صفحات هامة من تاريخ السودان.. قصة الدستور... والتداعيات

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-29-2024, 06:42 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-19-2005, 07:23 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48584

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
صفحات هامة من تاريخ السودان.. قصة الدستور... والتداعيات

    هذه المداخلة كتبتها في بوست الأخ الدكتور النور حمد ولكنها تستحق بوستا قائما بذاته.. وأرجو من الباحثين والدارسين الاهتمام بها، وأرحب بالإضافة ممن يملك المعلومات والوثائق..
    Re: جون قرنق يسطر إسمه في سِفْرِ الخلود

    Quote: المشاركون الأعزاء
    تحية طيبة

    أرجو أن تسمحوا لي بإضافة هذه المادة التي أنقلها من كتاب أعده واسمه "قراءة في حياة وفكر الأستاذ محمود محمد طه" تتناول أيضا أطراف من تاريخ السودان المعاصر.. وقد اقتبست فيه فقرات مطولة من كتاب الدكتور فرانسيس دينق "صراع الرؤى" المترجم من كتابه الإنجليزي ًWar Of Visions

    المادة المقتطفة من كتاب الدكتور فرانسيس دينق تحكي عن قصة الدستور قبل الاستقلال، أرجو أن تكون مفيدة للمتحاورين في هذا البوست.. الدستور والحكم الذاتي وحق تقرير المصير.. لقد وجدت أن الدكتور فرانسيس دينق استطاع أن يلخص هذه المسألة باقتدار شديد ومصادر جيدة فلنقرأ ما كتبه في كتابه "صراع الرؤى" المترجم عن الإنجليزية ابتداء من صفحة 123:


    ياسر


    Quote:
    المسيرة المنقسمة نحو الاستقلال:
    وكما لاحظ أحد المراقبين بصدق "أثّرت رغبة كل من شريكي الحكم الثنائين للفوز بالمناورة على الآخر، في الإسراع بتطور الخطوات نحو تقرير المصير، بقدر فاق التطورات داخل السودان".[هامش المصدر هو كتاب لتيم نيبلوك باللغة الإنجليزية وهو Class and Power in Sudan]

    في ديسمبر 1945، طلبت مصر من بريطانيا إعادة التفاوض حول اتفاقية 1938، التي سبق وأعات تأكيد وضع الحكم الثنائي. وبينما كانت المفاوضات مستمرة في لندنن أرسلت الأحزاب السودانية وفداً للقاهرة للتفاوض مع المصريين حول مستقبل البلاد. واقترحت المساومة التي تم التوصل إليها بين الاتحاديين والاستقلاليين، قيام دولة السودان الحر المستقل، الذي سيقيم نوعاً من الاتحاد مع مصر وتحالفاً مع بريطانيا، المعادلة التي وجدت الرفض ليس فقط من جانب مصر، إنما أيضاً من دعاة الاستقلال.
    نتجت عن المفاوضات بين بريطانيا ومصر مسودة اتفاقية 1946، التي تضمنت بروتوكول صدقي ـ بيفين سيء الذكر، الذي تقدم بإطار للوحدة بين مصر والسودان تحت التاج المصري. أدى رد الفعل الغاضب للسودانيين والصفوة السياسية البريطانية إلى التخلي الفوري عن الخطة. أدلى وزير الخارجية البريطاني، أرنست بيفن، في مجلس العموم، في 26 مارس 1946، بتصريح جاء فيه بأن الحكومة ترى ان الهدف الأوحد من إدارتها للسودان هو تحسين حال الشعب السوداني، ولن يحدث أي تغيير في وضع السودان إلا بعد استشارة السودانيين عبر قنوات دستورية. دفعت الاختلافات، حول تفسير البنود التي سبق وتم الاتفاق عليها، دفعت مصر لترفع قضيتها لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، مطالبة بالجلاء التام للقوات البريطانية عن السودان وإنهاء الحكم الثنائي. لم يتمكن مجلس الأمن من اتخاذ قرار، وهكذا تم تعليق الأمر وتُرك دون حل.

    في عام 1946، عقدت الحكومة أيضاً المؤتمر الإداري السوداني للتخطيط لتعديلات دستورية أوسع. وكانت فكرة وحدة القطر، شماله وجنوبه، قد طُرحت للمرة الأولى في ذلك المؤتمر. ذكر محمد أحمد محجوب أنه طلب من جيمس روبرتسون، السكرتير الإداري اعتبار جزئي البلاد وحدة واحدة عند مناقشة موضوع التطور السياسي للسودانز ورد روبرتسون بأنه، وحسب ما لديه من تفويض، لا يمكن النظر في مستقبل الشمال والجنوب في آن واحد. وبعد تأجيل المؤتمر لرفع الأمر للحاكم العام، عاد روبرتسون ليخطر المؤتمر، بأنه تلقى الضوء الأخضر للنظر في مستقبل الشمال والجنوب معاً. [هامش المصدر كتاب لمحمد أحمد محجوب باللغة الإنجليزية Democracy on Trial]

    وبهذا تم البت في مستقبل جنوب السودان دون تمثيل جنوبي. وكما وضحت سابقا، كان مؤتمر جوبا 1947 فرصة للسياسيين الشماليين الأكثر خبرة لتحفيز وحمل القلة المختارة من الجنوبيين للموافقة العمياء والبصم على القرارات التي سبق وأجيزت. أدلى محمد أحمد محجوب بشهادته: "كان مؤتمر جوبا اللقاء السياسي الأول الذي ضم الشماليين والجنوبيين معاً لمناقشة مصيرهم السياسي، وبفضل مناصرة كلمنت أمبورو وآخرين فقد وافق الجنوبيون على فكرة قيام مجلس تشريعي واحد لكل البلاد." [هامش المصدر هو كتاب محمد أحمد محجوب السابق]

    انعقدت الجمعية التشريعية في ديسمبر 1948، وخلال نفس الشهر، أجازت قراراً يعبر عن الرأي القائل بأن السودان قد وصل مرحلة تؤهله لنيل الحكم الذاتي. ولهذا طلبت الجمعية من الحاكم العام التقدم إلى دولتي الحكم الثنائي لاتخاذ القرار المشترك حول هذا الأمر قبل انعقاد الجلسة الثالثة للجمعية التشريعية. وفي مارس 1951، عيّن الحاكم العام لجنة تعديل الدستور تحت رئاسة القاضي، ستانلي بيكر، لرفع توصيات بالخطوات التالية الواجب اتخاذها في طريق التقدم الدستوري نحو الحكم الذاتي.

    رفض كل من الحاكم العام وبريطانيا القرار الذي أصدرته حكومة حزب الوفد المصري في أكتوبر 1951 بنفض اتفاقية عام 1936، وبالتالي، المطالبة بإعادة النظر في الحقوق المصرية في السودان قبل الحكم الثنائي، وتنصيب الملك حاكماً على مصر والسودان. أدانت الجمعية التشريعية محاولة فرض السيادة المصرية على السودان، وأكدت حق الشعب السوداني في تقرير مصيره.

    كشفت التطورات اللاحقة عدم التقدير التام لكل التأكيدات والوعود التي تلقاها الجنوبيون من الشماليين في مؤتمر جوبا. وخلال فترة المسيرة المتسارعة نحو الاستقلال، "كان السكرتير الإداري سير جميس روبرتسون مشغولاً بالكيفية التي يمكن بها كسب تأييد الصفوة المثقفة من الشماليين السودانيين، بعيداً عن تأثير الحكومة المصرية، في التنافس بين شريكي الحكم الثنائي... واعتقد روبرتسون بأن الضمانات للجنوب سوف تؤدي إلى دفع القادة السياسيين الشماليين نحو مصر، التي كانت تؤيد بدهاء موقف السودان الشمالي الداعي للوحدة غير المشروطة بين شطري السودان." [هامش المصدر هو كتاب أبيل ألير باللغة الإنجليزية Southern Sudan: Too Many Agreements dishonoured ]

