هذا الفاجر

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-24-2024, 11:05 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-06-2005, 05:05 AM

abuarafa
<aabuarafa
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 962

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
هذا الفاجر

    هذا المقال ورد فى جريدة الصحافة عدد اليوم 6/يوليو


    شهادتي لله
    الهندي عز الدين
    هذا الفاجر ...!!
    * احتفى به بعض المنبهرين «بالشواذ»، ورفعوا اسمه إلى مقامات السامق «الطيب صالح»، وعدوه للناس «أديباً»، غير ان ما نُشر في مواقع الإنترنت الرخيصة من كتاباته، يؤكد أنه - فقط- سيناريست متمكن من لغة الضاد بارع في تحويل مشاهد «الجنس» الى كلمات وجُمل، وقصص محبوكة التوصيف.
    * إنه شاب سوداني يُدعى «مُحسن خالد» تتداول بعض الأوساط الثقافية، ومرتادي الشبكة الإلكترونية الدولية، خبرة، سيرته والدهشة تحاصر عيونهم، وتعقد ألسنتهم، وتبهرهم اللغة، وقدرات التكنيك في الكتابة، ولكن تغيب الفكرة، والقضية، والموضوع...!!
    * كيف يصبح «أديباً» من كانت كل قضيته في الحياة متابعة تفاصيل ما اسماه بـ«الجنس السفلي» في مجتمع غالب حركته تعلو باتجاه قيم الخير والفضيلة والاستقامة..!!
    * الفكرة المركزية وكل تفاصيلها، وحواشيها عند الكاتب السوداني المقيم بالخارج «محسن خالد» لا تتجاوز - مطلقاً - في كل ما اطلع عليه الناس من انتاجه، قضية «الجنس»!! كل كلمة وعبارة، وتوصيف في قصص «المحسن» تبدأ بالملامسة لتنتهي بالمضاجعة...!!
    * وبين يدينا ما اسماه قصة «احداثيات الانسان- الكتاب الثاني-»، «الرجل الكلوروفيل» اذا يُقدم «المحسن» لقصته بالفلسفة التالية: «أبلغُ الأرض حين ينطقها معول ... وابلغُ المرأة حين ينطقها عضو الرجل»!!
    * والمرأة في «إحداثيات الإنسان»، وفي ذهنية الكاتب، هي آلة لتسلية الرجل ومستودعاً للرزيلة، كلما ضغط زراً على بابه تدفق المستودع بحراً من الجنس، و «سونامي» لا يعرف الجزر..!!
    * والقصة المكتوبة على طريقة «السيرة الذاتية» ، لا تشير - مطلقاً- في اي من تفاصيل فصولها التي تدور في إحدى قرى السودان، واظنها على ناحية ما في منطقة البُطانة - لا تشير الى مشهد من مشاهد «الخير»، أو رمزياته في ذلك المجتمع الريفي الضارب في العمق السوداني اعترف بقيم الخير والجمال..!
    * الكاتب اسقط كل رموز المجتمع - في القصة موضوع الحديث - فصار مجتمعاً مخلوعاً تماماً من ضابط السلطة الذي يمثله «ضابط الشرطة» ومنزوعاً من ضابط الدين الذي يمثله «إمام المسجد»، ومحروماً من دور المعلم والمربي الذي يمثله «ناظر المدرسة»، جعله مجتمعاً يتيماً إذا يبدو «الاب» في القصة سفيهاً وساقطاً لشبه «الابن» بطل الرواية، أما «الأم» فإنه يقول عنها «لو كنت مكان أبي لما تزوجتها»...!! هكذا يقول البطل عن أمه...!!
    * قذف الكاتب بكل أركان المجتمع المعلومة إلى حفرة سحيقة، واهال عليها «زبالة» .. وزبالين...!!
    * جعل «المحسن على المراهقين والمراهقات من مرتادي النت» ضابط الشرطة عنيناً.. فاقداً للذكورة... وانتهى بزوجته الى مخدع الزنا عند اول طرقة للبطل على باب حرمانها الذي طال بشهادة الكاتب من أيام الختان..!!
