واحد معلوم ومحفوظ النص ورسولنا واحد ومعلوم السيرة والهوية علينا أن نلتزم تماما بالقطعي ورودا والقطعي دلالة من الكتاب والسنة … أما الظني ورودا والظني دلالةً وما ليس فيه نص أصلاً فأمور اجتهادية غير ملزمة لنا – نعم هناك عوامل مستجدة اختلف المسلمون حول كيفية التعامل معها : أهل السنة قالوا بالتعامل مع المستجدات على أساس القياس والإجماع – الشيعة قالوا بمعرفة خاصة للائمة ولمراجع التقليد في غيابهم – الصوفية قالوا بان الصالحين ملهمون مكشوف لهم الحجاب مما يتيح لهم معرفة خاصة للتعامل مع كل الأمور وعلى الآخرين إتباعهم . لقد جادل المسلمون كثيراً حول تلك الأسباب . فمن قائل أن القياس غير صحيح لأنه لا تكون حالة مثل حالة أبداً وقائل أن الإجماع في واحد من الأمور غير القطعية لم يقع أبداً وقائل أن الأئمة المعنيين لم يوجدوا أصلاً وان القول بالكشف مختلف عليه .

    إن عصرنا يمتاز بإلغاء المكان عن طريق المواصلات وإلغاء الزمان عن طريق الاتصالات مما يتيح لنا وسائل أفضل للتعامل مع هذه القضايا – الأسلوب الأمثل هو تحديد هيئة أو هيئات تشريعية ذات تفويض شعبي للتداول بشأن المستجدات لاتخاذ قرار بشأنها. هناك نظرة سلبية جداً نحو التعددية في المسائل الاجتهادية ينبغي أن تكون نظرتنا لكل أنواع التعددية المذهبية والفكرية الإسلامية إيجابية لأنها إحدى وسائل الحرية اللازمة على أن نلتزم في هذا الصدد بأمرين هما: التسليم بالقطعي وروداً والقطعي دلالةً من نصوص الإسلام والثاني تجنب التعصب لاجتهادنا الخاص والتعامل معه بقاعدة اجتهادنا صواب يحتمل الخطأ واجتهادكم خطأ يحتمل الصواب – هذه النظرية المرنة للتعامل المذهبي مع التراث المنقول مع العطاء الإنساني مع الاجتهاد الآخر هو المطلوب لإخراج أنفسنا من الانكفاء ومن التعصب الذميم.

    التعددية فيما عدا وحدانية الذات الإلهية جزء لا يتجزأ من نظام الكون وينبغي التخلص من النظر إلى فرقة واحدة ناجية فمن كفر مسلماً فقد باء بالكفر أحدهما ومن اجتهد فأصاب فله أجران ومن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد وليس من طلب الباطل فأصابه كمن طلب الحق فأخطأه. إن للإنسان عشرة مطالب أساسية تفتقر إلى إشباع متوازن وهي:

    المطالب الروحية – الخلقية – العاطفية – المعرفية – المادية – الاجتماعية – البيئية – الجمالية – الرياضية والترفيهية. إن الإسلام دين الفطرة مستبين لتلك المطالب ومقر بضرورة إشباعها إشباعاً موزوناً وينبغي على المسلمين السعي للحقيقة اجتهاداً في ظروف الزمان والمكان المختلفة.

    الدعوة المهدية في السودان سنية ومقولتها تجعل المهدية وظيفية هي وظيفة إحياء الكتاب والسنة بصورة ذات خصوصية تجيز لها تعليق العمل بالمذاهب وإبطال التفرق بين المسلمين عودة للكتاب والسنة – هذا موقفها النظري لكن موقفها من الخريطة الإسلامية الشعبية هو إنها جمعت ما تفرق بين التكوينات الإسلامية فهي ذات موروث شعبي تقليدي عريض وهي ذات طلائع فدائية متحمسة وهي ذات كوادر فكرية مثقفة لذلك يرجى أن يكون لها عطاء إسلامي داخل السودان وخارجه داعية لنهج إسلامي ملتزم ومستنير بأسلوب الحكمة والموعظة الحسنة.

    الصادق المهدي ومفهوم الديمقراطية والشورى:-

    إن في عالمنا العربي والإسلامي من يرى أن الديمقراطية جزء من غزو فكري ثقافي دخيل وهي مرفوضة في نظرهم إسلامياً بل الدعوة إليها دعوة للخروج من الدين – هذا هو موقف حركات الغلو الإسلامي ولهؤلاء نقول : من حيث المبدأ فان رفض المفاهيم والنظم بحجة أنها آتية من مصادر غير إسلامية موقف ينافي المبادئ الإسلامية والتجارب التاريخية قال تعالي ( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ) . وقال تعالي ( لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب) . ومنذ الصدر الأول إستصحب المسلمون نظما وممارسات وافدة مثل استخدام النقود – وسك العملة – وجباية الخراج وتدوين الدواوين وفي هذا الصدد قال ابن قيم الجوزية ( قال الشافعي لا سياسة إلا ما وافق الشرع قال ابن عقيل ( السياسة ما كان فعلاً يكون الناس معه أقرب إلى الصلاح وأبعد من الفساد وان لم يصنعه الرسول صلي الله علية وسلم ولا نزل به وحي وان أردت لا سياسة إلا ما نطق به الشرع فغلط ، وتغليط للصحابة فقد أحرق عثمان المصاحف وكان رأياً اعتمد فيه على مصلحة الأمة) ومضى يشجب هذا التضييق ويرمي أصحابه بأنهم جعلوا الشريعة قاصرة لا تقوم بمصالح العباد محتاجة لغيرها وسدوا على أنفسهم طرقاً صحيحة من معرفة الحق والتنفيذ له.

    وهناك مقولة ثانية في العالم العربي والإسلامي ترى أن الديمقراطية لا تناسبنا وعندنا الشورى وهي أفضل منها وأكثر ملائمة لأحوالنا وهذا ما تقول به أكثرية نظم الحكم في البلدان العربية ولهؤلاء نقول: الشورى مبدأ سياسي عظيم كالعدالة ولكن العدالة لا تتحقق إلا عبر مؤسسات القضاء المستقل فما هي المؤسسة المماثلة للشورى؟ كل الحديث عن أهل الحل والعقد وعن استشارتهم حديث عام – الديمقراطية تتفق مع الشورى في نقاط عديدة: منع الانفراد بالحكم – إيجاد حقوق الإنسان – احترام سيادة القانون لكن الديمقراطية ملحق بها آليات ومؤسسات بتطبيق تلك المبادئ وهذا ما لم يتحقق للشورى.

    نوعان من الناس حريصون على تأكيد الخلاف الجوهري بين الديمقراطية والشورى الأول: الذين يخافون الديمقراطية وآلياتها الملزمة ويريدون أن يواصلوا الانفراد بالسلطة تحت راية الشورى التي لا تلزمهم بمؤسسات وآليات محددة. والثاني: علمانيون يرون أن الإنجازات الإنسانية المعاصرة أغنت عن المفاهيم التراثية – ومجموعة ثالثة في محيطنا العربي والإسلامي ترى أن الديمقراطية غير مجدية في مجتمعات جاهلة مسكونة بالولاءات الطائفية والقبلية وبلداننا محتاجة لنظم حكم مستقرة وفاعلة لتحقيق أهدافها الوطنية مثل التنمية والتحديث والعدالة والتأصيل هذا ما تدفع به النظم الانقلابية التي تفرض إما وصايا يسارية أو يمينية.

    إن حالة التردي التي آل إليها السودان بعد أن خضع لحكم استبدادي في 75% من عمر حياته المستقلة تعود بلا نزاع للشمولية والأيديولوجية بوجهيهما اليساري واليميني وفي عام 1989م أصدر السيد/ الصادق المهدي كتابه (الديمقراطية في السودان عائدة وراجحة) أوضح فيه كيف أن النظم الديمقراطية عجزت عن الدفاع عن نفسها لالتزامها بحقوق الإنسان وسيادة القانون بينما النظم الدكتاتورية استطاعت حماية نفسها مهدرة سيادة القانون وكرامة الإنسان.

    الشورى والديمقراطية يشتركان في العالم العربي في صفة محددة هي أنهما غائبتان ومع الأضواء المسلطة عليهما فإن الشورى هي ديمقراطية زائد سقوف لا تخدش جوهرها والديمقراطية هي شورى زائد آليات توجب تطبيقها وللتماشي مع لغة العصر نتطلع للديمقراطية المسقوفة وجهاً من وجوه التحديث المؤصل بلغة جدلية الأصل والعصر ولكي تصير الديمقراطية مستدامة ينبغي أن تحقق توازناً ثقافياً فلا تكون غريبة في محيطها الاجتماعي. إن التحدي الذي تواجهه الحركة السياسية هو التجاوب مع هذه الحاجة لديمقراطية وتوازن – ديمقراطية ناجحة وحقيقية لأنه في غيابها سوف تتمدد نظم الحكم الأخرى الفاشلة والتي تستر عيوبها وراء أجهزة أمن قاهرة وأجهزة إعلام مضللة تلبس الباطل ثياب الحق وهما سلاحان ماضيان لا يتاحان للديمقراطية التي تجبرها طبيعتها إقامة أمن للمواطن لا عليه وإعلام شفاف يخدم الحق والحقيقة.

    الصادق المهدي… والبيعة:-

    ويسدر قلم الأخ/ عمر القراي في غيه ويربط ربطاً مخلاً بين قبول الصادق المهدي للبيعة ومبلغ مفارقته للديمقراطية وهو يستقي معلوماته الشحيحة من الصحف اليومية وهو لا يعلم أن مؤتمر هيئة شئون الأنصار المنعقد بالسقاي جاء ببيعة غير مسبوقة حيث تمت بيعة مؤسسية استجابت لتطلعات أكبر كيان إسلامي في السودان ليقدم الأنصار نموذجاً يجب أن يحتذى لكل الكيانات الأخرى فقد انتخب المؤتمر مجلس الشورى من 500 عضو صعدت المحليات إليه 315 عضو من جميع ولايات السودان المختلفة وانتخب المؤتمر مجلس الحل والعقد المكون من 40 عضو 16 منهم من الولايات الشمالية و 3 من الولايات الجنوبية و 4 للمرأة و 8 للفئات و 5 للعلماء و 2 للشباب و 2 للمجاهدين. وإنني لا أرى ثمة حرج في أن تتم البيعة على بيعة الإمام المؤسس المهدي التي قامت على الجهاد بمعانيه الواسعة التي ذكرناها في معرض هذا المقال وإنه لمن ضحالة الفكر وضيق الأفق وصف قبول هذه البيعة بأنها ردة عن الإيمان بالديمقراطية بل هي بيعة مؤسسية قائدها مفكر صحوي راشد وأتباعه هم الذين غرسوا تربة الإسلام الصحيح في السودان وأكسبته مميزات التسامح والسلام الاجتماعي.

    أروع ما في مؤتمر السقاي هو أنه أعاد مؤسسة الإمامة إلى كيان الأنصار عبر ثمانية مليون أنصاري اختاروا خمسة آلاف لينوبوا عنهم في اختيار الإمام الجديد والآن مؤسسة الإمامة جاهزة للرد على أمثال عمر القراي حجة بحجة ومنطق بآخر وبالتي هي أحسن فإن لم يجد هذا المسلك فإن منطقاً فعلياً آخر ينتظرهم من خارج المؤسسة يمكن أن يردهم إلى الصواب وحينها ستدخل كل الفئران إلى جحورها لتختبئ في الديم الفوق أو التحت لا يهم.

    المراجـــــــــع

    * جدلية الأصل والعصر الصادق المهدي يونيو 2001م

    * نداء المهتدين المصدر نفسه مارس 1999م

    * الشورى والديمقراطية (رؤية عصرية ) المؤتمر الأول للفكر -القاهرة أكتوبر 2002م

    * البيان الختامي للمؤتمر العام لهيئة شئون الأنصار ديسمبر 2002م

    *مستقبل الثقافة العربية الإسلامية د. عز الدين عمر موسى- جامعة الملك سعود –الرياض

    * قراءات في الفكر السياسي الإسلامي د. يوسف أيبش – د. ياسوشى كوسوجى




    Source: http://www.sudaneseonline.com/sudanile2.html
    ___________
                  

07-01-2008, 04:10 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    التحدي الذي يواجه العالم !!
    إما المجتمع الكوكبي الإنساني الواحد ، وإما الاستعمار والحرب والدمار

    (1) من (3)
    سمُوها غزو العراق، وليس حرب الخليج الثالثة
    الشعب العراقي لم يطلب من الإدارة الأمريكية تحريره من صدام، فهل من الديموقراطية أن تفعل باسمه ما لم يأذن به؟
    فلتكف الإدارة الأمريكية عن دعوى توزيع الديموقراطية حول العالم

    [email protected] بقلم: طه إسماعيل أبو قرجة

    الشعب العراقي لم يطلب من الإدارة الأمريكية، ولا تابعتيها البريطانية والأسترالية، أن تحرره من حكم صدام. وهي لم تستطع أن تدَّعي ذلك، رغم أنها لم تتورع عن غمر العالم بسيل منهمر من الكذب الرخيص، المسيء إلى عقول الناس، يجترحه تنفيذيوها وعسكريوها على نحو مؤسف، دون أن يطرف لهم جفن، وكأنهم رجال عصابات أشرار، لا رجال دولة شرفاء.. يحاولون به كسب العالم في حين يخسرون أنفسهم.. ويصورون به أنفسهم صور الأخيار المتمدينين، فيسيئون إلى أنفسهم وشعوبهم أيما إساءة. ذلك السيل لم يكن أوله، ولا أسوؤه، تزوير مستندات للإيقاع بالعراق بأنها اشترت يورانيوم من النيجر. وهو تزوير فضحته المؤسسة الدولية للطاقة الذرية، مما دفع بأحد أعضاء الكونغرس الأمريكي إلى المطالبة بإجراء تحقيق في تورط مسئولين أمريكيين في ذلك التزوير.

    بيد أن الإدارة الأمريكية حين حاولت، هي وتابعتيها، تبرير عدوانها على العراق بأنه عمل إنساني لتحرير الشعب العراقي من صدام، لم تستطع أن تصبر بعض الوقت حتى تجوز خدعتها على الناس، بل مضت في عجلة لتفضح نفسها وتؤكد ما يعلمه كل الناس بأنها إنما تهدف من الحرب إلى وضع النفط العراقي في قبضة أباطرة البترول الأمريكيين. فما بدأت الحرب حتى أعلن الرئيس الأمريكي أن عائدات النفط العراقي ستستغل، أول ما تستغل، لاسترداد نفقات هذه الحرب. عجباً!! الإدارة الأمريكية تحاول إيهام شعبها وكل شعوب الأرض بأنها تتبرع من منطلق إنساني محض لتخليص شعب العراق من صدام، ثم تعلن في ذات الوقت أنها ستكون المتصرف في عائدات النفط العراقي، بل وأنها ستحمِّل الشعب العراقي ثمن الحرب التي شنتها دون طلبه، ودون إذنه، وبها قتَّلته، ودمرت بنياته، وبيئته، باليورانيوم المستنفد وغيره من الأسلحة المحرَّمة دولياً وغير المحرمة- هذا إن كان في شِرْعَة الإنسانية أسلحة غير محرمة.

    من أعطى الإدارة الأمريكية الحق في التصرف في عائدات النفط العراقي؟ أليس هذا هو الاستعمار المكشوف؟ أوتظن الإدارة الأمريكية أن الشعوب الأخرى، لمجرد أنها لم تستطع أن تصنع ما تسميه بالصواريخ الذكية، هي من الغباء بحيث تجوز عليها هذه الأحابيل؟ إن الإدارة الأمريكية قد أفصحت بإعلانها هذا عن أنها ليست أفضل من الجنرال منقستو، حاكم إثيوبيا السابق، وأحد أسوأ دكتاتوريي القرن العشرين. فقد قيل عنه أنه كان يقتل خصومه بالرصاص ثم يطالب ذويهم بثمن الطلقات المستخدمة في قتلهم.

    إن مما يجب أن يعلمه أهل الأرض قاطبة أن الحرب التي تشنها الإدارة الأمريكية الآن على العراق ليست سوى ردة إلى عهود الاستعمار التقليدي الذي خرج منه العالم قبل عقود، وأن العراق ليس سوى الضحية الأولى، وأن العالم إن صمت اليوم عن ما يجري في العراق، فإنه سيفيق كل حين على غزو جديد، تنفذه إمبراطوريات المال الأمريكية، باسم الشعب الأمريكي، مستغلة الإدارة الأمريكية.

    إن هذه الإمبراطوريات قد عوَّقت تقدم الديموقراطية الأمريكية والديموقراطيات الغربية لمئات السنين، وأفرغتها من مضمونها. ولكنها اليوم تريد أن تعود بالبشرية كلها إلى الوراء، إلى عهود الاستعمار التقليدي السافر، ونشر الألوية الأجنبية على أراضي الشعوب الضعيفة، ونهب ثرواتها، وإدخال العالم في دوامة جديدة من الحروب الطواحن، والكره، والدمار. ونحن لا نعلم مستعمراً أفصح عن رغبته الحقيقية للمستعمرين، ولكننا نعلم أن كل المستعمرين يتصورون أن الشعوب الضعيفة هي من الغباء بحيث يمكن أن تنخدع بأن الجيوش الأجنبية تأتيها لتحسن إليها وتنهض بعبء الشعوب المتقدمة، سواء أكانت بيضاء أو غير بيضاء، نحوها. والحق أن أجيالاً سمعت خلال القرن الماضي في آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية دعاوى جنرالات الإمبراطورية البريطانية التي كانت لا تغرب عنها الشمس بأنهم إنما قطعوا آلاف الأميال من بريطانيا لخدمة تلك الشعوب، تسمع الآن ذات الادعاء الفج الكاذب من آلة الإعلام الأمريكية الضخمة المستغَلة أصلاً لتضليل الناس، داخل أمريكا، وخارجها.

    إننا في حقيقة الأمر أمام موجة جديدة من الاستعمار التقليدي. ولكن من حسن التوفيق أن هذه الموجة تجد الآن من الرفض والمقاومة داخل المجتمع الأمريكي والبريطاني بأكثر مما تجد من أي دولة أخرى، ومن أي شعب آخر. وبالرغم من أن خوف الدول من بطش الإدارة الأمريكية أمر مؤسف، إلا أن قوة الرفض الشعبي الأمريكي والبريطاني يخفف من الأسى، ويزيد من الأمل في أن تفتتح البشرية، في الأيام القريبة القادمة، دورة جديدة من دورات التاريخ على هذا الكوكب، تخلِّف بها الحرب، وتقلع بها عن العصبيات الوطنية، والقومية، والعرقية، والعقائدية، وتستبدلها بوشائج الإنسانية التي تربط بين كل أهل الكوكب، فتسقط بذلك اعتبارات اللون، واللغة، والعنصر، والعقيدة، والموقع الجغرافي، فيستبدل أهل الأرض قانون الغاب بقانون الإنسانية، ويحرصون على العدل فيما بينهم، ويأبون الظلم على غيرهم مثلما يأبوه على أنفسهم. ذلك هو عالم الغد المأمول، وذلك هو المجتمع الكوكبي، الإنساني، الذي سيكون مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائره بالسهر والحمى. وهذا هو مخاضه، وسآتي للحديث عنه لاحقاً.

    ضرورة التمييز :
    أمران ينبغي أن لا يلتبس وجه الرأي فيهما، وألا يتخذ أولهما ذريعة إلى الآخر: سوء نظام صدام، وسوء الغزو الأجنبي. هذا ينبغي أن يكون واضحاً لكل الدول ولكل الأفراد حول العالم. فمهما كان الرأي سيئاً في صدام، يجب أن لا نشك لحظة بأن العمل العسكري الذي اجترحته الإدارة الأمريكية ضد العراق (وتبعتها فيه الحكومتان البريطانية والاسترالية)، ليس سوى غزو أجنبي، لا يقل في سوئه عن غزو الاتحاد السوفيتي السابق لأفغانستان في سنة 1979، بل هو أسوأ منه لأن الدولة التي تقوم به هي اليوم، بلا منازع، الدولة الأقوى في العالم التي يقع عليها أكبر واجب أدبي وقانوني في ترسيخ دور المنظمة الدولية التي ارتضتها دول العالم قاطبة كمنظمة يناط بها حفظ الأمن والسلام الدوليين. كما يجب أن لا نشك لحظة أن هذا العدوان إن أسقط صدام، فلن يحرز ديموقراطية في العراق، وإنما هو في أحسن أحواله سيأتي بحكام جدد قاماتهم أضأل من الكراسي التي سيضعهم عليها، ليعطوا أباطرة النفط الأمريكيين ما يريدون، ويمتصوا هم البقية. وذلك ما فعلته أمريكا وبريطانيا نفسهما حين أسقطتا حكومة مصدق الديموقراطية في إيران سنة 1953 بتدخل عسكري مباشر، لتعيدا السلطة إلى الشاه، ليعطيهما ما كانتا تبتغيانه من عائدات النفط الإيراني، ظلماً، فأوصلتا بذلك إيران إلى الحالة التي هي فيها الآن.

    إن عدم وضوح هذا الأمر قد ساق بعض الدول لتأييد الإدارة الأمريكية في غزوها العراق، أو للإحجام عن إدانتها، بسبب رأيها في نظام صدام، وانخداعها بالمهمة النبيلة التي تزعمها الإدارة الأمريكية بتحرير العراق. وبنفس القدر، فإن عدم وضوح هذا الأمر قد شلَّ تفكير كثير من الأفراد، فباتوا يتفرجون على الأحداث، ويتكهنون بنتائج الحرب، وما قد تستغرقه من وقت. وقد لعبت الإدارة الأمريكية لعبتها بإلهاء الناس بهذه المسائل عن عدوانها ومطامعها الاستعمارية.

    وليس أدل عندي على التباس وجه الرأي عند الناس من انطلاء الاسم الذي أعطته الإدارة الأمريكية لغزو العراق على أكثرهم، بمن فيهم المعارضين لهذا الغزو: حرب الخليج الثالثة!! فذلك اسم مضلل، قصدت الإدارة الأمريكية أن تسبغ به على غزوها ذات الشرعية التي حظيت بها الحرب المعروفة بحرب الخليج الثانية، التي أخرج بها المجتمع الدولي العراق من الكويت مطلع عام 1991 بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يوجب على كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة القيام بالعمل اللازم للحفاظ على سيادة وسلامة كل بلد من بلدان العالم إن تعرض للعدوان.

    النفط هو الدافع الحقيقي، والأهداف المعلنة ذرائع :
    لقد حاولَت الإدارة الأمريكية أن تخدع المواطن الأمريكي والرأي العام العالمي بأنها تحارب في العراق لسببين نزيهين خيِّرين، أحدهما هو تحرير الشعب العراقي من صدام، وثانيهما هو تجريد العراق من أسلحة الدمار الشامل التي تزعم أنها تشكِّل خطراً على الأمن القومي الأمريكي. بيد أن المواطن الأمريكي والرأي العالمي لم يفت عليهما أن هذه الحرب المؤسفة إنما تحركها رغبة استعمارية في الاستحواذ على النفط العراقي لصالح أباطرة النفط الأمريكيين، ولكنها تسوق ذرائع ومبررات أخرى بقصد التضليل.

    وقد أوردت بعض وسائل الإعلام العالمية معلومات مفصلة تفيد أن بعض أركان الإدارة الأمريكية الحالية كانوا موظفين كبار في شركات النفط الأمريكية، مشيرة إلى أنهم قد انتدبوا من تلك الشركات إلى البيت الأبيض لتحقيق مصالح تلك الشركات من مواقعهم الجديدة. ورغم أن المسألة لا تحتاج إلى سجل وظيفي لدى أولئك الأباطرة، إلا أن مما يؤيد تلك المعلومات أن مجموعة شركات هالبيرتون التي كان يديرها ديك تشيني، نائب الرئيس الأمريكي، حتى عام 2000، قد أعطتها الإدارة الأمريكية عقوداً لإطفاء حرائق في آبار النفط العراقي. وهذا يكشف أن هؤلاء لا ينطبق عليهم وصف "الصقور" بإزاء "الحمائم" على نحو ما حاولوا تضليل الناس، وإنما ينطبق عليهم أنهم مزيفو ديموقراطية ومستغلو مناصب عامة لتحقيق مصالح خاصة، وذلك عار الأبد. ومن أجل ذلك، سَرَت في داخل الولايات المتحدة موجة قوية من الاعتراض على هذه الحرب ترفع شعارات مثل: (لا لحرب البترول) و (ليس باسمنا) و (لا لمقايضة البترول بالدم) ونحو ذلك من الشعارات التي تكشف أهداف الحرب الحقيقية، وتعبِّر عن رفضها.

    ولأن هذين الهدفين هما مجرد ذرائع، فإنهما لم يُعْلَنا على هذا النحو إلا قبيل اندلاع الحرب. ولابد أن الناس يذكرون جيداً أن الرئيس الأمريكي بوش كان قد أعطى الرئيس العراقي صدام حسين وإبنيه مهلة 48 ساعة لمغادرة العراق كوسيلة لتجنب الحرب، ولكنه حين شعر أن صدام قد يفقدهم ذريعة احتلال العراق بالاستقالة ومغادرة العراق، عاد ليقول أن الجيش الأمريكي سيدخل العراق في كل الأحوال حتى لو استجاب صدام إلى الإنذار وغادر العراق، وذلك للتفتيش عن أسلحة الدمار الشامل. هذا بالرغم من أن التفتيش عن تلك الأسلحة ليس صلاحية الجيش الأمريكي، وإنما هو صلاحية اللجنة الدولية (UNMOVIC) والوكالة الدولية للطاقة الذرية، اللتين تعملان تحت رعاية مجلس الأمن الدولي، وهما المنوط بهما مباشرة التفتيش في كل الأحول، سواء أبحرب أو بدون حرب. ولا يفوت علينا أن مجلس الأمن إن كان قُدِّر له أن يجيز أي عمل عسكري ضد العراق من أجل التفتيش الفعال عن تلك الأسلحة، فإن ذلك العمل العسكري لن يكون من شأنه أن يخرِج مهمة التفتيش من يد اللجنة الدولية والوكالة الدولية ليضعها في يد الجيش الأمريكي أو أي جيش آخر.

    ومن هنا يتضح أن الإدارة الأمريكية قد ارتكبت سلسلة من الأخطاء الفادحة، لا خطأ واحداً، حين أعلنت أنها من أجل تفتيش فعال عن الأسلحة في العراق ستضرب العراق بدون قرار من مجلس الأمن، بدعوى أن مجلس الأمن تخلى عن مهمته. فالخطأ الأول هنا هو أن الإدارة الأمريكية قد اغتصبت بذلك صلاحيات مجلس الأمن، وأصدرت حكماً منفرداً على العراق ونفَّذته. والخطأ الثاني، أنها أضعفت منظمة الأمم المتحدة برمتها حين اتهمتها بالتفريط في واجبها، رغم أن واجب أمريكا كدولة مؤسسة لمنظمة الأمم المتحدة، وكدولة أولى في العالم، بل وكدولة مقر، كان هو دعم منظمة الأمم المتحدة وتقويتها، لا إضعافها وإسقاط ما اكتسبته من هيبة وفعالية بعد انتهاء الحرب الباردة. أما الخطأ الثالث، فإن الإدارة الأمريكية واصلت مسلسل اغتصاب الصلاحيات، فاغتصبت لجيشها صلاحيات لجنة انموفيك (UNMOVIC) الدولية والوكالة الدولية للطاقة الذرية وصلاحية مجلس الأمن في الإشراف على تينك اللجنتين.

    ومن المؤسف حقاً أن ذلك الخروج السافر عن الشرعية الدولية لم يجد التنبيه الكافي من القانونيين الدوليين، ولا من غيرهم، كما لم يجد الموقف الحاسم من دول العالم، ولا من الرأي العام العالمي. ويلاحظ الآن أن الإدارة الأمريكية تسعى إلى تبرير عدوانها على العراق بالإعلان عن العثور على أسلحة كيماوية أو مصانع لها. وهذا إعلان عديم القيمة، ليس لأن تقاريرها العسكرية عن العمليات الحربية كانت كاذبة وتطعن في صدقها وتسيء إلى صورة المواطن الأمريكي والبريطاني بإظهاره بمظهر الكذاب الأشر، ولكن لأن الجيش الأمريكي ليس هو الجهة التي يناط بها حق التفتيش أو الإعلان عن ملكية العراق لسلاح دمار شامل أو مصنع له.

    إن المتابع للأحداث الجارية على الساحة الدولية يدرك بسرعة أن الإدارة الأمريكية قد قررت منذ انهيار الاتحاد السوفيتي أن تجعل من منظمة الأمم المتحدة مكتباً تابعاً لوزارة خارجيتها، تستصدر منه القرارات التي تسبغ الشرعية على سياساتها الرامية لحكم العالم بقبضتها الحديدية. وهي من أجل تحقيق هذا الغرض تمارس أفعالاً يندى لها الجبين. فهي تضغط على الأمين العام للأمم المتحدة ومساعديه وجهازه الوظيفي، وتوقف سداد التزاماتها المالية للمنظمة لتستصدر منها القرارات التي تبتغيها، بل وترشو الدول الأخرى الأعضاء في مجلس الأمن لتصوت معها، أو لتمتنع عن التصويت على أيسر تقدير، حتى أنها قد جعلت من عضوية مجلس الأمن باباً من أبواب المأكلة والرشا لبعض الدول، وبعض الحكام، بل وربما بعض المندوبين أيضاً. كل ما هنالك، أن لكلٍ ثمنه.

    أعود لأقول أن الذرائع التي أطلقتها الإدارة الأمريكية لتبرير عدوانها على العراق يجب أن تناقش، لا لأنها شكَّلت الأساس السياسي والقانوني والأخلاقي (Ethical) الذي اعتمدت عليه في ذلك الغزو فحسب، ولكن لأنها، في جوهرها، ستشكل الأساس الذي يمكن أن تطلق به الإدارة الأمريكية يدها وآلتها العسكرية الضخمة لتغزو دولاً كثيرة وتفتك بشعوب عديدة حول العالم. وذلك أمر إن لم يتفطن له المواطن الأمريكي والمواطن العالمي منذ اليوم ويوقفه، فإنه سيفيق كل حين على غزوة جديدة للإدارة الأمريكية في ناحية من الأرض. فمن المفروغ منه أن "كل تجربة لا تورث حكمة، تكرر نفسها"، كما قال الأستاذ محمود محمد طه. فإن المجتمع الكوكبي، بما فيه المجتمع الأمريكي، إن لم يتعظ من تجربة غزو العراق ويواجه الإدارة الأمريكية بما يجب من حكمة وحزم، سيكون بذلك التقاعس قد أدخل نفسه حقبة من البلبلة المنكرة والشر المستطير.

    أمريكا لا توزِّع الديموقراطية ، وهي ليست معنية بها :
    وأبدأ بمواجهة الحجة الأولى المتمثلة في تحرير شعب العراق من حكم صدام، وأسوق بشأنها النقاط التالية:-
    (1) إن الغاية لا تبرر الوسيلة. ولذلك فإن سوء نظام صدام حسين لا يبرر الغزو الأجنبي. فالغايات الصحيحة لا يتوسل إليها بالوسائل الخاطئة. كما أن الوسائل الخاطئة لا توصل إلى نتائج طيبة. والحق أن خطأ الوسائل يدل على خطأ المقاصد وينبيء بسوء النتائج.

    (2) إن الحكومتين الأمريكية والبريطانية لم تكونا ديموقراطيتين حين تخلتا عن طرح مشروع قراراهما بشأن العراق على مجلس الأمن حين شعرتا بأن أغلبية مجلس الأمن ترفضه. ولذلك لا يمكن أن تنطلي علينا أكاذيبها بأنهما سيجتاحان العراق لتحرير الشعب العراقي ومنحه الديموقراطية. لأن فاقد الشيء لا يعطيه.

    (3) إن الحكومتين الأمريكية والبريطانية لم تكونا ديموقراطيتين حين اغتصبتا إرادة الشعب العراقي وقررتا تخليصه من صدام دون أن يطلب منهما الشعب العراقي ذلك. ولما كانتا بهذا الصنيع أيضاً غير ديموقراطيتين، فإنهما لم يقصدا منح الشعب العراقي ديموقراطية، ولن يستطيعا، لأن فاقد الشيء لا يعطيه.

    (4) إن الحكومتين الأمريكية والبريطانية لا تباليان بالشعب العراقي، وإنما بمصالحهما. فحين غررتا بصدام عام 1979 ليحارب إيران ليوقف مساعي تصدير الثورة "الإسلامية"، أعانتا صدام على تقتيل الشيعة العراقيين المؤيدين لإيران. هذا على أيسر تقدير ما قاله المرجع الشيعي، الحكيم، في تبرير حياد الشيعة العراقيين حالياً.

    (5) إن الأمر الذي كان مطروحاً على مجلس الأمن بشأن العراق لم يكن يتعلق بتحرير شعب العراق من حكم صدام، وإنما بتجريد العراق من أسلحة الدمار الشامل. وذلك هو الأمر الوحيد الذي ظلت الحكومتان الأمريكية والبريطانية تسعيان إلى استصدار قرار من مجلس الأمن بشأنه. ولا جدال أن مجلس الأمن إن كان قُدِّر له أن يصدر قراراً يعلن به عدم تعاون العراق ويأذن فيه بعمل عسكري، فإن مثل ذلك القرار لا يمكن أن يعني إقصاء صدام حسين، لأن ذلك أمر داخلي لا يحق لمجلس الأمن التدخل فيه، وإنما هو قد يعني تفتيش أسلحة الدمار الشامل في العراق بالقوة، وإبادتها، ووضع مراقبين دائمين لضمان عدم إنتاجها مستقبلاً، ووضع أي شروط مناسبة تحول دون استيراد أي تكنولوجيا أو مواد تعين على إنتاجها. ومن هنا يتضح أن ادعاء الحكومتين الأمريكية والبريطانية بأنهما تهدفان إلى تحرير العراقيين من صدام ليس سوى غطاء دبلوماسي، ودعاية عسكرية أريد بها عزل النظام العراقي عن شعبه لتسهيل المهمة العسكرية أمام الجيشين الأمريكي والبريطاني. ومن حسن التوفيق أن تلك الدعاية السطحية لم تجز على أكثر العراقيين. وحتى الذين لم يقاوموا الجيش الغازي، إنما ينتظرونه ليخلصهم من صدام، ليتخلصوا هم من بقيته.

    (6) إن العالم مليء بالحكام الدكتاتوريين الذين سطوا على السلطة في بلدانهم بحد السلاح، وأذلوا شعوبهم. وصدام حسين وحزب البعث هم نموذج لأولئك الحكام الجائرين، ونحن في السودان قد رزئنا بأسوأ أصنافهم. بيد أن تحرير الشعوب من شاكلة أولئك الحكام الفاسدين هو واجب الشعوب نفسها، لا واجب الدول الأخرى. وذلك لأسباب عديدة، أهمها أن هذه الشعوب بعد أن جلا عنها الاستعمار التقليدي نحو منتصف القرن العشرين، أخذت تتعلم كيف تحكم نفسها. وهذه الدكتاتوريات هي جزء من عملية التعلم نفسها. وهذه الشعوب ما زالت تتلمس طريقها، وتختزن الحكمة من تجاربها. والمرارات التي تكابدها في هذا الشأن هي ثمن تعلمها، وهو ثمن ضروري، بل هو لا غنى عنه، من أجل أن تدرك قيمة الديموقراطية، فتحرص عليها، وتحققها، وتحافظ عليها.

    (7) إن الشعوب لا تُعْطَى الديموقراطية، وإنما هي تنتزعها انتزاعاً. ويوم تعرف جموعها قيمة الديموقراطية بمكابدة الدكتاتوريات، ستناضل من أجلها، وتنتزعها، ثم تحسن التصرف فيها، بحكم نفسها حكماً ديموقراطياً رشيداً. أما إن لم تعرف قيمة الديموقراطية، فإنها لا تستميت من أجلها.. وإن هي أعطيت لها دون أن تكون قد عرفت قيمتها، أضاعتها مرة إثر أخرى. ولعل نموذج السودان هو خير نموذج في هذا الشأن. فبريطانيا كدولة مستعمرة للسودان منذ عام 1898 قد مهدت، على نحو ما، لأن يحكم السودانيون أنفسهم حكماً ديموقراطياً بعد استقلالهم عام 1956، ولكن كانت النتيجة أن ملأوا أوعية الديموقراطية ببضاعتهم المزجاة.. ملأوا هياكل الديموقراطية -من أحزاب وانتخابات وبرلمانات وأجهزة حكم- بالطائفية والعشائرية، فأساءوا بذلك إلى الديموقراطية أيما إساءة، وباتت على أيديهم عاجزة عقيمة لا يصح تسميتها إلا بالدكتاتورية المدنية، وبسبب ذلك تواترت الانقلابات العسكرية. ومن أجل ذلك، فمن الخير للشعوب أن تتركها أمريكا ليستوفى كتابها من التعليم أجله، فتدرك قيمة الديموقراطية من خلال تجارب الدكتاتورية القاسية، فتبني ديموقراطيات حقيقية، وتسهر على حمايتها، وترقيتها. ذلك أمر لا معدى عنه، مهما طال أمده، ومهما فدح ثمنه.

    إن الشعوب-كل الشعوب- هي مثل الأفراد، لديها حق الخطأ، لتتعلم من أخطائها. والديموقراطية في أدق وأرفع تعريفاتها، هي حق الخطأ.. هي حق أن نعمل ونخطيء لنتعلم من خطئنا كيف نصيب. ومع هذا، فإن الدول المتقدمة نسبياً في مضمار الديموقراطية، كأمريكا وبريطانيا، يمكنها أن تساعد الشعوب المتأخرة بوسائل شتى لتعينها على اختصار الطريق وتقصير أمد المعاناة بتحقيق الديموقراطية بسرعة أكبر. وهي يمكن أن تساعد الشعوب الضعيفة بوسيلتين أساسيتين.. أحدهما الإسهام في رفع الوعي عند الشعوب، لأن وعي الشعوب شرط لازم للديموقراطية.. وثانيهما الكف عن استغلال ضعف هذه الشعوب بنهب ثرواتها بشروط الاستثمار والتجارة المجحفة التي تبرمها مع حكوماتها الدكتاتورية الجاهلة، وبدفن النفايات النووية والكيماوية في أرضها بعد رشوة حكامها الفاسدين، وبإرهاقها بالديون التي تعطيها لتلك الحكومات الدكتاتورية وهي تعرف مسبقاً أنها ديون لا تذهب للشعوب وإنما لجيوب أولئك الحكام الفاسدين لينتهي بها المطاف في بنوك الدول الغنية ذاتها التي تستمر في تحصيل ما يسمى بخدمات الديون أبد الدهر، فتبقي بذلك الشعوب في براثن الجوع والمرض والجهل وقبضة الحكام الدكتاتوريين. ولا شك عندي أن دولة تجترح مثل تلك الفظائع في حق الشعوب الضعيفة لا يمكنها الادعاء بأنها تقاتل من أجل تحرير الشعوب.

    ( إن سجل أمريكا في الساحة الدولية لا يسمح لها بأن تدَّعي بأنها رجل محسن يطوف حول العالم، كبابا نويل، ليمنح الشعوب الديموقراطية. والحق أن سجل أمريكا يقول عكس ذلك. سجل أمريكا يقول أنها تسعى فقط إلى تحقيق مصالحها.. وحين تكون تلك المصالح ممكنة التحقيق تحت أنظمة دكتاتورية -وهي غالباً كذلك- فإنها تقيم تلك الأنظمة الدكتاتورية، وتحميها، وتسحق تطلعات شعوبها إلى الديموقراطية. أليست أمريكا هي التي تدخلت على نحو مباشر هي وبريطانيا بعملية أجاكس (Operation Ajax) لإسقاط حكومة مصدق الديموقراطية في إيران عام 1953 لتعيد الشاه إلى السلطة من أجل الاستحواذ من خلاله على النفط الإيراني؟ بل أليست هي التي تآمرت على سلفادور الليندي في تشيلي عام 1973 بعد انتخابه انتخاباً حراً لتطيح به بانقلاب عسكري على يدي سيء السمعة الجنرال بينوشيه؟ بل أليست هي التي ظلت تدعم أنظمة النفط في الشرق الأوسط على مدى أكثر من نصف قرن من أجل البترول؟

    (9) ثم دعونا نناقش الأمور في أصولها!! ما هو الأساس الذي تقوم عليه سياسية أمريكا الخارجية؟ إنها إن كانت تقوم على فلسفة، فهي إنما تقوم على مساهمة أمريكا الوحيدة في الفلسفة البشرية-البراجماتية (Pragmatism).. أما إن كانت لا تستند على أي فلسفة، فهي إنما ترمي إلى أمر واحد، هو تحقيق المصالح الأمريكية في إطار التنافس الذي هو سمة ما تسميه بسياسة السوق، التي اعتبرها فوكاياما، أحد ألمع مفكريها المعاصرين، نهاية التاريخ. هل هنالك غير أحد هذين الأساسين لسياسة امريكا الخارجية (إن صحَّ أنهما ليس شيئاً واحداً)؟ اللهم لا!! وبالطبع ليست في البراجماتية ولا سياسة المصالح والسوق أي "يوتوبيا"، ولا إحسان، اللهم إلا الهبات (Benevolence) التي تُقدَّم للمسحوقين من أجل تخفيف الضرر الواقع عليهم من تلك السياسات نفسها، لا من غيرها، على غرار الـقـول السوداني المأثور (يفلق ويداوي)، وأحياناً من أجل ذر الرماد على العيون. هذا بطبيعة الحال لا ينفي أن هناك عدد كبير من المواطنين الغربيين الذين يمنحون أموالهم ووقتهم للضعفاء حول العالم تعبيراً عن تعاطف إنساني صادق عميق، كما هو لا ينفي وجود بذرة الخير حتى في نفوس أصحاب الشركات الكبرى الوالغة في دماء الشعوب. غير أن هؤلاء المتعاطفين الإنسانيين، على كثرتهم، لا يشكلون سياسة أمريكا الخارجية، ولا الداخلية، لأن تلك السياسة تشكلها حتى الآن مراكز صناعة القرار، وهي الشركات الضخمة المشهورة التي لا يهمها عموماً إلا المال والنفوذ، ولا ترحم أحداً، لا داخل أمريكا، ولا خارجها، والمواطن الأمريكي نفسه مكتوٍ منها، يجهد ليله ونهاره ليقابل فواتيره الشهرية. وأمثال هؤلاء المانحين الإنسانيين هم الذين يسيِّرون الآن المسيرات الضخمة في كل أرجاء الولايات المتحدة يعارضون غزو العراق، ليس لأنهم يحبون صدام، ولا العرب، ولا المسلمين، ولا الشرق أوسطيين، ولكن لأنهم ضد الحرب، والتقتيل، والاستحواذ على ثروات الشعوب الأخرى بالاحتيال والقهر وقانون الغابة.

    وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن هناك حركة أمريكية نشطة آخذة في الاتساع ترمي إلى تصحيح الديموقراطية الأمريكية. وهذه الحركة ترى أن الديموقراطية الأمريكية الحالية صورية، ولا ينطبق عليها تعريف الرئيس الأمريكي الأسبق أبراهام لنكولن للديموقراطية بأنها (حكم الشعب، بواسطة الشعب، لمصلحة الشعب). فهي تراها الآن حكم الشعب، بواسطة الشركات الكبرى، لمصلحة أصحاب الشركات الكبرى. هي ترى أن الانتخابات الدورية رغم نزاهتها الإجرائية العالية ليست سوى وسيلة للإتيان بممثلي أصحاب النفوذ الاقتصادي ليديروا البلاد نيابة عنهم لا عن الشعب، وعلى النحو الذي يحقق مصالحهم هم لا مصالح الشعب. وقد قامت هذه الحركة في العيد الوطني للولايات المتحدة الأمريكية في 4 يوليو 2001 بتصميم ورفع علم أمريكي مغاير، استبدلت فيه النجوم الخمسين التي ترمز إلى الولايات بشعارات الشركات الخمسين النافذة التي تدير الولايات المتحدة لمصلحتها، باعتبار أن السياسيين والتنفيذيين في الإدارة الأمريكية ليسوا سوى ممثلين لتلك الشركات. وبالإضافة إلى هذه الحركة، هناك بالطبع الديموقراطيون الاشتراكيون الذين يرون أن الديموقراطية الأمريكية ستظل شكلية في ظل النظام الرأسمالي.

    لعل هذا يكفي في مواجهة دعوى الديموقراطية الزائفة التي تذيعها الإدارة الأمريكية كمبرر لغزو العراق. والحق أن تصرفات الإدارة الأمريكية منذ بدء الغزو تغنينا عن الإفاضة في تأكيد أن ما تقوم به في العراق، بمساعدة الحكومتين البريطانية والاسترالية، هو استعمار مكشوف لا صلة له بالشرعية الدولية. وقد كان الضباط الأمريكيون منطقيين مع أنفسهم حين أنزلوا العلم العراقي من سارية مدينة الفاو العراقية ورفعوا مكانه العلم الأمريكي، قبل أن يتذمر العالم (وربما بريطانيا أيضاً التي لم يُرْفَع علمها بجانب العلم الأمريكي). كما أن منح عدد من الشركات الأمريكية عقوداً تتعلق بتأهيل قطاع النفط العراقي، وبإدارة ميناء أم قصر، وبإطفاء الحرائق يدلل على أن المسألة ليست سوى استعمار مكشوف. وعندي أن زيارة بلير، رئيس وزراء بريطانيا المزمعة هذا الأسبوع لأمريكا إنما للاحتجاج على الإجحاف الذي حاق ببريطانيا في قسمة غنيمة الحرب، رغم أنها فقدت بسببها بشرياً ودبلوماسياً وعسكرياً وأدبياً. فبلير وبوش ليسا عسكريين، ليلتقيا لمناقشة سير العمليات الحربية، كما هو معلن، وإنما هما يلتقيان لقسمة الموارد العراقية بينهما.

    بهذا أفرغ لمواجهة الدعوى الأخرى المتصلة بتجريد العراق من أسلحة الدمار الشامل.

    ذريعة أسلحة الدمار الشامل :
    غير خاف بالطبع أن التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل في العراق قد تعثر طويلاً. وهناك شعور عام لدى المجتمع الدولي بأن النظام العراقي كان يراوغ لوقت طويل، ولكنه في الشهور الأخيرة (بعد أن آلت مهمة التفتيش إلى لجنة انموفيك والوكالة الدولية للطاقة الذرية) أبدى مرونة وتعاوناً. وذلك ما أكدته تقارير رئيس لجنة انموفيك ورئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية المقدمة إلى مجلس الأمن. وقد جاء في هذه التقارير أن التفتيش لم يسفر عن دلائل تناقض إعلان العراق بأنه قد استجاب للقرارات الدولية ذات الصلة. وقد قال المفتشون أنهم بحاجة إلى بضع شهور للتأكيد بأن العراق خال من الأسلحة المحظورة.

    وهذا الموقف الأخير من جانب العراق هو المهم. كما أن دوافع المراوغة والإحجام في الماضي يجب أن تجد التفهم. فالتفتيش عن الأسلحة على هذا النحو هو أمر جديد لم يصبح ممكناً إلا بعد انتهاء الحرب الباردة، وقد كان العراق أول تجربة في هذا الشأن. كما أن العراق ظل يشكو مما يسميه "سياسة الكيل بمكيالين"، مشيراً إلى أن هذا الإجراء لم يشمل إسرائيل التي تمتلك أسلحة أخطر وتقف معه في حالة عداء، وهو يقول أن الدوافع الأساسية للقرار كانت حماية إسرائيل. ومن المعلوم أن العراق كان مرتاباً من تصرفات ريتشارد بتلر رئيس اللجنة الدولية السابقة (UNSCOM)، واتهمه بالعمل لصالح وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وإسرائيل. وقد قادت تلك التعقيدات إلى استبدال لجنة أونسكوم بلجنة انموفيك في ديسمبر 1999. ولعل السيد روبن كوك، وزير الشئون البرلمانية البريطاني، قد ألمح عند استقالته من منصبه بسبب سياسة حكومة بلير المتعلقة بالعراق إلى أن أمريكا وبريطانيا لا يحق لهما وصف العراق بالتلكؤ في تنفيذ قرار مجلس الأمن القاضي بنزع أسلحته طالما أنهما تدعمان إسرائيل التي لا تزال ممتنعة عن تنفيذ قرار مجلس الأمن رغم 242 الصادر منذ نحو أربعين سنة.

    ثم أننا لابد أن ننتبه إلى أن التكنولوجيا العراقية لتصنيع الأسلحة الكيماوية والبيولوجية هي تكنولوجيا أمريكية وبريطانية، منحت للعراق لضرب الإيرانيين خلال حرب الخليج الأولى. كما لابد أن ننتبه إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست في حالة حرب مع العراق، وليست بينهما عداوة تبرر القول بأن مثل تلك الأسلحة تشكل تهديداً على أمنها القومي.. اللهم إلا إذا كانت أمريكا تعمل لحساب إسرائيل. وهذا ما تنكره في العلن. وقد كان أحرى بالإدارة الأمريكية أن تبذل جهداً حقيقياً بين العرب وإسرائيل لتوصلهم إلى سلام دائم ونهائي وشامل، بدل أن تسعى لتقوية إسرائيل وإضعاف العرب، ومحاولة خداعهم في مثل هذه الظروف بإعلانات فارغة، كإعلانها الأخير عن ما تسميه خريطة الطريق، وكأنها تتعامل مع أطفال صغار. صحيح أن العرب قد دللوا على مدى أكثر من نصف قرن على أنهم خفاف العقول، بإدامتهم الصراع مع إسرائيل في محاولة لرميها في البحر، رغم أن المجتمع الدولي قد التزم بالمحافظة على وجودها وأمنها وسلامتها منذ قبولها مشروع التقسيم عام 1947، ولكن العرب يجلسون على آذانهم، ويحاول زعماؤهم منذ عبد الناصر بناء زعاماتهم بإطلاق صيحات الوعيد الفارغة ضد إسرائيل. كل ذلك صحيح، ولكن واجب الإدارة الأمريكية ليس استغلال ضعفهم، ومحاربتهم نيابة عن إسرائيل، وإنما واجبها هو مساعدتهم ومساعدة إسرائيل على الوصول إلى سلام. فكلهم أبناء عمومة في روح الحرب، مثلما هم أبناء عمومة بالدم، وأبناء عمومة في مفارقة أديانهم تتابعوا في سَنَنِها حذو النعل إلى جحر الضب الخرب. ذلك كان واجب أمريكا إن كانت مؤهلة له، وإن كانت مؤهلة لقيادة القافلة البشرية في هذا الظرف الدقيق.

    مهما يكن، فإن العمل العسكري الذي أقدمت عليه الإدارة الأمريكية وتبعتها فيه الحكومتان البريطانية والأسترالية، هو عدوان، وتعدي على سيادة دولة، وغزو استعماري مكشوف، وخروج سافر عن الشرعية الدولية، وتقويض لدور منظمة الأمم المتحدة. وهو قد أوقف جهود لجنة انموفيك التي كان أعضاؤها يمارسون أعمالهم بالعراق على نحو مقبول لدى مجلس الأمن، وكان رئيسها مزمعاً العودة إلى العراق بعد أن قدَّم تقريراً إيجابيا إلى مجلس الأمن.

    إن أمريكا التي كان من الواجب أن تبقى بمثابة الدولة الكبرى المتمدينة العاقلة التي تدعو الدول الأخرى إلى ضبط النفس، وتمارس من التأثير الإيجابي ما توقف به النزاعات الإقليمية والدولية، قد باتت بهذا الغزو خرقاء، طائشة، تشكل أكبر خطر على سلامة الشعوب وأمنها واستقلالها. وذلك أمر مؤسف، ودعوة بلسان الحال إلى عهد جديد من البلطجة الدولية، شعارها من غلب سلب.

    بهذا أفرغ من الحديث عن بطلان ادعاءات الإدارة الأمريكية والبريطانية بشأن غزوهما العراق، وستكون الحلقة الثانية من هذا المقال عن الموقف الدولي المطلوب، من الحكومات، ومن الأفراد والمنظمات حول العالم.
                  

07-01-2008, 04:17 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    التحدي الذي يواجه العالم !!
    إما المجتمع الكوكبي الإنساني الواحد ، وإما الاستعمار والحرب والدمار

    (2) من (3)
    لابد من إعادة النظر في آلية اتخاذ القرار في مجلس الأمن الدولي
    العالم لم ينتبه بما يكفي لخطر الموجة الاستعمارية الجديدة
    على دول العالم أن تقاطع دول العدوان الثلاث دبلوماسياً وتجارياً حتى تجلو وتعوض العراق

    [email protected] بقلم: طه إسماعيل أبو قرجة

    لقد كان السيد كوفي أنان، السكرتير العام للأمم المتحدة، حصيفاً حينما ردّ بهدوء على اتهام نائب الرئيس العراقي إياه بأنه متواطيء مع أمريكا وبريطانيا في عدوانهما على العراق بقوله: (إن مما يدعو إلى السخرية أن يوصف مواطن مستعمرة سابقة، كشأني، بأنه متواطيء مع الاستعمار).

    لعل وضع السكرتير العام لا يسمح له بأكثر من هذا القول الحصيف للتعبير عن القناعة المشتركة عند كل الناس، بمن فيهم المعتدين أنفسهم الذين يشيعون غيرها، بأن هذه الحرب ليست سوى استعمار. وقد سعيت إلى تبيين ذلك في الجزء الأول من هذا المقال، وحاولت تفنيد كل الذرائع التي ساقتها الإدارة الأمريكية لتبريره.

    ومن هنا فقد وجبت مواجهة هذا العدوان الاستعماري، دون أدنى اعتبار لسوء نظام صدام ودكتاتوريته. فنظام صدام سيئ ما في ذلك أدنى ريب، لكن ينبغي أن يكون واضحاً أن إزاحته هي شأن الشعب العراقي وحده. كما ينبغي أن يكون واضحاً أن دول العدوان هي أخطر من صدام، على الشعب العراقي، وعلى الشعوب المجاورة (بما فيها الشعب الكويتي)، وعلى العالم بأسره. ذلك لأنها لم تقم بالعدوان لاستنقاذ الشعب العراقي كما تحاول تضليل الناس، وإنما لتحقيق مصالحها الخاصة على حساب شعب العراق، وسيادته على أرضه وموارده، وحقه في تقرير مصيره بنفسه. ومن أجل ذلك قلت في الجزء الأول من هذا المقال أن العراق ليس سوى الضحية الأولى. وهناك قائمة طويلة من الدول التي ستروح ضحايا لهذه الموجة الاستعمارية الجديدة، ليس في الشرق الأوسط وحده، وإنما في آسيا، وإفريقيا، وأمريكا الجنوبية. فإذا كان تبرير الغزو هو تحرير الشعب العراقي من نظام دكتاتوري، فإن الدول العربية الخمس عشرة التي تقول أمريكا أنها تؤيد عدوانها على العراق ليست دولاً ديموقراطية، وستكون في ذات القائمة التي تصدَّرها العراق.

    إذا صح أن هذا العدوان هو بداية موجة استعمارية تهدد دول العالم الثالث، فإن دول وشعوب العالم تقف الآن أمام أحد خيارين: إما أن تنهض فوراً لمواجهة هذه الموجة الاستعمارية وكأن هذا العدوان قد ارتكب ضدها.. وإما أن تجلس وتنتظر دورها لتعطي عندئذ دول الاستعمار ما تريد وتظل سيادتها على أرضها ومواردها شكلية، وإما أن تدافع عن نفسها منفردة مثلما يدافع شعب العراق الآن عن نفسه منفرداً أمام هذه القوى الجبارة الباطشة الطائشة.

    إذا اتضح ذلك، فقد اتضح أن مواجهة هذه الموجة الاستعمارية الجديدة هي واجب الناس في كل مكان. وأحب أن أقرر منذ الوهلة الأولى أن المواجهة التي أدعو دول وشعوب العالم إليها ليست هي الحرب والعنف، وإنما هي المواجهة السلمية القوية الفاعلة، التي سأشير إلى ملامحها العامة فيما بعد. وفي تقديري أن هذه المواجهة يجب أن تتم في مستويات خمسة:-
    1- مستوى منظمة الأمم المتحدة.
    2- مستوى المنظمات الإنسانية العالمية والمحلية.
    3- مستوى الدول.
    4- مستوى الشعوب حول العالم.
    5- مستوى الشعوب في دول العدوان (أمريكا، بريطانيا، وأستراليا).

    أولاً : مواجهة العدوان على مستوى الأمم المتحدة :
    من الواضح أن الأمم المتحدة لم تتحرك بالسرعة المطلوبة. كما أنها حين تحركت بانعقاد مجلس الأمن لمناقشة الحرب بعد نحو أسبوع من بدئها، لم تكن في مستوى الفعالية المطلوبة. بل أن مجلس الأمن قد اتجه لمناقشة مسائل ثانوية، رغم أهميتها، كبرنامج النفط مقابل الغذاء. وغير خاف بالطبع أن مجلس الأمن لن يستطيع في هذه الأزمة أن يتخذ قراراً لا ترضاه الإدارة الأمريكية أو البريطانية، لأنهما ستستخدمان حق الفيتو. وقصارى ما يمكن أن يفعله مجلس الأمن هو إصدار قرارات يسيرة تتعلق بمعالجة الأوضاع الإنسانية خلال الحرب.

    لقد أعادت مسألة العراق إلى السطح من جديد مسألة قديمة طالما شلَّت مجلس الأمن أوان الحرب الباردة، وهي مسألة الفيتو. فالفيتو رغم مبرراته الآنية، إلا أنه يشكِّل عيباً كبيراً في آلية اتخاذ القرار في مجلس الأمن، مما يوجب إعادة النظر في كيفية عمله، وتعديل ميثاق الأمم المتحدة على ضوء ذلك. وأقترح أن يتم تعديله آلية اتخاذ القرار في مجلس الأمن لتكون أكثر ديموقراطية، وأكثر عملية، وذلك على النحو التالي:-
    1- إلغاء حق الفيتو الذي تملكه كل دولة من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن (وهي أمريكا وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين) واستبداله بما يمكن تسميته بديموقراطية الكبار، (أو دعونا نكون أكثر واقعية فنسميها ديموقراطية الأعضاء الدائمين، لأن وصفهم بالكبار لا يليق بهم، خصوصاً في ضوء تصرفات الإدارة الأمريكية والبريطانية الأخيرة). فإذا طُرِح مشروع قرار للتصويت، تؤخذ فيه أولاً أصوات الأعضاء الدائمين، فإذا رفضته أغلبيتهم، سقط. وإذا أجازته أغلبيتهم، أخذت بشأنه أصوات الأعضاء غير الدائمين.. فإذا كانت أغلبية جملة الأصوات مع مشروع القرار، اعتبر مُجازاً من المجلس، ولا عبرة بالصوتين المعترضين من مجموعة الخمسة الدائمين.. أما إن كانت أغلبية جملة الأصوات ضده فيعتبر المشروع قد سقط. وهذا يعني أن يكون الفيتو هو اعتراض أغلبية الأعضاء الدائمين، وليس اعتراض أي واحد منهم.

    2- يحسن أيضاً أن تضاف بعض الدول إلى قائمة الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن. وأقترح إضافة ألمانيا واليابان، اللذين أفقدتهما ملابسات الحرب العالمية الثانية هذه العضوية الدائمة. كما أقترح إضافة كندا وجنوب إفريقيا.

    ليس من المتصور بالطبع أن تجرى هذه التعديلات الآن لتأهيل مجلس الأمن للتعامل مع الأزمة الحالية بصورة أكفأ، ولكن لابد منها لتأهيله للتعامل مستقبلاً مع القضايا الدولية بصورة أكثر كفاءة. والحق أن العدوان الحالي على العراق رغم أن مبعثه روح الظلم لدى إمبراطوريات المال الأمريكية إلا أن هشاشة آلية اتخاذ القرار لدى مجلس الأمن قد أعانت عليه.

    ضرورة تصويت مجلس الأمن على مشروع قرار بشأن العدوان :
    إن عجز مجلس الأمن بوضعه الحالي عن معالجة هذه الأزمة يجب أن لا يجره إلى مناقشة مسائل توحي بأن أغلبيته لا ترى بأساً من العدوان الأمريكي البريطاني على العراق. فأول ما يجب على مجلس الأمن فعله، هو العمل على إصدار قرار بعدم مشروعية العدوان، حتى وإن كان من المعلوم أن أمريكا وبريطانيا ستستخدمان الفيتو. فهذا يجب أن يسجل عليهما، للتاريخ. كما أن التصويت على مثل هذا القرار سيؤكد أن أغلبية مجلس الأمن تعتبر تصرفهما عدواناً غير مشروع. ويلاحظ أن الإدارة الأمريكية والبريطانية كانتا تسعيان إلى إجراء مثل هذا التصويت رغم أنهما كانتا تعلمان أن فرنسا وروسياً ستستخدمان حق الفيتو، وذلك حين كانتا تأملان الحصول على أغلبية داخل مجلس الأمن تبرران بها عدوانهما بأن تقولا أن أغلبية المجلس تؤيد عملاً عسكرياً ضد العراق. وقد جهدتا في الرشوة والترغيب والترهيب. ولكنهما حين أدركتا أن الأغلبية ضد مشروع قراراهما، تراجعتا عن فكرة طرحه للتصويت، واتجهتا إلى السلاح. والآن يجب أن يكون العالم أذكى من الإدارتين الأمريكية والبريطانية، فيطرح مشروع القرار، ليحظى بالأغلبية، ولتسقطه الإدارة الأمريكية والبريطانية بالفيتو.

    على مجلس الأمن أن لا يتورط فيما يسمى بإعادة إعمار العراق :
    على مجلس الأمن أن لا يقبل بالإشراف على ما يسمى بإعادة إعمار العراق، في حالة انتهاء العدوان الحالي بإزاحة نظام صدام. وذلك لعدة أسباب، منها:-
    1- إن ثروات العراق وشئون العراق وإعادة إعماره هي اختصاص الشعب العراقي وحده.

    2- إن وضع الدول تحت الوصاية الدولية والانتداب، على نحو ما كان الحال بعد الحرب العالمية الأولى، لم يعد لائقاً، ولا عادلاً. فليس هناك شعب من شعوب الأرض هو في حالة تبرر وضعه تحت الوصاية. فحتى رواندا التي يؤوفها التناحر العرقي الحاد، استطاع أهلها، بقليل من الاهتمام الدولي المتأخر، أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم.

    3- إن إخراج الأمور المتصلة بالعراق من يد الشعب العراقي إلى أي جهة أخرى، حتى ولو كانت مجلس الأمن، هو ثمرة شجرة سامة (Fruit of a poisonous tree)، كما يقولون. فهو ثمرة العدوان الذي عبَّر المجتمع الدولي عن إدانته ورفضه.

    4- إن الإدارة الأمريكية تحاول تبرير عدوانها على العراق بأنه من أجل تحرير العراقيين من صدام وتمكينهم من إدارة بلادهم. وبالتالي، فهي إن استطاعت أن تزيح صدام، فعليها أن تخرج فوراً من العراق، ليباشر العراقيون حكم بلادهم بأنفسهم. وحتى لو أصرت على بقاء جنودها بضعة أشهر لحين إجراء انتخابات، فإن هذه الفترة ليست فترة إعادة إعمار، وإنما قصاراها تأمين الحاجات الضرورية من غذاء ودواء ونحوهما للشعب العراقي. ووفقاً للقانون الدولي، فإن تلك هي مسئولية أمريكا وبريطانيا لأنهما يحتلان الأرض ويجب أن ينهضا باحتياجات السكان الإنسانية، وهما يجب أن يقوما بذلك من مواردهما الخاصة وليس من أموال العراق. كما يجب عليهما أن ينفقا على ذلك من مواردهما إن كانتا صادقتين بأنهما جاءا في مهمة نبيلة لتحرير شعب العراق. أما إن أبتا، فإن ذلك يمكن أن يتم من خلال برنامج النفط مقابل الغذاء، وبالمعونات الدولية إن كانت لها ضرورة، وأي برنامج آخر.. شريطة أن تتابع سلطة عراقية انتقالية هذه الأمور نيابة عن الشعب العراقي ريثما يتم انتخاب سلطة. أما إعادة الإعمار، فأمر يباشره الشعب العراقي فيما بعد، من خلال سلطة منتخبة، وليس من خلال سلطة مؤقتة أو دائمة تنصبها الإدارة الأمريكية أو غيرها. فالسلطة العراقية المنتخبة انتخاباً حراً هي وحدها صاحبة الحق في تحديد مشاريع إعادة الإعمار التي يريدها العراقيون ببلادهم، وكلفتها، وجداولها الزمنية، وكيفية تنفيذها، وما إذا كان العراق بحاجة إلى شركات أجنبية لتنفيذ أي جزء من تلك المشاريع، واختيار تلك الشركات وفق القوانين العراقية، بالصورة التي تحقق مصلحة العراق. ولابد من القول هنا بأن مباشرة الإدارة الأمريكية التعاقد باسم العراق على المشروعات التي تدخل فيما تسميه إعادة إعمار العراق هي في حد ذاتها تهزم الدعاوى الأمريكية بأنها تريد تحرير شعب العراق. ذلك لأن شعب العراق إن كان غير قادر على إدارة أموره بغير صدام، فهذا يعني أن صدام- على سوئه- هو أفضل خياراته.

    5- إن اتجاه بعض الدول الأوروبية، ومنها بكل أسف فرنسا، إلى توريط مجلس الأمن بأن يتولى الإشراف على ما يسمى ببرنامج إعادة إعمار العراق إنما تحركه الرغبة في استغلال مجلس الأمن ليتولى تقسيم ثروات الشعب العراقي على شركات الدول الكبرى بدل أن تتولى الإدارة الأمريكية وحدها قسمة ذلك السلب فتمنحه جله للشركات الأمريكية. هذا الاتجاه المؤسف يكشف عن جانب من تلاعب الدول الكبرى بالمنظمة الدولية واستغلالها لتحقيق أغراضها الخاصة المنافية لنص وروح القانون الدولي وأهداف المنظمة الدولية.. وهو اتجاه تحركه دوافع الطمع ذاتها التي ساقت الإدارة الأمريكية إلى استعمار العراق. ويلاحظ أن التخوف من أمريكا في هذا الشأن قد حمل بريطانيا ذاتها إلى المطالبة بإحالة برنامج إعادة إعمار العراق إلى مجلس الأمن. ولعل الحكومة البريطانية تريد هذه الأيام أن تقنع أمريكا بأن عدم إحالة هذا الأمر إلى مجلس الأمن يعني أنهما سيكونان بمثابة قوى مستعمِرة. ولا ندري ماذا ستفعل الحكومة البريطانية إن أصرت الإدارة الأمريكية على الاستحواذ على موارد العراق عبر ما يسمى بإعادة الإعمار: هل ستنسحب بريطانيا عندئذ من العمليات العسكرية باعتبار أن هذه العمليات تجرى لاستعمار العراق؟ أم ستواصل الحرب وترضي بالفتات الذي قد تلقي به الإدارة الأمريكية تحت أقدامها؟

    6- إن وضع برنامج إعادة إعمار العراق تحت يد مجلس الأمن لن يعني غير إضفاء الشرعية الدولية على عمل سيء، وهو تكالب أمريكا وبعض الدول المتقدمة الأخرى، التي اشتركت في الحرب والتي لم تشترك، على موارد العراق، وتحديد احتياجات العراق على النحو الذي يروق لهم، بالكلفة التي تروق لهم، وبالشروط التي تحقق مصالحهم. هو يعني أن تستأثر الدول الغنية بموارد العراق دون أن تتحمل هي المسئولية، التي ستكون نصيب مجلس الأمن. إن على مجلس الأمن أن يحذر من أن يستغل لتحقيق هذا الغرض الدنيء. فإن من أسوأ فعائل البشر، استغلال الوسائل المشروعة لتحقيق الأهداف غير المشروعة.

    إن البديل عن وضع برنامج إعادة الإعمار في يد مجلس الأمن هو أن يكون في يد الشعب العراقي بالطبع، متى ما تأهل الشعب العراقي لذلك باختيار حكومة وطنية بإرادته الحرة. أما إن أرادت الإدارة الأمريكية أن تغتصب حق الشعب العراقي وتضع هذا البرنامج في يدها، فعلى مجلس الأمن أن يبين لها خطأ ذلك وأن يحاول ردها عن ذلك، لا أن يحاول ارتكاب الخطأ بدلاً عنها، أو منازعتها السلطة على أمر لا يملكه أيهما، فيعطيها بذلك الحجج والمبررات.

    باختصار، إذا أرادت أمريكا أن تحوز على موارد العراق وتتصرف فيها وتدير العراق بدلاً عن شعبه تحت ما تسميه بإعادة الإعمار، فلتفعل. فإن حقوق العراقيين إن ضاعت لبعض الوقت، فلن تضيع أبدا. ذلك لأن الوقت ليس ببعيد الذي يمكن أن يقاضي فيه العراق أمريكا وغيرها من الدول المعتدية ويسترد حقوقه كاملة.. بيد أن مجلس الأمن قد يضعف موقف العراق يومئذ إن اتخذ الآن موقفاً خاطئاً من هذه القضية. ويحسن القول أيضاً أن منظمة الأمم المتحدة إن كانت لا تُقاضَى الآن على أخطائها، فسيجيء قريباً إن شاء الله اليوم الذي تُقاضَى فيه على أخطائها من جانب الأشخاص الدوليين مثلما تقاضى الحكومات الوطنية اليوم من جانب الأفراد. هذا أمر قد يبدو لبعض الناس كضرب من الحلم، ولكن عليهم أن ينظروا قليلاً أبعد من أنوفهم.

    ما يجب أن يكون واضحاً في هذا الصدد أنه ليس هناك أي مبرر لأمريكا لأن تغتصب حق الشعب العراقي وتتعاقد بدلاً عنه على ما تسميه إعادة إعمار العراق. الأمور الوحيدة التي يتحتم على أمريكا فعلها هي معالجة المشاكل العاجلة الناجمة عن حالة الحرب والاحتلال، كإطفاء الحرائق في آبار النفط، لما تسببه من أضرار اقتصادية وبيئية وصحية، ومواجهة الاحتياجات الإنسانية. وحتى هذه، عليها أن تقوم بها من مصادرها المالية الخاصة كما قلت، لا من موارد الشعب العراقي التي ليس لها حق التصرف فيها. كما لا أرى لمنظمة الأمم المتحدة فرصة للمشاركة في شيء من شئون العراق إلا المشاركة في أي إشراف دولي يرتضيه العراقيون على أي انتخابات أو استفتاء في العراق إذا انتهى نظام صدام.

    ثانياً : المواجهة على مستوى المنظمات الإنسانية العالمية والمحلية :
    إن للمنظمات الإنسانية العالمية والمحلية دوراً عظيماً حول العالم في رعاية الحقوق الأساسية للأفراد والشعوب. وهي لديها وزنها الأدبي وأساليبها في العمل. وهي تعرف دورها وقد بدأت تنهض به، واشعر بأنها ستعمل عملاً جيداً في الدفاع عن حقوق الإنسان العراقي، كحق الاستقلال وحق تقرير المصير وغيرها من الحقوق الجماعية والفردية التي انتهكت بهذا العدوان. وأعتقد أن هذه المنظمات يمكنها أن تحرك الضمير العالمي لاستنكار ورفع ما وقع من انتهاك لحقوق العراقيين بالعدوان الأجنبي المدمر. هذا بالطبع بالإضافة إلى أي مسائل أخرى تدخل في نطاق اهتمامها، كضرب العراق بالذخائر المحتوية على اليورانيوم المنضب التي ربما تسببت حتى الآن في نشر آلاف الأطنان من اليورانيوم المنضب في أراضي وأنهار العراق، تتسبب في السرطان وتلويث البيئة وتشويه الأجنة على مدى مليارات السنين. ويلاحظ أن منظمات حقوق الإنسان في العالم الثالث لم تتحرك حتى الآن بالفعالية التي تحركت بها المنظمات الدولية والمحلية الغربية.

    ثالثاً : مواجهة العدوان على مستوى الدول :
    يلاحظ أن أكثر دول العالم قد أوفت بالتزامها بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وتعاونت على إخراج العراق من الكويت عام 1991. وهي قد تنادت يومئذ لأن العراق بلد ضعيف، ولكنها الآن تحجم لأن أمريكا قوية. وذلك أمر مؤسف بطبيعة الحال. ورغم ذلك، فإني لا أدعو الدول الرافضة للعدوان إلى مجاراة الإدارة الأمريكية في تهورها وإعلان الحرب عليها بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة على نحو ما جرى على العراق عند احتلاله الكويت. فعندي أن طريق العنف طريق مقفول، وهو لا يحل مشكلة، وإنما هو يفاقمها. وقد رأينا أن أطراف الحروب، الدولية والأهلية، يلجأون عادة بعد فشل الحرب إلى مائدة المفاوضات. وهذا يعني أن الذكاء البشري لو تقدم قليلاً، للجأ الناس إلى التفاوض والوسائل السلمية منذ الوهلة الأولى، بدون حرب. ومن أجل ذلك فإن مواجهة أمريكا وتابعتيها يجب أن تتخذ الوسائل السلمية منذ البداية، وحتى جلائهم عن العراق وتعويضهم العراقيين عن أي أضرار أحدثها عدوانهم.

    إن الدول تدرك أن المواجهة المطلوبة ليست هي الشجب والإدانة والاستنكار، وإنما هي المواقف العملية المؤثرة التي تضغط على الإدارة الأمريكية والبريطانية لتردهما عن عدوانهما ومشاريعهما الاستعمارية. والدول تدرك أن المواجهة المثلى هي المواجهة الدبلوماسية والاقتصادية والإعلامية، إلا أن بعضها يخشى قوة أمريكا الاقتصادية وعقوباتها، لا سيما أن بعض الدول تعتمد على القمح الأمريكي والمعونة الأمريكية الاقتصادية. هذا في حين أن البداهة تقرر بأن الشعوب لن تموت جوعاً بسبب إيقاف القمح الأمريكي أو غير ذلك من أشكال "المعونة" الأمريكية عنها. فقد ظلت الشعوب تأكل وتعيش من قبل أن تدخل أمريكا في خريطة العالم المعروف، ومن قبل أن يزرع القمح في أمريكا.. وهي ستظل تعيش بدون القمح الأمريكي، وبدون أي شكل من أشكال المعونة الأمريكية.

    ومهما يكن، فإن الموقف المبدئي هو الذي يجب وقوفه، بصف النظر عن النتائج. والموقف المبدئي هو رفض انتهاك سيادة الدول، ورفض العدوان والاستعمار، والحرص على الشرعية الدولية، ومواجهة من يخرج عنها بالحكمة والحزم اللازمين. ويحسن أن أقول هنا أن أمريكا قد تستطيع أن تنهك دولة واحدة أو دولاً قليلة بحصار اقتصادي ودبلوماسي، ولكنها لا تقوى على مواجهة دول كثيرة. ودوننا تجربة الدول الإفريقية الضعيفة في كسر الحصار الجائر الذي فرضته أمريكا على ليبيا خارج إطار الشرعية الدولية. ماذا استطاعت أمريكا أن تفعل بالدول الإفريقية؟ إن أمريكا تستطيع أن تعادي دولاً قليلة، ولكنها لا تستطيع أن تعادي العالم. ومن هنا تنبع ضرورة اتخاذ مواقف جماعية من الدول، لا مواقف انفرادية من الدول. وهذا يعني أن تتخذ الدول مواقف متفق عليها في إطار المنظمات الإقليمية وروابط الدول.

    إن خوف دول العالم، وهي متفرقة، من الإدارة الأمريكية قد أغرى تلك الإدارة بها، فراحت تطلب منها طرد الدبلوماسيين العراقيين من أراضيها. مع أن التصرف المنطقي هو طرد الدبلوماسيين الأمريكيين والبريطانيين والاستراليين من أراضي تلك الدول، لأن تلك الدول الثلاث ارتكبت عدواناً على العراق، وانتهكت سيادته، وخالفت ميثاق الأمم المتحدة.

    أين نصرة المستضعفين ؟
    لما رجع جعفر بن أبي طالب من الحبشة التي قضى فيها نحو خمس عشرة سنة مهاجراً، سأله النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أعجب شيء رأيته)؟ فأفصح عن عمق نادر، وأسفر عن قامة شماء، بأن حكى مشهداً يسيراً قصيراً، ولكنه عظيم الدلالة.. قال: (رأيت امرأة على رأسها مكتل–سلة- طعام، فمرَّ فارس فأذراه-أي دفعه عن رأسها- فقعدت تجمع طعامها ثم التفتت إليه فقالت له: "ويل لك يوم يضع الملك كرسيه فيأخذ للمظلوم من الظالم؟")، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كيف تقدس أمة لا يأخذ ضعيفها حقه من شديدها)!!

    فالأمم إنما تقدَّس بنصرة المظلومين، وكذلك الأفراد. ومن أجل ذلك، فإن البلطجة الرسمية التي تمارسها الإدارة الأمريكية والبريطانية ضد شعب مستضعف، يجب أن تجد المواجهة من دول العالم كله، ومن المنظمات، والأفراد، بالوسائل السلمية. وهي مواجهة يجب أن تبدأ منذ الآن، وتستمر حتى لو أسقط العدوان نظام صدام وأخذ المعتدون ينهبون الثروات، مباشرة أو تحت غطاء الشرعية الدولية. ولابد أن تتدارس الدول، وخصوصاً دول العالم الثالث (أو ما يسمى حالياً بدول الجنوب)، الخطوات المناسبة التي يجب أن تتخذها للضغط على الحكومات الثلاث المعتدية لتحترم المجتمع الدولي والقانون الدولي.

    وأعتقد أن هذه الخطوات يمكن أن تبدأ بتخفيض التمثيل الدبلوماسي لدول العدوان الثلاث، بطرد بعض دبلوماسييها، وذلك كمقدمة لطرد جميع دبلوماسييها وإغلاق سفاراتها. ويمكن التلميح منذ الوهلة الأولى بأن هذه الخطوات يمكن أن تمتد إلى المقاطعة الدبلوماسية الشاملة. هذه الخطوات يجب أن تتم بصورة جماعية في إطار المنظمات الإقليمية والروابط الدولية، كمنظمات الوحدة الإفريقية، والرابطة الآسيوية، ودول عدم الانحياز، وغيرها. ويمكن في وقت لاحق طرح فكرة نقل مقر الأمم المتحدة من أمريكا بسبب خروجها السافر على الشرعية الدولية. وأعتقد أن أمريكا لا تستطيع أن ترد على ذلك بطرد ممثلي تلك الدول لدى منظمة الأمم المتحدة بنيويورك، وإلا تكون بذلك قد خرقت التزامها كدولة مقر ودخلت في أزمة مع المنظمة الدولية. غير أن هذا أمر يجب أن يدرس بعناية.

    أما المقاطعة التجارية، فتشمل تعليق أي مفاوضات تجارية أو اقتصادية مع دول العدوان على نحو تفهم منه تلك الدول دواعي التعليق في غير لبس، مثلما فعلت المغرب قبل أيام قلائل مع أمريكا. بالإضافة إلى ذلك، يجب حظر استيراد السلع والخدمات من دول العدوان وكذلك سلع وخدمات الدول القليلة الأخرى المؤيدة للعدوان.. وإذا استحال الحظر لأي سبب، يجب وضع أي قيود على تلك السلع والخدمات، حيث أمكن ذلك. وحيث تقف عوائق قانونية أمام الحظر أو القيد التجاري، تنهض المقاومة الشعبية لمقاطعة تلك السلع والخدمات رغم توفرها في الأسواق. وسيرد الحديث عن ذلك لاحقاً. ولابد أن يتدارس الاقتصاديون شكل الإجراءات الاقتصادية الفعالة لإرجاع دول العدوان إلى الشرعية الدولية. ويمكن أن يتدارسوا في هذا الصدد كيفية التعامل في تجارة النفط وغيره من السلع الاستراتيجية، واستخدام عملات في التجارة الخارجية غير الدولار الأمريكي، كاليورو مثلاً، وسحب الأرصدة من المصارف الأمريكية، وتسييل الاستثمارات وتحويلها إلى أسواق أخرى مؤقتاً، رغم ما يؤدي إليه ذلك من انخفاض في أرباح المستثمرين بسبب ضعف الاقتصاديات الأخرى التي تتجه إليها تلك الأموال قياساً بالاقتصاد الأمريكي.



    فرنسا وألمانيا وغيرهما مطالبون بالانحياز للشرعية والمبدئية وليس لمصالحهم :
    لقد برزت فرنسا أثناء المجابهة الدبلوماسية التي سبقت العدوان كنصير للشرعية والشعوب. ورغم أن هذا موقف يليق بفرنسا، صاحبة الثورة الشعبية المجيدة التي ترسخ بها النظام الجمهوري في الأرض، إلا أن موقف فرنسا ربما أملته أساساً الرغبة في حماية مصالحها في العراق وبعض الدول العربية الأخرى، ومعرفتها بأنها لن تجني شيئاً إن هي أيدت أمريكا، لأن أمريكا تأكل وحدها. ذلك لأن فرنسا لا تولي اهتماماً لإنصاف الشعوب الفقيرة الضعيفة، وهي أرسخ قدماً في الاستعمار من أمريكا، ولا تتورع عن استغلال الشعوب.. وهي حتى الآن تنهب ثروات الشعوب في دول عديدة، وبخاصة في إفريقيا، كتشاد، والكونغو وكثير من دول غرب إفريقيا.. بل إن الحكومة السودانية الجاهلة الحالية قد مكنتها من نهب ذهب البحر الأحمر. وقد أفادتنا الصحف قبل حين أنها أعطتها امتيازاً على الذهب في شمال السودان من شندي حتى حلفا، وهي مساحة ربما فاقت مساحة فرنسا. ومثل هذه المواقف الفرنسية التي تتظاهر فيها بالدفاع عن حقوق الشعوب الضعيفة هي مواقف قديمة، منذ عهد ديجول. وهي تهدف أساساً إلى كسب تعاطف شعوب الجنوب كوسيلة لحفظ المصالح الفرنسية.

    والحق أن فرنسا بموقفها الدبلوماسي الرافض للحرب على العراق قد كشفت عن ذكاء أكبر من الحكومة البريطانية التي تدفع الآن ثمن المشاركة في الحرب مثلما تدفع أمريكا، ولكنها وفق التخطيط الأمريكي لن تنال منها مغانم مثلما قد تنال أمريكا. ففرنسا قد كسبت تعاطف دول كثيرة، عربية وغير عربية، بموقفها الدبلوماسي السابق. وهي قد حققت مصالح مادية بسبب ذلك. فهي على سبيل المثال حصلت على النفط من الجزائر بسعر تفضيلي. ولكن يبدو أنها تريد الآن أن تحصل على شيء من أمريكا أيضاً بموقف دبلوماسي مغاير، ولكنه مغلف. فهي الآن تساوم أمريكا. وقد تناقلت وكالات الأنباء مؤخراً أن أمريكا منحت إحدى الشركات الفرنسية عقداً في العراق. ويلاحظ أننا لم نسمع حتى الآن عن عقد لشركة بريطانية. بيد أن زيارة بلير قد تكون لها نتائج في هذا الشأن.

    وليس بمستبعد عندي أن تساوم فرنسا أمريكا على أن لا تمس أمريكا بمصالحها ولا عقودها النفطية في العراق، شريطة أن تتولى فرنسا تضليل أي مساع دبلوماسية دولية تهدف إلى ضغط أمريكا للرجوع عن عدوانها على العراق.. هذا إن لم يكن مثل هذا الاتفاق قد تم بالفعل. ويلاحظ أن فرنسا صرحت بأنها لا تؤيد احتلالاً عسكريا أمريكياً للعراق يدوم سنوات!! وهذا يعني أنها تؤيده لبعض الوقت. (أنظر صحيفة الشرق الوسط بتاريخ31/3/2003). إن فرنسا يجب أن تكون مبدئية ولا تتلاعب بعقول الشعوب كما تفعل الحكومتان الأمريكية والبريطانية. وفي تقديري، أن روسيا نفسها تكثر هذين اليومين من التصريحات المعارضة للحرب من أجل أن تضغط على أمريكا فتصل معها لصيغة تحمي بها مصالحها في العراق مثل فرنسا. فروسيا لا تختلف عن أمريكا، بل الحق أن الاتحاد السوفيتي نفسه كان دولة استعمارية.. كل ما هنالك أن جدوله الزمني الاستعماري كان، بصورة عامة، مؤجلاً وليس معجلاً كجدول الغرب، كما أن دبلوماسيته كانت تختلف.

    من أجل ذلك، فإن دول العالم الثالث يجب أن تحذر من المناورات الدبلوماسية الأمريكية التي قد تنفذها عن طريق دولة كفرنسا، هي صديقة لأمريكا، وذات طمع مثلها، ولكنها تتلون من أجل تحقيق مصالحها، فتضلل شعوب وحكومات العالم الثالث. هذا يعني أن دول العالم الثالث يجب أن لا تسلم زمامها إلى دول كهذه، بل يجب أن تجدد الثقة بنفسها، فتحدد خطوات المواجهة الدبلوماسية والاقتصادية التي تراها مناسبة، وتنفذها. وهي يجب أن تحاول التنسيق مع فرنسا وألمانيا وغيرهما من الدول الأوربية وغير الأوروبية التي لا تساند العدوان، بيد أنها يجب أن تكون على جانب الحذر، وأن تمضي في سبيلها دون تأخير.

    إن على دول الجنوب أن تعي بمخاطر الحرب الاستعمارية الحالية، وأن لا تنطلي عليها أحابيل الدول الغنية التي تجهد في إدامة تفوقها ولا تعرف إلى ذلك سبيلاً غير نهب ثروات الشعوب بالعدوان، والخداع، والدبلوماسية، والمعاهدات الدولية الجائرة التي تقبلها حكومات دول الجنوب دون تفكير، ولمجرد أنها آتية من دول الشمال المتحضر. والحق أن أكثر الدبلوماسيين والقانونيين والسياسيين من دول الجنوب لا يفعلون أكثر مما تطلبه منهم دول الشمال. بل هم يقيسون قاماتهم بمستوى إرضائهم لدول الشمال وترديد ما تقول وفعل ما تطلب.

    هل أدعو بهذا إلى كراهية بين الشمال والجنوب؟ لا، ولكني أدعو إلى مواجهة سلمية قوية ومتحدة وفعالة لتوقف سياسة الأطماع الاستعمارية التي ستدخل شعوب الأرض قاطبة في حقبة جديدة من الكره والحروب والدمار. كما أدعو إلى يقظة دول الجنوب من حبائل دوائر صناعة القرار في دول الشمال. كما أدعو شعوب الشمال نفسها إلى تطوير ديموقراطياتها ليكون الحكم فيها لمصلحة شعوب الشمال لا لمصلحة دوائر النفوذ، وإلى أن تجبر حكوماتها على ترك شعوب الجنوب ودول الجنوب في حالها إن لم تكن تريد أن تتعاون معها بما لا ينتهك كرامتها ولا سيادتها على أراضيها. كما أنبه إلى أن الكراهية في حقيقة الأمر قد دعت إليها الإدارة الأمريكية والبريطانية بأبلغ لسان حين اعتدتا على العراق على هذا النحو البربري المدمر، فألقتا بذلك على عواتقنا عبء أن نعلو على الكراهية، وأن نعرف أن العدوان ليس سوى مظهر عملي لبؤس الفكر السياسي الغربي الذي آن له أن يخلي الساحة لمذهبية قادرة على إحلال السلام في الأرض. وسيجيء الحديث عن ذلك.

    رابعاً : المواجهة على مستوى شعوب العالم :
    أما شعوب العالم الرافضة للعدوان، وخصوصاً شعوب العالم الثالث، فيجب أن تدرك جيداً أن العراق ليس سوى الضحية الأولى، كما يجب أن تعين حكوماتها على اتخاذ خطوات المواجهة الدبلوماسية والتجارية والإعلامية، وأن تضغطها لاتخاذ تلك الخطوات بوسائل المقاومة السلمية إن هي تقاعست. وهناك حركة احتجاج على العدوان في دول كثيرة، ولكن تلاحظ فيها عيوب كثيرة، منها:-
    1- الاحتجاج يكاد ينحصر في المسيرات. وحتى إن كانت هناك وسائل تعبير أخرى فهي ضعيفة. وحتى المسيرات تكاد تنحصر في عواصم الدول، أو أن تغطيتها إعلامياً تنحصر في العواصم.
    2- الاحتجاج يميل إلى الإسفاف والإهانة. فعلى سبيل المثال خرجت مظاهرة في بنقلاديش تصور الرئيس بوش في صورة كلب. وهذا خطأ مبدئي، وخطأ تكتيكي. أما مبدئياً فلأن خلافنا مع الرئيس بوش يجب أن لا يسوقنا للحط من بشريته. وأما تكتيكياً فلأن المواطنين الأمريكيين الذين يعبرون عن رفضهم العدوان الذي ارتكبته حكومتهم بأقوى مما عبر أي شعب آخر حتى الآن، يجب أن لا نهين رئيسهم الذي انتخبوه يوماً، لأن في هذا إهانة لهم. وحتى إن فعل بعضهم فعلاً مماثلاً، فيجب أن نترك ذلك لهم.
    3- الاحتجاج يميل إلى العنف، بتخريب الممتلكات، ومحاولة حصب سفارات دول العدوان بالحجارة أو غيرها، وكذلك حصب رجال الأمن الذين ينهضون لحماية هذه السفارات. وقد سبق أن قلت أن العنف كله خطأ، وهو لا يفعل غير أن يفاقم من المشكلات ويباعد بيننا وبين حلها. ونحن لن نصلح خطأ الإدارة الأمريكية والبريطانية، المتمثل في اعتمادهما على العنف، بتكراره. إن علينا أن نظهر رفضنا للعدوان، وأن نبرز الأسس القوية التي يقوم عليها هذا الرفض، وأن نظهر إجماعنا على الرفض، لكن بوسائل سلمية. هذا فضلاً عن أن التخريب يعود بالضرر على الشعب، وهو مجموع المتظاهرين أنفسهم. وهناك أمر هام، هو أن الدول ملزمة بموجب القانون الدولي بأن تحمي السفارات على أراضيها.. وبالتالي فإن محاولة اقتحام السفارات أو ضربها بالحجارة أو غيرها هو عمل يهدد التزام الدولة، ويضع المحتجين في مجابهة مع السلطة الوطنية، في حين أن الخطة يجب أن تكون خلق تقارب بين الشعوب وحكوماتها لخدمة قضية المرحلة.
    4- ليس هناك مساحة للمثقفين، وبالأخص في وسائل الإعلام العربية، لكشف دعاوى دول العدوان. فقصارى وسائل الإعلام الآن متابعة أخبار الحرب. ومن أجل ذلك جاء الاحتجاج الشعبي خال من المضامين. فعلى سبيل المثال رأيت على شاشة التليفزيون مظاهرة في فلسطين تهتف بعبارات: (بالروح بالدم نفديك يا صدام)!! وهذا هتاف قد يقعد الناس عن مواجهة الاستعمار، بل هو قد يقعد الشعب العراقي نفسه. فصدام يجب أن لا يكون هو سبب المواجهة، ولا سبب ترك المواجهة.
    5- إن المسيرات تبدو بلا هدف. وكما قلت آنفاً، فهي يجب أن تتجه، بصورة سلمية، لأن تضغط على الحكومات لتتخذ خطوات الضغط الدبلوماسي والتجاري والإعلامي المقترح أن تتخذه مجاميع الدول. والمظاهرات التي تخرج الآن في العواصم العربية للهتاف لا تخدم هذا الغرض. ومن المحزن أن القوى السياسية في العالم العربي قد أدخلت على الشعوب أسوأ نمط من أنماط التظاهر، وهو نمط الهتاف والتخريب الذي يمتص الشحنة العاطفية، فيشعر المتظاهر بعد يوم أو كثر من ممارسته بأنه قد أنجز مهمته. وعن عقم أسلوب التظاهر العربي، أورد قولاً ينسب إلى السيدة قولد مائير، رئيسة وزراء دولة إسرائيل السابقة. فيحكى أن الوزراء الإسرائيليين عبروا عن تخوفهم من انفجار الغضب العربي ضد إسرائيل عند حريق المسجد الأقصى عام 1968، فقالت لهم أنها تعرف العرب جيداً، سيخرجون إلى الشوارع بضعة أيام يهتفون ثم تنتهي المسألة. ولذا وجب أن يخرج الناس في مسيرات سلمية هادئة ذات هدف واضح، ويمارسوا صور المقاومة السلمية حتى يتحقق هذا الهدف. ويمكن أن يتفاكر الناس فيما بينهم حول هذه الوسائل مثلما يتفاكر الآن مناهضو الحرب في أمريكا وغيرها. ومن بين هذه الوسائل إقامة السلاسل البشرية لسد الطرقات، مثلما يفعل الغربيون الآن، على أن تكون الرسالة الموجهة للحكومات هي إغلاق سفارات دول العدوان الثلاث، وكأننا نقول لحكوماتنا: "إن الحياة تتوقف ما لم يغادر هؤلاء". ولابد أيضاً من مقاطعة منتجات وخدمات دول العدوان الثلاث، حتى تؤوب حكوماتها الشرعية الدولية. وتشمل المقاطعة عدم التعامل مع مصارف دول العدوان، حيث كان ذلك ممكناً.

    إنَّ رفضنا للعدوان يجب أن لا يسوقنا إلى التحرش بمواطني دول العدوان الثلاث أو مواطني أي دولة مؤيدة للعدوان. وذلك لأسباب شتى، منها أننا يجب أن نكون ضد العنف من حيث المبدأ. ومنها أنه ليس من المروءة في شيء أن نتحرش بمواطنين قليلين أمنونا وعاشوا بيننا. ومنها أنهم ربما كانوا مثلنا ضد العدوان، بل ربما من أجل ذلك بقوا بيننا تعبيراً عن تضامنهم. وقد سررت أن كثيراً من الأمريكيين والبريطانيين والأوروبيين بقوا ببعض الدول العربية خلال هذه الأيام الصعبة إيماناً منهم بأن شعوب تلك الدول على درجة من الوعي تتفهم بها ما يدور.

    إن مناصرتنا الشعب العراقي يجب أن لا تقوم بسبب روابط العنصر أو العقيدة، وإنما لأنه شعب بريء مستضعف وقع عليه ظلم وعدوان غير مشروع، وهي مناصرة يجب أن يجدها منا كل شعب يقع عليه عدوان. فقد أنى للبشر أن يخرجوا من خنادق العنصر والعقيدة واللسان وغيرها مما يفرِّق بينهم، فيصلوا بعضهم بوشائج الإنسانية التي تجمعهم كلهم، على اختلاف ألوانهم، وألسنتهم، وأقاليمهم، وعقائدهم، وحظوظهم من التعليم والتمدين.

    إن المجتمعات الغربية التي خرجت لمعارضة حكوماتها قد دللت على أنها قطعت شوطاً طيباً في تجاوز هذه الأسس القاصرة للعلاقات بين البشر. والحق أنها قد دللت على ذلك منذ وقت مضى. وسأعرض لذلك لاحقاً، لكن أحب أن تتجه شعوب العالم الثالث ذات الاتجاه الذي يضع كل شعوب الأرض في خط واحد هو خط السلام فيما بينها ومواجهة حكوماتها التي تهدد السلام العالمي أو تنتهك حقوق الأفراد والجماعات والشعوب، سواء أكان داخل أوطانها أو خارجها.

    خامساً : المواجهة على مستوى المواطنين في دول العدوان :
    أما المواجهة من مواطني الدول المعتدية فقد بدأت مبكرة، وهي لا تزال مستمرة، وتجدد في أساليبها. وأريد أن أقول ما يلي في هذا الشأن:-
    1- إن المعترضين على الحرب في دول العدوان الثلاث يجب أن يوضحوا لمواطنيهم أن الشعوب الثلاثة مسئولة عن الحرب ما لم ترفضها أغلبية كل شعب منها وتقوم بالخطوات الدستورية والقانونية اللازمة لإقالة الحكومة التي شنتها. وعلى المعترضين أن يسعوا لتحقيق هذه الأغلبية، ويكون ذلك هدفاً معلناً لهم. وعليهم تشجيع النواب البرلمانيين ليتحملوا مسئولياتهم.
    2- إن مواطني دول العدوان يجب أن يعرفوا أن العدوان قد أقنع شعوب العالم الثالث بأن بعض الدول الغربية الكبرى قد افتتحت حقبة جديدة من حقب الاستعمار البغيض. وسيكون لذلك أسوأ الأثر على علاقات الشعوب وعلى السلام الدولي.
    3- إن هذا العدوان هو عمل إرهابي لا يختلف عن العمل الذي قامت به منظمة القاعدة حين هدمت برج التجارة الدولي بنيويورك في سبتمبر 2001، بل هو أسوأ منه لأن ذلك قامت به منظمة إرهابية في حين أن هذا تقوم به دولة تزعم التمدين والبعد عن الهمجية. ولذلك فإن هذا العدوان أفقد الغرب التعاطف الذي كان يجده في حربه على الإرهاب. بل هو قد أفقد الغرب حق الحديث عن الإرهاب.
    4- إن هذا العدوان قد غرس بذرة كراهية جديدة بين العراقيين بشكل خاص وبين أمريكا وبريطانيا عمرها أربعة مليارات سنة هي عمر آثار اليورانيوم المنضب والبلوتونيوم الذي تشتمل عليه الصواريخ والذخائر المستخدمة والذي سيظل يقتل العراقيين بالسرطان وغيره ويشوه أجنتهم إلى أن يأذن الله برفع ذلك عنهم. وعلى شعوب دول العدوان أن تضغط حكوماتها لوقف هذا العدوان فوراً وإرجاع هذه النفايات النووية فوراً إلى أمريكا للتخلص منها هنالك على النحو المناسب.
    5- إن هذا العدوان سيعوق جهود تحقيق الديموقراطية في العالم الثالث. فمنذ الآن ارتفعت بعض الأصوات قائلة إن الديموقراطية التي تستعمر بها الشعوب لا نريدها. وهذا يعني أن دعاة الديموقراطية في العالم الثالث سيحتاجون وقتاً وجهداً لمعالجة الضربة القوية لمساعيهم التي تسبب فيها هذا العدوان الذي تقوده دول تصنف كدول ديموقراطية، مستغلة فيه اسم الديموقراطية.
    6- إن التنفيذيين الأمريكيين والبريطانيين وعلى رأسهم الرئيسين بوش وبلير ومساعديهم قد مارسوا كذباً مفضوحاً وقبيحاً، فنالوا بذلك من صورة المواطن الغربي في أذهان شعوب الجنوب والشرق.
    7- إن كثيراً من مواطني العالم الثالث يقدِّرون الساسة الغربيين، أمثال روبن كوك، والمواطنين الغربيين البسطاء الذين قدموا إلى العراق ليشكلوا دروعاً بشرية، لأنهم مبدئيون، انحازوا إلى ضمائرهم، وضحُوا في سبيل ذلك بمناصبهم، ووضعوا حياتهم في أكفهم. إن أمثال هؤلاء هم المنتظرون لخلق عالم جديد تسكنه بشرية واحدة تخلت عن أطماعها واستعلائها وأحقادها. وأعتقد أن المواطن الغربي يجب أن يحرص على أن يتولى شئون الحكم عنده مثل هؤلاء المخلصين، ويبعد الأفاكين الأشرار عن مواقع القرار.
    8- إن مراقبة الحكام والاحتجاج على سياساتهم ومحاسبتهم يعد من أهم مقومات الحكم الديموقراطي، ووسيلة ضرورية لتصحيح أخطاء الساسة. بيد أنه يجب أن لا يكون عملاً موسمياً، بل عملاً دائماً ودؤوباً. وهو لن يكون كذلك إلا إذا انصرف إلى محاولة علاج العلة الأساسية، ولم يغفل عنها لينشغل بالأعراض. فمثل هذا الغزو هو مجرد عرض لمرض الفكر السياسي الغربي. وهناك أخطاء كثيرة، بعضها يجد الاحتجاج، وبعضها لا يجد. وسأتحدث في الجزء الثالث من هذا المقال عن علة الفكر السياسي الغربي، التي لابد من علاجها لإحلال السلام في الأرض. لكن يكفي هنا القول بأن المواطنين في الغرب عليهم أن ينشطوا في علاج الديموقراطية الغربية. وعلة الديموقراطية الغربية هي أن نسبة قليلة من المواطنين تستأثر بالثروة، وهي بسبب ذلك تستأثر بالسلطة، وتستغلها لتحقيق مصالحها هي، لا لتحقيق مصالح الشعب. ففي أمريكا، مثلاً، تفيد الإحصائيات أن 1% من الشعب الأمريكي يستأثرون بحوالي 70% من الثروة. هؤلاء هم الذين يحكمون أمريكا، ويصنعون القرار، ويأتون بالساسة من الحزبين الديموقراطي والجمهوري ليفوز من يفوز منهم في الانتخابات، ليباشر السلطة نيابة عن هؤلاء الأثرياء، لا نيابة عن الشعب الذي أدلى بأصواته في الانتخابات. وكل حزب من هذين الحزبين يخاف على مصيره أن لم يستجب لرغبات هؤلاء الأثرياء، كما أن كل سياسي يترشح للرئاسة أو البرلمان يخاف على مستقبله السياسي إن لم يحقق رغباتهم. وقد جعل هذا الأمر من الديموقراطية الأمريكية هيكلاً كبيراً بلا روح. ومن أخطر الوسائل التي تحتكرها هذه القلة وسائل الإعلام، وهي تستغلها لإلهاء الشعب، وتضليله، وصرفه عن الثقافة الحقيقية. ومن أجل ذلك، فإن أي حركة لتغيير المجتمع الأمريكي، أو أي مجتمع آخر، لابد أن تولي اهتماماً خاصاً بوسائل الإعلام.

    يتبع/ 3
                  

07-01-2008, 04:26 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    التحدي الذي يواجه العالم
    بقلم طه أبوقرجة
    إما المجتمع الكوكبي الإنساني الواحد، وإما الاستعمار والحرب والدمار
    (3) من (3)
    يجب إقامة العلاقات الدولية على القانون والعدل بدل القوة والمصلحة
    ولمصلحة مجتمع كوكبي واحد بدل مصالح دول قومية متضاربة

    حاولت في الحلقتين الفائتتين أن أبين بطلان ادعاءات الحكومة الأمريكية وأن أفنِّد ذرائعها للحرب، كما دعوت إلى مواجهتها وشريكاتها بالأساليب السلمية. ولم يكن ذلك نتيجة غفلة عن سوء نظام صدام، ولا مشايعة له لأنه حاكم عربي أو مسلم، وإنما عن قناعة بأن خطأ الدول المعتدية أكبر من أخطائه، وأن النهج الذي سنَّته هو أشد وبالاً على شعب العراق وعلى شعوب المنطقة وعلى السلام العالمي. وقد قلت هنالك أن نظام صدام سيئ ولكن سوئه لا يبرر العدوان، ولم أشعر بحاجة إلى التفصيل في سوئه، لأنه معروف. وقد لمست من الرسائل التي وردتني، ومن التعليقات التي طالعتها في بعض المنتديات، أن كثيراً من القراء فهم رأيي حول هذه الحرب. لكن بعضهم ربما فهم أن دعوتي لمواجهة العدوان مبعثها حسن ظني بنظام صدام أو نقص إدراكي بسوئه وخطره على جيرانه وعلى السلام العالمي. كما أن بعضهم يرى أن شعب العراق وغيره من شعوب المنطقة، بما فيها الشعب السوداني، قد رزئوا بأنظمة رديئة، قتلت معارضيها، وأضعفت شعوبها، وأذلتها، وبددت ثرواتها، وسدت كل سبل تغييرها من الداخل، فلم يعد من سبيل إلى تغييرها غير التدخل الأجنبي، رغم مثالبه. وبعض هؤلاء يرون أننا يجب أن نساند الجيوش الغازية معنوياً ليكتمل تحرير شعب العراق من صدام، كخطوة أولى نحو تحرير بقية الشعوب الرازحة تحت نير أنظمة مماثلة. وهؤلاء يسلِّمون للإدارة الأمريكية بمزاعمها حول مهمتها النبيلة نحو شعب العراق.

    هذه الآراء حملتني على تعديل هذا الجزء من المقال الذي كنت أريد الحديث فيه عن المجتمع الكوكبي وعن مدنية السلام، لمزيد من الحديث حول الموقف من هذه الحرب. ذلك لأننا لن نسهم في خلق المجتمع الكوكبي إذا كنا لا نرى عيباً في سياسات الحكومات الوطنية الحالية، القاصرة، التي تجر المجتمع البشري جراً إلى حافة حرب لا تبقي ولا تذر.

    كلا الطرفين مبطل، ولكن :
    وأبدأ بتأكيد أمر لا يزال يحتاج التأكيد، هو أن هذه الحرب ليست بين طرف محق وطرف مبطل، وإنما هي بين طرفين مبطلين، أحدهما الحكومات المعتدية، وثانيهما نظام صدام. وكلاهما لا يهتم بشعب العراق، وإن ادَّعى غير ذلك. وللشيعة في مصادرهم حديث قدسي أراه ينطبق على هذه الحرب، يقول:- (الظالمُ جندٌ، أنتقم به، وأنتقم منه). وهم يرون أن أمريكا ظالمة الآن في موقفها، وهي مجنَّدة للانتقام من ظالم آخر هو صدام، وأن الله سينتقم من أمريكا بعد ذلك. وللسنيين في معجم الطبراني حديث مماثل:- (الظالمُ عدلُ اللهِ في الأرضِ، ينتقم به، وينتقم منه). وقد أشار بعض المفسرين إلى هذا الحديث في معرض تفسيرهم لقوله تعالى: (وكذلك نولِّي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون) سورة الأنعام/ 129.

    هذا يعني أن علينا أن نرى باطل الطرفين، وأن نأخذ موقفاً من كليهما. وإنما دعوت إلى مواجهة أمريكا وشريكاتها لأسباب ثلاثة: أولها أن باطل أمريكا وشريكاتها في هذا الأمر أكبر من باطل صدام، وخطرهم أعظم من خطره. وثانيها أن باطلهم مغطى بمظهرهم الحضاري الكبير وبحديثهم عن الإرهاب وادعائهم الاضطلاع بالدور الأكبر في السلام العالمي، هذا في حين أن سوء صدام ظاهر. وثالثها أن خطر صدام قد ظل المجتمع الدولي يواجهه منذ عام 1990، بإخراجه من الكويت، وبإصدار ومتابعة تنفيذ القرارات الدولية التي تجرِّده من أسلحة الدمار الشامل وغير ذلك.

    وإنما كان خطر أمريكا أعظم من خطر صدام لأنها مسئولة عن أفدح أخطائه وبصورة خاصة تهديده لجيرانه كما سنرى، ولأنها لا تحارب الآن من أجل مهمة نبيلة كما تدَّعي وإنما من أجل تحقيق مكاسب لها ولحليفتها الأساسية في المنطقة-إسرائيل. وأهم من ذلك، أنها بهذه المهمة النبيلة المدَّعاة قد سنَّت سنة سيئة هي عدوان الدول على بعضها بدعوى تغيير حكوماتها الجائرة، كما أنها أضعفت المنظمة الدولية، وجعلت العنف هو الوسيلة الأساسية لحل النزاعات الدولية رغم أنه وسيلة بادية القصور وعظيمة الخطر. وينبغي على كل من يريد تحديد موقف من هذه الحرب أن لا يغفل هذه الأمور. ولتبيين أن خطأ الإدارة الأمريكية وخطر حربها الحالية أكبر من أخطاء صدام وخطره، أسوق مزيداً من الحديث عن محورين من المحاور الثلاثة التي بررت بها الإدارة الأمريكية عدوانها الحالي، وهي: (1) المهمة النبيلة لتحرير شعب العراق، (2) خطر صدام على جيرانه. وقد تحدثت عن ذريعة أسلحة الدمار الشامل بما يكفي.

    أولاً : مهمة الديموقراطية النبيلة ومحك الشيعة العراقيين :
    إن تعاطف كثير من السودانيين مع حجة الإدارة الأمريكية بأنها قادمة إلى العراق في مهمة نبيلة هي تحرير العراقيين من صدام هو تعاطف مبعثه الرغبة في أن تقوم الإدارة الأمريكية بعمل مماثل في السودان، لتحريره السودانيين من نظام الإنقاذ، الذي لا يقل سوءاً عن نظام صدام. وذلك أمر سأتحدث عنه في حيز آخر، ولكني أحب هنا أن أرد كل من تنطلي عليه هذه الخدعة الماكرة إلى ما قلته في هذا الشأن في الجزء الأول من المقال، وخصوصاً إلى قولي بأن الأساس الفكري والأخلاقي (Ethical) الذي تقوم عليه السياسة الأمريكية لا يعترف بمثل هذه المهام النبيلة، ولا يعرف إلا المصلحة الخاصة التي تحقق على حساب الغير. هذا الأساس القاصر هو الذي أملى العدوان، وهو الذي أملى الاستعمار، وهو المسئول عن الضرر الذي تلحقه السياسة الخارجية الأمريكية وسياسة الدول الغربية الأخرى بالشعوب، وهو المحك الذي يتضح فيه عجز الحضارة الغربية الراهنة عن تحقيق السلام، وتبرز فيه الحاجة إلى مدنية جديدة يحب فيها الإنسان أخاه الإنسان ويؤثره على نفسه. وقد كنت احب أن يتطرق المناقشون إلى هذا الأمر.

    بيد أن الناس إن لم يروا فساد البذرة التي أنبتت السياسة الخارجية الأمريكية، فقد يكون عليهم انتظار ثمرة هذا العدوان بعد الإطاحة بصدام. فحينئذ ستنفضح أمام أعينهم مزاعم تحرير الشعب العراقي. فالإدارة الأمريكية تعرف أن الشيعة يشكِّلون في العراق نسبة تتراوح بين 60% و65%، وهي لم تخض هذه الحرب لتمكينهم من السلطة عن طريق الانتخابات، بل هي لا تحتمل ذلك، ومن أجل ذلك أحجمت عن إسقاط صدام عام 1991 حين أخرجته جيوش الحلفاء من الكويت بهزيمة منكرة. وقد يتضافر عدم احتمالها تسلم الشيعة مقاليد الحكم مع دوافعها الحقيقية للغزو لتعتمد إحدى خطتين: إما محاولة حكم العراق مباشرة بواسطة أمريكيين، أو محاولة حكمه بطريق غير مباشر من خلال عراقيين ضعاف لا يهمهم إلا مظهر السلطة ينتشون به ويعطونها ما تريد وتحرسهم بجيوشها بعد أن تختارهم بالتعيين أو بانتخابات تشرف هي على تزويرها. وأي واحد من هذين الخيارين الصعبين سيفضح دعواها، كما سيجرها إلى حرب طويلة ومريرة مع شعب العراق، ستكون فيها وحدها، لأن بريطانيا بدت غير راغبة في التورط في العراق ثانية بعد إزاحة صدام.

    ويبدو أن هذا الوضع المعقد قد اضطر الإدارة الأمريكية إلى إعادة النظر في خطتها الأساسية الرامية إلى حكم العراق بواسطة أمريكيين يتبعون مباشرة للبيت الأبيض إلى حكمه بواسطة وزراء أمريكيين لكل منهم أربعة مستشارين عراقيين، ثم إلى حكمه بواسطة حكومة عراقية مؤقتة تعمل تحت حاكم أمريكي بدعوى إشرافه على الجوانب العسكرية والأمنية. وهدف الإدارة الأمريكية، في تقديري، هو حكم العراق بواسطة أمريكيين أو عراقيين ضعاف بغرض إبرام اتفاقيات تعطي أمريكا أكبر حقوق ممكنة لأطول فترة ممكنة في العراق وخصوصاً فيما يتعلق بثرواته الطبيعية. وهي قد تحاول الحصول على بعض الحقوق بواسطة اتفاقية استسلام مع نظام صدام، خصوصاً أن التجارب قد دلت أن صدام ظل بغبائه المعهود يخدم المصالح الأمريكية على طول المدى من حيث لا يدري.

    وطمع الإدارة الأمريكية هذا يوجب على العراقيين وأصدقائهم أن يضيقوا صلاحيات أي حكومة انتقالية، مهما كانت طبيعتها، فيحصروها في معالجة المشاكل الإنسانية الملحة الناجمة عن الحرب وعن الحصار الطويل الذي سبقها، وفي إرجاع النفايات النووية التي جلبتها الحرب إلى أمريكا، وأن يتركوا مشاريع إعادة الإعمار التي ينفق عليها من أموال العراق وكذلك مشاريع إعادة تأهيل قطاع النفط إلى الحكومة المنتخبة التي يؤمل لها أن تباشر أعمالها بعيداً بعض الشيء عن الضغط الأمريكي.

    دكتاتورية صدام أم إبادة شعب العراق ؟!
    بيد أننا لا نحتاج كل هذا الانتظار لنحكم على مزاعم الإدارة الأمريكية بأنها قادمة إلى العراق في مهمة نبيلة هي تحرير العراقيين من صدام. فأمريكا قد دللت بالحرب نفسها أنها لا تبالي بحرية الشعب العراقي، بل ولا بحياته. فالكبت والتقتيل الشنيع الذي مارسه صدام ضد شعب العراق لا يساوي شيئاً مما يتعرض له شعب العراق اليوم من إبادة طويلة المدى على يد الإدارة الأمريكية. ولا أعني ضرب المدنيين، ولا استخدام القنابل العنقودية، وإنما اعني ضربهم باليورانيوم المنضَّب الذي تحتوي عليه الصواريخ والقنابل وبعض الذخائر الأمريكية الأخرى. وهذه جريمة صمت عنها نظام صدام لأنه يخشى إثارة الشعب العراقي عليه في هذا الظرف، كما صمت عنها المجتمع الدولي، رغم أنها جريمة أعلنت الإدارة الأمريكية عن نية ارتكابها قبل اندلاع الحرب.

    ولمزيد من التعريف بخطر هذا السلاح أحيل القراء إلى مقابلة أجرتها قناة الجزيرة بتاريخ 7/2/2001 وأعادتها بتاريخ 19/3/ 2003 مع البروفيسور الأمريكي دوج روكه، المختص في الفيزياء النووية، والمدير السابق لمشروع اليورانيوم المنضَّب بوزارة الدفاع الأمريكية، وإلى مقابلتين أخريين بتاريخ 2/11/2000 و 9/11/2000 مع بعض المختصين (وكلها بموقع الجزيرة على شبكة الإنترنت). فقد وردت حقائق مفزعة في هذه المقابلات عن نتائج قذائف اليورانيوم، منها أن 160,000 (مائة وستين ألف) من الجنود الأمريكيين الذين شاركوا في حرب الخليج الثانية في مطلع 1991 أصيبوا بالسرطان وغيره من الأمراض الناتجة عن التعرض لليورانيوم المستنفد (والتي يشار إليها إجمالاً بأعراض حرب الخليج)، وأن حوالي 8000 منهم قد ماتوا. وقد ذكر البروفيسور الأمريكي أن العسكريين الأمريكيين أخفيت عنهم الحقيقة لوقت طويل، ولم يدركوا إلا مؤخراً أن ما تعرضوا له كان بسبب اليورانيوم المستنفد. وقال أنه شخصياً مصاب بالمرض، وأن جسمه يحتوي على شحنة إشعاع تعادل خمسة آلاف الشحنة العادية في الجسم. كما قال أن منطقة البصرة قد باتت منذ 1991 مكاناً غير صالح للحياة، بسبب معدلات الإشعاع العالية الناجمة عن ضربها بصواريخ وقذائف تشتمل على اليورانيوم المستنفد. وأوضح البروفيسور الأمريكي أن الإشعاع الناجم عن اليورانيوم المستنفد يبقى لمدة 5/4 (أربعة نصف) بليون سنة، وألمح إلى أن استعماله يهدف إلى زيادة فعالية الذخائر في اختراق الدروع والتحصينات، كما يهدف إلى تخليص الولايات المتحدة من النفايات النووية الناجمة عن استخدم اليورانيوم داخلها للأغراض السلمية والعسكرية، وقال في هذا الصدد أن استخدام اليورانيوم في الذخائر هو جزء من خطة وزارة الصناعة الأمريكية في التخلص من النفايات النووية. وهناك كتب صادرة عن هذا الأمر، ومواقع بشبكة الانترنت يمكن الرجوع إليها. وحين ندرك أن أمريكا أسقطت حوالي 350 طن من اليورانيوم المستنفد في حرب تحرير الكويت ونرى ارتفاع معدلات السرطان في العراق بعد ذلك، وأنها الآن ربما أسقطت أكثر من 4000 (أربعة آلاف ) طن من اليورانيوم المستنفد، ندرك حجم مأساة الشعب العراقي، وعدم مبالاة الإدارة الأمريكية بحياته، بله حريته.

    ثانياً : أمريكا شريك صدام في حروبه على جيرانه :
    معلوم أن صدام شكَّل تهديداً على جيرانه. وهو يدفع الآن ثمن تهديده إياهم وتعديه عليهم. ففيما عدا سوريا (التي أعلنت مساندتها للشعب العراقي وليس لصدام)، فإن كل جيران العراق إما أعطوا دول العدوان تسهيلات عسكرية، أو وقفوا موقف المتفرج على صدام، المؤمل الخلاص منه. لكن يجب أن لا نغفل أن أمريكا هي التي ساقت صدام معصوب العينين إلى تهديد جيرانه والاعتداء عليهم، لتتمكن منه في نهاية المطاف. فهي التي حرَّكته عام 1980 لمحاربة إيران، بهدف وقف مساعي تصدير الثورة الإيرانية إلى بقية الدول الإسلامية حين بدأت بعض الجماعات تهتف (إيران إيران في كل مكان)، ووجهت الدول العربية بدعمه، حتى أن تلك الدول حبَتْه يومئذ بلقب "حارس البوابة الشرقية". وقد عملت أمريكا على تزويده خلال تلك الحرب (بطريقة مباشرة أو غير مباشرة) ببعض تكنولوجيا أسلحة الدمار الشامل ليستخدمها ضد الإيرانيين وضد شعبه. كما أغرته بغزو الكويت عام 1990 لتتخلص منه (وبُعَيد غزو الكويت قامت بمحاسبة سفيرتها في العراق أمام الكونغرس على فعلتها، لتتبرأ الدولة الأمريكية من الجريمة وتصورها كخطأ فردي وقعت فيه إحدى موظفاتها). خلاصة القول أن أمريكا شريكة صدام في جرائمه ضد جيرانه، ومسئولة معه عنها.. هي مسئولة عن التخطيط، وهو مسئول عن التنفيذ. إن خطر صدام على جيرانه يوجب ذهابه، ولكن أمريكا أخطر على جيرانه منه.. وذلك بنفس القدر الذي به أن خطر صدام على شعبه يوجب ذهابه ولكن أمريكا أخطر على شعبه منه. وكنت آمل ممن يؤيدون الغزو الأمريكي على العراق بحجة خطر صدام على جيرانه ألا يغفلوا أن أمريكا شريكة في ذلك الخطر، وأنها استغلت صدام وتلاعبت به مثل دمية.

    العنف لا يحل مشكلة :
    إن الخطأ الأكبر الذي وقعت فيه أمريكا هو خروجها على الشرعية الدولية من أجل مصالح اقتصادية ومن أجل تأمين نفسها وحلفائها من خصومهم بتجريدهم من السلاح بالقوة. ومن الواضح أن أمريكا شرعت منذ نهاية الحرب الباردة في تجريد خصومها السابقين من قوتهم العسكرية. ورغم أن تقليل مصادر الخطر العسكري هو نتيجة مبتغاة لمصلحة الإنسانية قاطبة، إلا أنها يجب أن تتم بوسيلة مشروعة، ولغرض مشروع. والوسيلة المشروعة هي القانون الدولي كما تطبقه الأجهزة الدولية، وليس وفق الاجتهادات الفردية. والغرض المشروع هو إحالة البشرية كلها إلى القانون كوسيلة لحسم النزاعات بعد أن ظلت طيلة تاريخها تعتمد على القوة. لكن أمريكا شرعت في تجريد خصومها من السلاح بوسيلة خطأ ولغرض خطأ. فهي، من حيث الوسيلة، خرجت عن الشرعية الدولية في حالة العراق، كما تسعى للخروج عنها في حالات أخرى. وهي، من حيث الغاية، إنما تريد تجريد غيرها من السلاح لتحتفظ به هي وحليفاتها ليفعلوا ما يشاءون. ويمكن أن نلاحظ أنها رفضت التوقيع على معاهدة حظر الألغام، وعلى قانون محكمة الجزاء الدولية، وأنها ما تزال تطور في شبكة دفاعها الصاروخي، وفي أسلحتها.

    هذا اتجاه خاطيء وعقيم. فالدول لن تتخلى عن السلاح إلا إذا قامت العلاقات على القانون الدولي الذي يحفظ حقوق الدول مثلما تحفظ القوانين الوطنية حقوق الأفراد داخلها. لكن إذا ظلت العلاقات تقوم على الأطماع والمناورات الدبلوماسية وإساءة استخدام النفوذ في الساحة الدولية وحسم النزاعات بالقوة المسلحة والاعتداء على سيادة الدول، فإن الدول ستلجأ إلى التسلح. وقد كان على أمريكا أن تستفيد من حادثة 11 سبتمبر 2001 فتعلم أن العنف أصبح لا يحتاج إلى دول، وإنما يمكن لأفراد قليلين إحداث أضرار هائلة تفوق طاقة الدول. ومعلوم أن تكنولوجيا الأسلحة الخطرة باتت شائعة، وفي متناول أيدي الكثيرين. وحين لم تفهم أمريكا من حادثة 11 سبتمبر، ساق لها الله رجلاً قالت أنه كان يخطط لضرب مدينة أمريكية بقنبلة "قذرة". رجل واحد يمكنه أن يدمِّر مدينة!! ماذا يعني هذا؟ إنه ببساطة يعني أن محاولة احتكار القوة والسلاح هي محاولة غير ذكية، وخطرة، ومحكوم عليها بالفشل. وقد كان على أمريكا أن تفهم ذلك وتسلك طريقاً آخر، لكنها لم تفهم حتى الآن. إن أمريكا تتحدث عن النظام الدولي الجديد، ولكنها لا تعرفه. فالنظام الدولي الجديد هو النظام الذي يقيم العلاقات الدولية على القانون والعدل والسلام، وليس على منطق الغابة، الذي هو سمة النظام الدولي القديم. إن أمريكا لم تفهم منطق العصر حتى الآن، وهي إن لم تفهمه ستخلي مكانها إلى دولة أخرى تفهم منطق العصر وتصاقبه وتحدو ركب البشرية إلى مدارج العدل والسلام، فالبيئة الكوكبية الحاضرة لا تحتمل سوى العدل والسلام.


    الحضارة الغربية تفقد المشعل :
    إن هذا الغزو غير المشروع، رغم أنه يحقق نتائج يبتغيها شعب العراق وجيرانه وكثير من الشعوب والدول، إلا أنه من الناحية الأدبية قد أفقد أمريكا زعامة العالم. ولما كانت أمريكا هي زعيمة الحضارة الغربية، فإن هذا الغزو قد أفل به نجم الحضارة الغربية، مؤذناً ببزوغ فجر مدنية جديدة قادرة على نشر السلام في الأرض. وهناك رمزية في هذا الغزو. فهو قد قامت به أمريكا، التي تمسك بمشعل الحضارة، ومعها بريطانيا التي سلمتها المشعل بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. كما يلاحظ أن معهما أسبانيا، وأن قمة الحرب عقدت في الجزيرة البرتغالية. ومعلوم أن أسبانيا والبرتغال كانتا من أعظم الدول الأوربية في عصر الكشوفات الجغرافية التي تسلم الغرب خلالها ريادة القافلة البشرية واستلم مشعل الحضارة الإنسانية. إن أهل الحضارة الغربية قد أسقطوا من يدهم هذا المشعل اليوم، وسيلتقطه من بعدهم شعب يحمل فكرة قادرة على تأسيس مجتمع كوكبي تسكنه إنسانية واحدة تربط بينها فكرة العدل مثلما ربطت بينها وسائل المواصلات والاتصال التي بدا أن الحضارة الغربية لا تستطيع أن تعطي أكثر منها.

    بيد أن بعض مواطني الغرب قد دللوا على وعي بالبيئة الكوكبية الجديدة ومقتضياتها بأكثر مما دلل مواطنو الشرق. ومساعي العولمة التي تحاول دول الغرب الآن أن تنجزها على حساب الشعوب الفقيرة لم تعارضها الشعوب الفقيرة ولا حكوماتها، وإنما عارضها المواطنون الغربيون وسيروا ضدها المسيرات في سياتل وفي إيطاليا وحيثما اجتمعت منظمة التجارة الدولية في الغرب. إن هؤلاء المواطنين الغربيين، الإنسانيين، الذين يرفضون ظلم الآخرين، هم الذين ينعقد عليهم الأمل في إصلاح الديموقراطيات الغربية وفي إجهاض مخطط غربي يرمي إلى الهيمنة على العالم، وإفقار شعوبه، وإبادتها-بوعي أو بغير وعي. وإذا تيسر إسقاط الحكام المخبولين الصغار أمثال صدام بواسطة شعوبهم أو بواسطة عمل خارجي، فإن أخطاء ساسة الدول الكبرى ذات الترسانات العسكرية الضخمة لا يمكن تصحيحها إلا من خلال شعوبها. ورغم أننا يجب أن نتعاون مع هؤلاء لتأمن البشرية غوائل الحكومات الغربية القوية التي تملك آلة دمار هائلة، إلا أن عدم الوعي بهذا الأمر ساق تنظيماً من تنظيمات الهوس الديني الإسلامية لاستعداء الغربيين برمتهم ضد منطقة الشرق الأوسط والعرب والإسلام، وذلك بتفجيرات 11 سبتمبر التي كانت ضد الأبرياء.

    هؤلاء المواطنين الغربيين يجب أن نمد معهم الجسور، وأن نكوِّن معهم منظمات مدنية دولية تكون لها فروع في كل الدول، كخطوة إضافية نحو المجتمع الكوكبي. ومثل هذه المنظمات موجودة في كثير من بلدان الغرب، ومنها منظمة السلام الأخضر، التي تعنى بالسلم وبالبيئة وتقف ضد تدمير الإنسان بالحروب وغيرها وضد تدمير البيئة بالنفايات وغيرها. وهي تدافع عن أهل العالم الثالث بأكثر مما يدافع أهل العالم الثالث عن أنفسهم. وأعتقد أنه من المناسب أن تنتشر مثل هذه الجمعيات في العالم الثالث وأن ينتشر الوعي بأهدافها. إن هذه الجمعيات تؤكد أمراً له أهمية كبرى من أجل السلام العالمي، هو أن الغرب ليس ضد الشرق، وأن الشمال ليس ضد الجنوب، وإنما أكثر الحكومات هي ضد الشعوب، في الغرب والشرق والشمال والجنوب.

    حكام العالم ليسو في القامة الخلقية المطلوبة :
    إن الغزو قد دلل أيضاً على أن حكومات العالم ليست في المستوى الخلقي المطلوب. فحتى الآن لم تعقد الجمعية العامة للأمم المتحدة اجتماعاً طارئاً لمناقشة هذه الحرب رغم أن ثلاثة أسابيع قد مضت عليها. وهذا يعني أن حروباً أخرى ستقع وأن دماراً سيحدث كي يتحرك الضمير العالمي وكي نعي بأن نظامنا السياسي والدولي متخلف يستوجب التغيير.


    العرب والمسلمون :
    ثمة أمر آخر شديد الأهمية، هو أن ما يحدث الآن في العراق هو نتيجة خطأ قديم ارتكبه العرب تحت قيادة جمال عبد الناصر يوم أخرج قضية فلسطين من إطارها المحدود إلى حلبة الحرب الباردة، وذلك حين أمم قناة السويس في 1956 بطريقة خاطئة استفزَّ بها الغرب وجلب عداوته على مصر وعلى العرب، فلم يجد غير الاحتماء بالاتحاد السوفيتي. ورغم أن الرئيس السادات أدرك استغلال السوفيت للعرب كما أدرك خطأ الموقف العربي المتمثل في عدم الاعتراف الرسمي بإسرائيل فابرم اتفاقية سلام مع إسرائيل في 1979، إلا أن أكثر العرب رفضوها، وقاطعوه. وقد كان صدام من أبرز قادة ما سمي عندئذ بدول الرفض. وقد بقي العرب على رفضهم الاعتراف بإسرائيل، وحين فقدوا الاتحاد السوفيتي لم يجدوا من يلتجئون إليه، فباتوا يتلقون الضربات وما لهم من مجير. إن كثيراً من العرب يتحدثون عن هذا العدوان باعتباره حرب تقوم بها أمريكا لصالح إسرائيل. وذلك صحيح إلى حد، ويمكن أن تلام أمريكا على ذلك. لكن الأمر المهم هو أن العرب لا يحق لهم لوم أمريكا على ذلك قبل أن يصححوا موقفهم من إسرائيل، بالاعتراف بها وقبول وجودها والاستعداد الجاد لحل مشكلة الحدود بينها وبين الفلسطينيين بالوسائل السلمية، والاستعداد للعيش معها في سلام. فموقف العرب الحالي من إسرائيل هو موقف غير عادل، وغير حكيم، ومخالف للقانون الدولي لأن العالم كله ملتزم بحماية إسرائيل التي أصبحت عضواً بالأمم المتحدة بعد أن قبلت مشروع التقسيم الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1947 في حين رفضه الفلسطينيون وطفقوا يرددون من وراء جمال وعيده الفارغ برمي دويلة العصابات الصهيونية في البحر، وهو وعيد لم يرد به إلا بناء زعامته على المصريين وعلى العرب. ورغم أن بعض العرب قدم بعد أكثر من نصف قرن على نشوء المشكلة مبادرات تنطوي على الاعتراف بإسرائيل، إلا أن كثيراً منهم لا يزال يمجِّد اللاءات الثلاثة الخاطئة الفارغة: (لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف بإسرائيل). ولعل صدام كان من أبرز هؤلاء، وهو لا قبل له بمحاربة إسرائيل، ولكنه التهويش الذي ساقه الآن لدخول حرب بدا فيها حتى الآن أضعف من المليشيات الصومالية التي واجهت الأمريكيين في مطلع التسعينات، وهو لم يزد على أن لوث أرض العراق باليورانيوم وعرَّض الشعب العراقي لمحنة كبيرة طويلة الأمد.

    وما يقال عن العرب في أمر إسرائيل، يقال أكثر منه عن المسلمين، وذلك لأسباب شتى، منها أن المسلمين يقرؤون قوله تعالى على لسان موسى عليه السلام:- (يا قومِ ادخلوا الأرضَ المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين) سورة المائدة/21. إن على العرب والمسلمين أن لا يقنعوا باتهام أمريكا بالتآمر عليهم لصالح إسرائيل، بل عليهم قبل ذلك أن يصححوا موقفهم ويصلحوا أنفسهم. عندئذ فقط يمكنهم تصحيح موقف أمريكا وسوقها لإجبار إسرائيل على قبول حل سلمي وعادل ودائم بينها وبين الفلسطينيين وجيرانها الآخرين. أما الموقف الشعبي العربي والإسلامي الذي يتهم الحكومات بالضعف والتخاذل، فهو ينطلق من عاطفة وجهل بالمعلومات الأساسية. ولو قدِّر لبعض الجماعات المتحمسة المهووسة أن تمسك بالسلطة في البلدان العربية والإسلامية فإنها ستجر المنطقة إلى كوارث مثل الكارثة التي نزلت على العراقيين بسبب صدام. إن الوضع برمته يوجب التوعية الشعبية، وليس من سبيل لحل المشكلات بغيرها.
                  

07-01-2008, 04:28 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    الأحداث الأخيرة توجب التعجيل بإنهاء قانون الغاب
    الذي يحكم العلاقات الدولية

