لا أفقه كثيرا فى خباياالرياضة وتفاصيلها، لكنى متابع جيد للعديد من ضروبها، خاصة الألعاب الفردية وأتابع فى هذه الأيام بشغف ومحبة فعاليات "بطولة العالم العاشرة لألعاب القوى" المقامة فى "هلسنكى" العاصمة الفنلندية، والتى تختتم اليوم متعة وتجلى وإنجاز وإبداع إنسانى بلا حدود، يمتزج فيه الأداء الجسدى الحركى مع العقلى النفسى فى تآلف يمجد روعة الخلق البشرى الجميل أرقام جديدة وتحصيل يأتى بمغانم ثمينة، أولها وأهمها ذلك المجد والفخر الذى تراه يطفر من محيا اللاعبات واللاعبين حين تخفق أعلام أوطانهم مع خفقات قلوبهم التى تمتلئ بالفرح اللانهائى وهى تردد مع كل دفقة كلمات النشيد الوطنى مع غلالة كثيفة الألق والحميمية من دموع تغطى ذلك الفرح الذى يسكن العيون فى هكذا لحظة ومع كل حدث جميل وكل تتويج أجمل، يقفز الى الخاطر وجه الوطن، ذلك الغارق فى ضياعه المميت، المعطون فى أحزان فرحه أو أفراح حزنه، لا أدرى والله، يطل وجه الوطن ويتخيل للمرء وهو فى ذروة النشوة، أن فتاة سمراء اللون والطعم تقف منتصبة مثل "بانة" نحيلة أنيقة فى منتصف منصة التتويج، تنظر عيناها الى الأعلى لتردد مع هبات النسائم التى تداعب راية الوطن، أهزوجة الفخر والفرح، أو شابا نيلى القسمات تفيض ملامحه ببشر موغل فى كبرائه كما يفيض ذلك النهر بالطمى والبشارات الندية، تتخيل أى منهما وهو منتصب مثل شجرة تصل طيب الأرض بجلال السماء ثم تحس بعدها بوخز لئيم على جنبات الروح، يوقظ اللحظة من تهويمها الجميل ليعيدك الى واقع لا تقاربه حتى مثل تلك الأحلام الخضراء لم أر ضمن أعضاء المنتخب السودانى سواء لاعبة "القفزة الثلاثية" والتى نافست على المركز الثالث واكتفت بالرابع بعد انقضاء محاولاتها الست، وهى سودانية بالتجنس وأظنها من كوبا ثلاث وعشرون لعبة من مختلف أنواع هذه الرياضة البديعة لم يشارك فيها السودان سوى بتلك اللعبة فقط، ربما كان هناك فرد أو اثنان بدأوا فى التصفيات الأولية ولم ألحظ وجودهم، ولكن يظل السؤال المغرق فى إلحاحه
إلى متى يظل راهن الرياضة السودانية على مثل هذا الحال؟
هل يا ترى أجدب الوطن وخلا من المواهب، لا أظن هل يا ترى إنعدمت الخامات ، فردية كانت أم جماعية، القادرة على الإنجاز والمنافسة، لا أظن ذلك ايضا ةيجب ألا يحدثنى أحد عن الإمكانات، مادية كانت أو غير ذلك، لأننا حين نرى دولا مثل "جامايكا" و "غانا" والسنغال" و "كينيا" و عددا من جزر الكاريبى مثل "الباهاما" و"ترينداد" وغيرها، نضع مباشرة حجة الإمكانات جانبا، والمقارنة لا تحتاج كبير عناء للشرح أو التوضيح، أما الجارة الحبيبة "اثيوبيا" فذلك شأن عظيم وذلك شئ يحفز النفس على الفرح، والفرح اللانهائى فهؤلاء القوم الذين هم بنكهة البن الأصيل، وكبرياء الهضاب الإثيوبية، اصبحوا مدرسة عالية الشأن فى مجال العدو فى المسافات الطويلة، بدءا بذلك السائق البسيط الذى كان يعدو حافيا فى ستينيات القرن الماضى، مرورا بالأسطورة "هايلى غبراسيلاسى" ووصولا الى الشاب المبدع "بكيلى" والحسناوات اللاتى يعدون كما الغزلان، الشقيقتان "ديبابا" ومعهن غزالة أخرى تسمى "دافار"
