نعى اليم ...... سودانيز اون لاين دوت كم تحتسب الزميل فتحي البحيري فى رحمه الله
وداعاً فتحي البحيري
|
الى محمود.. صباح يندلق لأجل الطوفان
|
تداعيات امرأة لا يكبو جوادها
ألق يناير يحفني بجذوة الاشتهاء لثورة ما ترقد فى جوف أغنياتي المتمردة وتلك الابتسامة تفيض فى نهري الثائر وتنتزع من قاع المدن أحزانها وترسم فى وجوه الفقراء يقينا وفرحا كمن وهبتهم الخبز والرحيق والصباحات. شمس تدفئيني فى هذا الشهر البارد الكئيب وإقدامي تائهة فى شارع القرابن تبحث عن أزقة تؤدى إلى الأرياف البعيدة. أهترئت إقدامي من المسير وأنا أبحث عن فتيات يرتدين الثوب السوداني الناصع البياض ويحملن فى أياديهن المشيرة إلى الفجر كتيبات عن الفكر الجمهوري، أغيب ممتطية خيول جامحة تركض صوب المطر.. صوب الصباح وصوب تلك الابتسامة التي اندلقت خيوط فجر من وجه أبينا محمود. تحفني تلك الابتسامة، أحس بنهري يثور، ذلك النهر الذي يرقد فى حنايا القصيدة الدامعة منذ أن اغتالوه فى ذلك اليوم الحزين من يناير 1985، غصة فى حلقي وحزن يكسوني وأنا أصرخ بمن أستجير يا ربى؟ بهذا الجليد؟ بهذا السماء الضبابي.. بمن؟ لم أجد سوى ابتسامته استجير بها، شكوتها شتاتنا وغربتنا التي طالت، حكيت لها أحزان وطني وخطواتنا الدامية التي لا تؤدى الآن إلى دار اتحاد الكتاب السودانيين ولا إلى عروض معهد الموسيقى والمسرح ومعارض كلية الفنون الجميلة، تائهة خطواتي هنا فى هذه البلاد البعيدة وموسيقى موزارت وأجراس كنيسة اشتيفندوم تثير فى رغبة للبكاء وأن أدفن رأسي المكدود والمتعب فى حضنه. الدمعة تقف خرساء فى محاجر النشيد ووجه أبينا محمود وابتسامته تفيض فى هذا الليل الأوربي فتدثرني، تحميني وتقويني فأشتم شذاه البعيد وجلبابه الأبيض يسطع كفجر أنتظره. يبتسم ساخراً من قاتليه ويفوح شذاه يعطر تلك القاعة التي أزكمت الأنوف بنتانتها وأقزام تتلو علينا ردته وتجيز قتله فى حضرة إمامهم النميرى. أحسست بالدوار وهذه الصورة لا تفارقني والخيول الجامحة التي امتطيتها لا تكبو رغم دوران الأرض بنا وتركض بي مسرعة تجاه صباح ما وعصافير تحلق فوقنا وتغنى لحب كبير ولثمرة غرسها أبونا محمود فى تربة أناشيد ثورة الفقراء. أحكيك الآن أبتى محمود أحكيك غربتي وانتهاك حقوق النساء والصغار فى وطني أحكيك وجوه الرجال الباكية بصمت تبحث فى الليل الداكن عن كوة ومشكاة أحكيك نساء وطني الملتحفات بالسواد منذ أن اغتالوك ومنذ أن اغتالوا ثمانية وعشرين نجماً يزينون الآن سماء الوطن الحزين، والسنابل التي غرسها على فضل طالت وحان وقت قطافها. أبكى بحرقة ووجه ذاك الأستاذ الجليل عبد المنعم سلمان يرنو كقصيدة أليفة لا تستكين. هذا الحنين يا أبتى لك ولهم وللوطن يغتالني وأنا أبحث عن نجمة فى سماء فيينا الضبابي والأناشيد تنزف، تهدر وترفض أنصاف الحلول.
