أشعار من السودان الجديد

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 09:28 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-08-2005, 11:11 AM

عز الدين عثمان

تاريخ التسجيل: 06-23-2005
مجموع المشاركات: 411

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
أشعار من السودان الجديد

    كتاب :مدخل إلى شعر المقاومة
    أشعار من جنوب السودان

    لورنس كورباندى
    ترجمة وتقديم :عزالدين عثمان


    اهدانى الصديق والاستاذ المحامى عضو وفد الحركة الشعبية لمفوضية الدستور وعضو لجنة 7 +7 , لورنس كورباندى، وكنت قد التقيته أول مرة فى القاهرة , فى مؤتمر المجتمع الاهلى فى وادى النيل فى 2003م نسخة من كتابه " مدخل إلى شعر المقاومة – اشعار مختاره من جنوب السودان – وقد قررت منذ البداية ترجمته ، كمساهمة فى مسيرة التعرف على بعضنا البعض .
    ولا أود فى هذه الكلمة أن اقدم أى مساهمة نقدية , إذ يستحسن الآن أن يقوم القراء بقراءاتهم الخاصة , ويتعرفوا على هذه الاصوات عبر ذائقتهم المستقلة .
    لاشك أن قدراً ليس باليسير من حطب الحرب التى أرهقت البلاد لاكثر من اربعة عقود , قد اقتطع من غابة الاستعلاء الدينى والثقافى , وتلك غابة استعصمت بها الجماعة المسلمة المستعربة - كما يقول كمال الجزولى – واستسلمت هانئة لادعاء تفوقها العرقى والثقافى والدينى , وحقها، بالنتيجة، فى احتكار السلطة والثروة مما أوردنا هذا الباب من التهلكة والتقتيل . ولإن فتحت نيفاشا الباب أمام اعادة الاعتبار للتعدد والتنوع فى الاديان والثقافات والاعراق , وأمام اقتسام السلطة بعدالة تمكن الذين طالما غيبوا ولم يستسلموا للصمت من الارتقاء إلى سدة الحكم وبكرامة , إلا أنها، أى نيفاشا , ليست حدثاً وانما سيرورة , ووعياً بذلك نجد فى البروتوكولات إشارة لمسائل اللغات والمجموعات الثقافية واعترافاً بأهمية ابتدار مصالحة شاملة وإن لم تعطى هذه المسائل ما تستحق.
    لم تبتدىء المحرقة مع الانقاذ، فهى تحصد منذ ما قبل الاستقلال , ناساً وغابات وحيوانات , لتدل الطبيعة على وحشية الحرب , وتدلنا على ما فينا من بدائية . حسناً للإرهاق الذى ردنا إلى مواجهة الحقائق , التى فشلنا فى مساء لتها منذ الاستقلال واهلاً بالسلام .
    ولأن الحرب لم تبدأ مع الانقاذ , فإنها لن تنتهى بمصالحة يبرمها طرفا الاتفاقية , فليست المصالحة محض عملية سياسية , وانما فى الاساس سيرورة اجتماعية وثقافية ولأنها كذلك فإنها تقتضى اعترافاً بالجرح والمرارات على الضفتين , وبرضوض الأذى التى ربما تعلق بالروح وتعوق اى انفتاح على الأخ الآخر . وإن كانت الحرب تدربنا على أن نرى الحياة , الطبيعة والناس من فوهة البندقية , فإن السلام يدربنا على أن ننحى السلاح جانباً لنرى الحياة بعين الحياة , ولنحققها بأىّ شىء سوى نقيضها الموت , موت الأخ الآخر أوموتنا . وإن اقتضت المصالحة اعترافنا بما الحقنا من الم بالآخر , فهى كذلك تقتضى تصريحاً بما الحقه بنا الآخر من الم ومواجهة ذلك الالم . وهذا الكتاب الذى ننشر ترجمته فيما يلى , تصريحاً من الشعراء المضطهدين بالرضوض التى سببها الاستعلاء .
    وسنرى فيما سننتخب من نماذج شعرية , هولاً عظيماً , فإن ما يصرخ به هؤلاء الشعراء من اعلان عن الآلام والاذى , مثير للاشمئزاز من هول مافعلت نخب متعاقبة بالبشر وثقافاتهم , فى تلك البقعة من الوطن , الامر الذى الحق بعض الخسارة بالشعر ذاته .
    ولسنا فيما يلى بصدد تقديم نقد للاشعار التى سنتنخبها , ليس لتطابق الرأى مع الكاتب لورنس كورباندى , من أن أى نقد سيكون سابقاً لاوانه , لأن تجربة هذا الشعر فى طفولتها , ولأن الظروف العصيبة التى أنتجته تجعلنا , نؤجل السؤال حول شاعرية هذا الشعر , ليس لهذه الاسباب بل لنبدأ بأن نترك الاشعار تبذل نفسها للقراء , وبعدها ربما نسأل تلك الاسئلة .



    إلا أن طغيان المباشرة والهتاف , لدرجة ايراد اسماء وتواريخ ممعنة فى السياسية , غياب المرأة الحبيبة والذات الفردية، وقد لاحظ كورباندى ذلك، الكتابة بلغة اجنبية وغيرها من الاسئلة , لابد أن تفتح للنقاش , لابتدار نيفاشا ثقافية .
    وقد يكون من الظلم كذلك أن ننقد شعراً,هو فى الحقيقة ترجمة, اذ نحن نتذوقه بذاكرة اللغة العربية , ففى كل الاشعار التى ترجمنا , تقريباً , حفاظ على التقفيه فى اللغة الانجليزية, ما كان من الممكن ولم نرى ان من المهم , أن نحافظ عليه بالضرورة فى اللغة العربية , وفى التقفية فى بعض الاحيان مايضفى على النظم الشعرية , وبفقدانها ربما نكون قد سببنا خسارة فى المتعة وظلماً للشاعر ,وقد يكون فى التقفية فى بعض الاحيان ما يخدم وظيفة الطبل فى النداء إلى الحرب وطرح الشاعرية جانباً . على كل ٍ لابد من بعض تريث .
    يكتب هؤلاء الشعراء بلغة غير لغتهم , فهم أبتداءً مترجمون لعواطفهم، فثمة فى ترجمتنا ترجمة مركبة وربما خسارتين .
    فلنكتفى اذاً بفضل تعريف القارىء فى اللغة العربية , بهذا الشعر وهذة الكارثة , مع دعوة مفتوحة للشعراء والمثقفين والكتاب إلى ابتدار نيفاشا ثقافية.










    تمهيد

    لابد لأىّ امة تختبر الحرب , أن تنتج , بالضرورة , أدب حرب وان تاريخ الامم التى خاضت حروباًًَََ, ملىء بهذا النوع من الانتاج الأ دبى , وفى أوقات من مثل تلك الصعوبة , حينما تنخرط امة بكاملها فى حرب عادلة , يمثل شعراء تلك الأمة , بالنتيجة , الصوت الحقيقى للشعب وللأ مة . أنهم المدافعون الملتزمون عن شعبهم المبتلى والمعرّض للخيانة , وهم رمز الوحده بين مواطنيهم المضطهدين.ومن المؤكد أن الشعراء هم الوقود والموّلد للحركه القوميه , ويمثلون كذلك روحاً قومية عامة . لذا فإنه لمن الطبيعي بالتأكيد , أن يصبح شعرهم أداة هامه لحوارٍ بناء بين الامم.
    ويمثل شعراء من مثل , على سبيل المثال , إدوارد لينو , ديانا كوجو , لاتيو لوجادين بتييا لو مارغريتا , باقان أموم وماركو غير نتاجاً لمثل تلك الظروف العصيبة فى تاريخنا . لقد مكنوا الصرخة النابعة من معأناة وآلام شعبهم , من أن تصل إلى أبعد مما لا تستطيع أبصارهم أن تبلغ ، وحتى يتسنى لنا أن نحرز فهماً جيداً ,وطالما أن الأمر ذو صلة بشعر المقاومة الافريقى , فإنه ليجدربنا أن نقول , أن الشعراء المذكورين يواصلون تقاليد الثورة الثقافية الافريقية فى هذا الجزء من القارة . لذا تمثل اعمالهم تأكيداً طبيعياً لما ابتدره ديفيد م ديوب , الذى استمر إنتاجه يمثل وثيقه ثورية وروحاً لأية ثورة افريقية , الآن وعلى تعاقب الأجيال . لقد سُمع ولا يزال يسمع حتى فيما وراء حدود قارتنا :

    انصتو يارفاق المحرقة
    إلى الصرخة السوداء تضطرم
    من افريقيا إلى أمريكا
    انها بشارة الفجر
    بشارة الاخاء التى لابد أن تأتى
    بشارة هى , وللرجال قوتاً لأحلامهم

    { ديوب شاعرسنغالى وشهيد حركة الثورة الافريقية , وواحد من أكثر الشعراء ثورية فى حركة الاستقلال الافريقى فى فترة ما بعد الحرب }
    إنه صوت السودانيين الأفريقيين , الذين يعتبرون من بين أكثر من تعرض للاضطهاد من فى كافة انحاء العالم . لابد لصوتهم الآن من أن يبلغ أبعد من مدى رؤيتهم . ولابد لرفاق المحرقة من ابداء الاهتمام والانصات إلى اصواتهم، إلى صرختهم التى سمعت وغُضّ عنها الطرف , لذا فإن اهتماماً اخوياً لابد منه ,و لابد لسكان العالم الذين يؤمنون حقيقة بالتضامن ويعلون قيمه , أن ينظروا إلى هذه الصرخة من البعيد باعتبارها صرختهم هم ذاتهم، ولقد قمنا باعداد هذا الكتاب , تقديراً لأهمية تقديم هذه الاصوات الخافته والتى لم تبلغ بعدحظاً من النشر، ولذا فقد قمنا بانتخاب بعض الاشعار التى تكشف عن مقاومة للظلم والوحشية , وتطالب بالمساواة والاخوة وسمو النزعة الأنسانية . ونأمل أن لا يوسم هذا العمل المتواضع كحكم , وانما محض تقديم . ولذا فإن الحكم متروك للقراء , ويبقى حقاً تام المشروعية لهم ويشتمل هذا الكتاب من المختارات على جزئين : يكرس الأول لتقديم قراءة وتحليل نقدى للاشعار المتضمنة , ويتولى الجزء الثانى التقديم لبعض الشعراء ولفائدة القارىء نورد بعضاً من اشعارهم . وأود ختاماً أن أعتذر لبعض الشعراء وكذلك لقراءهم , و لأ عبر عن كم كنت آمل أن يجدوا حظهم من التقديم , ولكن , ولسوء الطالع , حالت صعوبة الاتصالات دون ذلك .
    واننى لا نتهز هذه السانحة لأعبر بكل صدق , عن شكرى للسيد لورنس لوال لوال سكرتير التربية والتوجية السابق فى الحركة الشعبية لتحرير السودان , وذلك لتشجيعه لى على



    إصدار هذه المختارات . ولقد تفضل علىّ بكتابة تقديم لهذا الكتاب إبان شغله الوظيفة التى ذكرت , والشكر كذلك موصول لماما أقورى لما وجدته منها من دعم وتشجيع . والشكر كذلك لاصدقائى فى MRQA السيد ثاد رايدبيرغ لمجهوده السخى فى قراءة الكتاب قبل دفعه إلى المطبعة واخيراً وليس آخراً , اعبر عن شكرى العميق للسيد ياك اتيم لما قام به من قراءة ختامية قبل طباعة الكتاب
    كوربا ندى
    { نيروبى , اغسطس 1994م . }


    هاجس الشعراء

    رائياً ما يعانيه شعبه من إضطهاد , لم يهدأ مطلقاً، لباقان أموم ضمير . إنه , وكآخرين كثر أمثال ماركو جيرى , بيتيا لو ما رغريتا , لاتيو لوجادين وغيرهم , يبدون بالغ الاهتمام بأغنيات التحرر . ولذا يتمثل هاجسمهم الاوحد فى تحرير الأرض , الناس والعقل , وتلك عندهم هى الطريق الوحيدة لبلوغ حل دائم : السلام , العدالة والمساواة :-
    اقاتل من اجل ما يستحقة الأنسان
    من اجل ما استحقة أنا , أنا ذاتى , كأنسان