أصبحت اثيوبيا مدرسة يتبع منهجها وطريقتها الآخرون، فهل تمتلك اثيوبيا من الإمكانات ما هو اكثر مما لدى السودان؟ الإجابة قطعا بالنفى
إذن تنتفى حجة الإمكانات، والفيل الذى ظلمما نطعن فى ظله الكبير، ماثل وموجود أمام أعين الجميع، ولكن من يرى، ومن يعرف، ومن لديه الرغبة أصلا ليرى وليعرف؟
الإجابة يا سادتى واضحة وجلية، نحن قوم جبلنا على عدم الإهتمام بالأشياء، فى أى مجال أو حقل كانت، ونحن قوم نستبسط الأمور ولا ننظر الى أبعد من أنوفنا أو موطئ اقدامنا
وعندما يسمع الواحد منا كلمة "رياضة" تقفز الى ذهنه مباشرة، وبقوة، "كرة القدم" التى يدعون أنهم يصرفون فيها وعليها البلايين، ولكن، الحال كما هو منذ ما يزيد على ربع القرن وأكثر، واذا أردنا المقارنة ايضا، تجيئ فى الخاطر اسماء دول مثل "الكمرون" و "السنغال" و "غانا" والأمثلة عديدة، فماذا حققنا فى ذلك الضرب من الرياضة؟ لا شئ، ولا أظننا سوف نحقق شيئا لأن النظرة لا تزال كما هى، ولأن الرؤية لا تزال كما هى، رؤى وأفكار ساذجة فجة فى فهم الأمور وبلادة فى تسييرها وتناولها
الرياضة يا سادتى ما عادت ترفا أو قضاء وقت ممتع، ما عادت ممارسة فى أوقات الفراغ وتضييع الوقت، الرياضة أصبحت علما له أصوله واصبحت صناعة لها مقوماتها المطلوبة، وأكثر من ذلك، صارت جزءا من الكبرياء الوطنى الذى تسعى الأمم الى الحفاظ عليه وزيادة محصلاته
وفوق كل هذا وذاك، نجد فى الوطن إعلاما رياضيا، هذا إن تحاملنا على انفسنا ومنحناه هذا الإسم الذى لا يستحقه، لا يفقه ولا يعرف سوى "كرة القدم" وليتها كانت مغرية وفى الوضع الذى يستحق هكذا عناء وكبد، كتبة يصولون ويجولون على صفحات صحف لا أظنها افضل حالا من تلكم الصحف المدرسية التى يحررها تلاميذ المتوسطة أو الثانوية، ومعلقين يحتمل أن يسمعهم العالم، لا يفرقون بين ال "غين" و ال "قاف" ينصبون الفاعل مثلما ينصبون فخاخ لغتهم للمستمعين أو المشاهدين، أو يكسرون نائبه كما "يكسرون خاطر" هذه اللغة الجميلة وتلكم الآذان المرهفة
الواجب أن نهتم بضروب الرياضة الأخرى، خاصة ألعاب القوى، فهى وحتى وإن سلمنا بحجة الإمكانات المادية، فهى قد تكون أخف قدرا، فالإهتمام بلاعب أو اثنين أو خمسة، قطعا هو أخف وطأة من الإهتمام بفريق كرة قدم الوطن يا سادتى حتما يحتشد بالمواهب القادرة على فعل الإبداع الرياضى، فقط ينقصها الإهتمام والرعاية والمتابعة والجدية
لننسى، ولو لبرهة، كرة القدم، والتى لا تستحق نسبة إسمها "القدمى" بجدارة إلا عندنا، لأنها تلعب بالقدم فقط، وهى فى الأساس تلعب بالعقل أولا وثانيا، ثم بالقدم ثالثا
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
أبوذر بابكر
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست