وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-27-2024, 01:10 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   

    مكتبة الاستاذ محمود محمد طه
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-20-2004, 09:53 AM

عشة بت فاطنة
<aعشة بت فاطنة
تاريخ التسجيل: 01-06-2003
مجموع المشاركات: 4572

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة





    [I]يسعدني ان اقدم هذه المساهمة القيمة التي طلبتها من الصديق سعدابو نورة، كمشاركة منى في هذا الاسبوع فقام بارسالها مشكورا وسعد ربما لايعرفه الكثير من قراء هذا البورد فهو مفكر وكاتب موسوعي ذو فكر فذ وقلم جرئ ، يمتاز بالوعي الثاقب والربط السلسل الذي يزين كتابته رونقا وبها ء ، ولن اطيل عليكم ولاترك سعد يقدم نفسه من خلال ما يكتبه واتمنى من كل قلبى ان ينضم المفكر سعد ابونورة الى هذا البورد ليمتعنا بكتاباته الرائعة العميقة .[/I]
    lo
    أن الفكرة الجمهورية بما تذخر به من كنوز معرفية تمثل نموذجاً متفرداً لديه القدرة على إقناع العقول المفكرة المعاصرة من خلال جدليات وإشكاليات العلوم المعاصرة نفسها الطبيعية منها والاجتماعية ، بشكل يتوج فيه الدين التحقيق المعرفي العلمي المعاصر وذلك حين يؤسس العلاقة بين العلم المادي والعلم الروحي مما يفسح المجال لبروز (العلم) في تاريخ المعرفة البشرية .. هذا (العلم) الذي يزاوج في مشهد واحد متسق بين العلم المادي والعلم الروحي ، بين آيات الآفاق وآيات النفوس هو مشهد من مشاهد تجليات مظاهر الآية الكريمة (مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه) ، فهذا (العلم) القرآني الجديد مصدق لما بين يديه من العلم المادي التجريبي ومهيمن عليه من حيث احتوائه على بعد روحي جديد يفتقده العلم المادي التجريبي حين اعتنى هذا الأخير بالرصد المعرفي لبيئتنا المادية وقصر عن الرصد المعرفي لبيئتنا الروحية! وهو من واقع الهيمنة هذه يملك الإجابة على كل معضلات العلم التجريبي المادي والفلسفة وعلم النفس وغيرها من العلوم الإجتماعية! هذا المشروع المعرفي الذي تبشر به الفكرة الجمهورية لهو أعظم مشروع معرفي في تاريخ الفكر الإنساني قاطبة ! فلقد نشأ الدين والعلم وتطورا دون أن يتم توحيدهما في مشروع معرفي واحد.. وسوف نحاول هنا أن نلج أحد الفضاءات المعرفية الثرة للفكرة الجمهورية والتي تبرز تفردها وريادتها في مجال المعرفة الدقيقة بالنفس البشرية والطاقات المختزنة داخلها .

    وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية
    لم يبدأ إنقسام البنية البشرية بين عقل كابت ورغائب نفس مكبوتة بظهور قانون الحلال والحرام كما جاءت به الأديان ، وإنما بدأ بظهور المجتمع ، حيث أن ظهور المجتمع قد سبق ظهور الأديان بآماد سحيقة .. بل إن هذا الإنقسام قد بدأ منذ ظهور الحياة نفسها ، حيث أن ظهور المادة العضوية من المادة غير العضوية والذي يؤرخ بداية الحياة ، إنما هو إنقسام المادة بين كثيف ولطيف . ولقد ظل الكثيف يلطف واللطيف يزداد لطافة ، حتى بلغا في مرحلة الإنسانية أن أصبح اللطيف يمثل العقل والكثيف يمثل الجسد .. ولقد تعقد هذا الإنقسام وتشعب وترسبت طبقاته طبقة فوق طبقة بظهور المجتمع الإنساني وأعرافه وعاداته وتقاليده ، ثم إزداد تعقيداً بظهور الأديان في صورها المعقدة .. ولقد كان هذا الإنقسام في جميع أطواره بدافع من الخوف .. فلولا الخوف ما ظهرت الحياة في المكان الأول ، ولولاه ما ترقت الحياة بظهور العقل في المكان الثاني ..

    إن وسيلة وحدة ثالوث البنية البشرية (القلب والعقل والجسد) في الفكرة الجمهورية هي (الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) ، ذلك أن كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) والعمل الصالح وفي قمته الصلاة ، هي وسيلة تحقق الإنسان بالواحدية والأحدية ، حيث يتم التناسق والتحالف بين القلب والعقل والجسد ..
    ويلاحظ بأن فلسفة التطور في الفكرة الجمهورية هي فلسفة اشمل وأعمق من أي فلسفة مادية أو دينية ، حيث أن فلسفة التطور لديها تشمل مراحلاً في طرفي البداية والنهاية (ولا بداية ولا نهاية حيث أن كل الذي يبدأ وينتهي إنما هي صور الحياة الغليظة) لا تشملها أي فلسفة تطورية أخرى .. من الصحيح أن بعض الفلسفات الأخرى تحدثنا عن أن العقل والجسد هما قطبين لنفس الظاهرة ويختلفان فقط من حيث اعتبارات اللطافة والكثافة ، لكنها إنما تتحدث عن العقل كظاهرة منجزة ، دون أن تفصل عن المراحل التي قطعتها الحياة قبل ظهور الحواس والعقل والتي توجت باستلال العقل من الجسد (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً * إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيرا) ! كذلك فإن بعض الفلسفات الدينية الأخرى تحدثنا عن الانقسام الداخلي للإنسان وتحاول أن تخلق مركزاً داخل الإنسان لكي ما يقوم بتوحيد الشخصيات الكثيرة المنقسمة ، لكنها لم تفصل في أسباب هذا الانقسام ولم تشر إلى الدور الذي لعبه الخوف في هذا الانقسام ، كما لم تفصل في أسلوب التحرر من الخوف ، والذي بدون التحرر منه لا يمكن للبشر المعاصرين أن يردوا موارد الحياة الكاملة !