    {باقان Update 19/9/1993}
    يعى باقان أموم أن عليه مواجهة عدد من الحقائق . ولقد تمتع بأمانة أهلته إلى أن لا يواصل التحيزات والكراهية غير المنصفة : لم علىّ أن اكره من هو مثلى ؟ يحدد باقان بوضوح أزمة الجنوبيين :- القبلية , الزعامة , الكراهية والانقسام وإلى آخر قائمة تطول . بالنسبة لباقان تبدأ الثورة من داخله كفرد . ويعتقد المرء أحياناً , أن باقان يتمتع بواقعية تدفعة إلى حب الانسان لذاته , غض النظر عن هفواته وأفعاله الخاطئة , لذا فهو لا يتردد فى تلك الاستجابة :-
    لا أسعى , مطلقاً , لأعاقب أياً من كان
    وإنما لأرده إلى الصواب
    وهكذا فإن القوة الخلاقة فى قصيدته " أكره لأكره " , تتمثل فى سعى لتحقيق إنسان خيّر , سعى نحو الخير وليس الشر , نحو الحب لا الكراهية .
    لن اكره احداً مطلقاً
    وإن أجبرت على قتل إنسان
    أو أكثر فى حروب الثورة
    لاأكره أحداً مطلقاً
    ولو من صفوف العدو
    ولم اكره من هو بشر مثلى !
    لا أسعى , مطلقاً , لآعاقب أيا من كان
    وإنما لأرده إلى الصواب
    لست طالب ثأرٍ يا رجل !
    وإنما اكّد لأخضع ذلك الذى
    يتحرق لإضطهاد الآخر
    ولكننى احبه كونه إنسان
    {باقان أموم , Update سبتمبر 1993}
    يعى باقان أن ليس ثمة طريق آخر نحو الحرية , ولذا فإنه يدعو إلى الوحدة :-
    كفى شقاقاً
    لا يسار ولا يمين
    ليتحد المضطهدون
    لنتحد

    لنقاتل
    غداً أكثر أشراقاً
    ونحن يدُُُُُُُُُ واحدة
    {اعلاه}





    بذا يجنّد باقان أموم , العديد منا للانخراط فى النشاط الثورى , ولنقاتل ولكن فى إتحاد:

    على الجميع أن يقاتلوا
    فليس من طريق للهرب
    لابد للجنوب أن يتوحد
    لنتخطى مآزق عديدة
    {باقان أموم , Update 26/9/1993م}

    يدافع باقان , عبر مقارنة بارزة , عن الذين قمطوا حقوقهم :-

    الليل عدو الفجر
    ليس الاسود ولاالابيض
    لا عرق نقاتل ولا معتقد
    نقاتل لننال ما نستحق
    من اجل الحقوق
    هذا هو القتال
    {باقان أعلاه }

    فى قصيدته : إنس جرحك : يفعل ماركو غير ذات الأمر , فهو يدعو جميع المقاتلين من أجل الحرية , ويثيرهم بضربات طبول الحرب :-
    بم , بم , بم .......... تلهم هذه الضربات والاصوات الغريزية , وتوقظ العواطف فى جميع المقاتلين النبلاء , الذين يسمون بقيم المجد والشرف على الحياة . إن قرع ماركو لطبول الحرب , ليس محض دعوة للمقاتلين ليحملوا اسلحتهم , وانما وفوق ذلك , تحذير من قوة العدو :
    بُم , بُم , بُم , بُم
    أنا أقرع الطبل
    طبل أبى وأسلافى
    طبل أهلى وأمتى
    فالاعداء أقوياء
    لنضم أيادينا
    لنصبح اقوى
    {غير , Update24 /10/1993 }

    إن الظفر بالنصر على الاعداء , من ناحية , ليس مزحة . ومن ناحية أخرى فإن النصر هو الأساس , لتحقيق الحرية والمساواة . ينعكس هذا الاصرار والتصميم فى العديد من الاعمال, إن لم يكن فيها جميعاً :-
    ليس من قوه على الارض
    ترد روحى المصممة
    سأقاتل لأجل كرامتى
    ولأسترد فخرى
    لأننى أود أن أغنى الحرية
    { لاتبولوجادين Update 24/10/1993م}




    الهوية والثقافة فى شعر المقاومة :-


    على الراجح , أن الحدث الأكثر أهمية , فى تاريخ السودان الجديد إنما يتمثل فى التأكيد الخلاق , الذى تمثلة اعمال الشعراء الشباب من جنوبيى السودان، والذى يستعيد ويؤكّد الحركة الافريقية، ويهدف كذلك إلى أن يحررهم روحياً , من اليأس والألم , ومادياً من أى شكل من أشكال العبودية والإملاق , ويمنحهم على المستوى الثقافى , القدرة على رد الاعتبار لثقافتهم المخّربة
    على العموم , فلقد كان العديد من السودانيين من الأصول الأفريقية , وإلى ما قبل انفجار الحرب الحالية , قد حيدوا عمداً , أودفعوا إلى الاضطراب فيما يتعلق بتحديد هويتهم الثقافية وصلتها بمجتمعاتهم . حتى أن البعض , وأنا من بينهم، داخله اعتقاد بأن تحدثه بلغة أفريقية أصلية وليس العربية أو الانجليزية , هو مظهر بدائية , ولكن الأمر تغير اليوم . ففى قصيدته . ولدت فقيراً يتخلص ماركو غير من ذلك الاضطراب :

    لايد لى فى اختيار من ولدنى
    والدى السيد
    أو والدى العبد الفقير
    أفضل أن أكون من أب أسود وفقير
    وأرتدى ثياباً ممزقة
    طوال حياتى
    من أكون عبداً فى ثياب أنيقة
    {جيرى Update 12/9/1993}

    أصبح الرفض لأى تأثير تقافى وافد , وفى أى منحىً من مناحى الحياة اليومية , الفكرة المركزية التى تأخذ بالشعراء وتفرض نفسها على أعمالهم الابداعية، ويتوجه هذا الرفض , فى المقام الأول , نحو الثقافة العربية الإسلامية , بإعتبارها الأكثر اضطهاداً للثقافة الافريقية فى تاريخنا الحديث . ويرجع ذلك لسياسات التعريب والأسلمة القسريتين , واللتين استهدفتا غير العرب فى جنوب السودان . ويصّور ماثيانق بيور ذلك فى قصيدته " الأسلمة الكونية "

    هل المال والسيف من سياسة الله
    فليصبح الافريقيون عرب
    وليصبح الانسان عربى
    الأسلمة الكونية هى التعريب الكونى
    { بيور Update 17-24 /10/1993م }

    عوداً إلى الوراء إلى الحرب الأهلية الأولى , لم يكن شعر المقاومة يمثل جزءاً جوهرياً فى النضال القومى . أما اليوم فيعتبر شعر المقاومة جزء لا يتجزأ من كامل النضال القومى من أجل الهوية الذاتية والحفاظ على الثقافة. وبألتاكيد فإن الأدب السياسى كان واضحاً , فى الحرب الأولى التى قادتها حركة انيانيا . ولابد من الإقرار بأن شعر المقاومة الحالى , هو وليد طبيعى وشرعى للنضال الأول { 1955- 1972 } الذى ايقظ الوعى القومى , وأثار مسألة وضع ثقافتنا المزدراة , وخلف جيلاً مصمماً تعلم من تجربة الماضى القريب . ومن بعد ونتيجة للتفهم بدأت الهوية الثقافية للشعب تستعيد كرامتها المضيّعة , عبر تنامى الاعمال الابداعية التى انتجها شعراء نا الشباب فى السودان الجديد , الأمر الذى أرخ لعهد جديد , وصرح ببعض الآمال .
    يعلمنا تاريخ حركات التمرد , على نطاق العالم , أن أىّ نضال سياسى , لا معنى له إذا لم تماكبه حركة ثقافية . ذلك أن القيم الثقافية هى وحدها القادرة على الهام الناس و وحفز فخارهم الجماعى . إن الناس مستعدين أن يحيوا ويموتو من أجل هويتهم المتميزة .

    يقف السودان الجديد , وفى وقتنا الراهن , شاهداً على شعر المقاومة المتسم بالافريقانية . وفى قصيدته " الأسلمة الكونية " تمثل افريقية الهوية الثقافية لدى ماثيانق بيور , الفكرة المركزية فى أطروحته، والتى تمثل مصدر حركة المقاومة والتى لأجلها يصمد المرء ويهب روحه وإن كان وحده :-
    الافريقى الأسود
    أمسك وحش الجاموس من قرنية
    إلا أن أحداً لم يجرؤ علىمساعدته .
    سّد المحيط العظيم
    ولا يد تقدر أن تمتد بالمساعدة
    وقف وجهاً لوجه أمام الدمار
    وعصف الاعصار
    ولم يجد من الناس سوى الضحك

    تتمثل قوه الخلق فى هذه الابيات , فى الاستخدام الرمزى للغة بما يهب قوه تعبيرية شعرية { امساك وحش الجاموس , سّد المحيط العظيم , مواجهة الدمار وعصف الاعصار,
    فى قصيدته " أفريقيا " يفعل لاتيولوجادين ذات الأمر , فهو يحاجج من أجل وحـدة افريقيا {رمزيا, هى وحدة الجنوبيين إن أردت } لينقذ الجنوب وشعبه من الجهل .
    افريقيا
    اماًماً أفريقيا
    إلى الامام
    إلى الأمام ياوطن الاجداد
    كنزك , حسدُ الآخرين !
    اليست افريقيا شعباً واحداً ؟
    مالم يوحد القادة والمثقفون
    فى أفريقيا
    افكارهم , أقوالهم , وأفعالهم
    فلا أمل لنهوض هذا المارد
    الذى بلا حيلة
    لن يفعل ذلك احدُُ ُ نيابة عنا
    أرض الوفرة هى , أفريقيا
    وعلى فقرها لا تزال
    لابد لأفريقيا أن تتحد
    لابد لأرض الصمود الطويل
    من شعب واحد وصوت واحد
    أفريقيا واحدة متحدة
    { لوجادين Update 21/3/1994م }

    بمقاربة القومية الثقافية بهذه الطريقة , يشخص شعر المقاومة من ناحية عامة , نضال المضطهدين من أية أمّة . وهكذا فإن شعر المقاومة فى السودان الجديد , الذى يعكس فى طبيعته رياح تغيير شامل , ليس بعيداً من هذه الحقيقة البارزة .




    الاحتجاج على العبودية والإملاق

    تمثل العبودية التى أودت بالعديدين , إلى الحالة الراهنة من الاملاق , فكرة مركزية أخرى تستحوذ على الطاقة الإبداعية للشعراء ’ فعلى سبيل المثال , يقول ماركوغير :-

    ولدت فقيراً وأعيش فقيراً
    وفقيراً أموت
    لكننى لن أقبل بالأزدراء والهزيمة
    إلى أن أموت
    وأفضل أن أهيم فى البرية كحيوان
    من أن أقبل بالعبودية
    { غير , Update12/9/1993م }

    إلا أن ماركو غير , لايقصد من وراء إقراره بحقيقة أنه ولد فقيراً وانه يعيش ويموت فقيراً , أن يظهر عجزه , بل أن يتطابق مع طبقته العاملة التى ينتمى أليها .
    فى قصيدته " بعيداً عن الوطن ولكن فى قلبه " يفعل بتييا لو مارغريتا ذات الأمر , وهو يظهر ولاءً شديداً للتقاليد , وفخراً بتنوير طبقته العاملة :-

    عندها سنضحى من أجل أسلافنا
    ونسألهم بركتهم المقدسة
    عندها , وسوياً
    سنكرع من القرعة ذاتها
    وسوياً نلتهم المرق الذى سنطهوه
    على نار الاحجار الثلاث
    ونخمد جوعنا إلى كل ماتقتا إليه
    وفى النهاية
    نضع السيف ونجر المحراث
    { بتييا لو مارغريتا , Update 12/9/1993م }

