محجوب شريف شاعر الصمود بلا منازع: صفحات من مذكراتي

Quote: محجوب يا شريف: دينك كم علينا .. وأجمل ما لدينا .. اخى محمد وتتواصل الكتابة عن شاعرنا الشريف محـجـوب تحياتى النشوف اخرتا محجوب أيا هذا الهمام سعد الدين ابراهيم * في «15» مايو الماضي سافر الشاعر محجوب محمد شريف الى لندن للعلاج. وقد سبقت ذلك احتفائية ضخمة من المبدعين واصدقاء الشاعر ومن محبيه ومعجبيه.. وتناولت ذلك الصحف.. ومما لفت الانتباه تعاطف كل ألوان الطيف السياسي «بيمينهم ويسارهم» مع قضية محجوب.. ووضح اتفاق الجميع عليه.. وكلهم وبالذات أعضاء اليمين ورهط كبير من الاسلاميين قالوا عن محجوب الكثير، مما ينبيء عن احترام كبير للرجل وبتقدير لمواقفه، بل وضح أن معظمهم يحفظون اشعاره عن ظهر قلب. * لقد حظيت بمصادقة محجوب في بداية تفتحه الشعري والسياسي، ومنذ ان كان معلما صغيرا، وإلى ان اصبح سياسيا كبيرا برتبة مرشح الحزب الشيوعي في دائرة انتخابية مهمة. * قبل ان ينتمي محجوب شريف لليسار ـ المنظم ـ كان بطبعه ميالا الى قضايا الجماهير.. فقد كتب اشعارا عاطفية آية في العذوبة، على سبيل المثال في قصيدته التي كتبها وهو دون العشرين «يا مدهشة» يقول فيها: قِصرت خطاي لمن ظهر شخصك بعيد يا مدهشة والحكمة في وقع الخطى والتوب حديثو الوشوشة وعطورك افراح الطريق حتى الطريق زيي انتشى الى أن يقول فيها: ما تقولي لي لسع صغير لسع شعورك ما كبر يا حلوة مين قال الصغار ممنوع يحدقوا في القمر انا قلبي فياض الشعور ومشاعري تتحدى العمر ضحك الصبايا يهزني وكم تهت في خصلة شعر * برغم هذا الألق الرومانسي الشفيف كتب محجوب للمطلقة قصيدة.. وكتب بعد الزواج قصيدة.. وكتب لاكتوبر وللهلال الاحمر وللابن الغائب، ففي أغنية «ما تناديني» يخاطب زوج امرأة تدعوه للحب والتعددية فيقول لها: ما تناديني ما تنادي.. شعور آخر بناديني وحب اولادي حب أكبر يرجعني ويوديني ام اولادي انسانة زي ما انتي انسانة تسعة سنين عمر مشوارنا لحظة فؤادي ما خانه ايه ح يكون شعور اطفالنا ايه ح يقولوا جيرانه * هذه النماذج توضح أن محجوب شريف قبل التزامه السياسي، كان ملتزماً بخط اجتماعي ينحاز للفقراء والبسطاء، وينتبه الى قضايا اجتماعية كبيرة لم ينتبه اليها غيره من الشعراء. * كان محجوب شريف متطابقا مع ما يؤمن به.. وكان في حالة من الصحو الدائم، فمحجوب لا يتناول من المكيفات سوى السجائر وليس بشراهة.. لم يتعاط الكحول على الاطلاق، رغم ان حركته كانت تتيح له ان يسامر الكثيرين وهم في جلسات، الا ان ذلك لم يغره ابدا وكأنما اراد ان يحتفظ بصحوه على الدوام.. هذا امر عادي، وما تطرقنا اليه لأن البعض يرى غير ذلك. وهذا من باب التوثيق فقط وليس لبناء اية احكام قيمية. * وظل محجوب شريف شاعرا عظيما، لكن لم يظهر للناس الا عبر انشودة «يا حارسنا وفارسنا» لمحمد ميرغني ومحمد وردي.. والتي انطلق بعدها للجماهير وقد كتب ديواناً «لمايو» حين كان مقتنعا بذلك. ولكنه عندما وقف ضد مايو أعلن ذلك ايضا بالشعر، فكان تحوله ذلك مقبولا.. ولم يشر اي انسان الى كبوة محجوب، فهو لم يكن يكتب لمايو انما للمباديء التي اعلنتها مايو.. ولما حادت عنها انطلق يعبر ضدها.. بل كان من أكثر شعراء المقاومة انتاجا حتى انتهت مايو.. وذهبت وكان حداء محجوب هو إلياذة الثوار حينذاك. * واضح ان محجوب شريف لم يتأثر بشاعر بعينه.. صحيح التقت اشعاره الثورية مع اشعار أحمد فؤاد نجم.. حتى انهما استخدما مرات نفس المفردات ونقلا نفس الصور والاخيلة وتغنيا بذات المفاهيم، لكنهما ظهرا في تزامن بحيث يصعب أن تقول ان محجوب تأثر بنجم. * لذلك يظل محجوب مدرسة متفردة، سواء في الغناء او في القصيدة العامية.. وهو مخلص للغنائية جدا، ونلاحظ ذلك في أغنية «أحبك أحبك أنا مجنونك» وحتى في جميلة ومستحيلة وفي السنبلاية.. ولم يشأ محجوب أن يفصل بين مفردة الغناء للحبيبة والعاطفة والغناء للوطن.. فقد مزج بينهما مزجا نبيلا.. فهو يغني للشعب كما يغني للحبيبة، فالشعب حبيبي وشرياني.. وللوطن يتحدث كأنما يتحدث للمحبوبة: اخاف الطريق اللي ما بودي ليك واخاف الصديق اللي ما بهم بيك * وقدرة محجوب على الغنائية مدهشة، فهو لم يخنها لصالح المباديء الحزبية او تنازلا للشعارات الايديولوجية، فحتى في مراثيه ظل يكتب بذات المفردة، بما يشي بتطابق محجوب مع كلماته، مع مواقفه، مع امور حياته كافة. * ولا غرو أن يحب الناس محجوبا هكذا.. لأن محجوبا حقيقة احب الناس، وبذل لهم نفسه وروحه، نتمنى ان يحفظه الله ويعيده سالما الى وطنه وجماهيره حتى يواصل الشدو.