    * ثم جعل «المحسن» امام المسجد رجلاً كريهاً، ومنبوذاً، وفظاً، وجباناً في ذات الوقت...!! وانتج مشهداً من بنات خياله «الشاذ» يصوَّر فيه «دهرية» وهي «مومس» من «الكمبو» حيث تباع «المريسة»، مشهداً تواجه فيه إمام المسجد، وتسخر منه على مرأى من الناس في السوق، ويصف هجوم «الإمام» على «المومس» باللوثة إذ يقول: «التقاها الإمام ذات لوثة من لوثاته جوار الفرن..» !! ثم يُكرم الكاتب «البطل» السيدة «دهرية» على اهانتها للشيخ الإمام بعبارة «عفارم عليك...»!!
    * أما ناظر المدرسة عند «محسن خالد» فهو خبيث يترصد لحالات «الشذوذ» المبكر عند تلاميذ المدرسة، واما «الوكيل» فقد كان مجرد مُكبر صوت لصراخ المدير...!!
    * وحتى الباعة المتجولين العابرين للقرية فقد حصر «محسن خالد» مهمتهم في أنهم عناصر مساعدة و«تروس» جانبية في آلة «الجنس» المركزية التي تدير كل «حركات القرية البائسة...!!
    * الباعة المتجولون على «الإبل»، هم تجار «الطلح» و«الشاف» و «الكُليت»... بينما يتجاوز الكاتب غير آبه بالأُخريات من السلع - مع أنها الأهم والأكثر تداولاً في المجتمع الريفي - مثل «الجردقة» و «الحرجل» و«المحريب» ...!! ويضطر الكاتب اضطراراً إلى توصيف ماهية هذه الاعشاب «حرجل، محريب، جردقة» لفائدة القارئ العربي، ثم يعبرها مُتلهباً الى توصيف ممعن، ودقيق وفاجر لاستخدامات «الطلح» و«الشاف» و«الكليت» غائصاً في تفاصيل عملية «الترويج» والتسويق والمبايعة لهذه الاصناف مُركزاً على الاشارات والايحاءات الجنسية بين كل جُملة .. واخرى...!!
    * الكاتب يجعل «الروضة» ذات «الشلوخ» بائعة «البروش» سحاقية ترصد النواعم من النساء اثناء عملية البيع في «سوق الله اكبر»!!.
    * والكاتب أيضاً يُروج - بإصرار- للأثر الرائع لسيجارة «البنقو»، ويعتبر ان «المصطول» بمخدر البنقو تهطل عليه الافكار من سماوات الدهشة، وان «المصطول» لا يجد الكلام تعقيداً في داخله حتى يبلغ قامة السؤال..!! يقول الكاتب على لسان البطل: «بنقو الجنوب الفاهم من صنف الكافن» حين تتلقاه، تتلقى المعرفة كلها في جريمة واحدة»!!
    * محسن خالد تجاوز «نجيب محفوظ» واحسان عبد القدوس ويوسف السباعي عبقرية في انه اول من ربط «المعرفة» بالمخدرات...!!
    * وتبلغ حكايات «محسن» قمة شذوذها عند مشهد نبش قبر «نعمة» الارملة الجميلة بمشاركة «مكاشفي» معتاد ممارسة الرذيلة مع «الاموات».!!
    * نبش القبور او «النيكروفيلية» من المسكوت عنه في المجتمع الريفي السوداني؟!! وكأننا حين نقرأ لهذا الكاتب «الشاذ»نستشعر غباءً.. وغربة عن هذا المجتمع الذي غصنا فيه، وعرفنا حدود قاعه..!!
    * في أية قرية ، وأي مدينة تمارس عملية «نبش القبور» يا أيها المرزول..؟
    * لقد جمع الكاتب كل انحرافات المجتمعات الأوروبية والأطلسية التي عايشها، وألبسها «ثوباً» سودانياً، وعطرها «بالطلح» و«الشاف» و«الكُليت»..!!
    * إنه مجرد سيناريست لمشاهد جنسية، يظن ان الصعود الى اعلى يكون بمزيد من السقوط...!!
    * والسقوط عند «محسن خالد» يتجلى في توصيف المرأة عند نهاية قصته المعطونة في الرزيلة عندما يقول: «المرأة هي الصحيفة الوحيدة التي تُقرأ بالمقلوب»!!
    * أقلبوا عليه أوراقه الرخيصة، وأغلقوا عليه مواقعه الفاجرة، إنه يُسئ للأدب والأدباء السودانيين، وللمرأة، ويصور مجتمعنا «حانةً» و«وكراً»..!!
    * أين «عبد الحي يوسف» وعطية محمد سعيد ومحمد عبد الكريم من هذا الفاجر؟
    * وأين طيب الذكر اتحاد الأدباء السودانيين وأين... وأين...؟
    * إنه سلمان رشدي آخر، ولكن بعين ولسان مختلفين.
                  

07-06-2005, 11:04 AM

اشرف السر
<aاشرف السر
تاريخ التسجيل: 12-06-2003
مجموع المشاركات: 1563

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
ما هكذا تكون الشهادة الهندي عز الدين (Re: abuarafa)

    الهندي عز الدين ؟؟؟؟
    في البدء اعتزر للكل عن عدم استخدامي الا اللغة التي يفهمها الهندي وأمثاله من المدعين..

    غباء في القراءة... تحريف مبتسر وتزوير على المكشوف

    يحتار المرء في الرد على هكذامقال... فالمغالطات التي يمتلئ بها المقال يجعل من العسير على القارئ العادي لأعمال محسن خالد أن يفهم مغزي الكاتب من هذا الهجوم غير المبرر وغير الموضوعي والذي لا يستند سوى على الرأي الشخصي المسبق في تحيز واضح... ناهيك عن أن يكون نقدا محترفا.. وتقييما للقيمة الأدبية والفنية لأعمال محسن خالد.
    ولعل اخطر ما ورد في مقاله هو خاتمته... وانظروا معي الى ماذا يدعو الهندي عز الدين

    ( (أين «عبد الحي يوسف» وعطية محمد سعيد ومحمد عبد الكريم من هذا الفاجر؟
    * وأين طيب الذكر اتحاد الأدباء السودانيين وأين... وأين...؟
    * إنه سلمان رشدي آخر، ولكن بعين ولسان مختلفين))




    وحتى لا أقع فيما ولغ فيه الهندي عز الدين سأكتفي الان بإيراد نماذج مما قاله النقاد عن اعمال محسن خالد...
    ولي عودة لأفند كلامه فقرة فقرة..
                  

07-06-2005, 11:06 AM

اشرف السر
<aاشرف السر
تاريخ التسجيل: 12-06-2003
مجموع المشاركات: 1563

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
قراءة في رواية «تيموليلت» - عيسى الحلو (Re: اشرف السر)

    قراءة في رواية «تيموليلت»

    محســـــن خالــــد روائي ســــــوداني جديـــــــد يشغل

    الساحــــة الروائيـــــة من بيروت/ المغرب/ حتى الخليج

    اعداد: عيسى الحلو

    محسن خالد روائي سوداني جديد.. صاحب شكل روائي جديد واخاذ.. وعن هذا الشكل الفني يقول هو لصحيفة الاتحاد الظبيانية.. (روايتي تخفي بطاقة نواتها عن ايام السرد القديمة. وفي روايتي «تيموليلت» يخيل الىّ انني احكمت مطاردتها. ثم يضيف قائلا.. انا كاتب تشتغل عليه الكتابة منذ ايام الطفولة، لقد كتبت حياتي وطفقت اعيشها.. ولكن الانسان لا يبيت في جلده مرتين) «انتهي».


    * سمعت عن هذا الروائي من الاستاذ ضياء الدين بلال في اول الامر. ثم اتاني الناقد احمد يونس باجزاء يسيرة من روايته «تيموليلت». طلبت من احمد يونس ان يكتب عنها لـ«الرأي العام الثقافي» ولكن احمد اعتذر بانه لا يستطيع ان يكتب عنها في جزئها المبتسر هذا. فهو يخشى ان يخونها وان يخون كتابته عنها في وقت واحد.

    ولكن شيئاً ما كان يدفعني للكتابة عنها.. ربما هو شكلها.. هذا الشكل الدائري الذي اوضح نفسه بداية. فلست هنا بصدد المضمون العام الذي يتشكل ويتجسد عبر المعنى في مساره السردي. ويتبدى كله جملة وتفصيلاً دون ان تتوقع ان يتطور المعنى للوصول الى نهاية. ولهذا سأركز هنا على الشكل الجمالي والذي ارى انه الاضافة الروائية الحقيقية.

    * رغم ان الروائي يشتغل في روايته هذه على عدد من «الثيمات» والتي يمكن عبرها ان نلخص الموقف الوجودي الاساسي لبطل الرواية والذي هو الكاتب نفسه. وهذا ما يجعل الرواية تفرض شكلاً نقدياً جديداً يغامر كما تغامر هي ككتابة جديدة شديدة الالتباس حينما يفقد الناقد عندها كل المرجعيات.

    * الثيمات الاساسية للرواية:

    * مؤلف الرواية «محسن خالد» هو ايضاً بطل الرواية. هو موضوع داخل النص الروائي بوصفه النواة الاساسية للسرد. وهو الذي يقوم بكل الافعال ولهذا فهو يقول داخل المتن الروائي «انا كاتب تشتغل عليه الكتابة منذ ايام الطفولة.. لقد كتبت حياتي اولاً وطفقت اعيشها.. فالانسان لا يبيت في جلده مرتين».

    اذن فبطل الرواية موضوع هنا على مستوى شرطه التاريخي الوجودي.. فهو سوداني وعربي وكائن عالمي.. يحمل لحظة تاريخية مكونة من كل طبقات التاريخ العام والخاص.. داخله سيرين كاركيجارد وسارتر وماركس والمتنبي وانشتاين.. يؤمن بالقدر ويؤمن بالنسبية.. البطل هنا داخل نواة العصر تماماً.. لحظة مليئة بفوضى الازمنة.. والبطل يدور داخل هذه النواة وداخل هذه الدوامة التي لا يستقر لها مستقر.

    وفي هذا يقول بطل الرواية نقلا عن «عدنان اتيل».. (تتقدم امواج اليم، حركة بلا توقف. حركة تجرؤ ان تسمى الاياب، ولا تروي، لكنها تمضي نحو المستقبل، شيئاً مجرداً. ان الواقع الخفي كله يكمن في هذه الانهار).. وعن «اتيل عدنان» ينقل قوله.. «اين نحن؟ اهناك ثمة اين؟.. لاننا بكل عناد موجودون».. «اين الانين، اين الرعب، الحب، الالم؟ اين الكراهية؟.. اين حياتك ، وحياتي؟»

    * وهكذا تجد هذا الفضاء الوجودي الشاسع الذي تدور فيه حيوات البطل الفكرية والوجدانية. ولهذا يمكن ان نقول ان الافكارالتي تطرحها الرواية هي افكار وجودية يمكن النظر اليها بمناظير انسانية عديدة. فايديولوجية الرواية هي اللا ايديولوجيا.. حيث كل الافكار قابلة للصدق او الكذب في وقت واحد. ولهذا فان الرواية كلها تدور في فضاء الفوضى واللامعنى.. فهي ضد الثابت تتحرك مع حركة الاشياء في دورانها الذي لا يتوقف.

    * الرواية تصور لنا حالات شعورية وذهنية غير ثابتة.. تتحول وتتحور محاورها الاساسية وفقاً لدوران هذا المزاج.. ونسيج الرواية السردي هو مجموع هذه الحالات المتفقة والمتناقضة.. تبنى هنا.. لتهدم هناك.. وهذا ما اسماه المؤلف بتكابة «المحو».. واذا استعنا بالناقد جول دي مان او بالتفكيكي دريدا نجد ان النص الروائي يقوم على بناء الجملة بوصفها وحدة للمعنى ولكنه يدمر هذه الجملة ليبني على انقاضها جملة اخرى. وهذا ما جعل الكاتب محسن خالد يقول ان وحدة الرواية هي الجملة «الرواية الجديدة تقوم سرديتها على الجملة» «حسب خالد محسن».

    * لهذا فان رواية «تيموليلت» لا تسعى لبناء المعنى في اطراد الجمل بل الرواية كامنة كلها في هذه الانقطاعات.. هي كامنة في اللا محدد لا في المحدد.. تماماً كالجملة الموسيقية.. فالفجوات.. ذاك الصمت العميق الذي يفصل بين جملة موسيقية واخرى هو ما يمثل جوهر الكتابة الرواية والذي هو نثار المحو.

    * الشكل الجمالي للرواية:

    منذ البداية يحدد الروائي الشكل الذي يصب فيه مادته الخام.. فيقول.. الكتاب «الرواية».. هو ماعون للمحو.. مثلما هو ماعون للكتابة.. اذن فالكتابة هي اثبات ونفي.. ثم نفي النفي فيما لا نهاية. ثم يضيف .. ها هنا سنمحو ونكتب سيرة تيموليلت.

    * هذا القول يقودنا الى سؤال مهم عن الاختلاف بين كتابة السيرة الذاتية وكتابة الرواية.

    * السيرة الذاتية:

    * هيكل هذه الرواية ينبني على هيكل السيرة الذاتية.. مؤلف الرواية هو بطلها.. والشخصيات الثانوية التي تحيط بالبطل هم كتاب معروفون التقي بهم المؤلف اما في المغرب حيث كان يعيش واما في بيروت حيث يذهب لبعض المهام المتعلقة بعمله ككاتب روائي.. وهناك اراء هؤلاء الكتاب واراء المؤلف نفسه حول احداث سياسية او ادبية معروفة.. مثل اعدام عبد الخالق محجوب مثلاً وحول الاتحاد الاشتراكي السوداني وحول جعفر نميري.. وحتى بطلة الرواية «تيموليلت» تبدو التفاصيل المحيطة بها واقعية ايضا ومنقولة من الواقع التاريخي والوجودي الذي يحيط بمؤلف الرواية ضف الى ذلك تلك الاحداث الصغيرة هنا وهناك والتي تحيط بطفولة وصبا المؤلف نفسه.

    * الرواية كعمل تخييلي:

    * الرواية الادبية «عادة» تنهل من السيرة الذاتية ولكنها تحور هذا الواقع عبر التخييل. فالخيال الروائي يمسك بالواقعة ولكنه يعيد بناءها ويشكلها بناء على درامية السرد. ولهذا فان المؤلف يتشظى داخل كل شخصية ولكن كل شخصية تظل بمنأى عن شخصية المؤلف ومن ثم فان كل شخصية تملك حريتها الشخصية في الحركة الدرامية تماماً كما تفعل الشخصية الرئيسية هنا.. (شخصية بطلة الرواية «تيموليلت»).

    ولهذا فان رواية «تيموليلت» لمحسن خالد.. مازجت ما بين كتابة السيرة الذاتية وما بين كتابة الرواية بوصفها تخييلاً ادبياً. وان مالت بشكل عام لكتابة الرواية عبر تقنيات كتابة السيرة الذاتية. وهناك روايات ادبية كثيرة مازجت بين الطريقتين وان رجحت كفة التخييل الروائي كما في رواية « مزيفو النقود» لاندريا جيد. وفي «منسي» للطيب صالح وان رجحت السيرة الذاتية لمنسي.