    إن العبودية والاملاق , اللذان يصورهما شعر ماركو جيرى وبيتييا لو مارغريتا ليذكر المرء باعمال ديفيد ديوب , السنغالى وشاعر الثورة الأفريقية ووليد حركة الاستقلال الأفريقية فى فترة مابعد الحرب :- تألم أيها الزنجى الأسود
    للسوط صليله
    يحز ظهرك الذى من عرقٍ ودم
    تألم
    فألنهار طويل
    طويل بما يكفى لتنوء بحمل العاج الابيض
    لسيدك الابيض
    اطفالك جوعى
    جوعى وكوخك خاوٍ
    خاوٍ من زوجتك النائمة
    نائمة فى مضجع السيد
    تألم أيها الزنجى الأسود
    عبدُ ُ وأسود كالبؤس
    { Ahmed Shekh, The African Dawn pg 24}
    الأسلمة وشعر المقاومة
    الفجر فى مواجهة الليل
    ليس الأسود ولا الأبيض
    لا عرق لنقاتله
    ولامعتقد
    هذاما ينبغى أن يكون . لاعرق لتقاتله ولا معتقد . وهذا ما يراه شاعر الحب والسلام باقان أموم ولكن وعلى الرغم من ذلك فثمة تطهير عرقى وعنف يتوسل بالدين . والعنف وحده يشغل حيزاً مقدراً , من أبداع لاتيوجادين الذى يرسم صورة واضحة عن هذه الاهانة
    مخضعاً , مضطهداً , مهاناً
    مسلوب الإنسانية ومزدرىً
    مشدوداً إلى الفقر بالسلاسل
    إلى المرض والجهل، اليأس والتخلف
    إلى العدم
    فى ضوء الصراع الاسلامى المسيحى فى السودان , يصور لاتيو لو جادين , الاحتقار الدينى والعنف الذى ارتكبه الاخوان المسلمون :-
    هذه الآلهة المقيمة على الأرض
    ظالمة وبلا شفقة
    بلا ألوهية
    إذ فقد شول يديه وقدميه
    فى سبتمبر
    وضُرب وانى بالعصى
    سبتمبر
    حيث رجم كولو بالحجارة
    وعلق طه على حبل

    وهذا هو السبب الذى دفع لاتيو , إلى حمل البندقية للقتال من أجل الكرامة الانسانية , أو من أجل معتقده المسيحى إن شئت .
    من أجل كرامتى سأقاتل
    لاسترد فخرى والذى استحق

    إلا أن ماثيانق بيور , يرى الصراع الاسلامى المسيحى كصراع كونى , يهدد السلام العالمى , إذ هو عنده ليس مجرد تهديد للمسيحيين من السودانيين الجنوبيين , وفى قصيدته " الأسلمة الكونية " ينشد ماثيانق :-
    الأسلمة الكونية !
    التعريب الكونى !
    فليصبح اليهود عرب
    الامريكيون , الالمانيون والافريقيون
    ليصبح الأنسان عربى
    الأسلمة الكونية هى التعريب الكونى
    ولكن الأفريقى الأسود
    أمسك وحش الجاموس من قرنيه
    ولم يجرؤ أحد على المساعدة
    سدّ المحيط العظيم
    ولا يد تمتد بالمساعدة
    وقف وجها لوجه أمام الدمار
    وعصف الإعصار
    ولم يجد من الناس سوى الضحك
    محذراً العالم من هذا التهديد , يقول ما ثيانق :
    إذا ترك الأفريقى كالمنبوذ
    لوحش الجاموس , المحيط العظيم
    الدمار وعصف الاعصار
    عندها سيسبح العالم فى محيط من الدم
    ويغرق فى المحيط العظيم
    تنشق الجبال وتستوى بالأرض
    وعندها لن يكون ثمة عرب ولا أمريكيون
    المانيون أو يهود
    أفريقيون أو بريطانيون
    لا إله وبشر
    فقط إله ورجل
    {ماثيانق Update17/24-10/1993م}

    المرأه والتقاليد فى شعر المقاومة

    يتضح ومن الوهلة الأولى , أن اشعار بيتييا لو مارغريتا , تهتم بموضوعات المرأة والتقاليد . وتمثل المرأة فى شعره منحيين :- الوطن وعلاقات الحب الإنسانى . وتمثل التقاليد الماضى العظيم , الموروث الثقافى والاستمرارية والدوام . لذا يحتفى لو مارغريتا بالتقاليد والاعراف ويحب وطنه الأصلى :
    فى الذهن عالقة هى
    التقاليد والاعراف
    إلىّ إلىّ
    سلوى تزّين كل يوم
    حيث كتفاً إلى كتف
    نبنى من جديد أرضنا الأم
    وعندها نبذل التضحيات للأسلاف
    ونسألهم بركتهم المقدسة
    {لاتيو لومارغريتا Update 12/9/1993م }

    فى قصيدته " حق المرأة " يجرى ماركو جيرى على ذات النحو , فهو يعترف عاطفياً , بما للمرأة من حقوق , مقدرا دورها فى حركة الثورة , ومضفياًً عليه شرعية :-

    حقوق المرأة
    معترف بها على قدم المساواة مع الرجل
    كمقاتلة وكفنانة موهوبة
    أنه حق يحظى بأعتراف واسع
    فى حركتنا

    يحقق فهم جيرى المهذب فى حق المرأة , من ناحية , ارضاءً , الا أنه , ومن ناحية أخرى , يظهر تفوق الرجل على المرأة , ويعكس سلوكاً مسيطراً أكثر من تساوٍ فى الحقوق .
    إنه يضع حق المرأة , جذرياً , على الضفة الأخرى من النهر ما لم تطالب بحريتها وحرية رفيقاتها، دون ذلك فإنها لن تحظى بالحب أو الاعتراف :-
    للمرأة دور حيوى
    فى كل مناحى الحياة فى مجتمعنا
    وحركتنا الثورية لهى أكثر أستعداداً
    لتقدم دعمها الحانى لأية أمرأة
    تطالب بالحرية لها ولرفيقاتها
    { ماركو جيرى ابديت 19/9/1993م}
    على كلٍ , فإن فهم ماركو جيرى للمرأة مثير للأعجاب ولكنه محل تساؤل.
    مراثى

    فى مرثيتة " ناخو يا صديقى " والتى كتبها فى رحيل رفيقه ناخو , ينشد باقان أموم:
    ناخو صديقى
    رفيقى إلى الأبد
    من أجل الأرض مات
    ولا يلام أحد
    لقد عشق وطننا الأم
    ومنحها ما يملكه من دم
    من أجل قوت الفقراء مات
    من أجل ما هو طيب
    { باقان , ابديت 17/10/1993 }

    الدين والمعتقد فى شعر المقاومة :-
    "لاتيو لو جادين وبيتيا مارغريتا , تطابق الرؤيا قى قصيدتين "

    بوعى أو دون وعى , أصبح التعبير الدينى ثمةالشخصية الأدبية , لكل من لاتيو لوجادين وبتييا مارغريتا , مشكلاً بذلك جزءاً اساسيا فىً تطورهما الأدبى وتطور شخصيتيهما , على نحو يبدو فيه التعبير الدينى فكرة مسبقة السيطرة على ابداعهما .اذ قاما فى عملهما المتميز , المنشور فى أوراق الحركة / الجيش / الشعبى لتحرير السودان Update , بإثارة موضوعات موروث الأسلاف والديانة الاصلية فى أكثر من مناسبة . لذا يمكن النظر إلى فكرة العودة إلى الأصول { الديانات الأصلية } لديهما , كألتزام خالد لأجل تمثيل الماضى كما يفصح لاتيو لوجادين :-

    فضلاً , تذكر رسالة الأسلاف
    تذكر أنك تشكل حرساً لإرثهم
    لمعتقدات أهلك
    وأنك لن تستجيب للطرق الوافدة
    التى ستغيرك إلى الأبد
    { لاتيو لو جادين Update فبراير 27/94 }

    يتمثل واحدُ ُ من اسوأ تأثيرات الأسلمة والتبشير المسيحى , بلا شك , قمع الديانات الأصلية , والذى يحاول لاتيو لو جادين وبتييا مارغريتا, التغلب عليه فى أشعارهما . وهما يريان انه لابد من ثورة فى الروح لعبادة الأسلاف والتضحية من أجلهم وطلب بركتهم المقدسة . ولكن الاسلام وحده , وليست المسيحية، هو الذى خلف هذه الأزمات , إذ اجبر ولا يزال , الكثيرين على المغادرة إلى المنافى والموت هناك { لاتيو جادين ذاته يقف مثالاً حياً على ذلك إذ مات فى المنفى فى 1996 } . والاسلام وحده هو الذى فرض الحرب على أطفال الجنوب وفرض عليهم اليتم , وفوق ذلك حرمهم من الطعام كما تورد ذلك أكول رينى ذات التسعة عشر عاماً ,


    فى إحدى قصائدها:
    ثمة حرب تحتدم فى السودان
    بين جنوبه وشماله
    لقد جلبت الجوع بيدٍٍ , وبأخرى الألم
    وتركت العديدين نهباً للاملاق
    كم ارغب أن تنتهى الحرب
    كسحاب خفيف ، وترحل
    {أكول رينى ، أبديت 14 /1 / 1994 }

    ليس مما يكلف المرء عناءً , أن يفهم و يترجم , أو يرى نزعة ثورة الروح فى قصيدة بتييا " بعيداً عن الوطن وفى قلبه " Update 12/9/1993" . انه ينطق بلسان الزلزال والثورة , محتفظاً بقوة , بافتخاره بجنوبيته , ويمثل الجنوب بالنسبة اليه , تقاليد الأسلاف , الأعراف والديانات الأصلية , الموروث الثقافى والقيم الشعبية والتى يتوجب استعادتها وإعادة إمتلاكها , ذلك أنه اكتشف أن العوالم التى ثمنّا بعضاً من تقاليدها , وتعلمنا لغاتها , ليس لديها الكثير لتهبنا سوى مستقبل كئيب :-
    ولدنا لاجئين ولاتزال هناك
    والايام القليلةالتى انفقناها فى الوطن
    غيرت نظرتنا إلى الحياه
    واوقعتنا امُّنا الأرض فى شراكٍ من الحب
    وفى الذهن عالقه هى
    التقاليد والاعراف
    إلىّ إلىّ
    سلوى تزّين كل يوم
    بفخر عظيم , كجنوبيين نقف
    بهامات مرفوعة
    نتقدم فى عالم لا يعدنا
    سوى غدٍ مؤسف
    حيث كتفاً إلى كتف
    نبنى من جديد أرض وطننا البكر
    وعندها سنبذل التضحيات من أجل الأسلاف
    ونطلب بركتهم المقدسة

    لإعادة احياء القيم الدينية للأسلاف , ولاستعادة الاعتزاز الجماعى وبناء الأرض البكر , لابد من ثورة شاملة،وفى قلبها ثورة روحية . بالنسبة للاتيو لوجادين ولو مارغريتا , فإن لغة , ثقافة ودين الأسلاف هى المحدد لموروث وطننا العظيم , والتى ستحل محل سواها. إن فكرة إستخدام كلمات مثل " نحن " و " الآخر" تعود ببساطة، إلى الرغبة فى توكيد التماهى الجماعى أو تأكيد الذات . انها تعنى اننا مختلفون عن الآخرين , أن لغة , ثقافة ودين أسلافنا مختلف عن لغة , ثقافة ودين الآخرين , على الرغم من أننا , نتقاسم جميعاً إنسانية كونية . لذا لابد أن نعكس اختلافنا كشعب وكأمة.
    لا يتأتى التزام شاعرٍ ما جانب الأمة تلقائياً . وفى حالة السودان الجديد , ينتج التزام شعراء المقاومة , مثل لوجادين، لومارغريتا والآخرين , عن البؤس الذى يسود البيئة العامة لحياتهم : حرب عصيبة, المعاناة اليومية والاحباط المنتظم . ذلك على الرغم من أن هذه المشاكل تعالج فى بعض الاحيان , وليس دائماً , بشىء من الفقر الشعرى , الذى ربما نتج عن الافتقار إلى نضج الشاعرية وقلة الخبرة , أو لأن هؤلاء الشعراء ما زالوا فى بداية تجربتهم . إلا أن الشىءالجيد والذى لا يمكن انكاره , هو أن شعراؤنا يترجمون ، ببساطة فائقة، أوجاعهم الداخلية وقلقهم ويتقلون ذلك إلى العالم المعاصر . إنهم يصلون الجمهور بلغة مباشرة , ويكمن فى ذلك سر فعالية رسالتهم الأمر الذى يظهر مسئولية الفنان فى سيرورة النضال الاجتماعى السياسى . لابد من الاعتراف , كما فعلت سابقاً عند الحديث عن الثقافة والهوية أن من المشجع جداً , أن السودان الجديد يقف شاهداً على شعر المقاومة المعاصر . لقد نظر اغلب الكتاب الافريقيون , وطول سنوات التحرر الوطنى بتشكك فى كل المؤسسات الاستعمارية بما فيهاالكنيسة , إلا أن هذا التساؤل أقل شأناً فى أدبنا السياسى المعاصر . ذلك أن بداية نضالنا تزامنت مع أفرقة الكنيسة على نحو كبير , ومع إدراك – منذ ما قبل استقلال السودان 1956_ الكنيسة أن دورها لا يقتصر على تنصير جنوب السودان , وانما يمتد إلى حماية الجنوبيين من اشكال التمييز كافة . ولقد قامت الكنيسة ولا زالت تقوم بهذا الدور. وفى السودان الجديد , على أيامنا هذه , تبدى الكنيسة وقادتها أهتماماً بمحنة الناس أكبر من أى وقت مضى . وتلعب الكنيسة دوراً حيوياً فى الدفاع عن حقوق الشعب .
    لذا , وبهذا الفهم , آمل أن لا يساء فهم نقاشى حول الدين والمعتقد .
    شعر المقاومة فى السودان الجديد
    الشفاهة والكتابة