خبريني يا ابتى كيف تسكن الجروح؟ وكيف نداوى جرح الوطن الغائر؟ هل نلتصق بأحلامنا ونغرد مكسورين فى بلاد ليست لنا؟ لم نعد نحن وأحلامنا تخاف العرى كشجر الصفصاف المغطى بنثار الثلج والجليد، فمن يدثرنا ويدثر أحلامنا؟ هل نمسك بتلابيب الذكرى ونحكي عما كان وكيف كنا؟ أحكينى يا ابتى ولا تصمت كيف نشدو من جديد وكيف نطيب جراحاتنا الكبيرة؟ كيف وأجيال من الضياع تبحث عن ذاتها فى وطن طال انتظار ليل مخاضه؟ لن تتعب خيولنا الجامحة ولن نمتطي سواها ولن نشدو بغير الفجر، سنغنى رغم انكسار اللحن فى حناجرنا، سنغنى لك وللفقراء وللنساء المكدودات بالمعاناة والصبر الجميل، النساء الشامخات الآتي لا يعرفن المساومة والإنكسارات الشنيعة. سأبقى أناديك لن تتعب حناجر أغنياتي، سأنادى كل الشعراء فى وطني، اللذين لم يستكينوا ولم يسلموا يراعهم سلطان الهوى الأعمى، سأناديهم { حبوا غنوا الدنيا مازالت ندية وما بنقبل فى وطنا دية ولا وطن زوجين وحارس وبندقية}
سأناديهن فى كل بقاع الأرض فى وطني وفى المنافي البعيدة يا نساء وطني أتحدن عاملات فى المصنع أو الحقل موظفات ومربيات أجيال يزيننّ العقول بالعلم طبيبات يداوين الجراح وربات بيوت يقاومن عصف الأزمنة كقلب الحجارة لنتحد، فنحن الآتي يغرسن سنابل الوجع عند موت ومخاض كل سلطة ها ابتى قل كلمة واحدة فقط حيينها ستركض خيولنا صوب انهارك كلمة واحدة تكفى لإشعال الحدائق بالأناشيد والبيوت بالفوانيس وتحول غابات الوطن أعواد ثقاب تشتعل وتضئ الظلام الحالك كلمة واحدة يا ابتى ستعتريني بعدها رعشة ما وعيناك تغوصان فى دمى وقلبي يهدأ من ضجيج الأسئلة ويدك تمسح على جبيني وعند بوابات الفقراء والمساكين تلجم معي خيولي الجامحة صوب شمس تكابد مخاض البزوغ ويدك تشير إلى أفق طال انتظارنا له وبحنية وإصرار تهمس هذا أو الطوفان هذا أو الطوفان هذا أو الطوفان
فيينا- يناير 1998
نشر هذا النص بصحيفة الفجر التي كانت تصدر بلندن
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
الى محمود.. صباح يندلق لأجل الطوفان | Ishraga Mustafa | 01-03-03, 01:56 AM |
Re: الى محمود.. صباح يندلق لأجل الطوفان | Yasir Elsharif | 01-03-03, 07:01 AM |
الى محمود | mohmmed said ahmed | 01-03-03, 07:22 AM |
الى محمود | mohmmed said ahmed | 01-03-03, 01:50 PM |
Re: الى محمود | Ishraga Mustafa | 01-03-03, 07:47 PM |
Re: الى محمود | ABUKHALID | 01-04-03, 04:13 AM |
Re: الى محمود | shiry | 01-04-03, 11:25 PM |
Re: الى محمود | Ishraga Mustafa | 01-04-03, 11:43 PM |
Re: الى محمود | Omer Abdalla | 01-05-03, 00:11 AM |
Re: الى محمود | Haydar Badawi Sadig | 01-05-03, 00:37 AM |
Re: الى محمود | Ishraga Mustafa | 01-05-03, 01:09 AM |
Re: الى محمود | مهاجر | 01-05-03, 12:11 PM |
Re: الى محمود | HAMZA SULIMAN | 01-05-03, 01:15 PM |
Re: الى محمود | Yaho_Zato | 01-05-03, 02:03 PM |
Re: الى محمود | الجندرية | 01-05-03, 05:00 PM |
Re: الى محمود.. صباح يندلق لأجل الطوفان | azza | 01-05-03, 05:15 PM |
Re: الى محمود.. صباح يندلق لأجل الطوفان | Ishraga Mustafa | 01-06-03, 11:47 PM |
Re: الى محمود.. صباح يندلق لأجل الطوفان | Omer Abdalla | 01-07-03, 01:30 AM |
Re: الى محمود.. صباح يندلق لأجل الطوفان | Ishraga Mustafa | 01-08-03, 00:06 AM |
Re: الى محمود.. صباح يندلق لأجل الطوفان | شرير والبرتقاله | 03-03-03, 02:40 PM |
Re: الى محمود.. صباح يندلق لأجل الطوفان | baballa | 03-03-03, 08:02 PM |
Re: الى محمود.. صباح يندلق لأجل الطوفان | Abu Mariam | 03-03-03, 08:27 PM |
Re: الى محمود.. صباح يندلق لأجل الطوفان | baballa | 03-03-03, 09:05 PM |
Re: الى محمود.. صباح يندلق لأجل الطوفان | معاوية الزبير | 03-04-03, 08:15 AM |
|
|
|