هل ستستعيد مصر الخلافة الإسلامية؟ // د. شاكر النابلسي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-02-2024, 10:44 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-09-2005, 01:50 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
هل ستستعيد مصر الخلافة الإسلامية؟ // د. شاكر النابلسي



    --------------------------------------------------------------------------------


    كان حلم الإخوان المسلمين منذ أن تأسست حركتهم في العام 1928 في الإسماعيلية بمصر، أن يعيدوا لمصر الخلافة الإسلامية التي أسقطها كمال أتاتورك في 1924. ومن أجل هذا دعموا دعوة بعض أشياخ الأزهر لتنصيب الملك فؤاد الأول خليفة على مصر بدل الخليفة التركي السلطان عبد المجيد بن عبد العزيز الذي طرده أتاتورك من تركيا ونفاه إلى جنوب فرنسا. ولكن دعوة بعض أشياخ الأزهر والإخوان المسلمين لم تفلح في تنصيب الملك فؤاد خليفة للمسلمين نتيجة لعدة عوامل منها معارضة بريطانيا المحتلة لمصر لمثل هذه الدعوة ورغبتها في أن تصبح مصر كأكبر وأقوى بلد عربي في ذلك الوقت دولة علمانية مدنية تكون نموذجاً لبناء الدول العربية الجديدة بعد الاستقلال، الذي بدأ يلوح في مطلع الاربعينات. ومنها معارضة الأحزاب السياسية العلمانية المصرية كحزب "الوفد" وحزب "الأمة" الذي كان يضمُّ مجموعة من العلمانيين كأحمد لطفي السيد، وحزب "الأحرار الدستوريين" الذي كان يضم نخبة من رواد التنوير والعلمانية كطه حسين، ومحمد حسين هيكل، وتوفيق دياب، ومحمود عزمي، ومحمد عبد الله عنان، وعبد العزيز البشري، والشيخان الشقيقان مصطفى وعلي عبد الرازق، وغيرهم ممن كانوا يكتبون في جريدة "السياسة" الأسبوعية التابعة لحزب "الأحرار الدستوريين" العلماني. وقد دعم حزب "الأحرار الدستوريون" رفضه للخلافة الإسلامية بكتاب الشيخ علي عبد الرازق المدوي (الإسلام وأصول الحكم، 1925) الذي نفى فيه مقولة أن الإسلام دين ودولة، وقال بعدم امكانية قيام خلافة اسلامية في الوقت الحاضر.

    -2-
    ظل الإخوان المسلمون في الأربعينات يحاولون بشتى الطرق المناداة بالدولة الدينية علانية وبالخلافة الإسلامية ضمنياً. وهم الذين شجعوا فكرة اقامة حفل تنصيب الملك فاروق ملكاً على مصر والسودان في الأزهر وليس في مجلس الأمة. ولولا اعتراض النحاس باشا ورفضه لذلك، لتمِّ الأمر، وربما لنُودي بفاروق خليفة للمسلمين. وهي علامة لمدى تعلق فكر الإخوان بإقامة الدولة الدينية. كذلك كان الإخوان يطلقون على الديوان الملكي المصري، "الديوان الملكي الإسلامي"، وهو الديوان الذي كان يعجُّ بخليلات الملك فاروق من الايطاليات والفرنسيات وغيرهن. وعندما كان حزب "الوفد" العلماني يتظاهر في الشوارع، ويطلق شعار "الشعب مع سعد زغلول"، كان الإخوان يقابلونه بشعار "الله مع الملك". وفي أدبيات الإخوان المسلمين وخطابهم السياسي اشارات لا حصر لها تشير إلى هدف الإخوان في اقامة حكومة دينية، فيما لو تولوا الحكم ذات مرة.
    فهل اقترب الأخوان المسلمون من كرسي الحكم بفوزهم الساحق الأخير في الانتخابات التشريعية المصرية بـ 76 مقعداً (في الجولتين الأولى والثانية فقط). وهو أول انتصار ساحق لهم منذ 1928 حتى الآن. مما يدلُّ على مدى تدهور الأوضاع في مصر، وإفلاس الحياة السياسية المصرية. أم أن الحكم في مصر يريد أن يثبت للغرب أن شفافية الانتخابات ونزاهتها في مصر وفي أي بلد عربي آخر يعني وصول الأصوليين إلى الحكم كما حدث في الجزائر عام 1991 ، ويحدث الآن في مصر، وكاد أن يحدث في الأردن؟ وهذا سوف يدفع – ربما وفي نشوة هذا النصر - بمناصري الإخوان ومحازبيهم وقادتهم إلى العودة إلى خطاب الأربعينات والخمسينات الأصولي المتمثل بفكر سيد قطب وغيره، ونفي ما قالوه ورددوه من رفض للدولة الدينية كما جاء على لسان ما نُطلق عليهم الإخوان الجدد Neo-Bros أمثال عصام العريان، ورياض عبد المنعم، ومحمد حبيب، وغيرهم.

    -3-
    إن مصر بعد 1952، ونتيجة للقضاء على الأحزاب العلمانية، واخراس الأصوات الليبرالية، واحراق النُصب والمنابر الديمقراطية، أصبحت أكثر البلدان العربية تهيئة لاستعادة الخلافة الإسلامية لوجود أكبر حزب ديني فيها، ولوجود مرجعية دينية كبيرة فيها كالأزهر، ولكون الشعب المصري أكثر الشعوب العربية تديناً وتمسكاً بالدين واطاعة للحاكم الديني، وكذلك أكثر الشعوب العربية فقراً، وظلماً من الحكام.
    فماذا نتوقع من الإخوان المسلمين بعد هذا النصر الكاسح؟
    هل سيرتدون إلى خطاباتهم في الأربعينات والخمسينات القائلة باقامة دولة دينية، واستعادة الخلافة الإسلامية، أم أنهم سيلتزمون بأفكار الإخوان الجدد وخطابهم الحديث والمعاصر الذي يعتبره الكثيرون بمثابة "من يتمسّكن حتى يتمكّن". وأن الإخوان المسلمين من أكثر الأحزاب العربية ثعلبنةً ومكراً للوصول إلى الحكم، حيث لا يترددون بفعل كل ما يمكن حتى يتمكنوا (تمسّكنوا حتى تتمكّنوا).
    سُئل عصام العريان أحد قيادي الإخوان في (شفاف الشرق الأوسط، 14/9/2004) بهل سيقبل الإخوان بالتعددية الحزبية، فيما إذا تولّى الإخوان الحكم في مصر ؟ فردَّ: بالطبع سنقبل!
    وعندما سُئل بأن المرشد العام للإخوان المسلمين السابق مصطفى مشهور قال:
    " إننا نقبل بمبدأ التعددية الحزبية الآن، لكن عندما يقوم حكم إسلامي فإننا نرفضها ولن نقبلها". وأن هذا الرأي مذكور في كتاب "ضد التأسلم" للدكتور رفعت السعيد، ردّ العريان: "أن هذا النقل غير صحيح. والمرشد قال هذا الكلام في إطار ندوة، وخلاصة الندوة صدرت في كتاب" التعددية والشورى في المجتمع المسلم". وهذا الكتاب يعتبر الوثيقة المُلزمة للمرشد ولمكتب الإرشاد ولكلّ الإخوان، وهي تقرُّ بالتعددية الحزبية في المجتمع الإسلامي.
    وجماعة الإخوان المسلمين، نتيجة لتبنّيها في هذه المرحلة البرجماتية السياسية، والتي لخصها عصام العريان بقوله: "الاتفاق على التعددية السياسية والموقف من المرأة أمور فيها اجتهادات جديدة من جانب الإخوان تتماشى مع المستجدات التي تعيشها الأمة الإسلامية الآن"، متهمة بأنها تنازلت عن أهم أركان عقيدة المسلمين، ألا وهو ركن التسليم بحاكمية الله التي نادى بها سيّد قطب. واتّباع أصول الجاهلية الديمقراطية في التشريع والتي تعني التسليم بحق البشر في اختيار ما يرونه من تشريعــات وعقائـد }أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون{. وهو تنازل مرحلي في رأينا، لا تلبث بعده حركة الإخوان إلى العودة إلى شعارات ومبادئ الاربعينات والخمسينات، فيما لو استولت على الحكم رغم نفي العريان لهذا التوقّع.