    يمتلك السودان الجديد , وكأى مجتمع افريقى , تراثاً هائلاً من الشعر الأفريقى الشفاهى . ويجد الشعر امتداده فى الجذور الاجتماعية .فى مواضيع الحب والسخرية ’ فى الحصاد واحتفالاته , فى الولاده والموت , فى الارواح والأساطير , فى المديح والهجاء وفى الحرب والسلام ......... الخ ويمثل كتاب د . فرانسيس دينق " الدينكا وأغانيهم " نموذجاً جيداً لهذا الشعر .
    ان من المناسب والمتوافق فى هذا المقال، الإشارة إلى مدراقى مبيرى وهو شاعر من قبيلة المورو , لازالت أغانية معروفة فى مناطق المورو وللسيد مبيرى أشعار حرب مميزة . وفى حدود القبيلة يعرف مجتمع المورو العديد من الشعراء كالسيد مبيرى , ريتى ماتتى , روبرت بونا ، ميرسى حسين ابيدينيقو ,جون باريونا ... وهذا عدد قليل، ويتوجب تناول اسهام هؤلاء الشعراء على نحو مستقل , ذلك ما سنفعله لاحقاً من خلال مناقشة الشعر الشفاهى فى أرض المورو.
    كان مبيرى مقاتلاً شجاعاً فى الأنيانيا , وكان يظهر خلال قتاله للعدو سمات التضحية بالنفس وقد وصف فى أحد اشعاره الشفاهية معركة وأداها فى شكل من اشكال دراما المورو التقليدية:

    كمنّا فى الوادى
    لقتال العرب
    قاتلناهم
    حتى صرخت جيوشهم
    وبينما نحن فى الوادى
    قاتلنا العرب
    وأرديناهم
    فصرخ الغرباء
    خدعناهم
    وصعدنا إلى تلة
    لنرى جثثهم
    بقى بعضهم ليحرق الوادى الذى هجرناه
    من التلة رأيناهم
    وضحكنا






    شعر المقاومة فى السودان الجديد
    الشفاهة والكتابة

    ثمة تأثير واضح للشعر الشفاهى , على شعر المقاومة المكتوب , ومن المؤكد أن ثمة تشابه بائن لا يحتاج لتأكيد , لأى قارىء متابع لشعر المقاومة فى السودان الجديد . وهذا ما يقودنا إلى القول أن الجنسين – الشفاهى والمكتوب – أكثر اهتماماً بالخبرة الجماعية من الفردية.
    يركّز الشعر عند مبيرى , وكذلك عند باقان أموم , لاتيو لوجادين , ماركو والآخرين , على عكس المشاكل العامة وترجمة الروح الداخلية للشعب وآماله فى الحرية . وهذه المقاربة تجعل الفردية أقل أهمية من الجماعية ، وهذه طريقة خطرة على الفنان , إذ أن أى فنان , ببساطة , يعرف نفسه أكثر من أى شخص آخر . ومن اليسير أن نلاحظ أن هذه الاوقات العصيبة التى نعيشها تترك أثراً واضحاً على اعمال شعرائنا . ويتجلى تأثير المعاناة اليومية , والاحباط المنتظم والمأساة فى تشكيل شعرائنا , فى الغياب الكامل للعديد من الموضوعات كالحب وعالم الطبيعة .
    تحاول ديانا كوجو ’ أحياناً , مقاربة مثل هذه الموضوعات . وهى، كونها إمرأة، مليئة بالحب على الرغم من أنها منعت منه , ويبقى ارتباطها بالوطن راسخاً . لقد اخبرت شعبها المضطهد , وبنبل كبير , أن لا يبحث عن الحب والسلوى إلا فى عالم الطبيعة . من قصيدتهامثابرة قليلا:
    فى وطننا
    تجد السلوى فى وحشة البرية
    وتحت شجرة
    تجد ظلاً بارداً
    وتستلقى تحت الصخور
    عميقاً , فى وادى سوبيرى ذو الخضرة المزمنة
    والذىتشرب منه بقائك
    ملتهماً تراب بلدك الأم
    {25/4/1994Update}

    تقول إحدى أساطير المورو أن المرء عندما يأكل من تراب أرضه , قبل الذهاب إلى معركة دفاعا عن الوطن والشعب ضد العدو , فإنه انما يظهر حبه العميق للأرض والشعب وبذلك لا شىء سيصيبه اثناء المعركة . ولشعرنا الشفاهى جذور عميقة فى مثل هذه الأساطير وغيرها من الافكار الاجتماعية . إن من المتوقع والمأمول , أن يجد شعرنا الشفاهى والغنى الثقافى , فى الفترة المعاصره فى سيرورة نضالنا السياسى والاجتماعى ,حظه من التدوين . ويواجه الفنان فى عمليه التدوين مسئولية مزدوجة , إذ يوجه رسالة إلى المضطهدين – بكسر الهاء – الذين قمعوا ثقافات الشعوب – فى مجتمعات سودانية مختلفة – ويخلق فى ذات الوقت رابطة قوية بالآدب الشفاهى عبر تدوين أى قدر من هذا الثراء، ولقد شرعت ال Update بالفعل فى القيام بتلك المهمة , بمبادرتها إلى تدوين تاريخ اللاتوهو الشفاهى .
    للاسهام فى الأدب العالمى , لا بد من أشتغال كبير على الشعر الشفاهى للمجموعات اللغوية الرئيسة فى السودان الجديد،ولا يعنى هذا ، بالضرورة،مراكمة الميول القبلية فى مجتمعاتنا . بذا , سيمكن هذا العمل من تجميع الشعر الشفاهى فى السودان الجديد، بالتوازى مع تجميع شعر المقاومة المكتوب ,ويكمن الجيدفى أدبنا الشفاهى، فيما اعلم ويعلم كذلك المهتمون , فى الشكل ( الغنائى ) الشعرى .
    ولتنقيح هذا الثراء الثقافى , فلا بد من حركة تقافية متميزة تتماكب مع حركتنا السياسية فى السودان الجديد : ذلك أن إعادة بناء مستقبلنا الثقافى لا تقل أهمية عن سيرورة تغيير الهياكل السياسية فى كامل مجتمعنا , ولربما تكون المهمة الأولى أكثر صعوبة . لذا يمثل هذا العمل , ضرورة ملحة لترجمة وتحليل ونقل شعرنا الشفاهى وثقافتنا لاجيالنا القادمة . ذلك أن الماضى لايبقى حياً إلا ببعث هذا الموروث الثقافى .
    شعر المقاومة والزنوجة

    يعّرف سنغورر الزنوجة :- " الكل المركب من القيم الثقافية , الاجتماعية , الاقتصادية والسياسية التى تميز الافريقى الاسود " . أو أنها تمثل شيئين " الوجود الأفريقى والثقافة الأفريقية " وهذا هو تعريف الشاعر الملاغاسى جاك راييما تنجارا ( راجع كتابنا\ مقدمه إلى
    الأدب الافريقى المكتوب / موسوعة مصغرة فى 155 صفحة صدرت بالعربية فى بغداد 1987)
    ليس امراً متأخراً , أن تمثل الزنوجة نفسها فى شعر المقاومة فى السودان الجديد . كما أنه ليس بالأمر الشاذ أن يتماهى شعرنا المقاوم فى الزنوجة ويتسمى بها ! وإن النقيض من ذلك هو النشاز , ذلك أنه , وكفكرة انسانية , فإن المشاعر الزنجية تنتمى فى كل الاوقات لكل الناس الافريقيين السود والمجتمع الزنجى فى كافة انحاء العالم , وهكذا يرى لاتيو لوجادين الوضع :-

    من أنا
    اننى السودان
    افريقى
    جميل وأسود
    ولا يفوقنى احد
    { لاتيو لو جادين Update 20/6/2994م }

    لقد وضع ايمى سيزار وليوبولد سنغور , وغيرهم من رواد الزنوجة الأساس لهذه الفلسفة الأفريقية . فلم يحدث أن نظموا شعراً دون الغناء بالثقافة السوداء وذلك على الرغم من أن الزنوجة , فهمت فى مراحلها الباكرة كفكرة ممعنه فى العنصرية انتجتها عقول السود والفكر الأفريقى . إلا هذا الحكم الخاطىء ضد الزنوجة , وكذلك ضد مفهوم اللون الاسود قد شهد انحساراً . وبالنسبة الينا كزنوج (سود ) فلا بد من التسامح مع هؤلاء الكتاب والنقاد , إذ أنهم قد دخلوا الحياه العامة قبل بزوغ الوعى الافريقى , الوعى الذى قاد إلى فجر افريقيا .
    لا يمثل الشعر الأفريقى الزنجى فى احتفائه باللون السود كأكثر الالوان جمالاً , عنصرية أو تعصباً , وانما يمثل , فيما يبدو , رد فعل طبيعى على الطريقة العدوانية والمنتهكة , والسلوك المتسلط الذى مارسته الثقافة العربية ضد الثقافة الافريقية فى هذه الامة المميزة فى السودان . ولذلك فهو يمثل محاولة لمراكمة المقاومة الادبية وفى ذات الوقت محاولة لهد الجدار السميك الذى شادته الثقافة العربية بغية طمس الموروث الثقافى الافريقى فى السودان
    ويتمثل دافع آخر نحو تمجيد اللون الاسود , فى شعر المقاومة , فى محاولة احياء ثقافى لمشاعر الزنوجة فى السودانيين السود لضمان استمرار نضالهم الثقافى .
    لذا تمثل الزنوجة مستودع الثقافة الافريقية . وبهذا يتعين أن ندرك قصيدة لاتيو لوجادين " من أنا " الزنجية الطابع , لاباعتبارها مخططة بوعى , وانما نتاجاً لاحساس تلقائى بمحض كونه أفريقى وزنجى . وهو لا يبحث , بالنتيجة , عن جذور لهويته , ولا إلى خلق عالمه الخاص . إنه شخص يتمتع بهوية ثقافية وانه انما يقول ما قاله لأنه منع بوحشية من التعبير عن نفسه كافريقى أسود . وتمثل الزنوجة , فى مثل هذه الاوقات العصيبة , رفضاً ثقافياً , وفى ذات الوقت فهى تنطوى على الجمالية الأدبية للإبداع الزنجى، إذ أن الزنوجة هى فى النهاية خلق فنى .
    وقد اوضح الشاعر الغانى ليون داماس استحالة أن يصبح الرجل الابيض اسوداً , لانه :-
    الجمال أسود
    والحكمة سوداء
    الايقاع اسود
    وكذلك الذى يجذب
    الرقص أسود
    والفن

    وذلك هو ما قاد لاتيو لوجادين ليقول , باستحالة أن يصبح العربى أسود , لأنه :-

    نحن سود وجميلون
    ولا يفوقنا أحد
    بلسان مختلف
    ودين مختلف
    ثقافة مختلفة
    واعراف مختلفة

    لقد موقعت معالجة هويتنا الثقافية عبر المشاعر الزنجية , نضالنا الثقافى فى الطريق الصواب,
    إذ لعبت الزنوجة دوراً , وعلى مدى سنوات التحرر الافريقى , عظيماً ومميزاً , على الرغم من المحاولات النقدية التى تسعى إلى تنحية دورها فى سياق تاريخنا المعاصر .
    خلاصة

    لا بد لأى قارىء جاد , يستمتع بمواصلة الاطلاع على شعر المقاومة فى السودان الجديد , أن يحمل فى ذهنه أن الشعر المكتوب ( فيما عدا كتابات تعبان لو ليونغ ) يمثل فى مجتمعنا تجربة جديدة فى صناعة التاريخ الادبى للسودان الجديد , وأن تأثير الشعر الشفاهى فى شعر المقاومة واضح مما لا يمكن إخطائه , وأن أى قراءة مقارنة فى هذه المرحلة بالذات ستكون سابقة لأوانها . ولفهم عقلية أى شاعر ذو ارتباط لصيق بتراثه القبلى , لابد بالضرورة , أن يفهم بعمق خلفيته الثقافية فى تراثه.
    ولن يكون ذلك عسيراً على أى مواطن فى السودان الجديد , ذلك أننا نصدر جميعاً عن أصل مشترك:الأفريقانية :
    يكمن سبب آخر فى أن شعر المقاومة فى السودان الجديد فى طفولته لذا فليس من المستغرب أن يظهر الشعراء ويختفون . ستستمر الكتابات الجادة وسينقطع غيرها . وبالتأكيد , ستتقدم القراءة النقدية , من مجرد التقديم إلى الدراسة المقارنة والتنقيح طالما تولت ال Update كامل المسئولية لنشر الاعمال الواعدة.
    إلا أن أىّ نقدٍ جاد , فى هذه المرحلة بالذات , سيأتى قبل أوانه لأن الاعمال المأمولة لم تنشر بكفاية حتى الآن , لتحظى باهتمام النقد المقارن . وأود أن اشير هنا , إلى أن ما وصلنا , حتى الأن من الشعراء , لا يمثل سوى اقوال وروايات المضطهدين التى تعكس نضالهم. لذا فثمة مشاعر عارية تطرح افكار مثل الهوية , التراث والثقافة والدين والمعتقد , وهى افكار تقدم إشارة جيدة لتطوير هذه الاقوال والروايات نحو أطروحة ثقافية بناءة فى المستقبل .
    باقان أموم
    مثله مثل شعراء السودان الجديد الآخرين , لا يزال لدى باقان أموم العديد من الاسئلة التى عليه أن يجيب عليها .إلا أن القارىء المتأنىى يلاحظ فى شعر باقان , كيف انه قد تناول بصورة أقرب إلى الشمول والاحاطة , مواضيع الشهداء والشهادة، تقديراً للشهداء , وبحماس يجعل المرء يؤمن أن ذلك هو ما يلهمه كمبدع . وذلك فضلاً عن حقيقة أن باقان نفسه , يعبر عن عاطفة عميقة وجياشة موقعته فى عزلة ما شاده من عالمٍ خاص فى الكلمات .
    لم يعلق باقان , مطلقاً , حواره حول التحرر , التحرر الذى وعد به شعبه والذى يمثل لديه التزام نهائى . ومن المؤكد أن باقان لم يكف , ابداً عن امنيته المتمثلة فى ولادة الشهداء من جديد :
    " تذوى البذرة لتنمو الشجرة "
    وهكذا نولد من جديد "
    يقنع باقان الجميع , بأن أى بذرة ( شهيد ) تسقط اليوم , هى بذرة الغد , وعلى الرغم من الغياب يظل الحضور طاغياً فى كل مكان . ويبقى الشهداء اصدقاء حميمين لباقان كلما اثار خبرة مشتركة . ويمثل الفشل فى النضال ضد العدو المشترك , وفى توحيد شعبه , خبرة مرة فى تجربته الحياتية . وهذا ما يميزه ويسمو به كشاعر حب وسلام , ووحده إن أردت . ويرى باقان أن الانقسام مصمم لرد الانقساميين عن ما يعتقدونه واقتلاعهم من جذورهم وصرفهم عن النضال وفوق ذلك اقصائهم عن أرضهم .
    ينحدر باقان أموم الشاعر والمقاتل , من أعالى النيل فى جنوب السودان وهو شلكاوى الجنس . وقد بدأ التزامه فى الأنشطة الثورية منذ بدايات ايامه الدراسية . وقد كان عضواً فى الجبهة الديمقراطية ( خلية تابعة للطلاب الشيوعيين ) وإبان دراسته فى جامعة الخرطوم , قرر وعدد من زملائه الذين جاء وا فى الغالب من جنوب السودان , هجر دراستهم والالتحاق بالحركة / الجيش الشعبى لتحرير السودان وقد تم إبتعاثه فيما بعد إلى كوبا لاكمال دراسته فحصل على درجة الماجستير فى العلوم السياسية , واصبح بعد ذلك ممثلاً للحركة الشعبية لدى كوبا . وفى اعقاب مؤتمر الحركة الاول فى ابريل 1994م اصبح باقان سكرتيراً للثقافة فى الحركة والجيش الشعبى لتحرير السودان . وهو الآن قائد قوات الحركة فى شرق السودان
    الشهداء
    البذور التى تساقط من شجرة الحرية
    فى موسم الظمأ لأن نصبح احراراً
    والتى بذرت أنتظاراً للحصاد
    ليوم النصر , سيان
    0
    الإخوه الأروع والذين بذلوا أرواحهم
    ليشرقوا
    من اجل الذين على أهبة أن يرموا البذور
    لقد آن أوان الحصاد
    بذور الحياه التى , ببسالة , تساقط
    على الأرض الخصبة لتصعد
    بالدم وبالعرق تسقى
    وبإرادة الباقين فى النضال
    لأجل يومٍ تتنصب الشجرة عالية
    لننال , سوياً , الزهور والثمار
    فى يوم الحرية , يوم الحصاد
    فرحاً , إلا اننى فى ذكرى من مضى
    سأبكى , ولن أوفر دمعة
    إذ لا أحد بعدهم
    يستحق بكائى
    أبطالنا الذين قضوا
    فخر الأمة
    كى تتفتح الأزهار
    مثلما تذوى البذرة لتنمو الشجرة
    لابد أن تطرح أوراقها الزهرةُ
    لتتفتح
    نكسر القيود لأجل الحرية
    ونقاتل من أجل السلام
    والحرب تطفئها حرب مثلها
    حرب نموت فيها فداءً للاهل والعشيرة

    مثلما تذوى البذرة لتنمو شجرة
    لابد أن تطرح أوراقها الزهرة
    لتتفتح
    لا أخذ دون عطاء
    ولا يستمتع بالكسب من لم يتذوق الألم
    ندحر القديم لنبنى الجديد
    والحرية ثمنها
    تحطيم القيود
    مثلما تذوى البذرة لتنمو شجرة
    لابد أن تطرح أوراقها الزهرة
    لتتفتح
    من يقف متفرجاً
    لايحرز هدفاً
    والضفة , لا يبلغها
    إلا الذى ينزل إلى الماء
    ولا ينال الحرية
    إلا المقاتلين
    مثلما تذوى البذرة لتنمو شجرة
    لا بد أن تطرح أوراقها الزهرة
    لتتفتح
    ووحدهم العظماء
    من يبذل الروح
    لك أن ترمى النرد
    ولكن الخيار خيارك
    ارفع سلاحك وتعال بأفكارك
    كلنا من أجل القضية
    تذوى البذرة لتنمو شجرة
    وهكذا نولد من جديد

    اشعارى
    كلمات بسيطة هى
    وأنا أحولها إلى اسلحة
    لاقاتل السادة القساه
    الذين غلقوا الطرق
    إلى عالمٍ أفضل
    صرخات معركة هى : أماماً
    ونداء لاحتمال العنت
    وبعث الامل فى القلوب الممزقة
    وسكينة لألم ما ابتلينا به من جروح
    أخى
    أحار , لماذا أسمى جنوبى
    وما الذى يمنع أن ينادوننى : يا أخى
    فى أرضى ذاتها , ينادوننى جنوبى
    بيد أنى , ودون نزاع , انا المالك
    للأرض التى حالوا دونى و إزدهارها
    لاأحد , وحده ,يملك السودان
    وفيه , لنا جميعاً , الشرف ذاته
    وفى النهاية , لا أحد منا , عينّ الحدود
    ولم يشار اىُ ُ منا ليقبل الدخول
    لم إذاً الارتباك أن كوننا إخوة
    وكون الآخرين هم المضطهدين
    لنقتسم الكعكة بالتساوى كأخوة
    وإلا لن ينعم أحد بأن يرضع ثدى أمّنا
    ولن يكون السودان , مطلقاً , للشهداء
    الذين ما كانوا , ابداً , يستخلون عنه للخونة
    ناخو صديقى
    ناخو صديقى
    رفيقى إلى الأبد
    من أجل الأرض مات
    ولا يلام أحد
    لقد أحبّ أرضنا الام
    ولذا وهب دمه
    لكل ما هو طيب
    من أجل طعام الفقراء
    ولنفهم ناخو
    علينا أن نُهُب
    وأن نرجع إلى الجذور
    لنودع ما انتظرنا من طيبات
    فضلاً , ليس بيننا نهاب
    بل نعمل لما ينفعنا
    ومن أجل أن تشرق الشمس
    ولأجل ذلك الغد الأفضل
    الذى حلمنا به
    قدم ناخوباهظ الاثمان
    دع العظماء يمدحوا
    اماكنهم العزيزة
    حيث شاد الشهداء مقامهم
    وحيث وحدهم سيظلون فى اشراق
    لقد كانوا على أهبة الموت
    وعلى ما بهم إلى الحياه من اشتياق
    ولنعيدهم ثانية
    علينا أن نؤكد حلمهم ونحققه
    وإلا فاننا نخدع الأرض
    الحياة
    أقول : الحياة غريبة
    إذانها تبدأ وتنتهى
    مزيجاً من الضحك والدموع
    الألم والمتعة
    قوىً من الحب تنبع محفوفة بالكراهية
    أقول : الحياة جميلة
    إذ فى يد المرء , وفى قلب الاشواك والكآبة
    أن يحلم بالورود , الثمار و الابتسام
    ويظل مستمسكاً , على الرغم من اليوم الرمادى
    المسقوف بسحابة غاتمة ,
    بأمل أن تشرق
    وبسماءٍ , فى الغد , زرقاء
    بعدها يتأكد أن غداً هناك
    وتصدق احلامنا
    أقول : الحياة طيبة
    مشمسة أو ماطرة
    نتقدم إلى الأمام
    وننهض على اقدامنا
    حينما نسقط
    فى الطريق إلى غاياتنا السامية
    وبهزائم عديدة
    نصنع انتصاراتنا العظيمة
    ونتعلم من التمزق حكمة القوة
    أقول : الحياة هى الحياة
    وأنا احذو حذو حدسى
    فى المتاهة المتأرجحة
    صاعداً , هابطاً
    فى الثبات والإرتباك
    فى قلق النهايات المتشاكسة
    متحدين فى نسيج مشيمة واحده
    ودائماً نهب الحياة
    لكل ما هو جديد
    ولنا فى كل بداية بداية
    فى طلاب عنيد
    للأفضل
    للطمأنينة والكمال
    لاتيو لو جادين

