صور المؤتمر الاقليمى لمكافحة الارهاب المنعقد بالخرطوم حاليا .

Quote: الاثنين 19 سبتمبر 2005م، 16 شعبان 1426 هـ الليبرالية والقرار..1626 ليلى الأطرش لا يمكن لأحد أن ينسب قرار الأمم المتحدة 1626 إلى رؤيته أو مطالبته، لأن العالم كله طالب بهذا بعد أن روعته خلايا الإرهاب التي لا يعرف أحد أين ومتى تضرب وكيف تختفي. هذا القرار وقعت عليه 191 دولة ودون تحفظ، فالإرهاب لا يهدد دولة بعينها بعد أن تغوّل بحيث وبدأ يضرب في كل اتجاه ويقتل الأبرياء ومختلف الجنسيات والمعتقدات. وإذا كان الليبراليون يردون القرار إلى تنسيبهم إلى الأمم المتحدة بمنع التحريض وإصدار الفتاوى وإنشاء محكمة دولية لمعاقبة الإرهاب، فسعيهم مشكور، ولكن القرار هو رغبة عالمية لدحر هذا المسخ من الفكر الذي نما بشكل سرطاني لا تعرف اين تكمن خلاياه ومتى ومن تهاجم. لا يهم من هو صاحب المبادرة في القرار إن لم يتبعه تعاون دولي ومنهج وأسلوب عملي لمواجهة هذا التطرف ومنع انتشاره بين الشباب. لقد ظل الفكر الليبرالي- العربي والإسلامي- في بروجه العاجية قادرا على التنظير في مؤتمرات أضحت أكثر من الهم على القلب، ومنتديات وخلوات ينفض سامرها دون إنجاز فعلي، بينما الحركات السلفية تتكون وتعمل في الخفاء وفي سرية وتراتبية وطاعة، واستهدفوا الشرائح الدنيا بالبرامج والخدمات الاجتماعية، وجندوا بعض النساء وآمنت كثيرات بمقولاتهم حولها رغم أنهم يستلبون حقوقها. هذا بينما الفكر الليبرالي تائه يتشرذم ويبرر خيباته بالانفصام بين النظريات والتطبيق. من يتنادى ويقف الآن في وجه الإرهاب والحض عليه بالخطط الأمنية والتوعية وتغيير المناهج هم للأسف المسؤول الأول في ترك الحبل على الغارب له لينمو وترعرع ويجند ويسافر ويقيم الحلقات ويدعو بلا معرفة ويأول النص برؤيته فقط ويكفر ويستبيح، فاختطفوا الدين في العالم العربي والإسلامي، وقبل أن يهاجروا به إلى الغرب ليضربوا من هناك. لقد واجهت الحكومات العربية والحركات الليبرالية تحديات إحياء الأصولية منذ أربعة عقود بعدم الاكتراث والعجز، وفشلت الليبرالية في طرح مشروع عملي نهضوي يجابه هذا الفكر ويستقطب الناس حوله، فتعمقت الفجوة بين هذه الحركات وشرائح مجتمعاتها حين لم يقدموا تصورا لدولة وطنية أساسها تعاقد المواطنين جميعا وتساويهم في الحقوق والواجبات مهما كانت أصولهم ومعتقداتهم، ولم يستقطبوا منظمات المجتمع المدني التي هي أساس الدول الحديثة من أحزاب ونقابات وجمعيات، بل بدأ الفكر السلفي يستولي عليها بتنظيمه وتغلغله وحشده لكل الطاقات. انقسام الليبراليين وغياب مشاريعهم أخلى الساحة للأصولية فاستقطبت الشباب بالترغيب والترهيب الديني، بالحور العين كما عذاب القبر، وأقنعتهم برؤاها إلى الآخرين والثقافة السائدة والسياسة والدولة والدين وحقوق الأقليات، وجندت معظمهم فسافروا إلى أفغانستان تحت سمع وبصر حكوماتهم بل وبتشجيع من بعضها أحيانا. في مقال للباحث السعودي في شؤون القاعدة فارس بن حزام يرجع أزمة الجيل الثاني من تنظيم القاعدة إلى أنه لا يجد تدريبا وتنظيما كما الرعيل الأول بعد حظر السفر إلى أفغانستان، وتضييق الخناق على دعاة هذا الفكر ومنع التبرعات لهم ومطاردتهم مما اضعف شوكتهم وبلبل خططهم، وهنا بيت القصيد فيما كتب، إن تضافر الجهود كلها، الحكومية ووعي الناس بخطر هؤلاء على أمانهم وحرياتهم واقتصادهم ووجودهم سيضعفهم. لقد كانت المجتمعات العربية بكل أطيافها المتضرر الأول حين تحوّل الدين سياسة، فسمحت له الحكومات وشجعته لغاياتها، ورعته بالمال والإفساح، بينما ضيقت وما زالت على كثير من الأفكار الليبرالية، وناصرت السلفية على حركات البحث العلمي يوم كفّرت وصادرت ومنعت ولاحقت كل فكر اجتهادي تنويري، فارتد إرهابه إلى الجميع. وشجع الغرب حركات التطرف بدعوى حقوق الإنسان وفتح أبواب دوله لهجرة بعضها، لم يدرك حينها أن الشباب من المهاجرين المولودين على أرضه هم تربة صالحة لدعاوى هؤلاء، فهم الجيل الثاني المأزوم بين الانصهار في مجتمعه والقيم التي حملها آباؤهم وترسبت في أعماقهم، ثم عمّق غربتهم وانفصامهم ما تضخه قنوات الفضاء من مجتمعاتهم الأصلية وبلغاتهم من دعوات للارتداد ونبذ الآخر وفتاوى محرضة على الإرهاب في المساجد والصحف والانترنت. ولهذا كان منفذو عمليات لندن من الجيل الثاني للمهاجرين. فعل الغرب هذا لأهدافه الخاصة، وما ارتفاع اسعار البترول مع انخفاض الدولار إلا دليلا دامغا على الخطة الأمريكية للسيطرة على نفط العراق بحجة الإرهاب، ولكنها ومثل الدول الإسلامية التي شجعت حركات التطرف لم تدرك البعد الحقيقي لقدرة هؤلاء وتغولهم وتنظيمهم وانتشارهم، فهبت للتنادي لمقاومتهم عالميا حين جعلوها هدفهم وبعد أن سيطرت على المنطقة. ومهما كانت الدوافع الغربية لتشجيع هؤلاء أو مقاومتهم فإن الفكر الليبرالي والعالم كله سيفوز بمقاومة الإرهاب. ليس الفكر الليبرالي هو صاحب الريادة في التنبيه وإصدار القرار الدولي، بل دماء الأبرياء أينما كانوا، وضحايا الفكر الظلامي الذي سمحت له السياسات المحلية والدولية أن يفتي ويفسر كيفما شاء، ولم تقاومه إلا حين تقاطع مع وجودها، ولكن رب ضارة نافعة. * نقلا عن صحيفة "الدستور" الأردنية