    إذن، لم تعد جماعة الإخوان المسلمين حركة دينية، ولكنها أصبحت حركة سياسية محضة، لا تأخذ من الدين أي جانب سياسي، حيث لا سياسة في الدين تؤخذ لهذه الأيام. وانما استعملت الدين كمطية للوصول إلى الحكم وتبنّت أفكاراً سياسية غربية مائة بالمائة (الديمقراطية، الانتخابات، التعددية، الحريات السياسة، النضال الدستوري، اقامة المجتمع المدني، اقامة الدولة المدنية وليست الدينية.. الخ). وهو ما جاء على لسان محمد السيد حبيب عضو مكتب الارشاد في مصر الذي قدّم شعارات سياسية حداثية وليبرالية جديدة للإخوان في مقابلة صحافية على موقع (الإخوان المسلمون) في الانترنت في 28/2/2004 ، فيما يعتبر انتفاضة سياسية إخوانية مثيرة. وكان من أهم هذه الشعارات الجديدة:
    1- أن "الإخوان لا يسعون لأن يكونوا بديلاً لأحد، وهم حريصون على أن يكون لهم حزب سياسي". وحبيب لم يقل: "أن يكون لهم حزب ديني سياسي"، ولكنه قال: "حزب سياسي" فقط. كما أن حبيب تخلّى عن فكرة الإخوان لمحق ومحو الآخر عندما يتسلمون الحكم.
    2- يرفع حبيب شعار: "تدرج الخطوات من ثوابت منهجنا، والنضال الدستوري سبيلنا عبر القنوات القانونية". وهذا اعتراف صريح بأن القرآن ليس دستوراً سياسياً. إذ لا دستور سياسياً في الإسلام. وكلمة "الدستور" ليست عربية أصلاً وإنما فارسية. والدستور نظام سياسي جاءنا من الغرب في القرن العشرين فقط. والنضال عبر القنوات القانونية تعني هنا، أن الإخوان قد اقتنعوا أخيراً، بأن لا قوانين سياسية في الإسلام، وانما هناك قوانين سياسية موضوعة وضعها البشر. وبذلك انتفت نظرية "الحاكمية" التي كان يدعو اليها سيّد قطب من خلال كتابه (معالم في الطريق).
    3- يرفع حبيب شعار: "تبنّي الدعوة لإنهاء الخصومة بين الحكومات والشعوب من خلال الإصلاح السياسي وتفعيل مؤسسات المجتمع المدني". وهناك اعتراض كبير على هذا النهج من قبل السلفيين الذين يرون أن نبذ "الجهاد العيني" الواجب ضد تلك الحكومات المرتدة التي تحكم بلاد المسلمين، بل ومعاداة وتسفيه من يدعو إلى ذلك، والتشنيع عليه، ودعوة الحكومات إلى القضاء عليه، والتبرؤ منه أمام هؤلاء الطواغيت. وأن دعوة حبيب مناقضة لقوله تعالى ]وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله[

    -4-
    وبعد، لماذا، وكيف فاز الإخوان المسلمون بربع مقاعد مجلس الشعب المصري، وهل هم مؤهلون في الانتخابات القادمة إلى كسب نصف مقاعد مجلس الشعب أو أكثر؟
    دعونا نضع النقاط على الحروف، ونقول ما يوجع القلب:
    1- إن الفوز الذي حققه الإخوان لم يكن بفضل البرنامج السياسي والآقتصادي والاجتماعي الذي قدمه الإخوان للناخبين، وانما نتيجة لضعف الحزب الوطني الحاكم وتهافته وفشله في القضاء على الفساد والرشوة والمحسوبية والبطالة، وتحسين مستوى المعيشة. فالذين انتخبوا مرشحي الإخوان هم من الطبقة الفقيرة العاطلة المسحوقة في مصر، وهي طبقة الأغلبية. وهناك من يقول أن الكثير ممن انتخبوا مرشحي الإخوان انتخبوهم نكاية بديكتاتورية الحزب الحاكم، وفساد الحزب الحاكم، وليس حباً وإيماناً بحركة الإخوان ذات الشعارات الرومانسية الغامضة والمغلفة بغلاف الدين البراق.
