السنــدلــــوبة-حكاية من دارفور - د. عمرو محمد عباس -القاهرة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-18-2024, 11:14 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة دارفور
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-10-2006, 03:28 AM

د. عمرو محمد عباس


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
السنــدلــــوبة-حكاية من دارفور - د. عمرو محمد عباس -القاهرة

    حكاية من دارفور

    نهايات

    رجعــــــــــــــــــــــلك قليبي المهضــلم
    يراجع صنـــــــــــوف الغناوى العصـــية
    يراجع معاك الكلام القبيل استـــــــباك
    الكـــــلام المغطغط وخاوي
    الكــــــلام المزيف
    الكـــــلام المبهرج
    وخمج
    من أغنيات نقد الذات في التسعينات

    بدايات
    كاكى بقيت شماتــــــــه
    خـــجل لـى سراتـــــه
    نــــادوا لى صاحباته
    يلقــــــطـن حجبـــــاتــة
    مقطع من أغنية لقبيلة الزيادية في شمال دارفور في الستينات
    جاى من ليـبـيــا مخرم
    ضابـــط واللــــــــة معلم
    الـــود المـــــــا متعلــــم
    يصــــــبح وشه مضــلم
    مقطع أغنية من نفس القبيلة في بـداية السبعيـنات ونهاية الثمــانينات
    اسرة عيــــــال ربــــاح
    يا تـــركة الصـــــــــلاح
    عايز الكاكى طبـــــاخ
    لي فاطنة بــــت رباح

    الإهداء إلى
    أميرة حبيب مدثر …. زوجتي
    والى
    عبد العزيز عقال
    احمد الناظر
    الحاج محمد موسى
    الحاج ابراهيم ازرق
    حامد سليمان
    و زريقة ….
    سائق اسعاف مستشفى مليط الذي الهمنى الاسم وكثيرون شاركوا في هذه الرواية……. وأشياء أخرى.

    بديلا عن المقدمة
    رواية الحاج إبراهيم ود محمد ود نور ود باسى ود حامد ود صالح ود ملك سالم ود عيسى ود عبد ود نصر اللة ود نور ود حاج محمد عمبر
    رويت في منزل المؤلف من الثالثة وحتى السادسة مساءا بمدينة مليط شتاء 1986
    نامدو سلطان تقابو راجل قوى ، خطف بنية فلاتى سوا مرة بضراعة ، فلاتى فات شكى لسلطان مكة ، سلطان مكة قال لى جدى حاج شريف محمد عمبر:
    شيل بنية فلاتى من اخيك ، تشيلى تدى . حاج محمد كلم اجاويد وكلم نامدو واتفقوا ، سلطان نامدو فتح الجبل عشان بنية مقرشة في بطن الجبل ، داك بنيه فلاتى . بنيه فلاتى مرقت ، و حاج محمد اخد البنيه سلمه لفلاتى..
    نامدو شال مويه فى قربه و عيش فى سعن و فات لسنوسيه تونس الخضراء ، طرجا 99 خشم سانية ، مية الا واحد ، ساكن فى مو ، مكتبه فى مو كله خلاه وفات . دربه داك ناس بيروحو وراة والمويه بدفق من القربة ، عيش ولدت ، ناس بياكلوا ، ولدوا مرقوا ذريته.
    جدنا حاج محمد مسك الحكم فى ناس ما بعرفوا قواعد الاسلام . قال ليهم جمعوا الاكل فى بكان واحد ، قولوا بسم الله ، بسم الله واكلوا ، اكل ياكلوا وصحن مليان ..... ينبر.....ينبر برطينة البرتى وليد الله عمته كبير . كمان ناس ما بيعرفوا تراتيب زراعة ، جدى فسر ليهم تراتيب زراعة كله ، شالوا الملك انطوه لجدى .جاب ذريه ، جاب جدى تور وعيسى ونفيسه ، عيسى بقى باسنقا سيد النحاس ناس الحكم ، ونفيسة بقى شرفا يعنى اشراف . مرقوا ذريته نصهم فى مليط ونصهم فى تقابو. مسك الحكم جدى تور لجدى نصر الله . جدى حاج محمد عنبر مرقا ذريته رجع مكة وجاور.
    جدي ملك سالم لجدى محمد ازرق خلاة لجدى الملك سعد عرجون ، حسن بية مسك مدة التركية الاولانى ، لجدى ملك بشارة. مسك الحكم فى تقابو في حلة بيقولولوا بوباى حلة ميرم ، حلة كبير فية نخيل ، يدقو نقارة وفية حاجات وسانية ونحاسات ، شغل جدودنا كلة هناك . جدى بشارة لود عبد الرسول لجدى ادم تميم بعد داك الملك احمداى .
    جدى ابو ملك احمداى ربانى ، انا وولدة خلصنا طلب الحكومة سوا ، في الوكت داك حكومة بتاع اسماعيل الازهرى وعبد اللة خليل . جبنا اكواز بتاع فضه ، هسه في نحاسنا هنى .
    وتانى جانا هنى السيد الصديق وكت ملك احمداى ، انحنا شباب معاه ، خدمنا مع عبدالله ميرغنى و فوزناه في النواب و فوزنا ابكر عماره في الشيوخ .بعد داك السيد الهادى و جاب ترشيحات ، كمان رشحنا ادم اسحاق فوزناه .. تانى بقى فيه اعادة ترشيح ، بعد داك جاب لينا شريف من امدرمان .بعد داك فوزنا عثمان جاد الله وابو القاسم عيسى في النواب ، وتانى فوزنا الهادى مصطفى ، ود الافندى فوزناه . كله فاتو الفاشر.
    بعد داك تانى السيد الصادق جه . انحنا مشينا الفاشر لاقينا السيد الصادق هو ودريج . خليت الشباب هنى ودخلنا ليه في المطار . قابلناهم وقلت ليهم يعنى دايرين يزفوا لينا في مليط ، ناسنا ما يمكن يمشوا لى كتم ، بعيد و كده . النائب قال نمشى نكلم المؤتمر في كتم ونسوى الزفه في مليط. هنا كان عندنا مطار من مده الانجليز ، ودينا شباب ، وديت مساجين صلحوا المطار.
    الصادق وكت جه هنا قال لينا ، انتو تطالبوا الشباب بعماره الوطن . انحنا طلبنا نعمل حيضان . كان انا سويت الخزان معاى خواجه اسمه هالديفاكس و مجمد ابو كدوس و عبد الرحمن المهندس . نجيب عمال من دار تواتر ومن دار صباح و تقابو و نودى المويه سوينا الخزان ده.
    السيد الصادق لما جانا طالبنا ادانا الحيضان دى وصلحها لينا وادانا المدارس والاسبتاليه بكون وسيعه وينصلح كله بيد الصادق . السيد الصادق بعد داك ركب طياره تانى و مشوا جبال ميدوب . السيد الصادق بعد داك تانى ما رجع تانى ما جانا.
    تانى ورا جانا دريج ، .النحاسات وكت دريج جه دقينا ليه ، شديناه لى في جمل و بعدين وكت جانا الامير من السعودية بتاع الغزلان ، دقينا ليه نحاس انا بس المسئول من زمن ابهاتى. انا الواقف على النحاسات في البيت ، في الارض مجنزرين ، سته ، تلاته كبار و تلاته صغار . الكبيرة ست الاسم " ام جزاير " . تانى بعد داك جونا ناس السعوديه دايرين ذريه بتاع حاج محمد عنبر.
    مده الانجليز العيش بيلدى ، شاله جراد بيلدى ومن انجليز مرقوا البلد بقى متلولو وما بقى كويس. سودان ناسو بقوا خاينين ما عندهم فايده . خلو الحق و خربوا البلد يشيلو حق زول ده يدوه داك . اها ديل اشتغلوا شغله المانافع دى . الحق لابد ترجع لابد.






    التكوين السياسى - الادارى للبرتى
    عن كتاب لادسلاف هولى" الجيران والقرابه دراسه عن شعب البرتى في دارفور "
    يمتد نسب الاسره الحاكمة إلى عشره أجيال من حاج محمد يمبر ، الجد الاسطورى للقبيلة ويرجع نسبه بخمس وعشرين اسما إلى فاطمة الزهراء بنت النبي محمد (ص). أبناء الحاج محمد هم : إسماعيل ، عبد الله ، عيسى و سالم (جد الباسنقا ) هم أيضا أسطوريين إذ ليس هناك اى إحداث تاريخيه او شخصيه تنسب إلى فترة حكمهم. بعدهم جاء الملك عماره جد أبناء عماره، و خاصة احمد دقو ابنه ووريثه ، إذ انه حكم اثناء سلطنه الفور (من السلطان تيراب حتى محمد فضل).
    توفى أحمد دقو في إحدى حملات سلطان دارفور و توجه أخاه أحمد أزرق إلى السلطان محمد فضل وأخبره إن احمد دقو توفى بدون وريث ، ولكن السلطان اكتشف الكذبة و خلعه من الملك و عين بدله بشاره أحمد دقو.
    بعد إن كبر بشاره وفقد بصره خلفه سعد عرجون بن محمد ازرق و تلاه حاج احمد محمد ازرق ثم بعدها جاء أبناء حاج احمد عبد المحمود ، ثم تلاه حماد بن عبد المحمود الذي حكم اثناء التركية السابقة ومات وهو يحارب الجيش التركي و قبل موته عين عبد الرسول بشاره خلفا له.
    بعده جاء ابنه جدو عبد الرسول الذي لقي مصرعه في حروب المهدية في كردفان وأيضا أخاه على الذي توفى في واقعه عطبره ، وجاء بعدهما عمهم ادم تميم ( توفى عام 1943 ) و خلفه ابنه احمداى ادم تميم ( توفى عام 1964 ) .
    انعقد المجلس الذي اختار خليفة احمداى ادم تميم في 1965 ، وكان مكونا من خمسه وعشرين من شيوخ أبناء بشاره ، ثم عشره ممثلين لكل من أبناء احمد دقو ، ازرق و حاج احمد ثم عشره ممثلين لأبناء داؤد ، وكذلك كان هناك العمدة ادم حسين عمدة مليط و سبعون من المشايخ التابعين له ، والعمدة بشاره عمدة الصباح وأربعون من المشايخ التابعين له ، والعمدة ادم مامون عمدة تقابو و معه سبعون شيخا من المشايخ التابعين له .
    كان الدور الاساسى في الاختيار لأبناء بشاره و متحدثهم احمد عبد الله اكبر الحضور سنا . ورئيس المحكمة ، عماره احمد دقو رئيس الدية للبرتى و عضو المحكمة ، بشاره ادم وادم شمو ادم إخوان الملك الراحل وادم مامون عمدة تقابو.
    تم اقتراح ابنين للراحل كمرشحين للملك ، الأول جدو احمداى والذي استبعد واختير ادم احمداى وكان لا زال طالبا في كلية البيطرة بجامعة الخرطوم لكنه اعتذر حتى ينهى دراسته. فتم تسمية حسين احمداى ولكنه لصغر سنه (21 عاما ) فقد اختير بشاره ادم تميم عمه كوكيل .وقد تم اعتماد حسين احمداى فيما بعد كشرتاى و بشاره ادم تميم كوكيل.





    تعطرت بكل زجاجات العطر التي وجدتها وأزلت كل ثنيه على القميص والساعات دهور والشمس مقيدة الظل على الحائط ، حدثتهم جميعا لآلاف المرات ، وتقافزت من جانب لآخر وضرب القلب وتقافز الصدر وتقلصت الأمعاء وأصابني مغص حاد. شهور طويلة تقطعت أسباب الرجاء وتناثرت ، كوثر الفرح المجنون آتيه في ظهيرة هذا النهار المستحيل ، طوال هذه الشهور صارت جرحا داخله ، طامنها بلا هوادة ليبرأ ويندمل حتى قبل شهر.الذكريات قد غسلتها أيادي الخيبة القاسية، وكان الحنين قد ذاب في بحور النسيان، والأشواق قد ذبلت. لم يعد في الخيال شوارع تعانقوها سويا ، أو أغان وقصائد قرأوها سويا ، وذهنه خال وهو يستجمع تركيزها ، ذكرها كقطره طل على إطراف ورقه خضراء تتجمع وتتكور وتطول . داهمته كل الأشواق التي ظن أنها قد تناءت عنه ، وتداعت إلى الخيال التفاصيل التي ظنها قد محيت إلى الأبد ، ذكر كل تفاصيلها ، حياتهما معا ، لقآتهما، أحاديثهما وأحلامهما التي كانت قد تخثرت بها الحياة.
    الشوارع المتربة المبقورة البطن تجعلهم ياهتزون داخل البص ، والركاب يبدون فرحين تتلامع عيونهم المجهدة ، ربما كلهم على موعد باللقاء ! اللمبات الضئيلة الضوء ثريات معلقة على بهو السماء اللامع تتلاشى في بطن الظلمة. ياهتز البص ويتوقف كثيرا من ضالة الحركة ، وامتثالا لصفير الكمساري والقلب ياهتز ويتدافع.
    ترجلت عند المحطة السحرية التي ستقلني في هذا المساء لرؤية كوثر ، حملتني خطوات مسرعة على الطريق الترابي الممتلئ بالحفر المملؤة ماءا عطنا ، كاد صاحب دراجة إن يسقطني أرضا عند ما اصطدم بى وترك لطخة سوداء على بنطالى ، اندهش صاحب الدراجة وكان يريد إن يعتذر لي عندما تركته وذهبت لا الوي على شيء وقلبي يضرب وعروقي ترتجف وراحتي تنز عرقا باردا.
    هذه الليلة سأحادثها، سأنتزعها من الكرسي الذي تجلس علية حتى لو أفسدت فرحة الحفل البهيج على المدعوين. انا مشتاق إلى الحروف تتشكل على فمها الحلو وتذوب ، تقدمت طريقي شاهرا خوف اعوامى ، لابد أن تحدد موقفها اليوم ، اعشي عيناي أنوار الحفل فعلمت أنني اعتسفت الطريق
    أشوف في شخصك احــــلامى
    ودنيا تفيــــــــــــــــــــض بانغـامى
    وسحر الدنيا في عـــــــــــيونك
    تبــــــــــــــــعد عنى اوهـــامـــــى
    تداولتن قدماي في طريق العودة ، تتزايد محلات البقالة في الشوارع ، كانت مظاهرا صغيرة تغزو المدينة ببطء شديد، الضجيج على جانبي الطريق مزعج والبصات مزدحمة بالركاب ، ترنحات مراكب صغيرة ، أضواء متناثرة ، صوت مكتوم لفرقة أجنبية ومسرح يموج بالحياة ، بريق أضواء عربات مسرعة وبائعات لبان ، الأشياء تبدو كأحلام عسيرة المنال بعيدة التحقيق.
















    • اطلع بره .
    أخاف من رؤسائي ، هذه حقيقة وعيتها منذ زمن بعيد ، خفت من الألفة في الفصل الدراسي ، من اساتذتى ، من كابتن فريق الحي ومن كل رؤسائي في العمل. كانت قد تداولته مكاتب عديدة ، عمل بضعة شهور في مكتب مظلم في مصلحة المعاشات ، كل الأسماء التي مرت به قد نطحها الزمن وأرداها ، ثم في حجرة واسعة بها عدة موظفين وموظفات في مكتب تحصيل مساهمة تجميل الشوارع في المحافظة ، حتى تعطف عليه باشكاتب في الجمارك فنقله ليعمل معه قال له وهما جالسين في احد ليالي الصيف الحارة بأحد المطاعم في انتظار الجرسون وإمامهما صحن به فول سوداني وقطع من الجبن والمخلل
    • ميزتنا الحوافز، نتعدى التحصيل الضرائبي فتأخذ حافز.
    كانت تستهويه الجمارك دائما ، المكان المنير بأنوار زاهية والطائرات التي تأز حضورا وإيابا والمضيفات اللواتي يراهن من بعيد ، وهنالك رأى كوثر بائعة في السوق الحرة ، طازجة دائما حتى في الصباح الباكر ، حتى بعد سهرة الليل المرهقة ، عيناها ضاحكتان تحويان كل العالم .
    الساعة تقارب الرابعة صباحا والساحة خالية من القادمين، كانت كل مجموعة الوردية الليلية جالسة في الغرفة الزجاجية يتجاذبون إطراف الحديث. كان كل شيء على ما يرام تلك الليلة ، رن جرس الهاتف وكان رئيسه على الخط ، أخطره إن هناك طائرة حربيه قد حطت في الجانب الأخر من المطار وان عليه إن يذهب مع احد زملاءه لإجراءات الجمارك على الحاجيات ثم اقفل الخط ، نز عرق بارد من جبينه وتواترت على عقله وذاكرته كل التفاصيل عن إحداث مماثلة ، هذا امتحان وضع فيه الكثيرين من زملائه ، تعود الطائرات محملة بأصناف البضائع والحاجيات ، أحمالا وإثقالا ويجهزون الإقرارات بأنها مطابقة للشروط وحسب المسموح به ، يمضون الأوراق الكثيرة ويعودون . نظروا إليه جميعا مستغربين ، كانت هنالك قرارات صامته قد تم اتخاذها ، بعضهم يرفض الذهاب أو يتلكأ باى حجة ، وآخرون يهزون أكتافهم ويلعنون البلاد ويذهبون ويمهرون الأوراق بلا مبالاة .
    طوال حياته كان يخاف من الامتحانات ، المعاينات ، المقابلات والأسئلة في الفصل ، لا يتحدث في الفصل إثناء الحصص ، لا يذهب مع أنداده للنيل أو يشارك في شجارات الحي . أصدقائه في الحي عرفوا عنه هذا وحفظوه لأشياء أخرى ، فقد كان ابرز طلاب دفعته ، ملحن أناشيد المدرسة وبطل المدارس في الشطرنج ، ولولا إن والده توفى وهو في بداية دراسته الثانوية فاضطر لترك الدراسة والعمل لكان حريا به إن يواصل للجامعة وبعدها ، وقد استطاع نيل الشهادة الثانوية ثم خمد حماسه لمواصلة الدراسة بعد ذلك . الطائرة جثة هامدة على ارض المطار المظلم، بضع رجال في انتظاره، قاده احدهم إلى إحدى الغرف المضيئة وقدم له كرسيا.
    • لماذا لم تفرغوا العفش
    نظر إليه بدهشة ثم ضحك
    • أنت تعلم هذه أشياء روتينيه لأنها أشياء عسكرية سرية .
    قرأ في الإقرار ثلاجات ، سرير أطفال ، غسالات ، تلفزيونات ملونه ، ثياب نسائية ، حقائب شخصية ، موكيت ، شتول نجيله انجليزية و محركات عربات مرسيدس كاملة. كانت يداه ترتجفان وهو ممسك بالإقرارات، جاهد إن لا يراها العقيد فشد يديه إلى المنضدة وخرج صوته معدنيا خافتا، صوت لم يسمعه من قبل.
    • لن أوقع على اى إقرار إذا لم أر البضائع .
    رن الهاتف فتغيب العقيد قليلا ثم عاد واخبره أنة رئيسه الذي قال له إن يمضى على مسئوليته ولكنه رفض واخبره إن يؤتى بنفسه.
    • أتفضل امشي
    وهم بهم بالخروج التقى بزميله الذي كان يتحدث مع العقيد
    • يااخى نحنا حنصلح الدنيا ، ما نمضى وخلينا نغور .
    وهو عائد إلى الصالة على قدميه ، كان قلبه في أغواره يدق بعنف وعرق بارد غزير يسيل على كل إطرافه ، كان مندهشا أكثر من الخوف ولكنه اليوم وقد حدق في العقيد بثبات ورد على الهاتف بلا تردد كان خائفا حتى الموت .
    ادخلوه إلى المكتب الكبير بعد إن انتظر عده أيام، يأتي في الثامنة ويصرفونه عند الثانية، لا احد يتحدث معه، سوى الذي بالباب عندما يقول له اسمه يهز رأسه كالذي يعرف ثم يسمح له بالدخول بعد إن يسجل كل تفاصيله يوميا. المكتب مليء باللوحات اللامعة التي تحوى سورا من القران ، وفى أحداها لوحة لمنظر الحرم وأخرى للقدس ، كان المكتب خاليا ثم دخل احد الأشخاص من احد الأبواب الجانبية ، كان يشعر بألم حاد في جنبه كأن أحدا يعصر كليتيه ، حادثه دقيقتان ثم انصرف. وفى اليوم التالي وجد خطاب نقله إلى إحدى المحطات الحدودية جاهزا.




    تسلل من المنزل وتعمد إن يسير في أزقة طويلة يشم في رائحة الماء العطن، يتصنت صوت الأطفال ويحول التفاصيل لذكريات كاملة. كانت والدته قد انتابتها نوبة بكاء ولكنه لم ينتظر ومضى خالعا الماضي، منتعلا مستقبلا مجهولا. المدينة خلف ظهره، محرك السيارة يهدر فيشتت أفكاره، توقفوا إمام مستشفى سوبا وتطلع جنود ضجرين على الركاب ثم ترجلوا. غرز نظره على مقدمة الباص متنقلا بين الطريق الاسفلتى الذي يتلوى بعيدا وبين المزارع التي تطاولت على بعضها بنيانا وأبراجا مشيدة وأسلاكا شائكة. كان الجو خريفيا مشبعا برائحة الماء والسماء تؤذن بإمطار .
    العربة لا تهدىء من سرعتها وهى تدور مع الطريق المنحنى، مياه النهر تتكوم في الوسط ، قليلة وعليلة. على الجانب الغربي ورشة للعربات لها حوش كبير بة عربات ذات لون برتقالي ، مزارع الخضروات والذرة والبرسيم تمتد على جانبي النهر، زرعت يأسا من المياه التي أدمنت الرحيل. توقفوا عند نقطة التفتيش، وهمهم المساعد بكلمات بسيطة ، بعدها تحرك البص والنهر الضيق يتلوى في منتصف المدينة .
    المسافرون صامتون كل منهم يشرد بعيدا ، بجانبه شاب جنوبي يقرأ في كتاب انجليزي ، استرق إليه النظر فوجده “صدمة المستقبل “ فكر في نفسه ، ربما كتاب عن تطور العلم والتكنولوجيا أو عن الحرب الذرية أو ربما عن الثقب الأسود ، لكنه لم يجد في نفسه الرغبة إن يفاتحه الحديث أو إن يعرف مضمون الكتاب. سأل “الكومسنجى “ فاخبره أنهم قد يأخذون عدة أيام وربما أسبوع في الطريق ، وقال إن المستعجلين لا يأخذون اللوري. ظنا انه ربما يسخر منه رغم أن ملابسه جيدة ويحمل شنطة سمسونايت بها كل حاجياته.
    كانت الساعة تقارب الرابعة عندما تحرك بهم اللوري من كوستى ، السائق وهو والمساعدان يتعلقان على جانبي السيارة. تركوا النهر خلفهم وبدأت العربة تضرب في ارض طينية سوداء جافة. كان الجو دافئا ، ثم بدأت لسعات من هواء بارد عندما آذنت الشمس بالمغيب . العربة تهدر تارة في ارض خلاء قوية وآخري تغوص في مجار من الرمال الصفراء الناعمة. لم يكن السائق يحب الحديث، ولعله لا يريد الصراخ من اثر أزيز المحرك فكان الصمت ثالثهم. افكارة ضائعة مشتته والماضي ينحسر من شاطئه والمستقبل خضما لايراه.
    مروا على محطات خلوية كثيرة قال عنهما السائق أنها تنتقل مثل الطرقات، إذ أن الطرقات في هذه المناطق تهجر وتفتح حسب حاله الخريف، تحرك الرمال ومجازفات السائقين. لم يتوقفوا إلا في أحداها ليريحوا المحرك قليلا وتناول قليل من الشاي ، اخبره المساعد إن السائق لا يقف إلا في محطة بعد تندلتى لان إحدى بنات القهوة صديقته. لا شيء يهدر غير المحرك ، وأنوار اللوري تبدد الظلمة وتنشر الضوء على ارض قاحلة، تتناثر بها بعض الأعواد الجافة وأشجار جرداء لا أوراق عليها. أحيانا يرون أضواء صفراء خافته لنار يتطاير شررها. وصلوا إلى القهوة بعد عدة ساعات من الجلوس المتعب ، وبدت لهم رواكيبها من على البعد ونيرانها المشتعلة .
    على جانبي الطريق نصبت الرواكيب واشتعلت النيران في الحطب الجاف ، وتراصت عده عناقريب حول النيران. على البنابر تجلس بائعات القهوة والشاي . جلسوا على العناقريب ، وكان المساعد قد بدأ يعد الطعام ، وتحلقوا حول النار جميعا. كان الليل دافئا ولكن حتى النسائم العليلة كانت تهز الإطراف وتجعله يرتجف من اللسع. كانوا يحكون عن الطرقات والخريف ويتجمعون ويمدون أياديهم نحو النار المشتعلة بحثا عن دفء وحديث عابر.
    جاء مجلسه بجوار احد ركاب عربة أخرى- أليف النظرات - مد له يده وهو يحاول إن يجلس على العنقريب القصير، اخرج عليه السجائر وناوله أحداها ، وكانت من نوع منع أخيرا في الأسواق ، فأخرجها وتجاذبا إطراف الحديث. لما علم انه يسافر وحده مع السائق قال انه سيحاول إقناعه إن يتحول معهم. لما اخبره باسم السائق قال انه يعرفه.
    • بتدور ؟
    قال انه لم يشربها من قبل. اخبره إن هذه القهاوى توفر للمسافرين كل شيء ، فهي للأكل والشرب وكذلك النساء. كان قد سمع قبلا عن هذا، عندما يحكى الأصدقاء الذين عملوا في هذه الجهات أو مروا على مقاهيها. يحكون وهم يتلمظون على تلك اللحظات. دخلا من وراء الراكوبة في احد القطاطى ، كانت محاطة من جميع إطرافها بقماش ملون يخفى ورائه القش . فرشت على الأرض ابسطه من وبر الجمال ، وكان هنالك سرير حديدي ومنضده صغيرة كذلك وعلى الجانب الأخر عنقريب ، وكان المكان نظيفا .
    جاءت بعد قليل احد اللواتي كن يبعن الشاي وأحضرت لهم زجاجة عرقي ، كنت قد تجرعت بضع كأسات متفرقات قبل سنوات طويلة ولكن توقفت منذ إن أصدروا القوانين .
    جلست جواره على العنقريب ، فنهض وجلس على السرير ، حل بينهما صمت سخيف فقال لها انه ينتظر صاحبه الذي خرج منذ قليل ، فضحكت باستهانة وقلبت عيونها الجميلة وخرجت. خرج وراءها إلى الأرض الخلاء الواقعة وراء الراكوبة ومثل انه يتبول ثم دس النقود التي معه بعقدها في سرواله الداخلي وعاد إلى النوم .
    كانت الشمس تطل على الدنيا عندما دارت العربة وتحركت بهم. بدئوا يدخلون في أراضى طينية سوداء تشقها أودية كثيرة التفرع ، لم تروها مياه منذ زمن طويل ، تخلو أشجارها من الأوراق الخضراء وتنتصب كلوحات تجريدية . كان الحديث قد تواصل بيني والراكب الجديد.
    • إنا من سانيه يعقوب في جبال تقابو جدنا من البرتى ، هاجر مع المهدي للبقعة .هناك اتزوج تعيشية ، اها القصة طويلة. انحنا جدنا رجع بعد كررى للغرب مع سلطان على وحارب معاه الانجليز ، بت التعيشية أخدها واحد من البرتى ، وواحد من أولادها أخد برتاوية من جهة تقابو ، ده أبونا . ابونا ولد أربعه كلهم ماتوا ، اها جيت إنا سموني محمد لكن مشى على اسم ازرق عشان العين .
    ضحك السائق وقال له:
    • اها ازرق ده لو قعدت معاه لازم يطلع ليك كتاب النسبة لي أخر جد ، أصلوا راد ليه نفاعية وأهلها أبو ليه.
    سهم ازرق عندما ذكر السائق هذه المسالة، لكنه عاد إلى مواصلة الحديث بسرعة. الحياة لا تشده إلى تفاصيلها وهم يغرقون شيئا فشيئا في غابات من الكتر والسيال والأشجار الشوكية والأودية العميقة. تسد عليهم أشجار التبلدى الأنظار بين الفينة والأخرى ، لا ذاكرة من المدينة البعيدة سوى العربه التي يستقلونها. البلاد غريبة الأسماء، تشابكت إحداثها وقبائلها وتواريخها وتتداخل في امتداد الطريق.
    توقفوا في احد المقاهي، وكانت عربات كثيرة تتراص على جانبي الطريق، تناولوا الطعام مع بقية السائقين والركاب. كانوا يتحدثون عن الأسواق المنتشرة، أسعار المواشي، الحبوب والصمغ، عن الإمطار الشحيحة وحكومة الإقليم. ورغم إن الوقت أوائل الليل إلا إن السائق قرر إن يقضوا ليلتهم في هذه القهوة. أرهقته الرحلة الطويلة وتناول الطعام مع الإغراب و تداول الأحاديث بلا معنى .الليل ساكن وأصوات بعيدة تتسلل ناعمة .
    يا شف المطــارق
    يا رز المعـــــــــالق
    الهمبريب ضــارب
    والدنيا مغــــــــارب
    تظللهم سماوات تراءت لهم نجومها تتزاحم على قطيفة سوداء ، وألسنه اللهب تتعطف وتهتز فتتراقص الظلال. استعادني ازرق إلى العنقريب الهبابى الذي يستلقى عليه والليل قد تزايدت قسماته .
    • افتدى شن بتسوى في ديار غرب
    • في الجمارك
    • زين ، زين ، إنا بنمرق من عندك قادى لليبيا .








