بورخس: المخلوقات الوهميّة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-06-2024, 05:49 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-08-2005, 08:49 AM

mazin mustafa
<amazin mustafa
تاريخ التسجيل: 07-30-2005
مجموع المشاركات: 287

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
بورخس: المخلوقات الوهميّة

    من »كتاب المخلوقات الوهميّة«
    لخورخي لويس بورخيس


    بسام حجار (شاعر ومترجم من لبنان)


    --------------------------------------------------------------------------------


    مقدّمة

    نصطحبُ طفلاً للمرّة الأولى إلى حديقة حيوانات. قد يكون هذا الطفل أيّاً منّا نحن، أو، على العكس، كنّا، نحنُ، هذا الطفل ولا نستذكر. في هذه الحديقة، المرعبة، يشاهد الطفلُ حيوانات لم يسبق له أن شاهدها، يُشاهد يَغاوِرَ وعقابينَ وبياسينَ، وحتّى زرافاتٍ. يشاهد للمرّة الأولى جحافل مملكة الحيوان الجامحة، وعِوَضَ أن يجفله المشهد أو يُرعبه، يلاقي في نفسه استحساناً. يستحسنُه بحيث تغدو الزيارة إلى حديقة الحيوانات سلوى الطفل، أو ما يتبدّى للطفل أنّها سلواه. فكيف السبيل إلى تعليل هذه الظاهرة الشائعة، والملغِزة في الوقت نفسه ؟

    طبعاً يسعنا الإنكار. يسعنا الزعم بأن الأطفال إذ يُصحبون إلى حديقة الحيوانات يعانون، بمضيّ عشرين عاماً، أعراضَ العُصاب؛ والحقّ انّه ما من طفلٍ لم يأتَ له اكتشاف حديقة الحيوانات وما من بالغٍ، إذا أمعنّا النظر، لا يعاني أعراضَ العُصاب. يسعنا الجزم بأنّ الطفلَ، تعريفاً، هو مكتشفٌ، وأنّ اكتشاف الجمل ليس أغرب من اكتشاف المرآة أو الماء أو السلالم. ويسعنا الجزم بأن الطفلَ واثقٌ من أبويه اللذين يصطحبانه إلى هذا المكان الذي يعجّ بالحيوانات. إلى ذلك، فإنّ النمر القماش، والنمر الرسم في دائرة المعارف قد مهّدا له الطريق للقاء النمر دماً ولحماً من دون فزع. (لو قيض) لافلاطون (التدخّل في هذا البحث) لأنبأنا بأنّ الطفلَ قد سبقَ له أن شاهد النَمِرَ في عالم الأطياف الأسبق، وبأنّه، إذ يشاهده الآن، إنّما يتعرّف عليه استذكاراً. أمّا شوبنهاور (وهذا أدعى إلى العَجَب) فقد كان يقرّر بأن الطفل يتطلّع بلا فزع إلى النمور لأنه لا يغفل عن كونه النمورَ وأن عن كونِ النمور هو نفسه، أو، الأحرى، عن أنّ النمورَ وهو نفسه من ماهيّة واحدة: الإرادة.

    لننتقل الآن من حديقة حيوانات الواقع، إلى حديقة حيوانات الأساطير، حيث شعب الحيوان ليس أُسْداً بل سفنكس وعنقاء مُغرِب وسنتور. ينبغي لعديد أهلِ الحديقة الثانية هذه أن يربو على عديد الأولى، بما أن المسخَ ليس سوى مزاجٍ من عناصر كائناتٍ حقيقة وبما أنّ احتمالات فنّ المزجِ يقارب اللامتناهي. في السنتور مزيج حصان وإنسان، وفي المونتور مزيج ثور وإنسان (دانتي تخيّله بوجهٍ آدمي وجسم ثور) وعلى هذا النحو يسعنا، على ما يبدو لي، إنتاج عددٍ لامتناهٍ من المسوخ، وأمزجة السمك والطير والزواحف، لا يحدّ مسعانا إلاّ السأم أو التقزّز. ومع ذلك فإنّ هذا لا يحدث؛ فالمسوخ التي قد نولّدها تولدُ ميتة بنعمى الله. لقد جمع فلوبير في الصفحات الأخيرة من »الإغواء«، كلّ المسوخ القروسطيّة والكلاسيكيّة، وحاول، كما ينبئنا شارحوه، أن يخلق منها؛ إنّ العدد الإجمالي ليس كبيراً، وقليلٌ جداً يؤثّر في مخيلة الناس. ومن يقرأ ثَبْتَنا لا بد أن يلاحظ بأنّ علم حيوان الوهم أقلّ غنىً ووفرةً من علم حيوان الربّ.