    2- في تقديرنا، أن الإخوان لو أُعطوا الفرصة نفسها التي أُعطيت لهم الآن لحققوا الانتصار نفسه منذ عام 1952، نتيجة لاهتراء أنظمة الحكم التي تعاقبت على مصر منذ ذلك الوقت حتى الآن، وملل الناخبين من الوعود والآمال الكاذبة التي منّت بها العهود الماضية الشعب المصري، ولم تفعل شيئاً بل ازداد الفقراء فقراً ، والأغنياء غنى، والفاسدون فساداً.
    3-اهمال الحزب الوطني الحاكم اهمالاً تاماً التثقيف الجماهيري الديمقراطي والحداثي من خلال وسائل الإعلام الضخمة والمؤثرة التي يمتلكها. وترك الشارع المصري لحركة الإخوان ينشرون فيه دعوتهم وخطابهم وتأليبه على كل ما هو حداثي من خلال المساجد والنقابات. لقد تحوّل الإعلام المصري في السنوات الماضية إلى مخدر ومنوّم للشعب والشارع المصري. ومادة هذا التخدير والتنويم كانت الاكثار من البرامج التافهة المتعلقة بالفنانيين والرقصين والراقصات، والمغنيين والمغنيات. والبرامج التي تعرض الأفلام وممثليها ومخرجيها ومصوريها وتاريخهم وحياتهم، وماذا يأكلون، وماذا يلبسون، وما هي الهدايا التي تقدم لهم.. الخ، بيحث بلغ عدد هذه البرامج في رمضان الماضي 43 برنامجاً تافهاً للتسلية والتنويم، كلها تتعلق بأهل الطرب والسينما الهابطة. ولم يقم الإعلام المصري بنشر ثقافة الديمقراطية وفكر الديمقراطية. ولم يكن المدرسة القديرة على تربية الشارع المصري تربية سياسية عصرية، يستطيع من خلالها التمييز بين الحقيقي، والزائف والواقعي والخيالي. وبالمقابل كان الإخوان يستغلون هذا الفراغ ويملؤنه بخطابهم العام الغامض والغير واقعي، الذي يتلخص بـ "الإسلام هو الحل" دون أن نعرف كيف سيتم ذلك، وما هي آليات هذا الحل. علماً بأن لاشين أبو شنب عضو مكتب الارشاد بجماعة الاخوان المسلمين قال "تلك اكاذيب. إن برنامجنا برنامج حافل وقد أعلناه وهو وافٍ بكل الألوان التي تريدها حياتنا ويريدها مجتمعنا." وقال في حديث مع ( بي. بي. سي، 28/11/2005) " نحن لا نستخدم شعارات دينية. شعار الاسلام هو الحل ليس شعاراً دينياً، انما هو شعار يفي بحقيقة أن الاسلام هو الذي عالج كل مشكلات الحياة". وبذا، فقد وجد الإخوان في الشارع المصري المقفر من الفكر السياسي والبرامج السياسية، تربة صالحة جداً لنشر خطابهم، مما أكسبهم تلك النتيجة الكبيرة في الانتخابات التشريعية.
    4- وفيما لو بقي حال مصر على ما هو عليه من تدهور اقتصادي واجتماعي وفراغ سياسي وتفاهة في الإعلام، وأصبح دخل الفرد السنوي 300 دولار (دولار يومياً) مثلاً بدلاً من 900 دولار سنويـاً (5و2 دولار يومياً) كما هو الآن، نتيجة للقنبلة السكانية التي تنفجر كل عام (يولد طفل كل دقيقة)، ونتيجة للفساد المستشري، وقلة الموارد، فإن استعادة الخلافة الإسلامية على يد الإخوان ستكون نتيجة حتمية لهذا الوضع. وستكون كالكي آخر الدواء.
    5- وأخيراً، فإن الخطورة على مستقبل مصر في ظل هذا العالم العلماني والمتعولم، وبعد هذا النصر الانتخابي الساحق الذي حققه الإخوان، انضمام مزيد من الفقراء والمسحوقين إلى حركة الإخوان المسلمين المنادية بقيام دولة دينية للقضاء على الفساد واقامة دولة العدالة، لكي تقف وحدها في مواجهة العالم، أو ربما بالتحالف مع إيران.