    قضى ليلته مع بعض زملائه في ميز لهم وكان ازرق قد ودعه بعد إن اخبره أنة سيحضر بعد عدة شهور من ليبيا. في الصباح حمل حقائبه وركب عربة لاندكروزر إلى محطة عمله ، وهم يشقون المدينة استوقفهم احد ، سأله السائق فأذن له
    • دة حامد ود سليمان
    ركب في الخلف لكنه أشار عليه إن يأتي إلى المقعد الامامى .
    • السلام عليكم رئيس جماركنا
    تهدر العربة وهى تتجاوز المدينة وتنطلق تشق الرمال ، لم يتغير الطريق إلا قليلا عما جاء في كتب الرحالة الذين زاروا المنطقة منذ مئات السنين ، نرتفع وننخفض وننزلق فوق ظهور الجبال وبطون الخيران ، ننغرز في الأخاديد نشق الطريق بين الفجوات الضيقة في الصخور وأحيانا يخرجون من الطريق إلى رمال مكسوة بحشائش مصفرة، أحيانا تتوقف السيارة تماما بفعل الرمال حتى يدفعها السائق بتغيير ترس السرعة. الجبل الشامخ يبدو متعبا عريض المنكبين اجرد ، إلا من شجيرات قليله الخضرة تشق طريقها وسط حجارته الصلدة.
    كانوا قد توقفوا لان العربة غرزت في الرمال بعد إن انكسرت إحدى ياياتها . يمتد من الجبل جزء بارز إلى الإمام يخفى بعض الكهوف التي تبدو كنقاط سوداء.
    • هنى كان فيه أسلاك تلفونات ، الخواجات بعد كتلو سلطان على قالوا إلا يربطوا البلد ويعرفوا خبرها ، قادر الله الخواجة كان يرفع السماعة ويتكلم مع الخرطوم ومصر ولندن ، كل العواميد شالوها الناس بنو بيها الكرانك.
    كان السائق قد انطلق إلى المدينة وتركهم، وكانت الشمس في منتصف السماء تستمطر كل أشعتها الساخنة على الرمال، فرشوا المشمع الذي كان في العربة، كان الجو حارا ورياح بسيطة هي الأخرى حارة تهب مما جعل أجسادهم تنز عرقا. تمتد الرمال على طول امتداد النظر وتنشر بحور السراب في كل الاتجاهات ، تلتمع حبات الرمال فتزيد الأشعة المسلطة عليها وتحلق كضباب حولها ، حفر رفيقي الرمال تحت المشمع وقال لي إن الأرض تحت الرمال الساخنة تكون رطبة من الإمطار الخريفية.
    صحي من النوم فوجد نفسه غارقا في عرق غزير وكانت الشمس قد مالت إلى الجهة الغربية وهبت نسائم طازجة ، اقترب منهم رجل عجوز وسلم عليهم وسألهم ثم جلس معهم ، سقاهم من قربة كان يحملها على حماره وأعطاهم بطيخة وهو يدعى الخبرة في البطيخ . كانت طيور كثيرة قد بدأت العودة إلى أعشاشها وتحلق فوقهم ، بعضها يصفق بجناحيه طائرا لأعلى ولأسفل وبعضها فاردا أجنحته الكبيرة ثابتا في الفضاء ، تنادته أغان كثيرة وبيوت شعر ومناظر تذكرها في أفلام شاهدها ، ولكن تلك النسور كانت شيئا أخرا ، سوداء كبيرة تبرق عيونها في ذاك العلو ، تطير متشابكة هادئة وتدور في دوائر كبيرة ثم تعود تتهادى وتتوقف ، خرج من تحت العربة وتابعها وهى تطير إلى الكهوف التي في اعلي الجبل . تابع الرجل وحامد عيونه وهى تطارد النسور حتى الكهوف .
    • الصقور كان بكانن جبال تقابو ويوردن من الآبار ، لمن سلطان نامدو قد الجبل ، قد معاه بيت الطيور ، الطيور رسلت المراسيل لى كل الجهات ، لى جبال ميدوب ، دار زغاوة ولى وادى بيضا ، لقوز بلا نار ، ولدار التكيناوى ، المراسيل كلها رجعت وسووا اجتماع كبير لكل الطيور وقال مرسال الوادى ، من ديار حاج محمد البركة حاله وا########## نور والوادى سايل ، اتلمت الصقور من كل فجة وبكان وجوا سكنوا في بطن الجبل في السندلوية ، واتجمعوا الحمام والقمارى جوة سكنوا في الشلشلبيات ديك .
    حانت منه التفاته إلى حامد فراه يبتسم للرجل العجوز وهو يضحك . عندما وصلوا قمة التل الرملي المرتفع بدت البلدة إمامهم ، الوادي الذي يسيل على طرفها يمتلئ بالماء ويحتجزه الخزان الذي بني في طرفه وعلى جانبي الوادي تمتد الحقول والمزارع وجناين الليمون والبرتقال والجوافة والبلح ، ويمتد الوادي ليشق البلدة . على الطرف الشمالي للوادي تظهر مآذن الجوامع العالية وقبة خضراء ومدارس بيضاء والمستشفى ونقطه البوليس. حول البلدة التي بنيت من الطوب والطين تحيط بتا قطاطى من القش الأصفر ، تبدو الأرض مستوية على امتداد البصر شمالا ، لكن على الجهة الجنوبية جبلان أحداهما طويل عريض القاعدة مستدق القمة كالهرم والأخر يمتد كالمائدة من القمة للقاعدة وتمتد سلسله أخرى في الجهة الشرقية.
    وجدت مجموعة من الزملاء وأصدقائهم واعيان البلدة وتجارها في انتظاري عند باب المنزل وكنا قد تجاوزنا السوق الذي يتكون من عده مربعات من الطوب ، وبعض القطاطى وأكشاك من الزنك والخشب و أرفف للخضار وزنك اللحوم .
    رحبوا بى ونحروا الشياه وتضاحكوا مع حامد الذي كان يسمونه شيخ البلانقا ، وجلسوا يتحدثون في شتى الأشياء ، وعلى مائدة الغداء تجمعوا كلهم وقد جاء طبيب البلدة ورائد الشرطة مع ملازمين وقائد قوة الجيش والضابط الادارى والعمدة وبعض الشيوخ . توافدت إعداد كبيرة من البلدة طوال النهار والعصر وسألوني عن كل اشيائى الخاصة والعامة ، حياتي والى وكانوا يبدون بى فرحين .
    • الشيخ اصلوا مخضرم ، لف بلاد الله بلد بلد ، وفى الاخر جه لى هنا رئيس سواقى مجلس شمال شرق ، الشيخ بدخل الحلة بيت بيت وفى كل بيت بسوى دين ، يعنى جرورة ، اخونا احمد الناظر كلما الشيخ يدخل بيت يقول حامد بعمل Pullingبولينق ... بولينق ، الشيخ عجبته الكلمة ، يوم عزم كل الاصحاب وضبح خروف سمين و سمى نفسه شيخ البلانقا .
    في أوائل المساء بقينا مجموعة صغيرة ، ثلاثة من زملائي وانضم ألينا بعد قليل رئيس الوحدة الاساسيه ورئيس المجلس الشعبي ورئيس امن الحدود وكان الأخير قد جلب زجاجة ويسكي وارد تشاد ، واكتفى الباقون بشراب محلى. أمضينا بعض الليل حين بدأو بالغناء على رنات العود وجلس بجواري رجل الأمن وحدثني انه قد وصله تقرير عنى قالوا لي فيه اننى صعب ، واخبرني انه سيريني التقرير غدا في الصباح وقال انه تعلم في هذه المناطق إن يترك كل شيء يسير كما هو ، وانه ينصحني بهذا وكان قد نوه إننا من أبناء منطقه واحدة ، و قال أخيرا
    • يا راجل لن نختلف، الدنيا بت كلب كلنا منفيين هنا وأنت أمن جانبي




    جاءني السعيد عبد الله السعيد ، ضابط امن الحدود ، كما يحلو إن يطلق على نفسه ، وبعد إن شرب الشاي وتحادثنا قليلا عن منطقتنا اكتشفنا إننا أهل ولنا صلات كثيرة ، اخرج لي التقرير الذي أرسل له ، لم يكن يحوى سوى معلومات أولية عنى ، وتعليق اننى صعب قليلا ولم يسرد الحادثة التي نقلوني بسببها وفى النهاية كانت هنالك فقرة استوقفتني “ لكنه في الأمور التي تهم البلد وأمنه متعاون ومنفذ لكل الأوامر المصطلحية
    • هذا هو المطلوب فقط، المنطقة هنا خطيرة، تعلم طبعا تسرب الأسلحة والمال والرجال، ظروف الحرب الأهلية، مهمتنا فقط حفظ النظام لا أكثر.
    جلسنا على منضده اجتماعات ، على الحائط خريطة للمنطقة ، ملصق أخر به أسماء التكوينات الإدارية للمنطقة وأسماء العمد والشيوخ ، ثم صورة إعلان عن بيبيلاك ، الحضور ضابط الجيش ، الضابط الادارى، رائد الشرطة ، ضابط الأمن الحدود ورئيس التنظيم السياسي وبعض شيوخ وآخرون
    رحبوا بى في البداية وأوضحوا إن هذا اجتماع دوري شهري لهذه الجنة وان لها اجتماعات طارئة لمناقشه أمور المنطقة ، وتطرقوا إن هناك تسربا للعملة الاجنبيه في الاونه الأخيرة . تحدث كل الحضور عن هذا الموضوع وكان قد مضى حوالي الشهر على حضوري وأحسست أنهم يستدرجونني ليشرحوا لي الذي يحدث في البلدة .
    • لاحظت مثلكم هذا الموضوع لكن تحريت عن هذا وعرفت إن هذا معدل طبيعي لتدفق العملات، في قوانيني ليس هناك ما يمنع إدخال العملات الأجنبية بالعكس هذا مطلوب وبأكبر كمية ، اى تسرب مريب يمكن التعامل امنيا معه في نقطة الجوازات ولكن بمجرد دخوله منطقة الجمارك ليس لدينا اى اعتراض على العملة ولكن نقوم بإجراءات بخصوص البضائع التي تقع تحت طائلة القانون الجمركي .
    دار الحديث وتطاول وكان ضابط الأمن ورئيس التنظيم يركزان على إن هذه العملة تسرب إلى المعارضة في الداخل ، وكنت اعلم من الشيخ إنهما ومعهما الآخرون يقومان بمصادرة اى عملة يجدانها أكثر من إلف دولار في نقطة الجوازات ، وانه لهذا يقوم التجار في البلدة بالاتفاق مع بعض الجنود وعاملي الجمارك بشراء العملة قبل دخول القادمين للجوازات .
    كنا خارجين من الاجتماع عندما سار معي السعيد وقال وهو يضحك
    • بالمناسبة حامد ود سلمان شخص مشبوه ، ليس لدى اى شيء ضده لكنه غامض إلا اذا كان يقدم لك بعض الخدمات
    ضحكت عاليا وهززت راسي فأشار وكأنه يستعجب من فراستي المبكرة .





    نظرت لي ثم عبست ، ثم نظرت فبسمت ثم سحبت يدها البضة من يداي ، قرصتني في راحة اليد وهى تسحبها .
    الليل له هسيس وتتمازج أصوات الرطوبة ، رتابة بابور الكهرباء ، نباح كلاب بعيدة والبلدة تركن إلى الهمود بعد تعب النهار الشاق . عيناها - كفنجان القهوة - تبرق في الظلمة وتمتص كل الضوء الضئيل الذي يتساقط من النجيمات الضاحكة والقمر المتريث في الاتكاءة على القبة الشرقية. كانت ألليله في نهاية الشتاء ، النسائم لا زالت بليله ، تخاصرنا الكثيب الرملي حتى توارت الظلمة. تبدو المنازل والخيام على الأجناب داكنة الألوان ، يبدو في بعضها خيط زبالة من الضوء تحاول إن تخترق حجب ظلامها وتحدد الامكنه ، عدنا عن طريق المنخفض وكانت الريح تحمل لنا أصواتهم همهمة رجال وغناء النساء .
    أضواء الرتاين تشق حلكة الظلام وتستبين الجموع . في وسط المجموعة كانت هناك حلقة من الرجال في ملابسهم البيضاء ، بعضهم يحملون العصي والسيوف وقليل من البنادق التي تتصاعد أصواتها فتشق الأجواء وفى وسط الدائرة تتراقص بعض النساء ومجموعة أخرى يقمن بالغناء .
    تنازعتنى وسط كل هذا الجمع يعيناها الجميلتان ، كانت تتأرجح كالظبي الشارد، حافية القدمين ترتدي ثوبا احمر ذو خطوط ذهبية تلمع مع الضوء ، وكان الثوب ينحسر عن شعرها الأسود الطويل ، نهداها تكادان إن تحلقا حين تتمايل مكره ومفره ، كان الضوء يمر خلال خيوط الثوب ، رموشها الطويلة سوداء فاحمه تفترش ثرى عينيها المغمضتان تختلس بينهما النظرات. حادثني شيخ البلانقا والعقل منخرط في واسع عينيها.
    • اها الغنا دا بالليل خلاص يقلبوه ، النسوه يغنن
    اولاد ام نقـــــــــزو
    سدو بابهم رقــدوا
    والصبيان يجروا ويقولوا
    شن ليك بــــــلا ...
    واستغرق في ضحكة فاجرة .
    القدمان تمسان الأرض الرملية الناعمة فلا تترك عليها اى أثر كآن اخمصها بالشوك منتعل ، تغنى النساء بصوتهن الناعم فيهمهم الرجال ، والفتيات يقدلن ويحجلن ويتخوجلن داخلات ، مارقات في الحلقة ثم ينتفضن مع تصاعد الصفقات والحماس الذي ضوعته في الساحة فتهتز كل قطعة فيها منفردة كعصافير تتصاعد من وكناتها.
    • دى الصفية بت حسب الله .
    الزغاريد تتعالى من النساء ، الرجال يبشرون ويعرضون ويقفزون ، بعضهم يمسك بمسجلات ، ويسجلون الليله السحرية إلى ليالي في الغربة ، يقترب منها الرجال ويهزون أياديهم فوقها ويميلون عليها ، تثنى عنقها الطويل وتمسهم بشعرها فأحس برائحة الشعر تتخللنى واشعر بالملمس الناعم.
    لما ذابت كوثر في اللحن وأغلقت عيناها الواسعتان وتركت تفاصيلها تتماوج في حرية، سابحة في فلك الحلقة التي بدت تضيق من الراقصين. دفعوني لأدخل إلى المعمعة فتخدرت قدماي وزاغ بصري .
    • بكاسى ساكت انظر لتلك الحافلة .
    فنظرت إلى هجلوبة تتفدع ، منقوشه بالحناء وصوت رائحتها يعبر كل تلك الجموع ويتسلل الى الخياشيم .
    • يازمان الوصل في الظلم ، العملة الجيدة من المعجنات ، المدلكات الوهيطات طردن العملة الرديئة من المحبوبات الناعسات







    القاعة ممتلئة على أخرها بالحقائب والكراتين والطرود والقفاف ويسود الهرج والمرج في المكان ، كانت قد وصلت عده عربات من الحدود الليبية محمله بالبضائع والبشر - أنواع متباينة من البشر - مغامرون جربوا حظهم في الغربة ، موظفون عائدون من الإجازات وآخرون يراهم لأول مرة.
    حانت منى التفاته إلى الباب فرايتها هناك ، سهم عينيها - كفنجان القهوة - مسددة على عيوني . كانت عيناها لازالت طازجة منذ إن رايتها تتقافز على نغمات الجرارى قبل أيام قليلة ، أشرت لها فاقتربت وكنت قد لمحتها في السوق قبل أيام في احد المحلات.
    سمعت عنها إطراف أحاديث، عرفت أنها لها تجارة في السوق، وعن زواج فاشل ومنعة وكبرياء. اقتربت منى وحيت ، جاءني صوتها تند منة رائحة الحناء والصندل والعشب الأخضر المبتل ، قدمت لها كرسيا فظلت واقفة ، كانت تقف بثبات وتنظر نحوى مباشرة ، خالجنى شعور بالخوف والخجل من معاملتي لها ، وأحسست بان عيون الحاضرين تشق ام راسي ، وكانت تبدو غير مكترثة بالحاضرين .
    قالت أنها تاجرة تحضر كغيرها لممارسه عملها ، طوال ذلك النهار وانأ اعمل في القاعة ، كانت عيناي تتجولان بين الفينة والأخرى تبحث عن الثوب الأزرق الفاتح والتقى عيناها عوالم تتسع وتضيق ، أصبحت القاعة المزدحمة برائحتها النفاذة بالعرق والحلبة ومختلف العطور واللبن ورائحة الثياب الجديدة فيضا من الأضواء اللامعة والساعات المعلقة على النهار الطويل ، دفقات من الزمن المسرع , تلك عيون يضيع فيها المرء ولا يضير ، كما قال الشيخ .
    جلسنا في تلك ألليله وقد عاد الشيخ من غيبته ، ضاحكا عندما سألته كعادته ، كانت العينان الواسعتان تطاردان خيالي ، الذي صار منكمشا بحدود البلدة الصغيرة ، غارت منى الأحلام وماتت الآمال وما كنت أظن أن لمعة العيون المستديرة ستعيد الخفقان إلى القلب الصامت دهرا طويل .
    • بت حسب الله كأنها قد ركبها شيطان ، تعلقت بهوى من لا يليق في ظن أهلها ، نوباى له من الاعاريب نسب بعيد ، اختلست من زمان هواها مواعيدا واطرافا من أحاديث الهوى ، فتقلب قلبها على ذاك الرجل ، تجالس أهلها وتحاوروا وتدارسوا وتأمروا وتجاودوا وعقدوا لها على ابن عم لها كان ضاربا في البوادي وجبال الجزو ، هذه البنت النايرة النافرة وقفت وعلى رأسها إلف سيف إن يدخل عليها ، هذا حديث من سنين ، والبادية لا زالت بادية، والإبل لازالت إبلا والحياة محكمة الإطراف على أحاديث الهوى والأشواق الدفينة . تولد الفتاة ومصيرها مكتوب في رؤوس الإباء وتلد بناتا يكررن المصير ، لكن الزمان كان يدور دورته ، الحياة لم تعد هي الحياة ، شيء جديد يخرج من تلك الصحارى الممتدة التي لا تحوى سوى العظام الجافة. الطرق التي تعوى فيها العربات ونخترق كل الحجب والأستار وأجهزه الترانزيستور المعلقة على البيوت والجمال فعلت فعلها ، شئ جعل الصفية تحمل خنجرها وتمنع عريسها إن يقترب منها وجعل أهلها لا يشهرون عليها سيوف الشرف المخدوش وطلقات الطاعة المطلقة ، شيء لا استطيع إن احكيه لك لاننى استطيع إن احدده بعد في خيالي ولكن لما تجلسان في ليل القمر المؤنس لابد إن تحكى لك الكثير ولكن اذا سارت قدماك في هذا الطريق فحذار فالصفية طريقها بلا عودة .
    امتلأت نفسي بالأشواق المجنونة وصوت الشيخ قد تهدج وهو في نهاية حديثه ، فتاه التقاها كغيره ؟ لماذا طريقها بلا عودة .بردت اطرافى وغاص قلبي إلى أغواره ودق بعنف ، وعرق بارد غزير يسيل على اطرافى و قد ذهبت منى القوى والعزائم من فرط الجوى وتحاومت قدماي





