رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-05-2024, 03:29 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة الاديب محسن خالد(محسن خالد)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-19-2006, 09:53 AM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء (Re: محسن خالد)

    ..

    Quote:
    الكاب تاون


    في مطار كاب تاون، بينما المسافرون يعبرون في عجلة، مخطوفي البال، مخطوفي اللغات والألوان، مزعزعين بين تاريخهم المُرّ، وبين جنوب إفريقيا اليوم، صاحبة أنزه وأقيم دستور ونظام برلماني، كنتُ أعبر بينهم وأنا المخطوفُ كلّه، وكُلّ ما اختُطِف. أحسست بذاك الصباح طويلاً كجدران، وأنا مكرّسٌ بتمامي لأمسي الذي نَفَق، قلبي يعدو متعثراً فوق ذكرياتٍ كثيرة، الحزن الوجودي الفاتر يُلَفّعني كالشَّرَى، لأول مرّة أحسست بتلك العبارة الساذجة التي تقول: "يُمَزِّق نياط القلب"، التي كانت تضحكني فيما مضى، وحين أقرأها تمتلئ أشداقي بالضحك، وقلبي بالمرح، من حالها وحال لغتها الهشَّة، مباشرة الاستجداء للرحمة. رحمتك يا رب، ثم رحمتك يا صباح "سندي وودز مان".
    هذا كان حين مغادرتي لمدينة الكاب يوم السبت 7 جانوري، وكنتُ قد هبطتُ في مطارها ببداية الشهر نفسه، حللتُها في ضحى غائم، وقلبي ينكت كأنّه على موعد عشق، ومن ورائه خلفية خافتة وجارية مثل نهر، نحو سمو مرتقب، لم أكن أعرف بأنني سأصعد مع المتسلقين إلى قمة جبال المائدة التي تُحاصر كاب تاون كمائدة مستديرة، والمدينة تتفَلَّت منها هنا وهناك، لتنوجد منافذ وألسنة لاعقة للمحيط الأطلسي، من أعلى تلوح تلك المائدة ملعوقة لدى جانبين بألسنة من المحيط. أعلى القمة يُسَمَّى "قمة الأُسود"، من هناك رأيتُ السحاب يمور في مرمى كَفّي، وبين قدميّ، والبعيد مني أراه فوّاراً يتماوج وينكب أمام الجبال مثل شلال وهمي، أو كفتاة فاقعة البياض سندت ظهرها إلى المخفي من الصخور، وتركت شعرها تتلاعب به ريح الجبال. شوارع المدينة البعيدة من ذلك العلو تلوح كأزقة صغيرة تتعرّج هنا وهناك في الأسفل، بين المنازل البيضاء والطوبية القانية. أثناء نزولي من قمة الأسود بعدة أمتار، وتسلّق المتر هنا يساوي الكثير من الرعب والحذر والزمن، اجتياز المتر في عرض هذه السماء الرحبة والسحاب، لا يساوي شبحة المتر فوق الأرض، وجدتُ شجرة جميلة وظليلة، اختارت لنفسها كل تلك الرفعة والخيلاء، جلستُ تحت ظلها لأرى المدينة من زاوية محيطة ومهيمنة، ولأكتب وصفي هذا، أسميتُها شجرة السمو العاطفي، فقد حملت من جميع جوانبها نقوشاً لمحبين كُثر رسموا بأعينهم وكاميراتهم مشهد مدينة الكاب من هنا، كما سجّلوا أسماءهم في ارتباط الحب بالحفر على جذعها، نقش ليليان لجانب استيوارت، وبيتر مع حبيبته لورا، قمتُ بنقش محسن خالد لجانب سندي وودز مان، الصبيّة البحّارة، من باب المرح والاحتفاظ بالمكان وروح اللحظة، فقد شعرتُ بوخز مجهولها الدافئ في قلبي، بينما أنا أنزل مطار مدينة الكاب، وحين كانت هي في تلك الساعة لدى المنطقة المعروفة بالوتر فرونت Water front-الوجه البحري- تُعِدُّ الزوارق التي تحمل الناس من لدى بوابة مانديلا الشهيرة، من حيث يعبرون إلى جزيرة روبن، التي احتُبِس فيها مانديلا مع معظم مشاهير النضال الوطني في جنوب إفريقيا.

    متحف الأكوريم


    في أوّل مرة قدمتُ فيها لبوابة مانديلا لم أكن أعرف أنّ متحف الأكوريم يجاور البوابة، فالناس يقصدون الوتر فرونت لأسباب عديدة، أهمها بالطبع الذهاب لجزيرة روبن، وكذلك الخروج في رحلات الصيد، وأيضاً لمشاهدة سباقات الزوارق البحرية، أي كان بوسعي أن أتوقع وجود متحف التاريخ الملاحي لجنوب إفريقيا بالقرب من هنا، وبالفعل تأكدتُ من ذلك بالذهاب إلى المتحف، أما متحف الأكوريم فقد توقعتُ أن يكون إلى داخل المرسى أكثر، وهو يُسَمَّى في دعاية تقديمه بـ"Two Oceans Aquarium"، أي المتحف المخصّص لعرض طبيعية الحياة البحرية بالنسبة لمحيطين، المحيط الأطلسي والمحيط الهندي، هذا بالرغم من أنَّ المتحف يحتوي أيضاً على عرض دقيق لحياة الكائنات بداخل نهر لورينز Lourens River، هنا بالطبع تلعب التكنولوجيا والإمكانيات دورها، فالمتحف شيء مذهلٌ بالفعل، وتبدأ المخلوقات المعروضة بداخله من أقلّها ضآلة، كالكائنات الرخوة والبدائية، شديدة القرب من النباتات، وحتى بلوغ الحيتان الضخمة من فصيلة أبي سيف وأبي منشار وجميع أنواع أسماك القرش. الكائنات الغريبة أو التي تتميز بنوعٍ من التمَيُّز يُنَوَّه إليها في اللافتات الإرشادية المنتشرة في كل مكان، بالإضافة للشابّات والشبّان الأدلاء والمتخصصين في قيادة الزوّار بداخل المتحف.
    لقد أعجبتني نجوم البحر، التي لم أكن أعرف أنها ليست عمياء فحسب، بل هي خُلقت بدون عيون، وأنّ مياه البحر هي التي تجري بداخل أقنيتها بدل الدم، وأنها لخروج أو دخول الطعام إلى أمعائها تقوم بقلب تلك الأمعاء إلى الداخل والخارج فحسب، وليس عبر منافذ مخصّصة ومعلومة كما هو الحال مع المخلوقات الأخرى.
    وهي أنواعٌ شتّى، منها النجوم الحمراء، والشوكية spiny. كما شاهدتُ جميع أنواع السرطانات والرخويات الأخرى، الذي يصلح للأكل منها والسام. أمّا أهم نوع أثَّر في من هذه الأنواع، وكان الجميع يلتف من حول سياجه الزجاجي ليتأمله أو ليصوره أو حتى ليرسمه، فالمعرض يستهوي الكثير من الفنانين التشكيليين الذين يهتمون برسم الأسماك وكائنات البحر، فهو سمك الصندوق أو الـBox Jelly Fish ، وهو عبارة عن صندوق مربّع بكل دقة وهندسة، من يراه يظن أنّه "قيطان" فانوس أبيض، من نوع تلك الفوانيس القديمة التي تعمل بالسبيرتو، لولا أنّه في شكل مربّع غير قيطان الفانوس المثلّث الشكل، ونظراً لرهافتها وضعفها، كتلك الحلوى التي يسمونها حلاوة قطن، وبالفعل تشبه هذه الأسماك أن تكون مخلوقة من القطن الرهيف للغاية وناصع البياض، أو هي بالضبط تبدو كأنّها تشكّلت من خيوط العنكبوت. ولذلك فهي قاتلة وفتّاكة للغاية، كحال كل المخلوقات الضعيفة والواهية، لا بُدّ لها أن تتمَيّز بأسلحة دمار لا يمكن صدّها، وذلك من أجل الحفاظ على حياتها ومن ثم نوعها في الوجود، فهذه الصناديق المصنوعة من خيوط العنكبوت مرهوبة للغاية ولا يمكن لأي مخلوق بحري الاقتراب منها إلا بحذر مبالغ فيه.
    هناك جداولٌ ضخمة ومتوسعة في المقارنة بين المحيطين الأطلسي والهندي، الأعماق، طبيعة الحياة البحرية فيهما، درجات الملوحة، الثروات، الشواطئ والثقافات المرتبطة بهما، وكُلُّ شيء يدخل في إطار التمايز بين المحيطين كمياه، وكامتدادات لهما خارج المياه.
    كما هناك إطارات لعرض المخلوقات البحرية الجميلة، هنا الجمال ينصب بشكل أساسي على الألوان ثم لاحقاً تقاطيع الكائن، وتقف سمكة الكلاون Clown Tiggerfish على رأس حسناوات الأعماق، بألوانها التي لا يمكن تصديق درجة نقاءها وتداخلها وتنوعها، مازحني أحد الفنّانين الأمريكان لدى هذه السمكة قائلاً: هل تعرفني يا رجل، من أي بلد أنت؟ قلتُ لا أعرفك، أنا من السودان. فأجابني أنا أفضل تشكيلي في الدنيا، وأنت لا تعرفني فقط لأنني لم أكن أستخدم ألوان هذه السمكة. قلتُ له ضاحكاً، وهل هي تحمل ألواناً لا تُوجد بالخارج أو يصعب تحضيرها؟ أجابني: بل هي تحمل ألواناً مجهولة بالنسبة لي، أنا لم أرَ بهاءً كهذا في حياتي. بعدها انتقلت لأغرب موضوعة في المتحف، وهي الأسماك التي تحمل وجوه حيواناتٍ معروفة لنا، بكل دقة وتطابق، وليست من نوع الموضوعات التي يصنعها التهويل الصحفي، من جنس أنّ اسم الجلالة أو الرسول وُجد مكتوباً على ظهر سمكة، أو رأس طفل وأحياناً السحب تكتب في يوم عرفة اسم الجلالة في السماء، وحين تنظر إلى الصور لا تجد إلا خيالات صاحب الموضوع، هنا الحكاية مختلفة كثيراً، فالسمكة القطة Striped eel- catfish هي هي، بدون مبالغة أو خيالات، وهي تعيش في المياه الدافئة من المحيط الهندي، والباسفيكي الغربي، وكذلك البحر الأحمر نزولاً إلى جنوب إفريقيا وحتى ميناء اليزابيث، وتتميّز برقتها لدرجة أنها لا تحتمل اللمس. وأيضاً هناك أسماك حصان البحر التي تطابق بالفعل وجه الحصانKnysna Seahorse وهي لا تُوجد بالعالم كله، إلا في منطقة كينيسا التي تحمل اسمها ومنطقة سوارتفيلي Swartvlei وشواطئ الكاب الجنوبية.

    جزيرة روبن


    قلتُ عليّ الآن الذهاب لبوابة مانديلا ومنها إلى جزيرة روبن، وسأعود للاستمتاع بهذا المتحف مرة ثانية. تحركنا ناحية الجزيرة في الساعة الواحدة من يوم الجمعة. الجانب الأسفل من القارب مُهَيكل بطريقة تشبه مقهى متحركاً، قاعة كبيرة الحجم، وهناك تلفزيون يعرض حال المساجين أيام روبن أيلاند في فتوتها ودورها.
    اخترتُ أن أكون في الطابق الأعلى كي أرى جيداً، وكي أتمَكَّن من التصوير، وأخذ راحتي في تدوين ملاحظاتي. مكبرات الصوت كانت تزودنا بالمعلومات والسرد التاريخي، منذ أن كانت الجزيرة قرية عادية وإلى أن استحالت لسجن يضم المجرمين والسياسيين في بقعة واحدة. تذكرتُ سؤال ذلك الإنجليزي لي على قمة جبال المائدة، حين قال لي بأنَّ موقع الجزيرة واضح ومكشوف، فقلت له هذا الآن فقط، لأنه من المسموح لك النظر إلى الجزيرة من كل الزوايا، بل ومن قمة رأس الأُسود. وبالفعل في السابق كان هناك نوع من التعتيم الممارس على موقع الجزيرة. أما الآن فيكفيها أنها أصبحت مادة للدعاية والسياحة. هذه الجزيرة كانت في تاريخها القديم جداً مُجَرَّد منطقة وادعة بمساجدها وكنائسها وتجارها وسُكَّانها من كل شاكلة ولون وصقع، وإن كانت المياه العذبة تُجلب لها من الخارج. الكنيسة التي بداخلها بناها الكابتن ريتشارد وولفCaptain Richard Wolfe في العام 1841م، كما هناك كلينيك طبي ومدرسة ابتدائية ومسجد وسوبر ماركت كبير، أي أنها في السابق كانت تعيش حياةً قَارَّة وطبيعية إبّان العام 1657م قبل أن تُحَوّل إلى سجن لم تنقضِ عجائبه إلا في العام 1996م. أثناء تجوالنا كانت هناك الكثير من الغزلان البرية تتجول في انسراح وحرية تامة، المقبرة أجمل ما أثارني، لأنها تحتفظ بمدافن قديمة جداً، لبحارين وقناصين وقراصنة ورهبان ومساجين وقتلة ومناضلين، قساوسة وأئمة مساجد من جميع الجنسيات. أخذونا للمكان الذي كان يعمل فيه مانديلا مكسراً للصخور، ما تزال هناك كومةٌ من الحجارة التي كان يعمل عليها مانديلا كأثَارةٍ منه وممن كانوا معه.
    وكانت إجراءات الأبارتيد تعمل مع مانديلا دائماً بسياسة العزل، كما تُحَرِّم عليهم الحديث مع بعضهم بعضاً، كي لا يكون هنالك تنوير، أو تنظيم وتخطيط لأي فعل جماعي. كنا محظوظين لأنَّ السجين السياسي السابق فينسنت ديبا Vincent Diba كان دليلنا، هم يتعاقدون مع من بقي حياً من السجناء السابقين كي يشرحوا للزوار والمبعوثين الصحفيين والسياسيين ما كان يجري في روبن أيلاند، وفنسنت لا تبدو عليه الشيخوخة أبداً، يلوح كرجل في بداية العقد الخامس وإن كان مسجوناً منذ العام 1923م وقضى 18 عاماً بداخل روبن أيلاند.
    شرح لنا كيف كان يقوم السجناء بتدريس بعضهم بعضاً، ثم قادنا لقوائم الطعام التي كانت تقدم للسجناء، ما تزال بطاقة فنسنت كسجين موجودة، وهي مكبّرة بحجم واضح ليتم قراءة البيانات من عليها، والجزيرة كانت مخصصة للسجناء السود والهنود ومن الأجناس الأخرى غير الأوربية فحسب، الأوربيون لم يكن يتم سجنهم هنا على الإطلاق. الأكل موضوعٌ كبير بالنسبة للسجناء طبعاً، وكانت تمرر أجندة السيطرة من خلاله فهم لا يعطونهم ما يكفيهم ليكون التفكير فيه دوماً، والصراع حوله، ومع الحرمان من الدخان يتم تشتيت قدرات السجين الذهنية تماماً بجعله بهيمة ينحصر تفكيرها في متطلبات غرائزها اليومية فحسب، ومع الحرمان من الصحف والتلفاز والراديو لأجل العزل المعرفي، يكتمل لهم إزالة السجين من الوجود. ومحو الشعور لديه بالزمن وبالحراك والتبدل، فيسقط بذلك العالم الخارجي من اهتماماته.
    هنا تُوجد الكثير من العنابر الصغيرة جداً، فالحال يختلف قليلاً عن بعض أقسام تلَّة الدستور بجوهانسبيرغ، الحمّامات تُقارب ذلك الوضع المزري الذي تحدثنا عنه في خلية مانديلا وغاندي، وإن تختلف عنه قليلاً لعامل كِبَر المساحة على الجزيرة بالطبع، وضيق المكان في تلّة الدستور. واضح أنَّ العنبر هنا مصمم ليكون بارداً في الشتاء وحاراً في الصيف، كأكواخ الزنك الحديدية، التي لا تُؤَثِّر على الطبيعة بتاتاً، تقف في تمام مواعيد العطالة واللاوظيفة، الحر يشعلها ومع البرد تثلُج.
    تسأل إمرأة إسبانية فنسنت، الغسيل يا سيد فنسنت، كيف كنتم تغسلون ملابسكم؟
    يقول فنسنت، مع نظرة إلى السحب التي تمر، كنا نستخدم ماء المطر في غسل ملابسنا، يشير إلى قيعان وأخاديد في الأرض السبخة والحمراء، يمكنك يا سيدتي أن تستعملي تلك الحُفرة كطشت غير مكلّف أبداً.
    التجوال بين عنبر وآخر غير مُصَرَّح به، وقطعاً ستتلَقَّى عقوبة صارمة لو تنَقَّلت بين العنابر، وتُصرف لك عشرة أيام من العمل الإضافي في تكسير الصخور. والزيارة ممنوعة إلا نادراً وفي حالات استثنائية تستوجب منتهى الضرورة، ويتم الترتيب لها بشكل صارم ودقيق لدرجة القسوة المهينة والمزرية للزائر والمُزار.
    ذهب بنا فنسنت بعد ذلك في جولة حول السجن، كنتُ متشوقاً لأرى زنزانة مانديلا، يسمونها الخلية رقم 5 وفيها تُوجد متعلقاته، ذكروا بأنَّ الملعقة التي كان يستخدمها قد سُرقت بواسطة أحد السياح، ولذلك أُغلقت "الخلية" وأصبحت متحفاً للحفاظ على ما تبقى من متعلقات مانديلا. هناك البطانية التي كانت له، وهي تشبه البطاطين العسكرية جداً، كوز للشراب ومسند مُغَبَّر، الزنزانة تبدو مترين في مترين. تدافع الناس هنا لأخذ الصور، فالوقت المسموح به يشارف على الانتهاء، أخذتُ الكثير من الصور بتلكئي المعهود، الدليل ينبهني لكوني لا أُراعي القوانين، قلت له، جئت من بلاد بعيدة لكي تترسخ الأشياء في رأسي، ولكي أؤرّخ لها في سجل مذكراتي بكاميرتي، إنني كاتب وما أنا بسائح. أخذنا فنسنت بعدها إلى الفصل الدراسي الذي كان في السابق ملجأ للسجناء، يتدارسون فيه ما سمح السجّان بذلك؟
    هواء صافٍ كان يلفح وجوهنا بينما نحن نخرج إلى فسحة العنابر الكبرى، كانت هنالك منارة عالية للجزيرة، لا تضاهيها في الارتفاع إلا تلك الأبراج المخصصة للدرك والحُرَّاس، الساحة العامة ينتصب فيها بفخار كولينالي أصيل مدفعٌ كبير كان يستخدم في الحراسة، فلم يكونوا يستبعدون أن يتم الهجوم على الجزيرة، فمعظم قادة النضال في جنوب إفريقيا كانوا بداخلها، وربما يصدرون تعليماتهم لخلاياهم السريّة بمهاجمتها، لذا فالحراسة على الجزيرة لم يكن يقوم بها مجرّد طاقم حُرّاس، أبداً، بل مليشيا عسكرية كاملة وبكامل عتادها.
    أذكر أنني في رحلة العودة لمحت فنسنت يجلس معنا في الزورق ورائي لم يكن هناك كرسي مجاور له، دعوته ليجلس بقربي وأخذت أتحدث معه حول السجن والسجناء، أنا شخصياً شغلتني فكرة الهرب من هذه الجزيرة، سألته، هل هناك من فكّر في الهرب أو من استطاع ذلك؟
    أجاب نعم، وقاطعني بسؤال من أي بلد قدمت، قلت له أنا سوداني وجئت من الإمارات. قال الإمارات بلد ثري. قلت له نعم.
    قال إنَّ هناك سجينان سياسيان حاولا الهرب، ديفيد ستورمانDavid Stuurman الذي نجح في الهروب ولم يُقبض عليه ثانية. والنجاح في عملية كهذه لا بُدّ له أن يتم على مراحل، الإفلات أولاً من حُرّاس الساحة الداخلية للعنابر، ثم من حُرّاس البوابات الخارجية للسجن، وبعدها مرواغة المليشيا العسكرية المتخندقة خارج كل ذلك، لتفصل بين مجمل الجزيرة ومياه المحيط، قال إنّ المناضل ديفيد أفلت من كل هذه الحراسات بالليل، ثم نجح بعدها في المرحلة الأخطر من كل ذلك، وهي تمضية الليل كله سباحة حتى شواطئ مدينة الكاب والإفلات من الحارس الكبير "الغرق"، أما السجين الثاني الذي حاول الهرب فهو ماكانا Makana والذي نجح في خداع الحرس، واجتياز كل تلك السياجات والمتاريس، ولكن لم يفلح في خداع المحيط الأطلسي، فلقي حتفه غرقاً.
    أضاف بأنَّه في الثمانينات استطاع أحد المجرمين السجناء أن يهرب هو الآخر من هنا، المسألة ليست مستحيلة فحسب، بل الهرب من الكاتارز يبدو مزحة مسلية مقارنة بالهرب من جزيرة روبن الشهيرة.
    هاهنا أمضى مانديلا من العمر ما يكفي لولادة إنسان وعيشه حتى مرحلة تخرّجه من الجامعة. معظم من دخل هذا المكان إما أنَّه مات من سوء التغذية والمعاملة، وإما أنّه أُصيب بالوحشة وانتحر بنفسه، أو أُصيب بكامل الجنون ليُلْقِي به الحُرّاس بعدها في مياه المحيط، كما قال لي فنست. الذي تنفرط أعصابه ولا يستطيع التماسك، يُلقى في المحيط، هذا قانون معروف هنا، فهم لم يكونوا يعتقدون بأنّ الأسود يمتلك عقلاً بالأساس، لكي يبعث بعدها إلى مصحة تستعيده له، والذي ينجو من كل ذلك يموت موتاً طبيعياً بالداخل، لأنّ المعتقلين كلهم محكومون بالتأبيدة.
    لاحت بوّابة مانديلا من بعيد، كعروقٍ للمدينة في المحيط، بين غَبَش المياه والضباب، فما أصدق أنها بوّابة، من هنا ولج تاريخُ هذه البلاد منطقة لا يلجها الزمن نفسه إن لم يكن في صحبة مانديلا.

    رأس الرجاء الصالح



    الصباحات دائماً تشبه أن تكون نساءً، في صباح سالي دومينك الأشقر قليلاً، الصباح البعيد والمعروش بالرذاذ، نَسَّقت لي مديرة نُزل تويليب مع سائحة سويدية من جذور فرنسية للذهاب إلى منطقة رأس الرجاء الصالح البعيدة جداً من الكاب، في نَفْس الصباح الذي كنت قد هيأتُه لمهمة أخرى، فقد رأيت الجميع لا يذهبون من مدينة الكاب دون رؤيتها وتوديعها من لدى أعلى قمة في جبل المائدة، تُعرف برأس الأسود، ولكن ما كان بوسعي أن أُفوِّت تلك الفرصة لرؤية رأس الرجاء الصالح، حافّة القارّة الغامضة، قارّة السحر والغابة، الخلق والطقس الديني، الأقنعة وكنوز سليمان، ورؤية كورنتها المبذولة بكل مجانية التاريخ والبحار، لأمزجة المغامرين الكبار، القراصنة والغزاة، المستطلعين، وتُجّار العاج والذهب والرقيق. قلت إذن لنذهب إلى ما هو أبعد، إلى رأس الرجاء الصالح، بالرغم من أنّها دونها المدن والجبال، وتكلفتها تكون مرتفعة جداً لو حاول الشخص أن يذهب إليها بمفرده، لذا تشاركتُ نفقات الذهاب مع سالي دومينك، صاحبة ذلك الصباح، ليكن رأس الرجاء الصالح، وجبال المائدة بالأصل هي منتظرة منذ القديم، فلتُضف لانتظارها قليل انتظار.