    *ما انجزته رواية تيموليلت:

    ان القيمة الاساسية لرواية «تيموليلت» تكمن في انها رواية استطاعت ان تخترق الشكل الروائي المستقر والمعهود فهي متن ابداعي لا يتخذ من اية رواية سابقة مرجعية يستند عليها في الكتابة.. وهو نص اعتمد على الاعراف الجمالية في تجنيس النص كرواية من خلال القواعد الروائية العامة.. كالشخصية.. والراوي والشخصيات الاخرى التي تمثل مناظير يمكن ان نراقب من خلالها الحركة الكبرى للرواية.. ثم الاعتماد على السرد الذي يعتمد على حركة الزمان من خلال الازمنة.. ضف الى كل هذا تلك التقنية السينمائية التي استعارها الروائي في تقطيع المشاهد واعادة تركيبها «المونتاج» وفي حركة الكاميرا التي تصور مشاهد متفرقة ثم تعيد تركيبها.

    * وعندما يقول المؤلف ان «الرواية الآن هي الجملة» فهو يتكلم عن تلك التقنية السردية التي تجدها في رواية كبرى كرواية الغريب لألبير كامو حيث تفتتح الرواية بجمل قصيرة مكثفة وشديدة التركيز.. جمل لا تقود احداها لجملة اخرى.. حيث ينشأ الفراغ ويفصل بين الجملة والاخرى.

    كامو في رواية الغريب يعتقد ان لا هناك معنى يمكن ان تصل اليه الرواية.. وكذلك يفعل «محسن خالد» في رواية «تيموليلت» هذه. فالسرد الروآئي هنا يعتمد على الجملة بوصفها انعكاساً لاحوال.. ولحالات غير ثابتة وذات تحول مستمر. وفي جملة يقول البطل الذي هو المؤلف لاحدى الشخصيات «يعجبني في الكؤوس الزجاجية انعكاسكم فيها.. هكذا تقول اسطورتي القديمة والتي اخترعها الآن» ثم يضيف.. «حين تنظر في كأس الشراب ترى انعكاس اهله.. وتغييب صورتك. مرايا الشراب، الناس يقصدونها للتفاهم مع الذاكرة. واساس الصورة.. هو هذا الانعكاس.

    * هل الوعي عند بطل الرواية ومؤلفها.. هو ذاك الوعي الذي وصفه لنا هيدجر في «ظاهريته».. وهو ان ترى الآخر في الصورة بوصفه آخر وفي نفس الوقت انت ذاتك بوصفك ذاتاً؟.. كأن تكتشف الآنا نفسها عبر صورة الآخر.. كما نكتشف في نفس الوقت صورة الآخر في ذات المرآة؟

    * اظن ان (محسن خالد يستخدم الوصف لا على طريقة الروائيين الكلاسيكيين الآخر بل هو يستخدمه على الطريقة «الظاهراتية» «الفيمونولوجية» كما يستخدمه سارتر في روايته «الغثيان»).

    * ان الجملة هنا تحمل كل اسطورتها الانا والآخر معاً وعلى الدوام.. والصورة هنا ملتقطه بكاميرا العين الداخلية.. موصوفة من الداخل.. من داخل الروح او الجسد في ارتباطه بالأنا..

    فحين يصف «محسن خالد» البرد في اوروبا فهو لا يقول كما قال الطيب صالح في ذات الصدد «بلد تموت من البرد حيتانها» بل يقول..«لن اموت في قلب اوروبا جوعاً.. البرد بلغ حداً رهيباً يتجمد معه البول في مثانته» فشعور الذات هنا شعور لصيق بها وليس متصوراً من خارج الذات.. ولهذا جاء القاموس اللغوي كله مكتوباً بناء على هذه المنهجية الفيمونولوجية «الظاهراتية».



    * وبذا أعطانا «محسن خالد» أمثولة «كما يقول أحمد يونس» في محاولته النقدية للكتابة بين موقف الكاتب نظرياً وتطبيقياً.. «محسن خالد» يعرف الفرق بين الشعر والشعرية. بمعنى أن الشعرية حتى وإن اختارت لغة خشنة فهي شعرية لا بسبب لغتها ولكن بسبب موقفها الرؤيوي للعالم.. وذلك حينما تخترق الواقع وتنفذ الى مستويات فوق الواقع.. الى مستوى اسطرة الواقع وجعله رمزاً من بين الرموز الكثيرة التي لا يستطيع الوعي الامساك بها بسبب انها غير مدركة للوعي المدرسي الاتباعي والمتفق عليه كعقد اجتماعي للتفاهم حول الامور المباشرة في الحياة اليومية المباشرة.

    * لهذا يفلت «محسن خالد» من اللغة المُكَرَّسة التي تستخدم لغاية في خارجها ويستخدمها لغايتها الذاتية لهذا تراه يقول.. «الشعراء التأصيليون من أمثال بليك وطاغور ووليم باتلر ييتس وبابلو نيرودا لن يخدموا قضيتي».