    تقدم إبراهيم بدري بمذكرة اتسمت ببعد النظر للجنة تعديل الدستور عام 1951، دعا فيها إلى تضمين بنود احترازية خاصة للجنوب والمناطق المتخلفة في الشمال. "عندما أقول الجنوب فأنا لا أعني سكان المديريات الجنوبية الثلاث فقط، بل أيضاً سكان جنوب الفونج، في مديرية النيل الأزرق، وايضا بعض السكان من دارفور وجبال النوبة في كردفان... كل هؤلاء لا يدينون بالإسلام ولا يتحدثون العربية، ولا توجد روابط في التقاليد، الدين، اللغة، أو الثقافة بينهم وبين الشماليين؛ الصلة الوحيدة هي التواجد الجغرافي، والذي يمكن إرجاعه لتاريخ الفتح المصري عام 1820." ذاكراً للتاريخ المرير للرق الذي رزح تحته أولئك الناس، أضاف بدري قائلاً: "بعض التعابير مثل (إخواننا في جنوب الوادي) والتي تستعمل عادة لإظهار حسن نوايانا نحو هؤلاء السكان، الذين، حتى القريب، كان يتم غزوهم بواسطة آبائنا الذين استرقوهم وسامهم كالحيوانات... هذه التعابير ليست كافية لتجعل سكان الجنوب ينسون عذاباتهم الماضية ويغيرون مواقفهم منا ومن المصريين، فقط لأننا ببساطة حققنا حريتهم في الدستور". وبكل الشجاعة الأخلاقية المتفردة والاستقامة قدم سؤالاً صاعقاً "ما هي الضمانات التي اتخذناها لاستمرار سلامة، وتحقيق الحرية وحق تقرير المصير لأولئك لاناس، مع إدراكنا بأن الرابط الوحيد بينهم وبيننا كان الفتح المصري للسودان والذي أشرت غليه أعلاه؟" [هامش: من كتاب للدكتور منصور خالد باللغة الإنجليزية هو The Government They Deserve: The role of the Elite in Sudan's Political Evolution ]

    ونتيجة للخلافات داخل اللجنة واستقالة بعض أعضائها، حل الحاكم العام لجنة تعديل الدستور في 26 نوفمبر 1951. وبناء على أجندة الاجتماعات، حتى لحظة حل اللجنة، أعدّ رئيسها تقريراً متضمناً بعض الأسس المحددة التي يمكن أن تُضمن في الدستور الجديد. ومن بين البنود الأساسية للدستور المقترح للحكم الذاتي، والذي سيكون في هيئة برلمان، كان هناك بند خاص يمنح الحاكم العام الصلاحية لحماية مصالح الجنوبيين؛ وبند آخر يرى قيام وزارة خاصة بالمديريات الجنوبية وإقامة مجلس لشئون الجنوب، يتم تعيين أعضائه بواسطة الوزير بعد التشاور مع حكام المديريات الجنوبية الثلاث دون الرجوع لرئيس الوزراء.

    عند تقديم الدستور المقترح للجمعية التشريعية، انتقد الأعضاء الشماليون هذا البند الخاص بشدة ودفعوا بأن ذلك البند سوف يضعف موقف رئيس الوزراء، ليس فقط في الطريقة التي سيتم بها تعيين المجلس، بل سوف يخلق عملياً وزارتين منفصلتين في البلاد. نُقِل عن زين العابدين عبد التام الجنوبي المستعرب المتأسلم قوله منتقداً بأنه كجنوبي، وهو تعبير غير سليم لهويته المستوعبة، "يتعاطف مع الأعضاء المحترمين من المديريات الجنوبية، ولكن إذا ما أثيرت مشاكل الأقليات فإن كل هيكل السلطة سوف ينهار". [من كتاب لمدثر عبد الرحيم باللغة الإنجليزية].. وكان ذلك سبباً لرفضه التوصية. علق منصور خالد على تصريح عبد التام "من الصعب أن تجد تصريحاً كلاسيكياً مثل هذا ليعبر عن المسلك الذي غالباً ما يبديه المضطهدون عنصرياً من الشماليين، لأنهم يتفوقون في إخفاء مشاعرهم الحقيقية.. ويمكن الحكم على عبد التام، والعديد من السودانيين الآخرين المنحدرين من أصل زنجي واضح، بأنهم مُجبرون على اتخاذ مثل تلك المواقف ليتفوق ‘المتورك على التركي‘. واتساقاً مع مثل ذلك التصرف، انتهى العديد من السياسيين الجنوبيين في تلك الفترة، ممنْ سكنوا الخرطوم وسعوا للاختلاط مع المجتمع، إلى خيانة قضيتهم بمجرد تعرضهم لإكراه أو ابتزاز ماكر". [هامش: من كتاب منصور خالد باللغة الانجليزية]. وكان حل تلك المشكلة بأن يتم تمثيل الجنوب في الوزارة، دون تعيين وزير لشئون الجنوب.
    وبناء على رغبات الحاكم العام ورد في مسودة قانون الحكم الذاتي "أن تكون للحاكم العام مسئولية خاصة على الخدمة العامة وعلى المديريات الجنوبية ويكون له حق النقض (الفيتو) لأي قانون، إذا كان لذلك القانون حسب رأيه أثر سلبي على الحقوق المتعاقد عليها في الخدمة العامة أو الإضرار (بالمصالح الخاصة) للجنوب." [هامش من كتاب مدثر عبد الرحيم]. وحتى ذلك التحفظ تم تخفيفه فيما بعد بواسطة الجمعية التشريعية، بإجازة بند يعطي الحاكم العام المسئولية "لضمان المعاملة الكريمة العادلة والمنصفة لكل السكان في مديريات السودان المختلفة."

    في ذلك الأثناء حل الملك حكومة الوفد التي نقضت معاهدة 1936، وتسلمت الوزارة في مصر حكومة جديدة برئاسة نجيب الهلالي. وبدعوة من رئيس الوزراء المصري الجديد، أرسل السيد عبد الرحمن المهدي، زعيم حزب الأمة وفداً خاصاً للتفاوض مع الحكومة المصرية. واسترجع بابو نمر عضو الوفد الأحداث:
    "أرسل السيد عبد الرحمن وفداً من خمسة أشخاص: الشنقيطي، عبد الرحمن علي طه، السيد عبدُ اللهِن إبراهيم أحمد. وقال لنا "يا زعماء العرب، اختاروا واحداً من بينكم". وانتخبوني؛ وكنا الخمسة. كان ذلك عام 1952، ذهبنا إلى مصر، وتباحثنا معهم خمسة عشر يوماً. لقد حاولوا إقناعنا بفكرة التاج الرمزي. وفي مقابل ذلك وعدوا بإعطائنا ورقة لنسجل فيها كل ما نريد، لكي يوقعوا عليها ويرسلوا نسخة إلى الأمم المتحدة في أمريكا. قلنا: "لا" وقلنا لهم: "كما تعلمونن فإننا لم نحضر بتفويض من كل السودان. لقد حضرنا ممثلين لحزب الأمة والاستقلاليين. كما تعلمون لم يكن لدينا تفويض للتحدث حول هذه القضايا. على كل، سوف نحمل وجهة نظركم للاستقلاليين. وأنتم الآن تدركون وجهة نظرنا. ربما يكون هناك مجال لمباحثات أكثر." ثم رجعنا إلى السودان. نوقش الأمر. وذهب وفد آخر؛ وأثناء تواجده بمصر، وقع الانقلاب المصري، الذي قاده محمد نجيب". [هامش: من كتاب للمؤلف فرانسيس دينق نفسه باللغة الإنجليزية هو Recollections of Babo Nimir].

    كان محمد أحمد محجوب عضواً في الوفد الثاني. وكتب فيما بعد بأنهم "وبسرعة" غيروا قانون الحكم الذاتي إلى دستور انتقالي قاد البلاد عبر مرحلة الانتقال إلى الاستقلال في أقل من أربع سنوات. وما تبقى كان التطبيق الرسمي للخطوات المحددة في اتفاقية 1953 بين بريطانيا ومصر والتي كانت تقود البلاد إلى الاستقلال عبر الحكم الذاتي. قرر البرلمان، الذي انتخب عام 1953 ليحدد مستقبل البلاد، قرر بالإجماع في 16 أغسطس اتخاذ الخطوات اللازمة نحو ممارسة حق تقرير المصير وفي 29 أغسطس أجيز قرار بإجراء استفتاء مباشر لتأكيد رغبات الشعب السوداني. ولكن تم التخلي عن هذا القرار بسرعة عندما "أدركت الأحزاب السودانية أن تنظيم استفتاء في قطر شاسع ومتنوع مثل السودان، غالبية سكانه من الأميين، خاصة في الجنوب، سوف يخلق العديد من المشاكل ولن يحل شيئا إضافة إلى ذلك، سوف يكون مستحيلاً عملياً إجراء استفتاء في الجنوب لأن التمرد كان قد أحدث انفراطاً في الأمن والجهاز الإداري." [هامش مصدر الكلام بين الأقواس من كتاب للدكتور عمر محمد بشير هو Revolution and Nationalism in Sudan فالتمرد بدأ في أغسطس 1955 والذي حدث أن الاستقلال لم يعلن بواسطة استفتاء وإنما من داخل البرلمان].. وحُرم السودانيون خاصة في الجنوب بذلك من حق المشاركة المباشرة في تحديد مستقبل بلادهم. إن أزمة الجنوب، التي برزت أساساً كرد فعل على الإبعاد، أصبحت الآن الأساس لعزلة أخطر، وهي عدم المشاركة في اتخاذ القرار الهام الخاص بالاستقلال الوطني.

