الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-29-2024, 11:53 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة د.صدقى كبلو(Sidgi Kaballo)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-04-2003, 02:46 AM

Sidgi Kaballo
<aSidgi Kaballo
تاريخ التسجيل: 07-27-2002
مجموع المشاركات: 1722

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
4: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية (Re: Sidgi Kaballo)

    (4)
    الشيوعيون والديمقراطية وأنقلابي مايو ويوليو
    رغم انه اصبح من المسلم به الآن ان الحزب الشيوعي السوداني اعترض على تنظيم انقلاب مايو وحاول اقناع القائمين به بالرجوع عنه، الا ان ذلك لاينفي عن الشيوعيين بعض المسؤولية الأخلاقية عما حدث. فمعظم الذين خططوا وشاركوا في الانقلاب، رغم انهم ليسوا اعضاء في الحزب الشيوعي، الا انهم خرجوا من تحت معطفه او تاثروا بفكره وخطابه الأيدولجي بما في ذلك دفاعه عن الأنظمة العربية التقدمية وفي مقدمتها النظام الناصري حينها. وهذا ما ظل الشيوعيون السودانيون يعبرون عنه بعدم التمايز الأيدولجي بينهم والبرجوازية الصغيرة قبل مايو. يقول عبد الخالق محجوب ان الخطأ الذي وقع فيه الشيوعيون:"هو اننا غلبنا الحلف السياسي على قضايا التمايز الأيدولجي بين الفكر الديمقراطي الثوري والفكر الشيوعي وظهر هذا في اتجاه نشاطنا الدعائي العام" (حديث عبد الخالق امام امؤتمر التداولي كما اقتطفه القدال، الحزب الشيوعي وانقلاب مايو، الحلقة الثانية عشرة، الميدان، 14 أكتوبر 1985 ص6).وقال عبد الخالق ايضا
    "نحن كشيوعيين لانقبل ايدولجيا" نظرية القلة التي تقبض على السلطة ثم بعد هذا ترجع الى الجماهير. في اعتقادي ان هذا موقف ايديولجي ثابت للشيوعية وجزء من فهم الشيوعيين للثورة، وقد تطورت الشيوعية كعلم في الصراع ضد هذه النظرية ضمن صراعها الطويل ضد الأيدولجيات الغريبة على حركة الطبقة العاملة""(المصدر السابق ص 6)
    ولعل هذه الحاجة الموضوعية والضرورية للتمايز الأيدولجي هي التي دفعت عبد الخالق وهو يكتب مشروعا لبرنامج الحزب لكي يقدم للمؤتمر الخامس الذي اقر المؤتمر التداولي التحضير له ان يقول:
    "نستهدف تصورنا واهدافنا لمرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية، في ظروف تطرح فيها تصورات واهداف هذه المرحلة من قبل الشريحة البرجوازية الصغيرة. بعض هذه التصورات والأهداف المشار اليها اخيرا خاطئ ومزيف. ومن ثم فان برنامجنا سيكون في مستوى عال من الطرح الأيديولجي والعملي في وقت واحد."(حول البرنامج، الطبعة اليمنية، ص 6)
    وقد تجلى هذا التمايز الأيديولجي تجلياً واضحاَ في طرح وثيقة عبد الخالق ُحول البرنامج’ بشكل خاص في مسالة الديمقراطية الأقتصادية والسياسية والثقافية وليعذرني القارئ هنا لو اطلت الأقتطاف؛ يقول عبد الخالق
    "اعتماداً على تحليلنا الناقد لتجارب حركة الشعوب، وللتجارب الغنية التي اكتسبتها حركة الشعب السوداني، فان الثورة الوطنية الديمقراطية تحقق الشروط الموضوعية اللازمة لتحول الحقوق السياسية من مجرد اعلان قانوني الى ممارسة فعلية للجماهير الكادحة، وهذه الحقوق هي الأداة الرئيسية لأنهاض الجماهير للنشاط السياسي حتى يصبح لدينا ملايين من الساسة المدركين، ولنمو وعيها لتنفذ اهداف الثورة بقدراتها الخلاقة التي لا تعادلها قدرات.