    خرجنا في طرق الطبيعة الوعرة وهي تصطرع مع التكنلوجيا الوعرة، ورأس المال الوعر، الجسور القافزة، الطائرة، الدرابزينية، حتى تخال نفسك تسير في عالم ملائكي وبأجمل الأجنحة.. غاية الجمال، كلُّ شيء فيه يبدو كالرسم بخطوط معلّقة في السماء، عندما ارتفعت بنا السيارة من إحدى جوانب جبل المائدة أصبح بوسعي النظر إلى المدينة من زاوية شاملة وجميلة، توقفنا لنلتقط بعض الصور من ذلك العلو، فبدت منه المدينة مبهولةً في البحر، أو كأنها شفطت البحر إلى حضنها.
    أمتعنا ذلك الصباح المجنّح والمعروش بالرذاذ، قبل أن نصل إلى مدينة سايمونSimon’s Town التي هي أكبر مدينة في تلك الأنحاء، نزلنا كي ندخل إلى مرسى السفن الضخم الذي يقوم على وجهها البحري، ولكن الحُراس منعونا من الدخول إلى هناك، غافلتهم قليلاً والتقطتُ بعض الصور ليأتي أحدهم ويقول لي امسحها الآن وفوراً، ومَدّ بوزه ناحية الكاميرا مدعياً أنه "بصير" بالتكنولوجيا، فجعلتها تُصَوِّت تصويتات مضحكة لأؤكد له أنها لم تمسح الصور فحسب، بل أعلنت توبتها عن التصوير، وتطالب بكاهن للاعتراف.
    هذه المدينة تجذب التشكيليين بجميع ألوانهم وحركاتهم لهدوئها وجمال طبيعتها، البيوت المتسلّقة كما يمكن تسميتها، تبدو كنباتات زاحفة قامت بتسَلُّق الصخور والمرتفعات، التشكيليون يأتونها من أرجاء متفرقة من الدنيا ومن داخل جنوب إفريقيا، هناك مشاغل ومعارض فنون كثيرة جداً، قمنا بزيارة واحد من أهمها تمتلكه سيدة لطيفة ومحنّكة في آن، معرضها تشارك فيه كمية كبيرة من الفنانين، اشترت منها سالي دومينك تمثالاً جميلاً وغالياً، بعدها اتجهنا ناحية رأس الرجاء الصالح مباشرة، نَفْس طرق المرتفعات المتعرجة والخضراء، تلتف من حول الهضاب وتتخللها، بعد مسيرة معقولة أخرى، أصبح الطريق يكتظ بالسيارات فنَبَّهنا السائق إلى أننا قد اقتربنا، وبالفعل أخذنا نرى قوافل وقواطر السياح والرحَّالين والمغامرين يملؤون فسحة الوادي الرحيب، ويُلَوِّنون بملابسهم الرياضية عُلوَّ المرتفعات نحو النقطة المأكولة في جنبة الجبل، تلك القرمة الشهيرة للمنطقة التي يتحَدَّد بها رأس الرجاء الصالح فوق قمة الجبل، ما كنا نراها في الصور والخُرَط.
    هاهو يا ربي.. المنعرج أو الكورنر التي التف من حولها العمالقة وجوابو البحار العظماء، أمثال "ماركو بولو"، "ماجلان"، "فاسكو داغاما" ورفيقه "ابن ماجد"، والأدميرال جينج خه الصيني المسلم، الذي جاب مياه كوننا في أضخم آرمادا تبجّح بها التاريخ الملاحي.
    أوّل ما تلمحه موقعاً لاستئجار الدرّاجات تعين الناس في التسلّق، وإن رأينا أنّ الدراجات ستكون مرهقة أكثر من السير على الأقدام، كما أنّك تستخدمها لمسافة صغيرة بعدها يستحيل الاعتماد عليها، اتفقنا على ذلك ثلاثتنا، السائق وسالي وأنا. ركنّا السيارة وانطلقنا في المرتفعات التي تمتلئ ببشر من كافَّة أنحاء الدنيا. كلهم يقصدون رأس الجبل لبلوغ تلك "القِرْمَة" الشهيرة من جبل نقطة رأس الرجاء الصالح، التي تراها من الأرض معيّنة بمحطة ضخمة أسفلها قليلاً، أما النقطة نفسها فهي تشبه أبراج المراقبة المعروفة، وإن كانت مستديرة، ومسيّجة لحجب الناس عن الهاوية التي تحيطها من الجوانب كلها، من ذلك العلو ترى السفن العملاقة مثل سفن أطفال ورقية.