    جاء صوته هاد ئا :
    • احذر من الاندهاش أو الخوف أو التعجب أو الفرح ، فهذه النسور مدربه على شم العرق المتصاعد نتيجة للفرح أو الخوف والتحديق من الدهشة .
    كان الليل هادئا والسماء صافيه إلا من بضع غمائم تحجب جزءا من ضوء القمر و تخلق أشكالا متنافرة من الظلال عندما تنعكس على الأحجار الصغيرة والشجيرات.
    كنا قد بلغنا الجزء الأول من الجبل حيث تنتصب أعمدة التلفون التي كانت قد مدت إلى القرية في أوائل الأربعينات، بعض أضواء خافته تتراءى من أودية الرمال التي تمتد على جانبي الجبل تخفت حينا ثم تومض ويتصاعد منه الشرر فتبدو كنجوم على سماء أخرى على الأرض.
    كانت الشلشليبات ( مفردها شلشليبه ) الممتدة على طول أرضية السندلوبه تضوي بضوء ازرق باهت يتموج إلى داخل الكهف ، ثم تأخذ في التوهج حتى تنتهي بضوء اقرب إلى اللون الأبيض المزرق ، كأقمشة ارتدتها نساء المدن في أوائل السبعينات ، و في حافة كل شلشليبه كان ينتصب نسر بلا حراك محدقا في الأفق. إما السندلوبه فكانت تضوي بضوء اصفر حاد يتموج إلى الداخل و هي تبهت . بحثت بعيوني عن مصدر الضوء و لاحظت إن النسور انتفضت و بدأت تحرك أجنحتها كأنها تهم بالطيران فلكزنى الشيخ :
    • لاتنسى اننى حذرتك .
    جلسنا على حافة المنحدر و مد الشيخ أرجله و تمدد على الحجارة وأعطى ظهره للمكان ، وكنت أجاهد إن اطرد الاندهاش والخوف من اكتشاف هذا المكان الذي رأيته من الطريق الترابي الممتد تحت الجبل ، واسمع في بعض الأحيان رفرفة أجنحة وهمهمة أصوات فأكاد انظر خلفي ، لكن اذكر نصيحته لي فاتمالك نفسي و قد استبد بي خوف .
    تبدو من البعيد ككره سوداء قاتمة ، و يساعد ميل جانب الجبل والنتوء الذي يظلله على منع أشعة الشمس من التسرب إلى داخلها في كل أوقات النهار و مر الشهور والأعوام ، ويتكون سقفها من جانب ناتئ ابيض اللون ، قالوا عنها أنها براز الصقور الذي يتساقط على مر السنوات ، لكن أحد الخواجات الذين وصفوا الكهوف و كتبوا عن رسومها في المدونات قال : أن الجبل تتداخل فيه مكونات جيرية وبركانية والأولى هي التي تعطى اللون الأبيض على جانبي الجبل ، لكن يبدو من الغريب أن الأهالي لم تكتشف هذا الجير و تطلى به منازلها كما يحدث في أماكن كثيرة من أنحاء القطر.
    تستريح ألا رضيه على خمس كهوف تبدو اقل سوادا واصغر وتميزها الاستدارة التامة وتماثلها في الحجم ، ويقول بعض الأهالي إن الشلشليبات تبدو في بعض الليالي منيرة ، خاصة عندما يغيب القمر ، لكن هذا الضوء الخافت لا يظهر إلا لبعض الناس ، وكعادة الأهالي في مثل هذه المناطق فقد وجدوا لها حلا و سببا .
    و يقال في تسمية الكهف العلوي بالسندلوبه ، أنه سمى على شجعان إحدى القبائل القاطنة حول الجبل ، و يحكى أن السندلوبه ، وهو اسمه ، كمن في أحد الليالي لثلة من جنود الحامية التي تعسكر في المنطقة ، والتي اعتادت التعرض لفتيات القبيلة و هن في طريقهن لورود البئر. و يقال في الجلسات الخاصة ، خاصة مجموعة شيخ البلانقا ، أن بعضهن استجبن لغزل الجنود .
    في تلك الليلة كانت مجموعة منهن في طريقهن للقاء بعض الجنود ، و قد اشتهرت نساء تلك القبيلة بجمالهن فقد كن ذوات عيون نجل لامعة ، و قوام لادن و لكن أميز ما فيهن هو امتلاء سيقانهن رغم الطبيعة الرملية للمنطقة. و يبدو أن أحد أسباب استجابة الفتيات كانت في خلو الحلة من الشباب ، فزيادة على رحيل بعضهم وراء الإبل إلى الجزو ، والذي قد يستغرق عدة شهور يغيب فيها الرجال عن مضاربهم و الشباب عن حبيباتهم ، فقد أثرت الهجرة للخارج على تلك المناطق و كانت تتردد أغنيات مثل :
    ليبيا ما خلت لينا شبـــــــاب
    السعوديه يا اللـــــه يا أولاد

    و قد دارت معركة استعملت فيها العصي والعكاكيز و الطبنجات في تلك الليلة ، و قد خلدت الشاعرات هذه الليلة و غنن للسندلوبه:
    نسمع دق دق نعليـــــنا
    قطرا ماشى جنـــــــينــه
    قد الجــبل عينــــــيـــنه
    الكاكى ســـاب نعليـنا
    و قد تكررت هذه الاعتداءات والمناوشات مع الحامية إلي أن اتهم السندلوبه يقتل أحد الجنود ، و حوكم و اعدم و قد خلدته أغنية طويلة مطلعها :
    مباشـــر بى إعدامـــــــوا
    ليك والديـن ما نامـــــوا
    ضباطك عرضــــو وحاموا
    و الذين يوردون هذه الحكاية يذكرون السندلوبه ، لان الواقعة حدثت في العقد السابق ، لكن الأهالي يذكرون أن الاسم قد و جدوه مثل أسماء باقي الأشياء من أودية و جبال و حلال وآبار منذ مولدهم. أما الشيخ إبراهيم ازرق فقد حكي و نحن جلوس تحت شجرة ظليلة في السوق الكبير في انتظار مجئ البص :
    • و كت داك أنا جنى صغير، سلطان على ملك البلاد ، كل بلاد غرب تحته دار زغاوه و قرعان و ميدوب ، اها و نحنا وكت بالليل نلعب نغنى نقول:
    ســلطان على دينـــار
    سيــفه بقــه نـــار
    كتل مـــوسى أب تنـقار
    خلى أب كود ة يشق الفاشر نهار
    وقت داك زمن مدة سلطان ، كان الناس في حرابه بتاع قرعان ، اول قرعان يكتلوا الناس ، يشيلوا أولاد الناس. اها ناس سلم ود إدريس مشوا زى أول أمس من حرابه قرعان ، الترك جو الليله ، ناس سلم جيش بتاع جهاديه شغل سلطان بيناتهم إلا يومين .
    اها الترك جو ، فيه واحد بيقلولوه جمعه أب لخوخه دقرتاوى من جهة الصياح ، وواحد بيقلولوه بخيت جمل حى من ناس سآني حى ، و بعدين واحد بيقلولوه عبدالله هدوبه من ناس حلة بى هنى ، جوه خبرا مع الجماعه الترك بقوا خبرا للانجليز ، هم جابوه .
    بس رقدوا هنى في الجخينين جوه ، و بدرى جا كوركت ، تراتو ، تراتو... ترارارا.....، شغل ده شنو ؟ من الله خلقانا ما سمعنا ده ، نحن نقول ، الصباح الترك جوه دخلوا لابسين كاكى اغبش ، هنى قدام الوادى ، وين المك ، وين المك ، المك ده الملك ، الانجليز بيسموه المك . قابلوهم جلابه كبارات ناس احمد برجوبه ، ناس اب احمد بدر و جوه للشايب لاقوه و سلموا ، وكت داك الملك بره عشان طياره جه قبال كده ضربت قمبله وكتلت ناس ، كتل حبوبه خديجه كبرى ، و العباس ولد لاخو جدى ، وواحد برقاوى بيسموه فكى عيسى بيقرينا القرآن ، بعدين طياره فات لفاشر. جدي جاب لهم تيران ، جاب لهم كباشه وشيلات ، جابو للجيش كله ، يا سلام مك جاب اكل للجيش ، كويس جدا مك ، مك يعنى ملك .
    الجهاديه الجوه هنى من حرب قرعان فاتو بعزاقرفا ، سألوا الملك قالهم مشوا بعند ام مراحيك ، الجهاديه مشوا ببكان والترك مشوا ببكان ، يعنى جدى غشاهم .فاتوا هناك فيه بكان بيقولولوه سيليه ، الترك عمل متاريس هناك ، و فاتوا كشفوا الفاشر ، جهاديه بتاع سلطان جروا لسلطان قالوا ليه، الله ينصرك ده ترك جوه ، قال حرام امشوا اطردوهم . رمضان و جهاديه سلطان قاموا بيضربوا فيهم ، عندهم بندق بيسموه رمنتون ، وتانى بيسموه اب روحين.
    جهادية يضربوا و ترك بيجروا ، غشوهم ، قالوا سيدنا الله ينصرك طردناهم : قال اطردوهم اكتلوهم .لمن جابوهم في خط النار هنى في سيليه ، الترك جروا خلو جهاديه في وسط ، و قالوا اضربوا و شغلوا فوقهم مكنه تتت ، ت ، ت تت تتتت ، كله كتله ، الماشى كتله ، الراكب جواده كتله ، كله ردمه هناك ، في سيليه ده ذاتوا، لى هسى تلقى رصاص متدردم قدر دا ، ازرق زى بعر غنم.
    جهادية قالوا يمشوا يكلموا سلطان رمضان كتلو ، و سليما ن على كتلوا ، السلطان مرق ، فات معاه وليداته ، معاه حسن ود سبيل من اهلنا ، سلطان فات غربت ، شالوا دربه فات لى محل بيقولولوه طره سلاطين .
    هم شالوا دربه ادوه واحد عسكرى نشانجى ، راكب حصان وكان اغبش ، العسكرى ده فات بين الشدر ، الابهات بيونسونا انحنا لافتنا و لا شفنا ، كرب لى حصانه في شجره هناك تخين ، و هو بيدردق ، بيدردق بى صفيحته على الارض ، لما شاف سلطان اتكه في حجر ، ونشن عليه ، راقد قيام راقد ، قيام راقد ، بس خته في جبهة سلطان طلقه .
    سلطان مالك كدى ، حسن ود سبيل بيقول لى سلطان ، هوى يا سلطان ، سلطان وقع في بكانه ، والعسكرى داك جرى ركب جواده فات ، من الكترابه شافوه فوق جنافنجان عنده حجل و مكميك ، اسود طويل ، صدقوا خلاص سلطان مات .
    اها نحنا كنا نطلعى سندلوبه ، ما كان اسمه كده ، كنا ما نعرف ليه اسم و لا كنا نقدر ندخل عشان عالى ، ندخل شلشليبه نشيل فروج حمام وكت صقور تطلعى بره ، عشان بيقولوا عماتنا بيونسونا ، لو شافك الصقر طالع الجبل بيظن انك تشيلى لى صفق شجره الاكسير ، بيكتلك زى ماسووا لى ابكوره ود حريق .
    اها في يوم كنا في السوق ، اصلوا ترك لما استلموا بلد عملوا بكان الشجر ده ، فوق النقعه دى ، سوق ، زربوة كله سووة سوق . جابوا اتنين خفراء واحد اسمه عشره من اولاد زغاوه ، والتانى بيقولولوه اب دقله من ناس الغروب ، زربوا سوق ختوهم ، تجى انت تساوق بيدوك ورقه فاضيه ، بعدين انت تساوق تديهم الورقه دا ، اذا انت جيتى ولقوك بلا ورقه عساكر بيجلدوك ، انت حرامى ، كان ما حرامى تشيلى ورقه ، اها الناس تساوق في السوق جه عشره متشوطن جارى من جهة الجبل ، بيراجف ، بيراجف تقول مورود ، السوق كله ساب مساوقه قالوا عشره انجذب ، سوا جن ، شاف ام قصه .
    وليد ادوه مويه شرب ، تانى ادوه شرب ، قالوا هو اثناء ماشى للسوق شاف الشمش تضرب في جهة السندلوبة ، شاف كأنة فية قوة شايلة ضو وقدت الضلمه ، قال شاف في الحيطه صوره سيدنا المهدى راكب جمله وشايل سيف النصر ووراه سيدنا الخليفه فوق حماره ، و وراهم سلطان على ، وراهم الامراء: حمدان ابو عنجه، الزاكى طمل، الامير محمود ود احمد ، النور عنقرة وفرسان البقارة جميعها . النور طالع من عيونهم جايين علية ، اللة اكبر وللة الحمد ، دة سند لاوبة . اها من اليوم داك قالو عشرة مشى جاور المصطفى علية السلام و الاسم مشى ، شوية ، شوية الناس تقولية لحد ما وصلنا السندلوبة .










    مرت شهور طويلة على حضوري للبلدة ، اراها كل صباح عندما امر على السوق ويطيب لي أن أحييها وترد على التحية ، أو أراها عندما تحضر العربات ، جلست معي لعده مرات في مكتبي لتشرب شايا فيصير المكتب كأنه ازدهى بعطور السند والهند والقرنفل ، بعد إن تذهب احمل الكوب من أسفله واشم رائحة راحتيها في أنفاس الكوب.
    استرسلت في حياتي التواترات والعنعنات ، الصفية حصن مغلق على هوى قديم جال في نفسها وقضى الأمر، معها تابعت صحة حسب الله ، وشكاوى أمها حاجه كلثوم من الروماتيزم ، والصباحية أليوميه عن الزواج والأحفاد ، ضيفا دائما على حفلات زواجهم وختانهم وحافظا لاغاني الفخر والمديح .
    تغلغلت داخل حياتي كنصل حاد ، جزءا من الاحاديث الليلية مع شيخ البلانقا حتى صحوت ذات صباح وانا ادعك اسنانى بالفرشاة ، والباب مفتوح ، رايتها من البعيد وهى تغذ المسير إلى المتجر فعرفت اننى أحبها.
    كنت خائفا . متشوقا ، اسنانى ترجف بعنف استبق الزمن وأرجئه ، انظر لساعتي كل ثانيه ، ارتب المكان ، ابعد بعض الأشياء واقرب أخرى ، امسح المناضد الصغيرة بقماش مبلول وأجففها بأخر ، غيرت جلبابي ببنطلون ثم أعدت لبس الجلباب ، الساعة لا تتقدم كثيرا والشمس التي يجب إن تختفي قيدت بسلاسل من الاشعه إلى السماء الغريبة أبت المغيب وتحاوم إمام بابي أناس كانوا لا يظهرون في الأيام العادية. الصفية بصوتها الندى تفوح برائحة الند والحناء والصندل والبرتقال الناضج قالت له
    • سمح بنحكى ليك الليله الساعة سبعه.
    ثم داهمتني الأشواق الجارفة واضطربت موازيينى ، وتقلب منى البطن وصارت الامكنه عيونا وسيعة تلمعان كنار في هشيم اليبس وتطلان على الكون. طرقت المنزل ودخلت ولم تنتظر حتى استقبل محفلها.
    كانت نسمات منعشه تهب من الشمال والسماء صافيه تلمع نجومها ، والليل ساكن سوى أصوات الكلاب ونهيق الحمير تأتى من بعيد وصدى تناغيم أصوات تقرأ في الراتب لا تلبث إن تموت بعيدا. جلسنا على مقعدين في حوش المنزل وكانت عيناها تلمعان من أضواء الغرفة المضاءة ، طلبت إن اطفىء النور ونجلس في الظلام وكان الرمل تحت إقدامنا باردا ، رطبا وناعما. تحدثنا في ملايين الأشياء ثم نهضت لإعداد الشاي فدخلنا المطبخ سويا ، أوقدت البوتاجاز الذي جلب من ليبيا ، طربت نفسي ورقصت على أنغام أغنيه بعيدة جاءت مع الليل الساجى وانأ في طريقي لجلب الماء ، شربت الماء وكان باردا وحلوا.
    تشاغلت بعمل الشاي ، وقفت على الباب وكانت تترنم بإحدى أغنياتها وكان شعرها الجميل الأسود الناعم ينام على احد جانبي وجهها ، اختلطت رائحة الشاي بصوتها ورائحة الزيت المحروق في بعض الاوانى مع رائحة الند والصندل وكان الليل يحمل لنا ااصوات فتيات ينقرن الدلوكه
    الشفه البى نتيلــــــه
    ملضوم بى حريــرة
    تجى لة نشيــــــــــله
    مريحه وثقيلـــــــــــه
    جلسنا نرتشف الشاي وكانت أنفاسها تتصاعد مع بخار الشاي الذي يحوم فوقنا ويتخلل مجلسنا وهى تحدق في البعيد .
    • الدنيا لمتنا انا وزريقه ونحن عيال صغار نسرحوا بالابل ونتجارى فى الوديان الريده قدر ومكتوب ، انا قلت ليه تعال شيلى جابونقه ، لكن هو قال اخواله التعايشه بيقيفوا معاه ، حاج حسب الله ما بدينى لزولن مفلس ،انا قلت لكلتوم انتو ادوه مراح من حقى ، اصلوا جدى الصديق ما عنده جنى علة كلتوم بس ووقت موته قال ادوا نصف المراح للصفيه ، قالت حسب الله بيقول كان قسمنا الابل مابناخد خريف واحد. ادونى لي واحد من اولاد عمى وانا قلت الهامل مابناخده ، قلت ليه وكت نزل من جواده ان كان راجل ادخل على سكينى سنينه وايدى قاطعه. عله قعدنا شهور وطلقنى وحسب الله قاللى ما ليكى قعاد هنا ، شديت على حبوبه لى فى البندر مطلقه وفى البندر الدنيا ما خربت ، العاقل والمجنون والهامل والفصيح بدورنى ، رسلنا لزريقه فى بكانه سمعت انه سواله قريشات وقلت ليه تعال نعرس ، رسل لى قال بجى ياخدنى من حسب الله بقريشاته ، زريقه مجنون وانا مطلقه وحسب الله نكرنى شن بتفيده قروشه بتسويه ود عرب ! الناس جنت بالقروش ، وانا قلت فى ضميرى لو حسب الله بيبعنى وزريقه بيشترينى انا بنسوى قروش براى. حبوبتى ادتنى الالف وقالت لى حاسبى عليهن لو كملن مابنديك تانى ، اشتغلت فى السوق سويت كشك ، حسب الله سمع بى وقال لى اخر الزمن وكلام الله مافى منه مفر، رسلت لزريقه قلت ليه تعال ادخل معاى فى شراكه ، سمعت انه غاب فى حرب القرعان. مطلقه وفى نيالا كل هوين وهامل بنقح لك شفت المرة ، الالف بقن اثنين والزمان الا روح والسنه بقت سنوات ، بعد داك جانى خبر حسب الله قالوا وقف فى فراش اخوى وقال والله عافى منى وان درت ارجع ارجع .
    كانت تجلس على طرف المقعد وتمد قدميها الصغيرتين وقد خلعت الشبشب الذي كانت ترتديه ، وتلاعب التراب الذي تحتها وهى تتحدث وكانت عيناها تلتمعان في الضوء وتومضان وعندما تلتقي بعيوني كانتا تضحكان والغمازات الحلوة ترتسمان على الخدين . كانت الأفكار تتقاذفني وانأ أحس كاليقين إن حياتي معها أصبحت بلا عوده.
    • انا حدثت ضميرى وقت حسب الله بدور قريشاتى ، شديت رحالى وجيت لفراش اخوى ، كانت اول مرة نرجع فيها من سنين ،عووك جيت لقيت الحاله غير الحال ، والبلد دخلها شيطان ، كل شىء فيها الا اتشقلب ، حسب الله قال لى ترجعى بيتك ،عله قت له بقعد مع عمتى واسوى لى كشك فى السوق وده الحال لمن جيت وخليتنى نريدك!
    كانت الكلمات الأخيرة قد قالتها بعجل ، لم تتعمد إن تتعجل لكنها أحست بها بعد إن نطقتها ، انفلتت جاريه من مكانها حامله اوانى الشاي وهمدت في مكاني غير قادر على الحراك وقد حل على إحساس عامر بالاطمئنان وحلاوة الحياة.
    طالت لقاءاتنا واستطالت وعرف بها القاصي والداني ، يرمقني بعض أهلها بنظرات من الغضب ، وأحس الحسد والإعجاب من زملائي ، وحده شيخ البلانقا الذي لم يعد يتحدث معي عنها ، حتى عندما اذكرها له ينظر لي بتمعن ويهرب إلى موضوع أخر.
    معها بدأت اجن من حبها وخوف أن افقدها ، كان لابد إن أراها يوميا ، أمر عليها في متجرها ، أتبادل معها إطراف الحديث و يحلو لي إن أصحو مبكرا واخرج مقعدي واجلس على الباب انتظرها وهى تروح من بعيد إلى عملها ، كان حبها قد تملكني تماما. هذه البلدة التي تقع في أقصى نقاط الصحراء الجافة ،الضيقه الخاوية محدودة الساعات واليوم والشهر صارت ملتقى الكون واعز بقاع البسيطة . عندما التقيها لا أمل النظر في عيونها الجميلة ، الإصغاء إليها ساعات طويلة وهى تحكى لي عن حياتها السابقة ، وعن يومها الذي مضى .
    في ذات ليله وقد اقتعدت طرف السرير وهى تتحدث وانا جالس على المقعد قريبا منها اسمع أنفاسها واشم رائحة الهواء الذي يخرج من صدرها ، وكنت قد بدأت أحس في الأيام الأخيرة و هاجس الخوف الغامر من فقدها يزداد. وهى تتحدث كانت تتحدث بكل إطراف جسدها عندما تتحدث ، استلت يديها الصغيرتان وشعرت يهما ترتجفان في يدي.
    • الصفية نتزوج
    توقفت عن الحديث وحدقت بى ، سلت يديها برقه عن يدي وجلست صامته لا تريم حراكا. دهشت أنا نفسي من حديثي فانا لم أفكر في الحديث قبل إن أقوله، لكن كنت دائما راغبا في فعل شيء. كنت أظن إن الصفية التي تريدني ، كما تقول ، وبعد شهور من الغربه والتعلق الشديد يبعضنا ، ورغم أنها فوجئت قبلي بطلبي إلا أنها ردت بهدوء شديد اغرب رد ينتظره شخص.
    • العرس بندوره لكن الا ننتظر زريقه .
    أياما طويلة حاولت مع الصفية أحاورها ، أداورها وأجادلها لكي اعرف سر انتظارها لزريقه لكنها رفضت تماما إن تشرح لي ، حتى عندما اتهمتها أنها لا زالت تحب ذلك الشخص الأخر كانت تضحك وتقول بلا خجل .
    • انت لقيتنى فتاة ، دة شنو بلا العرس!
    ورغم سخطي وضيقي وتبرمي لم تنقطع لقاءاتنا حتى كان ذلك النهار ، وكنت قد بدأت انسي اننى لابد أن اقنع الصفية بالزواج حتى اخرس العيون التي تطاردها وتطاردني وجدت معها والدتها الحاجة كلثوم وكانت قد نمت بيننا علاقة ود كانت الصفية تتشاغل عنا مع بعض المارين ، قطعت حديثي فجاءه وقلت لوالدتها
    • حاجه كلتوم انا قلت لبنتك نعرس ، لكن هى مابيه !
    طرف الحديث وصل الصفية، فتسارعت من الذين كانوا يشترون، كان وجهها قد بدأ في التغيير، وضاقت عيونها لم أر الصفية في هذه الحالة من قبل، كانت غاضبه تماما وقالت لي:
    • انت قلت لى بعرسك وانا اديتك الرد تمشى تدخل كلتوم بيننا
    كان ذلك أول خصام بيننا واستمر لمده طويلة ، كنت ثائرا وقد أعدت لها الكلمات التي قالتها بأقسى منها ، لم أضع نفسي في مثل هذا الوضع من قبل قط ، موقف الخيار تحاشيت دائما إن أكون جزء من عدد ، ارجع دائما عندما أجد آخرين ولكن هنا لا استطيع التراجع ، كما قال شيخ البلانقا ، طريق بلا عوده طريق السعادة أو الجنون .
    جلس الشيخ هادئا ، كنا نجلس في نفس المكان الذي ضمنا وإياها مساء تلك الليلة ، تحدثنا في أشياء كثيرة وانا في انتظار إن أجد مدخلا ما ، لكنه كعادته تحاشى ذكرها .
    • لقد طلبت منها الزواج
    ارتفع حاجباه بدهشة خفيفة، صمت قليلا ثم انفجر بضحكه مجلجلة.
    • ماذا قالت لك .
    • قالت أنها تريد الزواج ولكنها ستنتظر زريقه
    انفجر مرة أخرى في ضحكه طويلة لم استطع إن أساله رغم ضيقي، لم أجد سببا واحدا يجعله يضحك في موقف كهذا تحدد فيه المصائر بلا هوادة. كان لابد أن أعيده للحديث الماضي إذ إن مثل هذا النوع من الأحاديث تعيدنا كثيرا إلى مسارب ومداخل مجهولة و طويلة لم تكن لي فيها غاية في هذه ألليله، وانا قد تخاصمت مع الصفية ولا ادري مدى غضبها
    • هل تهون عليك أحلام الصبا والمواعيد الأولى، الصفية تحمل خلف ظهرها ست سنوات من الخوف العظيم والتشرد والتضحيات، وتفاصيل قالت لك بعضها والمر القاسي احتفظت به لنفسها، لماذا تترك لك كل هذا لمجرد انك طلبت منها الزواج.
    • لاننى أحبها وهى تحبني
    • انت تحبها نعم ، لا تدرى باى مقدار هل تستطيع إن تناطح السيل والرياح والكرامات القديمة من اجلها
    دارت في ذهني كوثر التي كانت قد اقتعدت ركنا قصيا في القلب ، ذكرى لا تؤلم ولا تندمل ، جرحا برأ على مهل ، أحلاما ذابت في ليله مشعه الأضواء مخضبه بالحناء والروائح النفاذة وصوت المغنى وذبذبة النظرات . كنت قد بدأت امتلئ والليل يشق بنا ساعاته والشيخ يدندن باغانى قديمه ، أحسست اننى في هذه الليلة قادر على إن أقاتل اسود الفلاة وصخر الصحارى من اجل الصفية .
    • الصفية تحبك ، ولو لم تكن لما أعطتك نفسها التي صانتها في وجه الطامعين والباعة والشراه ، لكن الصفية قاتلت من اجل حياتها لذلك هي تحب مواقفها أكثر منك ،إنها لم تعد تحب زريقه منذ زمن طويل لكن ستنتظر حتى تتأكد من هذا
    • إذن هي لاتحبنى بما يكفى .
    • وماذا تعرف انت عن ثمن الحب ، جئت حاملا معك عطر المدينة البعيدة ووسامه لا تخطئها عين واصاله النسب ، وهم رائق لا يعكره سوى قصه حب فاشلة نسمعها في ألاف الاغانى ، ولو كنت شددت الرحال كما فعل الآلاف قبلك إلى بلاد الاغتراب ، لكنت اليوم زوجا لتلك البندريه حتى فشلك في الحب مجرد مصادفه لا ثمن لها
    بعد وقت طويل من الخصام استعادت علاقتي مع الصفية وقعها العادي ، كنت قد اصريت لوقت طويل على إن يصير بيننا شكل من الارتباط حتى ولو خطوبه حتى يظهر زريقه . وأصرت إن نستمر كما نحن حتى يحضر أو نسمع انه توفى وكانت قد سمعت انه ترك حرب القرعان وذهب إلى ليبيا ويعمل في احد المزارع بالكفرة .
    رضيت على مضض على شرطها وكانت احشائى قد تآكلت من الغيرة وتنازعتن أحاسيس متضاربة ومبهمة حينما التقيها وحينما أفارقها وصار الأرق ملاذا لي .
    زرت والدها في منزله وأخبرته اننى انوي الزواج منها ، ورغم غضبتها العارمة والخصام الذي استعادته معي إلا اننى بدأت أداوم الذهاب إلى منزل والدها وأشاركهم الأفراح والأتراح وتقبلت هي هذا الوضع الجديد على مضض لكنها لم تعد تغضب بل أحيانا أحس برنه فخر في صوتها وهى تحكى للذين يتجمعون في دكانها من اصدقائى كيف اننى زرت حسب الله وتعليقاته على.
    تضامت على ركبتيها واقتعدت السرير ، وكانت تنظر لي وتضحك وتقرصني بأصابع قدميها المستدقه . قالت لي ذات ليله “ الذهب يقطعوه صغير" ثم وقفت ولفت ثوبها على خصرها.
    • ارح وصلنى
    عندما طرق الباب ، تباطأت حتى تدخل الغرفة لكنها كانت جالسه لا تلوى على شيء فأخبرتها إن تدخل حتى أرى الزائر. ضحكت بعفويه واختفت داخل الحجرة المظلمة وتركت ورائها رائحة الند والصندل والليمون الطازج وماء النهر في أشهر الفيضان.
    دخل محمد ازرق وكان قد غاب طويلا منذ إن وادعته في نهاية السفريه . ناديت عليها فجاءت خفيفة ، وكنت أهم إن أحدثها انه صديقي إلا إنهما كانا يتفرسان يبعضهما في الضوء القليل
    • أهلا حبابك جيدا جيت ، الزمن الا فوت بخليك مع رفيقك .
    في أواخر تلك الليلة ، والقمر قد توسط السماء ونشر أشعته على الرمال البيضاء وترامت ظلال الأشجار ، حدق طويلا في نجيمات بعيدات تنبجس ضوئها وتنحبس وقال بصوت جاء من أغوار بعيدة
    • دى هي الصفية !
    أعاد إلى ازرق كل ليالي الضنك والارتعاش ، أقدار وأقدار جعلتني لا التقى في سفرتي إلا هو ، الذي تحفظ له الصفية أشواق السنوات الجافة والانتظار الممض الطويل وترابطت حياتنا بوشائج من حديقتنا الصغيرة التي حملنا شجيرات الليمون فيها عطرا في أنوفنا ، ورائحة في ليالينا السقيمة ، وتداخلت مع الحناء والند والصندل والشوق العظيم .