    وتقول له إحدى الشخصيات تعقيباً على ما قال.. « شاعر أنت إذن».. فيقول «أنا كاتب روائي تحديداً».. فهو روائي يخترع للرواية توصيفاً جديداً.. فالرواية ليست قطعاً هي القصيدة.. كما أنها في نفس الوقت هي ليست تلك الاشياء التي تدور في عالم مألوف ومحدد سلفاً. فهي خلف الجملة.

    * ان تكون الرواية كلها خلف «الجملة» يظهر في قوله «الحياة» الحقيقية عندي هي مصادفة هذه الواقعة او تلك فحسب. اما اي استتباع او استطراد لاحق فهو يتم في خانة التمثيل والتخطيط ولا حاجة بي للامرين.

    ولهذا فالرواية هي فعل عفوي لهذه الجملة التي تنطلق من مكان ما لتصور حالة معزولة عن كل الحالات اللاحقة والسابقة. الجملة حسب وصف الراوي هي تفعل نفس ما يفعله الليل.. والليل «متصوف كبير لا يسأل عن حالنا».

    * قال عنه النقاد إنه أهم روائي جاء بعد الطيب صالح.. هو حقاً روائي متميز ولكنني أخشى ألا يكون كذلك.. فهو في هذه الرواية قد حصر نفسه في مكان ضيق أخشى أن لا يتخطاه.. حينما اختار فضاء المسكوت عنه كما فعل نزار قباني.. وكما فعلت الجزائرية «مستغانمي».. وكما فعل إحسان عبد القدوس.

    * من الصحيح ان امكانات هذا الروائي «القنبلة» امكانات تعبيرية كبيرة تعمل على تشكيل فضاء سردي جديد.. الا انني اخشى عليه ان يدور حول ذات التيمات.. «الجنس» كقيمة لا تصمد طويلاً الا عند كاتب عريق صاحب صدمة.. صاحب جرح.. صاحب فكر متكامل وصاحب حرفية ابداعية عالية «جان جينيه/ تنسى وليامز».

    * عندي ان محسن خالد استفاد من ثيمات محمد شكري في الخبز الحافي واستفاد من بعض لمحات الطيب صالح في موسم الهجرة.. واستفاد من انطونيو غالا في «الوله التركي».. فهذا عالم من التأثيرات له يبقى طويلاً ليبني عليه الكاتب الروائي عالمه.. هي لمسات جمالية وخبرات حرفية جمالية لا تقوى على ان تكون عالماً روائياً متكاملاً.

    * والسؤال هل تستطيع عبقرية هذا الروائي وهي عبقرية ناصعة ان تخرج من هذا الحصار؟.. ربما يستطيع محسن خالد الخروج لآفاق اكثر اتساعاً.

    * ما دفعني لهذا الظن.. هو أن الثيمة الأساسية في الرواية «حكاية العشق بين البطل والبطلة «تيموليلت» لا تتقدم في التعقيد الدرامي.. بل إن الحكاية تمثل النواة المركزية للنص الروائي ويظل السرد يلف ويدور حول هذه النواة ليفجر تفاصيل حياتية وجودية تمثل حيوات البطل في الماضي حيث تأتي هذه التفاصيل في ومضات يبرق فيها الزمن الماضي بفعل التداعيات حينما تشتغل الذاكرة في استعادتها للماضي الذي يختبئ في الحياة السابقة للبطل قبل ان يأتي الى هذا المكان «المغرب».

    * ولهذه الاستدعاءات التي تقوم بها الذاكرة تأتي في جمل مُكَثَّفة شديدة الإيجاز.. وهي تعبر عن أفكار فلسفية كتلك التي تجيء في شعر المتنبي أو الفيتوري.. ولعل مؤلف الرواية في إشارته السابقة إلى أن الرواية هي عبارة عن جملة واحدة كبيرة يعني ما تفعله هذه الجملة من تحريك لعملية التلقي حيث يسقط المتلقي الكثير من الخيال والفكر على هذا الفضاء الذي يتحرك عبر السرد الروائي.

    * ولك أن تنظر لهذه «الجمل» بوصفها آليات من الشكل التقني في تفجير التخييل الروائي.. حينما تتحول الاشياء لمرموزات.. فيجئ في النص «الرمز ماعون ما لا ماعون له» ولك كل هذه الجمل الواردة في النص عبر اجزاء منفصلة:

    1/ ما لذة الوجود سوى تحاشي حرمان الحرمان

    2/ الشجاعة كبيرة، ولابد لقتلها من خيانة كبيرة

    3/ يا شخصاً في الوجود، كن عادلاً ابداً، مهما ظلمت، فانت ضد الظلم، لا ضد ان تكون انت المظلوم، وانت مع العدل لا مع حقوق بسيطة لك.

    4/ يحكى أن الشجر بنات كن مشرورات في مواعيد، لذا «تيموليلت» ليست في انتظار أحد، ولا حتى النيل.