    فالإنسان قد تطور من ذرة غاز هايدروجين عبر مراحل ثلاثة للتطور هي :
    1) مرحلة التطور العضوي الصرف : وهذه تعني تطوره في المادة غير العضوية أولاً من ذرة بخارالماء وإنتهاءاً ببروز المادة العضوية .. ثم بعد ذلك تطورة في المادة العضوية بدءاً بحيوان الخلية الواحدة وإنتهاءاً بأعلى الحيوانت الثدية .. وفي كل هذه المراحل لم تكن جرثومة الإنسان غائبة
    2) مرحلة التطور العضوي ـ العقلي : وهذه هي المرحلة التي نعيش في أخريات أيامها وقد افترعها آدم النبي ــ الإنسان المكلف على ألأرض .. وفي هذه المرحلة نشأ العقل والذي كان كامناً في المراحل الأولى من النشأة .. والعقل هو الطرف اللطيف من الحواس ، في حين أن الحواس هي الطرف اللطيف من الجسد .. ولقد أبرزت رسل العناصر بالخوف الحواس من الجسد ثم أبرزت بالخوف أيضاً العقل من الحواس .
    3) مرحلة التطور العقلي الصرف : وهذه مرحلة الكمال التي لما تأت بعد ، وهي تتميز بدخول الحاسة السادسة والحاسة السابعة .. ويعرف الأستاذ (محمود محمد طه) الحاسة السادسة في كتاب (رسالة الصلاة) بأنها ((هي الدماغ .. ووظيفتها الإدراك المحيط والموحد "بكسر الحاء" لمعطيات الحواس الأخرى ـ اليد والأذن والعين واللسان والأنف ــ في الحس والسمع والبصر والذوق والشم .. فإذا قويت يكون إدراكها لكل شئ عظيم الشمول ، فكأنها تحسه وتسمعه وتراه وتذوقه وتشمه ، في آنٍ واحد ...)) .. أما الحاسة السابعة فقد تم تعريفها في نفس الكتاب بأنها ((هي القلب .. ووظيفتها الحياة .. وهذه الحاسة هي الأصل ، وجميع الحواس رسلها وطلائعها ، إلى منهل الحياة الكاملة ..)) .

    دور منهج الصلاة في الفكرة الجمهورية في توحيد البنية البشرية :
    يتأثر الإنسان بكون داخلي وخارجي كما ورد في القرآن الكريم (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ، أولم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد) .. وحيث أننا نضع الكتاب الأصغر آيات الآفاق (الأكوان) بموازاة الكتاب الأكبر آيات النفوس (الإنسان) ، فإن الموازاة الصحيحة بين الكتابين تتمثل في ثالوث (العقل والقلب والجسد) في كتاب الإنسان مقارنة مع ثالوث (القمر والشمس والأرض) في كتاب (الأكوان) .... فمن حيث آيات الآفاق فإن الأرض قد نشأت هي وأخواتها من الشمس (أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما) .. ثم نشأ القمر من الأرض كتابع له .. كذلك فإن آيات النفوس قد كانت مرتتقة حيث كان العقل والجسد في القلب فانفتقا عنه. فإن القلب هو (أول بيت وضع للناس) ومنه نشأ الجسد كوقاية ودرقة له ثم نشأت بعد ذلك الحواس والعقل لإعانة القلب ومن ثم الجسد على استكشاف الخطر ..
    لذا فإن منهج الصلاة في توحيد ثالوث النفس البشرية هو منهج يترسم فيه العابد المجود هذه الموازاة بين آيات الآفاق وآيات النفوس ، محاولاً رتق ثالوث بنيته البشرية بعد انفتاقه .. والموعود الإلهي في ذلك (يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب وكما بدأنا أو خلق نعيده ، وعداً علينا إنا كنا فاعلين) .. وكما يحدثنا الأستاذ (محمود) في كتاب (تعلموا كيف تصلون) فأن العابد المجود إذا أقبل على الصلاة ((فإن عقله يكتسب نوراً بتعرضه لضياء الروح في أوضاع صلاته المختلفة ، كما يكتسب القمر النور من ضياء الشمس وهو ينزل منازله المختلفة .. والقمر ينزل أربعة عشر منزلاً ليصير في نهايتها ، بدراً كاملاً ــ سبعة لينتصف فيها بالنور ، وسبعة أخرى ليصير فيها بدراً كاملاً ــ يحكي في الحجم ، جرم الشمس ، حتى لكأنه قد عكس ، بنوره ، جميع ضيائها .. هذا فيما يرى الرائي .. والصلاة ، في كل ركعة منها ، سبع حركات ، تمثل منازل القمر السبعة .. فأنت إذا كنت سالكاً مجوداً ، وصليت ركعتين ، وفكرك حاضر في صلاتك ، فيجب أن تعلم أن كل حركة ، من حركاتك الأربع عشرة ، تختلف عن الحركة التي سبقتها ، وإن كانت تشبهها وما ذاك إلا لأنها بمثابة منزل جديد ينزله قمر (شريعتك) من شمس حقيقتك .. فإذا ما أنت أكملت الركعتين ، فكأنما قد اكتمل بدرك ، كأنما استضاءت صفحة عقلك ، بنور المعرفة المنبثقة من ضياء روحك ، فتوازى العقل والقلب)) ..