    نحن نجهل معنى التنين، كما نجهل معنى الكون، ولكن في صورته ما يتلاءم ومخيّلة البشر، ولهذا يظهر التنين في عصورٍ وفي أماكن مختلفة. وقد نقول إنّه مسخٌ ضروري، وليس مسخاً عابر الوجود ولا جدوى منه، وكذلك الخَيْمَر أو الغول.

    ثمّ أننا لا نزعم بأن هذا الكتاب، وهو ربّما كان الأوّل في نوعه، يشتمل على العدد الكامل للحيوانات الخرافية. لقد أجرينا بحوثاً في متون الآداب الكلاسيكية والشرقيّة، غير أننا نعلم يقيناً أن الموضوع الذي نحن بصدده هو موضوع لامتناه.

    عمداً نستبعد من هذا الثبت الخرافات التي تعالج تحوّلات الكائن البشريّ: كالمتذئّب(١، والغول الذئبيّ وسواهما.

    نودّ أن نشكر لإسهامهم كلاّ من ليونور غيريرو دي كوبولا، وألبرتو دابرسا ورافاييل لوبيث بيليغري.

    ج. ل. ب. و م. غ.

    مارتينيث، في 29 كانون الثاني 1954.



    الحمار ذو القوائم الثلاث

    ينسبُ بلّينُس إلى زرادشت، منشئ الديانة التي ما زال يبشّر بها مجوسُ بومباي، نظمَه مليوني بيت من الشعر؛ ويؤكّد المؤرّخ العربي الطبري أنّ أعماله الكاملة التي خلّدها نسّاخ وخطّاطون ورعون، تتألّف من اثني عشر ألف جلد بقرة. والمعروف أنّ الإسكندر المقدوني قد أمر بإحراقها في برسيبوليس، غير أنّ ذاكرة الرهبان الأمينة تمكّنت من إنقاذ النصوص الأساسيّة وجاء، منذ القرن التاسع، مؤلّفٌ موسوعي، هو الـ»Boundahishm«، ليُكملها، وقد احتوى الصفحة التالية:

    »يُقال عن الحمار ذي القوائم الثلاث إنّه وسط المحيط وإنّ عدد حوافره ثلاثة وعيونَه ستٌّ وأشداقه تسعة وأذنيه اثنتان وقرنه واحدٌ. فروته بيضاء، وعَلَفه روحانيّ وكلّ كيانه منصفٌ. اثنتان من عينيه الستّ في موضع العينين واثنتان عند قمّة رأسه واثنتان عند ظاهر الرقبة؛ وبنفاذ الأعين الستّ يُخْضِع ويُقوِّض.

    من أشداقه التسعة ثلاثة في الرأس وثلاثة في ظاهر الرقبة وثلاثة عند الجنبات... كلّ حافر، إذ يطأ الأرضَ، يغطّي مرقد قطيع من ألف نعجة، وتحت ظفرِ الحافرِ ساحة لألف خيّال. أمّا الأذنان، فهما قد تغطيان مزندران. القرن كأنّه من ذهبٍ وأجوف، وله ألف شعبة وفرع. وبهذا القرن سيهزم ويبدّد كلّ فساد الأشرار.«

    نحن نعلم أن العنبر هو روث الحمار ذي القوائم الثلاث. وقد جاء في الميثولوجيا المزديّة أنّ هذا المسخ كثير المنافع وهو أحد أعوان آهورا-مزده (أورمادز)، مبدأ الحياة والنور والحقيقة.



    الجــــــــــــن

    حسبِ الرواية الإسلامية، خلق الله الملائكة من نور والجنّ من نار والإنسان من تراب. ويؤكّد البعض أنّ مادة الجنّ هي نار كابية بلا دخان. خلقوا قبل آدم بألفي عام غير أنّ جنسهم لن يبلغ يوم الحشر.

    يعرّفهم القزويني على أنهم حيوانات هوائية هائلة الأحجام، شفّافة، قادرة على التشكّل بأشكال متنوّعة. يظهرون أولاً على هيئة سُحُبٍ أو كأعمدة شاهقة بلا منتهى؛ ثمّ، بحسب أمزجتهم، فيتخذون هيئة الإنسان أو الثعلب أو الذئب او الأسد أو السرطان أو الحيّة. بعضهم مؤمن، وبعضهم كافر زنديق. قبل قتل الحيّة ينبغي الطلب منها باسم النبيّ أن تخلي المكان؛ ويحلّ قتلها إذا أبتِ الانصياع. الجنّ قادرون على اختراق جدارٍ حصين وعلى التحليق في الفضاء أو حجب أنفسهم فجأة عن الأعين. غالباً ما يبلغون السماء الدنيا حيث ينصتون إلى أحاديث الملائكة عن الحوادث المقبلة. بعض أهل العلم ينسب إليهم تشييد الأهرامات، وبإيعاز من سليمان بن داود الذي كان يعرف اسم الربّ كلي القدرة، تشييد هيكل أورشليم.

    من على السطوح والشرفات يرجمون الناس؛ كما اعتادوا خطفَ الحسناوات. لاجتناب شرورهم، ينبغي ذكر الله الرحمن الرحيم. اعتادوا الإقامة بين الخرائب والمنازل المهجورة والآبار والأنهر والصحارى. والمصريون يؤكّدون أنهم مسبّبو العواصف الرمليّة. ويعتقدون بأن الشُهُبَ السماوية إنما هي حرابٌ يقذفها الله على أشرار الجنّ.

    إبليس هو أبوهم وقائدهم.



    البُــــراق

    أولى آيات السورة السابعة عشرة (الإسراء) من القرآن تتألّف من الألفاظ التالية: »سبحان الذي أسرى بعبدِه ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريَه من آياتنا إنّه السميع البصير«. ويفسّر المفسّرون أنّ من يُسبَّح له هو الله وأنّ العبد هو محمّد وأنّ المسجد الحرام هو مسجد مكّة، وأنّ المسجد الأقصى هو مسجد القدس وأنّه من القدس ارتقى النبيّ إلى السماء السابعة. في رواياتٍ للخبر مغرقة في القِدَم، قيل إنّ محمداً هُديَ الوجهةَ من قبل إنسان أو ملاك. وفي روايات أحدث عهداً ورد ذكرُ دابّة أكبر من حمار وأصغر من بغل. هذه الدابة هي البُراقُ الذي سمّي بذلك لنصوع لونه وبريقه. وبحسب بورتن »Burton«، يتصوّره مسلمو الهند بوجهٍ آدميّ وأذني حمار وبدن حصان وذَنَب طاووس.

    وقد ورد في أحد الأخبار الإسلامية أنّ البُراق لدى مغادرته الأرض أوقع قِدراً مملوءة بالماء. حُمِلَ النبيّ إلى السماء السابعة وخاطبَ في جميع السماوات السبع الأولياء والملائكة وخاطبوه وجازَ الوحدةَ وأحسّ ببردٍ أثلج قلبه لمّا ربّتت كفّ الله على كتفِه. ولأن زمان البشر لا يُقاس البتّة بزمان الله: استلقى النبيّ، لدى عودته، قِدرَ الماء ولم ينسكب منها قطرة واحدة.

    يتحدّث ميغال آثين بالاثيوس عن متصوّف من مُرسيا في القرن الثالث عشر، كان رأى، في كتاب له أسماه »كتاب الإسرا إلى مقامِ الأسرى«، في البراق رمزاً للحبّ الإلهي. وفي كتاب آخر له يستشهد بـ»بِبُراق طهارة القَصْد«.



    البانشي

    الظاهرُ أنّ أحداً لم يلمحها؛ ليست هيئةً بقدر ما هي أنّةٌ تنشر صقيع الفَزَع في ليالي إيرلنده و- بحسب كتاب السِير والكوت سكوت »Walter Scott« عن الشياطين والسَحَرة - ليالي المناطق الجبليّة في اسكتلنده. تنذرُ، من وراء نوافذ الناس، بموت فردٍ من أفراد العائلة. وهي حظوة خاصّة ببعض السلالات السلتيّة الخالصة النسب، بلا هجنة لاتينيّة أو ساكسونية أو اسكندنافية. تتناهى إلى السمعِ في بلاد الغال أيضاً وفي بروتاني. تنتمي إلى جنس الجنيّات. أنينُها اسمُه العويل.



    البَهَموت

    ذاعَ صيتُ البَهَموت حتّى بلغ صحارى الجزيرة العربيّة، حيثُ أضاف الناسُ إلى صورته شكلاً وروعة. فرس نهرٍ أو فيل، جعلوا منه سمكةً تسبح في مياهٍ بلا قعر وعلى هذه السمكة تخيّلوا ثوراً وعلى هذا الثور تخيّلوا جبلَ زمرّد وعلى الجبل ملاكاً وعلى الملاك ستّ جهنمات وعلى الجهنّمات الأرض وعلى الأرض سبع سماوات. نقرأ في خبرٍ نقله لاين »Lane« .

    خلق الله الأرض، غير أن الأرض لم يكن لها سندٌ، وهكذا، تحت الأرض خلق ملاكاً. غير أن الملاك لم يكن له سند، وعندئذ خلق تحت قدمي الملاك جبلاً من الزمرّد. غير أنّ الصخرة لم يكن لها سند، فخلق ثوراً بأربعة آلاف عين وأذن وأنف وشدقٍ ولسان وظلف. غير أن الثور لم يكن له سند، وإذ ذاك خلق تحت الثور سمكةً اسمها بَهَموت، وتحت السمكة بسط الماء والعتمة، ولا يبلغ علمُ البشر عِلماً أبعد من ذلك.

    آخرون يزعمون أنّ ركائز الأرض في الماء؛ إنّ الماء على الصخرة؛ الصخرة على قذالِ الثور؛ والثور على فراشِ الرمل؛ والرمل على البهموت؛ والبهموت على ريح خانقة؛ والريح الخانقة على ضباب. ولا ندري ما تحت الضباب.

    البهموت هائل الحجم ساطع البريق فلا يقوى بصرٌ آدميّ على رؤيته. كلّ بحور العالم مجتمعة في تجويف أحد منخريه لتكون أشبه بحبّة الخردل وسط صحراء. في الليلة الأربعمائة وستّ وتسعين من كتاب ألف ليلة وليلة، يُروى أنّه قيض لعيسى أن يبصر البهموت، وأنّه بعد ذلك ارتمى على الأرض متخبّطاً ولم يفق إلى رشده إلاّ بمضي ثلاثة أيام. ويُزعمُ، فضلاً عن ذلك، أنّ تحت السمكة التي بها مسّ ثمّة بحر، وتحت البحر هوة هواء وتحت الهواء نار وتحت النار حيّة اسمها فَلَق تسند جهنّم بشدقيها.

    والظاهر أن خبرَ الصخرة على الثور والثور على البهموت والبهموت على أي شيء آخر هو إيضاح للبرهان الكونيّ على وجود الله؛ إذ يُحتجّ بالفعل بأن كلّ علّة لها علّة سابقة عليها، فتقضي الضرورة أن تكون هناك علّة أولى، لكي لا يتواصل سرد العلل إلى الأبد.



    البهيموت

    قبل ميلاد المسيح بأربعة قرون من الزمن، كان بهيموث تعظيماً للفيل أو لفرس النهر، أو تأويلاً خجولاً ومغلوطاً لهذين الحيوانين؛ الآن، أصبح على الصورة التي تصفه بها آيات أيوب الشهيرة (40؛ 10-19) والحجم الهائل الذي تتحدّث عنه. وما تبقّى مجرّد جدالٍ في أصول اللغة.

    اسم »بهيموت« هو صيغة للجمع؛ إنه (كما ينبئنا خبراء اللغة) صيغة جمع الجمع للفظة bhema العبريّة، والتي تعني بهيمة. وكما قرّر فراي لويس دو ليون Fray Luis de Leon في كتابه »شرح سفر أيوب« : »البهيموت هي لفظة عبرية، تعني بهائم؛ وبحسب ما أجمع عليه العلماء، قد تعني أيضاً الفيل، الذي يُسمّى على هذا النحو نظراً لحجمه الهائل، لأنه برغم كونه واحداً، فإنه في حجمِ كثرة.«

    على سبيل الاستئناس لا أكثر نذكر في السياق أن اسم الله، Elohim ، هو أيضاً في صيغة الجمع في أولى آيات كتبِ الشريعة (سفر التكوين)، على الرغم من أن الفعل الذي يتبعه يردُ في صيغة المفرد »في البدء خلق الله السموات والأرض...« وقد سمّيَت هذه الصيغة جمع الجلالة أو الامتلاء... (٢

    في ما يلي الآيات التي تصف البهيموت في الترجمة الحرفيّة التي وضعها فراي لويس دو ليون، الذي اقترح على نفسه »الحفاظ على المعنى اللاتيني والمناخ العبري، لما ينطوي عليه من جلال«:

    أنظر إلى بهيموت الذي صنعته مثلك

    إنّه يأكل العشب مثل الثور.

    قوَّتُه في مَتْنَيه

    وشدّته في عضَل بطنه.

    يشدّ ذنبه كالأرز

    وأعصابُ فخذيه محبوكة.

    عِظامُه أنابيبُ من نحاس

    وأضلاعُه حديد مُطَرَّق.

    هو أوّل طُرقِ الله في الخَلْق

    وصانِعُه يُعْمِلُ السيفَ فيه(٣.

    فالجبال تُخرِجُ له الطعامَ

    وحوله تلعبُ جميع وحوش البريّة.

    يربضُ تحت عرائسِ النيل

    ويختبئ تحت القصب في المستنقع.

    تخيّم عليه عرائس النيل بظلّها

    ويُحيطُ به صفصافُ الوادي.

    إن طغى عليه النهر لم يحْفَلْ

    هو مُطمئنٌّ لو اندفقَ أُرْدُنٌّ في فمه.

    فمن يصطادهُ مواجهةً

    ويثقبُ أنْفَه بأوتاد.

    طيرُ الرُّخّ

    الرخّ هو تخريفٌ مثالُه النسر أو العقاب، وبلغ بأحدهم الظنُّ أنّ كَنْدوراً ضالاّ في بحار الصين أو الهندوستان، قد أوحى به إلى العرب. يرفض لاين هذا التخمين ويعتبر أنّ المقصود هو، بالأحرى، جنسٌ خرافي من نوعٍ خرافي، أو هو مرادفٌ عربيّ لطائرِ Simorg. يُدين الرّخّ بشهرته الغربيّة لكتاب ألف ليلة وليلة. فلا بدّ أن يستذكر قراؤنا السندباد حين خلّفه صحبُه على جزيرة، فرأى من بعيد قبّة بيضاء وفي اليوم التالي حجبت عنه سحابةٌ عظيمة نورَ الشمس. كانت القبّة هي بيضة الرّخّ والسحابة هي الطير الأمّ. فعمد سندباد إلى ربط نفسه، بواسطة عمامته، إلى قائمة الرخّ الضخمة؛ وحلّق الطير قبل أن يخلّفه على قمّة جبل غير منتبهٍ إلى وجوده. ويضيف الراوي بأنّ الرخّ يُطعم فراخَه أفيالاً.

    في الفصل السادس والثلاثين من »أسفار« ماركو بولو، نقرأ ما يلي:

    يروي سكّان جزيرة مدغشقر أنّه في أحد فصول السنة، يفد إلى المناطق الجنوبيّة جنسٌ غريبٌ من الطير، يسمّون الرّخّ. هو شبيه النسر من حيث الشكل، لكنّه أضخم منه حجماً بما لا يُقاس. فالرخّ من القوة بحيث يحمل بمخالبه فيلاً ويحلّق به في الفضاء، ثمّ يُسقِطه من علوّ شاهق لكي يلتهمه فيما بعد. ويؤكّد من شاهدوا الرخّ أنّ طول جناحيه، من الطرف إلى الطرفِ، يبلغ ستة عشر قدماً وتبلغ الريشة منه ثمانية قدام.

    ويضيف ماركو بولو قائلاً إنّ رُسُلاً من قبل الخان الأعظم أحضروا ريشة رخّ إلى الصين.



    العقيق الجمريّ

    اسمه مشتقّ من اللاتينية carbunculus ، أي »قطعة الفحم الصغيرة«، وهو، في علم المعادن، لَعْل(٤. أمّا عقيق الأسلاف فنحسبُ أنّه كان بجاديّاً.

    في القرن السابع عشر أطلق الروّاد الأسبان في أميركا الجنوبيّة، هذا الاسم على حيوان غامض - وهو غامض لأنّ أحداً لم يره عن كثب ليعلم يقيناً ما إذا كان طيراً أو حيواناً لبوناً، وما إذا كان يكسوه ريش أم فرو. يصفه الراهب الشاعر مارتن ديل باركو سنتنيرا الذي يزعم أنه شاهد أحدها في البراغواي، في مؤلّفه »Argentina (1602)« بأنّه »حيوان ضئيل الحجم له على قمّة رأسه مرآة برّاقة كأنها قطعة جمر«. رائد آخر، يُدعى غونثالو فرنانديث دي أوفيدو، يقيم الصلةَ بين مرآة النور الساطع في العتمة هذه - التي شاهدها مرّتين عند مضيق ماجيلاّن - وبين الحجر الكريم الذي كان يُعتَقَد أنّه مخبّأ في نخاع التنّين. كان قرأ مثل هذه المزاعم في »كتاب الاشتقاق« لمؤلّفِه إيزيدور دي سيفيلاّ، الذي أورد التالي:

    يُستخرج من نخاع التنّين لكنّه لا يستحيل فصّاً صلباً إلاّ إذا قُطِع رأس الحيوان وهو حيّ. لهذا يعمد السَحَرة إلى قطع رؤوس التنانين وهي نيام. رجالٌ على قدرٍ من البأس والجرأة يتسلّلون إلى معقل التنين ناثرين حَبّاً مطبوخاً يخدّر البهيمة وعندما تنام يقطعون رأسها ويستخرجون منها الحجر الكريم.

    يتبادر إلى الذهن، هنا، علجوم شكسبير (كما يحلو لك،٢،١ الذي »برغمِ دمامته وسمّه، يحمل في رأسه حليةً ثمينة...«

    إنّ الفوزَ بحلية العقيق الجمريّ كان فوزاً بناصية الثروة وحُسنِ الطالع. لقد شَهِدَ باركو سنتنيرا عدداً من الأهوالِ عبر أنهر الباراغواي وغاباتها بحثاً عن هذا الحيوان الذي يحتجب عن الأبصار؛ ولم يعثر عليه قط. وإلى يومنا هذا لا نعرف عن هذا الحيوان الصغير إلاّ ما تردّد من أخبار عن الحجر المكنوز في رأسه.



    السربيروس

    إذا كان الجحيم منزلاً، منزل هاديس، فلا بدّ من كلبٍ يحرسه؛ ولا بدّ أيضاً، بحسبِ ما تصوّره لنا المخيّلة، من أن يكون هذا الكلب ضارياً. كتاب »نسب الآلهة« لهسيودُس يجعله بخمسين رأساً؛ ولكن خفّض هذا الرقم، لدواعٍ تشكيليّة بحتة، فذاع صيت رؤوس السربيروس الثلاثة. يذكر فرجيل أعناقه الثلاثة: ويذكر أوفيد عواءه المثلّث؛ ويقارن بتلر »Butler« بين التيجان الثلاثة لقلنسوة البابا الذي هو بوّاب السماء، وبين الرؤوس الثلاثة للكلبِ الذي هو بوّاب الجحيم »Hudibras , IV, 2« أمّا دانتي فيضفي عليه طباعاً آدميّة تزيد من حدّة طبيعته الجهنّمية: لحية سوداء قَذِرة، وأيدٍ ذات أظافر تمزّق، تحت المطر، أرواح المنبوذين. يعضّ ويعوي ويكشّر عن أنيابه. تمثّلت آخر مآثر هِرَقْل بأنه أخرج الكلبِ السربيروس إلى وضحِ النهار. وقد وصفَ مؤلّف إنكليزي من القرن الثامن عشر، يدعى زكريا غراي، هذه المغامرة كالآتي:

    هذا الكلب ذو الرؤوس الثلاثة يرمز إلى الماضي والحاضر والمستقبل، وهي رؤوس تتلقّف، وكما يُقال، تفترسُ كلّ شيء. أمّا أن يكون قد لاقى شرّ الهزيمة على يد هِرَقْلُ، فبرهان على أنّ المآثرَ منتصرة على الزمان وراسخة في ذاكرة الأجيال.

    بحسب نصوص الأقدمين، يحيّي السربيروس بذَنَبِه (الذي هو أفعى) كلّ الداخلين إلى الجحيم، ويفترس من يسعى منهم إلى الخروجِ منه. وتزعم إحدى الروايات المحدثة أنه يعضّ الوافدين؛ ولكي يستكينَ، درج الناسُ على وضعِ الكعك المحلى بالعسل داخل التابوت.

    في الميثولوجيا الاسكندنافيّة يرد ذكرُ كلبٍ مدمّى، اسمه »غام«، يحرس منزل الموتى ويُعارِكُ الآلهة عندما تلتهم الذئاب الجهنّمية القمرَ والشمس. بعضهم يزعم أنه ذو أربع عيون؛ وذات أربع عيون هي كلاب »ياما«، إله الموت البراهماني.

    في البراهمانية والبوذيّة ثمة جهنّمَ للكلاب التي هي، على غرار السربيروس الدانتي، جلاّدة الأرواح.



    حصانُ البحر

    بخلافِ الحيوانات الوهميّة الأخرى، لَمْ يجرِ تصوّر حصان البحر انطلاقاً من عناصر متنافرة؛ فهو ليس سوى حصان برّي سُكناهُ البحر ولا يطأ اليابسةَ إلاّ في الليالي غير المقمرة، عندما يهبّ عليه النَسيمُ برائحة الأفراس. في إحدى الجزائر غير المحدّدة - ربّما كانت بورنيو - يستدرج الرعاة إلى الشاطئ أحسن أفراس الملك ثمّ يختبئون في حجراتٍ تحت الأرض؛ شاهد سندباد المهرَ خارجاً من البحر وشاهده وهو يعتلي الأنثى وسمعَ صهيلَه.

    إنّ التاريخ النهائي لتدوين كتاب ألف ليلة وليلة، يرقى، بحسب برتون »Burton« إلى القرن الثالث عشر؛ وفي القرن الثالث عشر ولد وتوفي عالِمُ الكونيّات القزويني الذي أثبتَ في مؤلّفه »عجائب المخلوقات« ما معناه أن حصان البحر هو شبيه حصان اليابسة، لكنّ عرفه أطول وكذلك ذيله، ولونه أجلى وحافره مشقوق كحوافر البقر الوحشيّ وحجمه أضأل من حجم حصان اليابسة وأكبر قليلاً من حجم الحمار. ويلاحظ القزويني أن تهجين الأجناس البحرية بالاجناس البريّة تولّد سلالةً فاتنة ويذكر مهراً داكن الفروة »وبها رقشٌ أبيض كرقاق الفضّة«