    جلس ازرق وكانت قد الجمتنى كلماته ، رنت في ذهني التحية العذبة التي قالتها الصفية وهى تخرج ، وكنت قد تابعتها بعيوني لم تضطرب ولم أحس باى ارتجاف في صوتها ولكنى أحسست في صوتها بالرقة تخرج من سنوات بعيده .
    • الافندى جيتك لعوزه انا جيت من ليبيا وجوازى مسكوه ناس الامن
    ضرب إحدى يديه بالأخرى وكانت يداه ترتجفان وعيناه تلمعان .
    • الشىء طويل يبدأ من الصفية وينتهى بالصفية ، ياسلام قادر الله الدنيا دواره .
    كان لابد إن اخرج ، صارت النجوم الفرحة التي تتساقط على السماوات والأرض الممتدة إمام ناظري والحياة التي كانت تشع طمأنينة ومودة ورحمه ضيقه ومقبضه ومحزنه . بحثت عن الشيخ فوجدته جالسا مع أصدقائه فاقتلعته منهم وهم يهرجون
    • لن تصدق زريقه الذي كانت تحكى عنه معي بالمنزل
    زريقه يحمل مهر الصفية ، وكان قد حكي لي عن هذا بسرعة وهو يجلس ، المراحات التي قد حلموا بها قبل سنوات وإنا بيدي السيف الذي استطيع إن ابتر أحلامهما من البداية
    • بهذه السرعة لقد بدأت تدفع ثمن الحب، الصفية إحساسها لا يخيب ربما تقرأ الغيب هذه المدهشة كانت تعلم إنكما ستلتقيان في هذا الموقف. ستساعده أليس كذلك ؟
    وماهو الثمن الذي سأدفعه لقاء هذه المساعدة هل سيستيقظ الحب القديم في الصفية وتشرد كالظبي النافر منى . الصفية لا تعرف الخوف أو الكذب ، الصفية تقودها غرائزها الانسانيه الفطرية هل أصبح إنا ضحيتها. جلسنا وانا أريد إن أغيب عن وعى وافقد بصري واستسلم للنوم من خوف ومن ضياع ومن إحزان لا تبرح خيالي ، وكان ازرق يتحدث .
    كان الجمع منتظرا على التله الرملية ، توافدوا من كل الخيام المنصوبة على إطراف القوز ، العربان عادوا من مضاربهم ومواقع رعيهم . زغاريد النساء تلعلع تملأ الجو ، فتحيله إلى نغمات تخترق إذنيه إلى الأحلام البعيدة ، تقدمنهم الإبل ومروا بين صفوف المجتمعين ، والرجال يقفزون عاليا والصوارم تلمع في ضوء الشمس ، ودقات النحاس تهز المكان والحكامة ومن ورائها النساء يغنين :
    درة عيال زريقــــــة
    حرق الناس حريقة
    صبر البى نتـــــــيقة
    فزعوا فى سريقـــة
    كانوا قد خرجوا فزعة، عدة رجال طاردوا السارقين عدة أيام وليال في وهاد وتلال وصحارى حارقة الشمس، يتوقفون كل برهة يتابعون الأثر في انكسار جذع ، التهامه غصن اخضر أو تساقط أحجار صغار من مرتفع. في فجريه اليوم السادس وكان عليه سقاء الإبل من بئر قريبه استعدادا للرحيل وجدهم ، ثلاثة رجال يسوقون القطيع إمامهم ، فطاردهم ازرق على جمل ولا يحمل سوى سيف وعصا حتى لحق بأحدهم فطرحه أرضا بضربه من عصاه وفر الآخرون تاركين ورائهم الإبل المسروقة .
    وهو على جمله رأى عيناها - ككهارب البندر- الصفية واقفة وسط جمع النساء كزهرة بريه نمت على إطراف غدير ، ضاحكه تغنى عيناها ، كانت قد مضت سنوات كثيرة منذ Hن رآها أول مرة .
    • ها زوع غادى
    جاءه صوتها حادا ، تلفت حوله فرأى عينان ، طفلة صغيرة طولها لا يزيد على عدة أشبار ، كانت قد جاءت مع أهلها لورود الماء من البئر ، تلك العينان وحدهما جعلته يزوع غادى . كانت تحمل في يسراها فرع شجرة وتمسك بيمناها رسن ناقة حمراء ، تدفع بفرعها النياق المتزاحمة على الحوض لتجد مكانا .
    منذ ذلك النهار الحار صار ينتظرها ترد الماء مع الإبل كل أسبوع لمدة شهور ثم تغيب مع أهلها الراحلين لشهور أخرى. جلب لها القواقع من حواف الخيران والحميض والنبق والدوم والعسل ، وذهب معها لمزارع البطيخ ليأكلا وهما يضحكان على غفلة المزارع ، معها طاردهم أصحاب المزارع التي تنتشر على الخيران في نهاية الصيف ، ومن اجلها جرى كتيس الغزال في اتجاه المزرعة لكي يجرى خلفه الرجال ويضربونه لتفلت هي .
    كان يذكرها عندما غاب مع والدته تاركا مدرسته في السنة الرابعة وهم يعملان في بناء المنازل في المدن الصغيرة ، يحملان المونه على السقالات ، يحصدون المزارع الفسيحة ، يفرغون جوالات السكر والدقيق وكراتين الشاي والحلوى وصفائح الطحينية . حتى عادوا بعد سنتين وقد تزوجت امه من عمه الذي عاد من حرب القرعان في تشاد واشترى أبقارا وضانا وقليلا من الإبل. عاد ليعمل في الكثبان الرملية يحرث و يزرع ويحصد في الحواكير معهم ، ويسعى بالماشية وينتظرها مع بداية الصيف .
    رآها من بعيد وهو يقف في التله الحجرية وهم يحطون رحالهم في اعلي الكثيب الرملي ويبدأون في نصب خيامهم ، كانت قد طالت وتبرعم نهداها. في الصباح الباكر عندما جاءت واردة البئر كان ينتظرها، كانت قد مضت خمس سنوات منذ آخر مرة لاقاها فيها. عندما اقتربت منه كانت قد اتشحت بطرحة لم تكن تلبسها من قبل وتجاوزته وهو قد تأهب لتحيتها . كان شيئا ما قد تغير فيهما ، كان قد ذهب إلى المدن الصغيرة ورأى اشياءا وكانت قد كبرت وتكورت . اقترب من البئر واخذ منها الحبل وبدأ في انتشال الماء، وكان المكان مليئا بالأطفال والكبار ولكنهما رغم ذلك تحادثا، قليلا ومبتسرا وبسرعة ولكن حادثته بصوتها الذي يذكره جيدا.
    وتتالت ليال وأيام ، التقاها وحكي لها عن السنوات الطويلة ، وواعدها في الليالي القمرية والمظلمة خلسة وعلى عجل ، وغنى لها وغنت ، كانا يحسان بان شيئا ما يحدث بينهما ، كما حدث لملايين المراهقين والمراهقات قبلهم ، عندما يرتمي على فراشه يحلم بالبطولة ، فارس له زئير وسيف على الكرار يشق بطون أعداء وهميين ، وبآلاف الإبل والأبقار ، وعشرات الافدنه الناضجة الدخن تنتظره ، وفوق هذا كله الصفية تحيط بهذه الأشياء جميعا ليست داخل الحلم لكن تؤجج الأحلام . .
    وكانت هي تلتقط الاغانى فترى نفسها شهيدة العشق المجنون العارم الذي لن يخمد له أوار ، تذهب في التأريخ ، تغنى لها المغنيات ويحلم بها الفتيان ويطلبون شبالها ويهزون سيوفهم على رقصها ويتساقطون صرعى لعيونها الجميلة وحيدة الزمان . وانقطعت تلك الأحلام والآمال والليالي الساهرة ذات مساء وقد أخبرته أنها لن تأتى مع أهلها ثانية ، فقد بني لهم والدها منزلا من الطوب في البلدة واستأجر الرعاة لإبله .
    منذ ذلك الصيف خرج ازرق للرعي وراء ابل عمه سارحا ورائها في المفازات الشمالية ، وفى الجزو ، إلى منابع المياه وآبارها وراحلا ورائها جنوبا عند بداية الصيف ، متسقطا إنباء الصفية من أبناء أهلها ومن رعاة إبلها ، ومن الاغانى التي بدأوا ينظمونها فيها وقد سكنت منزلا من الطوب في المدينة .
    في تلك الليلة وقد نحرت الذبائح وأنارت أضواء الرتاين حلكة الليل ، بدأوا الرقص والغناء ، قطعت لهم الحكامات قصائدا ، ستمشى بها الركبان ، في شجاعتهم ودهائهم وزغردت لهن النساء وهز الرجال فوقهم وتقافزت الفتيات كالظبيات ، ورقصت له الصفية وحده من كل الجمع فبزت الفتيات ، متمايسة بشعرها الطويل تلقيه على عنقه يمينا وشمالا فتخترقه رائحتها ندا وحناء وصندلا وليمونا طازجا ومياه الخيران عندما تمتلئ اثناء الخريف ، وتضحك له يعيناها وإطراف أصابعها فيحس بالانتشاء كجمل شارد في أودية لايحدها مكان.
    التقاها في ليال قمريه بعد إن عادوا وتذكرا الطفولة والشباب ، وفى أخر ليله رآها حدثها بأمر الزواج فضحكت وراغت منه وذهبت . استغرقه الحديث خريفان حتى اقتنعت والدته بان تذهب للحديث مع أهلها وكانت لم ترض إلا بعدما هددها بأنه سيأخذها جبنقة ، لكن والدته أخبرته أنها ستذهب لأهل جده التعايشه ليساندوها ، وتحرك رحلهما والدته وعمه وعدد من الضأن .غابا أسبوعين ثم عادا ومعهما الضأن، بت حسب الله رابح صاحب إلف من الإبل ومنزل من الطوب في البلد لا يعطى ابنته هدرا.
    الليلة ساكنه قد رجعت الطير لأوكارها وصمتت الاغانى وأصوات المرتلين ، نشطت الكلاب في نباحها ، وذابت القرية في الظلمة وخمدت أوار النيران ، اطل على الحوش الذي يضم أمه فوجدها نائمة فحمل عصاه ومخلاة فيها بعض حاجياته وخرج . تخالف بنات نعش التي قد انقلبت إلى قبة السماء الغربية ، سيعود إلى هذه الديار ، ديار الصفية ، وقد ساق إمامه إلفا من الإبل يسكت بها خشم الشايب وورائه أخواله فرسان التعايشه مسلحون بالسيوف والحراب والكلاشن . حمله الليل الزاوي إلى البعيد ، وتراءت له أصوات بعيدة لعربات على الطريق فتوجه نحوها .
    يصحو في الرابعة صباحا ويتسلل من بين أصدقائه النائمون في القطيه يرتعد بردا ، ويتجاوز القرية إلى السلخانة حيث يبدأون في العمل الشاق في الذبح ، حمل الذبيح للعربات والذهاب بها إلى السوق . وعندما يستلقى على فراشه منهكا من عمل اليوم ، وقبل إن يغيب في نوم عميق بلا أحلام كانت أفكاره تسبح نحو الصفية وكان يعلم يقينا إن عمله هذا ليس سوى محطة في طريق طويل لاينتهى .
    في ذات صباح ركب البص الذي يوصله للمدينة ليعمل هنالك ، شهور طويلة يصحو مع المؤذن ويعمل كالبغل في الجزارة ، وعند الظهيرة يرتدى جلبابه النظيف ويتجول بين بائعات الخضار والفواكه والفول السوداني . سائلا عن تجارتهن وربحها ويقابل الذين يحضرون الفواكه من جبل مره . بعد شهور قليله اخذ نقوده من صاحب العمل ورافق بعض التجار إلى الجبل ، وعمل موردا للبرتقال والمانجو وأحيانا يحمل معه جوالات السكر والصابون إلى قرى الجبل ، ثم تحول لتجاره الجوافة وتعددت علاقاته مع ذوى النفوذ في المدينة ، فعمل في بعض أوقاته إضافة لتجارة الجوافة في تسهيل إجراءات الحج للذين يحضرون من غرب إفريقيا ، من نيجيريا وتشاد والكاميرون ومالي ووسط إفريقيا ، يحضرون من بلادهم وهم لا يحملون سوى أمل غامض في الوصول إلى الاراضى المقدسه وبعض النقود كما كانوا منذ عدة قرون لا يحملون اى بطاقات تعريفية أو شخصيه ، يبدؤون في استخراج شهادات الحسيه لهم ثم جوازات السفر السودانية وإعداد إجراءات الحج وتسفيرهم من العاصمة . كانت قد مضت سنتان منذ إن تسلل من منزله في تلك الليلة تواصلت التحيات والوصايا التي يحملها أبناء المنطقة إلى أهله وأحيانا يرسل بعض النقود.
    كانوا عائدين ، مجموعة من التجار من سوق ابوغطا ، وكانوا في الاونه الأخيرة قد بدأوا نشاطهم في السوق الذي يقع جنوب غرب تشاد ، يفد إليه التجار من الكاميرون ، إفريقيا الوسطى ، السودان وتشاد وكان هذا السوق يعقد مساء كل أربعاء ويستمر طوال الليل وينتهي في صباح الخميس ، كانوا يبيعون ثوب الزراق والزيوت وصابون الغسيل والبطاطين والاقمشه الشعبية ويجلبون من هنالك الروائح والزنجبيل والقرفة والفلفل وصابون الحمام والعملات المختلفة .كانوا كالعادة يدفعون اتاوات في الطريق لعدة مليشيات حتى الحدود السودانية حيث يدفعون إتاوة لسلطات الحدود ، وكان ازرق قد غامر بكل أمواله في هذه الرحلة ليستطيع شراء لوري نيسان من نيجريا .
    اقترب منهم مسلحون بكلانشنكوف وبنادق وبعد إن تسلموا النقود منهم اخبروهم أنهم يحتاجون للكومر الذي كانوا ينقلون فيه البضائع . حاولوا تلافيهم بيأس مطبق وبان يضغطونهم بأنهم سيشكونهم لقيادة الجيش الموحد ولكن احدهم ويبدوا انه قائدهم قال لهم بازدراء: انتو عيال من وين ؟
    كانوا أربعة اثنان من البرقو وهو وقمراوى ، حدجهم بنظرة احتقار وقال :
    • خديم ساكت تساوقوا ، انتوا لشغل بيت وزراعة .
    تركوهم في العراء ، انتهى ازرق كما بدأ لاشيء خلفه أو إمامه ، سيبدأ من حيث بدأ عاملا في جزارة أو جرسونا في مقهى أو مساعدا للورى . وهم يسيرون على الوديان المجدبه رأوا مجموعة أخرى من الجنود يرتدون زى قوات الشمال ، وهكذا وجد ازرق نفسه في وسط المعارك ، حرب القرعان مع العرب التي جاء منها عمه وهو يحمل النقود والبضائع والذكريات وإصبعا مفقودا في اليد اليسرى ، وكان القائد قد قال لهم بعد إن سمع حكاياتهم.
    • اها هوان دا ، تساوقوا وعرب سووا نسوانكم خديم ساكت ونزلوا نبق بالجنيات
    كانوا من جماعات مختلفة لكنهم كلهم ينتمون لقوات الشمال ، الذين جاءوا إلى الجنينه ذات يوم بعرباتهم وأسلحتهم يحملون الجرحى والقتلى بعد إن انتصر عليهم جيش جوكونى ، وأدخلوهم هنالك في معسكرات ضخمه ، بعد ذلك سمعوا إن المصاروه والسودانيين يدربونهم في المعسكرات وقد شارك هو في بعض الأيام في تزويدهم بالزيوت والعسل والدخن بأسعار عاليه كان يدفعها له احد الضباط . ثم سمعوا بعد ذلك إن الليبيين قد احتلوا تشاد وفى طريقهم لاحتلال الجنينه ومن ثم السودان . في تلك الأيام كانت المدينة تسهر قلقه في بعضها ، وفرحة من الجانب الأخر، فالذين يحلمون بالذهاب إلى ليبيا وإحضار الدولارات والمسجلات والبطاطين والملابس والذهب انتظروهم حتى تسنح لهم فرصة الذهاب .
    اكد تلك الإخبار إن بدأت قوات هبرى في بيع عرباتهم في مزادات المدينة ، منها اشترى ازرق الكومر واشترى اخرون بأسعار بخسة ، ونشطت تجارة السلاح ، لم يشترك ازرق في السلاح إلا مرة واحدة حيث كان وسيطا بين احد التجار وثلاثة من البائعين ، لكن تحذيرات مبطنه جاءته من ضباط الحدود اثناء احد رحلاته جعلته يتوقف عن هذه التجارة .
    عاد مع الجنود إلى الحدود وهناك تسلمه احد الجنود وبعد بعض الاسئله عن أهله وحياته السابقة ادخلوه معسكر ام دوين ، افهمه النقيب امن كباشى انه سيعمل مع القوات السودانية ، ولكنه سيتلقى أوامر القتال من قائد قوات الشمال وسيرتب له مرتب شهري يدفع له هنا ويمكن إن يسحبوه لاى مهمات أخرى . .
    • انت وضعك يمكن يبقى معقد لانه ممكن نشيلك من قوات الشمال ونغرزك فى قوات جوكونى او نوديك ليبيا ، لو مستعد بلغنا حاديك فرصة لباكر ..
    مرتب شهري وسيكون قريبا من قوات الشمال حيث المال السائب كما عرف من عمه، نحنا كنا نطلعى السوق وواحدة باعت غنماية بجنيهين ناخد جنية للقوات ، من اى سوق نطلعى بمية جنيه !
    ليله كاملة قضاها ازرق وهو بين النوم والصحو استوقفته نغرزك كثيرا ، إذن يريدون جرقاسا ، وعند الفجر كان قد استقر على رأى .
    • ياوليد حكومه تدورى شىء وانت تسوى شىء ثانى ، لكن بضاعة ماترجعى الا كده .
    قضى ستة أشهر كاملة في التدريب على الأسلحة وبعدها أرسلوه إلى الفاشر حيث قضى أشهرا يدرس الانجليزية والفرنسية واستعمال أجهزة اللاسلكي . بعد هذه الشهور أصبح ازرق في قيادة قوات الشمال يجتمع معهم ويقرر وبعدها دخلوا تشاد وهم يرتدون زى الجيش الموحد وخاضوا معارك ضارية حتى هزموهم ودخلوا انجمينا العاصمة .
    طوال عام كامل لم يسترح ازرق يوما واحدا يتوجه كل فترة إلى مكان به بعض القوات ، انهزم وانتصر وطارد وطورد ، رقص في الليالي المقمرة وصادق النصرانيات والمسلمات ، استولى على الأبقار والأغنام والمزارع وباعها وقتل دون إن يطرف له جفن . في قتال فيالارجو حوصر ازرق ومن معه وعندما نفذت ذخيرتهم استسلم مع الذين استسلموا .
    كدسوهم جميعا في احد المدارس وظلوا هنالك عدة ثلاثة أيام سمعوا خلالها إن الليبيون قتلوا هبرى . بعد يومين نقلوه إلى احد الغرف في احد المنازل لوحده، وتم معه تحقيق من مجموعة من الليبيين ومن الجيش الموحد. عندما أجلسوه إمامهم قال قبل إن يتحدث احد من الجالسين.
    • إنا حرب ده دخلة بالصدفة ، انا تاجر حدود وقوات الجيش صادر بضاعتى ، انا كنت بدفع الضريبه المقرر. دخلت مع قوات الشمال نكاتل بضراعى ، حكومه تدورى تسوينى جرقاس وانا بدور بضاعتى ، دى حرب ما حقتى لكن انا مضطر
    • انت بضاعتك بقدر شنو ؟
    • انا نوريك وانت تقدرى سعره !
    • بس انت معروف انك شغال لحساب السودانيين ؟
    • حكومه تدورى شىء وانا ادور شئ انا شغال حساب نفسى ، لحساب بضاعتى الروحت . انتو تدونى ثمن بضاعتى الروحت وانا امرق من حربكم .
    • ندورمعلومات منك ؟
    • انا ما بدى معلومات ، انا ما جرقاس انا ما ببيع حالى .
    • تشتغل معانا نديك حق البضاعة لكن ندور كل شىء نعرفه..
    • شوف جنابك انا معلومات ما بدى ،كتل ما بخوفنى ، انا حاربت ثلاثه سنين ومت مرات انا كان بعت حالى ببيعيك بكرة. .
    تداولته اللجان والمحققين والذين ضربوه وعذبوه وحرموه من الشراب والطعام لكن ازرق كان يعرف انه لن يبيع نفسه لاى كان . وبعد عدة شهور من المحاولات وتدخل الحكومة السودانية طلبه القائد.
    • ازرق انت مخير، بتدور ترجع البلد او تكون معانا ؟
    • ياجنابوا تدونى حق البضاعة وانا اسيب حرب !
    • نحنا قررنا نديك حق البضاعة لكن نحن بنعرض عليك تشتغل معانا !
    • والله يا جنابوا انتو تدونى الثمن انا نرجع ليبيا نشتغل فى اى شىء لكن انا ما بحارب ثانى ، مافى اى سبب .
    كانت قد مضت خمس سنوات على تلك الليلة ، حارب فيها ازرق كل العرب الذين رفضوا إن يزوجوه ، كدس من المال ما يستطيع وما لا يستطيع ثم خرج من تلك المعارك أخيرا كما بدأ من الصفر ، ساوره ذلك الإحساس الذي بدأ به في تلك الأيام الأولى وسأل نفسه السؤال الممض لماذا يحارب ؟
    كانت الصفية قد أصبحت في خياله رؤى ضبابيه لم يعد يحسن الإمساك بها ، ماضي سحيق قد فقد الصلة به وكأنها عاشها في عمر ليس عمره ، ازرق قد أحب الفتيات من كل صنف ولون ، بائعات المريسه في أسواق الغرب ، زوجات المغتربين في ليبيا ، أسيرات عربيات في معسكرات القتال ، فرنسيات في بارات انجمينا ، كنغوليات وكاميرونيات وفلاته ، ظامئا إلى البحر الندى الذي لا وصول له. رغم كل النساء في حياته كانت الصفية كالدمل في قلبه، يحيطها ويقاومها ويميط عنها اللجام أحيانا.
    عندما يغنى في سره كانت تبدو له ولا يغنى الا لها ، أمل غامض لازمه يراوده في الصحو والمنام ، كان يعرف انه عندما يلتقيها في احد ألازمان سينكرها وستنكره وستترك القلب عليلا ، ولكنه كان قد وطن النفس منذ دهور عديدة أنها لم تعد له ، إن طريقهما لا يلتقي إلا اذا عادت السنوات إدراجها وترددت في البوادي البعيدة رقصات الجرارى والأحلام الصبية .
    اشترى جوازا سودانيا وغادر البلاد إلى ليبيا ، طامحا في نسيان الماضي كله والبداية من جديد ، أملا في إن تنام عنه ثعالب السودان ومحققي أيام الحصار ، وقد استطاع ازرق بكل ما أوتى من ذكاء ومن تدريب إن يبتعد عن التفاصيل الكثيرة في حياته السابقة وعمل في احد المزارع التي أنشأت في احد الواحات حارثا وزارعا وحاصدا ، وكأنما الأرض دارت دورتها وعادت إلى الزمان القديم .عمل كالبغل في الواحات الحارة مدخرا ما استطاع من مال ليعود به إلى قريته القديمة ، يشترى مراحا من الماشية والإبل ويستصلح قطعة ارض ويعود إلى أمه الحبيبة كما خرج من مخاضها ، لكنه هو ينسى والصفية تنسى ولكنهم لا ينسون ، تلقفوه من الاسم وقلبوا أوراق الجواز وتحاومت أعينهم الكهربائية على الخطوط والتأشيرات والسنين التوالد .




    اتفقت مع السعيد بعد لآي وجهد شديدين وبعد أن أدخلت في الحديث كل الماضي المشترك و المنطقة واللقاءات المتقطعة ، سواء في أفراح البلدة او السمايات والولائم ، وبعد إن ذكرت له عده وقائع عن أشخاص تم تمريرهم من الجمارك بدون إن نتدخل ، وكنا نعلم أن هنالك اتفاقات تتم بينهم وبين بعض التجار الذين يحضرون في عرباتهم المسرعة من العواصم القريبة .
    قال انه لا يستطيع إن لا يعتقله لأنه مطلوب في العاصمة وقد اتفقنا أن لا تصادر أمواله أو تفتش عندهم ، على أن أقوم أنا بالتفتيش وأسلمهم اى وثائق أو خطابات مريبة أو أسلحه واستلم أمتعته عندي ، كما تم الاتفاق إن يطنش في مسأله إرساله إلى العاصمة حتى يتم نسيانه من الاجهزه هناك .
    سالنى عن سر اهتمامي به فحكيت له لقائي به وكيف ساعدني في السفر ، كما أخبرته عن كل المعلومات التي حكاها لي ازرق عن حياته لاقنعه بان حياه ازرق كلها كانت خاضعة لمصادفات وإحداث بلا تخطيط ، وقد تحاشيت أن اذكر له مسألة عمله مع الجهات السودانية وتدريبه الذي تلقاه ولم اذكر شيئا عن علاقة المسألة بالصفية وبى .
    اعطانى كل مفاتيح أمتعته واخبرني انه لا يحمل خطابات أو وثائق ، لا يحمل من الأوراق سوى النقود وطبعا لا يحمل أسلحه ، وقال انه يحمل مبلغا كبيرا مفروشا في مخبأ سرى في شنطه ملابسه وهو سيتركها أمانه عندي ، قمت بتفتيش حقائبه بدقه ولم أجد فيها اى شيء وأخبرت السعيد .
    تم إيداع ازرق في السجن العادي في البلدة ، وحملت حقائبه إلى منزلي ودعوت الشيخ للذهاب معي وهناك فتحت المخبأ السري في حقيبة ملابسه بعد إن تأكدت من إغلاق كل الأبواب .
    أصابنا الذهول والدهشة وأطلق الشيخ صفاره طويلة من فمه وجلست إنا على احد المقاعد ، كان إمامنا في المخبأ مبلغ ضخم من الدولارات ، كان هذا من اكبر المبالغ التي أراها في مكان واحد رغم عملي في الجمارك لمدة طويلة ، جلسنا وعددنا المبلغ وكتبت وصل أمانه باسمي وبشهادة الشيخ ووضعته مع النقود وأغلقت المخبأ والحقيبة ، ضحك الشيخ وهو يقول
    • بهذا يستطيع زريقه إن يشترى كل بنات قبيلة الصفية ، لا هى وحدها !




    كانت الشهور تتعاقب على الصحراء الحارقة ، ورياح متربة وسموم يلفح الأوجه ، وتدافعت شهور الخريف وقد غاضت الآبار وجفت الوديان ، ولم تمطر السماء ، وترافق مع إنباء القوافل التي تأتى من ليبيا ، وتدنى أسعار الماشية ، الإنباء عن صلوات الاستسقاء التي يصليها الناس في كل الحلال والقرى ، كان هذا هو الخريف الثالث الذي لا يبشر بالفرج .
    وفى بطء شديد بدأت البلدة تمتد في جميع الاتجاهات ، منازل من القش القديم والخيام والشمل ، وبدأت تظهر في الأسواق أفواج من الشحاذين الجائعين ، كنا نحس بأن شيئا ما يحدث من حولنا ، ونحن في زحمه حياتنا لا ندرى عمقها . الوادي الذي كان سائلا وممتلئا بالماء حين حضرت أصبح دوائر قليله متناثرة من الماء يتزاحم عليها الإنسان والحيوان . وبدأت شجيرات الليمون واللبخ والكتر والنخيل التي تزين إطراف الخور تتساقط وتسود ألوانها وتفقد خضرتها التي بدأت جرداء ، سوداء لا اثر لحياه فيها إلا أفنيه من شجيرات الشوك تنبئ عن ماضيها .
    بدأ اثر الحياة يضيع من كل الإنحاء ومن وجوه الصغار والكبار ، وجاءتني الصفية ذات يوما وهى ثائره واخبرتنى أن اذهب إلى حسب الله لأقنعه ببيع مراحه قبل أن تموت من الجوع والعطش ، المراحات التي غنوا لها الاغانى الطويلة ، وشكلت مجرى حياتهم طوال الأيام والسنين ، التي جعلت زريقه يضرب في درب المجهول من حرب القرعان إلى الضياع في مجاهل الصحراء التشادية ، والعمل تحت هجير الصحارى في الواحات الليبية ، كانت تتسرب من بين ايدهم كما يتسرب الماء في جوف الرمال .
    كنا نجلس على المقاعد في الليل الكئيب المليء بأصوات الأطفال وانين الأمهات ودوبيت حزين يبكى على الأحلام المنتحرة . وكان الشيخ ومعه بعض الأصدقاء مشغولين في عمل المناصيص ، كنا قد تعودنا إن ننحر شاه كل يومين وأحيانا في الليل عندما نجلس معا ، وكانت الشياه ارخص الأشياء في تلك الأيام ، اذ اختفت الخضروات وعز الدقيق والذرة والعصيدة .
    وكانت الصفية جالسة على مقعدها ، وقد زال عن عينيها البريق وعن خديها الرواء و أصبحت خامدة هامدة ككل الأشياء من حولنا.
    • حسب الله لوما باع المراح الابل بتموت والمواشى بتروح لكن لو باعن حسب الله بروح معاهن.
    • ومن يشترى حتى لو باع وقد تناقص سعرها حتى لا يكاد يكفى لايام .
    • ات تحدثه يبيعن وانا اشغلن فى التجارة ، ولما ينصلح الحال انا بديه ماله وربحه يبيعبهن بهائم ، الله يقطع البهائم ويومن .
    وماذا يبقى لهم في الحياة اذا باعوا بهائمهم ، وقد ولدوا على صوتها ورائحتهم في المهد كانت منها ، وشبوا عن طوقهم فوقها ، ماذا يرتجئون من حياه تخلوا من الشياه وورود المياه لسقياها .
    • ات مش افندى ! تشوفله طريقة يشحن المواشى كلها للخرطوم يودوهن للسعوديه
    هل أجرؤ على إن احدث حسب الله في هذا ، ربما مات قبل إن أكمل حديثي ، ولكن لا حل سوى هذا ، إلف من الإبل ومنزل في البلدة جعلت زريقه يضرب المجاهل البعيدة لا تساوى شيئا والناس تتساقط في هذه الأرض اليباب ، يتزاحمون على كسرة خبز ويتقاتلون على شربه ماء. أنها الكارثة الكونية لا محالة غضب من الله وسعير. تكونت الوفود من القرى والبوادي بعد صبر طويل على صلوات الاستسقاء وإنباء تتناقلها الأفواه عن مطرة في الجنوب ، سحابه غشت دار الهبانيه ووادي جرى من عيون جبل مرة الغائضه .
    وظهر في القرى رجال يحملون حقائب السمسونايت ويمتطون ظهور الرينجرز ، حقائبهم مليئة دائما بالمال مستعدون لشراء اى شيء ، ويبيعون أيضا كل شيء ، غضي الاهاب لا زالوا خضرا شواربهم ويرتدون لحيه ملساء ويذكرون الله كأن احدهم يتهمهم بالنسيان .
    • ات ما بتساعدنى شن فايدتك !
    كان الجميع صامتون ، مشغولين بشواء اللحم وكان الشيخ لا ينظر تجاهنا ولكنه كان منتبها للحوار الذي يدور .
    • اسمعي يالصفية ، انتى قلتى العندك يعنى اقوم هسى اروح لحسب الله ، الموضوع داير ترتيب اقول للراجل قوم بيع بهايمك ، لو قال لى سمح ، ابيعن وين ، ده مش عايز ترتيب ؟ خلينى اتصرف .
    كانت الصفية يحلو لها إن تجلس على كرسي صامته ، وتراقبني اثناء عملي ، وكانت تفرح كثيرا عندما تجدني صارما مع احد أو أحاسب أخرا على خطأ ، وتنفجر ضاحكة عندما يخرج الشخص ، ولكن معها لم يحدث سوى تلك الليلة التي تخاصمنا فيها أول مرة إن تحدثت معها بهذه اللهجة . وكنت اعلم أن ترتيبا صعبا كان في انتظاري ويحتاج إلى كل خبراتي ومعارفي ونفوذي ، وكان الخوف الزاحف من البرية على البلدة يلتهم الضعاف والجوعى والعاجزين ، و كل نهار شمس تشرق يبتلع في اتونه اهالى جدد .
    جاءني صوتها الرقيق وكنت قد نسيت لفترة طويلة رقة صوتها ونعومه كلماتها ، ونظرت حولي فوجدت الشيخ ينظر لي ويبتسم والآخرون يحاولون إن يخفوا وجوههم وقد بانت على الوجوه سعادة لا تخفى ، وكنت قد وددت لو انحنى ادفع العمر آنذاك واجد نفسي لوحدى معها وأتناول راحتها في يدي ونجلس هنالك حتى الصباح .








    تحلقنا ذات ليلة أمام حاج إبراهيم ازرق ، صحيت كل الأساطير القديمة والبركات والقباب المجهولة الأسماء ، لتشكل مع المستقبل المجهول والمجاعة التي تلف أعناق البلدة يوما بعد يوم افقا مخيفا وبشعا ومخجلا :
    في ذات صباح استيقظ أبناء الوادي ووجدوا واديهم الذي كان ممتلئا بالماء قد غاض، والأرض قد تشققت وكأنها لم تذق طعما للماء منذ شهور. ووجدوا تحت الشجرة التي إمام المستشفى ، التي كانت غرفتين قبل إن نبنيها وجدوا رجلا لا يعرفون من أين أتى راقدا على عنقريب ويلبس وجبه مرقعة .
    اجتمعوا كلهم في دار الملك حكيم الشفخانة، مفتش المركز ، ضابط الصحة ، تجار المواشي ، نظار المدارس والمسئولين في الجمعية التعاونية والدوانكى ، وأرسلوا الفلقوناى على حصان المك الأبيض ليدعى كل شيوخ الحلال المجاورة ، واجتمعوا كلهم وفى اثناء اجتماعهم جاءتهم الإنباء أن الآبار بدأت تجف وان الغيوم الخريفيه قد بدأت تنقشع ، واتفقوا في نهاية الامر وبعد اتهامات لا داعي لذكرها ، بين التجار ومسئولي الجمعية التعاونية وبين الشيوخ ومفتش المركز اتفقوا على إن يرسلوا لأحد الأولياء في جهة كتم ليحضر ويرى المسالة ويحل العقدة ، وفرضوا على الموسرين والشيوخ الكبار مقدار ثلاثون من العيش وعلى المتوسطين عشرون مقدارا وعلى البسطاء عشرة مقادير لبناء كرنك للولي ولمعيشه وجزائه اذا حل العقدة .
    في إعقاب ذلك خرج حكيم الشفخانه وهو سعيد لان المجتمعين لم يمسوه بأذى في اتهاماتهم التي تبادلوها ، ورأى وهو في طريقه الرجل ممدا على عنقريبه تحت شجرة الشفخانه فسأل الفراش منه فلم يزده اى علما .
    في انتظار قدوم الولي من جهة كتم بدأت الاهالى تتحدث عن هذا الرجل الذي لا يفعل شيئا سوى التمدد على العنقريب ، والذي اقسم كثيرون أنهم لم يروه يأكل أو يشرب أو يتحدث ، وقد حاول مفتش المركز إن يستخرج منه اى شيء ، لكن الرجل لم يتحدث فقالوا انه أبكم .
    وقد جعل منه ظرفاء البلدة حديث الليل عندما جلسوا وهم يعبون المريسه والكجوموروا ، فقال احدهم انه عب مياه القرية كلها في بطنه ، واسماه أخر حاج نقعه وتفلسف أخر وألحقه بالجن والملائكة ، وعندما تعتعو من السكر ذهبوا إليه فلم يجدوه في عنقريبه المعتاد ، ولكن وجدوه على حافة الوادي وبعد إن انتهى ربما من التبول وسار تجاههم كانت خطواته غير معتدلة ، فقد كان يستدير ربما في كل خطوة بإطراف جسمه مع قدمه التي يرفعها ثم يستدير مرة أخرى في الاتجاه المغاير ، خاف بعضهم فجروا وسقط احدهم في حفرة فأطلق صرخة والآخرون مسمرون في أماكنهم لا يريدون حراكا واحدهم طارت منه السكرة فجاءت الفكرة فصاح ّعنده العصبى "
    المهم إن وجود الرجل اثار بلبله خطيرة في إنحاء المنطقة ، فتعددت الاجتماعات وتعددت الاتهامات والقرارات ، فحينا يقررون إن يبنوا له كرنكا بعيدا عن الشجرة وان يعطوه كل يوم مقدار أكله ، فلما بنوا له الكرنك وحملوه مع عنقريبه إليها وجدوه في صباح اليوم التالي تحت نفس الشجرة ، وكان يمكن إن تقود هذه المسألة إلى ما لا يخطر على بال لولا عودة الرسول مع الولي ، اذ نست القرية قضاياها وتحلقت حول كرنك الولي طوال ذلك النهار ، وترك أهل المنطقة إعمالهم وبيوتهم وبدوأ في التجمع حول الولي طوال الليل والنهار ورغم كل شيء فقد تجمع أهل الليل في احد الجوانب واحضروا احتياجاتهم من سعون المريسه واللحوم واقتعد بعض الشباب السفهاء في غابه الكتر لمواصله حبيباتهم .
    ظلوا على هذا الحال أسبوعا كاملا والولي لا يخرج من الكرنك ولا يدخل عليه سوى الرسول حاملا الطعام والشاي في مواعيد معلومة ، في نهار اليوم الثامن راؤة وهو يجرى للملك ، بعدها تحرك احد التجار إلى متجره ثم نودي على احد الترزيه ، ثم اخذ الرسول بعض الشباب إلى احد إنحاء القرية التي بها الحصى ومعهم ميزانا .
    بعد قليل نودي إلى التجمع حول مجلس المك والذي اخبرهم إن العقدة ستحل بإذن الله عندما نرمى الأكياس التي بجانبه في كل أبار المنطقة ، تطوع شباب وجرى كل منهم صافى اتجاه بئر ثم عادوا بعد قليل وهم يتنهدون والعرق يتصبب غزيرا من جباههم وهم يتصايحون بفيض الابار بالماء ، فتعالت هتافاتهم وبكى آخرون وسجدوا وصلوا لكن صوت المك قطع كل هذا .
    • إما عن الوادي فلن يفيض ، والخريف لن ينزل اذا لم يبعد هذا الرجل الغريب عن المكان .
    تقدم مفتش المركز ونادي على شرطييه وتقدموا إلى الشجرة وحملوا الرجل الذي جاهد أن يفلت منهم ، كما حملوا عنقريبه وتوجهوا به إلى الجانب الأخر من الوادي . انتظر الناس حتى عادوا خفافا نشاطا والبشر يطفح من مفتش المركز و شرطييه ، وماهى إلا لحظات حتى بدأت السحب تتكاثف والرعود تدوي وبدأت قطرات المطر تتساقط وكأنها فوهة نهر على الوادي .
    ظل الاهالى جالسين في أماكنهم وهم يرون الوادي يمتلئ ماءا ويفيض على الجانبين وبدأ المك في نحر النياق ، ونحرت أبقار كانت تدر اللبن وشياه وأوقدت نيران واخرج النحاس وتحولت الساحة إلى عرس . في صبيحة اليوم التالي كان كل الناس قد تأخروا في صلاتهم وناموا حتى لسعتهم الشمس ، وكان الحكيم أول من رأى الوادي وهو جاف كأن الذي حدث كان حلما ، والتفت اول ما التفت إلى الشجرة فوجد الرجل ممدا فوق عنقريبه. قرروا بعد إن صلوا وزادوا في صلاتهم إن يحملوا هذا الرجل إلى الصحراء البعيدة ليتركوه للفلاة حتى تفترسه الضواري ليعود الخير إلى قراهم ، وفعلا خرجت القرية كلها وحملوا الرجل على عنقريبه.
    عبروا الوادي وسارو حتى تركوا الجبل وراءهم ، لكن ما لبثوا إن رأوا جمعا من الاهالى قادمين من الناحية الأخرى وهى ثائرة ، والتقى الجمعان وعقدوا اجتماعا لعقداء القوم ورفض كل جانب ان يلقى الرجل في منطقتهم ، وبعد حوار طويل تخللتها أوقات ابتعدوا فيها واستعد كل جانب للقتال ، استقر الرأي أن يقتلوا الرجل وان تشترك المنطقتان في ذلك ، وفعلا أوقفوا الرجل واختاروا من كل منطقه احد الفرسان ، كان حينذاك ينظر في اتجاه الجبل ، لما ضربه احد الفرسان شق نصف عنقه من جهة اليمين فانتفض ورفع رأسه ورأى الاهالى الجبل يهتز وتنفتح فيه هذه الكهف الكبير ، السندلوبه ، لم يستطيع الفارس الأخر إن يضربه لولا أن احد النساء من منطقته زغردت وغنت له :
    سيفك برق الظلام يوم تسله
    ظلطه حــــــــجار لى من يقله
    رفع سيفه وشق النصف الأخر ، فانتفض مرة أخرى فاهتز الجبل وانفتحت منه هذه الكهوف الخمس الصغيرة " الشلشليبات " وتدحرج رأسه . توقفوا كلهم وصلوا عليه ، وبينما هم يصلون تساقط المطر مدرارا وكأنه سياط تلسعهم ولم يستطيعوا من كثرة المياه أن يدفنوه فاحتموا بالأشجار والكرانك القريبة .
    لما توقف المطر بعد ثلاثة أيام وجدوا المكان خاليا و كأن الأرض قد ابتلعته. تدافع الشباب إلى اعلي الجبل وتباروا في الصعود وعندما بلغوا احد الكهوف الصغيرة ودخل أولهم تدافعت الحمائم إلى الخارج محدثه ضجيجا وهى تنشر أجنحتها وأحدثت وسطهم ذعرا ، إذ أنهم لم يروا هذه الحمائم من قبل هذا ، وكانت قد مضت عده أيام قليله فقط على قتل الغريب ، ثم رأوا نسورا محلقة حول الجبل وهى تدور وتحط أحيانا .
    كنت قد بدأت اذكر اننى قد سمعت ذات يوم أن النسور والحمائم التي تسكن جبال تقابو والتي انهارت مساكنها جاءت لهذا المكان ، ولكن الغريب الذي استوقفني في كل هذه الحكايات أن احد المعلمين اخبرني انه قد زار هذه الكهوف ذات مرة عندما كان صبيا وانه وجد هنالك أثار إقدام واضحة في احد مداخل السندلوبه ، كما وجد أثار رسم لحيوانات بألوان فاقعة على الجدران الداخلية وقال انه يعتقد أن هذه الكهوف هي من أيام الإنسان الحجري .




    كانت مطرقة كعادتها حين تود الاعتراف بخطأ ما ، وكنا في المكتب ، ورغم اننى كنت منشغلا لفترة طويلة فقد جلست هنالك في انتظاري ولم يكن هذا من عادتها .
    • زرت زريقه في السجن .
    كنت متوقعا أن يحدث هذا في يوم ما ، كنت انتظر الخبر وانا أخادع نفسي أحيانا أنها لن تفعلها ، لكنها الصفية لا تفعل سوى ما تظن انه الصواب .
    • خجلانه من نفسك ليه ؟
    نفرت من حديثي وبانت لمعه في عينيها اعرفها عندما تريد الدفاع عن نفسها ولكنها انكمشت على نفسها.
    • ونقوليك يمكن نزوره مرة مرة !
    • شوفى يالصفية انا بحبك في الحاضر ، ولكن اذا كان الماضي لسه معلق عندك فما بقدر اطالبك باى شىء .
    • يعنى انت مابتزعل؟
    • ازعل ليه .
    • مابتزعل ؟ زول تريده ويريدك يزور زول غريب والله انت عجيب !
    • اسمعى يالصفيه انا ممكن اقوم اديكى كفين ، وانتى يمكن تبطلى تمشى لازرق لكن انا حاعيش بشكى طول عمرى ، انا عايزك انتى تقررى ، تختارى بيننا ، بس ارجوك لما تكونى عاوزة تروحى ليه كلمينى.
    • انا يالافندى اخترت من زمن ، اشتريتك انت ، لكن ...
    • ماتشرحى يالصفيه يومك اللى اشتريتنى تكونى بعتى كل العالم وما فضل زول فى خيالك ، فى الوقت داك بس ما تحتاجى تقولى لكن !
    نهضت واقفة بسرعة ، والتفتت بعيدا عنى وهى تسرع الخطى خارجة ، لكن كنت قد رأيت لأول مرة في حياتي الصفية تبكى . بعدها جاءني السعيد ، كان في وجهه الآلاف الاسئله ، وكان لابد إن أجيب عليها قال وهو يجلس .
    • والله انت بقت تحيرنى ، انا لحدى اليوم ما شكيت فى اى شىء من ناحيتك ، لكن انا عاوز تفسير ما اكتر .
    وكان لابد إن احكي له كل تفاصيل المسألة، هل كنت مضطرا لهذا ؟ من كنت احمي ؟ كانت اسئله كثيرة تتضارب داخلي وتصيبني بالحمى والإعياء ، الاسئله التي رفضت إن أجيب عليها طوال حياتي وحتى في ذلك المبنى ، كنت لا انفك أقوله لضابط الأمن .
    • والله قضيتك تحير يااخى انت مالك والزواج ده ، فضى ايامك وامشى شوف مستقبلك فى السودان جوه ، المناطق دى ما بتجيب الا النحس .
    وكان قد المح لي انه يستطيع إبعاد ازرق الى العاصمة ، أو يرسله إلى جهنم لكي تنتهي مسألتي مع الصفية ولكنني قلت له وانأ اضحك محاولا تخفيف المسألة عليه .
    • تصور لو مافيه حكايات زى دى هنا ، كنا حنموت من الملل.
    سافرت إلى المدينة واتصلت من هنالك باصدقائى في العاصمة ، محاولا إن أجد لحيوانات حسب الله أفضل الأسعار، وكان قد لمح له السعيد انه يستطيع إن يقدم له المساعدة ولكنه رفض ، كان الجفاف الذي ضرب البلاد قد جعل من المستحيل إن يحتفظ اى شخص ببهائمه ولذلك فكلها قد دخلت السوق ، ورغم أنها كانت كلها تصدر إلى السعودية والخليج بأسعار كبيرة إلا إن اسعارها في داخل البلاد كانت متدنية ، لكنه رغم ذلك استطاع إن يحصل على سعر جيد من احد التجار الذين ساعدهم في احد الأيام .
    عدت بعد أيام وكنت في شوق شديد لرؤية الصفية وأحدثها بذلك ولكنني وجدت الشيخ والذي اخبرني إن ازرق طلب إن أزوره على جناح السرعة حين أعود. جلسنا في مكتب الضابط وكان يرتدى ملابس المساجين، وكان معتادا على الخروج بهذه الملابس ويزورني بها.
    • عرضوا ليك كم فى البهائم ؟
    أخبرته عن محاولاتي المتعددة مع التجار والسعر الذي استطاع إن يحضره.
    • افتح المخبأ واشترى بثلاثة اضعاف السعر وبع لاصحابك بسعرهم .
    • ولكن ... هكذا ستنتهى اموالك قبل ان تخرج من هنا .
    • صدقنى انا افعل هذا اعزازا لمواقف اخذتها الصفيه من قبل . وارجوا ان يظل هذا بيننا ، اخبرها انك قد وجدت هذا السعر فى العاصمه .
    من هنالك توجهت إلى منزل الحاج حسب الله ، ياللقدر، زريقه يشترى بهائم حسب الله ، وجدته قد غارت عيناه وهزل ، ورغم ذلك كان متماسكا وشجاعا ، تحدث مباشرة في الموضوع وقال إن بهائمه ستموت اذا لم يبعها في اقرب فرصه واعطيتة فرصة دقائق ليفكر ، ثم اخبره باقتراح الصفية إن تستثمر أمواله في التجارة حتى عوده الأحوال لطبيعتها .
    • يا ابنى وفى ماذا ستتاجر الصفيه هل هنالك من سيشترى القماش والزينه ، الناس فى حاجه الى الطعام ولا ارضى لمالى ان ان يتاجر فى قوت الناس ، يا ابنى الزمان الذى جعل بت حسب الله تفتح دكان فى السوق هو الذى ارانا زمانا تباع فيه البهائم ، يا ولدى انا بعت .
    زمان طويل لم ير الصفية سعيدة كتلك اللحظات ، أحضرت له الشربات وكانت عيونها تضحك ، وأصابعها تضحك ويدها ترتجف ودمعات خفاف تتناثر على مآقيها . بدت له الصفية في تلك اللحظة أجمل مخلوق في الكون ولكن كان يعذبه السر الذي وعد ازرق بان لا يحدثها به. أحس بان ازرق كان قد اشترى له فرصته بماله، تدور الدائرة عليه ألان وتنغلق كما دارت على ازرق من قبل.
    كان الشيخ قد غادرنا قبل أيام بصحبه احد الخواجات ، وكانوا قد تكاثرو في المنطقة في الشهور الأخيرة ، يركبون احدث العربات المغلقة والمكيفة ويحملون معهم أجهزة لاسلكي يبرز ايريلها على سقف العربة ، لا احد يعلم ماذا يريدون وماذا يفعلون ينطلقون في إنحاء البلدة ثم يتجهون إلى المفازات الشمالية ، حتى عندما سألت ذات نهار عن هويتهم في اجتماع لجنه الآمن اجابنى السعيد إن هنالك أوامر بعدم التعرض لهم لأنهم يجمعون معلومات حول البترول والمعادن ، وعندما سئلت الشيخ عنهم اجابنى بابهام عن السندلوبه وحرب القرعان في تشاد .
    زادت الأحوال سوءا واستشرت المجاعات تضرب اماكنا جديدة وتغيرت حمولة القوافل التي تحضر من ليبيا ، وبدأ المسافرون يحضرون معهم أكياس الدقيق وعلب اللبن والزيت والسكر ، وتضخم السور المحيط بالبلدة من النازحين من كل القرى والبوادي ، رغم ذلك حافظت حياه الموظفين على إيقاعها الطبيعي ، بدأنا نقتصد في استعمال الماء الذي تحضره ناقلات الجيش من أبار بعيده وتصلنا أكياس الدقيق من المدينة ضمن تموين الجيش والمدارس .
    وكان ازرق قد استطاع خلق علاقات طيبه مع كل من حوله ، السعيد ، قائد الجيش ، رائد البوليس ، وضابط السجون وبدأ يخرج من السجن ، يجالسنا في بعض الأحيان منفذا أوامر الجالسين صامتا ونشيطا ، وجاء في احد الأيام وجلس معي ثم طلب منى مفتاح أمتعته واخبرني بأنه سيسحب كميه من الدولارات ليبدأ في استثمارها ، أخبرته باننى كنت قد بلغت السعيد بانه لا يحمل مالا وقد يسبب لي بعض المتاعب عندما يعلم ولكنه أجاب ضاحكا .
    • الشغل كله مع السعيد يا صاحبي .
    بعد إن اشتريت بهائم والدها بفلوس ازرق وإتمام البيعة مع الذين اتفقت معهم لم تعد الصفية تتحدث عن الازرق وبالرغم من هذا كان الجو دائم التوتر بيني وبينها ، لم اعد انعم بحلاوة لقاءاتها كما كنت افعل من قبل . اطل حاجز كئيب من الشك والخوف على علاقتنا، ولم اعد أشم رائحة الند والصندل والحناء عندما تضحك عيناها الجميلتان حين تراني.
    بعد يومين من اخذ ازرق لنقوده من الشنطه اخبرتنى انه اعطاها النقود لتقوم بتصريفها وسألتني عن رايى ، لم أكن قد تدخلت في عملها من قبل ، ولم اسمح لنفسي أو لها إن أساعدها باى شيء بحكم موقعي ، أحيانا كنت احدث بعض القادمين الذين يريدون إن يبيعوا عنها ، لكن كان هذا لاننى اعرف إن الصفية كانت صادقه في معاملاتها . لكن منذ إن اشترى ازرق بهائم والدها كنت قد بدأت أحس بعدم رضا شديد من عملها ، وبدأت اقلب في ذهني كيفيه إقناعها بذلك ، وعندما حدثتني تملكتني رغبه قوية في صفعها وإنهاء علاقتي معها ، هل بدأ ازرق يلعب لعبته بربط مصالحها بمصالحه ، كان السعيد قد أشار لشيء قريب من هذا ، قال لي إن ادخل لعبه التجارة وهو مستعد لكل شيء لكي أتوحد مع الصفية في كل اهتماماتها .
    • بس شهرين وانت تبقى فوق تشترى الصفيه وعشرين زيها ..
    وكان الشيخ قد نصحني عندما أخبرته عن حادثه شراء ازرق لبهائم حسب الله إن لا اترك نفسي لاى انفعالات وان لا أحارب في اى معركة بسلاح ليس لي .
    • الصفية تبحث فيك عن عاديه الحياة التي كان من المفترض إن تعيشها ، تبحث عن جو نظيف تعيش فيه بعد إن تناوبتها أجواء الخوف والعلاقات السقيمة ، الازرق صاحبك عاش حياه حافلة ، تحطمت في ناظره كل ما كان يربطه بتفاصيل الحياة هنا ، سيكون الصراع شديدا لكن لا تنفعل ولا تخرب بيديك بناءا جميلا مرشح للاستمرار . ولا تنسى بان الصفية أيضا عركتها الحياة.





    كانت جالسه على المكتب وكنت لمده طويلة لا أراها سوى في المكتب لم اعد اهرع لرؤيتها كل صباح في متجرها ، وهى لم تعد تأتى إلى المنزل .
    • اسمعى يا الصفيه انا ما حصل اتدخلت فى شغلك انت تعملى البعجبك ، دى تجارتك وانتى بتعرفى البنفعك . وانا سبق قلت ليك انا عاوز اعرسك لكن اذا كان فى اى عرس بينا لازم تخلى التجارة واذا كان عايزه تشتغلى اى شغل تانى انا ما عندى مانع .
    بدأت عيناها في الالتماع بشده والدخول في محجريهما ، كانت قد بدأت تغضب منى وأغلقت المكتب علينا .
    • انت ما بتدورنى انا اسالك رأيك تقول لى سوى البعجبك ، انت بتدورنى دورة ناس البندر ، لو فى يوم كنت قلت لى يالصفيه بندورك ونعرسك ونشغلك معانا فى الحكومه، صحى قروشه شويات لكن ما فيها تلتله وبهدله كنت قلت ليك اهلا حبابك لكن انا الصفيه مابنقبل شروط من جنس زول .
    • انتى كل يوم تقولى بنريدك وبتريدنى ، لكن انتى عاوزه قروشك وتجارتك ، خلاص اهو ازرق جاء ومعاه مهرك الاف الدولارات .
    بهت من حديثي وكان جارحا لم استطع إن اضبط انفعالي ، كانت المرارات والليالي الطويلة الساعات قد انهكتنى ، ولكنها قالت بصوت خافت وهادى اخافنى
    • وانت عرفت من وين انه ازرق عنده قدر ده كله . انت بقى عندك اسرار ما بتقولها لى
    توتر الجو بيننا وكان الصوت قد علا ، وقد طرق الباب عده مرات ولم التفت له. ثم فتحته وطلبت شايا وأغلقته مرة أخرى. حملت لي سحابات الدخان الذي يتصاعد من كوبها رائحة الند والصندل ونهرا مترعا بمياه سوداء مسرعه ، وبدأت استرد هدوئي واغمضت عيني وانا أضم صورتها في خيالي ، أياما كثيرة لم اعد أحس بهذا الإحساس الذي جاءني وانا غاضب منها وعليها . ارتفع صوتها مرة أخرى وقد أفاقت من الهدوء الذي انزلته علينا قطرات الشاي الدافئة
    • سجمك يالافندى انا لو بريد تجارتى وقروشى شن بلمنى عليك ، مراحاتك الخانقه الجو والله البضاعة متروسه فى المخازن انت يالافندى ظالم .
    بلا مقدمات تركت يداي تبحثان عن راحتيها ، حاولت إبعادهم عنى لكنى كنت قد تشبثت بها ، لامست اصابعى يديها الطرية ونامت عليها كطائر مقرور، أمسكت هي بيدي وانكفأت عليها ، كنت أحس بعيونها تتقلب وتضحك ثم قرصتني في باطن كفى ورفعت عيناها الجميلة - كفنجان القهوة -وكنت أرى عوالم من النور وأشواقا وحياه مفعمة بالأمن والدعة .












    عاد الشيخ من رحلته بعد ثلاثة أسابيع ، سمعت صوت العربة من بعيد فعرفت أنها عربه الخواجة ، توقفوا في المكتب وجاء لتحيتي ، اخبرني انه سيحضر في المساء لان هنالك الكثير الذي يود أن يقوله لي. جلسنا وكان الليل صامتا والسماء لا يعكرها اى شيء وكأننا ننظر في غدير صاف .
    • صاحبك صار مرموقا في دوائر المال في البلدة .
    حكيت له عن الإحداث التي توالت على في فترة غيابه ، سمع حديثي وكان لا يفتأ يبتسم عندما أخبرته اخبره عما قالته الصفية في خصامها معي ويردد .
    • الله هذه فتاة شجاعة إنا أحب هذه البنت ، كان حقك انت تطلب النقود لكي تردها لازرق ، الحكاية قد وصلت نهايتها لكن للأسف لن تستطع أن تفعل سوى ما تستطيع .
    • لابد إن تحسم مسألتها مع ازرق بطريقتها لن أتدخل في شيء يخص هذه العلاقة.
    • أنا اعرف وهذا هو الشيء الذي يعقد مسألتك مع الصفية لو كنت في أول مرة طلبت منها الزواج زجرتها في مسألة ازرق كانت الآن زوجتك. لكن اعلم أيضا إن حياتك كانت ستكون شكا وخوفا مقيما. على كل حال سمعت أنها أعادت الدولارات لازرق.
    • لماذا لم تحدثني ؟
    • لا تلمها ولا تحزن فهي قد بدأت تقترب من طريقك ، لو كانت الصفية قبل إن تعرفك لأحضرت ازرق وقذفت النقود في وجهه ولأخبرته أنها تفعل هذا إكراما لك . ثم هل حدثتها بشراء ازرق بهم والدها .
    • وماذا تقول على ؟ لقد قبلت هذا الوضع المزري لكي استطيع إن أساعد والدها.
    • أنها تعلم بهذا، في الحقيقة كل السوق يعرف هذه المسألة وقد سمعت بها بعد حدوثها بأيام قليله ، أنها لم تسألك ولكن عندما تحدثها انت ستحدث بينكم مشاكل ، أنها سعيدة لأنك لم تحدثها ، أتعلم رغم ما سيحدث من خصام عظيم بينكم بخصوص هذه المسألة إلا اننى اعتقد بان الصفية قد انحازت لك تماما ، أود سؤالك حقيقة هل تحدث منك هذه الأشياء عفويه ام انك داهية كبير ؟
    • قلت لي انك ستحدثني عن أشياء مهمة ما هي ؟
    • يالله ياجمركى إلا تعتبر الحديث عن الصفية مهما ، أنها من أهم الإحداث في البلدة والحديث عنها أهم مايمكن تخيله " ما اترف الفؤاد من الامانى “ .
    كان قد ذكر لي من قبل شيئا من هذا ونحن نتحدث عن رحله الخواجة المبهمة. كنت قد اهتميت في احد ازمانى بالفيزياء وقرأت عنها كتبا كثيرة ، استهوانى العالم المغلق على المعادلات والتفاصيل القليلة ، وكان من احلامى أن ادرسها اذا واصلت في زمان ما دراستي الجامعية ، وكنت اقرأ عن الذرة وتفاعلاتها ولكن لم أكن اعرف أية تفاصيل سوى تلك التي ترد في الصحف اليومية والمجلات العابرة ، وكنت أحدس عن النفايات وأحاول لملمه بعض افكارى ولكن لم يكن هنالك ترابط .
    • كان للخواجة عربتان ، أحداهما تستعمل لركوبه والتنقل ربها جهاز لاسلكي ضخم مثبت في احد الأركان ومزود بأزرار كثيرة وشاشه تظهر عليها ذبذبات ، ثم ثلاجة كبيرة مثبته على أرضيه العربة متصلة ببطارية العربة ولها بطارية أخرى خاصة بها وموقدا كهربائيا.إما العربة الثانيه فهي مغلقه ليس بها سوى فتحتين صغيرتين على الجانبين يهما سلك شائك لا تستطيع أن ترى ما بداخلهما .
    تحركنا من البلدة صباحا مررنا بالصياح ، مده حتى وصلنا المالحة عند ساعة الإفطار كان يحمل كاميرا في يده وخريطة كبيرة للمنطقة معلقه على لوح ، كان يسألني عن اى وادي نمر به ، عن اسمه ، عن مجراه ، بداية المجرى وهل يمتلئ ، واسئله كثيرةلأ شياء موجودة في الخريطة التي كانت توضح إمامه ، المكان بدقه شديدة .
    تناولنا الإفطار في سوق المالحه وكان هو يكتفي بالمعلبات التي احضرها معه ، ويشرب من الثلاجة من زجاجات احضرها معه أيضا ، بعدها توجهنا إلى بئر المالحه ، حمل معه معدات كثيرة وضعها على حمار اكتراه من احد الرعاة وتدلى هو بسرعة إلى المنزلق . جلسنا في انتظاره فوق الجبل وكنا نراه يمسح المكان ويأخذ مقاسات متعددة ويرسم ويكتب في الخريطة قضى هنالك عده ساعات، ثم عاد أخيرا ورجعنا إلى المالحة وبتنا ليلتنا وهكذا لمده ثلاثة أيام. في الحقيقة الخواجة كان لطيفا ، يجلس معنا في الليل ويخرج زجاجة الويسكي ونشرب مع مكعبات الثلج التي يصنعها في الثلاجة ، وكان دائم السؤال عن المنطقة ، القبائل، عاداتها ، تقاليدها وإحداثها . وفى احد الليالي سكر وغنى لنا أغان بالانجليزية ورقص في حفل زواج ذهبنا له في الحلة .
    من هنالك توجهنا شمالا ودرنا حول جبال الميدوب مارين بجبل عيسى والحارة ، بتنا ليلتنا في الحارة لاننى أخبرته إن بالشمال مفازات صحراوية لابد إن نخترقها في الصباح الباكر . الذي تركناه وراءنا كان سهلا حيث بعض الاهالى في الطريق ، لكن بعد الحارة لا يوجد احد وقد سألت بعض العرب النازلين حول المالحه فاخبرونى بأننا قد لا نجد ولا شخص واحد حتى العطرون . امامنا قوز بلا نار وقد اسمي كذلك لانك تسير وسط مفازات رملية طويلة وحشائش شوكيه بالليل و لا ترى اى نار لمضارب أهل بادية كما في القيزان الأخرى التي تكثر فيها النيران ، تزودنا من المالحه بالماء الكافي وقد طمأننى الخواجه انه لا يمكن إن نضيع اذا معه جهاز إرسال يمكن إن يتصل به حتى بلده ويحدد مكانه فيمكن إنقاذنا .
    تحركنا في الرابعة صباحا واتجهنا شمالا ، الأرض كأنها لم تسمع عن الإمطار فهي ناشفة وقد تساقطت أشجارها وتآكلت وقد خلت الأرض من اى خضرة ولا نرى حولنا سوى سراب ضحضاح ، كنا نتجه إلى وادي هور وكنت اعلم اننا لن نجد اى شخص في ام لعوقات التي مررنا بها ووجدنا اثار المضارب لكن لم نجد احد ، ومررنا بالبحيرة وضربنا شمالا مهتدين بالنجوم وببوصله الخواجه وخرائطه. وكنا في كل فترة نتوقف في احد الأماكن المحددة في خرائطه فيحمل كاميرته ويغيب عن الأنظار ساعة أو ساعتين ثم يعود الينا لنواصل المسير ، كان يجلب معه في كل مرة عينات من الرمال والصخور في أكياس صغيرة ، عينات من الأشجار والإعشاب وكذلك بعض الحيات والزواحف يضعها في زجاجة بها سائل له رائحة نفاذة .
    ضربنا في طرقات نائية قد طالت مسامعها من الزمازم أو بهام السحب ، وخلت رمالها من المناسم والرسوم ، مفازات تخلو من العظام الجافة ، لارمم ولا عقبان ولارقم سوى القتام والعفرة والسمائم ، حتى وصلنا الوادي وتوجهنا لنبدأه من نهايته . قضينا في مجرى الوادي حوالي الأسبوعين ، كل نهار نتحرك في المجرى لمسافة معينه نتوقف بعدها ثم نجهز العربة الثانية التي كانت بها آله ضخمه تنزل إلى الأرض عمودا للحفر وتظل تعمل لمده طويلة لا اعرف لاشى عمق ، اذ ان الخواجة لم يكن يخبرني ولكن أظن انه لعمق بعيد ، ربما أكثر من ثلاثمائة متر ثم يحمل العينات التي تخرج من المكان ويشغل أجهزته وشاشات ذات ذبذبات خضراء تصدر صفيرا مرتفعا أحيانا. وكان لا يكف عن التصوير وعن رصد المسافات ورسم كل ما نقابله من أوديه متفرعة وأشجار وإمساك بالحيات والزواحف. وظللنا هكذا حتى وصلنا الطينه ثم تركنى هناك واخذ احد السائقين من معسكر الطينه وضرب غربا وعاد بعد ثلاثة أيام وقد اخبرني السائق بأنهم قد دخلوا ارض القرعان والتقوا هنالك بمجموعة أخرى من الخواجات معهم عربات كثيرة وقد خرجوا في مهمات كثيرة ثم عادوا من هناك .
    قادني الخواجة في طريق العودة ، وكنت أحس كأننا عائدان للبلدة ، لكننا سرنا في طرقات لاعلم لي بها ، انا رئيس سائقى شمال شرق كلها ، حتى وجدنا أنفسنا إمام مدخل ، يشابه مدخل السندلوبة ، لم ارة من قبل .
    يمتد الجدار الصخري الملطخ ببقع بيضاء إلى جزء بسيط من الجدار الداخلي، للناظر للداخل لا يختلف الضوء باختلاف الساعات أو حتى الأيام والشهور ، فالمدخل مظلم سوى من لون اصفر باهت لايرى سوى عند الاقتراب من المدخل وينتهي هذا الضوء الأصفر بضوء ساطع ، ثم يتدرج في التلاشي حتى يعم ظلام كثيف ، و قد ظن قليلون من الذين أتيحت لهم فرصة إن يروا المكان إن هذا الظلام هو نهاية للنفق الممتد في بطن الجبل ، إلا إن الذين حاولوا إن يصلوا لنهاية لم يستطيعوا وقطعوا رحلتهم بعد إن عجزوا من طول السفر .
    يتغير المكان في كلما نظرت إلى الداخل ، هناك ستائر من مادة شفافة تماما تفصل بين مكان و آخر، وعلى الجانبين على طول الجزء المرئي من المكان هناك كوة صغيره تطل منها الصقور وقد كانت الكوى كلها تفتح في اتجاه السندلوبه ، وهناك نتوءات في الفتحات تفصلها عن المكان ، بينها وبين بقية الكهف حاجز من ستائر صفراء كثيفة بحيث إن الذي في الكهف لايرى الكوى التي فوقه ولكن يرى الصقور التي في الفتحات التي إمامه.
    على مشارف الكهف يبدو هيكل عظيم منحوت في الجبل ، في الواجهة ثلاث تماثيل لاحد الملوك تصوره جالسا ويداه على ركبتيه والتاج على رأسه ، هناك مدخل حجري ضخم ونقش على الباب ، في داخل الهيكل أعمدة من الصخر وفى صدره مذبح فيه تمثال وصوره للملك ، وهناك رسوم مختلفة لرجال ونساء مختلفي الإشكال ، تمر إمام الملك الجالس على العرش وبجواره الملكة ، ذات قد نحيف وقوام رشيق جميل ووجه صبوح يزينها تاج على رأسها وأساور عريضة في معصميها وحجول كبيره في رسغيها ويحرسهما أسدان كل على جانب .
    يمتد الجدار الصخري إلى مسافة بسيطة يتحول بعدها الممشى إلى طريق ترابى به بعض الحصى و قطع صخور صغيره تحدث اصواتا مسموعة لها صدى اذا سرت عليها بدون ارتداء الشباشب المطاطية التي علقت على الجدران. جدران الكهف الفارغ تزينها رسوم حيوانات مثل الخيول والجمال والأفيال والأبقار وعلى بعض الحيوانات رسوم لأشخاص يحملون الحراب والسيوف وصور مدافن وقباب عليها علامة الهلال ، ويظهر جامع واحد ليس له مئذنة ولكن كتبت عليه آيات قرآنيه وهناك جزء بارز في مقدمته هو المنبر وتتراص على الأرض الرملية الخشنة بنابر خشبيه وبعض البروش وعلقت على احد الجدران شرافه يظهر عليها اثر باهت لكتابة.
    يبدأ المكان في التحول لأناره كاملة بدأ من هذا الجزء ، وهنا تبدأ الجدران في التحول لحوائط خشبيه من المهوقنى البني الداكن ، ويكون جزء من هذا الحائط مكتبة تمتد على الجدران . تبدأ المكتبة بمجلدات مذهبة مزخرفة عن الرحلات ، هيرودوت ، ديدورس الصقلي ، استرابوا ، بليني ، بطليموس وكتاب رحله إلى مروى والنيل الأبيض للفرنسي فردريك كايو ، هوسكمز ، بالم بثريك وكتاب جورج انجلش عن رحلته مع محمد على باشا للسودان ، يوميات هامبيودى ووادنجتون ، ومخطوطة كمبس نائب قنصل فرنسا في مصر، ومؤلف جورج ميلى ، ورحلة الفرنسي برفيدان وشارل بوانسيه لمنطقة سنار ، عدة مخطوطات من مؤلف جيمس بروس وكرمب البيفارى ، وبراون وهنرى بارت ونسخة أصلية من مؤلف جوستاف ناختيقال وستانلى بيكر .
    على الطرف المقابل رصت كتب رحلات العرب ، تاريخ الطبري والكامل لابن الأثير و جمهرة بن حزم ، ملل ونحل الشهرستانى ، مروج الذهب للمسعودي ، معجم البلدان للياقوت ، البلاذرى ومؤلفات الادريسى وابن جبير والهمدانى وابن ماجه والقلقشندى . يتلو هذا الجزء على الجانبين خزانات زجاجية تحوى القرآن الكريم بإحجام وألوان وخطوط متعددة ، ثم كتب التفاسير، الجلالين، الرازي الزمخشرى والسيوطى وابن تيميه ثم كتب الحديث والسير والغزوات والفتوحات ثم مؤلفات الغزالى ، الجاحظ ، الكندى ، ابن خلدون ، ابن رشد ، ابن سينا والبصرى والمتكلمه العرب ورسائل اخوان الصفا ، الكتب الصوفيه ومؤلفات الشيعه والخوارج والمعتزله والقدريه . ثم كتب الفقه الاسلامى والنحو والتصريف والبلاغه . ثم دواوين الشعر وشرح الدواوين والاغانى والف ليله وليله والمقامات وكليله ودمنه ، كتاب الطبقات لود ضيف الله ، شرح مختصر خليل ، منظومة عبدالله بن دفع الله العركى وفرح ودتكتوك ومؤلف اسماعيل صاحب الربابه ومخطوطة كاتب الشونه. مؤلفات الساده الختميه من ضمنها كتاب الاجابه ، وثائق الساده المجاذيب والمريوماب، سلاطين الفور ووثائق تمليك اراضى اليعقوباب والعركيين والبطاحين والحمران .ينتهي هذا الجزء الزجاجي ليبدأ الجزء الأخر بصوره لغردون باشا معلقا على بداية الجزء تحته جزء من قصيده بالانجليزيه والعربيه تقول:
    فات الوقــت ، فات الوقـــت لانقــــــــاذه
    بلا جدوى ، بلا جدوى هم حاولــــــــــوا
    لقد كان كبرياء انجلترا عندما كان حـــــيا
    وهو مجد انجلــــــترا عنــــــــــدما مــــــــات
    يوجد في هذا القسم حوالي المائتى كتاب عن غردون ، ثم كتاب اهرولدر ، السيف والنار فى السودان ، كتابى رسل وشارلس نفلد ، جسى رومولو ، ثم قسم خاص بالتقارير واليوميات تضم كل الرسائل والبرقيات المتبادلة منذ العهد التركي منذ غزو اسماعيل باشا ومجموعه الدفتردار ، يوميات مراسلات غردون في الاستوائية ، يوميات عباس باشا مع حملة هكس ، كتاب يوسف ميخائيل ، غردون والسودان ، واوراقه وتقارير عن تجارة الرقيق ، البحث عن الذهب فى السودان ، طرق التجاره في غرب السودان ، تقرير عن الجدوى ألاقتصاديه لمشروع باور للصابون والبراندى على النيل الازرق عام 1845 ، تقرير عن خط الكاب لسيسل رووس ، تقرير ستيورات عن المديريه المصريه فى السودان ، تقرير عن حياة غردون باشا فى الخرطوم لمحمد نصحى باشا ، تقرير حصار الخرطوم وسقوطها للبوردينى ، تقارير وافادات عن حصار الخرطوم وسنار.
    يلي هذا الجزء مباشرة صوره ضخمه لكتشنر وهو يقف حاملا سيفا وورائه فرسان دغيم وهى تهجم على احد المدافع ، يحتل اجزاء كتاب معركة امدرمان السبعه عشر الجزء العلوى من هذا المكان ، كتاب تشرتشل حرب النهر ، المهديه فى السودان المصرى لونجت باشا ، مذكرات بلينيت ، مجلدات مخابرات الجيش المصرى ثم المخابرات السودانية ، صوره من مخطوط النجومى ، مجموعه زقل ، دفتر وقائع عثمان دقنه ، واوراق المهدى ، التحقيق مع الامير عيسى ود الزين عن معركة امدرمان ، يوميات هنتر باشا ، يوميات مخابرات الميدان ، خطاب للملازم روبرت سميث لخطيبته حول معركة امدرمان ، تقرير لورد كتشنر عن معركة امدرمان ، تلغراف من ماركيز سالسبرى لكتشنر ، اوراق الامير يعقوب ومذكرات الزبير باشا ، مذكرات النور عنقره ، رسومات يوسف منصور وتقرير لورد دافرين وآخرين الى اللورد جرانفيل .مخطوطات السودان فى مجلدات ومدونات، مجلدات وقائع مجلس الحاكم العام ، تقارير نزاعات القبائل ، مذكرات عن رحلات وتقارير مختلفه ومتعدده عن الحياه فى السودان ، تعداد البلح فى الشماليه ، زراعة القطن فى جبال النوبه، مد التليفون الى الاقاليم الغربيه، بناء الكبارى والسدود، نجاح زراعة التبغ فى جبل مره، اختيار منعم منصور ناظرا، ضبط وثيقة شيوعيه مع ثوار 1924 ، قصائد توفيق صالح جبريل، جلسات منزل فوز، قصائد المناسبات الدينيه، زيارة موظف برتدى ساعة لكتم، تنقلات المدرس اسماعيل الازهرى، ومجلدات مجلة حضارة السودان، امدرمان و الفجر.
    ثم فى جزء آخر ، صوره ضخمه لوثيقة سفر الولاء ، تكاليف اعادة بناء جامع الختميه بكسلا ، تقرير سرى للمخابرات حول تعاقد الحكومه مع السيد عبد الرحمن لتوريد الوقود لبواخر الحكومه ، خطاب الحاكم العام للسكرتير المالى حول قرض للسيد عبد الرحمن ثم تنازل الحكومه عن القرض ، وثائق انعام السلطات البريطانيه على السيد عبد الرحمن والشيخ على التوم بنيشان القديسين ميخائيل وجورج مع لقب سير. واجازة منح السيد على الميرغنى لقب سير .
    ينتهى هذا الجزء بحائط خشبي مصنوع من خشب خشن غير مشذب ، يحيط اطار من نفس الخشب بدائرة الكهف ، وقد اختفت الكوى الآن ، ولم يعد هناك نتوء على الجدران ، على الاطار باب خشب كبير من السنط القديم وله مفتاح خشبى مما كان يستعمل تلك الايام ، لكن الباب متكئ على جانب الحائط وقد تماسك مع الارض لطول عدم اغلاقه . من الجانب الآخر يمكن للناظر ان يرى من خلال الاطار تلك الماده الشفافه التى تفصل المناطق الاخرى.
    من هذا الحزء تبدأ الجدران فى التحول لجدار خشبى يظنه المرء لاول وهله كسائر الجدران لكن للمتفرس يلاحظ وجود مقابض على ابعاد متساويه وفتحات للمفاتيح ، تستجيب كل المقابض وتنفتح ابواب الدواليب الخشبيه ليد العارف ، لمسافة قصيره تختفى الصقور من الجدران وتحل محلها فى الكوى اضواء صفراء باهته ، لكنها تعاود الظهور بعد هذه المساحة وتبدأ في التكاثر .
    تختفي هنا الفواصل التي كانت تفصل بين جزء وآخر، ويبدأ الكهف في الامتداد الطويل. لكن فجأة يتسع الكهف ويصبح اشبه بميدان كره القدم ولا تكاد الجدران ترى بالعين كما إن الكوى التي على السقف بعيده ولاترى سوى بالمنظار المقرب. على الجدران نتؤات ومسارب وحدبات كأن قوى جبارة حركت الجدران وتركت آثارها على أرضية المكان، اجزاءا صغيره ناتئه ،حصى ورمال ولاول مره تبرز بعض جذور الحشائش تتلوى بين الأحجار .
    برغم Hن الاضاءه ضعيفة وقليله ، وتأتى من علو بعيد من جدران متسعه الا ان كل تفاصيل المكان تظهر بوضوح ، قبضات الايدى المرسومه على الجدران ، الاعلام المنحوته ، قطرات الدم المنسيه على الصخور ، قطع القماش التى تحمل الشعارات ملتصقه على الجدران ، خوذات الجنود والرصاصات الفارغه ، القنابل المسيله للدموع والاحذيه والحصى والحجاره . ويذكر كل الذين دخلوا السندلوبه ان الصمت الذى يرين على المكان كله يحمل هنا صدى الاناشيد العظيمه التى ترددت فى تلك الايام .
    كما بدأ المكان مفاجئا ينتهى فجأة ، ويضيق ويعود الكهف كما كان وينتشر ضوء اصفر باهت رطب الطعم ، ولكن يرى احيانا التماعات من نواح مختلفه من الجدار لكنها لا تلبث ان تعود الى صفرتها وتبدأ الكوى فى التكاثف حتى تخفى السقف تماما فلا يكاد يرى . فجأة دلفنا الى مكان واسع مضئ وقد تحولت الجدران الى حوائط عظيمه والسقف قد ارتفع عاليا وقد اختفت منه الكوى التى كانت تميزه ، المكان هادى الا من صوت مكتوم لآله لا تبدد صمت المكان .
    الضوء باهر يتسرب من الجدران ولايظهر مصدرها ، وتبدو كأنما هناك منفذ لشعاع الشمس فى الحيطان ، ولكن لم تكن هناك ظلال فى المكان، ينتصب بناء ابيض ضخم فى احد الاركان ، تمتد امامه حديقه خضراء يانعه ، على جانبى الممر البلاطى مستطيلات قصيره تحتوى كل منها على لون من الزهور والورود ، بعضها مستقيم وأخريات متمايسه على اتجاه الضوء ، تلتمع على اطرافها قطرات طل تتساقط ببطء وتتراكم مره أخرى فى عالى الاوراق ، تحيط بها شجيرات حناء مقصوصه بعنايه فائقه ، وحول الحديقه دائره من اشجار البرازيليا والبان .
    فرش على سلم المدخل سجاد اخضر نظيف جديد ، لم تطأه قدم من قبل ولم تترك عليها رسوما ، وكان الباب مفتوحا وازيز المبردات يترافق مع الهواء البارد الرطب الذى ينتشر فى المكان .دخلنا فى باحة كبيره مفروشه بسجاجيد عجميه ناعمه خافته الالوان ، وقد علقت على الجدران صور لضباط يرتدون النياشين وقد ضيقوا زاوية اعينهم ، رجال فى جلاليب فوقها عباءات مذهبه ويحملون عصى مزينه فى ايديهم ، صفوف مدارس كامله يتوسطها معلمون يجلسون على مقاعد وثيره ، وصوره ضخمه لجمهور من الناس يحملون لافتات لا توضح الصوره محتواها .
    دلفنا الى غرفه بها سريران ودولاب كلها بلون كريمى متدرج ، وكانت الغرف تفتح فى بعضها وكل منها بلون مختلف يبعد درجه واحده عن الغرفه الاخرى ، حتى وصلنا قاعه متسعه بها حوض للسباحه وحولها مقاعد ومناضد بلون الماء الازرق.وجدنا انفسنا وسط اناس يتحركون فى جميع الاتجاهات ، يتحدثون لكن لا نسمع اصواتهم ، وعلى احد االجوانب حوض واسع ملئ بالماء ، اشار لى الخواجة انها تحفظ هنا لكى تغذى بعض الابار فى ازمان الجفاف ، ودار فى خلدى انه ربما تم ضخ هذه المياه عندما جفت الابار وغاض الماء من الوادى واضطر الاهالى للاستعانه بفكى كتم لاعادتها .
    على احد الاركان خريطه مجسمه ضخمه مضيئه عليها علامات كثيره فى الدول المحيطه ، وتحرك بعض الاشارات وتنطفئ وتضئ وامامها وضعت عدة مقاعد يجلس عليها اشخاص يتحدثون بدون صوت.هناك قاعات كبيره فى المكان تنعقد فيها اجتماعات شتى ، رجال فى ملابس عسكريه تحرسهم الدبابات ، وآخرون فى ملابس عاديه يحملون شارات حديديه فى صدورهم ومجموعه نساء فى ملابس انيقه مذهبه ، ورجال ملتحون امامهم اوراق خضراء ، ورجال قبائل يحملون السيوف والمدى وعصى من خشب المهوقنى المنحوت .
    هناك صف من الدواليب الزجاجيه المذهبه تلمع ، وفى داخلها مجلدات كثيره ، ومجلات ، جرائد حائطيه ، سيوف مذهبه ، مجسمات لطائرات وسيارات ودبابات ومصانع ولعب اطفال ممزقه.وفى احد الاطراف رصت مقاعد حول مناضد ، والناس جلوس يشربون القهوه والشاى والمرطبات .
    • ايعجبك المكان ؟
    • هل مسموح لنا بالحديث ؟
    • نعم لانهم لايسمعونا كما لا نسمعهم!
    • ولكن لماذا لانسمعهم ؟
    • اعتقد ان هناك اختلاف فى الذبذبه.
    عثمان دقنه يجلس فى احد الاركان ، والزاكى طمل مقيد فى الركن الآخر ، مسيره حزينه تضرب فى الفلاه يتقدمها فرسان الجعليين ومن البعيد تبدو تلال الحبشه العاليه. الكهف يمتد مزدحما بالسجناء والمهاجرين والقتلى والنائحات ، فجأة ينتهى هذا المشهد كله وندخل فى قاعه منحوته رسم على حائطها صور الاسرى وفى ايديهم القيود وهم مطأطأون الرأس وحزانى يمرون امام الملك وهو جالس ينظر الى الاله الاكبر ويحمل فى يده اليمنى سيفا وفى اليسرى ميزان العداله وحواليه اسود ونمور مكشره عن انيابها .وكان الصمت شاملا وموحيا فى انحاء الكهف.
    اختفى الضوء فجأة ونحن خارجان من المكان ، ووجدنا انفسنا نسير فى ممر طويل غير مشذب ، تمتد من الجدران حواف حاده والارضيه عليها قطع من الحجر والرمال والعظام الجافه .يمتلئ المكان باصداء اصوات حاده تصرخ من الالم والخوف ، وفى الجدران فتحات عليها نوافذ بقضبان حاميه حمراء ، يتصاعد منها رائحه لحم ينشوى ، تطير الصقور تقطع فضاء الكهف وهى تتحسسنا وتشمنا .فى احد الفتحات كان يتكدس رجال كثيرون كل منهم يحمل رأسه على يديه واعناقهم يسيل منها سائل ابيض كاللبن يتسرب داخل ملابسهم فلا تظهر مره أخرى ، مشانق وأعواد منصوبة عليها رجال معلقون .
    فى احد الحجرات ذات المرايا الضخمة المتقابلة كان هناك طلاب وطالبات جالسون القرفصاء ، ورجال منهكون ، يتحدثون بصوت مهموس الى صورهم التى تنعكس على المرايا مستغرقين بشكل كامل ، وكانت صورهم تخلق اعدادا لا نهائية ، فيبدو وكأن المكان يحوى الاف الناس الذين يتحدثون الى انفسهم ، ذاتا تحدث ذاتا.
    • هل تعتقد بان الخواجه يبحث عن يورانيوم فى المنطقه ؟
    كانت الشائعات قد تحدثت فى بعض الاوقات عن وجود يورانيوم فى منطقه اوزو فى حدود تشاد وعن يورانيوم ثم تهريبه الى السودان .
    كانت احداث تلك الحرب قد رمت بظلالها على ، فقد حارب فيها ازرق فى بعض حياته وكانت الصفيه تذكرها لى دائما فى معرض حديثها وكنا بين الحين والاخر نسمع عن معسكرات تقام للاجئين من تشاد .
    بدت الدنيا حولنا ضيقه ، ذكرت تلك الليله التى اخذونى فيها الى المطار الحربى . ورغم انه قد صار بينى وبين تلك الليله احداث ومواقف وانهيارات عظيمه الا ان عرقا باردا ، والليله فى منتصف الشتاء ، وقلبى ينفرط عقده وقدمى تدب فى الارض الحجريه وترتجف ، كانت تتراءى لى الصفيه فى خيالى الذى لايكاد يلملم اطرافه ، حانيه عطوفه محبوبه تحمل لى الرايات الخضراء وتزغرد وتشق بصوتها الفجاج والاوديه والسلاسل الجبليه.
    كانت البلده تنام فى هدوء لا تدرى الذى يستقر داخل تلك الكهوف ، لقرون طويله وهذا المكان يمد اياديه الطويله الى حياتهم وهم لا يتوقفون ليفكروا فيها ، غصه فى النفس ، كجب عميق قذفت فيه ابحر فيه بلا شواطئ ولا منافئ والرياح المحمله بالاتربه والسموم الجافه تخنقنا وتحيطنا حمرة الشفق .






    كانت الامور قد وصلت حد الكارثة ، الاهالى نزحوا الى اطراف البلده ، وقد حدث نقص كامل فى الطعام والماء ، وتدهورت اسعار البهائم وارتفعت اسعار الحبوب والدخن والسكر عندما توجد ، وتوقفت العربات عن المجىء لمشاكل بين الدولتين ، وكانت تصل احيانا بعيده عربه او اثنين ولكن توقف تدفق الدولارات والمواد الاستهلاكيه والملابس ، وسادت البلده اجواء من الكابه والخوف والجزع ، وبدأ الناس يموتون من الجوع فى اطراف المدينه ، ورغم تكرار حديثنا عن الحاله فى اجتماعات المجلس ولجنه الامن وارسال البرقيات الى المدينه الكبيرة الا انه لم يكن هنالك الا القليل من التحرك ، وشاع فى البلده عمل السعيد فى شراء البهائم باسعارها المتدنيه وترحيلها الى العاصمه وبيع الحبوب والسكر والزيت باسعار عاليه ، وصار ازرق شريكا كاملا من داخل السجن ، وكان قد حضر للمنزل عده مرات حيث يسحب من ماله ، و اشترى حقيبه من الحديد الثقيل وضعها فى المنزل واغلقها جيدا واخذ مفتاحها معة .
    نشطت حركه التهريب بين الحدود وتهريب المسافرين الى ليبيا تحت نظر وسمع السلطات المختصه ودار حديث كثير عن دور كل المسئولين فى هذا ، وكانت الصفقات تعقد فى المتاجر علانيه ولكن كان الناس فى هموم اخرى ، وكنا قد اصبحنا بلا عمل لشهور طويله ، نجلس فى السوق ونتجاذب اطراف الحديث عن كل ما يدور .
    كانت الصفيه قد ذبل رواؤها وضحكتها العذبه ، كان السوق حالته واقفه، وكما قالت لى “ بدأت تأكل من رأس مالها “ وكما قال الشيخ فان سوق البلدة لم يعد يتحمل امثال الصفيه، فقد تقسمها عدد ضئيل من الرجال ازرق ، السعيد ورجال ذوى لحى صغيرة مشذبة وحقائب جلدية فاخرة يمتطون صهوة العربات الفارهة ويأتون من المدن البعيده .




    جلست حانيه الرأس تحاول انتزاع الابتسامه الجميله على وجهها فلم تفلح ، حاولت ان احادثها عن احوال العالم وابعدها عن جو البلده القاتم ، لكنها كانت كمن فقد الرغبه فى الحياه .
    • انت مش قلت بتعرسنى خلاص انا رضيت .
    هذا الحديث الذى كنت احلم به ليلى ونهارى وكنت اريد ان انهل منه واعلل ، كلمات كانت ستقلب كيانى وتعيد رسم العالم القمىء من حولى ، قالتها الصفيه وكأنها شاه تساق لساحة الذبح . كانت تجلس بجوارى يدها هامده على ركبتيها ، واطرافها باردة لا حياه فيها ولا حراك .
    • لكن بتقول الصفيه جاءتنى مضطرة ، مابنعرس.
    نهضت قائمه وكانت عيناها لامعتان ودمعات قليله تحاول الفرار منهما . لن اعرس الصفيه فى هذه الحاله لابد ان افعل شيئا . بحثت عن الشيخ فى كل الاماكن وعدت مرة اخرى لكل الاماكن التى جئتها من قبل ، حدثنى احدهم انه جالس على تله رمليه بجوار الخزان ، كان لابد ان اعد المشرفيه والعوالى والا فان الصفيه ستضيع منى للابد .
    كان جالسا على حافه التله وحيدا ينظر الى الجبل البعيد الذى كان جاثما ككتله صماء سوداء من الدياجير الكثيفه ، وفى منتصفه كانت الكهوف تبدو وكأن نورا خافتا ينبعث منها وكانت نجوم لامعه تتساقط فى قباب السماء وتنير المكان لوقت قصير، البلده تنام فى هدوء وقد امتدت نيرانها الكهام لمسافة بعيدة .
    • لابد ان اساعد الصفيه ، انها تنهار جراء خسارة تجارته
    • وماذا تستطيع ان تفعل لها ، هل تملك نقودا كازرق .
    • استطيع ان اساعدها بنفوذى .
    • هل ستعمل فى التهريب ام شراء البهائم من الاهالى بابخس الاسعار وبيع الاكل باغلى الاثمان ، هل تستطيع هذا ؟
    • لا ادرى ماذا افعل ؟ انا اعتقد ان علينا ان نتزوج الان ز
    • هذا اسوأ وقت تفكر فيه فى الزواج ، ربما تقبل لانها فى حاجه للزواج ولكن ليس لانها فى حاجه لك
    • ان الحياه تضيق والوقت يزداد سوءا وهى لقد فقدت النظر واسودت الدنيا فى وجهها ووجهى
    • لا ادرى ماذا نفعل ! لكن انا آمل فى ان هذه الشجاعة لن تنهار هكذا بسهوله
    • هل تظن ان ازرق ينتقم منها لانها ارجعت له النقود ؟
    • ازرق لا يفكر فيها بل يفكر فى نفسه وفى ماله .
    لم يتحدث بعد ذلك ، وكان الليل يلتحف البلده بكل مشاكلها واحداثها وكان جدار من الحلكه يحيط بنا وقد اقلع الشيخ فى الصمت .
    • ساهاجر الى ليبيا ، اوروبا ، السعوديه هنالك عروض كثيرة قدمت لى من قبل ، مالذى يجعلنى اجلس هنا عاجزا فاقدا الامل فى هذه المنافى البعيدة ؟
    • الفكرة حسنه ولكن كم تحتاج من سنوات حتى تمتلك مايمكن ان ينافس ازرق ، ثم هل ستتركها فى هذا الحصار وتذهب ؟
    • يبدو انه لم يبقى سوى ان اقتفى اثر ازرق والتحق بحرب القرعان ، واترك الصفيه فى انتظارى حتى افرغ من الحرب واكون اموالا من التهريب ، ياللمصيبه كل الطرق مغلقه ، كل التفاصيل مروعه ، اى المنافذ تمنحنى مأمنى ؟ انا اشك ان ازرق استطاع الحصول على هذه الاموال من العمل ، وكما قال عمل فى المزارع وهى تعطى اجورا بسيطه هل تعتقد انه كونها من حرب القرعان ام كان يعمل مع المعارضه ؟ .
    رنا الى الجبل البعيد وقد حل صمت كاسح على الدنيا فلا نآمه ولا صوت . لم يتحدث بعد ذلك وكان الليل يلتحف البلده بكل مشاكلها وقضاياها واحداثها ، وكان جدار من الظلمه يحيط بنا وقد اقلع الشيخ فى الصمت والبلدة ترتحل فى ظلمه الليل الكاسحه







    كنا قد اقتربنا من بعضنا البعض كثيرا ، الصفيه وانا ، ريقا واحدا حلوا يهل على قتام الليالى الشديدة الضرام والمستحرة الخطب ، تضربنا المخاوف . كنا نلتقى طوال الليل والنهار ، وكانت تجارتها ليست بخير مطلقا ككل شىء فى البلده . وكنت افضل الحديث عن المستقبل الذى ننتظر ان نملأه نشرا وحبا واطفالا صغارا ، استعادت عيناها لمعتهما الجميله وامتلأت القا ونورا واملا. دامت سعادتنا دهرا من الزمان ظننته لن ينتهى. كنا جالسين على المقاعد وقد اعدت لنا الشاى والليل له وحشه والفه وكانت تتحدث كعادتها عن الجائعين والتهريب والعربات التى لا تاتى والذين اغلقوا رتاج السوق عليهم
    • انت ما سألتنى اذا رجعت لزريقه قريشاته ؟
    • هززت كتفى وكنت اقصد ان اقول لها اننى لم افعل ولكنها نفرت من كرسيها
    • انت داير تبقى راجلى هبابى ساى ؟ لا بتزعل ولا بتسأل .
    كنت اعلم انها متوترة دائما فى هذه الشهور ورغم اننا كنا نرتشف معا لحظات الود والالفه اغتياقا واصطباحا ، فقد اثرت ان لا اجعلها تخاصمنى مهما كلف الامر
    • والا بيعك بهائم حسب الله بقروش زريقة .
    • انتى ليه ما زعلتى ؟
    • مازعلت ! انت ماعارف شى ساكت ، انت عارف حدثنى منو ؟ زريقه .
    كانت مفاجأة بالنسبه لى ، ورغم ان الشيخ حاول ذات مرة ان يشير الى هذا الا انه لم يوضحها ولم اهتم بسؤاله ، فازرق نفسه كان الذى طلب منى ان لا احدثها
    • هو قالى ما اكلمك !
    • وانت بتريد زريقه اكثر منى تدس سرك عنى عشانه ، انا لمن قصدتك فى بهايم حسب الله كنت عارفة زريقه جاب القريشات فى بطن شنطته ، قالى هو وقالى كمان تعالى نشاركك انتى بالمعرفة وانا بالقريشات . لكن انا جيتك .. جيتك انت من دون خلق العالمين كافه. انت قايل فرحتنى لمن اشتريت بقريشات زريقه انت يالافندى دورتك فالصو، انت زى ما حدثنى زريقه قالى يالصفيه الافندى بدورك فيشان بدور روحه ، وماحتشوفى زمن بدورك فيشان بتدوريه .
    صرصرت الرياح فى اذناى ، وصوحت الامانى المخضره فى جلستنا ، كانت هذه اول مرة تتحدث فيها الصفيه على لسان ازرق وفى ماذا ؟ فى كلامه عنى ! هبط على ستار اسود من الغضب فلم اعد ارى ما امامى ودارت يداي فى الهواء ونزلت عليها بصفعه داويه ، اهتزت الصفيه وترنحت فى جلستها وتهاوت على المقعد صمتت وجلست هنالك بلا حراك ، وافقت لنفسى ولكننى كنت على استعداد لان اصفعها الاف المرات ، ثم بعد صمت طويل قالت بصوت جاء من اغوار بعيدة لم اعرفها فى الصفيه من قبل .
    • انت لو كنت ضربتنى قبال شهور كنت عرستك فى نفس الليله ، كنت راجياك تجى تشدلى شعرى وتقولى قليله الحيا شن وداك لزريقه ، لكن انت قعدت بعيد تقولى انتى مخيرة ، انتى دى حياتك وفى الاخر تشيل قريشاته وانا قاصداك ، انت صح ما بتريدنى يالافندى ، امشى الله يهون قواسيك
    وقفت على قدميها وشدت ازارها وبدون ان تنظر الى وقد احطوطبت قسماتها خرجت الصفيه ، وجلست هنالك انظر اليها وهى تنأى وكأننى مقيد الى مجلسى وكنت اردد فى نفسى اننى لابد ان اعانى من اهوال كثيرة لاستعيدها . وكان القمر مقيدا فى صحن السماء والنجوم مطفيه الاضواء .
    دارت الايام المقبضه علينا نجلس الشيخ وانا على التله ، ننظر الى الجبل ولا نتحدث الا لماما ، لم يعد يسألنى عن الصفيه ولم اعد قادرا على ان احدثه عما جرى وقد تراكم قتاد الخصام بيننا فانقطعت اواصر العلاقه ، وبدأت تمر ايام لا نلتقى فيه، كاننا نتحاشى رؤية بعضنا البعض وقد زاد فى هذا توقف العربات تماما فى الفترة الاخيرة ، وكنت احيانا المحها من بعيد فاحس بقلبى يعتصر بين ضلوعى واكاد انطلق كالمجنون ورائها .
    تزاحمت علينا الاحداث فقد ضرب المحل والجفاف الاوديه، الخيران ، الفولات والابار وتزايدت اعداد الذين يفدون الى البلده ومعهم تزايد عدد الخواجات والعربات السريعه القادمة من المدن البعيدة
    • عرفت انكم دخلتم فى الخصام الطويل .
    كنت وانيا عن الحديث عن الصفيه فقد بدأت اعتاد على عدم رؤياها ، واستعيد عاديه الاشياء فى حياتى .
    • هذا خصام يطهركم من الخوف والانكسار الصفيه طريقها صعب .
    • لقد قلت ذات مرة انها طريق بلا عودة ، وهانذا قد قفلت عائدا.
    • اتضحك على ام على نفسك؟ لقد حذرتك انكما اذا طرقتما مسأله البهم والنقود ستتخاصمان طويلا لكنه لن يدوم
    كانت انباء غامضه ترد من المدن البعيده ، كأننا فى واد مسحور تتراشقنا احداث لا نجد لها سبيلا ،كنا ندير الاذاعات على كل المحطات ونجد انباءآ عن غضب ومعمعان ، وكان السعيد قد سافر قبل يومين على عجل وجاءت انباء وشائعات عن اناس شاهدوه فى المطار ، وقال اخرون انه قد ركب طائرة حربيه ، وكان قائد الجيش قد اخبرنى انهم اخطروا بالاستعداد الكامل لكنهم لا يعلمون لماذا .
    • لقد طلبها ازرق من والدها ، وحسب الله الذى كان يملك الف رأس من الابل ، ومنزلا من الطوب فى البلده والذى رفضه قبلا ارسل لها مجموعة من اهلها لمقابلتها فى منزل عمتها لاقناعها بقبوله
    • لكن لماذا ؟ هل تغير ازرق ام حسب الله ؟
    • تغيرا معا الم تسمع حكايه ازرق ، لقد قال سيعود لهذه الديار قائدا الف رأس من الابل يسكت بها خشم الشايب ، وقد فعلها ازرق ، ماله اليوم يشترى كل قبيله الصفيه هل تدرى ماذا كانت اجابتها ؟
    صمت ونظر الى بهدوء وهو يبتسم ، وكان قد تجهم منه الوجه لشهور عديده .
    • لم تكن تحتاج لوفد من اهلها لتوافق ، الصفيه اختارت طريقها .
    • نعم اختارت طريقها ، لقد قالت لاهلها انها تريدك ولكنها لن تتزوجك ولكنها لن تتزوج ازرق ايضا .قالت لهم انها عندما كانت تحب ازرق وكانت مستعده ان تموت من اجله لو طلب منها ، كانت تحبه بلا ثمن ولكنه الان حضر واخرج دولاراته امام الجميع فصعقوا وتبدلوا وهم الذين وقفوا امامها كصخر جلمود ، انها الان تحت رحمه همساتهم واغراءاتهم واحاديث كلتوم الناعمه ، هل ستتركها لوحدها امام كل هؤلاء هذه ايام حاسمه فى تاريخكم
    كان شيئ ما فى الافق ينذر باحداث عظيمه وتغييرات جسام .صحوت مبكرا واخرجت مقعدى لاضعه امام المنزل وكانت ليلتى قد طالت ، آخيت فيها بين الجميل والمستحيل والاشجان الدفينه وترهات الليالى الداكنه ، وصحوت وكأنما قد انزاح من صدرى حجر ثقيل وعن عقلى غشاوة العجز والاستكانه.





    حمل الينا البريد وافواه القادمين من المدن البعيدة وذبذبات الاذاعات الليليه ، انباء الطرقات التى مادت بها الجموع ، وارسلوا لنا من المدينة نداء لاجتماع يعقد بعد يومين . كانت الشمس ترتفع على القبه الشرقية والاشعه اللامعه تورق فى القلب ، اصرخ فى امتداد العين ونهايات البصر، الصفيه ، فتحسو الرمال صوتى وترجعه صدى فى البوادى ، امتطى عنقى واهوم فى آناه ،اخترم الفلوات ابحث عن افق ضائع .
    بدت فى البعيد ، فى ردائها الازرق كحمامه تقفز فى افنانها ، وانتشرت فى المسافات بيننا رائحه الند والصندل والحناء والليمون الناضج ، احسست بعينيها الجميلتين وقد تقلبتا فى محجريهما وقد مدتا تجاهى وتسربت منها ابتسامه شجيه.
    خرجت فى صبيحه الامس عربه الاعلام وكانت مجهزة بميكرفون على غير العادة ، وكانوا لا يخرجون الا فى المناسبات المعروفه، خرجت وهى تؤيد الحكومه ورئيسها وكل من خطر بذهنهم واستعادوا شعارات متنافره من ازمان مختلفة ، ونددوا باعداء لم يسموهم وقد عززت هذه الشائعات التى كانت تتواتر باشياء جسيمه تحدث فى البلاد البعيدة ولا نعرف سوى إطرافها. كنت مسافرا ذلك الصباح الى المدينه لحضور الاجتماع مع مجموعة اخرى من مختلف الوزارات والمصالح . وجدتها جالسه فى متجرها مطرقه ، عندما رأتنى ضحكت عيناها وكانت تتأهب للقيام ، لكنها اطرقت مرة اخرى .
    • ازيك ياالصفيه
    • جيدا جيت ، انشاء الله انت طيب
    • سمعت انه ازرق جاء يخطبك
    • وشن سمعت تانى ؟
    كنت قد تنبهت اننى لم امد يدى اليها عند التحيه ، وكانت تغضب عندما احيبها دون مصافحه وتقول ان هذه تحيه البندر الجافه ، مددت يدى نظرت الى ببطء طويلا ثم ابتسمت ومدت يدها . بردت اطرافى وتفككت مفاصلى وبدت وكأننى فاقد التوازن ، والايام الحلوة كلها كانت امامى وقد عادت وتوارت ليالى السقام والوحدة والخوف .
    حكيت لها عن الاجتماع الذى سيعقد لتكوين التجمع الوطنى كما حدث فى كل اقاليم السودان . وكان قائد الجيش قد اخبرنى ان اجهزه الامن قد اعدت لاعتقال كل الذين سيحضرون الاجتماع
    • موت الجماعة عرس ياحبيبى ، روح والصفيه حتنتظرك .
    عندما دخلنا المدينه وجدنا الشوارع وقد فاضت بشرا يحملون جذوع الاشجار ويتراقصون فى الطرقات ، والنساء يزغردن ، وعندما ترجلنا من البص حدثونا ان انقلابا قد حدث فى البلاد واطاح بالحكومه السابقه.
    قضينا اسبوعا فى اجتماعات وكنت قد ارسلت خطابا للصفيه اوضحت لها فيه كل ما حدث وطمأنتها على ، اختارونا ضمن وفد ومعنا الشيخ للذهاب الى العاصمه للتعرف على ما حدث والاجتماع بالتجمع هناك وكذلك لمقابله السلطات للتحرك سريعا لمساعده الاهالى الذين كانوا يموتون يوميا بالالاف وحل مشكله المجاعة واللاجئين .
    حضرنا العاصمه وكانت البلاد قد انتظمتها روح جبارة من الاحلام والروىء الجديده . شاركنا فى اجتماعات التجمع ، وكنا نرى ونسمع يوميا اشياء جديده ، كان الشيخ يعرف كثيرا من الذين نراهم ، اصدقاء قابلهم فى سنوات حياته وزملاء ومعارف وكان يضحك عندما اساله عن بعض الاشياء .
    • نحن اصبحنا خبره فى هذا المجال حضرنا الاستقلال واكتوبر والان .
    اختارونا معا ومع اشخاص اخرين لكى نشارك فى اعمال الاغاثه ، وكنت مسئولا عن السفر لبورسودان للمساعده فى سرعه شحن المواد من الميناء .عندما عدت بعد ثلاثه اسابيع اخبرنى الشيخ ان الصفيه فى مستشفى المدينه مع والدها الذى اصيب بجلطه فى المخ وانهما قد يحضران الى العاصمه عندما تتحسن احوال الطيران فى الخريف ، واخبرنى كذلك ان ازرق قد اطلق سراحه بعد ايام من رحيلنا من البلده وانه سمع انه سيحضر الى العاصمه فى الايام القادمه.
    كان قد مضى شهران على رحيلنا وقد انتظمت رحلات الاغاثه والتموين وعادت الحياه الى طبيعتها ، فقفلنا انا والشيخ عائدين على احدى طائرات الاغاثه. ذهبنا من المطار الى المستشفى لكن اخبرونا ان الصفيه ووالدها قد غادرا الى العاصمه. كنت احمل شوق السنين الجافه والاحلام النضرة ، مغالبا بعادها الذى طال ومصغيا الى اصوات رائحتها النديه التى افتقدتها طوال مكوثى بالعاصمه.
    كان الازرق قد اشترى احد البيوت الكبيرة فى البلده ، كما استاجر احد المتاجر التى تطل على باحه السوق ، وجاءنى فى نفس يوم مجىء وجلس معى قليلا ثم حمل امتعته وذهب ، استعادت الحياه طبيعتها وبدأت العربات تتدفق من الحدود الليبيه تحمل مواد الاغاثه والملابس والنقود والعائدين من الغربه الطويله .
    طالت غيبه الصفيه شهرا لم يصلنى فيها اى خبر ، لكن بعد ايام من الشهر الثانى ارسلت لى خطابا قصيرا تخبرنى فيه عن نيتهم للسفر الى القاهرة لعلاج حسب الله ، وقالت انهم قد يقضون عدة شهور هنالك لانه قد يحتاج لدلك وكهرباء وامور اخرى. كان خطابا باردا وجافا ومحزنا ارجعته لانزعاجها وانشغالها وكتبت لها خطابا مفعما بالاشواق والحب والود الاصيل اشجعها فيه على الثبات والصبر ، كتبت الخطاب فى عدة ايام ، كتبته ثم لما جلست على مقعدى فى الصباح اضفت اليه ، لما مررت على متجرها فضيت المظروف واضفت اليه كلمات اخرى ثم ارسلته على عجل لئلا يصبح كتابا اذا صبرت عليه.
    بعد يوم واحد من سفر الشخص الذى حمل الخطاب ، جاءنى منها خطاب اخر حاملا رائحه الند والصندل والعيون الوسيعه ، شجيا تبثنى لواعج الشوق الحار فيه ، قالت لى انها كتبته فى منتصف احد الليالى وهى تسترق الضوء من لمبه بعيده وقد نام الجميع من حولها فى فناء المستشفى.
    امتطى صهوه الجواد الاسود العالى مزركش ومزين بالسرج الاحمر والسوميت والصدف وقطع الذهب ، احمل فى يمناى صارما صقيلا يلتمع فى ضوء الرتاين ، وفى يسراى سوط عنج يفرقع الجو والرجال حولى يتطايرون ويشقون جسد الهواء بسيوفهم وعصيهم والنساء يزغردن وهن فى ابهى زينتنهن ، والصفيه وسطهن فى ثوبها اللامع وعيونها ضاحكه تنتزع الفرحه والاحلام من هجير الليالى المستكنه ، اخترقت الصفوف والرجال يتوعدون بى ، والنساء يسدن الطريق ، قفزت بجوادى فوقهن وطارت الصفيه وامتطت الجواد ورائى وطرنا وكان الليل ناعما والنجوم ضاحكه ويداها الطريتان تحتضنان صدرى كطفل ينام على كف امه.





    كانت الصفية قد غابت عدة شهور الان ، ذهبوا الى القاهرة واخذوا بها ثلاثه اشهر ثم اخبرتنى فى احد خطاباتها انهم سيسافرون السعودية الى احد اعمامها حيث يتم علاج والدها ويحج بيت الله ، وانهما قد يتأخران هنالك حتى نهايه العام .
    الشمس تفج الظلمه وترتفع ببطء على اطراف البلدة ، ونحن ندب على الطريق وقد اصابنى وهن من المشوار
    • اطالت الصفية فى خطاباتها هذه المرة لماذا لا ترسل اليها وتسألها ؟
    • ارسلت لها قبل ايام
    كنا نقرأ خطابات الصفية التى ارسلتها من السعودية سويا، كانت تقطر شوقا الى البلده ورمالها وقالت رغم انها فى بلاد الصحراء الا انها لا تلمسها ولا تراها الا من نافذة العربة ، كانت ترسل خطابات كثيرة تحكى فيها عن حياتها وتفاصيل الايام التى تحملها فى البعيد
    • ربما حدث شيئ لوالدها هل نتوقع الزواج عند عودتها؟
    نشاط عارم انتظم البلاد جميعها ، كأنما قد نفخ فى صور الحلال والقرى فافاقت على الندوات والزيارات واللقاءات ، تذكر الناس ازمنة قد مضت وظنوا انها لن تؤوب ، واصبحنا كما يطلقون علينا مجموعة من المجموعات التى يتحدث عنها الناس وينقلون نكاتها وتفاصيلها واحداثها كمجموعة الشيخ وجماعة ازرق وجماعة دكان الزغاوى وكانوا احيانا يدللوننا بتسميتنا بالوليدات واطلقوا علينا جماعة التجمع ، وكنا قد واصلنا التردد على المدينة احيانا حينما ندعى لاجتماعات لكن ورغم محاولات الشيخ نفخ الروح فينا ، الا ان صعوبة الاتصال بالعواصم البعيدة وتعذر وصول الجرائد وعدم امكانية سماع الاذاعة جعلتنا ننفصل عن احداث البلاد المتعددة

    سمعت ان الصفية قد وصلت ، فتأبطت اشواقى وذهبت ، كانت الذبائح تنحر والناس متجمعون حول المنزل ، ولا تزال اصداء الزغاريد تظلل اركان المكان وكان الحاج حسب الله يقتعد عنقريبه وهو فى كامل زينته ، وقد استعاد صحته وبدأ وكأنه لم يصب باى شلل من قبل ، تضاممنا وهو يرحب بى واجلسنى على العنقريب ، هبت رياح طيبه على المكان وقد بدأت حكايات الحضور عن الحج والاسفار .
    الليله لامعة الاضواء وقد انيرت الرتاين وفرشت السجاجيد على الرمال ورشت اطرافها حتى تثبت ، وضعوا المقاعد على احد الجوانب فجلسنا عليها ، كانت البلدة كلها هناك بموظفيها ، شيوخ القبائل ، التجار والاعيان ، ازرق وجماعته ، الجيش والبوليس ومعظم اهالى البلدة وقد مدت الموائد يقصدها الحضور زرافات وزرافات ، وكانت جماعة الشيخ وقد جلست معهم تعلق على الهدايا من الكباش والمواشى والابل الذى احضر ، وقيل ان الازرق احضر جملين وبقرتين وشوال سكر وصندوق شاى>
    توافدت النساء فى ملابسهن الملونه اللامعة ، تبرق قطع الذهب على الجباه والاعناق والايادى وتملاء راحتهن الفضاء الرحيب ووسطهن الصفيه ، لم اكن قد رايتها حتى تلك اللحظه وقد ابيض لونها وامتلات قسمات وجهها ، عيونها الوسيعة الضاجه بالحركه قد استدارت عليها رموش سوداء ، عندما راتنى ضحكت عيناها وزغردت لمعتها . وكان الحضور كلهم يتفرسون فى ، يتابعون شعاع نظراتها ويخفون الابتسامات والضحكات والمسامات الجافة فى جسمى تتفتح من ابتهال البروق ، تواقه الى عبور الضفاف التى تفصلنا .
    انتظمت الصفوف للغناء وتهيأت النساء للرقص ، وقد داهمت المكان دفقات الافراح والوحشه والصهيل والانعتاق ، تراقصوا وقد انفك عن الاجساد قيد الامكنه وزيف الهواجس واكتضاض الجروح . هرولت الصفية فى المكان الضيق وصهل جسدها وقبضت يداها الزمان المنصرم ، وتهادى نشيد نهداها البارعان ، وكانت تحرق بنشوتها نشر الصحارى والرياح الجافة وحملت عناقيدها وغزلتها برائحه الند والصندل وهطول الخصب فى قفر ظمآن الى المزن . مدت لى يدها ونامت يدى فى يداها والليل مقرور النسمات فدفئت وكانت الاضواء اللامعة قد تنضدت على رموشها
    • طولتى علينا ، مسختى علينا البلد
    كانت يداها ترتجف وقد بدأنا ننز عرقا باردا ، وقد تصاعد فى بطنى مغص عارض ، والقلب يهتز بعنف ورفت على العيون دمعات
    • البلد كرامتك
    كنا قد نسينا العالم من حولنا ، واوغلنا نسد تجاويف الزمن الذى وثقنا باشواقنا وفرقنا ، وكانت الاغانى والهمهمات تتصاعد من حولنا تنشر عصافير الفرح العارم ، وكتائب الجوى والاشواق على الجفون المسهدة تبدد حلما عسيرا المنال قريب التحقيق .




    دخلت المكتب فدخلت ورائها انسحابات الظلمة فى الليالى المقمرة ، كانت قد تغيرت كثيرا ، كل شىء فيها مجلو ناصع وحلو ، كنت قد عرفت انها قد تركت العمل فى التجارة واعطت الدكان لاحد اقاربها .
    • حسب الله حلفنى على شباك النبى انه اساعد ازرق معاه فى الانتخابات ، انا قلت له الا نسعل .....
    وقع اسمى على مسامعى وكأننى اسمعه لاول مرة فى حياتى وكانت اول مرة تنطق فيها اسم ازرق كما هو . كانت هذه اول مرة تنطق فيها الصفيه باسمى ، فقد تعودت ان تخاطبنى اما بالاشارة او بالافندى وفى مرات قليله بحبيبى !
    • اناعاوز اعرف بالظبط الحاصل شنو بينك وبين ازرق الكلام كتير هنا ؟
    • انت يالافندى ؟
    • انا عايز اعرف ؟
    • انا بنحبك وما اتقابلنا وقت طويل ، طوالى تتهمنى بازرق وانت عارف كل شىء .
    كانت الجماعات كلها فى البلدة قد تناقلت انباء مساعدة ازرق لحسب الله فى علاجه فى مصر ، وكنت اعرف من الصفية ان وضعهم المادى كان متدهورا فى السنوات الاخيرة وقد تداولنا الوضع مع الشيخ وكان يظن ان ازرق لابد ان يبذل كل المحاولات التى تقربه من حسب الله لاعتبارات الانتخابات القادمة . كان لابد ان امتص الغضب الذى بدأ على الصفيه فى اول لقاء لنا بعد شهور عدة كنت احلم فيها كل ليله بهذا اللقاء .
    طلبت لنا شايا ، وكانت قد طلبت ان اقلل السكر فى الشاى . حست الشاى ببطء وكانت تتلذذ بشرابه وترفع كوبها لتخفى عيناها الضاحكتان حين تلتقيان بعيونى ، ثم انفجرت ضاحكة بعد حين ، فاصبت بتوتر وتراجف الكوب بين يدى .
    • يالافندى انت بتغير على ؟
    ضحكت عيناها بشدة ، والتمعت وتضامت وكانت تهز قدميها
    • سمعت انك خلاص خليتى التجارة .
    • انت يالافندى شن فيك ، اصلوا حسب الله حلفنى .....
    • حسب الله حلفك على كل شىء فى حياتك ، كل الى عملتيه عشان تكونى الصفيه ، حسب الله حلفك تخليه حاصل شنو يالصفيه ؟
    كان قد طفح الكيل منى وخشيت ان نتوه فى خصام جديد ، خرجت من المكتب الى القاعة وبدأت فى العمل ، ورأيتها وهى تخرج بعد قليل وتذهب وهى مطرقه وحزينه .
    اينعت اطراف الاوديه بالخضرة وجرت الخيران وامتلاءت الابار. كان خريفا انتظره الناس طويلا ، فخرجوا جميعا الى القيزان والبوادى يحرثون الارض ويسوونها وبدأت الاسورة التى كانت تحيط بالمدن تتقلص وتختفى افواج الباحثين عن الطعام والاطفال النحيلى البنيه والنساء النائحات ، وانتعشت اسواق العملة والتجارة وتوافد الرجال الملتحون الذين كانوا يحملون الشنط السامسونيت ويشترون ويبيعون ، وظهر ازرق وجماعته فى قاعة الجمارك وقد انهمر سيل العربات وتكاثرت ، ورغم ان الحدود كانت قد فتحت مع ليبيا ، فقد استمر الرجال يأجرون الجمال ويتدربون على امتطاءها فى الحيشان وفى الطرقات ثم يقودهم الخبراء فى طرقات الصحراء الحارقة والبوادى الجافة ، تتناقص مياههم ويضربون فى المتاهات ، يفقد بعضهم فى الليالى القاتمة ويصل بعضهم الى الحدود ، الموران الهائل للبلاد فى المدن البعيدة لم تصل الى هذه الاصقاع النائية ، لم يتسرب حلمها الى احلامهم فظلوا يحدقون الى بلاد يجلبون منها المال والبضائع والمستقبل السعيد .
    ظللنا نعقد الاجتماعت فى المدينه ونتشارك مع وفود الاحزاب وممثلى النقابات ، ورغم ان الشيخ كان مستبشرا ومتفائلا الا ان الحياة لم تتغيير الا قليلا فى البلدة وكنا نضرب فى تيه عظيم واحلام مبهمة .
    • هل سمعت ازرق سيرشح نفسه فى الانتخابات .
    تداولت جلسات المتاجر حكايات ازرق الذى ذهب الى العاصمه ، واصبح علما مرموقا فى دنيا المال والتجار، والذى عاد فى احد الايام وهو يقود عربة لامعه تشق اغوار الرمال كسكينة فى زبد وتعشى ليالى القريه اضوائها اللامعة ، وحوله عدد من رجاله الذين يعملون فى تجارة الماشية والعملات وتسهيلات السفر الى بلاد البترول وليبيا ، واقام عده احتفالات وولائم فى منزله حضرها الاهالى وغنت فيها النساء وتذكروا اغنيه قطعتها له احدى الحكامات فى احدى الايام واضافوا اليها .
    • انه يعتمد على حسب الله كاحد الذين يجعلون نجاحه فى الانتخابات مضمونا ، اذا ضمن حسب الله فستقف كل القبيله معه
    تتالت ايام و ليال وبدأت المنطقة كلها وكأن لا شاغل لها سوى الانتخابات ، وجاء المرشحون وتبعهم رؤساء الاحزاب والمؤيدين والعربات وجاءنى ازرق فى ذات ليله وسهر معى وتحدث كثيرا عن نفسه وعن البلاد وقال فى معرض حديثه عن الصفيه .
    • اسمع انا ما بندور نعرس الصفيه ! بنخليها ليك ، لكن انا بندور ابوها يقيف معاى فى الانتخابات .
    • عندك اى ضمانات تدينى ليها انك ما تعرس الصفيه !
    ضحك بصوت عالى كثيرا ، وضحكت وترامت الاقتراحات فى الجلسه .
    • تحلف اسم الله على كدة !
    • ممكن تأكل بلد كفارة !
    • اديك شيك كبير على بياض !
    • بعد ما تدخل الحكومة تتهمنى بسرقته !
    • نعقد ليك على الصفيه بالسر!
    • يمكن تقيف لى بالسيف والخنجر !
    • هاها
    انبرى واقفا واخذ يدى فى يده وحضننى وقال انه يحترم موقفى كرجل
    • اعاهدك بالملح والملاح والله الليله دى اعمل اى شىء عشان افوز بالصفيه بما فيها “ اللعبات القذرة ، البقولوها
    ضحكنا وكانت تلك اخر الاحاديث التى تبادلناها وكنت اعلم ان ما قاله سيحدث ولكن رغم ذلك فقد بقى فى داخلنا رابط ما يشدنا الى بعضنا ، ويجعله يدعونى الى كافة ولائمه وحفلاته وندواته ويجعلنى اذكره كما كنت منذ اول مرة التقينا فيها .
    كان الشيخ يغيب كثيرا فى تلك الايام فقد خرجوا لتسجيل مواطنى القرى وكان هو مسئولا عن العربات والوقود اللازم ، وكنت اراه لماما ، بالكاد نتحدث عن اشياء قليله ، وفى ليل قمرى ناعس دخل الشيخ ومعه الصفيه . قال انه كان قادما الى والتقطها عندما اشارت اليه واخبرته انها ذاهبة لزيارتى.
    جلست على المقعد وخلعت شبشبها وكانت اصابعها تلعب على الرمال البيضاء وعيونها تحدق فى قدميها ، استأذن الشيخ وخرج ، فوقفت امام مقعدها ومددت يدى لشعرها الناعم المندى بالحناء والصندل فتناوم شعرها على يدى وحضنتى ، ومضت تحكى وانا ارنو بناظرى الى عيونها ليل ساجى يهبط علينا ، يورق فى القلب غصن غض ويشرق فى الجوانح ليل مائد المساحات تضيق والكوى تهوى والجبل المشدود القائم يتفتت وامد يدى فى الحلكة ، اتوكأ عصا خوفى فاحس يدا فى الانتظار وصوتها المورق يتخلل الرمال الرطبه ويغوص فى باطن الارض ويكتسح الفضاءات .تتقلب فى كل الاتجاهات اخفيتها فى خيالى وقد تجدلت اشعة القمر على وجهها ، وانا مدعو بان اغزل الفضاء بيتا ابنيه على اعشاش المستقبل .
    • انا منتظرك وكنت عايز لما اشوفك اقول ليك نعرس ، حضرت العرس فى راسى ، لون الفستان ، مشية الحصان ، الاغانى ، نقش الحناء ، لفة العمه ، طول السوط ، دقات الطار ، ريحة الملايه على السرير واسم الوليدات .
    • انى مانى مابيه العرس لكن يالافندى حسب الله ما بخاف الله ، لقانى فى المزار ودموعى تتجارن حلفنى فى الشباك الاخضر نقيف معاه حتى نفوز زريقة ، انى بنقيف معاه لكن بعد داك انا حقتك ، مافى جنس مخلوق بينى وبينك ، انا بندورك صح .... انا بندورك وبندور كل حاجاتك .... اخدنى ...اخدنى

    الخرطوم/المايقوما 1986
    قطر/الدوحة 1994-1995
    العين/الامارات 1996-1999
                  

العنوان الكاتب Date
السنــدلــــوبة-حكاية من دارفور - د. عمرو محمد عباس -القاهرة د. عمرو محمد عباس 05-10-06, 03:28 AM
  Re: السنــدلــــوبة-حكاية من دارفور - د. عمرو محمد عباس -القاهرة محى الدين ابكر سليمان05-10-06, 09:13 AM
    Re: السنــدلــــوبة-حكاية من دارفور - د. عمرو محمد عباس -القاهرة Mohamed Elgadi05-10-06, 07:26 PM
      Re: السنــدلــــوبة-حكاية من دارفور - د. عمرو محمد عباس -القاهرة محى الدين ابكر سليمان05-11-06, 07:23 AM
        Re: السنــدلــــوبة-حكاية من دارفور - د. عمرو محمد عباس -القاهرة فيصل محمد خليل05-11-06, 09:19 AM
  Re: السنــدلــــوبة-حكاية من دارفور - د. عمرو محمد عباس -القاهرة شرف الدين آدم إسماعيل05-11-06, 09:37 AM
    Re: السنــدلــــوبة-حكاية من دارفور - د. عمرو محمد عباس -القاهرة محى الدين ابكر سليمان05-11-06, 04:56 PM
      Re: السنــدلــــوبة-حكاية من دارفور - د. عمرو محمد عباس -القاهرة Sidgi Kaballo05-12-06, 05:23 AM
        Re: السنــدلــــوبة-حكاية من دارفور - د. عمرو محمد عباس -القاهرة Amr Abbas05-13-06, 04:15 AM
  Re: السنــدلــــوبة-حكاية من دارفور - د. عمرو محمد عباس -القاهرة Hani Arabi Mohamed05-13-06, 11:31 AM
    Re: السنــدلــــوبة-حكاية من دارفور - د. عمرو محمد عباس -القاهرة صلاح نور05-13-06, 05:37 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de