    "ونحن ايضا ننطلق من فهمنا للثورة - بوصفها اعلى مستويات لأنجازات الخلق الشعبي والتلقائية الدافقة، ولا نقبل مفهوم الوصاية على حركة الجماهير. ضمان استمرار وتطور الثورة الوطنية الديمقراطية هو يقظة الجماهير وتنامي نشاطها لا وقوفها متفرجة اعجاباً او استياءً. ان التاريخ تصنعه الملايين لا بعض الأفراد مهما بلغت قدراتهم واعجازهم. ولهذا فالديمقراطية والتغيير الثوري متلازمان ولا يمكن الفصم بينهما" (حول البرنامج ص ص 48-49)
    ويتحدث عبد الخالق بوضوح عن حق الجماهير في حرية التنظيم فيقول:
    "تشمل الحقوق السياسية للجماهير الكادحة في ظل الحكم الوطني الديمقراطي حرية التنظيم. اننا نقدم من تجاربنا ودراساتنا أشكالاً لتنظيم الكادحين وهم يستيقظون على اهداف الثورة، ولكي يستيقظوا على تلك الأهداف. ولكن الجماهير، وهي تنفض عن نفسها غبار سنين الأهمال، تنتفض وتبدع اشكالا من التنظيم اغنى آلاف المرات مما يتصور اي برنامج سياسي ايا كانت مرتبته.(خطوط التشديد ليست في الأصل) ولهذا فان للجماهير الكادحة حقها في ابتداع التنظيمات الأقتصادية والسياسية التي تعبر عن مشاعرها وتركن اليها، وذلك دعم وحماية للثورة الوطنية الديمقراطية في بلادنا. ينطبق ذلك بصورة خاصة على الكادحين في الزراعة والأنتاج الحيواني الذين يعتمد على يقظتهم مصير الثورة الديمقراطية" (المرجع السابق ص 49)
    وكذلك ينص عبد الخالق على حرية العقيدة الدينية وحقوق المرأة وطبيعة الثورة والبعث الثقافي الديمقراطي الذي لن يتم في رايه "الا وفقا للحرية والديمقراطية واتخاذ الدولة الوطنية الديمقراطية موقف المساعدة والتشجيع لا موقف القهر والتحكم. والحكم على العمل الفني موضوعاً وأداة هم النقاد القادرون والجمهور الواعي. بتوفير الحرية للعمل الفني يخرج من اعماق الشعب مئات المبدعين خلقاً فنياً، والملايين من الجماهير التي تتلقى بطريقة خلاقة كل عمل فني" (المرجع السابق ص 39)
    ولكن ُحول البرنامج’ يحمل في طياته موقفا مزدوجا من قضية الديمقراطية، فقط كان الموقف المزدوج هنا موقفا واعياً بازدواجيته ومبرراً لها وواعداً بانه مؤقت تفرضه ظروف عملية. لننظر اولا لذلك الموقف وتبريراته قبل مناقشته. يقول عبد الخالق:
    يسخر النظام الديمقراطي كل ما لديه من وسائل وادوات لتحطيم مقاومة الفئات والطبقات الرجعية بمايمنع اي محاولة من جانبها للعودة لمراكز السلطة والنفوذ. لهذا فهو يمثل الديمقراطية الواسعة بالنسبة للجماهير الكادحة، والدكتاتورية الموجهة لقهر مقاومة الفئات والطبقات الرجعية ." (خطوط التشديد ليست في الأصل).(حول البرنامج ص 50)
    ويذهب عبد الخالق لتبرير ذلك الموقف فيقدم ثلاثة تبريرات، الأول هو "شرعية الدفاع عن الثورة والتقدم في وجه قوى الرجعية والتخلف" (المرجع السابق ص 51) والثاني ان تجربة الشعب وفهم الشيوعيين السودانيين لمسألة الديمقراطية قد خلصا الى انه "ليست هناك ديمقراطية "عامة" او "مطلقة"" (ص 51) اذ ان
    الديمقراطية دائما طبقية. فقد طرحت من قبل "الديمقراطية البرلمانية" وما كانت في قاعها الا ديكتاتورية للحلف البرجوازي - شبه الاقطاعي. يطرح الان ما يسمى بالديمقراطية "الثورية" وهي ليست الا دكتاتورية شريحة من البرجوازية الصغيرة العسكرية الخ... الديمقراطية في ظل النظام الوطني الديمقراطي تحمل محتواه وتعبر عن مجموع المصالح الطبقية لذلك النظام"(ص 51)
    ثم ينتقل عبدالخالق لتقديم التبرير الثالث وهو الطبيعة المؤقتة لهذه الازدواجية. ودعونا ننقل كلماته كما هي
    "... ان هذا الازدواج عملي ولا يتعلق بنظريتنا المكتملة عن الديمقراطية، انه اجراء عملي من اجل تهيئة الظروف اللازمة للديمقراطية ومباشرتها بواسطة الاغلبية الساحقة تمهيدا لمباشرتها بواسطة الجميع" (ص 51)
    وهذا الطرح يثير عدة تساؤلات: لعل اولها ما هي شرعية الدفاع عن الثورة؟ ومن اين تكتسب الثورة مشروعيتها؟ وفي تقديرنا ان شرعية اي ثورة تاتي من جماهيرتها، اي من اشتراك اغلبية الجماهير فيها، وبمفهوم لينيني ما زلت اراه صحيحا، عندما تشعر الجماهير انها لا تستطيع ولا تريد العيش تحت الأوضاع السائدة. وهذا يختلف عن المفهوم الجيفاري الذي يبدا بحفنة ثورية مسلحة تكون بمثابة الخميرة للثورة المسلحة, او المفهوم الانقلابي الذي يستند على مجموعة صغيرة من المتآمرين داخل وخارج القوات المسلحة، وبالرغم من ان المفهوم الجيفاري قد يقود باعتباره عملية ممتدة عبر الزمن الى انحياز اغلبية الجماهير اليه اذا ما ارتبط بعمل سياسي وسط الجماهير وتقديم المثال في الاراضي المحررة وهو واحد من احتمالات كثيرة؛ وان المفهوم الانقلابي يعتمد عنصر التنظيم التآمري والمفاجاة للاستيلاء على السلطة، الا انه وفي كلتا الحالتين فالمشروعية الثورية لا تعتمد على الاغلبية الجماهيرية وهي بالتالي لا ديمقراطية وتقيم نظاما ديكتاتوريا مهما حسنت النوايا. ولكن حتى بالمفهوم اللينيني فالمشروعية الثورية اذا لم تتحول لحكم الجماهير لنفسها، اي الى ديمقراطية وهي في النموذج السوفيتي البلشفي المناقض للمفهوم الستاليني اخذت شكل سوفيتات العمال والجنود، فهي تتحول لديكتاتورية وتاكل الثورة ابناءها كما حدث في الثورة الفرنسية الكبرى. المشروعية الثورية مؤقتة ومرهونة بانتزاع السلطة فقط، ثم تتحول الى ديمقراطية قائمة على مؤسسات للتمثيل النيابي والحكم المحلي واضحة، مستندة على الحقوق الاساسية وحكم القانون واستقلال القضاء. وتاجيل ذلك لاي وقت يؤدي الى الديكتاتورية. وهذا يقودني مباشرة لمناقشة مفهوم طبقية الديمقراطية وهذا مفهوم معقد ومركب و ذو علاقة وثيقة بنظرية الدولة من جهة وبمفهومي المجرد والمحدد في المنهج الماركسي من جهة اخرى. وساحاول ان اوضح ما ارمي اليه في ما يلي؛:
    "ينبغي علينا التفرقة بين السيادة الاقتصادية والسيادة السياسية لطبقة اجتماعية او فئة من طبقة اجتماعية او كتلة اجتماعية من عدة طبقات. فالسيادة الاقتصادية تتحدد في مجال الانتاج والتبادل والتوزيع، بينما اعادة انتاج هذه السيادة الاقتصادية في مجتمع طبقي لا تعتمد على إنتاج وإعادة إنتاج السلع والخدمات وحدهما، بل يتطلب إعادة إنتاج نظام للعلاقات الإجتماعية، بما في ذلك علاقات الإنتاج نفسها، اي إعادة لإنتاج التشكيلة الاجتماعية ككل. ففي المجتمعات الطبقية تتصارع الطبقات في داخلها وفيما بينها في سعيها لتحطيم او تتغيير او تبديل او إعادة إنتاج منظومة العلاقات الاجتماعية، سواء كانت اقتصادية او سياسية او قانونية او ثقافية...الخ لتحقيق منافع مادية او غير مادية جديدة او اكثر مما كانت تحقق او لتحافظ او تصلح من المنافع الموجودة. ان السيادة السياسية هي التي تسمح لفئة طبقية او طبقة اجتماعية او مجموعة من الطبقات المتحالفة بالتاثير على وجهة اعادة انتاج المنظومة او التشكيلة الاجتماعية بما في ذلك نظام الانتاج بأسلوب إنتاجه السائد او أساليب إنتاجه الممفصلة ، إما في وجهة التغيير الراديكالي او الإصلاح او المحافظة" (صدقي كبلو، الأقتصاد السياسي للازمة في السودان، رسالة دكتوراه قدمت لجامعة ليدز بانجلترا 1994، ص 22-23)
    وهذا ما يجعل الفئات الطبقية او الطبقات السائدة اقتصاديا او الطامعة في السيادة الاقتصادية تسعى للسيادة السياسية، اي لكي تصبح طبقة او فئة حاكمة وليس امامها الا سبيلان لفعل ذلك: اقامة دولة سلطوية او اقامة دولة ديمقراطية. والدولة السلطوية او النموذج البونبارتي كما اوضح ميلباند "ليست دينًا للبرجوازية" (ميلباند، بولناتز والدولة الراسمالية، مقالة في النيولفت ريفيو، العدد 82، 1973، ص91)، وانما هي الحل الاخير الذي تتخذه اذا ما تهدد نظامها الاجتماعي الاقتصادي الخطر، اذ ان الدولة السلطوية لا تعيق فقط تطور الراسمالية كنظام قائم على التنافس، العجلة المحركة لتطور قوى الانتاج الراسمالي وفقا لقانون القيمة، وانما توحد ضدها كل قوى المجتمع بما في ذلك مثقفيها المستنيرين. وليس امامها اذن سوى الديمقراطية كي تقيم على اساسها دولتها ولكن الديمقراطية كمفهوم وكنظام سياسي تخلق للبرجوازية والفئات الحاكمة اشكالات كثيرة: فمن ناحية لاعطاء قيادتها وبالتالي دولتها المشروعية لابد لها ان تبدو امام الجماهير، كما لاحظ ماركس عن صواب، وكانها تمثل ليس مجرد مصالحها وانما مصالح كل الجماهير وان تنال اعترافا من الجماهير بذلك او كما قال "انه فقط بدعوى تمثيل المصلحة العامة تستطيع طبقة ما ان تصعد للقيادة" (ماركس، كتابات مختارة في السوسيولوجي والفلسفة الاجتماعية،حرراها بلتمور و روبل، بنغوين ، ميدلسسكسن انجلترا، 1956، ص 179). ولتمديد مثل تلك اللحظة التاريخية تحتاج الطبقة لتاسيس هجمنتها وكما قال لاكلو فان الطبقة تصبح مهجمنة ليس بقدرتها على فرض مفهوم متناسق للعالم و الوجود على بقية المجتمع ولكن من خلال نسجها مفهوما للعالم بحيث تمتص عن طريقه حدة الصراع الطبقي( لاكلو، السياسة والايدولجيا في الفكر الماركسي، نيو لفت بوكس، لندن 1977، ص 161 ). وهذا بالضبط ما عبر عنه انطونيو غرامشي بقوله ان مسالة الهجمنة تفترض ان مصالح وتوجهات الفئات التي ستشكل موضوعا للهجمنة قد اخذت في الاعتبار وان مساومة اجتماعية ما قد تم التوصل اليها (غرامشي، مختارات من دفاتر السجن، ترجمها وحررها هز هوار و جزنز سميث، لورانس اند ويشارت، لندن، 1971، ص 161). وقد كان اوفي اكثر تحديدا عندما قال ان الدولة البرجوازية الحديثة تسعى لتحقيق وتاكيد مصالح كل افراد المجتمع الطبقي الذي يسوده راس المال (اوفي، تناقضات دولة الرفاهية، مكتبة هتشنسن الجامعية، 1984، ص 120). وكان تلخيص نن واضحا بلا التباس فهو يقول
    "ان الموضوعة الكلاسيكة الماركسية حول ان الديمقراطية النيابية كشكل للحكم هي الاكثر تطابقا مع مصالح البرجوازية، تعتمد على تاكيد البرجوازية لتفوقها الهجمني ولتطويرها تبريرا ميتافيزيقي لدورها القيادي وكفاءتها كطبقة حاكمة." (نن، انقلاب الطبقة الوسطىن مقالة في كتاب روديس (محرر)، الامبرياية والتخلف ، منثلي ريفيو برس، 1970، ص 134)
    ومن هذا المنطلق نفهم ديمقراطية طبقة البرجوازية ، والتي تبدو كانها ديمقراطيتها وليست ديمقراطيتها في نفس الوقت، وذلك لوجود الطبقات الاخرى التي تسعى من خلال الصراع الطبقي لا لمجرد خلق تنظيماتها وحسب بل تطرح خطابها الايدولجي ايضا مما يعني تهديدها الدائم لهجمنة البرجوازية وامكانية تأسيس هجمنة بديلة من خلال النضال في ظل ديمقراطية البرجوازية وتطويرها لتصبح ديمقراطية لكل الجماهير. وهذا هو الطرح الماركسي لليسار الاوربي حول طريق ديمقراطي للاشتراكية، على الاقل على مستواه النظري.
    وما يهمنا هنا ما قال عبد الخالق عن ان الديمقراطية البرلمانية كانت ديكتاتورية لحلف البرجوازية وشبه الاقطاع. وفي تقديري ان ذلك ليس صحيحا ويخالف ما توصلت اليه ُالماركسية وقضايا الثورة السودانية’؛ ان جوهر ازمة الحكم في السودان او الازمة السياسية هو أن ذلك الحلف الذي يصل الحكم بالديمقراطية ولأسباب تاريخية محددة لم يستطع تاسيس هجمنته ولم يستطع فرض ديكتاتوريته، رغم سعيه المتكرر لفعل ذلك. وهذا هو سبب عدم الاستقرار السياسي والانقلابات العسكرية في السودان منذ الأستقلال.
    ولكننا عند النظر لما كتبه عبد الخالق في معتقله عام 1970/1971 لا بد لنا ان ناخذ في الاعتبار الظروف التاريخية التي كتب فيها؛ فقد كتب و ما زالت مايو في توجهها اليساري ومازالت افاق تطور الثورة في السودان مرهونة بالوضع الذي وجد الشيوعيون انفسهم فيه بعد مايو، اي كيف تتطور الثورة من تلك النقطة الى الامام؟ وهنا لابد ايضا من الرجوع للمواقف العملية للشيوعيين فقد اعترضوا على اطلاق يد الامن ( مثلا حادثة اختطاف الصحفي محمد مكي من بيروت) وعلى اطلاق يد جهاز الرقابة العامة وعلى الامر الجمهوري الرابع وعلى الحزب الواحد وطالبوا بقيام جبهة ديمقراطية بدلا عنه. ولكن كان معظم هذا يدخل في نطاق الدفاع عن حق القوى الثورية في التنظيم وليس حق التنظيم اطلاقا. وبالتالي يكون الموقف اسيرا للظروف التاريخية ولنظرية الديمقراطية الجديدة رغم اختلاف الطرح مع قيادة مايو ورغم اهمية ذلك الخلاف. وبالمقابل فان ما ذهب اليه عبد الخالق حول ان طرح الديمقراطية الثورية من قبل النظام كان يستهدف بناء ديكتاتورية البرجوازية الصغيرة لهو صحيح تماما ولقد اثبتت الاحداث ذلك.
    ثم حدث انقلاب 19 يوليو 1971 الذي اعلن قادته انه جاء لتصحيح مسار مايو، ورغم ان الانقلاب قد اجهض بعد ثلاث ايام فقط مما يجعل من الصعوبة محاكمة موقفه من قضية الديمقراطية الا ان تلك الايام الثلاثة كانت مليئة بالاحداث التي تساعد في القاء بعض الضوء على توجه قادة الانقلاب من مسالة الديمقراطية.
    لقد كانت اهم الانتقادات التي وجهها قائد 19 يوليو الرائد هاشم العطا لسلطة مايو انحرافها نحو الديكتاتورية الفردية وتعطيلها لدور وسلطات مجلسي الوزراء والثورة وتشويهها لشعار الديمقراطية الجديدة. وقد قال هاشم العطا في بيانه الاول:
    "ان الديمقراطية كحق سياسي للشعب، حق يتمتع به الشعب ويستعمله في خدمة ثورته الاقتصادية هو شرط لا بديل له لكي يستكمل شعب السودان ثورته ويصون استقلاله. ان هذه حقيقة معروفة لاي شخص لان تاريخ شعبنا ملئ بالنضال من اجل الحقوق السياسية، خاصة خلال ثورة اكتوبر العظيمة...
    نحن في القوات المسلحة نعد جماهير شعبنا باننا سنعمل على انشاء نظام سياسي ديمقراطي يقوم على المشاركة الفعلية للجماهير بكل الاشكال وبمختلف الوسائل الممكنة في ادارة شئون البلاد- صغيرها وكبيرها- بروح من المسؤولية الوطنية نحو قضايا التنمية والتقدم الاجتماعي" (اعادة ترجمة من ألانجليزية، سجل افريقيا المعاصر 1970/1971 ص 159C) .
    وواصل الرائد العطاهذا الخطاب الايدولجي عن الديمقراطية في مخاطبته لموكب الخميس 22 يوليو .1971 وقد صاحبت كل ذلك بعض القرارات:
    أ- اطلاق سراح بعض المعتقلين او بالاحرى اطلاق سراح المعتقلين اليساريين.
    ب- الغاء قرارات حل التحاد النسائي السوداني واتحاد الشباب السوداني.
    ج اعلان ان السلطة في كل مستوياتها في اللاد ستؤول للجبهة الوطنية الديمقراطية.
    د- الاعلان عن ان المشاورات تتم بين الفصائل والمنظمات الجماهيرية لتشكيل الحكومة الجديدة.
    ه الاعلان عن الالتزام بمبدا استقلال القضاء.
    وبالرغم من ضرورة النظرة التاريخية لهذه القرارات باعتبارها صادرة عن سلطة انقلابية في نطاق التطور السياسي لانقلاب مايو وفي اتجاه اصلاحه و تخطيه. وبالتالي تكون بالضرورة محبوسة في نطاق استلام السلطة اولا وبناء العلاقة مع الجماهير كعمل لاحق، فاننا نرى ميولا اكثر ديمقراطية في خطابها وقراراتها ولكنها ما زالت تعمل في نطاق نظرية الديمقراطية للشعب والديكتاتورية ضد اعداء الشعب، فلاحظ مثلا ان اطلاق السراح لم يتم لكل المعتقلين (وهذا ما عاد وانتقده الحزب في عام 1977). وان الغاء قرار الحل لم يشمل الاحزاب المحلولة، وفي هذا النطاق لم يشمل حتى الاحزاب اليسارية او حتى الاعلان عن حق تكوين الاحزاب. او الوعد بصدور قانون لتنظيم تكوين الاحزاب، ولعل من الايجابي الحديث عن تشاور لتكوين الحكومة، رغم انه في حكم الغيب الان الحديث عما كان سيسفر عنه التشاور والى اي مدى كان سيتاح للفصائل المختلفة والقطاعات الجماهيرية ان تختار ممثليها في الحكومة الجديدة. وقد كان هذا احد نقاط الخلاف مع سلطة مايو التي لم تعط الحزب الشيوعي حق اختيار ممثليه (في نطاق عدم الاعتراف بالاحزاب السياسية والتعامل مع الشيوعيين كافراد). ولعل المثير للدهشة الاعلان عن ان السلطة في كل المستويات في البلاد ستمارسها الجبهة الوطنية الديمقراطية والتي لم تكن موجودة كتنظيم، مما يعني انه سيتم تكوينها ولا يستطيع احد الان الحديث عن كيف كان سيتم ذلك لان التصور الموجود حينها كان قائماً على اساس بنائها قبل استلام السلطة وليس بعدها، وان المناقشات التي جرت بعد انقلاب مايو كانت مرتكزة في بناء الجبهة على تعدد الفئات والطبقات المشكلة للجبهة وعلى حرية الفصائل الثورية في تكوين والاحتفاظ بتنظيماتها المستقلة. ان ايام 19 يوليو الثلاث لتثير من التساؤلات حول مسالة الديمقراطية اكثر مما تعطي من اجابات ولكن ما جرى من بعدها احدث تحولا عميقا في نظرية الحزب الشيوعي حول الديمقراطية.
                  

العنوان الكاتب Date
الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية Sidgi Kaballo10-04-03, 02:39 AM
  2: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية Sidgi Kaballo10-04-03, 02:42 AM
  3: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية Sidgi Kaballo10-04-03, 02:44 AM
  4: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية Sidgi Kaballo10-04-03, 02:46 AM
    Re: 4: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية Bashasha10-08-03, 06:55 PM
  5: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية Sidgi Kaballo10-04-03, 02:47 AM
  6: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية Sidgi Kaballo10-04-03, 02:49 AM
    Re: 6: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية أم سهى10-04-03, 09:30 AM
  Re: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية Sidgi Kaballo10-04-03, 01:10 PM
    Re: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية Abdelaziz10-04-03, 04:59 PM
    Re: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية عاطف عبدالله10-04-03, 05:04 PM
  Re: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية حسن الجزولي10-04-03, 05:54 PM
  Re: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية TahaElham10-04-03, 06:04 PM
    Re: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية أبو ساندرا10-04-03, 07:00 PM
  Re: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية Sidgi Kaballo10-04-03, 10:47 PM
    Re: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية Bashasha10-12-03, 03:35 AM
  Re: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية TahaElham10-05-03, 04:30 PM
  Re: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية TahaElham10-05-03, 04:51 PM
  Re: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية Sidgi Kaballo10-06-03, 01:56 AM
  Re: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية نادر10-06-03, 07:49 AM
    Re: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية hanouf5610-06-03, 09:16 AM
    Re: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية Al-Masafaa10-06-03, 09:37 AM
  Re: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية TahaElham10-06-03, 01:56 PM
  Re: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية نادر10-06-03, 02:44 PM
  Re: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية Sidgi Kaballo10-07-03, 03:16 AM
    Re: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية Abuobaida Elmahi10-07-03, 05:03 PM
  Re: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية Sidgi Kaballo10-08-03, 03:28 AM
    Re: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية bunbun10-08-03, 01:01 PM
      Re: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية Abuobaida Elmahi10-08-03, 05:42 PM
  Re: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية TahaElham10-09-03, 07:05 AM
  Re: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية Sidgi Kaballo10-12-03, 01:50 AM
    Re: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية Bashasha10-12-03, 03:46 AM
      Re: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية abdelrahim abayazid10-12-03, 11:42 AM
  Re: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية Sidgi Kaballo10-12-03, 10:09 PM
    Re: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية Sidgi Kaballo10-17-03, 01:33 AM
      Re: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية bunbun10-17-03, 07:31 PM
  Re: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية Sidgi Kaballo11-01-03, 03:49 PM
  Re: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية أبوالزفت11-03-03, 08:40 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de