    وبالنسبة لمنهاج الصلاة في الإسلام فإن أوضاع الصلاة وكما يحدثنا الأستاذ (محمود) مستمدة من مراحل التطور الفيزيولوجي الثلاثة للحياة والتي سبق أن تحدثنا عنها سابقاً ..(( بالنسبة للإسلام فإن الصلاة لا تستمد من العقيدة ، وإنما تستمد من العلم .. هي منهاج يتنقل في الأوضاع المختلفة ، ليجمع مراحل التطور المختلفة في سير الحياة ، على هذا الكوكب ، وقبل أن تنزل إلى هذا الكوكب )) ـ كتاب (تعلموا كيف تصلون) ــ
    وعلى سبيل المثال فإن أوضاع الصلاة تجمع في داخلها الحركة المستقيمة للإنسان والحركة الأفقية للحيوان والحركة المنكوسة للنبات .. فالحركة المستقيمة للإنسان تتمثل في حالة (القيام) والحركة الأفقية للحيوان تتمثل في حالة (الركوع) ، وتحكيهما الآية (أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أمن يمشي سوياُ على سراط مستقيم) .. يمشي (الحيوان) مكباً على وجهه في حركته الأفقية بينما يمشي (الإنسان) سوياً على سراط مستقيم .. أماً (السجود) فإنه يعادل الحركة المنكوسة للنبات في حالة السجود وتحكيها الآية (والله أنبتكم من الأرض نباتا) .. وواضح قرينة وضع الرأس على الأرض في حالة السجود مع وضع النبات في التربة على الأرض .. فكأن الإنسان في أوضاع الصلاة المختلفة يحكي تجربة التطور الفيزيولوجي للحياة برمتها ، وكأن الصلاة بمنهجها ((تحاول أن تحقق للإنسان المصلي بذكاء وبتجويد الكمالات التي تنتظر من يملك القدرة على توحيد جسده وعقله وقلبه)) ..
    وكما ذكرنا فإن منهج الصلاة في الفكرة الجمهورية يحكي مراحل التطور الفيزيولوجي للحياة على هذا الكوكب ، بل وقبل نزولها لهذا الكوكب .. وهي بتحقيقها ((للكمالات التي تنتظر من يملك القدرة على توحيد جسده وعقله وقلبه)) كما قال الأستاذ (محمود) في كتاب (تعلموا كيف تصلون) ، تنجب الحاسة السادسة والتي عندما تقوى ((وتدرك الأمر على ما هو عليه ، على النحو الذي وصفنا ، ويومئذ سيظهر لها أن الخوف إنما هو مرحلة صحبت النشأة في إبان جهلها ، وقصورها ، وأنه ليس هناك ما يوجبه في حقيقة الأشياء .. فإذا بلغت الحاسة السادسة هذا المبلغ ، انبسطت الحاسة السابعة ـ القلب ـ واطمأنت ، وانطلقت من الإتقباض الذي أورثها إياه الخوف ، وأخذت تدفع دم الحياة قوياً إلى كل ذرات الجسد ، وكل خلايا الجلد ، تلك التي كان الخوف قد حجرها ، وجعل منها درقة ، ودرعاً ، لصيانة الحياة البدائية .. وبذلك يعود الشعور لكل جسد ، ويصبح حياً كله ، لطيفاً كله ، جميلاً كله ، غاية الجمال .. وتكون أرض الجسد الحي يومذ هي المعنية بقوله تعالى : " وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت ، وربت ، وأنبتت من كل زوج بهيج" ..
    هذه هي وظيفة الحاسة السابعة ـ الحياة الكاملة ـ وليس للحياة الكاملة نهاية كمال ، وإنما كمالها ، دائماً نسبي .. وهي تتطور ، تطلب الحياة المطلقة الكمال ، عند الكامل المطلق الكمال ـ عند الله ـ وإنما يكون تطورها باطراد ترقي جميع الحواس ، كل في مجاله ، وإنعكاس ذلك على ترقي العقل ، بقوة الفكر ، وشمول الإدراك .. وعلى قدر صفاء العقل ، وقوة الفكر ، تكون سلامة القلب ، واتساع الحياة ، وكمالها .. وهذا التطور المترقي بالحواس هو ما عناه الله بقوله "وأنبتت من كل زوج بهيج" )) ـ الأستاذ (محمود) ــ رسالة الصلاة .
    إن الوصف للحياة الكاملة الواردة في حديث الأستاذ (محمود) أعلاه والتي عند إنطلاقها من الإنقباض الذي أورثها إياه الخوف (( تدفع دم الحياة قوياً إلى كل ذرات الجسد ، وكل خلايا الجلد ، تلك التي كان الخوف قد حجرها ، وجعل منها درقة ، ودرعاً ، لصيانة الحياة البدائية .. وبذلك يعود الشعور لكل جسد ، ويصبح حياً كله ، لطيفاً كله ، جميلاً كله ، غاية الجمال)) لهو وصف يعجز كل تصور ديني ، دع عنك تصور علماني ! والنقطة الجوهرية هنا هي أن الكمالات المنتظرة لا تتم إلا بالتحرر من الخوف ، عندما تقوى الحاسة السادسة وتدرك الأمر على ما هو عليه .. وليس هناك أي فكرة دينية أو علمانية تحدثت عن دور الخوف في النشأة البشرية كما رسمت السبيل للتحرر منه بالشكل الذي ذهبت إليه الفكرة الجمهورية ، وهذا هو المحك الذي تقطع دونه الأعناق .. ولقد كانت وقفة صاحب الفكرة وهو يواجه المشنقة بابتسامة هي الدليل العملي على علمية المنهج الذي رسمه للتحرر من الخوف !