    5/ يفسد الامر النيات المقطوفة من الشجرة الخطأ، على الدوام تفسد الامور.

    * هذه الأقوال تأتي بوصفها جزءاً من السرد، لا بوصفها حكماً مستخلصة لتجربة ما.

    *والبناء السردي لهذا يتركب من أزمنة مترادفة داخل الجملة الواحدة.. والجملة يحملها التداعي الذي هو تدفق الحالات الشعورية غير المترابطة الا من خلال اقتران احوال قديمة باحوال جديدة..

    ولهذا فإن النص الروائي كله يصبح عبارة عن أزمان تمتطي ظهور أزمان أخرى.. دون ان يكون القطع بين زمن وزمن قطعاً حاداً.. إنه نوع من المونتاج السينمائي الذي يربط بين لقطات ومشاهد ذات أزمنة متباعدة ليدخلها في الزمان الراهن. زمان السرد النصي.

    * عموماً.. هذا روائي بازخ.. ينتظره المستقبل كله.. فقط إن استطاع توسيع مشهده الروائي دونما الانحصار في ثيمة واحدة «الجنس» فهي لا تقوى وحدها على الصمود.. فحاجات الإنسان المعاصر هي عبارة عن ثالوث.. الحرية/ الخبز/ الجنس. وإن أشار محسن خالد لهذا الثالوث في الرواية!! ولكن هل سيفتح هذا العالم الروائي نوافذ لاستشراف هذا الثالوث في فضاء أكثر سعة؟

    * وهذا بالطبع لا يمنع أن تستمر رواية هذا الروائي الرائع في كشوفاتها الجمالية التي تجدد روح الرواية وتصل بها إلى أماكن بعيدة من الرفعة الجمالية والسمو بالكتابة.. بوصفها كتابة تكون نفسها وتتخلق شكلاً ومضموناً من الداخل دون أن تعتمد في نجاحها لأية مرجعية خارجية.. وهنا بالضبط يمكن أن تكون كل رواية.. وكل كتابة هي مرجعية ذاتها بذاتها.
                  

07-06-2005, 11:09 AM

اشرف السر
<aاشرف السر
تاريخ التسجيل: 12-06-2003
مجموع المشاركات: 1563

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
قراءة لكلب السجان - بدري الياس (Re: اشرف السر)

    (( النهر كان دهراً من لمع الشوق، ولم يكن لحظة ماء عابرة. لن أنسى يوم كانت هي في أولى وسطى ، وكنت أنا في أولى ثانوي . جلبت معي للقرية "موسم الهجرة إلى الشمال" ، وأنا أتطلع فيه بفرحة جديدة بعد كل لحظة ، كما تفعل صبية يافعة بمرآتها، كنا سنقرأه معاً. هي رأت غلافه وتصفحته فقط ، واتفقنا على قراءته ليلاً وحدنا. لمح أحد موظفي جردية الحصاد في ناحيتنا بعض العبارات في الكتاب ، فقام بمصادرته منا. الناس يقولون بأنه عنصر امن متخف. هي بكت وتعلمت الحرمان باكراً ، أما أنا فأخذوا مني جوع ثلاث جمعات – بالمدرسة الداخلية – حصلت بثمن وجباتها على الكتاب. غضبت، وحكيت لها ثلاثة مواسم هجرة كاملة، وخمنت لها كيف يكون "عرس الزين" الذي سمعنا به ولم نقرأه . وكنت قد رأيت صورة للطيب صالح فحدثتها عنها. طالبتني بأوصاف له لم تكن في الصورة. ألحّت عليّ وهي تسند ساعدها لجنبي كي تقول:
    - صفه لي من هنا أقول لك، الوصف كالمحجن يحتُّ الثمر.
    أية "من هنا" تعني ؟ لا أدري إلى أين تؤشر ، ربما إلى الأرض . قلت لها وأنا أزيد من عندي:
    - لم يكن يبلغ من الطول شيئاً ، بل يبلغ من قصر الوتد المغروس في الأرض رسوخاً كالسدرة.
    ضحكت مني قائلة:
    - لم يكن وسيماً إذن؟
    أجبتها وأنا أرسم لها في الهواء:
    - لا ، أبداً ، هذا في مرآة الخائنين فقط ، أما على صفحة النهر فانعكاس حسنه ساقية تسمّد الحقل بوسامته.
    - أنت تبالغ ، أنا أعرفك من عينيك.
    - ربما، ولكن طبعه ليس رائجاً كحسدهم لتعرفي أنها الحقيقة .
    - حسد من ؟
    - هؤلاء الذي يصادرون كل شيء.
    ))
    من قصة (عيد المراكب) – محسن خالد