    أمّا وانغ تاي-هاي، وهو رحّالة من القرن الثامن عشر، فيذكر في »المنتخبات الصينيّة« ما يلي:

    غالباً ما يظهر الحصان البحريّ على الشواطئ سعياً وراء الأنثى؛ وأحياناً قد يؤسَر. فروته سوداء لامعة؛ ذيله طويل يكنس التراب؛ على الأرض اليابسة يعدو كما تعدو الجياد الأخرى، وهو وديعٌ وقد يقطع في نهار واحد آلاف الأميال. من المستحسَن ألاّ يُغسَل في النهر، لأنه ما إن يلمح المياه حتّى يستردّ طبعه القديم فيبتعد سابحاً.

    لقد تحرّى علماء السلالة مصدر هذه الرواية الإسلامية في الرواية اليونانية اللاتينية عن الريح التي تُخصِبُ الأفراس. ففي الكتاب الثالث من »الجورجيّات«، نظم فرجيل هذا المعتقَد شعراً. أمّا عرض بلّينُس »VIII , 67« فكان أكثر دقّة: »لا يخفى على أحد منا أنّه في لوسيتانيا، في نواحي أوليسيبو (لشبونه) وضفاف نهر التاج، تدير الأفراس وجوهها باتجاه رياح الغرب فتُخصبها؛ فتولدُ من هذا اللقاح مِهارٌ تمتاز برشاقة بالغة، غير أنها تنفق قبل بلوغها العام الثالث.«

    وارتأى المؤرّخ جوليانُس أنّ صفة »ابن الريح«، التي تطلق على الجياد السريعة، هي مصدر هذه الخرافة.



    الهوامش

    ١- الغول الذئبي بحسب مرويّات الريو ديلا بلاتا، والتي تتبدّل صفاته من منطقة إلى أخرى (المترجم)

    ٢- على نحو مماثل، نقرأ في (مصنّف) »النحو« الصادر عن الأكاديمية الملكية الأسبانية: »نحن، وإن كانت صيغة للجمع بطبيعتها، غالباً ما ترد مع أسماء مفردة عندما يتحدّث أشخاص من ذوي المقام والرفعة عن أنفسهم؛ مثلاً: نحن، الدون لويس بيلوغا، بنعمة الله والحاضرة البابوية، أسقف قرطاجة.«

    ٣- إنّه أعظم معجزات الربّ، غير أنّ الربّ، الذي خلقه، سوف يُهلِكه.

    ٤- ياقوت أحمر.
                  

العنوان الكاتب Date
بورخس: المخلوقات الوهميّة mazin mustafa10-08-05, 08:49 AM
  Re: بورخس: المخلوقات الوهميّة mazin mustafa10-08-05, 08:51 AM
    Re: بورخس: المخلوقات الوهميّة mazin mustafa10-08-05, 09:05 AM
      Re: بورخس: المخلوقات الوهميّة mazin mustafa10-08-05, 09:08 AM
        Re: بورخس: المخلوقات الوهميّة mazin mustafa10-08-05, 09:11 AM
          Re: بورخس: المخلوقات الوهميّة عبد الحميد البرنس10-08-05, 07:40 PM
            Re: بورخس: المخلوقات الوهميّة mazin mustafa10-13-05, 09:05 AM
              Re: بورخس: المخلوقات الوهميّة عبد الحميد البرنس10-13-05, 01:50 PM
                Re: بورخس: المخلوقات الوهميّة ودرملية10-13-05, 04:07 PM
                  Re: بورخس: المخلوقات الوهميّة osama elkhawad10-13-05, 05:06 PM
                    Re: بورخس: المخلوقات الوهميّة mazin mustafa10-18-05, 10:24 AM
                      "آمل أن يوجد عالم ذات يوم بلا حدود ومن غير ظلم" osama elkhawad10-20-05, 01:22 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de