    دور الخوف والكبت في تطوير البنية البشرية والسبيل للتحرر منه
    إن الكثير من التقدم العلمي المعاصر قد شمل أيضاً مجالات العلوم الإجتماعية والإنسانية في الفلسفة والاقتصاد والسياسة وعلم الاجتماع وعلم النفس وغيرها .. وتشكل هذه العلوم مادة معرفية يعين رصدها وقراءتها على الإشكالات التي تواجهها الفلسفات الإجتماعية الموجهة لمجتمعات الحضارة الغربية في حل التناقضات الناجمة عن الطاقة الكبيرة للمجتمع البشري المعاصر وعجز الأنظمة الإجتماعية عن استيعاب هذه الطاقة ، وذلك بسبب الفشل في التوفيق بين حاجة الفرد وحاجة الجماعة ..
    ولقد سبق للعالم النفسي المشهور (سيجموند فرويد) أن أعلن كفره بالحضارة وذلك لأن الحضارة الغربية هي حضارة عصابية (Neurotic) لا يمكن إلا أن تنتج نفس هياكل الكبت في النفس البشرية .. كما حدث أن جاءته امرأة متعلمة تؤمن بأفكاره تستشيره في الطريقة المثلى التي تربي بها ابنها حتى ينشأ متحرراً من عقدة (أوديب) والعقد النفسية الأخرى ، فأجابها بتشاؤم أن أي طريقة تربية سواء أن كانت في المجتمعات الشيوعية أو مجتمعات الديمقراطية الغربية سوف تنتج نفس هياكل الكبت في النفس البشرية وطلب منها أن تربيه بأي طريقة تريدها لأن النتيجة في النهاية واحدة .. ولقد جعلت بعض مدارس الفرويدية الجديدة همها أن تحاول الخروج من مأزق الكبت هذا وذلك بأن ميزت بين نوعين من الكبت : كبت أساسي حياتي وهو القدر من كبت (الليبيدو) الضروري للحفاظ على القوى البيولوجية للكائن الإنساني ، وكبت آخر فائض ، هو ذلك الطرف غير المشبع من الليبيدو والذي يكبته المجتمع بغرض توظيفه تجارياً كطاقة تستغل في الإنتاج أو كمادة يتم إشباعها بشكل غير سوي عن طريق الدعاية الإباحية المنحرفة المستخدمة في تسويق السلع .. وإتجهت محاولاتهم لوضع الأسس الكفيلة بتحرير الإنسان من الكبت الإجتماعي الإضافي .. والحق أن تعثر المحاولات في هذا الجانب تشير إلى عجز أساسي في فهم النفس البشرية وغريزتها الأساسية المتمثلة في الحياة وفهم الدور المرحلي للكبت مما ورد مفصلاً في الفكرة الجمهورية .. لقد فهمت الفرويدية أن الكبت هو شر كله ، في حين توفر للفكرة الجمهورية بمنظارها التوحيدي أن تفهم الدور المرحلي للكبت في تطوير الفرد والمجتمع في سياق واحد ، ثم هي رسمت السبيل للتحرر منه مما لم يداعب خيال أي من علماء النفس الفرويديين .
    ترى الفكرة الجمهورية بأن الكبت قد كان نتاجاً للخوف .. والخوف هو الذي ابرز المادة العضوية من المادة غير العضوية ، ثم هو السوط الذي حشدها في زحمة سباق التطور .. والعقل هو الروح الإلهي المنفوخ في الإنسان والقلب هو مكان النفخ والخوف هو وسيط النفخ ، وهو نفخ سرمدي يأخذ في اللطف كلما برزت لطائف الحياة من كثائفها .. عليه فإن العقل الواعي قد كان نتاجاً للخوف والكبت .. ففي مرحلة قانون الغابة نشأ العقل والحياة محاطة بالخوف من جميع مظاهرها ، فيس هناك غير الصيد والصياد .. وفي مرحلة قانون العدل أنشأ الإنسان المجتمعات ونشأت معها الأعراف والحدود التي انصبت على تنظيم الغريزة الجنسية ورعاية الملكية الخاصة ..ونشأت فكرة الآلهة وفكرة الدين .. وكان الإنسان يعيش أيضاً في هذه المرحلة وسط الخوف من مخالفة الآلهة أو مخالفة أعراف المجتمع، لكنه أصبح يتمتع بقدر من الأمن بقدر مراعاته لأعراف الجماعة .. فبرز الذكاء الذي يميز بين ما يليق وما لا يليق وبرزت الإرادة التي تروض الشهوة الفطرية وتسوقها في سبيل الواجب .. وهذه هي بداية العقل البشري والذي دخلت به القيمة في حياة الإنسان ..
    هكذا فإن الإنسان بفعل الخوف والرجاء بدأ يسيطر على نزواته وشهواته ويروضها بعقله ، مما أدى لنشوء الكبت وإنقسام الشخصية .. عليه فإن الكبت وإنقسام الشخصية قد كانتا نتيجة للخوف ، ولا يمكن التخلص منهما إلا بالتخلص من الخوف .. ولقد جعل الله القلب حرماً آمنا من الخوف لذلك فداه بالجسد وجعله على حواشيه ليكون له درعاً من الخوف ، لذلك نشأ الجسد في وقت يكاد يكون واحداً مع القلب ، ثم لحق بهما العقل ليكون عوناً على الإنتصار على الخوف .
    ولقد جعل الخوف حياتنا ناقصة حيث أزعجنا عن المعيشة في اللحظة الحاضرة فشدنا للماضي وشدنا للمستقبل ، فأصبحت حياتنا أرجوحة بين الماضي والمستقبل ، لا نلبث في اللحظة الحاضرة إلا ريثما نتحول منها ، فنتلقى أثناء مرورنا باللحظة الحاضرة الحياة التي نطيقها .. و لا توجد الحياة الكاملة إلا في اللحظة الحاضرة ، وهي حين تتناهى فيها الحياة المطلقة .. لذلك لولا أننا مشدودون للماضي والمستقبل ، لا نلبث إلا قليلاً في اللحظة الحاضرة لاحترقت حياتنا الناقصة لعدم استعداد المكان منا لتلقي المطلق إلا بالقدر القليل .
    نقول من جديد أن إنقسام الشخصية والكبت قد كانت كلها بسبب الخوف مما جعل حياتنا حركة بندول متأرجحة بين الماضي والمستقبل .. هذه الطبيعة المشوهة بفعل الخوف حكتها الآيات القرآنية : (( إنا جعلنا حرماً آمناً ويتخطف الناس من حولهم)) .. كما تحكيها الآيات: (( لإيلاف قريش * إيلافهم رحلة الشتاء والصيف * فليعبدوا رب هذا البيت * الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)) .. فرحلة الشتاء والصيف إشارة إلى التأرجح بين الماضي والمستقبل وذلك بفعل الخوف (خصوصاً الخوف على الرزق) فراراً من أصل الحياة الكاملة في اللحظة الحاضرة (رب هذا البيت) ، فجاءت الآيات القرآنية الكريمة لكي ما تخلص القرشيين من هذه الإلفة والعادة (الطبيعة المشوهة) النزاعة للفرار صيفاً وشتاءً نحو اليمن والشام بحثاً عن الرزق ، وذلك بشدهم لمعيشة اللحظة الحاضرة في مكة حيث يوجد(رب البيت) .. ذلك بأنهم لو توكلوا على الله حق توكله لرزقهم كما يرزق الطير وهم في مكة !
    عليه فإن اللحظة الحاضرة هي أصل الزمان وهي وسط بين طرفين كليهما وهم .. ولا يعد الماضي ولا المستقبل زمناً إلا باعتبار الحكمة!
    عليه ومن أجل أن تكتمل حياتنا لا بد من ترويض العقل على المعيشة في اللحظة الحاضرة .. ويتفرد الإسلام هنا بتفريقه بين نوعين أو قل تكيفين للعقل الواعي : عقل المعاش وعقل المعاد .. أما عقل المعاش فهو كما وصفه الأستاذ (محمود) في الديباجة ( .. قلق ، مضطرب ، خفيف ، يجسد الخوف ، ويجسد الحرص .. وهو موكل بمجرد حفظ الحيوان .. وحركته ليس فكراً، وإنما هي قلق ، وخوف مما يجئ به المستقبل المجهول .. فهو غريزي ، وليس مفكراً .. وهو شاطر ، وليس ذكياً ، وإدراكه علماني ، وليس علمياً .. ومن هذا العقل يجئ الجبن ، والحرص ، وحب الإدخار ، والبخل ، وكل مذام الصفات ..) .. ولقد جاء الدين بأوامره ونواهيه ليؤدب هذا العقل بأدب الشريعة والحقيقة ويطبه من آفاته ، لذلك فقد بدأت الشريعة بتقرير أنه ((لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به)) كما قال النبي الكريم .. ومن أجل رياضة العقول على ((أدب الحق)) و ((أدب الحقيقة)) جاء الإسلام وأنزل القرآن وشرعت الشريعة .. فالإسلام منهاج حياة تراض وفقه العقول لتقوى على دقة التفكير .. فإذا ما تأدب العقل بأدب الشريعة وأدب الحقيقة ، جاز من المعاش إلى المعاد وأصبح عقل معاد .. و((عقل المعاد موزون، رزين، وقور .. وهو أيضاً موكل بحفظ الحياة، ولكنه لا يخاف عليها من كل ناعق، كما يفعل عقل المعاش، وذلك لأنه يملك موازين القيم .. فهو يستهين بالخطر الماثل، في سبيل الأمن الدائم .. هو قد يضحي باللذة العاجلة، إبتغاء اللذة العاقبة – هو ينشغل بالحياة الأخرى، أكثر مما ينشغل بالحياة الدنيا – عقل المعاد هو عقل الدين – هو الروح ..
    نحن لا نفهم الدين بعقل المعاش، وإنما نفهمه بعقل المعاد .. وعقل المعاش يتأثر، بعقل المعاد، ويؤثر فيه ...) ـ الديباجة ـ
    عليه فإن (عقل المعاد) هو العقل الموزون، الرزين، الوقور وقد تشذب وتهذب بالرياضة من القلق والإضطراب والخوف العنصري الموكل بحفظ الحياة ، وتسلح بموازين القيم وأصبح مفكراً علمياً قادراً على فهم الدين .. وحركة تفكير هذا العقل هي محاولة للاستقامة في نقطة الجمع بين طرفي الإفراط والتفريط .. والاستقامة هي مرتبة الوجود الكامل الذي لا يتوزعه الوهم بين ماضٍ قد انقضى ومستقبل غائب لم يحن بعد ..
    إن هوية الإنسان الحقيقية موجودة خلف حجاب العقل .. فالقلب هو هوية الإنسان الحقيقية (إن أول بيت وضع للناس ذا الذي ببكة مباركاُ) . ، ولقد تحدث الإسلام وكما عبرت عنه الفكرة الجمهورية وبشكل علمي عن القلب باعتباره ذات الحي ، باعتباره الحي بالأصالة ــ في حين لا يكون الجسد ولا الدماغ حيين إلا بالحوالة .. والقلب (العقل الباطن) هو عضو يعمل فيه الفؤاد ، والفؤاد قوة الإدراك الوتري .. والجسد والدماغ عضوان يعمل فيهما العقل ، والعقل هو قوة الإدراك الشفعي .. ففي الإسلام هنالك عدة مستويات من الإدراك ولكل منهما أداة إدراك : الإدراك التعددي والإدراك الشفعي والإدراك الوتري .. فحالة (اللاعقل) غير موجودة ، حيث أن الإنسان إما أن يكون مدركاً للوجود بعقله الواعي (العقل) في مستويات التعدد وفي قمتها الثنائية أو أن يكون مدركاً للوجود بعقله الباطن (القلب) في مستوى الوحدة .. كذلك فإن(التوقف الفكري) أو رفع حجاب الفكر ليس حالة ثابتة للعقل ، وإنما هي إلمامة في الفينة بعد الفينة . وبرفع حجاب الفكر يتم الشهود الذاتي ..

    منهاج التحرر من الخوف والكبت :
    إن التحرر من الخوف في الإسلام لا يبدأ في النهايات وإنما يبدأ منذ البداية لدى المؤمن العادي و ذلك بتوحيد الخوف في خوف واحد هو الخوف من الله تعالى .. من الناحية الأخرى فإن مفهوم الكبت قد اتخذ أهميته بفضل علم النفس المعاصر ، حيث يرجع لفرويد ولمدارس ما بعد الفرويدية القدح المعلى في التأكيد على دوره كعائق للصحة النفسية للإنسان .. ويجئ تفرد الفكرة الجمهورية في هذه الناحية بفهمها التوحيدي العميق لظاهرة الكبت الذي جرى منذ نشأة المجتمع البشري والذي لا يزال يجري حتى اليوم .. فالكبت هو نتاج المرحلة الثانية من التطور: مرحلة العقل والجسد المتنازعين ، وطرف منه موروث منذ فجر الحياة البشرية ، كما أن الطرف الآخر منه هو نتاج كسب الإنسان المتمثل في خوفه وخضوعه لسطوة المجتمع والدين والأعراف .. ولقد أسدل الكبت الموروث والمكتسب حجباً كثيفة بيننا وبين الحقيقة المركوزة في عقلنا الباطن (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون * كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) .. ولقد تجاوزت الفكرة الجمهورية الفهم السطحي لعملية فض الكبت ، كما هو عليه الحال في التفكير العلماني الدعي لتحرير الغرائز ، وأبانت الفكرة بشكل علمي بأن التحرر من الكبت يجئ في خطوتين : خطوة في الكبت الواعي وخطوة في فض الكبت ، وأبانت الديباجة السبيل إلى ذلك في النص التالي (.. وستدخل البشرية مرحلة كمالها منذ اليوم، وذلك بفض الكبت الموروث، والمكتسب، حيث تجئ مرحلة "الجسد والعقل المتسقين" .. ويومئذ، تدخل البشرية الحاضرة، مرحلة الإنسانية، حيث تتم وحدة البنية البشرية، التي عاشت منقسمة علي نفسها، طوال تاريخها الطويل..
    ولا يجئ فض الكبت فجأة، وبغير فكر يهدي التطور، كما يظن، الماديون، حيث يتحدثون عن تحرير الغرائز، وهم لا يعلمون، ما يقولون .. لابد للفرد اليوم، من أجل تطوره في مضمار وحدة بنيته، من الكبت، المجود، الواعي، ليستطيع، بعد تجويد الكبت، ان يدخل مرحلة فض الكبت، بعلم وبذكاء ..
    إن الكبت المكتسب يجب أن يجئ من قناعة، ومن يقظة ضمير، ومن توقد ذهن، ومن علم بأصل البيئة التي نعيش فيها – البيئة الطبيعية، والبيئة الاجتماعية – لا أن يجئ من الخوف الذي سلط علي أوائلنا من جراء الجهل ..) .. ولقد وصف القرآن الكريم مرحلة الكبت المجود الواعي بقوله ((الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم)) .. ثم وصف مرحلة فض الكبت بقوله ((ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله)).. هذا هو منهاج فض الكبت الحقيقي ومن تنكب سبيله (( ومن يضلل الله)) .. فإنه ليس له من سبيل لفض الكبت ((فما له من هاد)) ..
    كذلك أبانت الفكرة الجمهورية بأن التحرر من الخوف يقوم على عمل جماعي وعمل فردي .. فعلى المستوى الجماعي فإن محاربة الخوف تقتضي تنظيم الجماعة وفقاً لقانون العدل وذلك بحيث يكون الناس شركاء في خيرات الأرض وتولي السلطة ـ الاشتراكية والديمقراطية ـ وفي العدالة الاجتماعية والتي هي نتاج طبيعي لهما . أما على المستوى الفردي فهي بتمليك الفرد المنهاج التعبدي الذي يمكنه من إدراك أن الوجود خير كله لا مكان للشر في أصله .. ولقد جاء القرآن ليوحد هذا الخوف، في الله وحده، ريثما يحررنا، بالعلم، من الخوف العنصري الساذج، وحتى من خوف الله .. ذلك أن من تحقق بالمعرفة الإلهية يعرف بأن الله يحب ويؤنس به .

    مستويات شهود الحق والحقيقة :
    إن مراتب تنزلات الذات الإلهية هي نفسها مراتب تنزلات القرآن وهي من جهة الذات تنزل ومن جهة العبد معراج ، وتحكيها الاية القرآنية الكريمة ((و بالحق أنزلناه ، وبالحق نزل، وما أرسلناك إلا مبشراً ونذيراً)) .. حيث أنزل الذكر من مقام جمع الجمع (مقام الاسم مما يلي الذات) ، إلى مقام الجمع وهو القرآن (مقام الاسم مما يلي الصفات) ، ثم إلى مقام الفرق وهو الفرقان (وهو مقام الصفة ومقام الفعل) .. هذه التنزلات حكاها أيضاً ثالوث التنزل : الله ، الأحد ، الواحد .. ومقام الفعل أعلاه مقام توحيد وأدناه مقام تعدد ، فمن شغلته المخلوقات عن الخالق فهو مشرك ، ومن رأى فعل الخالق من وراء فعل المخلوقات فهو موحد .. وأول مراتب تجليات الذات مما يلي العبد هي مرحلة وحدة الفعل (الواحدية) ، تليها مرحلة وحدة الصفة (الأحدية) ، تليها مرحلة وحدة الاسم (الله) ، ثم ما وراء ذلك إلا الذات الصرف .. والاسم (الله) هو متعلق الصفات مما يلي الخلق ، ولكنه مجرد إشارة إلى الذات الساذج الصرف مما يلي الذات ..
    والعبد المجود يشهد ربه على مستويين ـ كما اتفق للنبي الكريم في المعراج ـ : شهود أسمائي وشهود ذاتي .. فالشهود الأسمائي هو شهود تجليات الذات في الخلق في مرتبة الاسم والصفة والفعل .. أما الشهود الذاتي فهو شهود الله شهوداً ذاتياً وقد سقطت الوسائط والوسائل والغايات وخرج العبد عن الزمان والمكان وطمست ذاته المحدثة وبقيت ذاته القديمة في صلة مع القديم .. فلا تبقى إلا الوحدة في الشهود الذاتي حيث يكون الشاهد هو المشهود .. وهذا الشهود ليس بمقام وإنما هو إلمامة خاطفة وجمعية مستغرقة ((يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا)) ..

    في النص التالي من مقابلة (جون فول) مع الأستاذ (محمود) ، يشرح لنا الأستاذ (محمود) مفهوم الإتحاد بالله (أي التخلق بأخلاق الله) ومفهوم الوصول :
    ((At a certain stage along that ladder discord gives place to harmony and the inner conflicts cool down. The individual enjoys eternal bliss. This stage of progress marks what is called wusul. The Arabic word "wusul" literally means arrival. The Sufi, in his spiritual development, is exemplified, metaphorically, to the traveler who arrives at his destination after a weary and hazardous journey through the desert. That would be an oasis. It has its temptation for the traveler to prolong his stay. The spiritual oasis is even more temptatious. Many spiritual mediocre forget their eternal journey and happily settle down.
    To the great Sufi the stage of wusul only marks the beginning of unity with God. Unity with God means sharing with Him his attributes of perfection. Individualism is one of these attributes. The successful Muslim must enjoy absolute individual freedom. Here Islam ceases to be a religion. It becomes a way of life. It gives to every individual his moral code))
    يتضح من النص أعلاه أن الطريق طويل وأنه عند (الوصول) لأول واحة على الطريق ينزع الكثيرون من السالكين من ذوي القدرات المتوسطة للاستراحة من عناء السفر ونصب خيامهم حيث أن تحقيقهم قد أفضى بهم لمستوى من التحقيق الروحي تم به تحقيق الانسجام بدلاً من الشقاق ، كما أن النزاع الداخلي قد خمد وبرد لظاه .. غير أن كبار السالكين المجتبين للمقامات الكبيرة لا يعتدون بهذا المقام ، حيث أن (الوصول) بالنسبة لهم يشكل بداية مشروع الاتحاد بالله (التخلق بأخلاق الله) والذي هو مشروع يبدأ ولن ينتهي .. ويمكن أن نقول قياساً على أدبيات الفكرة الجمهورية بأن هذه (الواحة) على طريق السفر تمثل (النفس المطمئنة) حيث أن كبت وكبح جماح الحيوان المتوحش داخل النفس البشرية قد أدى إلى ترويضه وتقييده بقيود عطلته ومنعته عن الحركة (وإذا العشار عطلت) ، لكنه لا زال موجوداً ينتظر من السالك المجود أن يستأنسه بدلاً من أن يكبته (وإذا الوحوش حشرت) ، فيوم حشرها هو يوم استئناسها وخروجها من سجن الكبت ! هذا ولقد تحققت معظم الولايات في مرتبة النفس (المطمئنة) ، فاشرفت على النفس (الراضية) وإن لم تبلغها مقاماً .. فمن يجتبيه الله للنفس (الراضية) فإنه يخرج بفضل الله من مرتبة النفس (المطمئنة) التي يركن إليها أغلب السالكين ، وعندها يتحرك الحيوان المكبوت وتنقسم النفس مرة أخرى .. غير أن حركة الحيوان في هذه المرة إنما هي حركة من أجل الاستيناس ، حيث تعمل النفس (الراضية) على فض كبت هذا الحيوان بالرضا بالإرادة الإلهية وشهود حقيقة الخير المطلق شهوداً ذوقياً .. ومن هنا جاء الأمر القرآني للنفس المطمئنة بقوله (يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضية * فأدخلي في عبادي * وأدخلي جنتي) .. أي واصلي السير في طريق الرجعى دون الركون لمقامك حتى يتسنى لك دخول مقامات العبودية الكبرى المخصصة للنفس الراضية والمرضية ..
    ويعرف النص أعلاه الاتحاد بالله باعتباره مشروعاً للتخلق بأخلاق الله ، كما ندبتنا لذلك الآية القرآنية الكريمة (كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون) وكما حثنا أيضاً الحديث النبوي الشريف (تخلقوا بأخلاق الله إن ربي على سراط مستقيم) .. ومن هذه الأخلاق والصفات الإلهيه تجئ صفة (الفردية) كما جاء في النص أعلاه .. والتخلق بالفردية هو عمل في التفريد يعرج به السالك المجود إلى (الله ذي المعارج) وأول مراتب التفريد هي (الواحدية) وهي أن يصير السالك المجود واحداً فرداً لا ينقسم وتعني التفرد الذي لا يشبهه شبيه .. تليها مرتبة (الأحدية) وهي أوسط مراتب التفريد ، والأحدية هي الصمامة الداخلية والخارجية التي لا تنقسم لبراءتها من الأغيار ولخلوها من الفجوات ومن الفراغ وهي أعلى أخلاق الله .. والأحد هو الذي لم يجئ من مثله ولا يجئ منه مثله (لم يلد ولم يولد) .. وأعلى مراتب التفريد هو مقام الاسم (الله) ، وهو الذي يجل ويتعالى عن أن يكون له معنى ، ولكنه مما يلي الخلق هو متعلق الصفات ، ومما يلي الذات إن هو إلا إشارة إلى الذات الساذج الصرف .. هذا هو معراج التخلق بأخلاق الله وهو هو معراج الاتحاد بالله ..