    وعندها على مصر المحروسة السلام.




    د. شاكر النابلسي



    --------------------------------------------------------------------------------


    كان حلم الإخوان المسلمين منذ أن تأسست حركتهم في العام 1928 في الإسماعيلية بمصر، أن يعيدوا لمصر الخلافة الإسلامية التي أسقطها كمال أتاتورك في 1924. ومن أجل هذا دعموا دعوة بعض أشياخ الأزهر لتنصيب الملك فؤاد الأول خليفة على مصر بدل الخليفة التركي السلطان عبد المجيد بن عبد العزيز الذي طرده أتاتورك من تركيا ونفاه إلى جنوب فرنسا. ولكن دعوة بعض أشياخ الأزهر والإخوان المسلمين لم تفلح في تنصيب الملك فؤاد خليفة للمسلمين نتيجة لعدة عوامل منها معارضة بريطانيا المحتلة لمصر لمثل هذه الدعوة ورغبتها في أن تصبح مصر كأكبر وأقوى بلد عربي في ذلك الوقت دولة علمانية مدنية تكون نموذجاً لبناء الدول العربية الجديدة بعد الاستقلال، الذي بدأ يلوح في مطلع الاربعينات. ومنها معارضة الأحزاب السياسية العلمانية المصرية كحزب "الوفد" وحزب "الأمة" الذي كان يضمُّ مجموعة من العلمانيين كأحمد لطفي السيد، وحزب "الأحرار الدستوريين" الذي كان يضم نخبة من رواد التنوير والعلمانية كطه حسين، ومحمد حسين هيكل، وتوفيق دياب، ومحمود عزمي، ومحمد عبد الله عنان، وعبد العزيز البشري، والشيخان الشقيقان مصطفى وعلي عبد الرازق، وغيرهم ممن كانوا يكتبون في جريدة "السياسة" الأسبوعية التابعة لحزب "الأحرار الدستوريين" العلماني. وقد دعم حزب "الأحرار الدستوريون" رفضه للخلافة الإسلامية بكتاب الشيخ علي عبد الرازق المدوي (الإسلام وأصول الحكم، 1925) الذي نفى فيه مقولة أن الإسلام دين ودولة، وقال بعدم امكانية قيام خلافة اسلامية في الوقت الحاضر.

    -2-
    ظل الإخوان المسلمون في الأربعينات يحاولون بشتى الطرق المناداة بالدولة الدينية علانية وبالخلافة الإسلامية ضمنياً. وهم الذين شجعوا فكرة اقامة حفل تنصيب الملك فاروق ملكاً على مصر والسودان في الأزهر وليس في مجلس الأمة. ولولا اعتراض النحاس باشا ورفضه لذلك، لتمِّ الأمر، وربما لنُودي بفاروق خليفة للمسلمين. وهي علامة لمدى تعلق فكر الإخوان بإقامة الدولة الدينية. كذلك كان الإخوان يطلقون على الديوان الملكي المصري، "الديوان الملكي الإسلامي"، وهو الديوان الذي كان يعجُّ بخليلات الملك فاروق من الايطاليات والفرنسيات وغيرهن. وعندما كان حزب "الوفد" العلماني يتظاهر في الشوارع، ويطلق شعار "الشعب مع سعد زغلول"، كان الإخوان يقابلونه بشعار "الله مع الملك". وفي أدبيات الإخوان المسلمين وخطابهم السياسي اشارات لا حصر لها تشير إلى هدف الإخوان في اقامة حكومة دينية، فيما لو تولوا الحكم ذات مرة.