    تتمثل الحقيقة الأولى التى تلفت انتباه المرء وهو يقرأ شعر لاتيو لو جادين , فى تعبيره الجهير عن الوعى الاسود. بمعنىً آخر , تبدو تلك هى الرسالة التى يسعى لاتيو إلى إيصالها إلى قارئه، وتسيطر الزنوجة، تلك الفلسفة التى تمجّد كرامة الانسان الاسود , على تفكير لاتيو كفكرة مركزية , على خلاف باقان أموم الذى جاءت اشعاره خلواً منها . يعرف قراؤه أن لاتيو شاعر غزير الانتاج , ويكاد يكون قد ساهم بالكتابة فى كل اصداره من نشرة الحركة الشعبية لتحرير السودان " Update " الأمر الذى جعله واعياً بقدرات قراءه الانتقادية وخلف نظاماً ثقافياً فرض علينا فى المحصلة النهائية النهوض بمهمة ربط المواطنين بماضيهم العظيم . ولكن ؟ هل يمكن القول بأن شعر لاتيو لو جادين شعر مجرد أم أن فى بعضه نوع من النثر المحض وهذا السؤال يحتاج المزيد من التقصى .
    وُلد لاتيو لو جادين فى عام 1947 فى عائلة من الباجولو وهم من السكان الاصليين فى منطقة لوكا فى جنوب السودان . ويعتبر ابوه , الراحل أقرى جادين لادو لو وانى , أباً لكل الجنوبيين لكونه من ابرز المتحدثين باسم قضيتهم , ولكونه كذلك أحد ابرز سياسيى جنوب السودان المقاتلين والذى نذر حياته لنصرة تطلعات شعب جنوب السودان، ونتيجة لانخراطه فى الحياة العامة , استفاد الابن الاصغر لأقرى جادين , لاتيو , من الانتقال إلى العديد من المدن الكبيرة فى السودان , والتوفر على مدارس عربية . فى العام 1961 , وعندما وصلت الحرب الأولى نقطة غليانها لم يك لاتيو قد تجاوز الخامسة عشرة من عمره , وقد فرّ حينها للالتحاق بأبيه فى يوغندا حيث واصل تعليمه فى مدرسة إديلفيل الإبتدائية , ثم مدرسة نيروبى إست ليت الثانوية ومعهد كاباتى للصحة والصناعة الحيوانية فى كينيا .
    بدأ لاتيو لو جادين كتابة الشعر باكراً فى عام 1973 , ومن قصائدة الأولى : النيل العظيم , لاتبك ياأمى , وكلتاهما منشورتان فى هذا الكتاب والراجح أن لاتيو قد بدأ الكتابة فى سن الخامسة والعشرين , مما يعنى أن مواهب طفولته قد قمعت , وهو الآن لا يفعل سوى أن يضع تجربة مرة فى كلمات .
    لدى لاتيو ما يكفى من أسباب لرفض الاخضاع والدونية , وهو يدرك أن الانسان تحت الاخضاع والقمع , ليس سوى جسم منزوع الانسانية , يسلك ويوجه كالروبوت . ويرى لاتيو اننا , وباخضاعنا للعرب المسلمين وقمعهم ونزع انسانيتهم لاتفعل سوى التحول إلى مضطهِدين – بكسر الهاء – وذلك ما يرفضه لاتيو ويشجبه
    انا السودان
    جميل وأسود
    ولا يفوقنى أحد
    إن الجمال ( جميل وأسود ) الذى يقصده لاتيو , ليس , على الراجح، مظهراً خارجياً , بل هو اكثر من ذلك: الانسانية والأخوة , الحب والاحترام المتبادل واغنية للحرية . لذا فلا يمكن أن يكون المضطهدين – بكسر الهاء – والساعون إلى التطهير العرقى وإلى قتل شعب بكامله , جميلين .

    النيل العظيم
    يا نيل ياعظيم
    نهر الحياة
    ومانحهاالأعظم
    تهدر لآلاف الاميال
    فى رحلتك لتهب الحياة
    وبنهم
    تبتلع الانهار والعيون
    فى الرحلة
    ايها الواهب الاعظم
    للحياة

    تأخذنا رهائن
    وبلاحيلة , نبقى اسرى عبوديتك
    وهبتنا الفقر , الجهل والجوع
    المرض والعناء والبؤس
    وكذلك الموت

    آه يا نهر الحياة
    لماذا لا تهبنا الحياة
    فى رحلتك التى تهبها
    بصبر وعناد
    تخترق قلب جوبا
    بور وملكال وكودوك
    الرنك وتومب
    جامحاً تزحف عبرها
    ولا تبالى
    بحت حلوقنا
    ظمأً إلى ما تمنح من حياة سحرية
    ايها المانح الأعظم للحياة

    تتركنا نئن تحت وطأة العداء
    نازفين حتى الموت طلباً لما تهب من حياة سخرية
    هبنا بعض حياة
    فى رحلتك التى تهب الحياة
    يا مانحها الاعظم
    يا نهر الحياة


    لابكاء يا أمى

    على حبها المفرط
    ماثلة هناك
    أمُى
    ترقب وتبحث
    لا خوف لتكره
    عبرت الانهار والجبال
    ومشت
    النهارات والليالى
    اجتازت
    الغابات والادغال
    وبلارهبة
    لأجل أن تقدر وتلاقينى

    هنا أرقد يا أمى
    بين الراحلين
    لا
    بل هنالك فى ذلك الصف
    اجل وألى جوار
    اصدقائى الاحباء

    أتبكين
    لا تبكى
    فلقد كانت مشيئتى
    تلك الخطوة
    من أجل العدالة
    لأجل كرامتى
    وحريتى
    وأرضنا الأم

    بلا , هاهنا أنا
    بارداً وشاحباً
    لوددت أن ابتسم
    لولا أنك ستنتحبين أكثر
    لاتبكى
    ذهبت روحى
    وافكارى ذهبت
    باقٍ هو اسمى
    اخبريهم بأننى مضيت
    ولكننى جلبت ماوددت

    ارضنا الأم

    كنت اعمىً
    ولكننى الأن أبصر
    جرّب شعبنا الماً
    لم يختبر
    صوتى يرتجف بالغضب
    وقلبى الجريح ثائراً
    فى ضرام النار
    عيناى حمراوان
    وتغرورقان بالدم
    وأنا فى صمت أراقب
    بئساً لى
    لن أمثل اكثر
    آه ياأرضنا الأم
    اراك تترقبين فى العداوة
    لن أكون بلا مبالاة
    فأنا الآن بئساً لى
    أرى وأعرف
    اننى أوذيك

    لن أكون عارك
    ياأرضنا الأم
    بئساً لى
    تركتك للحضيض

    يقظة

    الجموع أفاقت
    وفى بسالة زأر النبلاء
    انتظموا ونهضوا
    وفى خوفه , إرتجف المارد
    العيون فتحت
    ونهض النائمون
    والكرامة ضجت فى الوريد

    لا يفوقنا أحد
    متساوون نحن
    ابيضنا والأسود
    الأسمر والاصفر
    قوس قزح

    اشرقت انوار الفجر
    وأحلى من الحياة
    صار الموت
    ياللمعجزة
    تحررت العقول

    تفوضت الجدران القاسية للعبودية
    لا تستجدى الحرية ولا تمنح
    بل تنتزع
    تأكد من انك قادر على انتزاعها

    أخى البغيض

    لقرون
    ساقونا كالحشرات إلى العبودية
    استغلوا طاقة رجالنا ونساءنا
    ونهبوا مواردنا
    وليستقووا
    حولونا قهراً إلى عقائدهم
    وتقاليدهم

    وخطوة اثر خطوة
    سلبونى فخرى
    وأنا الآن بفخرٍ عارٍ
    وأدعى عربى أسود
    مربكاً وتحتى أرى إلى الحفرة السوداء
    الظلام والرعب
    وفم القبر المفتوح على آخره
    ينتظر أن يبتلعنى
    ويرمينى إلى العدم كائناً بلا ثقافة
    ولا فخار بدنى أو روحى
    سأمضى لاخبر إلهنا
    كيف كانوا بلا شفقة
    على الرغم من أن عقيدتنا وتقاليدنا
    هى الموسومة بالبدائية والشر والبربرية
    التخلف والتطيرّ
    ولذا علمونا الحب والرأفة
    هذه الالهة الأرضية
    ثملة بالسلطة والثروة
    بلا رحمة ولا عدالة
    وبعمد , اقتلعونى من جذورى
    وجرحوا كرامتى ولوثوا دمى
    على حافة الخطر
    وضعوا احلامى , آمالى وبقائى
    وإذا استحال عيشنا معاً لا أطلب سوى حريتى

    اخى المخادع
    يبثنى كذبه الحلو
    بفمه الذى يلعلع كبندقية
    غاضاً الطرف عن ما احسه
    من ألم
    فارضاً قوانين قديمة وغريبة
    على الذين سجنهم فى الخوف والشك .

    سبتمبر
    مخضعاً
    مضطهداً
    مهاناًومحتقراً ويهزؤون بى
    مقيداً إلى الفقر بالسلاسل
    إلى المرض والجهل
    اليأس والتخلف
    إلى العبودية
    والعدم

    حشرة
    وتباع كسلعة
    اسر مشردة وروابط ممزقة
    والآن أرى وأعرف
    وأريد كذلك أن اغنى الحرية

    ها أنا
    بمعدة خاوية
    وحلق جاف
    ولكننى على عزمى
    أن أسترد حريتى
    وحينما اعيتنى السبل
    رفعت بندقيتى
    هؤلاء الذين فى سكرهم بالقوة
    وجشع الثروة
    قابضين على السلطة
    ومن أجل كرامتى
    ساقاتل
    لاسترد إفتخارى
    كنزى
    فانا أريد أن أغنى الحرية

    هذه الآلهة من الأرض
    بلا شفقة أو عدالة
    وبلا ألوهية
    بتروا يد كول وساقه
    فى سبتمبر
    ورجموا كوكو
    وعلقوا طه على حبل
    فى سبتمبر

    انتزعوا عينى ليق
    ولأجل كرامتى
    سأقاتل
    لاسترد افتخارى
    كنزى
    فأنا أريد كذلك أن اغنى الحرية

    نازفاً دمى الغالى
    وبلا سلطة
    لاهثاً شرقاً وغرباً
    وبلا طائل

    لاقوة فى الأرض
    ترد روحى المصممة
    كذباً يدعوننا إلى السلم
    بينما نابٍ وظفر
    يشحذون السلاح
    ولاجل كرامتى
    سأقاتل
    لاسترد افتخارى
    كنزى
    فأنا أود كذلك أن أغنى الحرية

    أنا : رفيق سقط

    رفيق أنا وسقطت
    وآمل أن لا تنسانى
    فى يوم النصر
    لم أك وحيداً
    لأجل امنا الأرض سقطنا
    تذكرنا جميعاً ولذكرانا
    توقف لحظة


    إلى رفيقى

    نبيلاً انت
    ايها الرفيق
    وباذل تضحية عظيم
    وبعملك , املنا الوحيد
    بمسلكك
    ستكسب الحشود
    لغة واحدة نتحدث
    ولابديل من وحدتنا
    انهضوا بالريش الخفيف
    عارياً يقف المنا
    ونعرف غايتنا
    قضيتنا عادلة
    ولا رجعة إلى الوراء

    اماماً إلى الابد
    والنصر قبض اليد



    لأجل وطنى أبكى

    بلدى أرضىالأم
    وطنى
    لابيت يعدل الوطن
    ولا وطن كالسودان
    الذى لا يهجر ابداً ولا ينسى

    وإلى أن ألاقى حتفى
    هو شوقى وحنينى

    أرض الأسلاف
    ارض الآباء والمهد
    وطن حقيقى
    ولا عيش لى إن يئست , ابداً

    هجرتك
    وأنا يافع وقوى
    طلباً للسلام والامن
    للحرية
    أأراك ثانية
    تلك الفضاءات الجميلة
    مفعماً بالحيوية أبصر جبل جمييرى
    فى جلال وروعة
    منتصباً عالياً
    كأنما يدل نهر موتوتو
    الذى يهدر فى عناد , على الطريق
    الذى يقوده إلى النيل
    وهو فى زحفه يأكل التراب
    وعلى مهله
    يمنح الأرض تربتها الغنية وماءها الزلال
    واهباً الحياه لاراضى شاسعه
    بينما الأماتونج , شامخاً
    يحرس الحدود

    وجبل بوما وأعالى تالانغ
    بنبل
    يقفان فى الدفاع
    والمستنقعات تتفجر وتتدفق على الضفاف
    صرخة وقرع طبول حرب
    يصاعد صداها عالياً
    ليضرب فضاء أرض الزاندى
    جبال النوبة تتفجر فى غضب
    والرجاف فى حيرته
    لماذا يمر النيل غير مبالٍ ,
    كثبان دارفور الصافية تتذكر
    على دينار يرشد المحاربين
    إلى الديار


    آه , لكم افتقدك
    وأسأل كيف تبدو الآن
    وهل تفتقدنى
    كم أحن إلى أن اطأ تربتك وامشى عليها
    لأحس واستعيد الحياة والدفىء
    حرية السودان
    هى سكينتى ياحبيبتى

    ورغماً عن الجوع
    الذى يضرب الآن
    فأنا على وفائى لا أزال
    على زحفى
    إلى الخير الواعد
    الذى لم تمتد اليه يد
    الذكريات والهواجس
    والحيرة
    تمزق القلب
    بينما الايام تنساب
    مخلفة فىّ ذاكرة مشتعلة
    وعينان تغرورقان
    وتدميان
    وأنف يتفجر وعقلُ ُ يمور
    وأنا فى اندفاعى عابراًدغال افريقيا
    لا لأخفى خوفاً ولا خجل
    لاجلك انت , اغنى ما أحب
    أرضى وروحى