    بقلم : طه أبو قرجة
    1- واقعة العنف الأخيرة، التي جرت فصولها في الحادي عشر من سبتمبر الماضي (2001)، وراح ضحيتها أكثر من خمسة آلاف نفس بشرية، في مركز التجارة الدولي، والبنتاجون، بمدينتي نيويورك وواشنطون، بالولايات المتحدة الأمريكية، هي واقعة، على همجيتها ومأساويتها، يمكن أن نعتبرها هدية للبشرية المعاصرة برمتها، لتفهم منها مالم تستطع فهمه بدونها. فإذا فهمنا، نحن البشرية المعاصرة، ما ينبغي علينا فهمه، فإنه يرجى لنا أن نجعل من هذه الواقعة المؤسفة، واقعة العنف الأخيرة، في هذه الحقبة من حقب التاريخ البشري. وسيكون هذا الفهم هو الوفاء الحقيقي للضحايا الذين كتب عليهم أن يروحوا فداءاً لنا، جميعاً، في هذه الواقعة المؤسفة، وفيما كان قبلها. أما إذا لم نفهم، فإن هذه الواقعة، على همجيتها ومأساويتها، لن تعدو أن تكون مجرد نذير بين يدي نوازل تالية، يأخذ بعضها برقاب بعض، أخراها شر من الأولى. ونحن إنما سنفهم، إذا بحثنا في أسباب هذه الواقعة بعقول قوية، وواجهناها بخلق رصين. أما العقول القوية في هذا الإطار فتعني العقول التي تستطيع أن تنفذ إلى جوهر المشكلة فتدرك أصل أسبابها.. وأما الخلق الرصين فيعني أمانة الفكر، وشجاعة المواجهة، اللتين تعصمان صاحبهما من إنكار نصيبه من المسئولية، وتسوقانه للاعتراف بنصيبه من الخطأ، بلا مخاتلة، وتدفعانه للسعي لإصلاح خطئه، بلا مكابرة، ولا تردد.
    2- معلوم، بالطبع، أن هذه الواقعة ليست الأولى التي نالت من الولايات المتحدة الأمريكية، في الفترة الأخيرة. فقد سبقتها أخريات. بيد أن معظم الوقائع السالفة، استهدف مصالح أمريكية فيما وراء الحدود الأمريكية. ولعل أكبر عملية عنف جرت داخل الولايات المتحدة، فيما سبق، هي عملية تفجير مبنى اتحادياً في مدينة أوكلاهوما في 1995، التي راح ضحيتها حوالي مائتي شخص. أما هذه الواقعة، فقد كانت جديدة، في أساليبها، وفي عدد ضحاياها. فهي قد استخدمت وسائل مدنية محضة لأغراض التدمير، بصورة غير مسبوقة. كما أنها حصدت أرواحاً كثيرة، وأحدثت خراباً واسعاً، بالبنى التحتية، وبالاقتصاد، فكانت بذلك أقرب إلى العمل الحربي منها إلى عمليات العنف المحدودة. وقد قال بعض المسئولين الأمريكيين أن أمريكا لم تواجه عملاً مماثلاً طيلة حربها الباردة مع الاتحاد السوفيتي السابق.
    3- والحق أن في هذه الواقعة دلالة رمزية مزعجة، تلحقها بالنذارات. فهي قد نالت من مركز التجارة الدولي، الذي يعتبر رمز الحضارة الغربية الحاضرة.. والواقعة بهذا كأنما تقول لنا أن الخط الذي تسير فيه البشرية الآن، وهو خط الصراع والعنف والحرب، إنما يهدد بالدمار الحضارة كلها، وبالفناء البشرية نفسها. كما نالت الواقعة من البنتاجون، الذي يعتبر بمثابة عرين الأسد.. وهي بهذا تقول لنا أن الخط الذي تسير فيه البشرية الآن، من شأنه أن يفضي إلى وضع لا يكون فيه أحد بمأمن، وإنما ينال القويَ الدمارُ. هذه هي رمزية الواقعة، وهي عندي واضحة كل الوضوح، وإني لأرجو أن تكون واضحة عند من يباشرون إدارة الأمور، على نحو أفضل من هذا. ووقوع الواقعة بأمريكا، بما تملك من إمكانيات إعلامية، ووزن دولي، قد قيض لها أن تُصَوَّر، وتُعْكَس، ليراها الناس حول العالم، ويتابعوا أحداثها، وتطوراتها، وليكون عليهم واجب إزاء ما يحدث.
    4- معلوم أن واقعة أوكلاهوما نفّذها مواطن أمريكي، من أصل أوروبي، ينتمي لجماعة مسيحية متطرفة. أما هذه الواقعة فقد نسبتها الأجهزة الأمريكية المختصة لمتطرفين إسلاميين، ذوي صلة بأسامة بن لادن، وبما يسمى بتنظيم القاعدة. وهناك تقارير من بعض الجهات الإسلامية شكَّكت في ذلك. ومن هذه الجهات، بل لعل على رأسها، صحيفة كيهان الإيرانية، التي نسبت الواقعة لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي، ولعسكريين أمريكيين متقاعدين، تضرروا من حرب فيتنام. وقد سمَّت تلك التقارير أولئك العسكريين، كما قالت أن السفارة الإسرائيلية بنيويورك قد وجَّهت الشركات "اليهودية" الكائنة بمركز التجارة الدولي بمغادرة المبنى قبل وقوع الواقعة، فلم يمت أي من موظفيها. وقالت تلك التقارير أن الأجهزة المعنية بالإدارة الأمريكية استدعت السفير الإسرائيلي للتحقيق معه في هذا الشأن، إلا أن أجهزة الإعلام الغربية عمَّت على الناس تلك الأنباء. (قيل لاحقاً أن غياب الموظفين اليهود ذلك اليوم سببه موافقة ذلك اليوم لعطلة يهودية). وقالت تلك التقارير أن هدف إسرائيل هو أن تُلْصَق الواقعة بالمتطرفين الإسلاميين، فتتحرك أمريكا وحلفاؤها لضرب بعض الدول الإسلامية، وضرب بعض الجماعات الإسلامية التي ظلت تقاتل في سبيل الحرية على نحو أقض مضاجع الإسرائيليين في فلسطين ولبنان، بحجة ضلوعها في هذه الواقعة، ولتجد إسرائيل تبريراً لعنفها بالفلسطينيين وغيرهم من العرب – قل المسلمين- في إطار صراعهم القائم منذ ما ينيف على نصف قرن. وقالت تلك التقارير أن إسرائيل نجحت في خطتها بالفعل، بسبب تأثيرها القوي على مراكز القرار الأمريكي، فلم تعدِّل أجهزة التحقيق عن انطباعها الأولي بأن العملية قام بها متطرفون إسلاميون، كما لم تبرِز وسائل الإعلام الأمريكية، والغربية، تلك الوقائع على النحو الواجب والمعقول. وقد حاولت تلك التقارير الاستفادة من التضارب البادي في ما أعلنته أجهزة التحقيق الأمريكية، كزجِّها بأسماء أناس مسلمين في المسئولية عن تنفيذ العملية، رغم أن بعضهم توفي قبل الواقعة بسنتين، ورغم أن بعضهم كان متواجداً خارج أمريكا لحظة الواقعة. كذلك قالت تلك التقارير أن قوائم المسافرين التي بادرت بنشرها شركات الطيران المالكة للطائرات التي نفذت بها العمليات لم تشتمل على أسماء الأشخاص الذين حمَّلتهم أجهزة التحقيق مسئولية تنفيذ العملية. (وهذه مسائل لا قيمة لها لأن المسافرين في الرحلات الداخلية لا يتم التحقق من هوياتهم، ولذلك ربما اتخذ بعضهم أسماء غير حقيقية). كما أشارت تلك التقارير إلى وقائع شتَّى، لدعم اتهامها جهات أخرى غير المتطرفين الإسلاميين، ومن ذلك قولها أن بعض منفذي العملية الذين كانوا يستهدفون الرئيس الأمريكي قد استخدموا شفرة سلاح الجو الأمريكي، وهي أمر عسير المنال للمتطرفين الإسلاميين، الذين لا صلة لهم بالجيش الأمريكي، والذين ليس لهم من علوم الطيران إلا بدايات بسيطة.
    5- ربما كانت تلك التقارير "الإسلامية" خاطئة، ولا تهدف إلا لإثارة الغبار حول نتائج التحقيقات الأمريكية، احترازاً من خطوات الانتقام التالية في الحرب الطويلة المعلنة على الإرهاب، والتي لا يعرف أحد في العالم الإسلامي محتوى أجندتها بعد أفغانستان. لكن مهما تثير مثل تلك التقارير من ريب حول نتائج التحقيقات الأمريكية، فمما لا شك فيه أن جماعات الهوس الديني الإسلامية قد اتخذت من أمريكا خصوصاً، ومن الدول الغربية عموماً، عدواً أولاً لها منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، قبل ما ينيف على عقد من الزمان. وقد نفّّذت هذه الجماعات هجمات عديدة على مصالح أمريكية، أو اتهمت بذلك، مما جعل اتهامها الآن بهذه الواقعة، ميسوراً. بل إن أكثر الناس، بما في ذلك المسلمون، أخذه كحقيقة مفروغ منها. ويلاحظ أن أسامة بن لادن نفسه لم يدن هذا العمل، وإنما أكَّد من جديد بأنه يستهدف المصالح الأمريكية داخل وخارج أمريكا، ولكنه نفى علمه بأن تكون هذه العملية، تحديداً، قد تمت على أيدي أفراد ذوي صلة به.
    6- لقد استشاط الأمريكيون – حكومة وشعباً- غضباً من الواقعة، وشرعوا على الفور يتحدثون عن الانتقام، والقضاء على الإرهاب. ورغم أن المرء يشاطر الأمريكيين أحزانهم، ويتفهم دوافع غضبهم، إلا أن المرء يأمل أن تنقشع عنهم سحابة الغضب ليصفو لهم الفكر، ليهتدوا إلى جذور العنف، والتطرف، ليوجهوا معركتهم إلى المعترك الصحيح، حتى لا تضيع جهودهم وجهود حلفائهم هدراً، وحتى لا تستمر، وتتفاقم، دوامة العنف هذه.
    7- يلاحظ أن دول أوروبا الغربية، وهي الحليف التقليدي لأمريكا، حين أكدت وقوفها بجانب أمريكا في حربها ضد الإرهاب، أبدت قلقاً وتساؤلات بشأن جدوى بعض الخطوات التي بدت أمريكا عازمة عليها في إطار إجراءاتها الانتقامية، كشن حرب على أفغانستان للقبض على بن لادن "حياً أو ميتاً". ولقد كان الرئيس الفرنسي جاك شيراك أكثر وضوحاً في هذا الجانب، حين قال أن وقوف فرنسا بجانب أمريكا في حربها ضد الإرهاب لا يعني أنها تقدم لأمريكا شيكاً على بياض، وإنما لابد أن تقنع أمريكا جماعة الحلفاء بجدوى أي خطوة تعتزمها في هذا الشأن. وجرت تساؤلات عديدة عن جدوى شن حرب للقبض على بن لادن في أحراش أفغانستان، التي دوخت الاتحاد السوفيتي، وعجَّلت بنهايته.
    8- هنالك الآن ما يدعم الاعتقاد بأن أمريكا أصبحت أكثر استعداداً للاستئناس بوجهات نظر حلفائها الغربيين. ففي حين بدأت أمريكا تحركاتها العسكرية بوتيرة توحي بأنها ستضرب أفغانستان بعد أيام قلائل من الواقعة، عادت لتقول أن حربها ضد الإرهاب ستكون طويلة، وغير تقليدية، وأن عملياتها في أفغانستان لن تكون ضربة خاطفة. كما شرعت تحرِّك الشعب الأفغاني لمواجهة حكومته، وشرعت أيضاً في محاولة تجهيز بديل معقول لنظام طالبان، وبدت فعلاً وكأنها تخوض هذه الحرب بطريقة تختلف عن الطريقة الأمريكية التقليدية، حتى أن الملا محمد عمر، زعيم طالبان، أعلن أن شبح الضربة الأمريكية قد تلاشى، وأوقف حالة الاستنفار التي كانت قد أعلنتها طالبان وحشدت بها ثلاثمائة ألف مقاتل، حسب بعض التقارير. ويبدو أن أمريكا شرعت تتدارس الموقف مع حلفائها بتأنٍ ساقها لعدم الممانعة من ملأ الوقت بجهود سلمية، فوافقت على مساعي القس الأمريكي جيسي جاكسون السلمية مع طالبان، كما انتظرت جهود "رجال الدين" الباكستانيين لإقناع طالبان بتسليم بن لادن.
    9- هذا العدول الأمريكي عن الخطوة الأساسية، وهي الضرب الفوري، لا يدعم فقط القول بأن أمريكا أخذت تعطي اعتباراً أكبر لآراء حلفائها، وإنما يدعم أيضاً القول بأن أمريكا أخذت تتخلص من غضبها وانفعالها، لتتعامل مع الحدث بذهن صاف. وكل هذا يعني أن هناك فرصة أكبر الآن لتسمع أمريكا وجهات نظر أخرى، من حلفائها، ومن غيرهم، لا سيما وأن الأمر متشابك، ويرتبط بأناس تفصلهم عن أمريكا، وحلفائها الغربيين، هوة نفسية، واجتماعية، وفكرية، عميقة. وهذا يعني أن يدلي كل صاحب رأي برأيه، في الأطر المتاحة، عسى أن تسهم الآراء العديدة (وليس بالضرورة المختلفة) في إضاءة رقعة أوسع من مسرح الأحداث.
    10- ومما يؤكد أهمية إبداء الآراء أن إبطاء أمريكا من خطواتها لا يحمل دلالة واحدة هي النية في التعامل مع الحدث بصورة موضوعية بعيدة عن الانفعال، وإنما هو يحمل دلالة ثانية هي أشد إيلاماً من التعامل مع الحدث بانفعال لا حكمة فيه. إذ ربما كان هنالك ما يشير إلى بروز اتجاه لاستغلال هذا الحدث لتحقيق مكاسب اقتصادية، تحت غطاء كثيف من التضليل، ومن المتاجرة بالحدث، حتى لكأن بعضنا قد شرع يأكل في لحم ضحايا الواقعة المؤسفة قبل أن يدفنوا على النحو اللائق بهم. كل هذا يوجب العمل على وضع الواقعة في إطارها الصحيح، وقراءة دلالاتها، عسى أن يعمل التنفيذيون للاهتداء إلى أصل الداء، واجتثاثه، بدل التعامل مع الواقعة بصورة سطحية. ومن أجل وضع الواقعة في إطارها الصحيح، لابد من تركيز بعض الأمور في الأذهان :-
    1) أول هذه الأمور هو أن هذه الواقعة لم تنشأ من فراغ، وأنها ليست حدثاً معزولاً، أو شاذاً ؛ وإنما هي، على سوئها وفداحتها، حلقة صغيرة في سلسلة العنف المتصلة التي طبعت علاقات المجموعات البشرية ببعضها حتى يوم الناس هذا. وهي ليست سوى نتاج طبيعي لممارسات طويلة من القهر، وإضاعة فرص التوعية، والظلم، والعنف الذي يمارسه الكبار على الصغار. فحتى مجتمعنا الحاضر، الذي أصبح مجتمعاً كوكبياً، لا يزال يقيم علائقه وفق قانون الغاب، الذي يعطي القوي حقاً لمجرد أنه قوي، ويسلب الضعيف حقه لمجرد أنه ضعيف. ورغم أن أمريكا قد شرعت منذ انهيار الاتحاد السوفيتي تتحدث عن النظام الدولي الجديد، إلا أنها لم تعمل إلا على ترسيخ النظام الدولي القديم، القائم أصلاً على قانون الغاب، وهي حتى اليوم لا تسعى إلا لتحقيق أكبر مصالح مادية ممكنة ولاستحواذ أكبر موارد ممكنة فيما وراء البحار، مستفيدة من مزية تفردها بالقوة والمنعة، بعد انهيار منافسها العنيد. فليس هناك من نظام دولي جديد، حتى الآن، وإنما هو النظام القديم. فالنظام الدولي الجديد يقوم على قانون الإنسانية، حيث الحق هو القوة، بعد أن كانت القوة هي الحق في فترة قانون الغاب- فترة النظام الدولي القديم. هذه هي سمة النظام الدولي الجديد، وهو نظام لم يدخل حيز الوجود بعد. وليس هناك من واجب على كل الساسة، وكل الأفراد، من كل الشعوب، هو أعظم من العمل على إدخال المجتمع البشري برمته مرحلة قانون الإنسانية- مرحلة النظام الدولي الجديد بحق. وواقعة التفجيرات الأخيرة يمكن أن تعين الذكاء البشري الحاضر على الإصرار على دخول مرحلة قانون الإنسانية، حيث يستغني الضعفاء والأقوياء، معاً، عن العنف، لعدم الحاجة إليه، حيث يحال حسم الحقوق إلى القانون الدولي العادل، مثلما تحال نزاعات الأفراد إلى القانون العادل في إطار الدولة الواحدة. ومن أجل ذلك، فإن التعامل الجاد مع هذه الواقعة يجب أن لا يقف عند حدود ملاحقة المسئولين المباشرين عنها، ومعاقبتهم، وإنما يجب أن يتعدى ذلك لفحص أصل المشكلة، والعمل على علاجها.
    2) ثاني هذه الأمور هو أن ما يسمى اليوم بالإرهاب، إنما هو، في أكثر الأحيان، حيلة الضعيف مع القوي في عالم يحكمه قانون الغاب. فالمجموعات القوية الآن تباشر الحرب الإعلامية، والدبلوماسية، والاقتصادية، بل والعسكرية، لتحقيق مصالحها بالقوة الغاشمة.. هذا في حين أن المجموعات الضعيفة لا تجد حيلة سوى القيام بأعمال العنف المحدودة، التي يباشرها بعض الأفراد والمنظمات الصغيرة، يستهدفون بها، في غالب الأحيان، الأبرياء، لعدم قدرتهم على مواجهة آلة حرب الأقوياء. ويتم استهداف الأبرياء حيناً بدافع الانتقام من مجتمعات الأقوياء، وحيناً آخر بدافع لفت أنظار المجتمع الدولي للمظالم التي ترزح تحتها المجموعات الضعيفة تحت سطوة المجموعات القوية، وبالدافعين في أغلب الأحوال. ولذلك فإن التعامل مع عمليات العنف بطريقة الانتقام والضربة المضادة، دون بحث الدوافع، والوصول لجذور العنف، إنما هو محض تكريس لقانون الغاب، وسيكون له أسوأ العواقب. فالاتجاه الجاد يوجب القضاء على أمرين في ذات الوقت: أحدهما شبح الاستغلال والهيمنة والحرب التي تباشرها المجموعات القوية على المجموعات الضعيفة، وثانيهما شبح الإرهاب والعنف المنظم الذي تباشره المجموعات الضعيفة على المجموعات القوية. فإن الأقوياء إن لم يفعلوا ذلك، كانوا من المطففين، "الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون، وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون". فلابد إذن من إقامة الوزن بالقسط.
    3) ثالث هذه الأمور هو أننا جميعاً، أفراداً، وجماعات وحكومات، مسئولون عن ما وقع. فالمسئولية لا تقتصر على المنظمات التي خططت للعملية، ولا على الدول التي رعت تلك المنظمات، ولا على الأفراد الذين نفذوها، ولا على الأجهزة الأمنية الأمريكية المقامة أصلاً لاستشعار مثل هذه الهجمات والاحتراز منها (بسبب أي تقصير ربما وقع في الاحتراز من الهجمة أو تقليل ضحاياها). إن حصر المسئولية في هذه الأطر الضيقة، يعني محاولة علاج المشكلة بوسائل عسكرية وأمنية محضة. وهذا تناول قاصر، سيكون له أسوأ العواقب على السلام العالمي. إن هذه الواقعة هي مسئولية كل فرد بشري على وجه الأرض، على تفاوت بين الناس في المسئولية. وسأتعرض لاحقاً لأهم وجوه هذه المسئولية. وإنما يكفي هنا أن أقول أن اشتراك الكافة في المسئولية، يعني أن أفضل طريق لمعالجة الأزمة هو أن يرجع كل طرف إلى نفسه، وكل فرد إلى نفسه، ليفحص مسئوليته، ويرى ماذا عليه أن يفعل للإسهام في اقتلاع جذور العنف، بين الأفراد، والجماعات، والدول.. ثم يلتقي الأطراف ليصبوا مجهوداتهم في مجرى واحد. هذا سيكون أفضل بكثير من ما نراه الآن من ازورار كل طرف عن فحص مسئوليته والإقرار بها، والاتجاه، بدلاً من ذلك، إلى إلقاء المسئولية بكاملها على الطرف الآخر. فهذا الاتجاه الخاطئ، والخطير، يعني أن لا طرف سينهي مساهمته في دورة الإرهاب والعنف. كما هو يعني أن المواجهة المستقبلية قد بدأت منذ الآن.
    4) رابع هذه الأمور هو أن الزعماء التقليديين بكافة أنماطهم، ومؤسسات صناعة القرار السياسي التقليدية، في كافة المعسكرات، قد تحاول، لاعتبارات شتى، صرف الناس عن مراجعة الفهوم القديمة، والسياسات القديمة، التي لا تزال مستحكمة. ومن أجل ذلك، يجب أن يحرص الأفراد العاديين، رجالاً ونساء، من الشعوب كافة، على فحص ما يدور، وعلى مراقبة ما يقال، وما يفعل، رقابة لصيقة، لأن الأفراد العاديين هم الذين يدفعون الثمن دائماً. فمركز التجارة الدولي لم يمت فيه وزراء، ولا ساسة، ولا أصحاب نفوذ ؛ وإنما مات، في الغالب، رجل الشارع العادي المغمور، وامرأة الشارع العادية المغمورة، ممن لا يعرفهم إلا ذووهم، ودوائر ضيقة من أناس عاديين مغمورين حولهم. ولتبيين ذلك، تكفي الإشارة إلى أن حصيلة المفقودين المضافين إلى قائمة الضحايا قد ارتفعت قبل يوم الثامن والعشرين من سبتمبر إلى حوالي سبعة آلاف شخص، ولكنها عادت يوم الثامن والعشرين إلى ما يزيد قليلاً عن الخمسة آلاف شخص، بعد أن تبين أن قرابة ألفين من الذين يعملون في مركز التجارة الدولي هم في إجازات خارج أمريكا، وليسو تحت الأنقاض. فإذا كان قرابة ألفين من شاكلة من قتلوا في مركز التجارة الدولي هم ممن لا يعرف الناس مكانهم، إلى أن يعودوا بأنفسهم، فبوسعنا أن نتصور بساطة وعادية أكثر أولئك الضحايا المساكين، وكيف انهم لا ناقة لهم ولا جمل في صراع المصالح المرير، هذا الدائر في الساحة الدولية. مثل هذا النوع من البسطاء، العاديين، هو الذي يروح ضحية في كل مكان. ففي العراق لم يمت صدام حسين، ولا أي من أفراد عصابته، وإنما ظل يموت البسطاء العاديون، بالقنابل، وبالسرطان، وبنقص الدواء، ونقص الغذاء. وهكذا، ففي العالم الديموقراطي يموت الناس العاديون، وفي العالم المكبوت يموت الناس العاديون. وهذا يعني أنهم، حيث كانوا، هم أصحاب الوجعة الحقيقية مما يدور.. وأنهم، حيث كانوا، هم أصحاب المصلحة الحقيقية في إدارة الأمور على نحو مختلف.
    5) خامس هذه الأمور هو أن أي اتجاه لحصر دوافع هذه العملية (هذه الواقعة) في الهوس الديني فقط، هو اتجاه خاطيء. وبذات القدر، فإن أي اتجاه لحصر دوافع هذه العملية في خطأ سياسة أمريكا الخارجية في منطقة الشرق الأوسط وغيرها، هو أيضاً اتجاه خاطيء. هذان العاملان مسئولان، معاً، عن هذه الواقعة. أما مسئولية سياسة أمريكا الخارجية، فظاهر ويتحدث عنه كثير من الناس الآن. وأما مسئولية الهوس الديني عن الواقعة، فتتجلى في أن جماعات الهوس الديني تستهدف أمريكا أصلاً، لمجرد أنها دولة غير إسلامية. وتسمية الخميني لها بالشيطان الأكبر تكاد تكون لا صلة لها بمظالم سياستها الخارجية، وإنما لأنها أكبر غير المسلمين. وبوسعنا أن نرى أن جماعة الإخوان المسلمين، في السودان على أيسر تقدير، كانت منذ زمن طويل، سابق لانهيار الاتحاد السوفيتي، تنشد شعراً يرد فيه:-
    أمريكا، روسيا قد دنا عذابها علـيَّ إن لاقيتها ضرابها
    وبيت الشعر بهذا النحو إنما هو تصحيف لشعر الصحابي عبد الله بن أبي رواحة يوم موقعة مؤتة، بين المسلمين والروم، حيث قال من بين أبيات أخرى:-
    والروم روم قد دنا عذابها علـيَّ إن لاقيتها ضرابها
    والإخوان المسلمون إنما كانوا آنئذ يشيرون باسم روسيا إلى الاتحاد السوفيتي، الذي كان صديق العرب المسلمين في إطار مشكلة الشرق الأوسط. ولكن جماعات الهوس كانت تتربص به العذاب لسبب آخر غير سياسته الخارجية، وهو كفره. وهو ذات السبب الذي كانوا، وما زالوا، من أجله يتربصون بأمريكا العذاب. ومن عجبٍ أن أمريكا كانت غافلة عن ذلك، فتعهدت تلك الجماعات المتخلفة في كافة أصقاع العالم الإسلامي، لتعينها في حربها الباردة ضد الشيوعية، وهي لا تدري أي ضبع أدخلت في بيتها. واستهداف هذه الجماعات المهووسة لغير المسلمين، مسألة عتيدة في الفهم الديني السلفي الذي تقوم عليه هذه الجماعات، وتسعى لتطبيقه في الواقع العملي. هذه الجماعات تعتقد أن حربها على غير المسلمين يجب أن لا تتوقف إلا من أجل زيادة الاستعداد لها. وهم كثيراً ما يقرؤن الاية الكريمة:- "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم". وقد سبق للرئيس السوداني عمر البشير أن قرأ هذه الآية الكريمة في خطاب جماهيري مذاع ومتلفز، وقال أننا مطالبون بإرهاب الكافرين. هذه الجماعات ليس لديها لغير المسلمين إلا الحرب، وإنما يختلف شكل الحرب باختلاف قدرة الخصم. فحين يكون الخصم ضعيفاً، كشأن غير المسلمين في السودان، تأخذ الحرب طابعاً علنياً شاملاً، يُقْتَل فيه الناس بمئات الألوف. أما حين يكون الخصم متطوراً ومدججاً بالسلاح، كأمريكا، فإن الحرب تأخذ شكل عمليات العنف، مثل هذه العملية.
    6) سادس هذه الأمور هو أن أمريكا، والدول الغربية عموماً، بدأت تعاني من الهوس الديني الإسلامي بعد وقت طويل من معاناة العالم الإسلامي منه. بل أن الهوس الديني قد ارتخص أرواح الناس في العالم الإسلامي في وقت كانت أمريكا، على وجه التحديد، تسانده، وتدعمه، كحليف استراتيجي في حربها الباردة. ومعلوم إن بن لادن وطالبان، الذين تحِّملهم أمريكا الآن مسئولية هذه الواقعة، هم، إلى حد ما، صناعة أمريكية.
    11- قلت آنفاً أن أمريكا، والدول الغربية عموماً، بدأت تعاني من الهوس الديني الإسلامي بعد وقت طويل من معاناة العالم الإسلامي منه. كما قلت إن الهوس الديني قد ارتخص أرواح الناس في العالم الإسلامي في وقت كانت أمريكا، على وجه التحديد، تسانده، وتدعمه، كحليف استراتيجي. والأمثلة على هذا عديدة. فعندنا نحن في السودان، قام الرئيس الأسبق جعفر نميري، بعد تحالفه مع تنظيم الإخوان المسلمين بقيادة حسن الترابي، باغتيال الأستاذ محمود محمد طه علناً في ساحة عامة بتهمة الردة عن الإسلام. وقد رأت أمريكا يومئذ أن لا تتدخل لإيقاف ذلك العمل المشين، رغم كل نفوذها لدى دوائر صناعة القرار السوداني يومئذ. ولقد قال وزير الخارجية البريطاني بعد الاغتيال أنه لا يعرف الأستاذ محمود، ولا أفكاره، لكن قتله بهذه الصورة لمجرد تعبيره السلمي عن آرائه إنما هو عمل يحط من قدر أي إنسان على وجه الأرض. لكن أمريكا كانت يومئذ مشغولة أكثر باستثمارات شركاتها في البترول السوداني، وغيره من الموارد المعدنية، وغير المعدنية، فاجترحت ما يمكن أن يوصف بأنه موافقة على ذلك العمل المشين، حين اتفقت مع نميري أن يعدم الأستاذ محمود لوحده، ولا يعدم تلاميذه، المتهمون معه. ويمكن للمرء أن يرى بذلك أن أمريكا، إن كانت تهتم بحقوق الإنسان الأمريكي، فإنها لا تقيم أي قيمة، ولا وزن، ولا حق، للإنسان غير الأمريكي. كما لا يخفى أيضا،ً أن أمريكا كانت يومئذ ترضِي جماعات الهوس الديني، وبخاصة جماعات الإخوان المسلمين، وتعطيها ما تريد، بعد أن اتخذتها حليفاً استراتيجياً لمواجهة الخطر الشيوعي في العالم الإسلامي، ليس بالفكر، وإنما بإثارة العواطف الدينية الساذجة الناضبة، وبالبلطجة التي تمارسها بالعصي والسيخ في الجامعات والمعاهد والمنتديات العامة، وبالإرهاب الفكري، والجسدي، بكل صنوفهما، وبتصفية الخصوم. ويكفي لتبيين خطل الموقف الأمريكي أن الرئيس السوداني الأسبق، النميري، قد زار أمريكا بعد حوالي شهر من فعلته الشنعاء تلك، وحظي بترحيب الرئيس الأمريكي رونالد ريقان في البيت الأبيض. ولقد ظلت كثير من الأنظمة العربية والإسلامية، في منطقة الشرق الأوسط، وغيرها من الأنظمة القمعية في مناطق أخرى من العالم، تنكِّل بشعوبها، وتعرقل تطورها لعقود طويلة، وهي تنعم بمساندة أمريكا، التي اعتبرتها أنظمة حليفة لها. وأمريكا بذلك تعتبر، لدى الدقة، شريكة في كل الفظائع التي ارتكبتها هذه الأنظمة. هذه الأنظمة المتخلفة، وهذه المساندة الأمريكية الجائرة، هما الوالدين الشرعيين للمسخ الذي انطلق الآن يهدد تلك الأنظمة، ويهدد أمريكا نفسها. وبوسعنا أن نرى أن تلك الأنظمة التي كانت توصف حتى قبل حوالي عقدين من الزمان بأنها أنظمة متخلفة، باتت الآن توصف بالأنظمة المعتدلة. وما ذاك إلا لأن العلاقة المشؤومة بين تلك الأنظمة وأمريكا، قد أنجبت هذا الجهل المستشري، وهذا الهوس المستطير.
    12- الإشارة الفائتة إلى ضلوع أمريكا في كثير من صور خرق حقوق الإنسان حول العالم، بمساندتها أنظمة قمعية، يجب أن لا تفهم بأنها صورة من الشماتة. فهي، لاعتبارات عديدة، أبعد ما تكون عن ذلك. هذه الإشارة، ببساطة، ترمي إلى التنبيه لحقيقة بديهية، هي أن إيثار المصلحة على المبدأ يجلب دائماً عواقب وخيمة. فأمريكا قد شاءت يومئذ أن تؤثِر مصالحها على قيم مبدئية، كحقوق الإنسان.. كما شاءت أن لا تولي الإنسان غير الأمريكي بعض كرامته الإنسانية التي يستحقها.. وهاهي الآن تجني ما بذرت. وقديماً قال السيد المسيح عليه السلام:- "من أخذ بالسيف، بالسيف يؤخذ"، وقال النبي محمد عليه وعلى آله الصلاة والسلام : "كما تدين تدان". ومن أجل ذلك، على أمريكا أن تكتسب حكمة من التجربة الماضية، التي آثرت فيها المصلحة على المبدأ، فعادت بالوبال على شعوب أخرى قبل أن تعود بالوبال عليها هي نفسها، داخل أرضها. والحكمة التي ينبغي أن تكتسبها هي أن تحترم حقوق الإنسان في كل مكان، حتى يحترم حقَ مواطنيها كلُ الناس من كل مكان. وآية اكتسابها الحكمة، هي أن تلتزم المبدأ، والقيمة، منذ الآن، وقبل فوات الأوان، فلا تنساق وراء من يحاولون "استثمار" هذه الواقعة المؤسفة للإمعان في السير في الطريق القديم، لكسب مصالح وقتية ضيقة، تزيد من عمق الأزمة القائمة أصلاً، وتجرنا إلى فصول أكثر مأساوية من هذه الرواية الحزينة. فهناك الآن من يحاول أن يصرف نظر الأمريكيين عن البحث عن نصيبهم من مسئولية ما جرى، ويصور لهم أن ما جرى ليس سوى هجمة من عالَم همجي يجب أن يناله الانتقام، وأنه ليس هنالك أمر مطلوب سوى الردع العسكري، والتدابير الاستخباراتية، والمضي قدماً لاستحواذ أكبر قدر ممكن من موارد العالم الاقتصادية، وإحكام السيطرة على أكثر شعوب العالم بالعصا الغليظة، وباستغلال الحاجة المادية للشعوب، وبالتواطؤ مع أنظمة محلية متخلفة وفاسدة، ومع كيانات أقليمية تتقاسم المصالح المادية مع أمريكا. وسأتعرض لمثل هذه المحاولات بعد قليل.
    13- لقد تابعْتُ في محطة التليفزيون البريطانية (بي بي سي) استطلاعاً مع مديرة روضة أطفال أمريكية صباح الثالث عشر من سبتمبر، قالت فيه أنهم في رياض الأطفال والمدارس الأمريكية، باتوا بحاجة ماسة إلى طمأنة الأطفال، وإلى الإجابة على سؤال ملح ومتواتر من جانبهم، إذ يتساءلون: "لماذا أمريكا؟"، "لماذا نحن؟"، ماذا فعلت أمريكا لهؤلاء؟". هذا سؤال بسيط، وبديهي، وعميق. وقد جرى على ألسنة الأطفال الأبرياء، بدون تعمُّل أو تعمُّق، وإنما هي الفطرة. هذا السؤال يجب أن يسأله كل الشعب الأمريكي لنفسه، ولصانعي قراراته السياسية، وبصورة خاصة السياسة الخارجية، والسياسة الاقتصادية. وعلى الشعوب الغربية الأخرى أن تسأل نفسها وحكوماتها أيضاً. وأي محاولة لتفادي هذا السؤال اليوم، لن تقود إلا لتراكم مزيد من الأسباب والأحقاد التي كان لها دور في وقوع هذه الكارثة. ومن المؤكد أن التراكم الإضافي سيجعل المستقبل أشد قتاماً، وأحداثه أشد فظاعة.
    14- مثلما يجب أن تسوق هذه الواقعة الشعب الأمريكي، والحكومة الأمريكية، للوقوف على مقدار مسئوليتهم عن ما جرى، فإنها يجب أن تسوق جهات عديدة أخرى إلى معرفة مقدار مسئوليتها، وإلى مواجهة نفسها بعدد من الأسئلة، التي قد تكون صعبة. فالجهات الآتية يجب أن تواجه نفسها بالأسئلة التالية:-
    · أعضاء منظمات الهوس الديني يجب أن يسألوا أنفسهم : أليس من الممكن تحقيق غاياتنا بوسائل لا تزهق الأرواح على هذا النحو، أو على أي نحو آخر اقل بشاعة؟ وهل الجهاد الأصغر هو كلمة الله لنا اليوم؟ وهل تستحق البشرية المعاصرة أن نواجهها بالجهاد الأصغر كما واجه أسلافنا بشرية الأمس بالجهاد الأصغر؟ أم أن رفع لواء الجهاد الأصغر اليوم هو مفارقة دينية وأخلاقية قبل أن تكون مفارقة حضارية؟
    · المسلمون العاديون يجب أن يسألوا أنفسهم : هل لدينا فهم للإسلام أفضل من الفهم الذي تقوم عليه جماعات الهوس الديني، أم أننا نستوي مع جماعات الهوس الديني في الجهل بالدين في حين تتفوق جماعات الهوس الديني علينا بأنها نشطة وتطبِّـق قناعاتها؟ وما هي مسئوليتنا تجاه تخليص أعضاء جماعات الهوس الديني من شرور أنفسهم وتخليص العالم من سيئات أعمالهم؟
    · جماعات العنف السياسي بكافة صوره ومرتكزاته الأيديولوجية والدينية، يجب أن تسأل نفسها أيضاً: هل من الممكن تغيير أساليبنا لتكون أساليب سلمية وناجعة؟
    · الحكومات، وبصورة خاصة حكومات الدول الكبرى، التي تنفق على وسائل الحرب أضعاف ما تنفق على مرافق التعمير، يجب أن تقف لتتساءل : هل هناك من جدوى لمواصلة إقامة العلائق الدولية وفق قانون الغاب، الذي يعطي القوي ما ليس حقه، ويسلب الضعيف حقه، خصوصاً في ضوء تطور، وسهولة، وسرعة انتشار، وامتلاك، وسائل، وأسلحة، الدمار الحديثة؟ أليس من الممكن تطوير أجهزة الأمم المتحدة لتكون أكثر قدرة على حسم الخلافات والنزاعات وفق قانون دولي عادل، بدل الدبلوماسية وصراع القوى والحرب؟
    · الأفراد ومنظمات المجتمع المدني داخل الدول الديموقراطية (الغربية) التي حققت حظوظاً كبيرة من الحقوق المدنية والسياسية وحقوق الإنسان يجب أن يسألوا أنفسهم : هل يصح لنا إغفال ما تجترحه حكوماتنا من انتهاكات لحقوق الإنسان في الدول النامية حتى لكأننا نوافقها الظن بأن إنسان الدول النامية ليس بإنسان؟
    15- هذه هي الأسئلة التي يحتاج كل فريق أن يوجهها إلى نفسه بشجاعة، وأن يجيب عليها بوضوح، وبأمانة. فإذا تم ذلك، فإن كافة الأطراف يمكن أن تلتقي لتنسق مجهوداتها لإنهاء أسباب العنف الدائر على وجه الأرض. أما ما يجري الآن من عمل غير مسئول، يلقي فيه كل طرف بالمسئولية كاملةً على الطرف الآخر، فيعني أننا نسير في الطريق القديم، ويعني أن المشكلة ستظل قائمة منغير حل، وأن مرارات جديدة ستضاف عليها، لنستعد لمرحلة جديدة من العنف المتبادل في وقت لم تعد أسلحة الدمار تسمح بمزيد من المواجهات والصدامات. ولربما يحسن هنا أن ألقي ضوءاً على مواقف الجهات المختلفة في مواجهة مسئولياتها، والأسئلة الحائرة المتعلقة بها.
    16- ليس هناك ما يشير إلى أن جماعات الهوس الديني طرحت على نفسها أي من التساؤلات التي يجب أن تطرحها على نفسها. ونظراً لأن هذه الجماعات هي أصلاً ضعيفة الفكر، وأفرادها يعيشون خارج وقتهم، فلا يكاد يرجى منهم مراجعة مفاهيمهم أو أساليبهم بسبب أثرها الفادح على الآخرين. فهم لا يشعرون بمقدار ما يلحقونه بالآخرين من أذى، ولا يهتمون لذلك، بل قد يفخرون به. لكن هذه الجماعات تفهم بصورة مناسبة إن وقعت عليها هي آثار فعلتها. ولذلك فمما لا ريب فيه أن الإجراءات الأمنية التي شرعت فيها أمريكا والدول الغربية، والمتمثلة في معاقبة الدول التي تدعم هذه الجماعات، وملاحقة قيادات هذه الجماعات في تلك الدول، وملاحقة عناصر هذه الجماعات، وحرمانها من الملاذات الآمنة، خصوصاً في أمريكا وأوروبا، وتجفيف مواردها المالية - كل ذلك- قد أشعر هذه الجماعات، بعد فوات الأوان، بأنها حين حسبت القوة التدميرية لطائرات البوينج، فات عليها أن تحسب أثر مثل هذه العملية عليهم، وعلى فرص وجود عناصرهم في أوروبا وأمريكا، تحت ستار اللجوء السياسي والتدابير الإنسانية الحديثة، التي يتربصون بها، والتي استغلوها، بلا حياء، أبشع استغلال.
    17- بخصوص المسلمين العاديين، فبالمثل ليس هنالك ما يشير إلى أن أفراداً أو جماعات منهم قد اتجهوا لمواجهة الأسئلة التي تخصهم في هذا الصدد. وباستطلاع بسيط لمنابر الحوار بالإنترنت، يمكن للمرء أن يلاحظ أن الاتجاهات الغالبة في حوارات المسلمين تتمثل في الآتي:-
    · الناشطون المقيمون داخل العالم الإسلامي مهتمون بتأليب الشعوب الإسلامية ضد الحملة الأمريكية المرتقبة، وأحياناً يعلنون عن فتح باب التجنيد لمؤازرة طالبان. وكذلك هم يحرضون الشعوب الإسلامية ضد اتجاه بعض الحكومات العربية والإسلامية لمساندة أمريكا وحلفائها في ضرب أفغانستان أو غيرها من الدول الإسلامية. وبعض هؤلاء يجهر بتبرير عملية التدمير بنيويورك وواشنطن، بحجة أن الغربيين لم يترددوا في قتل الأطفال والنساء في العراق وفلسطين وغيرهما. وبعضهم يدين هذه العملية، فقط لأنها نالت من مسلمين ونساء وأطفال.
    · المقيمون بالدول الغربية مهتمون غالباً بحماية أنفسهم من الهجمات الانتقامية التي باتوا يتعرضون لها من المتطرفين الغربيين. وهؤلاء يحرصون على التأكيد بأن الإسلام ضد العنف تماماً، وبالتالي يتجهون إلى إدانة عملية التدمير بنيويورك وواشنطن باعتبارها عملية عنف، بصرف النظر عن أنها نالت من مسلمين ونساء وأطفال. ويتحدث أكثر هؤلاء بجهل تام عن الإسلام، ويحاول بعضهم تهدئة خواطر المحاورين الغربيين، بإبداء ضروب ساذجة من الاستبشار بنتائج الضربات الأمريكية المرتقبة، وبالدعاء بالنصر لأمريكا. ورغم أن المرء يقدِّر دوافع أمثال هؤلاء، ويشعر نحوهم بالرثاء، إلا أن المرء يخالجه شعور قوي بأنهم لو كانوا في باكستان، لكانوا في قلب المظاهرات التي تتوعد أمريكا إن هي ضربت أفغانستان.
    · أكثر الذين يدينون عملية التفجير بحجة أنهم يرفضون العنف، يتفادون السؤال: كيف ترفضون العنف في حين أن الشريعة الإسلامية تأمر بجهاد المشركين وأهل الكتاب؟ وهم إنما يتفادون السؤال لأنهم، في قرارة أنفسهم، يدركون ذلك، ولكن القول بذلك في الوقت الحاضر له تكلفة أدبية وسياسية باهظة. أما الذين لا يتفادون هذا السؤال، فيقولون أن حروب الإسلام كانت دفاعية فقط. وجهل هؤلاء بالإسلام، وبالثقافة الدينية الموروثة، ظاهر جلي.
    · الذين يدينون عملية التفجير لأنها نالت من مسلمين ونساء وأطفال، يتفادون مناقشة أن الشريعة الإسلامية تأمر بجهاد المشركين وأهل الكتاب، وأنها قسَّمت الأرض إلى دار إسلام ودار حرب، وأوجبت على المسلمين عدم العيش في دار الحرب، وإلا أصبح دمهم هدرا. كما يتفادون الرد على القول بأن طبيعة الأسلحة المعاصرة، وطبيعة عملية نيويورك، تجعل من غير الممكن التمييز بين من يجوز قتله جهاداً، ومن لا يجوز. ومثل هذه النقاط تساق لتوضِّح للمسلمين السلفيين أن الشريعة الإسلامية الموروثة لا تكفي كأساس لإدانة هذه العملية، وأن حججهم هذه ضد العملية هي حجج داحضة بمقاييس الشريعة الإسلامية، ومن الأفضل لهم تأسيس إدانتهم للعملية على أساس إسلامي أحسن من الشريعة. ومن الواضح أن المسلمين المعاصرين لم يدركوا حتى الآن أن طبيعة الأسلحة الحديثة نفسها توجب إعادة النظر في مشروعية الجهاد في الوقت الحاضر. فطبيعة الأسلحة الحديثة، تجعل من غير الممكن الانطباق على ضوابط الجهاد التي تنهى عن قتل غير المحاربين، كالنساء والأطفال، والرهبان، والأجراء، ومن هم في حكمهم. فالمقاتل بالمدفع والطائرة وغيرهما من وسائل الحرب الحديثة، لا يمكنه أن يميِّز بين المحارب وغير المحارب، مثلما كان ممكناً لصاحب السيف والرمح أن يميِّز. لكن ليس هناك أي تدبُّر من جانب المسلمين المعاصرين، لإدراك موقوتية شريعة الجهاد الأصغر. وما يسوقونه الآن من منابرهم المختلفة من إدانة لهذه العملية، إنما هو لعدم رغبتهم في ربط هذه العملية المؤسفة بالجهاد الإسلامي، لأن تكلفتها الأخلاقية والسياسية باهظة، كما سلف القول.
    · الاتجاه الغالب بين المسلمين هو نقد السياسة الخارجية الأمريكية الخاصة بمشكلة الشرق الأوسط باعتبارها هي وحدها المسئولة عن ما وقع، دون التعرض لمسئولية العالم العربي والإسلامي، التاريخية، عن استمرار هذه المشكلة دون حل. فهم لا يذكرون مثلاً أن العرب قد أخطأوا حين رفضوا مشروع التقسيم الذي أقرَّته الأمم المتحدة سنة 1947 وقبلت به إسرائيل، وأنهم ظلوا إلى وقت قريب يقولون أن صراعهم مع إسرائيل هو صراع وجود وليس صراع حدود، وأن زعيماً كعبد الناصر ظل يعلن أن هدفه هو رمي إسرائيل في البحر.
    · يلاحظ أن أكثر الدول الإسلامية والعربية ترددت أو أحجمت عن إعلان مساندتها لأمريكا في حربها ضد الإرهاب. فقد ظل موقف السعودية، على سبيل المثال، مرتبكاً لأيام. أما الرئيس المصري حسني مبارك فقد حاول تفادي الحرج بقوله أن أمريكا لم تقدم أدلة على تورط أفغانستان أو بن لادن. وإذا تذكرنا أن الرئيس المصري قد اتهم الحكومة السودانية بمحاولة اغتياله في أديس أبابا سنة 1995 ، بمجرد هبوطه من الطائرة بالقاهرة، وقبل أن تبدأ إجراءات التحقيق بأثيوبيا، لأدركنا أن الإحجام الحالي سببه الخوف من القلاقل التي يمكن أن يحدثها المهووسون الدينيون في مصر. ومعلوم أن الجماعات الإسلامية المتطرفة تمسك بيدها أكثر النقابات، والمرافق، وتستطيع أن تثير قلاقل واسعة على طول البلاد. وينطبق ذلك على أكثر الدول الإسلامية. إن الدول الإسلامية لم تتردد في الوقوف مع أمريكا والتحالف الغربي لإخراج العراق من الكويت، وذلك لأن الكويت المعتدى عليها دولة إسلامية. والقاعدة الشرعية في هذا الجانب يحددها قوله تعالى (وإن طائفتان من المؤمنين بغت إحداهما على الأخرى، فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله). لكن المعتدى عليه اليوم، وهو أمريكا، ليس مسلماً. ومن أجل ذلك فإن الدول الإسلامية اليوم تخشى أن تقوم جماعات الهوس الديني بإثارة شعوبها السلفية عليها، إن هي ساندت أمريكا في حملتها ضد أفغانستان. فالمنطق السلفي يقول لهم إنكم إن لم تقوموا بواجبكم في ضرب أمريكا، فليس أقل من أن تمتنعوا عن مساندة أمريكا التي تنوي الآن ضرب أفغانستان انتقاماً.
    · إن هذه الواقعة قد وضعت الفهم السلفي للإسلام تحت دائرة الضوء. وإذا لاحظنا حرص الدول الإسلامية على تبرئة الإسلام من العنف، على لسان رجال الدين الرسميين، لأدركنا أن كثيراً من المسلمين المعاصرين يشعرون بأزمة عميقة في الفهم السلفي للإسلام، ويدركون أن بعض صور الشريعة الإسلامية (كالجهاد الأصغر) لا تصلح اليوم، ولكنهم لم يهتدوا إلى فهم من الإسلام يحل لهم هذه المعضلة العويصة. ومثلما سلطت هذه الواقعة الضوء على أزمة الفهم السلفي للإسلام، فإنها سلطت الضوء على تخلف الفلسفة البراجماتية الأمريكية، وبالخصوص تطبيقاتها في السياسة الخارجية، عن مقتضيات تحقيق السلام في هذه الفترة الحرجة من تطور الحضارة الإنسانية. إن هذه الواقعة تبين أن الفهوم القديمة والفلسفات القديمة قد وصلت بالبشرية إلى نهاية الطريق المسدود، وليس فيها ما يمكن أن يعين البشرية على خدمة هذه المرحلة من تاريخها، وأن على البشرية أن تبحث عن فهم جديد قمين بتحقيق السلام على الأرض. ومع أن رسالة هذه الواقعة واضحة في هذا الشأن، إلا أن المعالجات السياسية الحاضرة لهذه الأزمة ستشغل الناس عن صب اهتمامهم على جذور أزمة الفكر التي يرزح تحتها المعسكران.
    18- بخصوص حركات الإصلاح السياسي وحركات التحرر، فليس لدى أدنى فكرة عن أن أي حركة إصلاح سياسي أو حركة تحرير قد قادتها هذه الأحداث لإعادة النظر في وسائل العنف. ويلاحظ أنه برغم أن هناك تجارب قريبة تؤيد إمكانية تحقيق الأهداف السياسية بالوسائل السلمية، كمحو النظام العنصري في جنوب أفريقيا، في حين فشلت الوسائل العسكرية كما في حالة القضية الفلسطينية ، فإن هناك تجارب أخرى تؤيد القول بأن الوسائل العسكرية أثبتت فعاليتها في حالات أخرى. لكن من المؤكد أن الوسائل العسكرية حتى في حالة فعاليتها، لم تفلح إلا في جلب الأطراف إلى مائدة المفاوضات.
    19- بخصوص الحكومات، فليس هناك ما يشير إلى أن الحكومات قد مدَّت بصرها إلى الأمام لمراجعة سياسة قانون الغاب. بل إن رجلاً كهنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي اللامع الأسبق، لم يتردد في تذكير الرسميين الأمريكيين بأن هذا الهجوم يجب أن لا يصرفهم عن المضي قدماً في إقامة منظومة الدفاع الصاروخي، وساق لهم مثلاً بأن المرء يجب أن لا يرفض المناعة من الشلل لأنها لا توفر له مناعة من الأنفلونزا.
    20- بخصوص حَمْل الشعوب الغربية حكوماتها على احترام حقوق إنسان العالم الثالث، لابد من الإشارة إلى حركات الاحتجاج على النهج الذي تريد الدول القوية أن تتم به العولمة. فقد احتج المستبصرون من الغربيين على ذلك النهج في سياتل وفي إيطاليا وغير ذلك من البلدان التي انعقدت بها مؤتمرات للعولمة أو لمجموعة الكبار. بيد أن تلك الاحتجاجات ظلت عملاً موسمياً، كما لم تجد سبيلها بقوة لتكون موضوعاً من مواضيع السياسة الداخلية، والمعارك الانتخابية. وهي ما لم تدخل هذا الحيز، ستظل موضوعات بعيدة عن إحساس السياسيين وصناع القرار من الرأسماليين الكبار. مثل هذه الحركات هي المنتظرة لوقف الاتجاه الرامي لوضع ثروات الأرض في أيدي القلة.. وهي المنتظرة، فوق ذلك، لخلق حالة من الحب والسلام الحقيقي بين الشعوب، بها يصبح كل فرد في هذا الكوكب مواطناً عالمياَ يعيش في مجتمع كوكبي. أن هنالك الكثير مما يمكن أن يقال عن الظلم المرتكب في حق شعوب العالم الثالث. فشعوب العالم الثالث هي الآن ضحية النفايات النووية والكيماوية التي تدفن في أراضيها بغير علمها، وبعد رشوة حكامها الفاسدين في أكثر الأحوال. وشعوب العالم الثالث هي الآن ضحية نهب ثرواتها نهباً مقنناً وغير مقنن. ويمكن أن نلاحظ أن العالم المتقدم قد فتح أسواقه لناهبي الألماس والذهب وغيرهما من الثروات المهربة من العالم الثالث، تصلها بأبخس الأثمان.. كما فتح مصارفه لأرصدة أولئك اللصوص والحكام الفاسدين، تتكدس فيها بالمليارات دون أن يسألهم أحد عن مصدر تلك المليارات.. لكن حين أرتعب الغرب من تجارة المخدرات، سنَّ من قوانين مكافحة غسيل الأموال ما يوجب على المصارف التبليغ عن من يودع حفنة دولارات لا تزيد عن خمسة آلاف. والحق أن النهب من العالم الثالث قد تعدى الثروات الطبيعية، وشمل حتى الآثار؛ حتى لكأنما هم ينهبون ماضي الشعوب الضعيفة ومستقبلها، على السواء. إن كل ذلك يضع المواطن العادي في العالم الغربي أمام مسئولية تاريخية غير مسبوقة. فهو إما أن يلجم حكامه، ورأسمالييه، عن ما يرتكبون بحق الشعوب الضعيفة، وإما أن يعلم أنه بتقصيره عن ذلك، يفتح الباب على مصراعيه لفتن لا تصيبن الذين ظلموا خاصة.
    21- أما بخصوص الشعب الأمريكي، فقد أشرت إلى أن أطفال أمريكا قد طرحوا السؤال البسيط والعميق على الكبار. لا أدري ماذا كانت إجابة الكبار للصغار. كما لم أقف على انشغال للرسميين الأمريكيين بهذا السؤال الجوهري. والمرء قد يقبل القول بأنه ليس من الحكمة أن تعلن الحكومة الأمريكية الآن بأنها منشغلة بهذا السؤال، أو أنها ستراجع سياساتها التي ربما ساهمت في وقوع مثل هذه الواقعة، لأن ذلك قد يشعر المهووسين برضوخ خصمهم، وبجدوى أساليبهم، مما يغريهم بمواصلتها. بيد أن إحجام المهووسين والمجتمعات الإسلامية عن الاعتراف بنصيبهم من المسئولية، يجب أن لا يسوق الأمريكيين للإنصراف عن استقصاء نصيبهم من المسئولية، والاعتراف به. فأمريكا هي الطرف الأقوى بحسابات القوة العسكرية والاقتصادية والحضارية السائدة. ولذلك فهي يجب أن تسير أمام الضعفاء والصغار والمتأخرين نحو تحقيق القيمة، لا خلفهم، ولا معهم.
    22- قلت آنفاً (في الفقرة "10" أعلاه) أن بعض الزعماء والساسة التقليديين قد يسعى إلى صرف أنظار الشعوب عن الوجهة الصحيحة لعلاج هذه الأزمة. وأخشى أن يكون ذلك قد وقع بالفعل. فمثلما انصرف كثير من "رجال الدين" المسلمين إلى التعلل بانتهاكات أمريكا لحقوق بعض الشعوب العربية والإسلامية كمسوغ للعملية المؤسفة الأخيرة، يبدو أن هنالك وسط الساسة وقادة الرأي الأمريكيين المرموقين، من يسعى لصرف الأمريكيين عن الوجهة التي بها يتم الحل الجذري لحالة العنف التي تسود حياة المجتمعات والدول. فهاهو وزير الخارجية الأسبق، هنري كيسنجر، قد أطل على الشعب الأمريكي ليدفعه في الطريق الخاطئ. فقد حاول جاهداً أن يلقي في روع الشعب الأمريكي أن أمريكا إنما تواجه حرباً مع جزء من العالم يلجأ إلى الإرهاب، في إشارة واضحة إلى العالم الإسلامي. كما حاول أن يثير في الأمريكيين رغبة الثأر التي تلغي العقول، قائلاً لهم أن أمريكا يجب أن تنتصر، ومذكراً إياهم بالهجوم على قواتهم ببيرل هاربر خلال الحرب العالمية الثانية، وردهم عليه. أسمعوه ماذا قال في مقالته في صحيفة لوس أنجلوس تايم (حسب ما أوردته مترجما صحيفة الشرق الوسط بتاريخ 16/9/2001) :-
    (أما الوضع الحالي فيتطلب طريقة فهم ومعالجة جديدة. وقد حذَّر الرئيس جورج دبليو بوش، على نحو يتسم بالحكمة، من أن الهجمات على نيويورك وواشنطن بلغت مستوى إعلان حرب. وفي الحرب لا يكفي للمرء أن يعاني ويتحمل، بل من الضروري أن يحقق نصراً. فالهجمات على نيويورك وواشنطن تمثل تحدياً كبيراً للمجتمع المدني الأمريكي، وللأمن الأمريكي، يتجاوز الهجوم الغادر على بيرل هاربر، ذلك أن الهدف لم يكن القدرة العسكرية للولايات المتحدة، وإنما معنويات وطريقة حياة السكان المدنيين. فالضحايا الأبرياء من الرجال والنساء كانوا على نطاق فاق، بالتأكيد، الذين سقطوا في بيرل هاربر. وقبل كل شيء توفر الكارثة قناعة بأن بعض افتراضات العالم المعولم التي تؤكد قيم التوافق والانسجام والمزايا النسبية لا تنطبق على ذلك الجزء من العالم الذي يلجأ إلى الإرهاب. ويبدو أن ذلك الجزء مدفوع بالكراهية العميقة للقيم الغربية بحيث أن ممثليه مستعدون لمواجهة الموت وإنزال المعاناة الهائلة بالأبرياء، والتهديد بتدمير مجتمعاتنا لمصلحة ما يعبر عنه باعتباره "صدام الحضارات"). (الخطوط من وضعي)
    23- غير خاف بالطبع أن السيد كيسنجر، لاعتبارات تخصه، يحاول أن يصور المعركة باعتبارها معركة بين أمريكا والغرب من جهة، والعالم الإسلامي من جهة أخرى. وكذلك غير خاف أن السيد كيسنجر يحاول أن يرد الأمر إلى ما يسميه بكراهية المسلمين للقيم الغربية. فهل يريد أن يقول وزير الخارجية الأسبق أن الساحة الدولية يحكمها الحب والكراهية للقيم؟ ثم إذا كانت كراهية القيم الغربية هي التي تدفع إلى العنف والحرب، فلماذا كانت الحرب العالمية مثلاً؟ ألم تكن حرباً بين الدول الغربية فيما بينها بسبب صراعها على المصالح؟ ثم ألم يكن حادث تفجير أوكلاهوما الذي لا تزال أمريكا تكابد أحداثه بفعل مهووسين غربيين مسيحيين؟ إن المرء لا يكون قد اشتط إن قال للسيد كيسنجر أن قوله هذا لا يشرِّفه، ولا ينطلي على أحد. أعتقد أن الشعب الأمريكي ربما كان ينتظر من رجل كالسيد كيسنجر أن يلقي له ضوءاً ساطعاً على اسباب هذه الكارثة، لا أن يقدِّم له مثل هذه النصيحة المؤسفة. لقد حاول السيد كيسنجر جاهداً، بكل أسف، أن يصرف الشعب الأمريكي عن أي تعمق في أسباب المواجهة الدائرة أصلاً بين المتطرفين الإسلاميين وأمريكا، فحاول تصوير الأمر كله باعتباره معركة حربية فقط، لا تستوجب سوى الترتيبات العسكرية والاستخباراتية. وهو في بقية مقاله يبدو أكثر وضوحاً في هذا الشأن، حتى أن المرء ليحسبه عسكرياً متقاعداً، لا أكاديمياً مرموقاً، ودبلوماسياً عريقاً. أسمعه وهو يقول في مقاله المشار إليه:-
    (وهكذا فإن التحدي يتمثل في الكيفية التي يمكن بها تحويل الأهداف المشتركة إلى سياسة عملية. وبقدر تعلق الأمر بالولايات المتحدة لابد أن تكون هناك إعادة نظر أساسية شاملة في النهج والتنظيم الاستخباراتي. فإلى أي مدى شجع الاعتقاد بوجود فترة من الهدوء النسبي على التراخي النسبي بشأن التوقعات والإجراءات المضادة المحتملة؟ وإلى أي مدى لعبت المحدوديات في الوسائل والموارد دوراً؟ وهل هناك حاجة إلى تنظيم جديد للقيام بالإجراءات المضادة؟ ومن ناحية أخرى فإن الضربات الانتقامية للمصادر المعروفة لهذا الهجوم ضرورية. ولا يمكن لمراقب خارجي أن يقدم إسهاماً كبيراً لمثل هذا الجهد باستثناء الإشارة إلى أنه من المحتمل أن تؤدي أنصاف الإجراءات إلى ضرر أكثر من النفع. غير أن المهمة الأكثر شأناً تتمثل في التحرك إلى ما هو أبعد من الانتقام نحو اسئصال جذور الإرهاب. فالحرب التي أعلن الرئيس قرارها يجب أن تحقق النصر الحاسم، لا أن تدخل في طور الهجمات المتبادلة. ولهذا من الضروري التحرك إلى ما هو أبعد من النموذج القائم للانتقام والمقاضاة الجنائية، ونقل الصراع إلى مصدر المشكلة. ويتعين وضع المنظمات الإرهابية في موقف دفاعي، وتحطيم شبكاتها، وإنهاء مصادر تمويلها، وقبل كل شيء وضع قواعدها تحت ضغوط صارمة وحرمانها من الملاذات الآمنة ..). انتهى
    24- أعتقد أن مثل هذه الأصوات ستعلو، لتشتيت تركيز الشعب الأمريكي لكي لا يعرف الأسباب الحقيقية التي جعلته هدفاً لهجمات جماعات العنف المنظم، حتى لا يطالب حكوماته بمراجعة سياستها الخارجية والاقتصادية التي أوقرت صدور كثير من أبناء الشعوب ضد أمريكا. ووضعية السيد كيسنجر، كوزير سابق بارز ومرموق للخارجية الأمريكية ساهم بقسط وافر في وضع أسس هذه السياسة، ربما كانت لوحدها حافزاً كافياً له لمحاولة إلهاء الأمريكيين عن إعادة النظر في صحة هذه السياسة الخارجية، وفحص مدى مسئوليتها عن ما وقع مؤخراً. لكن من الخير للأمريكيين أن يراجعوا سياستهم الآن، ليجنبوا العالم أجمع الانجراف في دوامة العنف المستطير. ومن الخير لأمثال السيد كيسنجر أن يعرف الشعب الأمريكي الحقيقة الآن، ليصحح مساره. فذلك أفضل لهم من أن يكتشف الشعب الأمريكي الحقيقة لاحقاً بعد مزيد من الخوض في مستنقع الآلام الآسن هذا. فالشعب الأمريكي إن غفر لهم يومئذ رسمهم سياسة خارجية خاطئة في الماضي، لن يغفر لهم تضليلهم إياه اليوم، لمواصلة السير في تلك السياسة، التي لا تخدم المواطن الأمريكي البسيط في شيء، ولا تجر عليه إلا الويلات بما تدفع العالم أجمع إلى شفير الهاوية.
    25- قلت آنفاً أن هنالك خشية من بروز اتجاهات لاستغلال هذا الحدث لتحقيق مكاسب اقتصادية تحت غطاء كثيف من التضليل. وربما كانت التبدلات المفاجئة التي طرأت على العلاقة بين أمريكا والنظام السوداني هي أوضح مؤشر. فرغم أن أمريكا سبق أن وضعت السودان على قائمة الدول التي ترعى الإرهاب لأسباب منها رعاية النظام السوداني لأسامة بن لادن وغيره ممن يسمون "بالأفغان العرب"، ورغم أنها فرضت عليه مقاطعة اقتصادية منذ عام 1997، ورغم أنها تبنت خطوات مضادة له في إطار منظمات الأمم المتحدة، ورغم انها لاحقت النظام السوداني مراراً عن طريق مبعوثين خاصين لتقصي أوضاع حقوق الإنسان وغيرها وآخرهم عيَّـنته قبل أقل من شهر، ورغم أنها كانت قد أعدَّت مشروع قانون تدعم به المعارضة السودانية، ورغم أنها أبدت اهتماماً ملحوظاً في الماضي القريب بالأوضاع المأساوية في جنوب السودان، والتي راح ضحيتها حوالي مليونين من المواطنين وعانى آخرون أحط أنواع الإهانة، المتمثلة في الاسترقاق- رغم كل ذلك، إلا أن أمريكا وغيرها من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن مكَّنت النظام السوداني يوم الثامن والعشرين من سبتمبر الجاري من استصدار قرار من مجلس الأمن يلغي قرار المقاطعة الدبلوماسية الذي أصدره مجلس الأمن خلال عام 1996. ولقد سبقت قرار مجلس الأمن الأخير تقارير شتى تحدثت عن صفقة بين النظام السوداني وأمريكا. ولعل أهم ما في الصفقة بالنسبة إلى أمريكا (حسب تلك التقارير والشائعات)، هو موافقة الحكومة السودانية على إخراج الشركة الصينية من مائدة البترول السوداني، بصورة أو أخرى، لتحل محلها شركة أمريكية. بيد أن أكثر ما يدعو للأسى هو أن أمريكا، في إطار تقاسم المصالح هذا، تراجعت عن إجازة مشروع القانون الذي يدعم المعارضة السودانية الرامية لإنهاء الوضع غير الإنساني الذي فرضه النظام الحالي على المواطنين. كل هذا يشير إلى أن أمريكا قد تكون معنية في الأساس باستثمار الموقف المأساوي والإنساني، الناشيء عن واقعة تفجيرات نيويورك وواشنطن، لتحقيق مكاسب مادية للشركات الكبرى التي تحتكر صناعة القرار الأمريكي. ومما يدعو للأسى أيضاً أن أمريكا في الوقت الذي كانت تثير فيه دخاناً كثيفاً حول الرق الذي يمارسه النظام السوداني ضد المواطنين السودانيين في جنوب السودان، لم تكن تهدف إلا للضغط على النظام السوداني إعلامياً ودبلوماسياً لإضعاف موقفه التفاوضي لتتمكن من تحقيق كل المصالح التي تبتغيها في السودان. وحينها يمكنها أن تضع يدها على يد النظام الذي قهر شعبه، وجوَّعه، وأظمأه، واسترق بعضه، وترك الباقي فريسة للجهل، والمرض، والفاقة. وكانت هي نفسها تقول ذلك إلى يوم قريب. ومن عجب أن الإدارة الأمريكية حاولت أن تبرر وضع يدها على النظام السوداني بأن قالت أنه متعاون في محاربة الإرهاب. ألم تكن لإسامة بن لادن استثمارات بمئات الملايين في السودان إلى مابعد واقعة نيويورك. أليس من الممكن أن تكون ارباح هذه الاستثمارات هي التي مولت عملية نيويورك؟ أم يعلن النظام السوداني يوم قال أنه طرد بن لادن من السودان أنه قطع أي صلة له ببن لادن و بالإرهاب والإرهابيين؟ إن الصفقة التي تمت بين الإدارة الأمريكية والنظام السوداني تبين أن الإدارة الأمريكية مثلما تاجرت بقضية المواطنين السودانيين الذين يتعرضون للموت والاسترقاق، تاجرت أيضاً بضحايا واقعة التفجيرات الأخيرة.
    26- يلاحظ أيضاً أن أمريكا شرعت في منح بعض الدول، كباكستان، منحاً مادية تحت ما يسمى بقانون المساعدات الخارجية. وقد وصفت بعض قنوات الأخبار هذه المنح بأنها مكافأة لتلك الدول لمساندتها أمريكا في حملتها ضد الإرهاب. إن شاء الأمريكيون الحق، فهذه المنح والمساعدات ليست سوى رشاوى. فالدول يجب أن تحدد موقفها من الإرهاب على أساس مبدئي، وليس على أساس ما تجنيه من منفعة مادية، أو ما تجره على نفسها من عصا أمريكية غليظة. إن القانون الأمريكي الداخلي يعاقب على الرشوة. ولكن القانون الأمريكي الذي تتعامل به الدولة الأمريكية مع الدول الأخرى، لا يعاقب على الرشوة، بل يختار لها إسماً شيقاً وإنسانياً: "المساعدات الخارجية". إن هذا يعكس أن أمريكا لا تهتم بحقوق الإنسان، ولا كرامته، عندما تتعلق تلك الحقوق وتلك الكرامة بإنسان غير أمريكي. أليس على الأمريكيين أن ينتبهوا لهذا؟ بلى، وإن ما يصيب الأمريكيين من جماعات العنف، داخل وخارج أمريكا، إنما بسبب قعود المواطنين الأمريكيين العاديين عن مراقبة سياسات حكوماتهم الخارجية.
    27- لقد عرَّف الرئيس الأمريكي الأسبق أبراهام لنكولن الديموقراطية بأنها "حكم الشعب بواسطة الشعب، لمصلحة الشعب". وهذا هو التعريف الشائع للديموقراطية حتى اليوم. ومع أن الديموقراطية الأمريكية هي ديموقراطية أقوى دولة في العالم، ومن أفضل الديموقراطيات في العالم، إلا أنها متهمة من قبل بعض المواطنين الأمريكيين بأنها معيبة، لأنها ليست لصالح الشعب، وإنما لصالح الشركات الكبرى التي تأتي بممثليها لمراكز صناعة القرار. وخلال احتفالات اليوم الوطني في يوليو من العام الجاري، قامت جماعات ناشطة بتغيير العلم الأمريكي باستبدال النجوم التي ترمز للولايات بالعلامات التجارية الخاصة بالشركات الكبرى التي تحتكر صناعة القرار الأمريكي. إن هذا الاتجاه فيه بريق أمل بإصلاح الديموقراطية الأمريكية. وهو اتجاه يجب أن تعمل هذه الواقعة على تقويته. فهذه الواقعة أكدت أن عيب الديموقراطية الأمريكية يقع فوق رؤوس المواطنين الأمريكيين البسطاء. إن العصر الحاضر هو عصر رجل الشارع العادي، وامرأة الشارع العادية. ولذلك، إن هم لم ينهضوا لمراقبة حكامهم فيما يعملون باسمهم، فإنهم سيدفعون ثمن أخطاء حكامهم. إن المواطن الصالح في الوقت الحاضر هو المواطن الذي يراقب ويحاسب حكومته. وإذا فشل المواطنون في النهوض إلى ذلك المستوى، فإن الله سيسوق لهم من الأحداث المريرة ، ما ينبههم، ويعينهم على النضج، ليكونوا في ذلك المستوى. وأعتقد أته يحسن بالشعب الأمريكي أن يفهم حادثة التفجيرات الأخيرة في هذا المستوى، فيرتفع بديموقراطيته عتبة جديدة في سلَّم كمالها.
    28- إن على أمريكا أن تعيد النظر في مساندتها غير المشروطة لإسرائيل، ولو اقتضى ذلك تعديل أي اتفاقيات ثنائية بينهما. إن مساندة أمريكا لإسرائيل خلال الحرب الباردة يمكن أن تكون مفهومة ومبررة. لكن كان يجب على أمريكا أن تضبط سياستها بعد نهاية الحرب الباردة، لاسيما وأن كثير من الدول العربية ظلت تربطها بأمريكا علاقات وطيدة، ولديها معها مصالح مشتركة. كما أن الفلسطينيين قد ارتضوا باولايات المتحدة وسيطاً للسلام، وذلك يكفي لحمل أمريكا على لعب دور وسيط نزيه. لقد تابعت قبل شهور قلائل رفض اسرائيل لجنة تحقيق دولية لتحقق في اسباب انفجار العنف بين الفلسطينيين والإسرائيليين بصورة أوقفت مفاوضات السلام، وإصرارها على لجنة تحقيق أمريكية. كما تابعت رفض اسرائيل لمراقبين دوليين للسلام، وإصرارها على مراقبين أمريكيين. وقد قام في بالي في الحالتين أن أحداً لم ينل من الدبلوماسية الأمريكية ومن الشرف المهني الأمريكي مثل ما نال ذلك الموقف الإسرائيلي. فإسرائيل بذلك، لم تطعن في شرف اللجان الدولية التي تمثل المجتمع الدولي، وإنما طعنت في شرف الأمريكيين. ومن أعجب الأمر، أن أمريكا لم تحتج (على الأقل علناً) على هذا الموقف الإسرائيلي الصارخ. إن مساندة أمريكا غير المحدودة لإسرائيل قد ساقها لإخضاع الأنظمة العربية الموالية لها حتى أصبح شائعاً عن الدول العربية أنها لا تستطيع أن تعقد لقاء قمة لمدارسة مشكلة الشرق الأوسط إلا بعد أن تحصل على ضوء أخضر من أمريكا. هذا الخضوع المذل قد بلغ من السوء حداً ساق به مواطنين عرب خليجيين إلى التمرد والتطرف، رغم أن الخليجيين اشتهروا عموماً بهدوء البال، وهدوء الطبع. ويبدو أن هذا الخنوع الطويل قد ساعد على إنجاب أجيال من المتطرفين، بها استحقت الأنظمة الإسلامية التي كانت إلى وقت قريب تسمى بالأنظمة الرجعية أو المتخلفة، تسمية لطيفة : الأنظمة المعتدلة. إن المرء ليخشى أن يكون التطرف الذي ولَّدته هذه الظروف الخاطئة كالنار تحت الرماد، لم يرى الناس منه حتى الآن إلا بعض الشرر.
    29- وبنفس القدر فإن على الفلسطينيين أن يسيروا قدماً بما أسموه ثورة الحجارة. إن على الفلسطينيين أن يلاحظوا أنهم لم يحققوا أي مكسب، ولا أي تعاطف دولي ذي شأن، بالثورة المسلحة. ولكنهم حققوا مكاسب جمة، وتعاطفاً دولياً واسعاً، بثورة الحجارة. كما عليهم أن يلاحظوا أن شعب جنوب أفريقيا حقق مقاصده كلها بالمقاومة السلمية التي نفذها على نحو تصح تسميته بالثورة الراقصة. إن تحول الفلسطينيين من الثورة المسلحة إلى ثورة الحجارة قد كان خطوة جبارة. ولكنهم بقوا مع حجارتهم فترة طويلة، بل هم كادوا أن ينقلبوا عنها إلى البندقية مرة أخرى. إن من الأفضل للفلسطينيين أن ينتقلوا من ثورة الحجارة إلى المقاومة السلمية. فإن هم فعلوا ذلك، وكانت مطالبهم عادلة، ظفروا بتعاطف العالم أجمع، ومساندة العالم أجمع، ولن تقوى إسرائيل يومئذ على الوقوف في وجه مطالبهم وحقوقهم.
    30- إن اسم "الإرهاب" اسم غير موفق. فمن الخير أن تعرف جماعات الهوس التي ترتكب العنف أنها لا تسترهب الآخرين. إن تسمية الإرهاب تغري المهووسين بمواصلة عنفهم، لأن التسمية توحي بأن الآخريف يهابونهم. إنهم بحاجة لأن يعلموا أن الآخرين لا يهابون العنف ولا الموت. وهذا يتطلب جهداً من الناس، به يكونون على ثقة مما عندهم.
    31- إن هذه الواقعة، بوسائلها غير المسبوقة، وبعدد ضحاياها الهائل، تؤكد أنه حتى أساليب السلم وطرق العيش الحديثة- دع عنك أسلحة الحرب الحديثة- قادرة على إحداث دمار هائل، يفوق قدرة أسلحة الدمار التي كانت متوفرة في يد البشرية قبل عقود قلائل. فالحياة الحديثة، بتركيزها الناس في المدن بمعدلات تتصاعد باستمرار، وبوسائل ووسائط خدماتها العديدة التي أصبح لا غنى عنها والتي يمكن تحويلها بيسر إلى وسائل خطرة، أصبحت توفر أهدافاً سهلة لعمليات تخريب وتقتيل واسعة.
    32- ماذا يعني هذا؟ هذا يعني أنه ليس بمقدور البشرية الاستمرار في طريق تغليب المصالح، وصراع القوى، والعنف، والحرب. هذا يعني أنَّ على البشرية منذ اليوم أن تقلع عن نهجها الحالي الذي يؤسس العلائق الدولية على قانون الغاب، حيث القوة هي الحق، لتؤسس علائقها على قانون الإنسانية، حيث الحق هو القوة. هذا يعني أن على البشرية أن تطور أساس العلاقات الدولية من الصراع، إلى التعاون، ومن الحرب الإعلامية، والدبلوماسية، والاقتصادية، والعسكرية، إلى القانون الدولي العادل، الذي يكفل للقوي وللضعيف، على السواء، حقهما، فيغنيهما بذلك عن الحرب، وعن ما يسمى بالإرهاب، مثلما يغني حكم القانون الأفراد داخل كل دولة من اللجوء إلى العنف لحسم نزاعاتهم.
    33- الجميع الآن يقولون أن العالم أصبح قرية صغيرة، بسبب تطور وسائل النقل ووسائل الإتصال الحديثة، التي قطعت شوطاً بعيداً في إلغاء الزمان والمكان. ومع ذلك، فلا يزال الفكر الاجتماعي، والسياسي، على نطاق العالم، متخلفاً تخلفاً مزرياً عن مقتضيات هذه البيئة الكوكبية الجديدة. وإنما يجب أن نستبصر، جميعاً، من هذه الحادثة المؤسفة، فنرى هذا الخُلْف الكبير بين التقدم التكنولوجي من ناحية، والفكر الاجتماعي والسياسي من ناحية أخرى. كما علينا أن نستبصر من هذه الحادثة المؤسفة، فنرى أن البيئة القديمة إذا احتملت الحرب، فإن البيئة الكوكبية الجديدة لا تحتمل الحرب. كما علينا أن نستبصر من هذه الحادثة المؤسفة، فنرى أنه لا يمكن الاحتراز من عمليات العنف، والدمار. فها هي أمريكا، رغم كل المنعة، ورغم كل الاحتياطات الأمنية، قد أُتِيَتْ من حيث لم تحتسب. من كان يظن أن وسيلة سلمية هي أرقى وسائل التنقل والتواصل الإنساني في الأرض يمكن أن تحوَّل بسرعة إلى أداة تدميرية بهذه القسوة؟ ومن قال أن مسلسل العنف هذا إذا اتصل ستكون وسائله المستقبلية هي أيضاً الطائرات المدنية؟ إن العقل البشري لن تستعصي عليه الوسائل. فمثلما استخدم بعضهم قارباً مطاطياً رياضياً لينال من المدمرة الأمريكية العملاقة في ميناء عدن قبل شهور، ومثلما استخدم هؤلاء الطائرات المدنية في هذه الحادثة المؤسفة، يمكن أن يستخم آخرون وسائل لم تخطر على البال. ومن ثم، فإن الإجراءات والضوابط الأمنية التي فرضتها سلطات الطيران المدني في أكثر من أجزاء العالم بعد هذه الحادثة، والتي بلغت حداً جعل من العسير على الرجال المسافرين أخذ شفرات الحلاقة، بل جعل من غير الممكن للنساء المسافرات أخذ بعض أدوات الزينة، هي إجراءات وضوابط، رغم أهميتها، لا قيمة لها في الاحتراز مما يمكن أن تتفتق عنه عقول المهووسين، وجماعات العنف من وسائل جديدة. إن الأجهزة الأمنية والاستخباراتية مهما كانت قوية ومؤهلة، ستظل في غالب أحوالها تسير خلف جماعات الهوس والعنف والجريمة، التي أصبحت تجدد وسائلها كل يوم جديد.
    34- إن هذا يعني أن خير طريقة لوقف العنف، هي تجفيف منابعة. ومع أن هذه العبارة صحيحة، إلا أنها قد تفهم على نحو قاصر، وخاطيء. وهي ربما كانت تقال الآن في الغرب عموماً، وفي أمريكا خصوصاً، ولا يراد منها إلا ضرب معسكرات جماعات معينة حددتها أجهزة الاستخبارات، وملاحقة أفراد سمتهم تلك الأجهزة، وربما تغيير أنظمة سياسية ترعى الإرهاب. هذه خطوات يجب أن تتم، ولكنها مع ذلك ليست كفيلة بتجفيف منابع الإرهاب، أو استئصاله كما يرد التعبير أحياناً. فهذه الخطوات قد تقضي على مهووسين ومرتكبي عنف محددين أنفقت أجهزة الاستخبارات أعواماً في رصدهم. لكن طالما بقيت الظروف الموضوعية التي تولد العنف والمهووسين قائمة، فستنشأ عناصر جديدة، تتخذ أساليب جديدة، وستحتاج أجهزة الاستخبارات إلى وقت طويل لحصرها، وتعقبها. فإذا رأينا أن العناصر المتهمة حالياً قد شرعت في التدرب على الحرب الكيمائية، ورأينا أن تصنيع وامتلاك الأسلحة الكيمائية والجرثومية لم يعد صعباً، لأدركنا ضرورة التحرك السريع لتجفيف منابع الإرهاب، بفكر ثاقب لا يقف عند حدود الجهود الاستخباراتية والعسكرية، كما نلمح في الساحة الدولية الآن. إن مما يؤلم المرء اليوم هو أنه بالرغم من أن المجتمع البشري اصبح مجتمعاً كوكبياً، إلا أن السياسيين في كل مكان لا يزالون يديرون الأمور بعقليات زعماء القبائل، وملوك المدن، ورؤساء الدول القومية. إن تصفية الإرهاب تحتاج إلى فكر سياسي جديد، وإلى خلق جديد، فهل نحن مستعدون؟
    .. .. .. .
    طه أبو قرجة
    أول أكتوبر 2001
                  

07-01-2008, 04:59 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    سلام علي طه ابوقرجة في الخالدين
    عبد الله عثمان/واشنطون
    [email protected]

    بسم الله الرحمن الرحيم
    انتقل الي الرحاب العليا صباح اليوم بالبحرين الأستاذ طه اسماعيل ابوقرجة المحامي- الا رحم الله الفقيد الذي كان مثالا للمثقف المتجرد الملتزم بقضايا شعبه ووطنه ودينه.
    نشأ الراحل المقيم في أسرة أنصارية عريقة هي أسرة الأمير أبوقرجة، ولكنه لم يركن للجاه الموروث فأخذ يتلمس الطرق البكر التي لم تطرق، شأنه شأن المفكرين الأحرار، فقادته نفسه التواقة الي منابع الفكر والحرية الي رحاب الأستاذ محمود محمد طه فأنخرط فيها غير مبال بكل ما قد يجره عليه ذلك الطريق، وقد أصبح كل همه هو ما قال عنه الأستاذ محمود محمد طه (غايتان شريفتان وقفنا ، نحن الجمهوريين ، حياتنا ، حرصا عليهما ، و صونا لهما ، وهما الإسلام و السودان .. فقدمنا الإسلام في المستوى العلمي الذي يظفر بحل مشكلات الحياة المعاصرة ، و سعينا لنرعى ما حفظ الله تعالى على هذا الشعب ، من كرايم الأخلاق ، و أصايل الطباع ، ما يجعله وعاء صالحا يحمل الإسلام إلي كافة البشرية المعاصرة ، التي لا مفازة لها ، و لا عزة ، إلا في هذا الدين العظيم ..).
    أضحي الأستاذ طه عاملا كل وقته للدعوة للأسس التي قامت عليها الفكرة الجمهورية وهي تتمحور أولا وأخيرا حول الإسلام والسودان ، كما جاء في لائحة الحزب الجمهوري في كتاب (أسس دستور السودان) وهي كما يلي
    أ) قيام حكومة سودانية جمهورية ديمقراطية حرة مع المحافظة عل السودان بكامل حدوده الجغرافية القائمة الآن.
    ب) الوحدة القومية
    ج) ترقية الفرد و العناية بشأن العامل و الفلاح .
    د) محاربة الجهل .
    هـ) الدعاية للسودان.
    و) توطيد العلاقات مع البلاد العربية و المجاورة
    ظل الفقيد يجوب أصقاع السودان داعيا ومبشرا بالثورة الثقافية التي مفتاحها (طريق محمد) كما بينه الأستاذ محمود في عديد مؤلفاته، وظل كذلك منافحا بقلمه وفكره ، ولعل الكثيرين يذكرون أنه كان أحد الفاعلين في بلورة رأي عام قوي بجامعة الخرطوم إبان سطوة تنظيم الإتجاه الإسلامي، فقد كا الأستاذ طه من أبرز مهندسي الإتحاد النسبي، وقد كان لمشاركته ومشاركة إخوانه الجمهوريين القدح المعلي في كسر هيبة الأخوان المسلمين وفضحهم أمام الطلاب.
    كان ذلك ولا يزال هو ديدن الأستاذ ولعل مقالته التي نشرت بمنبر سودانايل عن ضرورة خلق رأي عام سوداني في نقاشه لما سمي بحصر الكفاءات السودانية بالخارج لا تزال منشورة في هذا المنبر.
    شارك الفقيد بنشاط جم في هذا المنحي وقد كتب في الفترة الأخيرة عن "بيعة السقاي" وعن الأزمة في جنوب السودان وعن أحداث العراق وكان في كل أولئك ملتزما بخط المثقف الثوري الملتزم بقضايا شعبه ووطنه ودينه حتي توقف قلبه الكبير عن الخفقان ووري الثري بمملكة البحرين.
    الا رحم الله الأستاذ طه أبوقرجة بقدر ما أسدي لشعبه ووطنه ودينه، وجعل البركة في أهله ومحبيه ومعارفه، إنه أكرم مسئول وأسرع مجيب.



    http://www.sudaneseonline.com/sudanile8.html
    _________________
                  

07-04-2008, 04:10 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)




    اتفاق التراضي الوطني

    حواشٍ على متون

    د. أحمد إبراهيم أبوشوك
    [email protected]

    شَهِد شهر مايو 2008م حدثين سياسيين مهمين في تاريخ السودان المعاصر، كان لهما وقعٌ صاخبٌ على المشهد السياسي، حيث ارتبط أحدهما بالهجوم المسلح الذي شنته حركة العدل والمساواة على العاصمة القومية، أمدرمان، بُغية إرسال إشارة إلى حكومة الخرطوم لتعيد النظر في ترتيب أولويات الحوار السياسي بشأن أزمة دارفور، وتجلى الآخر في الاتفاق الذي أبرمه حزب الأمة القومي مع حزب المؤتمر الوطني تحت مظلة "التراضي الوطني"، تعللاً بتنقية المناخ السياسي من شوائب الشمولية، وإعداد الشارع السوداني لخوض غمار المعركة الانتخابية القادمة. ونودّ في هذه الحواشي أن نلقي ضوءاً ساطعاً على حيثيات "اتفاق التراضي الوطني" الذي جرت مراسيم توقيعه بمنـزل السيِّد الصادق المهدي بحي الملازمين في 20 مايو 2008م، ونصحب ذلك بمواقف الرأي والرأي الآخر من تلك الحيثيات، ثم نأتي ببعض الملاحظات التحليلية على متون أطروحة التراضي، والمواقف المثمنة لها والقادحة فيها، علنا بذلك نسهم في تقويم موقف الطرفين، واندياح دائرة الحوار البناء على موائد السياسة السودانية وصُحفها السيَّارة التي تضج من آلام مخاض عسير لميلاد نظام ديمقراطي محفوف بالمخاطر.



    حيثيات وثيقة التراضي الوطني

    تتبلور وثيقة التراضي الوطني في سبع قضايا رئيسة، تشمل الثوابت الوطنية والدينية والحكم الراشد، وبناء الثقة وتهيئة المناخ السياسي لإحداث تدافع ديمقراطي، وحل قضية دارفور في إطار قومي خالٍ من أي ارتباطات أجنبية، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة، وكفالة الحريات العامة وتعديل القوانين المعارضة للدستور الانتقالي لعام 2005م، والاعتراف باتفاقية السلام الشامل (نيفاشا) ومكاسبها للجنوب، ثم إخضاع بعض بنودها للنقاش وتحويلها إلى اتفاق قومي، وتثقيف الاتفاق بين الحزبين تثقيفاً قومياً يؤسس لقيام تراضي سوداني شامل. وضَّح السيِّد الصادق المهدي الظروف التي أفضت إلى التوقيع على وثيقة التراضي في خطاب جماهيري بمنطقة "ود النَيَّل" بولاية سنَّار، في 26 مايو 2008م، حيث قال: "إن حزبه تبنى محاولات كثيرة، وصارع بقوة إلى أن حصل على التجاوب الحالي"، لا بحثاً عن السُلطة، لكن سعياً إلى تراضٍ سوداني يسهم في تحديد مسارات الحكم وتقويم آلياته في السودان. (المصدر: الأحداث، 27 مايو 2007م). ويرى مناصرو التراضي في حزب الأمة أن الدعوة إلى "الجهاد المدني" قد حققت طرفاً من غاياتها المنشودة، علماً بأن الإنقاذ بدأت إقصائية، ثم اعترفت بالرأي الآخر، والآن انصاعت لمبدأ الحوار في نسق قومي يهدف إلى تحقيق الحرية، والديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان، وهذا يعنى ضمناً الاعتراف بفشل النظام الشمولي كمنهج للحكم. ويثمِّن السيِّد الصادق المهدي هذا الموقف بقوله: "فكرة الانتفاضة التي عملناها مع نظامي عبُّود والنميري في الظروف الراهنة ستدخل السودان في تعقيدات خطيرة جداً، فالقوات المسلحة ما عادت هي القوات المسلحة الوحيدة في الساحة، فهناك أكثر من مائة تشكيل عسكري، فإذا ما أدت الانتفاضة كما تفعل دائما لخلق إضراب عام وفراغ سياسي كانت تملؤه القوات المسلحة، صار واضحاً بالنسبة لنا أن خلق الفراغ ستملؤه عشرات القوى المسلحة ذات الأجندة الضيقة والتحالفات الأجنبية. ولا أظن أن هناك وطنياً يفوت عليه مضرَّة هذا. لهذا فأنا أعتقد أن أفضل طريقة للتغيير صارت هي الانتفاضة الانتخابية. ولدينا مصلحة في أن يتمَّ التغيير عبر الانتخابات" (حوار مع صباح أحمد، آخر لحظة، 31/5/2008م). ومن وقائع هذا الحوار وأدبيات المنابر الإعلامية الأخرى لحزب الأمة يبدو أن قضية "الانتفاضة الانتخابية" هي بيت القصيد الذي ارتكن إليه اتفاق التراضي والوطني حسب رؤية حزب الأمة القومي، ولا شك أن للمؤتمر الوطني أجندة أخرى في هذا السياق. وسأعود لقضية الانتفاضة الانتخابية في محور آخر، نسبقه بطرح سؤال المحوري عن الجديد في اتفاق التراضي الوطني، وموقف الرأي الآخر منه تثميناً وتجريحاً.




    ما الجديد في اتفاق التراضي الوطني؟

    طرح عدد من المادحين والقادحين في وثيقة التراضي الوطني هذا السؤال: ما الجديد في اتفاق التراضي الوطني؟ . فالأستاذ الدكتور الطيب زين العابدين يرى أن الاتفاق لم يأت بجديد في إطار الثوابت الوطنية التي تضمنها الدستور الانتقالي والاتفاقيات السابقة، بل أنه قدم بعض الحواشي وعرض مجموعة من المسائل الإجرائية، ويأتي في مقدمتها قضية الالتزام بقطعيات الشريعة واحترام العهود والمواثيق، وقومية الإعلام، والدعوة إلى تنفيذ توصيات هيئة الحسبة والمظالم، وتكوين لجنة لمراجعة أسماء الشوارع والمنشآت لتعميم الرمزية القومية، والتعاون بين حزب الأمة القومي والمؤتمر الوطني في تكوين بناء القطاعات الفئوية والطلابية والنقابية والمفوضيات.

    وينظر الدكتور عمر القراي إلى الجديد في اتفاق التراضي من منظور خلاف أيديولوجي قديم بين الإخوان الجمهوريين والسيِّد الصادق المهدي، حيث يصف الفقرات الواردة تحت الثوابت الدينية، التي تنادي بحرية العقيدة والضمير، والالتزام بقطعيات الشريعة، والتسامح في الاختلافات الاجتهادية بأنها منطلقات متناقضة مع ذاتها، "ولا يمكن أن تقوم في أي مجتمع في وقت واحد. وذلك لأن قطعيات الشريعة، لا يمكن أن توافق على حرية العقيدة. ولو كانت الشريعة الإسلامية توافق على أن يعتقد كل شخص ما يشاء، لما قام الجهاد، وأُحكِمَ السيف في رقاب المشركين حتى يسلموا، وفي رقاب أهل الكتاب حتى يعطوا الجزيّة عن يد وهم صاغرون." وبهذه الكيفية الأصولية يرى الدكتور القراي أن موضوع الثوابت الدينية عمل قادح في شرعية القيم السياسية التي أرستها اتفاقية السلام الشامل، ولا يقدم أنموذجاً للتراضي الوطني، "يشمل كل السودانيين مسلمين وغير مسلمين"، بل هو خطوة نحن ديمقراطية تعاقدية، "يمكن أن يتم فيها تزييف كل القيم الديمقراطية، باتفاق الأطراف على هذا التزييف. وإذا قدر للاتفاق أن يسير مداه، وتوحَّد الحزبان في الانتخابات، فإن مادة الدعاية الانتخابية، ستكون إعادة مسرحية الدستور الإسلامي، وستوظف المساجد، وتؤلف الفتاوى، بأنه لا يجوز للمسلم، أن يعطي صوته لغير المسلم، كدعاية ضد الحركة الشعبية (قراءة في اتفاق التراضي الوطني، سودانايل يونيو 2008م). وحاول القراي أيضاً أن يربط هذا الانحراف السياسي من وجهة نظره بانحراف مادي آخر يتمثل في تنفيذ توصيات هيئة الحسبة والمظالم، التي تهدف من وجهة نظره إلى "دفع تعويضات آل المهدي" التي باع من أجلها السيِّد الصادق مبادئي الحزب." لا جدال أن الدكتور القراي له الحق في أن يختلف مع السيِّد الصادق المهدي أيديولوجياً، وأن يجرح في شرعية بنود اتفاق التراضي لأنها شأن عام، لكن تفسيره لتنفيذ توصيات هيئة الحسبة والمظالم بتعويضات آل المهدي فيه شطط، لأن الاتفاق لم يصرح بهذا الأمر. نعم أن الدكتور الطيب زين العابدين قد وصف بند الحسبة والمظالم بالغموض، واجتهد في شرحه بأنه "دعوة لإعادة المفصولين سياسياً"، وعلق السيِّد الصادق المهدي على هذا البند في إطار سؤال طرحته عليه الصحافية صباح أحمد بأن الدعوة إلى رفع المظالم تعني "إطلاق سراح المعتقلين، وإلغاء المصادرات، ورد حقوق المشردين من الخدمة النظامية والمدنية". ولا أدري من أين أتى الدكتور القراي بقضية تعويضات آل المهدي في هذا السياق العام، هل اجتهد في تفسير عبارة "إلغاء المصادرات وأضاف إليها تلك الحاشية؟ أم استنبط ذلك من وقائع الحوار الذي دار خلف الكواليس بين طرفي الاتفاق، ولم تحمله إلينا بنود الاتفاق نصّاً؟ القضية محل نظر!

    ويأتي موقف حركة القوى الجديدة الديمقراطية (حق) متسقاً مع موقف الدكتور عمر القراي وأكثر تشدداً، لأن "حق" تنظر إلى قضية الثوابت الدينية وقطعيات الشريعة بأنها أداة لنسف الدعوة بقومية الاتفاق ووطنيته، وأنها خطوة "لقيام دولة دينية لا يمكن لها على الإطلاق أن تكون دولة ديمقراطية، بل لا يمكن لها أن تكون إلا طغياناً منفلتاً، ودكتاتورية شمولية إقصائية حتى النخاع، وشراً مطلقاً حتى النهاية، لأن الذين يقيمونها لا يحسبون أنفسهم بشراً، وإنما تجسيداً للإرادة الإلهية. إن الاتفاق ما هو إلا محاولة بائسة لإعادة الحياة للمشروع الحضاري الساقط، والذي تخلى عنه حتى أهله ذاتهم." وبذلك يخلص نشطاء حق إلى أن الاتفاق يهدف في المقام الأول إلى إلغاء نيفاشا، لأن السيِّد الصادق المهدي من وجهة نظرهم ينظر إلى نيفاشا بأنها "مؤامرة إقصائية" ضد القوى السياسية الفاعلة في الشأن السودان، وينسجم هذا المسعى من وجهة نظرهم مع رغبة المؤتمر الوطني في التحلل من التزاماته الناشئة عن نيفاشا واستحقاقاتها. وفي ظل هذا التراضي الثنائي وبُعده القومي المزعوم يستطيع الطرفان إلغاء مواثيق نيفاشا، والعودة إلى أدبيات السودان القديم وإرثها السياسي الذي تجاوزه الزمن (سودانيزأولاين، 26/5/2008).



    موقف نشطاء حزب الأمة من التراضي الوطني

    يبدو أن موقف نشطاء حزب الأمة منقسم حول توقيع هذا الاتفاق، فيوجد معسكر المؤيدين الذين ينطلقون من فرضيَّة مفادها أن الحوار مع الآخر هو نهج الحزب الثابت، وأن القرار السياسي يتغير حسب تَغيرُ الظروف السياسية المحيطة بالواقع المعيش، وأن اتفاق التراضي جاء في ظروف تغيير سياسي، تتجسد في انتقال حكومة الإنقاذ من مربع الإقصاء إلى مربع سماع الرأي الآخر، ثم أخيراً إلى مربع الحوار البنَّاء الذي يهدف إلى تحقيق ثلة من الثوابت التي نضال حزب الأمة القومي وجاهد من أجلها جهاداً مدنياً في الثمانية عشر عاماً الماضية، ومن الشخصيات البارزة في هذا المعسكر الدكتور عبد النبي علي أحمد، والدكتور إبراهيم الأمين، واللواء معاش فضل الله برمة ناصر، والأستاذة رباح الصادق. ويقف في المعسكر المعارض مجموعة من النشطاء، الذين ليست لديهم معرفة تامة ببواطن الأمور، وبما يدور خلف كواليس الحزب، فهم يصفون اتفاق التراضي بأنه قفزة في الظلام، تمت دون علم قواعد الحزب، وأنه يصب في وعاء تمديد عمر حكومة الإنقاذ، ولا يقدم إطاراً قومياً يجُبَ ما جاء في الاتفاقيات السابقة، بل يظل ثنائياً في طرحه، وأم الأثافي أنه يطعن في رصيد الحزب القائم الجهاد المدني والمسلح منذ أن بزغ فجر الإنقاذ، وزد على ذلك أنه اتفاق مُهِّر مع جهة ليست محل ثقة، "وقد أثبتت تقلبات الأيام وحال السياسة السودانية أن المؤتمر الوطني لم يف بوعد واحد قطعه مع الآخرين، أو ينفذ اتفاقاً أبرمه لحل مشكل البلد"، ويسخرون من حيثيات التراضي الوطني والمؤيدين لها، ويصفونهم بقولهم: "تبررون"، أي تبررون لما لا يمكن تبريره (لنا مهدي عبد الله، تبررون، سودانايل، 30/5/2008م). ويقف في هذا المعسكر الصحافية لنا مهدي عبد الله، والأستاذ أبو هريرة زين العابدين، والأستاذ خالد عويس. إلا أن الأستاذة رباح الصادق تصف أنصار هذا المعسكر بقولها: "واختلط لدى قواعده [أي الحزب] الوهم بالحقيقة، خاصة وهناك أفواه أدخلت شفاهها، بعضها في الداخل وبعضها الخارج، وبعضها عن جهل، وبعضها عن غرض تستغل تأخر أو محدودية حركة الجهات المسؤولة داخل الحزب لتنوير الأعضاء، وهذا باب كبير للبلبلة ندعو الله أن يتداركه الأحباب." (صحيفة أجراس الحرية، يونيو 2008م). ونلحظ أيضاً أن هناك خلط في أذهان بعض المعارضين عندما يثمنون الاتفاق من الناحية التكتيكية، ويقدحون في شرعيته من الناحية الاستراتيجية، علماً بأن التكتيك يجب أن يكون تمهيداً لترسيخ القيم الاستراتيجية، وأن الخطأ الناشئ فيه يترتب عليه خطأ في الاستراتيجية نفسها، لذا فعليهم أما أن يؤيدوا الاتفاق ويمضوا في ركب الأولين، أما أن يرفضوه جملة وتفصيلاً، ويسجلوا بذلك موقفاً معارضاً للاتفاق، دون أن يؤثروا خيار "مسك العصا من الوسط".



    هل التراضي الوطني سفينة نوح أم التايتنك؟

    كما يرى الصحافي ضياء الدين الدين بلال إن السيِّد الصادق المهدي مُبدع في اختيار العبارات والتشبيهات التي تختزل المواقف في قوالب مختصرة وجاذبة، والتي تعكس أيضاً مهاراته اللغوية في اختيار الألفاظ المناسبة وإنزالها على مقاماتها المطلوبة، وإجراء الاشتقاقات اللفظية المثيرة للإعجاب والجدل في آن واحد. ولا شك أن هذه الاشتقاقات والعبارات الرمزية الجاذبة جعلت مواقف السيِّد الصادق السياسية بموجبها وسالبها منحوتةً في مخلية العقل السوداني، ونذكر منها اصطلاح "يهتدون" عندما خرج من السودان وناصب نظام الإنقاذ العداء، و"تفلحون" عندما عاد من مهجره السياسي وآثر الحوار مع الإنقاذ ورموزها في الداخل، وقوله بعد اتفاق جيبوتي عام 1999م "ذهبنا لاصطياد أرنب واصطدنا فيلاً". وبعد توقيع اتفاق التراضي الوطني خرج أمام الأنصار على الساحة السياسية بعبارة الشهيرة التي تشبه الاتفاق بـ "سفينة نوح"، وبهذه الرمزية المختزلة وإيحاءات سفينة نوح المثقلة مفهوم الأنا والآخر أثار السيِّد الصادق جدلاً كثيفاً حول الغايات التي ينشدها اتفاق التراضي الوطني، لأن الوصف حسب رأي الأستاذ ضياء الدين بلال فيه "احتكار للحقيقة المطلقة، لا يتوافق مع نسبيات الواقع السوداني الملتبس."

    ولا شك أن إيحاءات الأنا والآخر المتدثرة بعباءة الحق والباطل قد أفرزت تداعيات سالبة، واجتهادات متعددة، بعضها يصب في خانة التأييد للاتفاق، وبعضها يرفض حيثياته جملة وتفصيلاً. بدليل أن الأستاذ علي أحمد السيِّد، القيادي في الحزب الاتحادي الديمقراطي جناح الميرغني، يرى: "أن وصف الصادق لاتفاقه بأنه مشابه لسفينة نوح لا يدل على أثر مصالحة وطنية، لأن سفينة نوح كانت للمؤمنين في مقابل الرافضين لركوب السفينة، باعتبارهم كفاراً، وهي مقابلة لا تقود لمصالحة أو تراضي إطلاقاً" (الأحداث: 27/5/2008م). وفي ضوء هذه التوطئة يذهب الأستاذ علي أحمد السيِّد إلى القول بأن المصالحة الوطنية جهد يجب أن تقوم به حكومة الوحدة الوطنية مجتمعة، حسب ما هو منصوص عليه في اتفاقية السلام الشامل والدستور، وأن الانفراد الحزبي بمثل هذا الجهد يضعف هذا المسعى، ويخرجه من حيزه الوطني الرحب إلى إطار الثنائيات الضيق الذي لا يفي باستحقاقات الوطن والمواطن، والمواثيق التي تعاهد عليها طرفا نيفاشا.

    وتدفع أيضاً إيحاءات الأنا والآخر الأستاذ كمال الجزولي ليتساءل في ذكاء عن ابن نوح الذي آثر عصمة الجبل دون الصعود على متن السفينة الناجية، ويجيب الدكتور القراي عن تساؤله بقول: "إن موقف السيِّد الصادق المهدي، وقد خالف إجماع الشعب السوداني، بما فيه الشرفاء من أبناء حزب الأمة وكيان الأنصار، يشبه موقف ابن نوح، الذي خالف أباه والعقلاء من قومه، واتبع الغاوين فغمره الطوفان، وحين يقع الندم، ويدرك السيِّد الصادق الغرق، يلتمس له هذا الشعب المغفرة" (سودانايل، يونيو 2008م). وهنا تكمن إشكالية التشبيه، لأن الساخطين على حزب الأمة القومي حاولوا أن يفسروه حسب ما يتفق مع توجهاتهم الأيديولوجية، ويكرسوا بذلك للقيم الإقصائية في إطار مفهوم الأنا والآخر. لأن تشبيه السيِّد الصادق المهدي بابن نوح يقلل أيضاً من فرص التواصل السياسي الايجابي بين القوى السياسية في السودان، ويضع العراقيل إمام أي تراضي وطني يمكن أن يتواضع عليه أهل السودان ليخرجوا البلاد والعباد من نفق الصراع السياسي المظلم.

    وفي مقابل تشاؤم الساخطين من التشبيه هناك تفاؤل في معسكر الراضين عن الاتفاق، ويمثل هؤلاء موقف الدكتور عبد الرحيم عمر محيي الدين، القيادي في المؤتمر الوطني، الذي يرى أن التراضي الوطني خطوة إيجابية تجاه "تصحيح أخطاء الماضي القاتلة" التي ارتكبها السيِّد الصادق المهدي "في محاربة الإسلاميين"، ويمضي ويقول "نحن أبناء الأنصار وأعضاء الحركة الإسلامية نضع أسلحتنا في كنانة الإمام، ونقول له الآن قد بدأت المسيرة التي سيسجلها لك التاريخ بمداد من نور في سجل الخالدين. إنها سفينة نوح التي سنسعى نحن في المؤتمر الوطني أن نوفر لها المراسي، والوقود، والزاد، وأن نزودها بالجدية والعزيمة، وعلى إخوتنا في قيادة المؤتمر أن يصدقوا هذه المرة مع حفيد المهدي قبل أن يدركهم الطوفان، وأن يترفعوا عن صغائر الدنيا، ومناصبها، ومغانمها من أجل سودان مسلم، وقوي، وموحد لا مجال فيه لمخالب القطط الأجنبية" (آخر لخطة، 5 يونيو 2008م).

    فلا غرو أن تفسير المتن بهذه الكيفية القادحة والمادحة دون الوقوف على حواشيه اللاحقة فيه إشكال رمزي جارح في مواقف الذين يقفون على ضفة النهر الأخرى، ويعتقدون أن اتفاق نيفاشا ومعارضة الإنقاذ سينجيانهما من الغرق، وفيه أيضاً تجسيد لجدلية التدافع بين الحق والباطل الذي تزخر به أدبيات التراث الإسلامي. إلا أن السيِّد الصادق نفسه يرى أن تفسير خصومه السياسيين فيه خطأ وإجحاف لفهم التشبيه المجازي، لأنهم فسروا عبارة "سفينة نوح" على طريقة "لا تقربوا الصلاة" دون إيراد علة السُكر القائم عليها الحكم، بذلك يرى أن مفهوم سفينة نوح المقصود به التراضي السوداني في جوهره العام، وليس اتفاق الأمة والوطني، لان الاتفاق محطة في الطريق إلى تلك الغاية المنشودة، وجزء من التراضي الوطني الشامل، وإذا لم يكن الأمر كذلك فلا داعي للدعوة إلى مؤتمر جامع (الشرق الأوسط، 5/6/2008م).

    ويندرج تحت هذه الحاشية موقف الدكتور إبراهيم الأمين الذي يرى أن السودان أمام خيارين لا ثالث لهما: أحدهما خيار توحيد القوى السياسية في السودان حول مشروع يشكل نموذجاً للدولة القومية، والممثلة لكل مكونات المجتمع السوداني، وهنا يأتي اصطلاح سفينة نوح والناجين من الغرق، والخيار الثاني هو خيار الغرق الذي يجعل السودان ساحة للصراعات الداخلية والاستقطاب الإقليمي والدولي (الأحداث: 25 مايو 2008م). إلا أن الدكتور إبراهيم الأمين لم يفصح صراحة عن ماهية المشروع القومي الذي ينشده والذي يمكن أن تتوحد حوله القوى السياسية. هل يعني اتفاق التراضي الوطني في إطاره الثنائي الناشد للقومية، أم يدعو أصحاب العقل الاستراتيجي في السودان إلى البحث عن مشروع آخر في الأفق؟ لست أدري!

    وفي نسق أكثر رحابةً من رؤية الدكتور إبراهيم الأمين ترى الأستاذة رباح الصادق أن "التراضي الوطني كفكرة مجردة (وليس الاتفاق بين الأمة والوطني) هو عصا موسى التي تلقف ما يأفكه الاستقطاب، وهو سفينة نوح التي تنقذ بلداننا من طوفان المواجهة والتمزق والدمار"، وسفينة نوح من وجهة نظرها هي "الروح الوطنية المخلصة التي تنتظم جميع الأحزاب"، وتتجاوز الأحزاب بها هنَّات الخصام السياسي إلى تشمير ساعد الجد لإنقاذ البلاد والعباد، دون تقسيم القوى السياسية إلى معسكر ناجين ومعسكر مُغرقين. وبهذه الكيفية تحاول الأستاذة رباح الصادق أن تأتي بحاشية مفيدة، تفرغ رمزية سفينة نوح من معناها التقليدي التقابلي، وتأتي باصطلاح تصالحي معاصر يتجسد في فكرة التراضي الوطني في معناها المطلق الذي لا يرتكن إلى إقصاء أحد، بل يسعى إلى وحدة الصف السياسي حول القضايا المصيرية، وبذلك يستطيع السودان أن يخطو إلى الأمام بعيداً عن أدبيات الشقاق والنفاق، وإيماءات معسكري الأنا والآخر المثقلة بجدلية الحق والباطل.



    هل التراضي الوطني خطوة نحو الانتخابات القادمة؟

    عرض مراسل صحيفة الشرق الأوسط الصحافي عيدروس عبد العزيز على السيِّد الصادق المهدي سؤالاً في هذا السياق مفاده أن "البعض يقول أن حزب الأمة يريد أن يمتطي جواد المؤتمر الوطني للاستفادة من إمكانياته لخوض الانتخابات، وأن المؤتمر الوطني يريد الاستفادة من جماهير الأمة في مواجهة تكتلات أخرى قد تطرأ؟" فرد عليه السيِّد الصادق المهدي بقوله: "لن نمتطي جوادهم ولن يمتطوا جوادنا، هناك جوادان، بدليل أننا نتحدث بلغتين في كثير من الموضوعات، مثل قضية العدل والمساواة وتشاد، ونحن حزبان مختلفان، وإن اتفقنا على أجندة واحدة."

    ويبدو أن ما جاء في الاتفاق حول قضية "التعاون بين الحزبين في بناء القطاعات الفئوية والطلابية والنقابية والمفوضيات"، قد أثار حفيظة التنظيمات السياسية المعارضة للتوجهات الإسلامية للحزبين، ودفعها لتقديم بعض الاجهادات التفسيرية الطاعنة في قومية التراضي الوطني، وعدم شرعيته كوعاء للتفاوض القومي الشامل. وترى حركة حق في الاتفاق تكريس لاصطفاف سياسي يقوم "على أيديولوجية الإسلام السياسي، ومفاهيم السودان القديم، وسيكون العمود الفقري لتحالف انتخابي مرتقب، ويدل على ذلك التوسع والاستطراد في تناول قانون الانتخابات ودعوة منسوبي الحزبين للتعاون" (سوانيزأولاين: 26/5/2008م).

    ويصف أحد ناشطي حزب الأمة في المهجر، الأستاذ أبو هريرة زين العابدين، قضية التعاون مع الحزب الوطني بأنها "الكارثة بعينها"، ولا يدري كيف سيحقق حزب الأمة هذا المسعى، هل بتشكل جهاز أمن يقوم بإجبار القطاعات الجماهيرية الرافضة للتعاون على الانصياع لتوجهات القيادة العليا في الحزب، أم يستورد الحزب جماهير جديدة لتقوم بالتطبيع الناعم مع المؤتمر الوطني الذي ذاقت جماهير الأمة العتيقة على يديه الأمرين. ومجمل قوله أن تنفيذ هذا البند دونه خرت القتاد. (سودانايل، يونيو 2008م).

    ويرى بعض الناشطين في معسكر المؤتمر الوطني خلاف ذلك، لأن التعاون بين الحزبين من وجهة نظرهم سيفسح المجال لتجاوز الخصومة السياسية بين الأنصار والحركة الإسلامية، تلك الخصومة غير المبررة، التي لا تستند إلى "أسس فكرية، وإنما تؤججها الغيرة والتنافس حول مناصب الدنيا. فكل واحد من طرفي الاتفاق يحتاج بشدة للآخر. فالمؤتمر الوطني قادم على انتخابات غير مضمونة النتائج، وعلى مستوى حزب الأمة فإن السيِّد الصادق لا زال يرقد على عسل نتائج 1986م، ويظن أن الولاء لا يزال ثابتاً له، وكأنه لم يستصحب نفور وابتعاد أقرب الناس إليه، أمثال مبارك، والصادق الهادي، ومسار، والزهاوي، ونجيب، وغيرهم من الزعامات والبيوتات، علاوة على اشتعال دارفور، وظهور قوى جديدة في غرب السودان لها طموحاتها وارتباطها المحلية والإقليمية والدولية". ومن هنا يأتي تصور الدكتور عبد الرحيم عمر بأن التراضي الوطني سيمكِّن الحزبين من مراجعة مشروع الإسلام الحضاري، وتنقيحه ليكون ترياقاً ضد أي مخطط يهدف إلى تفكيك السودان عبر زرع مخالب قط أمريكية بين جنابته، لذلك يسارع حفيد المهدي ليأخذ سيف الإمام بحقه، ويستعد لمنازلة المشاركين في المخطط الأمريكي الصهيوني." (عبد الرحيم عمر، آخر لحظة، 5/6/2008م).

    لا جدال أن مثل هذه الرؤية الحالمة بانصهار الحزبين تخلق تشوشاً لمشروع السيِّد الصادق المهدي، الذي يريد أن ينطلق به من ضيق الثنائية الحزبية إلى رحاب القومية الشامل، وذلك عندما تناقش مفردات التراضي الوطني في مؤتمر جامع، يعقد الأمل عليه ليكون مخرج صدق من الأزمة السياسية الراهنة. ولكن يبدو أن بعض أنصار المؤتمر الوطني يفكرون في إطار حزبي ضيق لا يسمح لهذا المشروع بأن تنداح دائرته لتشمل الجميع، بل لا يزالوا يفكرون في إطار سفينة نوح ومفهومها التقليدي القائم على أدبيات المعسكرين المتخاصمين، وبذلك تصبح حواشي أمام الأنصار وأنصاره المؤيدين لاتفاق التراضي الوطني محل شك في نظر الخصوم، الذين يقدحون في الشرعية الثنائية القائم عليها الاتفاق، وفي عُرف بعض ناشطي حزب الأمة القومي الذين يروون في التعاون السياسي مع حزب المؤتمر الوطني حشف وسوء كيل لجهاد حزبهم المرير ضد حكومة الإنقاذ ورموزها السياسيين.



    إشكالية الثنائية وجدلية الإجماع الوطني

    يصف السيِّد الصادق المهدي اتفاق التراضي بأنه خطوة تجاه الإجماع الوطني، يمكن أن "يهجم" الأمة والمؤتمر الوطني به على بقية القوى السياسية، ويحصلان على مباركتها. إلا أن الأستاذ كمال الجزولي يقف عند مصطلح "الهجوم" بهذا الاتفاق على القوى السياسيَّة الأخرى، ويهجم بطرح عشرين سؤالاً على السيِّد الصادق المهدي تصب في إطار القيمة والدلالة الحقيقتين لاتفاق التراضي. فلاشك أن مصطلح الهجوم مصطلح فريد، كما يرى الأستاذ الجزولي، ويبدو أن السيِّد الصادق استمده من تراث جده الإمام المهدي، الذي بيَّن في منشوراته التي بعثها إلى أهل السودان أن المهدية "هجمت" عليه، وبفعل هذا الهجوم يؤكد لهم أن فكرة المهدية كانت أمراً تكليفياً مرتبط بوحي الرسالة المحمدية، ولم تكن من بنات أفكاره كما يزعم "علماء السوء"، وهنا لا نود القول أن التراضي كان أمراً تكليفياً عال المقام، لكن يظل مصطلح الهجوم مصطلحاً فريداً في قاموس السياسة السودانية.

    وفي نفس الاتجاه الذي ذهب إليه الأستاذ الجزولي في إطار بعض الأسئلة القادحة في ماهية التراضي الثنائية التي لا تسمو إلى قامة الوطن الجامع، يصف الدكتور إبراهيم الكرسني الوثيقة بأنها "وثيقة لقيادات مأزومة" ولا يمكن تحويلها إلى إجماع وطني، لأنه لا يعقل "أن تعمل قوتين سياسيتين منفردتين لفترة ستة إلى سبعة أشهر متصلة، وبمعزل تام عن بقية القوى السياسية، لصياغة وثيقة سياسية بكل تفاصيلها، ومن ثم يعرضانها على تلك القوى في "مؤتمر جامع" لمناقشتها وإقرارها!! هل هنالك استغفال لبقية القوى السياسية أكثر من ذلك؟ بل هل هنالك استهبال لتلك القوى أكثر من هذا؟ ألا يقدم مثل هذا الموقف في حد ذاته تفسيراً موضوعياً لغياب تلك القوى عن هذا اللقاء" (التراضي الوطني: وثيقة لقيادات مأزومة، سودانايل، 21 مايو 2008م).

    ويصب في الاتجاه ذاته موقف حركة القوى الجديد الديمقراطية (حق)، التي تطرح حزمة من الأسئلة القادحة في قومية الاتفاق ووطنيته: "إذا كان الصادق المهدي صادقاً حقاً في الوصول لتراض وطني، فلماذا لم يطوَّر حواره مع حلفائه من الأحزاب للوصول لتصور متشرك أولاً، ثم الذهاب معاً لمفاوضة المؤتمر؟ أولم يكن ذلك أكثر قومية وثنائية؟ أو ليس هو ابسط ما يقتضيه المنطق السليم؟" (سودانيزأولاين، 26/5/2008).

    وفي بيان الحزب الشيوعي السوداني المؤرخ في 24 مايو 2008م وصفت سكرتارية اللجنة المركزية للحزب اتفاق التراضي الوطني بأنه في "جوهره اتفاق ثنائي بين حزبي الأمة القومي والمؤتمر الوطني"، وأنه لم يأت بجديد، بل يصب في وعاء الاتفاقيات الثنائية، ويبدو أن طرفيه يخططان لخطوة أبعد من ذلك، تشبه "التحالف الاستراتيجي" لخوض الانتخابات القادمة. وبهذه الكيفية يسقط الحزب الشيوعي السوداني قناع القومية عن الاتفاق، ويحصره في إطار الاتفاقيات الثنائية، ويصف خواتيمه بالتحالف الاستراتيجي الذي يتعارض في كلياته مع طرح الحزب الشيوعي السوداني.

    وتنصَّل أيضاً المؤتمر الشعبي عن مواقفه الداعمة للاتفاق، لأن حزب الأمة من وجهة نظره قد تعامل بسلبية مع الأحزاب السياسية عندما وقع وثيقة التراضي منفرداً دون استصحاب ملحوظات القوى السياسية الأخرى، وفي هذا السياق يقول الدكتور بشير آدم رحمة، الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي: "عندما دعانا الصادق لتقديم ملاحظاتنا ذهب إليه نقد، والترابي، وعلي محمود، وقدموا إليه ملاحظات مكتوبة حول مجمل الاتفاق، لكننا عندما طالعنا الوثيقة في صورتها النهائية لم نجد أي من ملحوظتنا أو ملحوظات الأحزاب الأخرى مدرجة في الوثيقة. وبهذه الكيفية تبرأ المؤتمر الشعبي من مباركته السابقة للاتفاق قبل وتوقيعه، بل ذهب أنصاره في اتجاه معاكس لأدبيات الاتفاق، لأنهم شرعوا في إجراء اتصالات سياسية مع القوى الأخرى، يحسبونها "أفضل حالاً من جهد الأمة والوطني، لأنه تشمل أحزاباً سياسية، شرقاً وغرباً وجنوباً، وشخصيات مجتمعية، وتكنوقراط، وغيرهم من أجل إضاءة نفق الوطن المظلم الآن" (عمار عوض، التراضي الوطني هل يبدأ بأزمة، الأحداث، 27 مايو 2008م). وسواء أثمرت هذه الاتصالات أم لم تثمر، فنجدها تقلل من شأن الاجتماع الوطني حول اتفاق التراضي، وتفسح المجال لمزيد من المناورات السياسية، التي لا تصب في صالح الإجماع القومي الذي ينشده حزب الأمة.

    ومن خلال هذه المواقف الناقدة لثنائية اتفاق التراضي الوطني يبدو أن إمكانية تحويله إلى اتفاق قومي شامل تتواضع عليه كل القوى السياسية ليس بالأمر السهل، لأن القوى السياسية الرافضة تعللت بعدم مشاركتها في صياغة الاتفاق، وعدم مباركتها لمراسيم توقيعه، فلا جدال أن مثل هذا الشعور بالتجاهل والتهميش يفضي إلى تقليص فرص التوافق السياسي حول وثيقة التراضي، بل أن بعض إيماءات الاتفاق القادحة في اتفاقية السلام الشامل (نيفاشا) تجعل الحركة الشعبية أكثر تتشككاً في نوايا شريكها في الحكم، وتتطير بأن الاتفاق موجَّه بشكل خاص ضدها وبشكل عام ضد الجنوب. فإذا ظل موقف الأحزاب السياسية بهذه الصورة القاتمة والرؤية الضبابية فإن اتفاق التراضي بين الأمة والمؤتمر الوطني سيسهم في إنتاج أزمة أخرى، ويفضي أيضاً إلى تعقيد المشهد السياسي أكثر مما كان عليه، بدلاً من أن يكون مخرجاً لحل الأزمات التي يعاني منها السودان. وعند هذا المنعطف يضحى موقف السيِّد الصادق المهدي موقفاً حرجاً، لا يحسد عليه بين المعارضين والمؤيدين، الذين فشلوا في أن يجتمعوا على كلمة سواء.






    خاتمـة

    تدور كل التحفظات التي أثارها المؤيدون والمعارضون لاتفاق التراضي الوطني حول مصداقية حكومة الإنقاذ في الوفاء بالوعود التي قطعتها مع حزب الأمة القومي وغيره من الأحزاب الأخرى، لأن الإنقاذ في عُرفهم حكومة قد أدمنت نقض العهود والمواثيق مع الآخرين، ومواقفها في هذا الشأن ليست مجرد حالة مزاجية طارئة يمكن تبديلها بالمواعظ السياسية والأخلاقية مهما كانت وجاهتها وأهميتها، بل هي مواقف تنطلق من نهجها الإقصائي المتجذِّر في تصورها الشمولي للأشياء، ونظرتها الحزبية المرتبطة بأدبيات "التمكين والتمتين"، علماً بأن وجودها في السُلطة قد تدثر بامتيازات كثيرة لا يمكن التنـزال عنها بسهولة. وهنا مربط الفرس، الذي تخشاه الأحزاب السياسية التي طرحت على حزب الأمة حزمةً من الأسئلة المرتبطة بضمانات تنفيذ اتفاق التراضي الوطني، وطبيعة القيد الزمني المرتبط بإجراءات التنفيذ، وتفعيل الاتفاق على صعيد الواقع. وأما الفريق الآخر من المعارضين فيتوجس أن يكون التراضي الوطني مدعاة لقيام تحالف استراتيجي بين الأمة والوطني، يصب في خانة المشروع الحضاري الإسلامي، الذي يمكِّن لأدبيات "السودان القديم" حسب زعمهم، ويسحب البساط من تحت قيم "السودان الجديد" التي أرستها اتفاقية السلام الشامل (نيفاشا)، وبذلك يجمعون على أن مثل هذه الخطوة ستكون خصماً على فاتورة الوحدة الوطنية، والديمقراطية التي ينتظر أن تكون خطوة تجاه تأسيس نظام حكم يتواضع عليه الناس جميعاً.

    لا جدال أن هذه المواقف تضع حزب الأمة في موضع حرج لا يغار عليه، وتطرح أسئلة محورية تحتاج إلى إجابات شافية. هل سيواصل حزب الأمة في تنفيذ اتفاقه الثنائي مع حزب المؤتمر الحاكم إذا لم يتحقق الاجتماع الوطني المرجو؟ وإذا آثر المواصلة، هل سيحتج الحزب بأن الاتفاق سيبقى، لأنه حلقة مهمة لتضييق الخناق على الشموليين في الحزب الحاكم؟ وهل بموجب ذلك يسهم الحزب في إنجاز عملية انتقال السودان من ضيق الشمولية إلى رحاب الديمقراطية وفق منظومة "الانتفاضة الانتخابية" التي يدعو إليها السيِّد الصادق المهدي؟ فالإجابات عن هذه الأسئلة شأن يهم حزب الأمة وقيادته السياسية، وأن الأيام كفيلة بالإفصاح عنها، لكن إذا لم يتحقق لحزب الأمة الإجماع الوطني الذي ينشده حول التراضي الوطني، ولم يف المؤتمر الوطني بتنفيذ بنود الاتفاق كما يروق لجماهير الأنصار وحزب الأمة، فهل سيركز السيِّد الصادق المهدي جهوده في تفاعيل "الانتفاضة الانتخابية"؟ والتفعيل يعني الاهتمام بالبُعد الساكن للعملية الانتخابية، والقائم على تشكيل المفوضية القومية للانتخابات، تشكيلاً يبعدها عن تأثير الأجهزة التنفيذية ويضمن حياديتها، ويوطِّن لها أيضاً في إطار قانوني انتخابي ورقابة محايدة، تكون غايتهما تحقيق الحرية والنـزاهة المنشودتين لإحداث التحول الديمقراطي الذي يحلم به أهل السودان. ومن ثم يجب على الأحزاب السياسية أن تتحرك بحكمة وعقلانية من منعرج التركيز على نقد سلبيات التراضي الوطني تجاه إنجاز أولويات المرحلة المقبلة، والمتمثلة في حل أزمة دارفور، وتنفيذ استحقاقات الاتفاقيات المبرمة، وتفعيل آليات "الانتفاضة الانتخابية".


    تم النشر بصحيفة الأحداث وسودانايل ومنابر أخرى
                  

07-04-2008, 10:33 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)




    المرأة بين الشريعة التقدمية والحداثة الرجعية (2-2)
    د. عبد الله علي إبراهيم [email protected]

    هذا هو الجزء الثاني من الفصل الثالث من كتابي "الشريعة والحداثة" الصادر عن دار الأمين بالقاهرة في يناير الماضي. والكتاب قائم علي فرضية أن الإستعمار الأنجليزي حال بين الشريعة والخوض في ابتلاء الحداثة التي جاء بها على فوهات المدافع . فقد بلغنا الاستعمار الإنجليزي بعد طول مكث في الهند كان قرر خلالها أن الشريعة الإسلامية وكافة أعراف النحل الهندية قاصرة عن التحديث أو مصادمة له. وبناء عليه يريد البحث أن يحدس بما كان سيقع لنـا من قانون في الســودان لو وثق الاســتعمار بأن الشــريعة أهـل للحــداثة بما انطوت عليه من إرث قانوني صالح ، ولو أنه اطمأن إلى أن بعض تشريعاتها المثيرة لاعتراض المحدثين مما ربما تكفلت الشريعة نفسها ، سماحة منها ، بتعطيلها أو تأويلها من خلال خطابها وجدلها الخاصين. وقلنا أنه لو لقيت الشريعة هذا المضمار الطليق نسبيًا للاجتهاد في خاصة قومها وشرعهم ، تَبْتلى الحداثة وتُبْتَلى بها، لما انتهت إلى هذا التقليد القانوني الخلافي الذي نراه اليوم يصطرع حوله أهل الحداثة والتقليد وغيرهما اصطراعًا مخلاً.

    وتناولنا في الجزء الأول من الفصل كيف عالج القضاة الشرعيون، الذين هم نتاج الحداثة الإستعمارية، جانبين من شرعهما فيهما صدام مبين لمقتضي الحداثة وهما الرق وبيت الطاعة. وقد قلنا أن القضاة المذكورين حققا في هذه المعالجة إصلاحاً مناسباً برغم إستضعافهم في بئية قضائية قصرت الشريعة علي الأحوال الشخصية وأخضعت المحاكم الشرعية للمحاكم المدنية وفق شروط خدمة مسئية. وفي هذا الجزء الخير من الفصل نبين كيف ان الأنجليز فوجئوا بأن الشريعة أرحم بالنساء من العرف "القبلي" لما مالوا اليه وهجروا الشريعة خلال فترة مراهقتهم الإدارية لتمكين الإدارة الأهلية في آخر العشرينات وأوائل الثلاثينات. وأستخدمنا مفهوم "الخيبة أو الإستسلام الإستعماري" الذي جاء به الدكتور محمود محمداني لنصف كيف ارتد اللأنجليز عن حداثتهم وناصروا ذكور السودانيين حين مكنوا للعرف دون الشريعة. كما عرضنا لأوجه الإجتهاد الذكي الذي خاضه قضاة الشرع ليخلصوا الي قانون تقدمي للأحوال الشخصية اشادت به الدكتورة كارولين فلوهر-لوبان من موقع تقدمي في كتابها "القانون الأسلامي" الصادر في 1987 . كا اشادت به السيدة جيهان السادات حين سعت الي تحديث قانون الأحوال الشخصية في مصر. وسنري ان القضاة تخيروا حتي من فقه الشيعة ليقعوا علي العدالة والإنصاف. وقد تكلف هؤلاء القضاة هذه التقدمية في شروط مهنية غاية في التضييق من جهة الإنجليز وورثتهم السودانيين في القضائية المدنية.

    الأعراف الجائرة والشريعة السمحاء
    أتينا في الفصل الثاني من كتابن "الشريعة والحداثة" على قناعة الإنجليز أن العرف هو أدنى لحياة أهل القبائل السودانية من الشريعة . و هي قناعة تأذى منها المجتمع الريفي . فقد ترتب عليها نشوء حلف سياسي بين رجال البطراكية الأبوية العائلية السودانية ورجال الإدارية الإنجليزية . فتفويض الإنجليز للبطراكية الرجالية ، ممثلة في الإدارة الأهلية ومحاكمها ، النظر في قضايا النساء ضد ذكور البطراكية ، كان بمثابة تنصل منهم عن النساء اللائي زعموا أنهم ما جاءوا من أقاصى الأرض إلا لتحريرهن ، ضمن طوائف أخرى ، من استبداد الرجل الشرقي . وقد سبق الحديث لنا عن هذا الحلف حين عرضنا لجرجرة الإنجليز أرجلهم دون إنفاذ إلغاء الرق لخشيتهم غضبة هذه البطراكية إذا أوذيت فيما ملكت إيمانها . وهذا تنصل وصفه الدكتور محمود محمداني بأنه " استسلام استعماري " كف به المستعمرون يدهم عن إنجاز مهمتهم التهذيبية المعلنة . وقد احتاج الإنجليز لهذا الميثاق مع الرجال المستعمرين لأنهم كانوا خاضوا حربًا صعبة ضد نظام المهدية في السودان ، ولم تذعن لهم البلاد بعد مما أخافهم من التورط في مشروعات حداثية غير مأمونة العواقب .

    بوضع نساء قبائل الريف تحت رحمة الأعراف يكون الإنجليز قد أخضعوهن لقانون أقل شفقة بهن من الشريعة . ومعلوم أن البطراكية ذات مروءة مشهودة في صون بيضات خدرها ، النساء ، بمظاهرتهن على الأزواج والقيام بأمرهن وأطفالهن متى تقاعس الزوج أو هجر . غير أن هذه البطراكية لن تأذن لهن بحسم خلافاتهن الأسرية ، سواء مع بطراكياتهن أو بطراكية الزوج ، خارج منطوق العوائد التي راكمتها وتمتلك وحدها حق تفسيرها . والعادة والشريعة كثيرًا ما افترقتا بشأن حقوق النساء وغالبًا ما كانت الشريعة هي القانون الذكي المنصف للمرأة . فالمرأة محرومة من الإرث ، الذي هو حق لها في الشريعة ، بين جماعات مسلمة كثيرة في السودان باعتبار أنها تستظل بضمان البطراكية الاجتماعي . فإذا أردت المرأة هذا الضمان كفت عن طلب الإرث تحمله إلى زوج غير مأمون العواقب . وقد بلغت هذه العقيدة البطراكية مبلغًا شائعًا حتى أن أحد الرجال قد استغرب لحكم القاضي الشرعي بإرث لأخته قائلاً أن هذا ليس من الإسلام في شيء وإنما هو إسلام بدع جاءت به الخرطوم . وقد جرى تنبيه الإدارة البريطانية لجمال الشريعة وبؤس الأعراف حيال فقه المرأة منذ 1927 حين بدأ التفكير والإعداد للإدارة الأهلية . وقد جاءت مقالة للسيد محمد أحمد أبو رنات ، الرئيس الأسبق للقضاة ، بحشد من الأعراف القبلية التي تفارق الشرع وتفتئت على النساء . فبين الجماعات السودانية من تقسم الإرث بواسطة مجلس عائلي لا تُراعى فيه الأنصبة الشرعية الإسلامية المعروفة للأبناء والبنات .

    كانت المحكمة الشرعية رائدة في حفظ حقوق النساء من إفتئات البطراكية . ولم يتخلف عن هذه الريادة حتى أولئك العلماء الشرعيين المحليين الذين عينتهم الحكومة في المحاكم القبلية الأهلية تسويغًا لخطتها في التخلص من المحاكم الشرعية في الريف القبلي . و هي الخطة التي رأينا القضاة يناصبونها العداء لمنحها زعماء القبائل سلطة شرعية لم يتأهلوا لها . فقد ردت المحكمة الشرعية الإرث لإمرتين حرمتهما منه أعراف البطراكية في القضية المعروفة بورثة أحمد خضر نقد ضد ورثة نعيمة الخضر . كما حكم عالم شرعي عضو في محكمة للإدارة الأهلية ضد ممارسة لأهله لا تعترف للمرأة بحق في المال متى ما تزوجت وكان مالها مما يقتسمه أخوتها . وكانت النساء يحملن مظالمهن من العرف إلى المحاكم الشرعية أو إلى العلماء المحليين في المحاكم الشرعية . وقد حكم أحد هؤلاء العلماء ببطلان عادة حرمان المطلقة من ورثة زوجها متى مات ولم تكتمل عدتها . كما حكمت محكمة شرعية لامرأة استظلمت من عادة قبلية في المهور . فالزوجة في هذه الجماعة السودانية تعطى بعض البقر كجزء من مهرها . ولن تملك الزوجة هذه البقرات إلا إذا ولدت لبعلها . فإذا لم تلد ظلت تتمتع بلبن البقرات ووبرها من غير امتلاك لها . وتقدمت زوجة لم تلد لزوجها للمحكمة الشرعية تحتج على هذه العادة . ونظرت المحكمة في الأمر واستحسنت العادة بعد أن أبطلت اشتراط الولادة تمليك الزوجة ما هو حق لها .

    ولم تكن البطراكية في الريف وغير الريف لتأذن حتى بنفاذ بعض التشريعات التقدمية للمحكمة الشرعية . فقد قضى المنشور الشرعي رقم 54 لعام 1960 أن يتأكد المأذون من أن الفتاة التي جاء لعقد زوجها راضية عن هذه الترتيب . غير أن المأذون كان سيأتي إلى فضاء عقد الزواج الذي تسيطر عليه البطراكية . ولن يجد المأذون في نفسه الشجاعة ليسأل ذكور العائلة أن يلقى فتاتهم فيستوضحها جلية الأمر . وحتى على افتراض لقائه بها ، وهو أمر بعيد ، فإنه سيجد العروس غير راغبة في الإفصاح بذات خيارها لثقل فعل ذلك تحت سمع البطراكية الصماء وبصرها. ومع أننا لم نبلغ من تقدمية التشريع رقم 54 (1960) شيئًا مذكورًا إلا أن أثره التحرري في قول ،الدكتورة دينا شيخ الدين ، قد مس النساء حتى في القرى النائية . وأهم من ذلك كله أنه قد أخاف العائلة البطراكية من أن تستهتر برغائب نسائهن بحملهن حملاً إلى الزواج بمن لا رغبة لهن فيه . فالأب ورهطه ، في قول دينا عثمان شيخ الدين، سيعملون حسابهم جيدًا لتفادي حرج أن تشق عليهم فتاتهم عصا الطاعة بالظهور في محكمة تعترض على زواج رتبوه .

    كانت نساء الريف سباقات إلى اكتشاف عدل الشريعة وظلم العادة . فقد سعت إلى التماس عدل الشريعة نساء كثيرات قبل تقنين الإدارة البريطانية للإدارة الأهلية في العشرينات . وقد أحصى أبو رنات أن القاضي الشرعي بين المسيرية الحُمُر في كردفان نظر في 18% من النزاعات الأسرية في وقت باكر هو عام 1918 . وقد حملت النساء ظلامتهن حتى إلى المفتشين الإنجليز في أماكن لم تطأها بعد المحاكم الشرعية . وقد تخطين بذلك نظم أجاويد القبيلة والبطراكية المؤسسية وغير المؤسسية . فقد استغرب ريجنالد ديفز ، مفتش المركز البريطاني ذو الخبرات المميزة في الإدارة الأهلية التي صبها في كتاب عنوانه على ظهر جمل ، لدعوة أحد سادة القوم في قبيلته له أن ينظر في بعض النزاعات الأسرية بين أهله ونسائهم . وواضح من هذا أن النساء المتظلمات من عرف العشيرة قد أردن لنزاعتهن الأسرية أن تُنظر في غير محكمة العشيرة وعرفها . وأعترف هذا السيد في قومه للمستر ديفز أنه محتار في الذي التبس بنسائهم قائلاً : "تريد نساء هذه الأيام أن يتقدمن الرجال في المشي". وقد أخذت قوة عارضة هؤلاء النساء ديفز نفسه أخذًا فقال : " ليس على وجوه النساء اللاتي جئن للطلاق من أزواجهن مسحة من استذلال أو انخذال " .

    وكان صراع الشريعة والعادة مما أدركته النساء ونفذ إلى وعيهن بالعدل وألهم طلبهن له . وكاد حكمٌ في نزاع أسري ما أن يتسبب في تعكير صفو الأمن، لأن مفتش المركز قد أخذ برأي مجلس قبلي مهملا لحكم سبق أن صدر عن قاض شرعي في هذا الشأن الأسري . ولم تتأخر النساء عن نداء التقاضي أمام المحكمة الشرعية . فالإحصاءات أوضحت أن نصيب المحكمة الشرعية من القضايا الأسرية كان ضعفي نصيب المحكمة الأهلية . وقد حدث هذا حتى حين ضيقت الحكومة على المحاكم الشرعية فألغت بعضها وضيقت اختصاص الذي تبقى منها بين القبائل لتشجيع نمو المحاكم الأهلية وازدهارها. وقد أذهل هذا النشاط القضائي للمحكمة الشرعية الإنجليز عن الحق . فقد أقر إداري إنجليزي أن الحَمَر ، في كردفان ، يمانعون في أخذ قضاياهم إلى محاكمهم الأهلية . وراح يبرر " تمرد " الحَمَر على محكمتهم الأهلية بقول زائف مثل قوله أنه لا مشاحة أن الحمر يريدون لمحكمتهم الأهلية أن تنظر قضاياهم إلا أنهم لا يمكنهم مع ذلك إغفال وجود محكمة شرعية . وأضاف أن الحَمَر ربما لم يعرفوا أيضًا أن محكمتهم الأهلية مختصة في النظر في النزاعات العائلية . وهذا تزيين وعقلنة زائفة للأمر . فكيف حدث أن الحَمَر لم يعلموا أن محكمتهم الأهلية ذات اختصاص في النزاعات الأسرية في حين كان وجود هذا الاختصاص ، كإرث قبلي ، هو الذي روج له الإنجليز لكي يلغوا محاكم الشريعة من الريف حتى يردوه إلى أهله . لقد تفادى هذا الإداري الإنجليزي أن يحمل ملحوظته محملها المنطقي . وهو أن الحمر ونساءهم بخاصة هم خصوم أذكياء وسيختارون من بين المحاكم والقوانين تلك التي ستحكم لهم لا عليهم . فهؤلاء المتنازعون الأذكياء أحرص على النصر في القضية منهم على الحفاظ على تقاليد حمر المزعومة .

    لم يسمِ الرجال السودانيون القاضي الشرعي بـ " قاضي النسوان " اعتباطًا . فقد رأوا أن محكمته وشرعه أعدل بالنساء من أعراف العشيرة . وقد سمعنا بعضهم يصف المحكمة الشرعية بالخروج من الدين جملة واحدة ، أي الدين الذي يفارق الشرع ويواطيء أغراض البطراكية . وقد بلغ غضب هذه البطراكية على المحكمة الشرعية حدًا أن جماعة ما طردت أحد القضاة الشرعيين من بلدهم . وقد جاء خبر هذا العنف بحق قضاة الشرع في كتاب ترمنقهام المعنون الإسلام في السودان . والتفسير الذي ساد قبلاً في تفسير هذه الحادثة نظر إلى أطروحة ترمنقهام نفسه التي قالت بأن الذي يسود في ريف السودان هو الإسلام الشعبي الذي هو شيء غير الإسلام الأرثوذكسي ، أي الشرعاني ، الذي هو مدار المحاكم الشرعية . وهذا تفسير يرد عنف الرجال بحق القاضي الشرعي إلى الشذوذ الفكري للمحكمة الشرعية وقاضيها في أرض القبائل التي تعتنق الإسلام الشعبي . وسيبرز قصور هذا التفسير إذا بدأنا باعتبار مصالح البطراكية التي رأينا كيف أصابها الحرج مع نسائها ، اللائي خرجن من أطر ومقتضى الأعراف ، وسعين إلى العدل من المحكمة الشرعية . فقد تكبد القاضي الشرعي ما تكبد من عنف وإزراء لا لشذوذ ثقافي بل لأنه جاء إلى ساحة نزاع ثقافية واجتماعية بين البطراكية و " بروليتاريتها " من النساء وغير النساء . وكان من سوء حظ القاضي المزجور أنه جاء إليها بقانون التزم جانب هذه البروليتاريا .

    كيف جعلوا من حديث الحداثة حديث خرافة

    لم يكشف القضاة الشرعيون عن قدرة حسنة للاستجابة في أحكامهم للتغير الاجتماعي والأسري فحسب ، بل إنهم وظفوا بسخاء مصادر شرعية دقيقة في فقههم لامتلاك ناصية ذلك التغيير . فقد وظفوا آلة التخيير ، وهو اختيار القاضي للرأي الذي يناسب ظرفه وحكمه من جملة الآراء التي جاءت في الشأن نفسه في مختلف المذاهب الشرعية . وهذه طائفة من الأمثلة على ذلك . فقد أعطى المنشور الشرعي رقم 17 (1915) المرأة حق الطلاق أمام المحكمة . وكان هذا حدثًا لأنه ترخيص غير مسبوق في العالم الإسلامي . فبمقتضى هذا المنشور يمكن للزوجة طلب الطلاق من زوجها خشية منها أن تنزلق في الرزيلة متى ما هجرها زوجها لعام أو أكثر . ويمكن للزوجة أيضًا أن تطلب الطلاق للضرر الذي اقتصر أساسًا على الأذى الجسدي . وقد توسع الشارع في عام 1970 في فهم الأذى ليشمل المعنوي أيضًا . وكما هو متوقع فقد اشتجر الخلاف مجددًا بين المحكمة الشرعية والمدنية حول طبيعة الأدلة التي تقيم بها الزوجة حجة الضرر . ومن المفهوم ، في سياق ما عرفنا من تباغض المحكمتين ، أن ترفض المحكمة الشرعية طوائف الأدلة التي تثبت أمام المحكمة المدنية . غير أنهم عادوا للإقرار بشرعية تلك الأدلة ولكن بعد مضي نصف قرن بحاله . فصدر المنشور الشرعي رقم 59 (1973) الذي قضى بأن تأخذ المحكمة الشرعية بدليل المحكمة المدنية بشأن الضرر .

    وقد مالت السلطات الشرعية إلى الأخذ بالتخيير كلما غشيت المجتمع روح ليبرالية وأُذِن بإنصاف المرأة . فقد استقى المنشور الشرعي رقم 17 من المذهب المالكي - الذي عليه معظم أهل السودان- وليس من المذهب الحنفي الذي هو عقيدة الدولة ومحاكمها الشرعية . وعلى خلاف المذهب الحنفي ، فإن المذهب المالكي يأخذ في الحسبان سوء معاملة الزوجة كسبب للطلاق . وبالمثل فقد تخير القضاة الشرعيون رأى المالكية في مسألة حضانة الأطفال ورعايتهم . فالمالكية ، خلافًا للحنفية ، يأذنون للأم بحضانة أطفالها حتى يبلغ الولد سن البلوغ إلا إذا اقتضى حسن تنشئة الولد غير ذلك . كما تخير القضاة الشرعيون المذهب المالكي في نظرهم لمسألة الكفاءة ( و هي تناسب مقام الرجل والمرأة المقدمين على الزواج ) . ومرة أخرى فالمذهب المالكي ، خلافًا للمذهب الحنفي الرسمي ، لا يتطلب في الكفاءة المساوة في العنصر أو العرق والطبقة . وهو مطلب يستبعد الزواج إلا بين أهل المقام الواحد مما يكرس التراتب الاجتماعي والإثني ويخلده . في حين لا تشترط المالكية في الكفاءة إلا حسن إسلام العريس والعروس .

    وقد امتحنت بعض القضايا المستحدثة في عقد السبعينات المحكمة الشرعية في مسألة الكفاءة . فقد اشتكى شاب أسرة ما حرمته من الاقتران بابنتها لأن أصله في الرق . وكانت محكمة صغرى قد حكمت لصالح الأسرة ناظرة إلى آراء الحنفية التي هي قوام التشريع الرسمي للمحاكم . ولما نظرت المحكمة الشرعية العليا في القضية حكمت لصالح الشاب ناظرة إلى آراء المالكية الذين مذهبهم مذهب سائر السودانيين كما تقدم . وهذا حكم فذ اعتنى بالعصر أبلغ عناية ، واستصحب مرونة التشريع وفسحة المذاهب في هذه العناية بغير أن يرتج عليه أو يتخبط .

    أما في جهة الزواج فلم يجد القضاة حرجًا مع مذهبهم الحنفي الرسمي لسماحته في مسألة موافقة المرأة على زوجها . وهكذا وجد القضاة فيه سككًا سالكة استصبحوا فيها شريعتهم في زمان اشتدت فيه النزعة الديمقراطية في الأسرة بفضل نشر وتنامي المراكز الحضرية واشباهها . وفي شأن عقود الزواج بدأت المحكمة الشرعية بفقه الحنفية الذي يقضي بأن بوسع المرأة أن تعقد لزواجها بنفسها . غير أنها انتكست عن هذا المبدأ الحنفي الحق في عام 1933 في ظروف وملابسات غير واضحة لنا حتى الآن . واستبدلت المبدأ الحنفي بالرأي المالكي الذي يعطي ولي أمر الزوجة القول الفصل في عقد زواجها . غير أن المحاكم الشرعية عادت في 1960 إلى المبدأ الحنفي المهجور الذي أعطى المرأة حق الموافقة على زواجها ممن تقدم لها . وهذه العودة على بدء كانت محاولة مخلصة من المحكمة الشرعية للاستجابة لمطالب الحركة المرأة الجديدة بقيادة الاتحاد النسائي ذى النفوذ الواسع بإعطاء المرأة حق الموافقة أو غيرها لمن يتقدم لزواجها لوقف الزيجات المفروضة على النساء التي أدت إلى انتحار بنات لم يقبلن بما قبلت به أسرهن .

    لقد بذل القضاة الشرعيون قصارى رأيهم مستصحبين التخيير لملاقاة الحداثة والتكيف معها . وقادهم سخاؤهم - وهم من أهل السنة بمنزلة - إلى تبني رأي من فقه الشيعة عن الطلاق لطمأنة المرأة إلى حياتها مع الزوج وإسلامها . وقد جرى تضمين هذا الرأي الشيعي في المنشور 41 (1939) الذي قضى ألا يقبل القاضي الشرعي كسبب للطلاق حلفًا أو قسمًا تفوه به الزوج مثل قوله للآخر لو لم تفعل كذا لطلقت زوجتي . وهكذا أخلى هذا التشريع الرجال من سلطة وامتياز وهراء . كما نص نفس المنشور على بطلان الطلاق البائن إثر قول الزوج للمرأة أنها طالق ثلاثًا . واعتبرت المحكمة مثل هذا القول ، عددًا ، طلاقًا واحدًا . وهذا تفريغ آخر للرجال من سلطة في القول متبوعة بالفعل . وقد استصحب القضاة الشرعيون آلة التلفيق الشرعية أيضًا لملاقاة الحداثة وتوطينها إسلاميًا . والتلفيق هـو تكييف حكم ما بشأن أمر ما بالجمع بين مفردات أراء المدارس والفقهاء . وقد استخدم القضاء الشرعي هذه الآلة لاستحداث تشريعات منصفة للنساء في السودان .

    ومما يؤسف له في رأى فلوهر - لوبان ، أن الشريعة على سماحة منشوراتها وأحكامها الشرعية ، لقيت التغيير الاجتماعي مستجيبة لضواغطه متثاقلة نوعًا ما ولم تلقه مبادئه ، متنبئة به ، وسباقة إليه . وبمعنى آخر فإن التشريعات لم تصدر عن قضاة اعتقدوا في ابتلاء الحداثة واستبقوه راصدين مشمرين . واستعجبت دينا عثمان لماذا لم تصدر عن المحكمة الشرعية مبادرة مهنية غراء خالصة لله في إصلاح قوانين الأسرة مما جرها إلى مجرد التكييف الوقتي الثقيل على النفس مع مستحدثات التغيير الاجتماعي . وقد جاءت دينا شيخ الدين في تعليل تثاقل أهل الشرع بقول ثاقب . فقد قالت إن الذي حرم القضاة الشرعيين من هذه المبادرة هو أن طاقاتهم للإبداع قد استهلكها شعورهم بعدم الطمأنينة لشرعهم وحتى دينهم في ظل المستعمر الإنجليزي . كما لم يغير استقلال البلاد من ذلك شيئًا ذا خطر . فقد أهدر هؤلاء القضاة وقتًا ثمينًا في صراع لا يني طلبًا للمساواة بزملائهم القضاة المدنيين . وعليه فقد كانوا أما غير راغبين أو غير قادرين على الدعوة لإصلاح الشريعة حين لقوا الحداثة متواصين بحفظ بقية الدين لا بإنزاله بمقتضى الحادثات واستباقًا لها . وقد خلصت دينا بنباهة إلى أن إصلاح قوانين الأسرة رهين بخلق بيئة فكرية ومهنية مُثْلى تمكن القضاة من المبادرة بالإصلاح مستعينين بتجربتهم الفريدة الطويلة في قضايا الأسرة .

    ولم تتوفر للقضاة هذه البيئة لا في عهد الاستعمار ولا العهد الوطني . فبرغم ما قاله السكرتير القضائي عن القضاة في عام 1932 من أن القضاة جماعة راشدة ذكية من الرجال إذا أحسنا إليهم فإنه نادرًا ما حظي هؤلاء القضاة بهذه المعاملة . وقد رأينا كيف أنهم أسفروا في أمر الرق وبيت الطاعة عن واسع حيلة في أخذ الحادثات وشرعهم بقوة . و هي حيلة أهدرها الإنجليز الذين اختاروا في كل الأحوال أن يتطفلوا على ذلك الخطاب وأن يرتابوا في تلك الحيلة . ولم يمنع ذلك القضاة من إصدار تشريعات وأحكام أنصفت المرأة وكشفت عن مصادر باطنة للشريعة في الإحسان والعدل . وقد لقيت مساهمتهم هذه تقريظ فلوهر- لوبان التي قالت في استحسانها : " لم أكتشف خلال مباحثي عن قانون الأحوال الشخصية الشرعي الفكرَ المستنير والتقدمي الذي جاء به إلى الوجود فحسب، بل التطبيق الإنساني لذلك القانون في المحاكم التي زرتها " .

    والحق أنه لم تقم بين الطبقة الفقهية السودانية على هذا العهد والحداثة عازلات من أصل مهني أو تربوي تقطع طريق هذه الطبقة إلى التقدم . فلم يرث السودان طبقة علماء لها التمكين والقوة وضالعة في المحافظة . وقد خلا السودان من هذه الطبقة المستأصلة لأسباب . فقد نظمت الإدارة البريطانية حملة دقيقة ضد الإسلام الجهادي المهدوي ورموزه ووسائطه،فكسدت بذلك طبقة علماء المهدية . وفاقم من هذا بالطبع نكسة العلماء أنفسهم وخيبتهم في المهدية التي أساءت إلى جمعهم . ولذا كان من تبقى من العلماء بعد غزو الإنجليز للسودان قد أعيته التجربة الإسلامية المهدية أعياءًا وأراد بعده التوفر على حياة هادئة من العلم والتعلم والانقطاع للعبادة . وقد وجد هذا المزاج الإصلاحي فيهم مضمار ممارسة وإشباع في محاكم الشرع وقسم القضاة الشرعيين بكلية غردون والمعهد العلمي .

    ولم توقر الإدارة الاستعمارية ميل هؤلاء العلماء للهدأة السياسية . فقد استقطبت الحكومة نفرًا صالحًا منهم في هيئة المشائخ الدينية التي تأسست في 1904 وفي أعقاب غزو السودان. ومن المحزن أن الإنجليز لم يحسنوا إلى هذه الفئة التي قبلت بهم لا حبًا فيهم وإنما رضوخًا للنازلات . ونصح الشيخ بابكر بدرى الإنجليز ألا يطمعوا في حب السودانيين من جهة عدل حكومة الاستعمار لأن السودانيين فضلوهم لتعقلهم في تدبير الحكم واستباب الأمن وهو الذي قصرت المهدية عن فعله . وقال لهم إنهم متى طلبوا الميزة لعدلهم فالأولى بهم أن يتركوا البلاد لأنه ليس بوسع مسلم أن يرهن العدل بغير الإسلام . وقد انحدرت هيئة المشائخ هذه بسمعتها إلى الحد الذي وصفها أهل الوطنية السودانية بـ " أعوان الاستعمار " لما رأوا أنه ما صدر من جمعهم إلا ما يسوغ للإنجليز إرادتهم السياسية من جهة الشرع . وهذه عاهة أصل في الاستعمار و هي أنه عاجز عن التعامل مع جماعة وطنية باحترام وكفاءة وندية . فما تهيأ لجماعة سياسية لها عزيمة ورؤية أن بوسعها التحالف مع الاستعمار بقبول ورضى لصالح مشترك حتى تجد الاستعمار قد أحال هذه الجماعة إلى رسم مجرد وزجها في ضلالاته السياسية كلها . ولم تدم هذه الهيئة فقد عطلتها الإدارة الاستعمارية على عجل حين سنح لها أن تستميل مشائخ الدنيا والدين في الحضر والأرياف في العشرينات وما بعدها . وبقيت الهيئة تلعب دور " قس بري " في قول مدير المخابرات . ولم يرحمهم هذا المدير الجاحد بقوله إننا لم نرد لهم أصلاً أن يلعبوا دورًا أميز من دور أولئك القسس .( وقس بري انجليزي غير مذهبه وقناعاته غير مرة وكيفها لتتوافق مع كل ملك جديد يعلو العرش. فتارة هو بروتستانتي وتارة أخرى كاثوليكي وهكذا).

    لم يكن قضاة الشريعة في السودان منبتي الصلة عن وارد الحداثة . فهم من خريجي كلية غردون الذين أُشربوا فيها المعاني المحدثة من موقع الشوكة حتى قبل هؤلاء القضاة أن يرفعوا كل منشور شرعي صادر منهم ليجيزه السكرتير القضائي للحاكم العام كما اقتضى القانون الساري . فقد علموا علم اليقين أن الإنجليز هم أولو الأمر والتعقيب حتى بشأن الشريعة التي تنازلت عن حقولها جميعًا واقتصرت على مسائل الأسرة المسلمة . وسبق لنا القول في الفصل السابق أن لورد كرومر ، مندوب بريطانيا السامي في مصر قد وجه الإداريين الإنجليز في السودان ألا يحملوا كلمته للأعيان السودانيين ، عام غزو السودان 1898 ، بحقهم في ممارسة دينهم بحرية محمل تقييد أيدي إدارتهم من التدخل في أمر الرق . وقد كان كرومر يعتقد أن أيام الشريعة معدودة على كل حال .

    ولم يكن القضاة ولا محاكمهم بمنأى عن الحداثة فهما متورطان فيها ومبتلايان بها . كان القضاة الشرعيون من خريجي كلية غردون ، إذا تحرينا الدقة ، ثمرة من ثمرات الحداثة . وقد زينت لهم خدمتهم بالحكومة ، والمشي في مناكب سلطاتها وسلطانها ، والأكل من شعاب رواتبها ومخصصاتها ، طيب حياة الحداثة . وسنجد في سير هؤلاء القضاة ما يشي بأنهم الهجين الثقافي الذي يعتقد المنظرون المحدثون للإمبريالية أنه يتولد عن الاستعمار . فيروى عن الشيخ مصطفي المراغي ، قاضي قضاة السودان فيما بين 1908 - 1915 أنه كان ضالعًا في الحياة الحديثة يأكل بالشوكة والسكين . وقد نقل تلاميذه في الكلية عنه تعلقه بذيول الحداثة فكانوا يلعبون البولو والتنس وكرة القدم . وكانت في هؤلاء القضاة معابثة برقائق الحداثة . فقد تأثر إداري بريطاني بلطف قاض شرعي ما حين بعث له بتحية في مناسبة عيد الميلاد حملت تحايا سانتا كلوز . كما أثنى ديفز على قاض آخر كان يعلمه العربية ويختار جياد الأغاني والأشعار في تدريسه لا نصوص القرآن والحديث .

    ونختم بالقول أن القضاة الشرعيين انتهوا إلى آبدة من عصور خلت عنوة واقتدارا بفضل حلف مكتوب وغير مكتوب قوامه الاستعمار والقضاة المدنيين والذكور المسلمين في السودان . وقد سبق الاستعمار إلى التنبيه إلى ضرورة الإحسان إليهم ولكن هيهات . فقد سأل السكرتير القضائي مستر جيلان ، مدير كردفان والخصم الأشد للمحاكم الشرعية ، أن يتلطف مع القضاة ، وأن لا يهشهم عن مسار الدولة الرئيسي مردفًا " أنه من غير المرغوب أن نجعل من قسمهم الشرعي قسمًا مفارقًا وناشزًا عن المشروع الكلي للحكومة " . وظل هذا الإقصاء الزائف المغرض عن المشروع الحداثي ، الحكومي ، سمة في حياة القضاة الشرعيين وشرطًا لها . فلم تحسن الحكومة الإنجليزية تأليفهم أو حتى مصانعتهم لخلق أعوان من بين أهل المستعمرة ييسرون لها أمر إدارة بلد هم عنه غرباء . وظل القضاة الشرعيون حتى إلى وقت قريب جدًا موضوع هزء مهني وسياسي . فقد ساء منصور خالد- كما مر- أن يراهم يدعون للدستور الإسلامي بعد ثورة 1964 ، وكره منهم هذا التطفل السياسي ، وقال يذكرهم بمنشئهم الإنجليزي في قانون الأحوال الشخصية للمسلمين كقضاة " أنكحة وميراث " لا سبب لهم في الخوض في أمهات الأمور مثل الدستور . وقد أضطر قاض شرعي في بور سودان عام 1977 إلى رفع شكوى ضد المرحوم الأستاذ محمود محمد طه لأنه قد وصفهم في إحدى ملصقات معرض لجماعته من الجمهوريين بأنهم " أذل من أن يؤتمنوا على الأحوال الشخصية لأنها أخص وأدق القوانين ، لارتباطها بحياة الأزواج والزوجات والأطفال ، في كلمة واحدة : العرض " . ووجدنا صدى لهذا الإزراء بعلماء الشرع في دهاليز الخلاف في دولة الإنقاذ بين الرئيس البشير والشيخ حسن الترابي . وكانت هيئة العلماء قد مالت إلى كفة البشير دون الترابي . وقد وصف السيد يسن عمر - الذي شايع الترابي - وصف هؤلاء العلماء ، عقابًا لهم على هنتهم السياسية هذه ، بأنهم قضاة أنكحة وميراث يقصرون بهما عن الحكم في أمهات أمر السياسة .

    وكانت المحكمة الشرعية ، التي اختصت بمسائل الأسرة المسلمة وصحبتها و هي تتجرع غصص الحداثة الاستعمارية ، أوثق معرفة بدخائل الحداثة من المحكمة المدنية . وقالت لي مولانا نجوى كمال فريد في هذا المعنى إن المحكمة المدنية تؤجر لك المنزل بعقد إيجار وثيق غير أنها لا تدخل البيت كما تفعل المحكمة الشرعية التي ترعى عقود سكون الناس إلى بعضهم البعض . وإنه من الغلو تصوير أمر المحاكم المدنية والشرعية كمعارضة بين الحداثة والتقدمية من جهة والتقليد والرجعية من جهة أخرى . فلم تكن المحاكم المدنية هي ملاذ النساء ولا ساحة إنصافهن في كل آنٍ وحين . فقد تجاهلت هذه المحاكم مطالب النساء في زيادة استقطاع النفقة من مرتب الآباء . والتزمت بلائحة الإجراءات المدنية لعام 1974 و 1983 التي لم تسمح باستقطاع أكثر من 25% من مرتب المستخدمين لأي غرض من الأغراض . واعترفت فاطمة أحمد إبراهيم ، زعيمة الاتحاد النسائي السوداني ، أن الحيلة قد أعيت الحركة النسـائية في تعـديل هذا القانون الوضعي كما لم تعيها و هي تطالب بتعديل في شريعة السماء . وقد وقف السيد بابكر عوض الله ، رئيس القضاء في الستينات ورئيس الوزراء ووزير العدل في نظام نميري الباكر ، ضد مطالب الاتحاد النسائي في زيادة النفقة المستقطعة من المستخدمين زيادة ينظر فيها القاضي إلى حال الأطفال وحاجتهم في كل حالة . وقالت فاطمة أنه قد تم الاتفاق على حل وسط أوقف الاستقطاع عند الـ 50% من المرتب . ولا أدري إن كان هذا القرار قد توطن في القانون أو قد جرى تنفيذه أبدًا . وكانت المحكمة الشرعية ،من الجهة الأخرى ، أحنى بشأن النفقة . فقد أعطت لائحة التنفيذات ، المستمدة من لائحة المحاكم الشرعية لعام 1967 ، القاضي الشرعي حق خصم نفقة الأطفال من المستخدمين بما يفوق ما تسمح به القوانين المالية السائدة مع حفظ الحق للمتضرر أن يستأنف للمحكمة الشرعية العليا . وكانت منظمة النساء التقدمية ، الاتحاد النسائي ، تدعو إلى مثل هذا الخصم . ولم أجد في أدبها مع ذلك تنويهًا بهذا الحليف المهجور .

    ولم تقف سعة قضاة الشرع للحداثة عند حد إصلاح تشريعهم في ظرف قاهر فحسب، بل قبلوا حتى بحتمية الاشتراكية واستعدوا لها بفقه الإسلام . وجاء هذا الاعتراف في مذكرة بعث بها قاضي القضاة ،مدثر الحجاز ، إلى لجنة الدستور في عام 1956 تستحثها أن تتبنى الدستور الإسلامي دستورًا للبلاد . وقد زين القاضي الأمر بحجج كثيرة ، من ذلك فتواه أن الإسلام لا يمانع في فوائد الأرباح لطغيان المال في النظام الاقتصادي الحديث . وقد استند في فتواه على التفريق بين أرباح عصرنا وبين الربا الجاهلي الذي حرمه الإسلام . ونبه اللجنة إلى سبق مصر في هذا المضمار حين قبلت بالفوائد متى كانت ملطفة مأذونة . وهنا المربط الاشتراكي لفرس القاضي . فقد قال إن قبولنا بالفائدة هو قبول بنازلة ينحني لها المسلمون حتى حلول الاشتراكية بين ظهرانينا . فحين ننتقل من الرأسمالية إلى الاشتراكية ، وهو يوم يراه القاضي قريب ولا محالة منه ، سيكون رأس المال بيد الدولة وليس الأفراد مما قد يبطل الحاجة إلى الفوائد . وبهذا يسلم المال من الربا كما أراد الإسلام تمامًا بتحريم الربا . وهذه لغة القاضي وليست ترجمة عنه .

    ولم يجد القسم الشرعي حرجًا في تعيين النساء به منذ بداية السبعينات حتى جاء إسلاميون محدثون على عهد دولتهم الراهنة فحالوا دون النساء والقضاء ومراتب أخرى في الدولة . وقد غلب إسلاميو أيامنا هذه اعتبارات الحكم على اعتبارات الشرع . وكان للمرحوم مولانا الشيخ الجزولي ، قاضي القضاة قبل دمج القضائية في 1972 ، ومولانا نجوى كمال فريد ، أول قاضية شرعية ، الفضل في هذا الحدث الجاسر . فقد تخرجت نجوى من مدرسة اليونتى ، التي هي في الغالب مدرسة للجاليات الأجنبية في الخرطوم ، وكانت مغرمة بعلم النفس . وفاتحت معلمها في الأمر فقال لها أنك لن تحصلي على هذا العلم في جامعة الخرطوم لأنها لم تأذن به بعد . ونصحها أن تلتحق بقسم الشريعة الذي علومه هي الأدنى لعلم النفس لاشتغالها بفقه الأسرة التي مدارها النفس . وفعلت . وكانت أول طالبة بقسم الشريعة الرجالي حتى أخمص رجليه . فطلابه كانوا وحدهم يلبسون الجلابية البلدية في قلعة الحداثة الاستعمارية . ولقيت نجوى من هزء جماعة القلعة المحدثة هذه صنوفًا كثيرة . فمن تشنيعهم عليها قولهم أن المولانات سيعينونها مأذونًا . وقالت إن تعيينها بالقسم الشرعي تم في أول إبريل من السنة فأذاع الهزاء أن ذلك كذبة أبريل . وكان مولانا الجزولي مدرسًا لها بالجامعة وعطف عليها وخصها بعنايته وزكى لها التعيين بقسمه الشرعي في القضائية عملاً بفقه الحنفية الذي يولي المرأة القضاء في غير الحدود والقصاص . ولم يأذن لها بمباشرة النظر في القضايا خشية من ردة الفعل على هذا الأمر الذي لا عهد للناس به من قبل . وأوكل لها البحث في فقه القضايا المعروضة والتوصية بشأنها . ثم توالى وفود البنات على قسم الشريعة والتعيين في القسم الشرعي . وتولين النظر في القضايا وأصبحت أسماؤهن تحت إعلانات المحاكم على الصحف مشهدًا يوميًا عاديًا . وربما كانت ملابسة تعيين النساء في القسم الشرعي هي ما يعنيه أولئك الذين يقولون أن الطعن في الشريعة كخصيم لدود للحداثة هو محض سوء ظن لم يصدق في الواقع متى تيسر للقضاة بيئة من حسن النية تصرفوا فيها بلا جبر . فقد جاءتهم نجوى من حيث لم يحتسبوا تريد أن تقرأ النفس البشرية على ضوء فقههم . ولم يأنس القضاة الرغبة في ضمها إليهم فحسب بل وجدوا في فقههم بابًا تدخل منه راضية مرضية . وكان الأمر من اليسر واللطف بحيث لم يدر بالخلد أن كانت هناك أبدًا واقعة نزال بين الحداثة والتقليد .
                  

07-04-2008, 10:35 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!! (Re: عبدالله عثمان)


    فقه العاصمة: حمام السجوف وعصافير الربي (2002)

    د. عبد الله علي إبراهيم
    [email protected]

    قال مغني الربوع الأمريكي:

    لقد جعلني هواك رجلاً وسيماً.

    وكثيراً ما هجس لي لماذا أصبحنا نحن السودانيين الشماليين علي هذا القبح في مسيرة عشقنا المعلن للجنوب. لماذا لم يدلف بنا هذا الهوي الي يسار يأخذ بشغاف قلوب غمار الناس من كل فج وطائفة وجنس يهدي الي الإلفة في الوطن. لأنه حتي شمالي الحركة الشعبية من اليساريين ومن لف لفهم، في مصطلح ضياء الدين البلال، لم يعلموا من مسألة الجنوب الا ما يسد رمقهم للفتنة بين الأقوام والتأليب وسفك الدماء. وقد تنصلوا عن هذا العلم حين جعلوا نسكهم ومحياهم للزعيم قرنق دون شاغل الجنوب نفسه الذي سبق ميلاد قرنق وسيبقي حتي يأذن الله. ولم يجعلنا التعلق بالجنوب مسلمين أقوياء تتسامي فيه عبادتنا فوق الهرج. ليس فينا بعد دستور مدينة المصطفي صلي الله عليه وسلم الذي منونا به حسماً للخلاف في البلد وقد طالت دولة الأسلاميين وتطاولت. وهو الدستور الذي نفذ الي دوحة أمنه الشاعر محمد المكي ابراهيم بقوله:

    مدينتك الهدي والنور

    وتسبيح الملائك في ذؤابات النخيل

    وفي الحصي المنثور

    مدينتك الحقيقة والسلام

    علي السجوف حمامة وعلي الربي عصفور

    مدينتك الحديقة أقرب الدنيا

    الي باب السماء وسقفها المعمور

    وبدلاً من أن ينثر لنا الاسلاميون حصي السلم أرونا عجبا. فقد تراخي اجتهادهم وقل تناصرهم وتفرقوا شيعاً تربط واحدتها للأخري تحول دونها وصفو الكوثر المحمدي في إلفة الشعوب والقبائل. فلما استثني قانون الشيخ حسن الترابي الجنائي لعام 1988 علي علاته الجنوب من حد الشريعة خرج له الاخوان المسلمون يعاتبونه بالسيوف. وهذا من قبيل عتاب الجمهوريين لشريعة الرئيس نميري التي سهت عن تضمين حد الرجم في 1983 . وقد رأينا سوءة أخري لحرب طوائف الاسلاميين حين انشقوا الي قصر ومنشية وكيف كادت المنشية للقصر بتوقيع ميثاق جنيف مع الحركة الشعبية دعت فيه الي عقد اجتماعي جديد في السودان "لايسمح بالتمييز بين المواطنين علي أساس الدين أو اللغة أو العرق او النوع أو الاقليم." وعلي بهاء العبارة فانها تنضح بمكر المعارضة للحكومة التي لم تبارحها المنشية الا بقليل قبل توقيع الميثاق. فلم تكن العبارة اجتهاداً في الاسلام وانما حرب به أو بأسمه. ولايستغرب والحال كذا أن لا نكسب بتعاطي أمر الجنوب معرفة أذكي به يصفو بها اسلامنا ويذكو. ولما لم يكن الأمر لله كان للسلطان والله غالب.

    وقد ارتعت لما استمعت اليه في العام الماضي من حوار مرموق للأستاذ عبد الحي يوسف يدعو الي فقه أهل الذمة آية وشكلة بما في ذلك فرض الجزية عليهم. وقلت له أن اول عهدي بدعوته هذه كان في منابر جامعة الخرطوم في الستينات والحركة الاسلامية غضة العود لم ترتكب بعد السياسة العملية التي ألانت قناتها هوناً ما. وقد رايت في دعوة عبدالحي الي الشباب، الذي تتشكل حساسيته الاسلامية منذ عقد واكثر من السنين في ردة الفعل علي ما يراه خطلاً في عقيدة وممارسات دولة الانقاذ الاسلامية، تجديداً للدين بالنكوص الي البراءة الأولي والنصوص البكر بدلاً من الأعتبار بفقه من سبقوهم من رهطهم الي ابتلاء مسألة التآخي في السودان. ومن قبيل هذا التشدد الغر في فقه اهل الجزية الفتوي التي ذاعت عند حلول عيد الفطر الماضي ونهي فيها علماء بذاتهم عن تهنئة المسيحيين بعيد الميلاد الذي كان وشيكاً. وهذه هي بعض الاقوال والمناهج التي باعدت بين الاسلاميين والوسامة بشأن الجنوب وهبطت بهم من مقام زعمهم انهم أهل حل وعقد لمسألة التآخي السوداني بسنة دولة المدينة الي خانة اصبحوا بها جزءاً أصيلاً في المشكلة. فلقد تقطعت أنفاسهم وازبدوا دون غرس مدينة مصطفوية أخري للهدي والنور.

    مما يؤرق جداً خلو طرف الدولة والأسلاميين من فقه وسيم للعاصمة في سياق المفاوضات المصيرية في ميشاكوس سوي الاصرار أن المدينة لن تحكم بغير الشريعة. وما أعرف جماعة سياسية استعدت لسياسة مبتكرة للمدينة، التي تغيرت ديموغرافيتها وتنوعت ثقافتها بليل، اذا جاز التعبير، مثل الحركة الاسلامية. فقد تعاقدت في منتصف الثمانينات مع الدكتور ت. عبده ملقم سيمون، الامريكي الافريقي المسلم واستاذ علم النفس لينصحها لوجه الله لبناء خطتها السياسية والدعوية حيال تفشي قري الكرتون في الخرطوم بجمهورها "الافريقي" الذي قلعته عن دياره الحروب والمجاعات والجفاف واللجوء. ولم تكمل الحركة جميلها الذكي هذا. فقد اشتكي سيمون أن قادة الحركة ضاقوا بصراحته وانتهوا، بدبلوماسية شمالية لطيفة، الي اهماله بغير جفاء أو غضاضة. واستفاد سيمون من السانحة كتاباً حسناً نشرته له دار جامعة شيكاغو للنشر عام 1994 اسمه: في أي صورة ركب: الاسلام السياسي وطرائق المدن. وقد نبه الكتاب الي التحدي الوجودي العقدي الذي تأتي به مدن العاصمة "الكرتونية" الهجينة الي ساحة السياسة والتشريع في السودان. وقد وصفها بأنها مواقع ل"الانبعاج" الثقافي تندلق الثقافات في بعضها البعض بدلاً من أن تأوي واحدتها الي الاخري تأتلف وتتناغم. ووصف سيمون هذه المدن، التي يبلغ سكان بعضها مثل النصر (مايو سابقاً) في امدرمان 750 الف نسمة، بأنها كرنفال للعلمانية. فالدعوة بالصفاء أو الثابت الثقافي من قبل أي طائفة من سكان هذه المدن الهجين هي مجرد دعوي قل أن تتجاوز الزعم الي ماهو أكثر من ذلك. وكنت التمست من الحركة الاسلامية أن تعيد النظر في جفائها لنصح سيمون وأن تكلف من يعرب كتابه تعريباً سائغاً ينتفع به كادر الاسلاميين الذي يلقون مسألة فقه العاصمة بغير علم.

    وكان اعجبني من الجهة الأخري اشتغال عالم وحركي اسلامي في مقام الدكتور حسن مكي بأمر هذه الهجنة. فقد رسم من احصائيات السكان لعام 1997 صورة لعاصمة لم تعد مدينة "عربية" كما كانت في 1956 بل "أفريقية". فقد كان عدد الجنوبيين بالمدينة 183 ألف نسمة في 1956 في حين تجاوز عددهم في 1997 المليون نسمة من جملة سكان المدينة الذين هم 3512000 نسمة. ومن حيث النسب المئوية فسكان العاصمة من ذوي الاصول في غرب السودان بلغت 35%، وبلغت نسبة الجنوبيين 30%، ونسبة الكردفانيين 10% بينما بلغت جماعات الجزيرة والوسط النيلي وماجاورها 25%. وسمي حسن مكي هذه الوفود "الافريقية" بالجمهرة المستضعفة التي إن لم تنعتق في معاشها ومعادها بالاسلام انعتقت بغيره من عقائد الدهرية والعرقية. وأمل حسن مكي أن يهدي المشروع الاسلامي هذه الجمهرة الي معاني الوطنية والآخاء والندية. غير انه صدره لم ينشرح بالجهد المبذول نحو هذه الغاية.

    وحين ضاع علي الاسلاميين خيط العلم بهجنة العاصمة اصبحت سياساتهم بشأنها خبط عشواء. وقد استثني المهندس بانقا، وزير الهندسة والاسكان السابق بولاية الخرطوم، الذي اشاد الخصوم برقة منهجه وعاطفيته علي مستضعفي المدن الهجينة قبل الاصدقاء. فقد جعل الاسلاميون من وفود الجنوبيين الذين اقتلعتهم الحرب الي العاصمة حجة علي فساد مايشاع عن جور دولة الانقاذ والشماليين واضطهادها للجنوبيين. وفي حجتهم هذه حق كثير. فقد قرأت مؤخراً كلمة مسوؤلة محايدة عما جري لمن لجأ من الجنوبيين الي مدن تحت سيطرة الحركة الشعبية وتوابعها. فقد أساء الدكتور مشار لجماعة من شعب الأدوك الذين لجأوا الي الناصر هرباً من أثيوبيا بعد سقوط نظام مقستو هايل مريام. كما غصب قرنق علي الجندية من عرفوا ب"اطفال التيه" من اليتامي الذين أغراهم بتلقي العلم في مدارس خاصة بالحركة.

    كان اول من نبه الي القيمة السياسية والآجتماعية لاطمئينان الجنوبيين المقتلعين لعاصمة الوطن ولياذهم بها هو المرحوم مبارك قسم الله حين رأي كيف تشوش الأسلاميون والعاصميون القدامي من هذا الوفود. وهو تشوش غلب عندهم احترازات الأمن لحماية العرض والمال. وقد حما مبارك من غرائز الخوف الأصنج هذا أنه كان من أهل الدعوة الي كنف الاسلام الوهيط ومن بناة مدنه المفتوحة الي "باب السماء وسقفها المعمور." ومع استخدامنا المفرط لحجة وفود الجنوبيين الي العاصمة لدحض أفتراءات عنا الا أننا لم نرتب علي ذلك وجداناً يتخطي الفرح بقدومهم الي تأمينهم بحسن الجوار وتوفير أسباب العدل والعيش الكريم لهم ماوسعنا. فقد كتبت مرة بعد مرة عن ثشوش العاصمة القديمة من العاصمة الجديدة متي ما بدر من افراد من الأخيرة ما أقلق المضاجع وأثار الخواطر. فسرعان ماننسي ميثاقنا مع العاصمة الجديدة التي نفاخر بقدومها الينا دون الآخرين ويركبنا هاجس "حزام الجنوبيين" ونغلظ ونتداعي الي أجهزة الأمن. وهكذا نفارق الوسامة لأننا هبطنا بثقة الجنوبيين فينا الي درك جعلها مجرد دليل إثبات للعالمين علي إنسايتنا.

    وبدا لي انه لا الاسلاميين ولاقادة الرأي استعدوا بفقه أو رأي في التشريع لعاصمة اطرد تفاقمها السكاني وتنوعت عقائد الناس فيها وتباينت توقعاتهم بشأن العدل فيها. فقد كانت اول ردة فعل لاتفاق مشاكوس من قبل هيئة علماء السودان هي الحاحهم علي الوجوب الشرعي لتطبيق الشريعة في العاصمة لأن أمر الشريعة امر دين وعقيدة للمسلمين. واعتصام العلماء بهذه العقيدة يضعف من قولهم في نفس بيانهم الأول بعد الاتفاق أن الاسلام يراعي حقوق الآخرين لأنه دين الحق والعدل والاحسان. فقد صح أن يسأل المرء هنا لماذا لايرينا العلماء في هذا المنعطف الحرج في الوطن كيف يحسن الاسلام ويعدل ويحق حق هذه الجماعة الكبيرة من الجنوبيين (التي تشكل نسبة 40% من كل سكان الجنوب في قول وزير الصحة) وغيرهم في العاصمة من هم علي غير عقيدة الاسلام. لقد اعتصم العلماء بسداد العقيدة واستنكفوا استنباط فقه يمكننا من ملاقاة ابتلاء خلطة الشعوب والقبائل وهجنتها. وهذا قصور بين عن إعادة انتاج معاصرة للمدينة المصطفوية التي هي ادني الي باب السماء وسقفها المعمور.

    وخطة بعض قادة الرأي العام عندنا ليست بعيدة عن خطة العلماء في التعامي عن حقائق العاصمة السكانية والاستغراق في ما عدا ذلك. فقد اقترح كثير منهم أن تكون العاصمة غير الخرطوم حين بلغهم تجديد الحركة الشعبية لمطلب أن يكون التشريع في العاصمة علمانياً. وقد تباروا في عزل المدن التي يمكن أن تحل محل الخرطوم بعد حذفها كعاصمة. وليس هذا تفكيرا في الأمر الشاغل واجتهاداً بل تهرباً منه بحثاً عن كبش فداء من المدن غير الأثيرة ليذبح علي أعتاب العلمانية حرصاً علي اتفاق مشاكوس. والبلاء بلاقوه بالكرامة. وقد استغربت لماذا لم يخطر لأهل الرأي هؤلاء تغيير العاصمة الا الآن بينما هو أمر تناولته الاقلام بأسباب لا علاقة لها بالتشريع للعاصمة. فقد كنت قرأت للدكتور عمر محمد علي يوماً ما يقترح نقل العاصمة الي قرية نادي في دار شعب الرباطاب مثلاً. وجاء بأسباب فيها نظر الي الأقتصاد والأدارة وقد طال بي وباقتراحه الزمن. إن اقتراح نقل العاصمة ما يزال فكرة طيبة غير اني اخشي انه، في سياقه الحالي، قد يكون مجلبة للظنون في جديتنا في الشمال في حفظ العهود ودفع الثمن الباهظ للسلم الذي تفلت منا. ولله در زهير ابن ابي سلمي الذي لم يتلجج في نصح أهله بحقن دمائهم الجاهلية ودماؤنا مسلمة والحمد لله:

    هي الحرب ما علمتم وذقتم وماهو عنها بالحديث المرجم

    انني أفهم بغير مواربة لماذا نلقي في الشمال بالحيرة والتشدد والصهينة احتمال أن يجري الحكم في الخرطوم علي غير الشريعة. أفهم هذا وأنا الذي دعوت وماازال ادعو الي فصل الدين عن الدولة. فالخرطوم ربما كانت أقرب المدن عندنا الي منزلة العتبات المقدسة عند الشيعة. فهي بقعة المهدي التي قدل في عرصاتها المغني رقيق الحاشية خليل فرح "حافي حالق" في الطريق الشاقيه الترام:

    في يمين النيل حيث سابق كنا فوق اعراف السوابق

    في الضريح الفاح طيبو عابق السلام يا المهدي الامام

    وإرث الخرطوم الاسلامي تالد أيضاً يحمله سكان لم ينقطعوا عنه أو ينفصلوا. ويكفي للشهادة علي ذلك سور تلك المصلحة علي شارع النيل التي ضمت ضريح ولي ما بأمر الأنجليز. وقد لايقبل أكثرنا أن تكون الخرطوم علمانية لمجرد أن صادفت وكانت عاصمة السودان. وربما كانت السرعة التي خلع بها بعضنا شارات السياسة والادارة عنها والقي بها الي مدن أقل روحانية ليسلم للمدينة طابعها الديني هي ردة فعل أولي دالة علي عقيدتنا في الخرطوم كعتبة مقدسة. ولكنني وددت لو كنا أكثر شفافية في عرض هذا الهاجس الروحي علي الجنوبيين ومفاوضيهم بدلاً من التمترس وراء العبارة العقدية الصماء أو الالتفاف حول المسألة بتقديم كبش مدينة اخري تفدي الخرطوم. فاللجنوبيون روحانيات ومقدسات جمة من أنفاس وجد أنبياء النوير و عوالم الدينكا العقدية التي فصلها الانثربولجي الانجليزي لينهاردت في كتاب قديم ومن هدي المسيح عليه السلام في الصفح والغفران. وهي روحانيات لم يزدها وجع حرب الحكومة وحروب متعلميهم الا ملكة في الاصغاء والانفعال و البشارة. وهذه أريحية ان لقيناها بنبل أشد بلغنا بر الأمان ان شاء الله.

    ولم يخل تاريخ الخرطوم الاسلامي العميق من قولة الحق بشأن "الأفريقيين." فقد نذكر كلمة الشيخ خوجلي ابو الجاز، ولي توتي المشهور، الذي ضاق يوماً بخصومة أهله الأزلية حول ملكية الأرض فوقف فيهم مؤنباً ومذكراً قائلاً لهم أن هذه الآرض هي ارض النوبة وقد اغتصبتموها منهم. وهذا شيخ أراد الخير لأهله بنزع الشح والغل عن نفوسهم. فبينما يريد لنا شيوخنا وأهل الرأي مدن الشقاق والخسران أراد ابو الجاز لأهله ان يأووا الي المدينة المصطفوية التي يجري رونق الوسامة علي سيماء اهلها:

    مدينتك الحقيقة والسلام

    علي السجوف حمامة وعلي الربي عصفور

    لقد نفذ محمد المكي ابراهيم الي جوهر الطلاقة في المدينة التي تخيلها ولم شعثها الصادق الأمين الذي سألنا أن لا نقهر اليتامي الذين هو منهم . . . وكل المستضعفين.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 10 „‰ 10:   <<  1 2 3 4 5 6 7 8 9 10  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de