    عليه فإن معراج الاتحاد بالله في الإسلام (التخلق بأخلاق الله) هو مشروع مستمر في الآن وفي الغد وفي البرزخ وفي الآخرة في الأبد وفي السرمد فيما بعد الأبد ، ذلك أنه سير نحو المطلق ، يقيد في كل يوم طرفاً من المطلق ويظل المطلق في إطلاقه ..

    خاتمة :
    إن إدراكنا لواقع عصرنا وتطوره المذهل هو ما يعيننا على تصور الدور العلمي المستقبلي المرتقب للدين كما تبشر به الفكرة الجمهورية وبالشكل الذي ينهض به من مراقد العقيدة إلى مراقي العلم .. ولقد حاولنا أن نضئ من خلال هذه المساهمة بعض إسهامات الفكرة الجمهورية في مجال معرفة النفس البشرية ومنهجها المستبصر في تطوير الفرد البشري نحو الكمالات المدخرة له .. وهنالك الكثير الذي يمكن أن يقال في هذا الشأن ، إلا أنه يستحسن لهذه المساهمة أن تقف عند حجمها الحالي ، حتى يتوفر للقراء الوقت الكافي لقراءتها .
                  

العنوان الكاتب Date
وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة عشة بت فاطنة01-20-04, 09:53 AM
  Re: وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة Yasir Elsharif01-20-04, 10:04 AM
  Re: وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة Yasir Elsharif01-20-04, 10:24 AM
    Re: وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة doma01-20-04, 01:42 PM
  Re: وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة منصوري01-20-04, 01:18 PM
    Re: وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة عشة بت فاطنة01-21-04, 10:08 AM
    Re: وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة عشة بت فاطنة01-21-04, 10:15 AM
    Re: وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة عشة بت فاطنة01-21-04, 10:20 AM
      Re: وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة عشة بت فاطنة01-21-04, 12:25 PM
        Re: وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة عشة بت فاطنة01-21-04, 10:46 PM
          Re: وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة عشة بت فاطنة01-22-04, 02:59 PM
            Re: وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة عشة بت فاطنة01-22-04, 11:52 PM
              Re: وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة Tumadir01-23-04, 01:29 AM
              Re: وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة Yasir Elsharif01-23-04, 08:37 AM
  Re: وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة osama elkhawad01-23-04, 03:09 AM
    Re: وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة عشة بت فاطنة01-23-04, 09:11 AM
      Re: وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة عشة بت فاطنة01-23-04, 09:22 AM
    Re: وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة Tumadir01-23-04, 09:42 AM
  Re: وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة Agab Alfaya01-23-04, 11:06 AM
  Re: حول التحرر من الخوف والكبت Agab Alfaya01-23-04, 01:54 PM
    Re: حول التحرر من الخوف والكبت عشة بت فاطنة01-23-04, 09:45 PM
  Re: وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة Yasir Elsharif01-24-04, 08:09 AM
    Re: وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة عشة بت فاطنة01-24-04, 09:04 AM
      Re: وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة Yasir Elsharif01-24-04, 09:28 AM
  Re: وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة Yasir Elsharif01-24-04, 01:28 PM
    Re: وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة عشة بت فاطنة01-24-04, 11:46 PM
  Re: وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة Mohamed Adam01-25-04, 08:21 AM
    Re: وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة عشة بت فاطنة01-25-04, 07:08 PM
      Re: وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة عشة بت فاطنة01-26-04, 09:39 AM
      Re: وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة kh_abboud01-26-04, 09:40 AM
        Re: وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة عشة بت فاطنة01-26-04, 03:11 PM
          Re: وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة kh_abboud01-26-04, 09:15 PM
            Re: وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة عشة بت فاطنة01-27-04, 09:09 AM
              Re: وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة عشة بت فاطنة01-28-04, 04:05 PM
                Re: وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة Haydar Badawi Sadig01-28-04, 08:16 PM
                Re: وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة عشة بت فاطنة01-28-04, 08:45 PM
                  Re: وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة Yasir Elsharif01-29-04, 10:29 AM
  Re: وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة osama elkhawad01-29-04, 01:51 AM
  Re: وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة د.أحمد الحسين01-29-04, 10:45 AM
  Re: وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة د.أحمد الحسين01-29-04, 10:46 AM
    Re: وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة عشة بت فاطنة01-29-04, 11:30 AM
      Re: وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة Haydar Badawi Sadig01-29-04, 08:55 PM
  المؤامرة السلمية نحو التغيير.. البورد مثال للمتآمرين والمتآمرات Yasir Elsharif02-05-04, 04:26 PM
    Re: المؤامرة السلمية نحو التغيير.. البورد مثال للمتآمرين والمتآمرات محمد عوض إبراهيم02-06-04, 02:26 PM
  Re: المؤامرة الحميدة.. التحوّل.. Yasir Elsharif02-10-04, 01:07 AM
    Re: المؤامرة الحميدة.. التحوّل.. عشة بت فاطنة02-13-04, 08:40 AM
  Re: وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة منصوري02-13-04, 09:17 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de