    لا املك ما أهبك
    سوى حبى ودمى
    ولست عابئاً كم يطول ذلك
    فسأبقى هناك حارساً
    فاراً عبر أدغال افريقيا
    عابراً الوديان والانهار
    والصحراء والجبال
    حيث اعب واستظل تحت شجرك
    وأرى آفاق الأمل
    وأعرف واتعلم
    السن جديدة
    واكتشف جذورى
    وهويتى المزدراة

    إدوارد لينو

    إدوارد لينو شاعر معروف ولا شك فى جودة شعره . وتضفى طاقته الابداعية تميزاً على شعره الذى يغطى مجالات عديدة : السياسية , الثقافة , الرومانسية ومصير الانسان. وبالمقارنة مع الشعراء المضمنين فى هذه المنتخبات , فإن قدرات لينو التقنية ورؤاه المتمددة لهى أكثر نضجاً على مستويى " الشكل " و " المضمون " الأمر الذى يدفع المرء إلى اصدار حكم أولى بأن لينو شاعر متميز وهذا ما ستكشفه القصائد الثلاث التى ننشرها فى هذا الكتاب .
    ولينو وحده , من بين شعراء هذا الكتاب , من يمثل جيلين ثوريين فى حروب التحرر فى جنوب السودان . وُلد لينو فى ابيى فى 7/2/1946 وتلقى تعليمة الابتدائى فى بور حيث كانت كل من بور واويل تتبعان لاقليم بحر الغزال فى جنوب السودان . وتلقى تعليمه المتوسط فى بور الثورية ( اقليم أعالى النيل ) وتعليمة الثانوى بكمبونى الابيض , مما أعده للتأهل لكلية الآداب بجامعة الخرطوم .
    رغب لينو كثيراً فى ان يصبح محامياً , إلا انه هجر دراسة القانون إلى الأدب وهذا ما يحتاج من لينو إلى توضيح إلى القراء .
    كرجل مهتم بالكتابة , عمل لينو محرراً مساعداً فى صحيفة النايل ميرور الاسبوعية فى السودان القديم , وكذلك فى مجلة السودان الدولية . وقد عمل لينو , لفترة، بالتدريس فى مدرسة رمبيك الثانوية وعمل موظفاً حكومياً فى مؤسسة التنمية الاقليمية وهو الأن قائد فى الجيش الشعبى لتحرير السودان وعضو مجلس التحرير الوطنى وممثلاً للحركة الشعبية فى وسط اوربا .
    لادوار لينو تحت الطبع مجموعتان شعريتان : " نقرات على شفاه مرتجفة " " والابادة الجماعية باسم الله " وفى هذا الكتاب قصائد من المجموعتين .



    الأم
    النشوة التى احن إلى ان اعيشها
    ولعمرى كله
    أن ألاقى أمى

    البى ندائها
    وابث فى رغباتها القوة
    احرار
    أنا وأنت

    لأستطيع بعدها
    أن استلقى بسلام
    مشبعاً بالرضى
    عميقاً , بين حنان فخذيها

    انشر الحماس
    فى دفىء عواطفها
    كقلوب الابطال
    تشتعل

    فى كل لحظة أرى أمى
    تقاوم العناء الذى يجره بشر
    تنفق نهارها وليلها
    ضارعة
    من اين لها بالوجبة التالية
    لليفع المطيعين
    تواً تستجيب السماء
    وتمطر
    وأرضننا الطيبة
    التى حصدت ارواحاً عزيزة
    بسخاء تقطر نعمها
    فنقاوم ونبقى

    فى كل لحظة فى عمرى
    أرى أمى العظيمة
    تقطع الجذور
    تجمع الماء قطرًة قطرة
    ومن اوراق الشجر
    تنسج ما يستر فخذيها
    ومن الحشائش
    عشاً لصغارها تبنى
    وبالحصى والحطب توقد النار
    وآمالها , كما هى ابداً , على صحوها
    لا تبرد

    أرى أمى العظيمة
    فى خطوى
    ترفع قدمى
    بعيداً عن الشراك
    فى الأمام دائماً وبلا تردد
    تدلنا على دروب العظمة
    وبرفق تواصل ندائها
    امنحكم بركتى جميعاً
    فلا تستسلموا
    لم يبق سوى ليلة واحدة
    ثم اشعة الشمس التى ستنتشر
    لا تستسلموا
    امكم أنا ’ ينبوع الأمل والحب


    أنا الأم
    مانحة الحياة والاسباب
    أنا الحقيقة الاخيرة
    أثق فى الأمانة والحب
    وعندما تنتصرون للحرية
    عندها فقط , سأغنى وأرقص
    واشرب حرة
    ماءً عذباً من النيل

    الامل والحب
    أنا أمكم
    الحياة والموت
    أنا أنتم
    وانتم أنا
    ضيعونى ولن تبقوا ابداً
    انصتوا جيداً
    وقاوموا حتى النهاية
    حتى النهاية


    شمس الحرية
    آه يا أرضنا العظيمة المقدسة

    بصخب ومرح
    دعى الولولات العذبة تصعد
    لتسمو بالارواح الصبية
    اعلى وأعلى
    لتبلغ قمة العظماء
    والسواعد التى لا تقهر
    تلبى برضىً
    ذاك النداء الصادق
    الذى يكنس الشوائب
    عن الوجه الساحر للنيل

    آه ياأرضنا العظيمة المقدسة
    الرسالة الاكثر طمانينة
    التى تبثينها إلى الجميع قوية
    أن إبقوا على ثقة
    أن النجمة المشرقة للحظتنا
    مرة أخرى ستتوهج فى فخر
    انتم ايها الاطفال الرائعون
    ابلغوا عنا العالم قاطبة
    التزامنا القوى
    نحن ما نحن عليه
    لا ننحنى
    فى شموخ وفخر
    نقف

    آه ياشمس الحرية المشرقة
    اصعدى إصعدى
    حرة إشرقى
    امنحى المضطهدين العزم
    ليتقدموا , بكرامة , فى مسيرة النصر
    وبشجاعة لا تبرد ولا ينالها شك
    نواجه وباصرار عنيد
    نهم الاشرار الجشعين
    والذين قبل أن يهنأوا باحتفالهم
    سنلحق بهم الهزيمة

    عندما يطل الصبح الذى طلما انتظرنا
    والذى ناضلنا لاجله فى كل منزل
    مفعم بالامل
    فسيمنحنا , دون شك , الكرامة
    وتزهر المواسم بسلام مقيم
    انها بالحق شمس الحرية تصعد
    وهتافنا بالرضى الخالد
    حمائم سماوية تشرق فوقنا
    وتصفق طربة فى سعادة بيضاء
    ناثرة فى كل بيت وقلب يفيض بالبهجة
    اغصان الزيتون

    آه يا شمس الحرية , يا عظيمة
    اصعدى , حرة إشرقى
    وانثرى علينا طقوسك الرائعة
    أنت المطر الذى يهب أرضنا خضرة
    النحل الذى يمزج عسلنا
    والطيور التى تسمى مواسمنا
    السواعد التى تفلح حقولنا
    والصدور التى تحتوىاللبن
    الامهات اللواتى يحفظن أرواحنا حية وشابة
    والتراب الذى يعانق شجاعتنا
    الأرض التى تنعش فينا الأمل
    والحقيقة التى تجعل احلامنا تورق
    النهاية السعيدة إلى الأبد
    المعنى الذى نعنية تماماً
    فيما لشعرنا من معنى

    آه ياشمس الحرية , يا عظيمة
    سوبرانو حى فى اغانينا الخالدة
    تنهيدة بهيجة
    تنشر الحيوية فى كل اسرابنا البريئة الساحرة
    التى تتوق إلى سلام كريم
    الحب الذى يهب وفرة
    فى الوديان الصافية الغنية
    فى أرضنا الحبيبة
    انت أملنا الذى لا يكل
    والذى يحول رغباتنا واقعاً
    فلا يقصر اطفالك , بعدها , عن ثأرك
    نعرف ما للحرية من ثمن
    ولا شك سنهزمهم

    آه يا شمس الحرية , يا مشرقة
    تقدمى واصعدى
    وعلى عزمنا نحن
    لا مزيد من الخيبات والاهانة
    طالما لنا احلامنا المفعمة بالأمل
    رهان رخيص بالحق وبالروح
    الصفح عن الأذى
    وضربة اليأس
    ابداً
    ولم التنازل عن حقنا الطبيعى
    انظر, وعلى مهلك , قس
    المسافات العظيمة التى قطعنا
    والتضحيات العزيزة التى قدمنا
    صديقى
    لنخبر العدو , دون مواربة
    لا عودة إلى العبودية
    مطلقاً
    صديقى
    هذه الأرض المعطاء الواعدة
    المفتداه بأكثر من ثلاثة ملايين روح
    فى اقل من اربعة عقود من الدم والقحط
    أرض عذراء مباركة
    حيث الدفاع عن حقوق الاسلاف
    وعن النفس
    ثقافة شائعة
    ولذا , وبالقطع
    أن مسيرتنا العظيمة
    هى جوهر ذلك

    لا طريق إلى الوراء
    إلى العبودية مطلقاً
    لذا سنتقدم بهامات مرفوعة
    صوب الحرية
    دون حاجز من لون , دم , ثقافة أو دين
    عظمة أرضٍ عزيزة كهذه
    تهبنا بلا مقابل ما نريده
    الانتماء والاسماء , الكرامة والقبور
    والوعود العظيمة
    لعقيدة هى صديقى
    ومقدسة
    لذا لا سبيل سوى النضال
    لقهر المضطهدين
    ولأن نمحو إلى الابد
    كل مخطوطة كتبت لأجل الدمار
    وبحبر مسموم منتزعة من
    خيال آثم
    تلك الصفحات الممزقة البالية
    دعنا نخبر المضطهدين
    وبروح سامية وصلدة
    أن الهبتين المقدستين
    لأى كائن حى
    هما الشمس والحرية
    تنكر إحداهما تقتل الآخرى
    أو تفقدهما مطلقاً

    جوتنبرغ / المانيا 3/7/1994م



    ماثيانق بيور
    ولد ماثيان بيور فى الخامس من يناير من العام 1960 فى بور بأقليم اعالى النيل , وهو خريج فى كلية التجارة , جامعة دايستر فى نيروبى.
    وقصيدته " الأسلمة الكونية " هى العمل الوحيد من بين اعماله الذى نضمنه هذا الكتاب , وهى قصيدة كتبها بقصد أن يعالج فكرة وحيدة , " الأسلمة غير المتحضرة " فى السودان
    الأسلمة الكونية – التعريب

    الأسلمة الكونية
    التعريب الكونى
    فليصبح اليهود عرب
    الامريكيون والافريقيون
    ليصبح الانسان عربى
    الأسلمة الكونية
    هى التعريب الكونى

    يرى الله الانسان كانسان
    ويعرف فيه كل الالوان
    والالسنة
    الله حبُ ُ واحد
    ومشيئة واحدة
    للانسان ونعمة واحدة
    وله مطرُ ُ واحد
    وشمس وحيدة
    وهواء هو الهواء
    الله واحد ,لاأكثر

    وإذ أرسل لنا المسيح
    فمن أجل الانسان
    وكذلك محمد
    وكل من يرسله الينا
    والرسل جميعهم فى انسجام
    الشيطان هو عدو الله
    وعدو الانسان

    فى المسيحية
    اختار الله الانسان
    فى الكلمات العظيمة والروح القدس
    وفى الاسلام
    فى السياسة العظيمة , المال والسيف
    خرق الانسان الأول أمر الله
    ولكنه قبله بمشيئتة
    لا يعُبد الله إلا فى حرية وحب
    الانسان بالمشيئة بين أن يؤمن
    او يكفر
    الشيطان وحده
    من يكره الانسان
    على قبول عبادة الله

    ليس الاكراه الدينى
    سوى رفض دينى
    الافريقى الأسود
    امسك وحش الجاموس من قرنية
    ولم تمتد يدُُ ُ بالمساعدة
    سدًَّ ً المحيط العظيم
    وقف أمام الدمار وعصف الاعصار
    ولم يبادله الناس سوى الضحك
    وإذ ترك الافريقى القوى فى تيهه
    فثمة وحش الجاموس , المحيط العظيم
    الدمار وعصف الاعصار
    وسيغرق العالم فى محيط من الدم
    ويتقهقر إلى هوة البحر الرهيب
    وستدك الجبال وتسوى بالأرض
    ولن يكون ثمة عرب
    امريكيون , المانيون أو يهود
    افريقيون أو بريطانيون
    آلهة أو بشر
    فقط اله واحد وإنسان وحيد

