|
قصد الطيور النور
|
" قصد الطيور النور" الشعر وثقافة حقوق الإنسان تحية إلى عاطف خيرى *
أتيح لى فى اكتوبر من عام 2000م , أن أشارك فى مؤتمر نشر وتعليم تقافة حقوق الإنسان فى العالم العربى , والذى انعقد بالقاهرة , بريادة مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان . وقد أثير تسأول حول ما يقدمه الشعر لثقافة حقوق الإنسان , وكان الرأى الغالب أنه , وطالما أن الحديث عن نشر ثقافة حقوق الإنسان كنسق قيمى وليس كنصوص مدرسية , فإن للشعر ولا شك دور فى ترسيخ تلك الثقافة , كما أن لسيادة تلك الثقافة دور فى تهيئة المناخ الحر للشعر وغيره من الاجناس الابداعية . منذ ذلك الحين تلح علىّ خاطرة بأن اكتب كلمة فى حق الشعر والشعراء السودانيين وليمثلهم هنا عاطف خيرى . إن الشعر وأىّ نص يفيض بالطاقة الشعرية , هو بالضرورة تمرد على اللغة فى بعدها التواصلى الاجتماعى , نزوعاً نحو بلوغ حرية ما . يتمرد الشاعر , فى اللغة وباللغة , على اللغة , ليكتب لغته هو ويعرفنا على الأشياء والمعانى فى عنفوان براءتها , قبل التسمية والاسماء . وهو إذ يشّيد من دمار اللغة لغة , فإنما يبنى عبر اللغة عالماً جديداً ومختلفاً عن السائد وعن عالم اللغة التواصلى , ليفتح على الحرية والحلم . حرية الشاعر وحرية القارىء كذلك . وطالما أن الشعر الحق , لم يعد محض حامل لمعنى , بل نافذة على التأويل , فإنه يتيح للقارىء المتذوق حرية التفاعل لينتج قراءته، لينتج عالمه والشعر قدرة عالية على التكثيف , بادوات تمتد من الايقاع حتى الصورة والسينما , وفى كل ذلك لا يحتاج الشاعر سوى اللغة , فاللغة موضوع الشعر وأداته يتلقفها الشاعر بأشواقة الخمس مصاباً بالعمى , ليرى ما يريد . ولعل ذلك ما يجعل الشعر الوسيلة الأ يسر للتأثير , فهو لا يحتاج لفضاء مكانى كما هو الحال مع المسرح أو السينما , ولا لاتحاد زمنى بين الشاعر والمتلقى , فهو يسافر فى الورق هارباً من زنزانة , أو يتلى عن ظهر حب من قبل رفيق معتقل احتقبه مع ما لديه من ثياب وهو يدير ظهره لباب السجن قصد الطيور النور البى إسمو تتسما لو شفتو فى الضلمة طاير نطق كلمة للطير حزن سرى للطير حبر سرى ومحل ما يسرى معراج ومحضر ضو ضد كل خفاش طار سمم عليهو الجو
فى هذا المقطع الذى تعرفنا إليه عبر اداء رائع لفرقة عقد الجلاد , يقيم عاطف مقابلة بين العديد من الثنائيات :- النور والظلام , الكلام والصمت . صراع الطيور والخفاش على الفضاء . قصد الطيور التماهى فى النور , فى الحرية , التى هى حرية الطيران أو حرية الكلام والتعبير . وقد ترمز هذه الرغبة فى الطيران والتحليق إلى الأمل فى الانعتاق مما هو طينى , وإلى السعى العضال نحو الوحده , وحدة الكائن الانسانى المقسّم فى ثنائيات وربما أكثر . والطائر إذ يطير لما يحمله من حنين وريش يطير الشاعر كذلك من أمل ومن لغة تشّف وتشّف . والطائر نقيض الخفاش لا يطير الا فى الضياء ويسعى نحو النور , ومحض النور محض عمى , حيث لا ظل ولا نقيض و حيث ليس سوى الوحدة , الخفاش وإن طار , سمم الجو , وعاطف ينكر عليه فضيلة الطيران إذ يقول " ضد كل خفاش طار " " مما يشى بأن الطيران ليس فى ذات الخفاش , ولا طيران فى الظلام والخفاش سيد هذا الظلام . إسراء وطيران الطير ليس محض طيران , وإنما هو إسراء و عروج , وفى هذا تناص بليغ مع قصة عروج النبى (ص) ليرى الحق جهرة ,وهذا تناص يمد النص بقدسية ويعطيه بعداً رسالياً، والطائر يسعى لأن يرى النور فى محضه جهرة، والشاعر يرمز اللغة ليجردها من الزمانى سعياً نحو الاطلاق، سعياً نحو خفته، حريته وبراءته من الصباح والدياجر. يعقد عاطف محكمة ضد الظلام والخفاش ، و" ضد" كلمة من لغة المحاكم وكذلك محضر ، بما يضفى على المعنى قوة وإلزام. أينما سرى الطائر ، وفى الإسراء يسر وتلقائية لاينالها "خفاش طار" ، فثمة محضر ضوء لإدانة سيد الظلام وطرده . تقرأ المقطع فتقرأ الحرية والحياة – بالمناسبة لماذا تبدأ كلمات ذات مدلولات قيمية عاصفة بحرف الحاء :- حب , حرية , حياة , حكمة , حلم , حرب , ماسرحرف الحاء - قد تكون الحرية الشخصية أو حرية التعبير أو أى حرية شئت , أنها عريضة قوية التأثير ضد السجن والمتاريس. أخى عاطف , لكم انا نادم على مساء دعوتنى إليه فلم ألبى , ليس حسرة على الطريق إلى الليل وحسب , وإنما وكذلك طريق العودة منه , حيث الونسة شفيفة وزاهية . ولكن على أمل أن السودان فى طريقه أن يجرد العسس ما منحهم الليل من أنجم ......... لربما نتسامر ذات مساء فى شوارع الخرطوم وانت " حافى حالق فى الطريق الشاقى الكلام " * نشرت فى صحيفة الايام
|
|
|
|
|
|