    فهل اقترب الأخوان المسلمون من كرسي الحكم بفوزهم الساحق الأخير في الانتخابات التشريعية المصرية بـ 76 مقعداً (في الجولتين الأولى والثانية فقط). وهو أول انتصار ساحق لهم منذ 1928 حتى الآن. مما يدلُّ على مدى تدهور الأوضاع في مصر، وإفلاس الحياة السياسية المصرية. أم أن الحكم في مصر يريد أن يثبت للغرب أن شفافية الانتخابات ونزاهتها في مصر وفي أي بلد عربي آخر يعني وصول الأصوليين إلى الحكم كما حدث في الجزائر عام 1991 ، ويحدث الآن في مصر، وكاد أن يحدث في الأردن؟ وهذا سوف يدفع – ربما وفي نشوة هذا النصر - بمناصري الإخوان ومحازبيهم وقادتهم إلى العودة إلى خطاب الأربعينات والخمسينات الأصولي المتمثل بفكر سيد قطب وغيره، ونفي ما قالوه ورددوه من رفض للدولة الدينية كما جاء على لسان ما نُطلق عليهم الإخوان الجدد Neo-Bros أمثال عصام العريان، ورياض عبد المنعم، ومحمد حبيب، وغيرهم.

    -3-
    إن مصر بعد 1952، ونتيجة للقضاء على الأحزاب العلمانية، واخراس الأصوات الليبرالية، واحراق النُصب والمنابر الديمقراطية، أصبحت أكثر البلدان العربية تهيئة لاستعادة الخلافة الإسلامية لوجود أكبر حزب ديني فيها، ولوجود مرجعية دينية كبيرة فيها كالأزهر، ولكون الشعب المصري أكثر الشعوب العربية تديناً وتمسكاً بالدين واطاعة للحاكم الديني، وكذلك أكثر الشعوب العربية فقراً، وظلماً من الحكام.
    فماذا نتوقع من الإخوان المسلمين بعد هذا النصر الكاسح؟
    هل سيرتدون إلى خطاباتهم في الأربعينات والخمسينات القائلة باقامة دولة دينية، واستعادة الخلافة الإسلامية، أم أنهم سيلتزمون بأفكار الإخوان الجدد وخطابهم الحديث والمعاصر الذي يعتبره الكثيرون بمثابة "من يتمسّكن حتى يتمكّن". وأن الإخوان المسلمين من أكثر الأحزاب العربية ثعلبنةً ومكراً للوصول إلى الحكم، حيث لا يترددون بفعل كل ما يمكن حتى يتمكنوا (تمسّكنوا حتى تتمكّنوا).
    سُئل عصام العريان أحد قيادي الإخوان في (شفاف الشرق الأوسط، 14/9/2004) بهل سيقبل الإخوان بالتعددية الحزبية، فيما إذا تولّى الإخوان الحكم في مصر ؟ فردَّ: بالطبع سنقبل!
    وعندما سُئل بأن المرشد العام للإخوان المسلمين السابق مصطفى مشهور قال:
    " إننا نقبل بمبدأ التعددية الحزبية الآن، لكن عندما يقوم حكم إسلامي فإننا نرفضها ولن نقبلها". وأن هذا الرأي مذكور في كتاب "ضد التأسلم" للدكتور رفعت السعيد، ردّ العريان: "أن هذا النقل غير صحيح. والمرشد قال هذا الكلام في إطار ندوة، وخلاصة الندوة صدرت في كتاب" التعددية والشورى في المجتمع المسلم". وهذا الكتاب يعتبر الوثيقة المُلزمة للمرشد ولمكتب الإرشاد ولكلّ الإخوان، وهي تقرُّ بالتعددية الحزبية في المجتمع الإسلامي.
    وجماعة الإخوان المسلمين، نتيجة لتبنّيها في هذه المرحلة البرجماتية السياسية، والتي لخصها عصام العريان بقوله: "الاتفاق على التعددية السياسية والموقف من المرأة أمور فيها اجتهادات جديدة من جانب الإخوان تتماشى مع المستجدات التي تعيشها الأمة الإسلامية الآن"، متهمة بأنها تنازلت عن أهم أركان عقيدة المسلمين، ألا وهو ركن التسليم بحاكمية الله التي نادى بها سيّد قطب. واتّباع أصول الجاهلية الديمقراطية في التشريع والتي تعني التسليم بحق البشر في اختيار ما يرونه من تشريعــات وعقائـد }أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون{. وهو تنازل مرحلي في رأينا، لا تلبث بعده حركة الإخوان إلى العودة إلى شعارات ومبادئ الاربعينات والخمسينات، فيما لو استولت على الحكم رغم نفي العريان لهذا التوقّع.
    إذن، لم تعد جماعة الإخوان المسلمين حركة دينية، ولكنها أصبحت حركة سياسية محضة، لا تأخذ من الدين أي جانب سياسي، حيث لا سياسة في الدين تؤخذ لهذه الأيام. وانما استعملت الدين كمطية للوصول إلى الحكم وتبنّت أفكاراً سياسية غربية مائة بالمائة (الديمقراطية، الانتخابات، التعددية، الحريات السياسة، النضال الدستوري، اقامة المجتمع المدني، اقامة الدولة المدنية وليست الدينية.. الخ). وهو ما جاء على لسان محمد السيد حبيب عضو مكتب الارشاد في مصر الذي قدّم شعارات سياسية حداثية وليبرالية جديدة للإخوان في مقابلة صحافية على موقع (الإخوان المسلمون) في الانترنت في 28/2/2004 ، فيما يعتبر انتفاضة سياسية إخوانية مثيرة. وكان من أهم هذه الشعارات الجديدة:
    1- أن "الإخوان لا يسعون لأن يكونوا بديلاً لأحد، وهم حريصون على أن يكون لهم حزب سياسي". وحبيب لم يقل: "أن يكون لهم حزب ديني سياسي"، ولكنه قال: "حزب سياسي" فقط. كما أن حبيب تخلّى عن فكرة الإخوان لمحق ومحو الآخر عندما يتسلمون الحكم.
    2- يرفع حبيب شعار: "تدرج الخطوات من ثوابت منهجنا، والنضال الدستوري سبيلنا عبر القنوات القانونية". وهذا اعتراف صريح بأن القرآن ليس دستوراً سياسياً. إذ لا دستور سياسياً في الإسلام. وكلمة "الدستور" ليست عربية أصلاً وإنما فارسية. والدستور نظام سياسي جاءنا من الغرب في القرن العشرين فقط. والنضال عبر القنوات القانونية تعني هنا، أن الإخوان قد اقتنعوا أخيراً، بأن لا قوانين سياسية في الإسلام، وانما هناك قوانين سياسية موضوعة وضعها البشر. وبذلك انتفت نظرية "الحاكمية" التي كان يدعو اليها سيّد قطب من خلال كتابه (معالم في الطريق).
    3- يرفع حبيب شعار: "تبنّي الدعوة لإنهاء الخصومة بين الحكومات والشعوب من خلال الإصلاح السياسي وتفعيل مؤسسات المجتمع المدني". وهناك اعتراض كبير على هذا النهج من قبل السلفيين الذين يرون أن نبذ "الجهاد العيني" الواجب ضد تلك الحكومات المرتدة التي تحكم بلاد المسلمين، بل ومعاداة وتسفيه من يدعو إلى ذلك، والتشنيع عليه، ودعوة الحكومات إلى القضاء عليه، والتبرؤ منه أمام هؤلاء الطواغيت. وأن دعوة حبيب مناقضة لقوله تعالى ]وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله[

    -4-
    وبعد، لماذا، وكيف فاز الإخوان المسلمون بربع مقاعد مجلس الشعب المصري، وهل هم مؤهلون في الانتخابات القادمة إلى كسب نصف مقاعد مجلس الشعب أو أكثر؟
    دعونا نضع النقاط على الحروف، ونقول ما يوجع القلب:
    1- إن الفوز الذي حققه الإخوان لم يكن بفضل البرنامج السياسي والآقتصادي والاجتماعي الذي قدمه الإخوان للناخبين، وانما نتيجة لضعف الحزب الوطني الحاكم وتهافته وفشله في القضاء على الفساد والرشوة والمحسوبية والبطالة، وتحسين مستوى المعيشة. فالذين انتخبوا مرشحي الإخوان هم من الطبقة الفقيرة العاطلة المسحوقة في مصر، وهي طبقة الأغلبية. وهناك من يقول أن الكثير ممن انتخبوا مرشحي الإخوان انتخبوهم نكاية بديكتاتورية الحزب الحاكم، وفساد الحزب الحاكم، وليس حباً وإيماناً بحركة الإخوان ذات الشعارات الرومانسية الغامضة والمغلفة بغلاف الدين البراق.