    وفي الفترة الحاسمة لمسيرة الاتفاق على إعلان الاستقلال، ظل قادة الحركة الوطنية "يعملون بانهماك" خلال "الأيام القليلة التالية." وصرّح محمد أحمد محجوب، بلهجة دلّت على الحساسية التي تعاملوا بها مع القضايا الجنوبية، "لقد واجهنا بعض الصعوبة في إقناع الجنوبيين، لهذا فقد أجزنا قراراً خاصاً لإرضائهم، متعهدين بأن الجمعية التأسيسية سوف تعطي اعتباراً كاملاً لمطالب أعضاء البرلمان الجنوبيين الداعية لقيام حكومة فدرالية للمديريات الجنوبية الثلاث." [هامش المصدر هو كتاب محمد أحمد محجوب السابق].. ولا ندري إن كان محجوب وزملاؤه جادين في الإيفاء بذلك التعهد أم لا، ولكن يمكن الحكم على ذلك فقط من خلال الإشارة المسيئة والرفض الذي تلى للمطلب الجنوبي دون أي قدر من الاعتبار.

    وأصبح مصير الشعب، وحقيقة، مصير الأمة يقرر هكذا، بخدعة ماكرة، تفتقر إلى المبادئ الأخلاقية والسياسية الأساسية، ذات أهداف قصيرة الأجل من أجل استقلال تآمري. وقد تقبل الجنوب الخدعة بسذاجة، كما بدت، على أنها صادقة، "وكان إعلان إستقلال السودان، حسب رأي أحد واضعيه خدعة؛ وثيقة مزوّرة تم الحصول عليها عبر ادعاءات ومبررات كاذبة، الشئ الذي لا يشرف المؤسسة السياسية الشمالية." [هامش لمصدرين هما كتاب للدكتور منصور خالد السابق ذكره، وكتاب تيم نيبلوك السابق ذكره]

    تعدت أزمة الشرعية، على كلٍ، جنوب السودان وأثّرت على أجزاء أخرى مهمشة في البلاد. وكما لاحظ تيم نيبلوك "بالنسبة لغالبية السكان في المناطق الأقل تطوراً في أطراف السودان بدت الدوة لاسودانية المستقلة حديثاً كياناً بعيداً وغريباً عليهم، كما كان الحال في العهد الاستعماري. لم يتحصل سكان جنوب السودان، والغالبية في غرب وشرق السودان، إلا على القليل من المنافع التي منحتها الدولة في مجالات (التعليم، الخدمات الصحية والوظائف الحكومية ذات العائد المادي ... إلخ) وبدا بأن الكادر الإداري للدولة، الذي كان يعمل وسطهم، لا يشاركهم ولو القليل من ثقافتهم وخلفيتهم الإثنية." [هامش المصدر كتاب لتيم نيبلوك].
    وهناك عدد من النقاط حول حركة الاستقلال تحتاج إلى تركيز الضوء عليها خاصة ما يتعلق بتطبيقها على الجنوب، وبدرجة أقلن على المناطق المهمشة للبلاد. والعامل الأهم، هو أن حركة الاستقلال كانت حركة صفوة بقيادة مجموعة صغيرة من سكان المدن ومن أفراد محنكين، مدعومين من زعماء الطوائف، الذين يظهرون بأنهم يمثلون جماهير وأتباعاً لهم، يمنحونهم الطاعة العمياء دون إدراك للقضايا المثارة. وكانت لهذه المجموعة من القادة، المستفيدة من علاقاتها الوطيدة بإدارة الحكم الثنائي، وجهة نظر فاحصة للوضع في الوسط وعلى الصعيد العالمي، ولكن فهمها للمجتمع السوداني الأوسع داخل القطر كان قاصراً. إضافة إلى ذلك، كان لتركيز أولئك القادة على استغلال موقف دولتي الحكم الثنائي والقوى السياسية في القاهرة ولندن أثره في إبعادهم عن دوائرهم ومواطنيهم في الداخل بدرجة كبيرة. [هامش المصدر من كتاب الدكتور منصور خالد السابق].

    فيما يختص بالجنوب، كان للاختلافات العرقية، الثقافية، والدينية التقليدية، التي ترسخت نتيجة سياسات الفصل البريطانية، الأثر في تفاقم العزلة خلال فترة ما قبل الاستقلال. وبشكل خاص، أدت النظرة إلى الجنوب بأنه بدائي ومتخلف، كما يراه الشماليون والبريطانيون، إلى تدعيم توجه لدى السياسيين الشماليين، كان في أحسن حالاته، تنازلاً وتكرماً، وفي أسوئها احتقاراً. وبالنظر إلى الفجوة بين القادة الشماليين والجنوبيين في السن، والتعليم، والحنكة السياسية، لم يكن وارداً خلق أرضية مشتركة للتفاهم والاحترام المتبادل في تعاملهم مع قضايا ذات اهتمام إقليمي او قومي. وحقيقةن يمكن الدفع بأن النظرة الشاملة لدى القادة الشماليين في تعاملهم مع دولتي الحكم الثنائي، ودول العالم العربي، والعالم الثالث، كانت أكثر تطوراً، ودقة مقارنة بإدراكهم ووعيهم بالوضع الداخلي، وبخاصة في الجنوب. ولهذا لم يكن مستغرباً، أن تكون نظرة الجنوبي العادي تجاه الحكومة الجديدة، التي تولت السلطة عند الاستقلال، بأنها كانت شمالية، عربية وأجنبية؛ وبالقطع لم تكن لتعبر عن استقلال للجنوب، كما أكدت تطورات ما بعد الحكم الاستعماري.
    انتهى المخلص المقتطف من كتاب الدكتور فرانسيس دينق "صراع الرؤى" ترجمة الدكتور عوض حسن.
                  

08-19-2005, 04:41 PM

msd


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صفحات هامة من تاريخ السودان.. قصة الدستور... والتداعيات (Re: Yasir Elsharif)

    *****
                  

08-19-2005, 04:49 PM

aymen
<aaymen
تاريخ التسجيل: 11-25-2003
مجموع المشاركات: 708

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صفحات هامة من تاريخ السودان.. قصة الدستور... والتداعيات (Re: Yasir Elsharif)

    Dear Yasir,
    My late father ( may Allah bless his soul) used to give me flashes from the Sudanese history around the independence since I was in primary school. He liked some politicians and gave them credit for what they did. Early in the intermediate school I realised that certain events around the period must have been the cause of the rapid decline in Sudan. My father did not only fail to prove me wrong, but he also failed to prove otherwise. As time passed and I started to read articles such of those of Dr. F. Deng and Dr. M. Khalid, a feeling of satisfaction filled my young brain: The failure of the pioneer Sudanese elites was the direct cause of what we are seeing now.
    Now, what was the cause of that failure?
    A- Could it have been the fact that the majority of those elites were mere bureaucrats trained to help the British in controlling and governing the country in stead of the Egyptians? That, they were not actually intellectuals who could understand the immediate as well as the future consequences of the dictions they took!. I can proof that this is exactly the case in the deterioration of civil services, but could it have been the same for the political process?
    B- The period of independence was not long after the end of World War 2, with all the turmoil in politics, economy and social ideas internationally, regionally and locally. Is that a good excuse for the misdeeds of those elites.
    C- Was it the psychological build up of the Sudanese personally with all its complicated nature of irrationality, double morality, loss of common sense and the believe in myth. Yes, Zien AL Abdeen Abdel Tam had a psychological problem, as did Almahjood and Hassan Bashir Nasr in their destructive and bloody war against the South. I think this approach to the Sudanese politics should be sought by researchers.
    Personally, I believe A and C, jointly, could give a good explanation for what happened then, and why is it happing now.

    (عدل بواسطة aymen on 08-20-2005, 06:33 AM)

                  

08-19-2005, 05:42 PM

هاشم نوريت
<aهاشم نوريت
تاريخ التسجيل: 03-23-2004
مجموع المشاركات: 13622

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صفحات هامة من تاريخ السودان.. قصة الدستور... والتداعيات (Re: aymen)

    ياسر البوست جميل بس انت ما بتاكل من غير كتشب دى مشكلتك ...
    كدى اجيب لى ورقة اغطى بيها جزء واقراء الباقى...

    (عدل بواسطة هاشم نوريت on 08-19-2005, 05:43 PM)

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de