    لم تكن الحرب ضد العرق المتفوق
    مبررة
    لكن الامطار البعيدة , الزرقاء والتى ترعد
    ستهطل لا محالة , عما قليل , عليك





    ماركو غير
    ولدت فقيراً واعيش فقيراً
    وفقيراً أموت
    إلا أننى لا أقدر على احتمال الهزيمة
    والإهانة ما حييت

    وأن اهيم فى البرية كحيوان
    لأهون لدىّ من أن أقبل
    عبودية الجسد والروح
    وفى وطنى الأصل
    لا الآن ولاغداً
    لا يد لى فى اختيار والدى
    الأب السيد أو الاب العبد
    ولكننى افضل أباً أسود
    وان أرتدى ثياباً ممزقة
    من أن اظل عبداً
    بثيابٍ انيقة
    طالما حييت

    لقد مضى اباؤنا
    ولنسأل الله سلام أرواحهم فى المراقد
    ولكنهم ومذ خدعهم ابناء فاطمة
    بتوقيع اتفاق حرية ليس فيه حرية
    فإننا , نحن والذين لم يولدوا بعد
    سنواصل قتالنا من أجل حرية كريمة


    إنس جرحك

    بُم بم بم بم
    اننى اقرع الطبل
    طبل أبى وأسلافى
    طبل شعبى وأمتى

    بُم , بُم , بُم , بُم
    لانكافح لندمّر
    ولا نخون أو نرشو
    ولكن لنرتق اخوتنا الممزقة
    وننقذ من الحطام أرضنا الأم

    بُم , بُم , بُم , بُم
    يا ابناء ابى وأمى
    لانستطيع أن نهزم الاعداء
    ولا أن نحرر الوطن
    بهذا الصف المقسّم

    بُم , بُم , بُم , بُم
    دعك من ما مضى
    وانس جرحك
    اكبح غضبك والفخر
    العدو أقوى
    لنضم ايادينا
    لنقهرهُم

    بيتيا لو مارغريتا
    بعيداً عن الوطن ولكن فى قلبه

    ولدنا فى الشتات
    وفى الشتات لا نزال
    وما قضينا فى الوطن من سنوات قليلة
    بدلت نظرتنا إلى الحياة
    وأوقعتنا أمنا الأرض فى حبها , أوقعتنا فى شرك
    وفى الذهن عالقة هى
    التقاليد والاعراف
    إلى إلى
    سلوى تزيّن كل يوم
    بفخار عظيم، بهامات مرفوعة، كجنوبيين نقف
    ونتقدم فى عالم , لايعدنا سوى غد ٍ مؤسف
    وحينما واجه أبًاؤنا الغزاة
    ظننا انهم ألأ خيرون
    إلا ان الابناء كانوا كأبائهم
    والآن جاء دورنا
    والآن , وبشجاعة فائقة , نقف فى المواجهة
    والغزاة بجلدهم الابيض وفى عيونهم فوهات مدافع
    وسنظل نتذكر :
    ليس الابيض دائماً , علامة على النقاء
    فى أرض أحد ما , غنينا اغانيه ورددنا ما يخصه من فخر
    وشربنا الحليب من قرعته وتعلمنا لسانه وبعضاً من تقاليده راقنا
    ولكن لا أحد أراد , فى قرارة نفسه , أن يدلنا على جذورنا
    ولكم كنا بعيدين
    ثمة يوم ، نعلم , ونعود إلى الوطن
    إلى تلك الأرض حيث تتوهج مشاعرنا العميقة بمياه الخلود
    وإلى ضفاف السوبيرى نرجع
    حيث لا أحد سيملى على أحد
    وحيث كتفاً إلى كتف
    نفلح من جديد أرضنا البكر
    وبعدها نبذل القرابين للاسلاف
    ونسألهم بركتهم المقدسة
    وسوياً
    نكرع من القرعة ذاتها
    وعلى نار الاحجار الثلاث
    نطهو المرق
    الذى يطفىء ظمأنا إلى كل ما تقنا إليه
    وفى النهاية
    نضع السيف ونجر المحراث



    الخلاص قبض اليد
    مقيداً إلى السلاسل ساقوك
    لقاء جنيه واحد فى يد سيدك
    سعيداً فى الاثمال
    جروك إلى العبودية
    حافياً تمشى , مشوياً
    تحت شمس الصحراء اللاهبة
    معوزاً محروماًُ وبلا وجهة
    خادماً تعمل
    ملبياً ما تطلب أسماء جديدة
    بهوية محطمة
    بغيضُ ُ الذى باعك والذى اشتراك
    تذكر :- نسيناك كلا
    وننتفخ بالغضب
    لاتنس اصلك
    فتلك امنية سادتك
    ابن التربة انت
    وهم الذين لا يعرف لهم أب
    وحدتك رعبهم وعذابهم
    ويريدونك مخلصاً لهم
    تذكر الاثداء التى سقتك اللبن
    والتى , دائماً ستهبك القوة
    ولن تطفىء , مطلقاً , فيك الأمل
    والتى تبقى كرامتك على وهجها
    نحن إلى جانبك
    لتحرر العبيد
    وسيمد يده الله
    تذكر أن الخلاص قبض اليد

    حينما تسقط الأوراق

    " صرخة رجل ٍ عجوز "
    أتشبث
    أننى أتشبث
    مبتلىًً بالنسيان أنا
    وقلبى أتون مشتعل
    أجل , هكذا أردت أن اعيش
    طعامى من يدى لفمى
    بعينى وقلبى ابصر
    وكل رؤيا
    زيت على النار فى أتون قلبى

    ماشيتى لا مثيل لها
    قوافل من القطعان
    لذا رغبت فى الولد
    من دمى ولحمى
    لتبقى النار مشتعلة بعد رحيلى

    صبيانهم مثل صبيانى , تماماً , كانوا
    ممتلئين عافية من لبن ابقارى
    باسنانهم البيضاء التى تلمع
    وبشرتهم السوداء المشرقة
    وكنت مأخوذاً بالفخر
    إنظر اليهم الآن
    ضعاف فى هشاشة غصن يابس
    باصوات خنوعة ينادون آبائهم
    وباياد ٍ واهنة تتسول الطعام
    وهناك أنا اتطلع بلا حيلة.

    مضجعاً فى الليل
    لم أعد أرى النجوم التى ترقص
    على الايقاع الأخير للأغنية التى تفتح
    الغد
    لم تعد النجوم سوى متاهة بعيدة وشائكة .
    ديانا كوجو
    مولدى
    تسعة أشهر , عشت فيها
    ما يحدث مرة لكل منا
    من غبطة عناق
    إلى لهاث وتعب مولد
    لأرى الحياة
    وبينما هى فى مشاغلها
    سمعت صياح الديك وأدركت أنه الفجر
    انتظروا وصولى , بالمياه الساخنة
    وعماتى بزيت السمسم
    وحدها خبرت الشعور الذى يخلفةّ وصولى

    صباح ميلادى
    وليحرسوا قداستى
    ترانيم حية انشدتها الجوقة
    ليعرف الجمع بوصولى
    واحدة منهم ورقم جديد
    ودون أن يحفلوا بنوعى
    منحنى الناس اسمهم
    ولكننى حين أموت
    يلحقوننى بالله
    الذى أنا منه منذ البداية

    لحظة وصولى
    نادتنى تواً بإسم
    يسمى حال وصولى وعدد من الايام
    ثم أدّوا طقس التسمية
    ليؤكدوا انتمائى
    إسم من أهل أبى
    واسم من اهل أمى
    اسماء اضفوها علىّ وكل إسم بقربانه

    صباح سمايتى
    فى أزيائهم الاحتفالية البهيجة
    أدت العشائر البيعة
    وأعلنت ولائهاممالك
    وشربوا نخب صحتى
    على مائدة الجبى والبرندا
    الجبال وسمعت أسمائى
    وأنا مرفوعة وعيناى موجهتان نحوالسماء
    والتحايا من فوق تمطر على
    ويباركون مولدى
    آاا – بذا أعرف اننى انتمى
    نا كاكووكوتى

    مؤدبين جيداً
    نادرة تلك المناسبات
    التى يحظى بها المرء فى حياته :
    مجالسة من هم أكبر
    الذين , قليلاً قليلاً , تبرد حيويتهم
    ولهم أن يحظوا بتمديد أرجلهم
    فى قيلولة تعب
    والذين تومض عيونهم المرهقه
    خلف ابتسامات عريضه ,
    كشمس المغارب التى تفلت
    انهم يعرفون النهاية الدانية

    حميمون هم , بأجسادهم الرشيقه
    ومنهمكون فى الخدمة
    وبنشاط حار وإعجاب
    تم يعلق فى الصدى " مؤدب جيداً "
    تعليق نادر لا يميّز
    ولا يناله سوى قليلين
    أولئك الذين يظفرون بالابتسامة العريضة
    والذين نذروا انفسهم للخدمة
    خدمة كل من يحتاجهم فى الجوار
    الخدمة بضمير واع ٍ
    راحة يحبها كل من ينال
    خدمة المؤدبين جيداً
    والذين من ورائهم دائماً
    من يبث فيهم فضيلة التحكم بالنفس
    انها الأم , أوليس كذلك
    والتى اقصدها
    مبارك دائماً تعليقها
    نوفمبر 1995م

    حينما تغنى
    حينما تصادفها تغنى , صه
    من الشروق حتى المغرب
    بعفوية تصفّر الانغام
    فى الهواء المبلل أو تحت شمس مغلفة بالسحاب
    اغنيات تؤلفها تواً لمناسبة
    واغنيات اناشيد وترانيم
    انها تعرف ما للغناء من سحر
    فى السعادة وفى ساعة الضجر
    تغنى
    فالغناء سكينة
    والغناء يخفف الألم والاحمال
    بينما العرق فوق الوجه يهدر

    حينما تغنى الحانها تلك
    فإنها تسجل أحداثاً تاريخية
    ليتعلم منها الصبيان
    احداث تعكس ثقافات متنوعة
    غنىً ووفرة
    آه , هناك من يحس بالسعادة ؟
    العشاء والنبيذ وبهجة الموسيقى
    تلك سعادتهم
    والغناء عندها مبعث حياة
    بينما هى تطحن البذور
    تمنحها الاغنيات رؤيا بعيدة
    وفى يدها تخف المعزقة
    وعلى سجيتها وفى مرح تغزل النسيج
    والاغنيات تلطّف الحر وهى تطبخ
    والبعيد من المسافات فى متناول الخطوة
    والاغنيات تمسح الدموع التى تذرف
    وتهدهدالوليد تشيله على الظهر
    اغنياتها تستعيد اسماء وأصوات
    الاحياء والموتى
    حينما تشرع فى الغناء , صه


    إسمكم الحقيقى
    ياشعبى , اعطنى أذنك التى سدها الصمم
    شرف ابائكم السماويين
    أن تقبلوا إسمكم المؤكد
    شرف أمهاتكم من الأرض
    أن تقبلوا إسم مولدكم
    الإسم المميز فى التاريخ
    و المقدور كطقس سمايتكم
    لماذ إذاً من إسمكم تخجلون
    إنهضى كوش


    ليكن اسمكم على الراية التى ترفعون
    يسمى هويتكم والنيل الذى لا يفتر يجرى
    تحت سماء زرقاء وصافية
    شمس مشرقة ونجوم باهرة
    الأرض الخضراء المباركة
    شعوب بثقافات متنوعة
    تدافع فى غضب
    تذكر يا شعبى
    مميزُُ ُ هو اسمُك الحقيقى
    وطاعن فى جذور ثقافتك
    وهو فخر لونك واساس عمادك
    ومنبع تاريخك
    ولكن , ولتبنوا حريتكم
    التى حتمها عليكم الخالق
    قياماً اطفال كوش
    يناير 1995م




    6632 كلمة
                  

09-09-2005, 07:54 AM

Abdelfatah Saeed Arman
<aAbdelfatah Saeed Arman
تاريخ التسجيل: 07-13-2005
مجموع المشاركات: 595

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أشعار من السودان الجديد (Re: عز الدين عثمان)

    Friend
    Ezeldin Osman
    my appreciation to you..... this is some of SPLM's poetry for New Sudan and right now New Sudan knocking our door more than ever .... we will standup and say Wellcome New Sudan .... old Sudan die .. die.
    Best regards,
    Fatah Arman
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de