    لا تستطيع أن تتقدّم لأكثر من عشرة أمتار دون أخذ راحة، أخذ السائق يمضغ عُشبة التقطها من الأرض تشبه عُشبة "التمليكة" السودانية كثيراً، وإن هي أخشنُ منها، سألته عنها، فقال إنّ اسمها سورفيكز Sourfigs، سألته سالي باستغراب هل تأكلونها هكذا، قال لا، ولكن تلك طريقته هو في أكلها، أما بالنسبة للآخرين فهم يطبخونها مع الصوص واللحم. منظر الناس في ذلك الضباب وبين الخضرة بملابسهم الملوّنة، بدا فاتناً ومنغمساً في المرح لأبعد الحدود، لم يهزّني مشهدٌ مثله إلا حينما مررت ببحيرة بروما في قلب مدينة جوهانسبيرغ ورأيتُ حشوداً من الناس يُصَلّون بين الأشجار وعلى الحشائش، في ثياب بيضاء كلهم، القساوسة يخطبون، فِرَق الإنشاد الديني تُرتّل، مثل هذه المشاهد تجعل الإنسان فخوراً بنفسه وبالطبيعة في آن. هكذا هم جعلوا من الطبيعة الخضراء كلها كنيستهم.
    واصلنا في زحفنا ذلك لأكثر من ساعة ونصف، حتى بلغنا المحطة بقرب النقطة النهائية، هنا أقاموا بناءات مسيّجة ومكاتب تعطي الكثير من المعلومات عن رأس الرجاء الصالح، بالإضافة لمحطة صغيرة لآلة الفنكيلور Funicular إذ يسمونها، أي ترولي الجبال الذي يسير بالحبال الكهربائية المُعَلَّقة، فالناس الذين لا يستطيعون التسلّق يركبونه، وهناك من يركبه لأجل المرح والاستمتاع بركوبه. كما يُوجد مطعم صغير وبار محشوران بين الصخور وجذوع الشجر. كل من يمر بك قريباً من القمة تجده يلهثُ وتحت مطر من العرق، ولكن نسبة لهواء المرتفع المنعش، بمجرّد جلوسك عدّة دقائق على صخرة أو بنش، تستجمع طاقتك فوراً وتفارق بلل العرق، المكان ملئ بالبنشات كي يستجم عليها الناس من عناء التسلّق. بعد عشر دقائق أخرى "بلغنا وَقْع الصوت، ووقوع الخالص، خارجاً، هنا يجري تأمل الشرنقة وهي تختفي" كما يقول الشاعر نوري الجَرّاح. الازدحام لدى القمة ونقطة النهاية كان مزعجاً، لا يمكن للناس كلهم الدخول في لحظة واحدة، والطريق الذي تدخل منه لا يمكنك أن ترجع عبره لأنّ الناس يسيرون من خلفك، النقطة محدّد بعلامة كالصليب، والهواية تُحيطها من الجهات الأربع، لذلك سوّروها بجدار صخري مرتفع، كي لا يفكّر أحد في التجوّل خارج حدود نقطة النهاية، أما أنا فلم يردعني صياح الناس فيّ بأن لا أقفز من فوق الجدار الصخري، لقد جئت من أقصى الدنيا وعليّ أن أنظر إلى المحيط من هنا، وليس من صور الهيلكوبتر، فعلتها ودسستُ نفسي بإحكام بين صخرتين ثابتتين، لأنّ الهواء خارج الجدار كان قوياً جداً، ثم أخرجت كاميرتي لأسجّل تلك اللحظة التي ربما لا تتكرر ثانية، فالشاعر محمد أحمد السويدي لن يُبَدِّد أمواله كلها على رحلاتي.
    لو بقيت بداخل الجدار لن يسمح لك تزاحم الناس بأكثر من خمسة دقائق، أما في مكاني الخاص ذلك الذي اشتريتُه بمجازفتي فقد بقيت لأكثر من ربع ساعة، لأنّ الهواء أخذ يشتد.
    هبطنا مرة ثانية وتجوّلنا بين شعاب الجبل والحشائش، التسكّع في الطبيعة طاقة مجانية للروح دون شك، أخذ نهارُنا يجفل بعيداً، ومعه الحماسة والنشاط الصباحيين، أفواجٌ تصل وأفواجٌ تغادر، زحفنا مرة ثانية ناحية الأرض، لنرتاح قليلاً في المطاعم والاستراحات المقامة بأسفل قمة رأس الرجاء الصالح. ثم انطلقنا إياباً من جديد، لنمر بمدينة سايمون ثانية. قررنا سالي وأنا زيارة المدينة الأشهر في هذه الأنحاء، ثم أجرينا اتفاقاً جديداً مع السائق ليُغَيِّر طريقه ويأخذنا إلى مدينة ستيلن بوش Stellen Boasch، مدينة النبيذ، والتي تبعد قليلاً عن طريقنا الأول. ولكم يشبه مدخلها مدخل فيلم الموسيقار راي شارلز، الذي يبدأ بالزجاج المُعَلَّق في الأشجار تمرجحه الريح، نَفْس المشهد هنا، الأشجار تمتلئ بالقناني المُعَلَّقة، ما جعل ذلك الفيلم يقفز إلى رأسي فور دخولنا المدينة، التي هي مزرعة عملاقة تتكوَّن من مئات المزارع الصغيرة لصناعة النبيذ الجنوب إفريقي الشهير، وتعتبر من أبرز معالم السياحة في جنوب إفريقيا. الناحية التي جئناها منها هي ناحية تعتبرُ بمثابة المعرض أو السوق الذي يعرض فيه أصحاب المزارع والشركات منتجاتهم. اختاروا له مكاناً دافئاً يجاور بحيرة كبيرة وإن هي أصغر حجماً من بحيرة بروما في جوهانسبيرغ. البحيرات هنا وأنواع النبات هي التمايز الوحيد الذي يقف بين طبيعة القارّة الإفريقية لدى آخرها بجنوب إفريقيا، وبين أوّلها في بلدان المغرب تونس والجزائر والمغرب الأقصى، أما ناحية الهضاب القصيرة بداخل المدن وطبيعة ولون الأرض فمتطابقة كما تقدّم.
    أُقيمت مراوح لا حصر لها فوق جداول صغيرة من البلاستيك يجري فيها النبيذ، تذكّرت الآية: "وأنهارٍ من خَمْرٍ لَذَّةٍ للشاربين"، وإن كان الهدف منها هنا طقسٌ غريب، فهذه المراوح تدفع بهوائها من خلال مواسير صغيرة يتسرّب منها النبيذ في رفق، ليكون له رذاذ وغُبار مُسْكِر، يأتي الناس ليتنفّحوه بأيديهم ويُعَرِّضون وجوههم له، كما نفعل بأعواد البخور وروائحها.
    هي مدينة باخوس بتفوّق، تجوّلت لجوار البحيرة التي رأيتُ فيها من الطيور المائة أنواعاً غريبة جداً، تتسم بملامح تشبه طيوراً تأتينا في مواسم الصيف عادة. لم أستطع الاقتراب منها وتصويرها لطبيعة الشط الزَّلِق للبحيرة، تناولنا غداءنا هناك والشمس تلمع باحمرار مغيبها، ثم غادرنا مدينة أبي نواس ناحية الكاب تاون من جديد.






    ...
                  

العنوان الكاتب Date
رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء نهال كرار02-10-06, 06:39 AM
  Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء نهال كرار02-10-06, 06:40 AM
    Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء Tragie Mustafa02-10-06, 07:35 AM
      Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء عاطف عبدالله02-10-06, 12:26 PM
        Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء عبد الحميد البرنس02-10-06, 01:43 PM
          Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء محمدين محمد اسحق02-10-06, 03:18 PM
            Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء القلب النابض02-10-06, 09:33 PM
  Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء عمر الفاروق02-11-06, 00:50 AM
    Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء محسن خالد02-11-06, 03:06 AM
      Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء bayan02-11-06, 04:06 AM
        Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء محسن خالد02-11-06, 07:02 AM
          Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء محسن خالد02-11-06, 07:11 AM
            Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء alin02-18-06, 06:52 AM
  Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء ahmed haneen02-11-06, 08:15 AM
    Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء محسن خالد02-11-06, 08:31 AM
  Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء نهال كرار02-11-06, 01:07 PM
    Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء عبد الحميد البرنس02-11-06, 01:44 PM
      Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء عبد الحميد البرنس02-11-06, 01:51 PM
        Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء محسن خالد02-12-06, 06:46 AM
  Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء نهال كرار02-12-06, 07:26 AM
    Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء نهال كرار02-12-06, 07:37 AM
    Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء نادية عثمان02-12-06, 07:39 AM
      Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء نهال كرار02-12-06, 08:04 AM
        Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء نادية عثمان02-12-06, 09:04 AM
      Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء محسن خالد02-12-06, 08:24 AM
  Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء عبد الله عقيد02-12-06, 07:58 AM
    Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء عبد الحميد البرنس02-12-06, 01:09 PM
  Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء طارق جبريل02-12-06, 03:45 PM
  Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء نهال كرار02-14-06, 03:38 AM
    Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء نهال كرار02-14-06, 03:41 AM
      Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء نهال كرار02-14-06, 03:45 AM
        Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء نهال كرار02-14-06, 03:58 AM
          Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء انور الطيب02-14-06, 09:28 AM
          Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء انور الطيب02-14-06, 09:29 AM
  Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء نهال كرار02-17-06, 10:48 AM
    Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء نهال كرار02-17-06, 10:51 AM
      Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء نهال كرار02-17-06, 11:18 AM
        Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء نهال كرار02-17-06, 11:23 AM
          Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء نهال كرار02-17-06, 11:25 AM
            Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء محسن خالد02-18-06, 09:15 AM
              Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء انور الطيب02-18-06, 10:04 AM
                Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء محسن خالد02-19-06, 09:31 AM
                  Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء محسن خالد02-19-06, 09:53 AM
                    Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء نهال كرار02-24-06, 10:25 AM
                      Re: رحلة الروائي السوداني محسن خالد في قلب القارة السمراء محسن خالد02-27-06, 09:46 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de