    2- في تقديرنا، أن الإخوان لو أُعطوا الفرصة نفسها التي أُعطيت لهم الآن لحققوا الانتصار نفسه منذ عام 1952، نتيجة لاهتراء أنظمة الحكم التي تعاقبت على مصر منذ ذلك الوقت حتى الآن، وملل الناخبين من الوعود والآمال الكاذبة التي منّت بها العهود الماضية الشعب المصري، ولم تفعل شيئاً بل ازداد الفقراء فقراً ، والأغنياء غنى، والفاسدون فساداً.
    3-اهمال الحزب الوطني الحاكم اهمالاً تاماً التثقيف الجماهيري الديمقراطي والحداثي من خلال وسائل الإعلام الضخمة والمؤثرة التي يمتلكها. وترك الشارع المصري لحركة الإخوان ينشرون فيه دعوتهم وخطابهم وتأليبه على كل ما هو حداثي من خلال المساجد والنقابات. لقد تحوّل الإعلام المصري في السنوات الماضية إلى مخدر ومنوّم للشعب والشارع المصري. ومادة هذا التخدير والتنويم كانت الاكثار من البرامج التافهة المتعلقة بالفنانيين والرقصين والراقصات، والمغنيين والمغنيات. والبرامج التي تعرض الأفلام وممثليها ومخرجيها ومصوريها وتاريخهم وحياتهم، وماذا يأكلون، وماذا يلبسون، وما هي الهدايا التي تقدم لهم.. الخ، بيحث بلغ عدد هذه البرامج في رمضان الماضي 43 برنامجاً تافهاً للتسلية والتنويم، كلها تتعلق بأهل الطرب والسينما الهابطة. ولم يقم الإعلام المصري بنشر ثقافة الديمقراطية وفكر الديمقراطية. ولم يكن المدرسة القديرة على تربية الشارع المصري تربية سياسية عصرية، يستطيع من خلالها التمييز بين الحقيقي، والزائف والواقعي والخيالي. وبالمقابل كان الإخوان يستغلون هذا الفراغ ويملؤنه بخطابهم العام الغامض والغير واقعي، الذي يتلخص بـ "الإسلام هو الحل" دون أن نعرف كيف سيتم ذلك، وما هي آليات هذا الحل. علماً بأن لاشين أبو شنب عضو مكتب الارشاد بجماعة الاخوان المسلمين قال "تلك اكاذيب. إن برنامجنا برنامج حافل وقد أعلناه وهو وافٍ بكل الألوان التي تريدها حياتنا ويريدها مجتمعنا." وقال في حديث مع ( بي. بي. سي، 28/11/2005) " نحن لا نستخدم شعارات دينية. شعار الاسلام هو الحل ليس شعاراً دينياً، انما هو شعار يفي بحقيقة أن الاسلام هو الذي عالج كل مشكلات الحياة". وبذا، فقد وجد الإخوان في الشارع المصري المقفر من الفكر السياسي والبرامج السياسية، تربة صالحة جداً لنشر خطابهم، مما أكسبهم تلك النتيجة الكبيرة في الانتخابات التشريعية.
    4- وفيما لو بقي حال مصر على ما هو عليه من تدهور اقتصادي واجتماعي وفراغ سياسي وتفاهة في الإعلام، وأصبح دخل الفرد السنوي 300 دولار (دولار يومياً) مثلاً بدلاً من 900 دولار سنويـاً (5و2 دولار يومياً) كما هو الآن، نتيجة للقنبلة السكانية التي تنفجر كل عام (يولد طفل كل دقيقة)، ونتيجة للفساد المستشري، وقلة الموارد، فإن استعادة الخلافة الإسلامية على يد الإخوان ستكون نتيجة حتمية لهذا الوضع. وستكون كالكي آخر الدواء.
    5- وأخيراً، فإن الخطورة على مستقبل مصر في ظل هذا العالم العلماني والمتعولم، وبعد هذا النصر الانتخابي الساحق الذي حققه الإخوان، انضمام مزيد من الفقراء والمسحوقين إلى حركة الإخوان المسلمين المنادية بقيام دولة دينية للقضاء على الفساد واقامة دولة العدالة، لكي تقف وحدها في مواجهة العالم، أو ربما بالتحالف مع إيران.
    وعندها على مصر المحروسة السلام.

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de