    صدرت عن الدار العالمية للطباعة والنشر المجموعة القصصية الأولى للروائي والقاص الشاب/ محسن خالد ، وتحمل المجموعة اسم (كلب السجَّان) وجاءت في "64" صفحة من القطع الصغير وتحتوي على أربع قصص هي : عيد المراكب ، الوجود والوجود الآخر ، كلب السجان ، وذهب بني شنقول.
    وقام بتصميم الغلاف لهذه المجموعة الفنان/ ناصر بخيت "هلبوس".
    وفي هذه المجموعة يتبع المبدع محسن خالد طريقته التي عرف بها من رسم حريف للمشاهد والقدرة الكبيرة على استخدام اللغة وتكثيفها بحيث تضع الألوان بانتقائية عالية وتوزع الظلال. ثم يختار شخوصه من بيننا ولكن ملامحهم نلتقطها من التفاصيل المغروسة هنا وهناك فلا يتوقع القاريء أبداً أن يكلمه الكاتب عن الشخصية أو يصفها له على النحو التقليدي بحيث يقول: إن لون فلان كذا أو قامته كذا أو غيرها من الأوصاف.. إلا إذا اقتضت ذلك الضرورات البعيدة لفنية العمل الذي يكتبه.. ولكنه يعطيك كل ذلك وأكثر من خلال الغوص في الأبعاد الأخرى العميقة وغير المرئية لهذه الشخصية أو تلك، أو التفاصيل التي تمر عليها عرضاً كل العيون ولكن تلتقط دقائقها عين الكاتب ذات القدرة المبدعة على تحسس تلك التفاصيل ودراسة تضاريسها ودلالاتها.
    والجديد الذي قد يجده من يقرأ هذه المجموعة هو الاستخدام الموفق للعامية في الكثير من الحوارات داخل النصوص . ولكن استطاع الكاتب وببراعة عالية أن يبقي على ذلك الطيف الفصيح حائماً على المفردات العامية ولكن لا يؤثر على قوة تلك المفردة وروعتها وامتلاءها بما يريده الكاتب بالضبط في ذلك المكان . وفي الوقت نفسه لا يسمح الكاتب بإقحام فج لإحداهما على الأخرى ولا يعمد - بالتأكيد – من خلال ذلك إلى توفيقية ليس على النص أبداً إثباتها أو نفيها . وإنما هي رؤية الكاتب إلى الأسلوب الذي يراه مناسباً في إيصال فكرته وقول ما يريده من خلال النص.
    مثلاً في قصة "عيد المراكب" نجد الحوار التالي:
    - لم تعد مهموماً بحديث الأحزاب مثل زمان.
    - من سيسمعني هنا؟
    - يا سيدي قول نسيت.
    - أبداً لا نسيت ولا تبت . بكرة نقطع هذا النهر لبيتنا معاً ، وسنرى من سيظل وفياً ومن سوف يشغله الأولاد.
    - أولاد في عينك ، أنا عاوزة بنات.
    - بنات ؟ ماشي يا ستي ، لزوم كونك مناضلة ليبرالية وكذا ، ولكنني مستعد لمراهنة كل اتحادات المرأة على أن تربية الأولاد اسهل من البنات. أنت مجنونة وأنا واحد بتاع مسلسلات ، بناتك محظوظات يا سلمى ، آخر انطلاقة ، لا ضابط ولا رابط.
    وكعادته – أيضاً – حرص محسن خالد في مجموعته على أن يترقرق الشعر مترفاً بين أسطره مسافراً بالقاريء عبر مداراته المشتولة بالنار والحمى وأحلام الإنسان في سماحته التي يعرفها النوى ويترجمها الطين. كما أن جنائن مفرداته وعباراته مفتوحة على شموس أفكار لا تهزمها حدة الزوايا ولا تعرف المنام.
    وأُذكِّر هنا أنني إنما أحتفي بهذا الكاتب الجميل وأحاول التعريف به ، كما احتفي بصدور هذه المجموعة التي لا شك تمثل إضافة للمكتبة السودانية ولست بصدد استعراضها أو تناولها بالنقد والتحليل فذلك أمر له رجاله ومختصيه. وعلينا جميعاً الاحتفاء فقد صرنا – أخيراً – نقرأ الكتاب ورائحة الطباعة تبشر فوقنا بدلاً عن رائحة القِدَم التي ألفناها سابقاً ، كما صرنا نقرأ لكتاب أحياء، يا للبشرى...
    وجدير بالذكر أن هذه المجموعة هي أول عمل يصدر للكاتب بعد روايتيه : إحداثيات الإنسان "الجزء الأول" ، والحياة السرية للأشياء . وكان قد أصدرهما الكاتب في العام 2002 بعد إقامته بالإمارات.
    وكان مجلس الصحافة والمطبوعات بالسودان قد رفض نشر روايتي محسن خالد لأسباب بيَّنها تقريران رفعا من قبل المُحَكِّمَيْن اللَّذين فوضهما المجلس المحترم للحكم على الروايتين وسأنشرهما هنا كما جاءا ليقف الجميع على حقيقة ما يدور هناك وكيف يتم الحكم على الأعمال التي تقدم لذلك المجلس ولن أقوم حالياً بأي تعليق على ذلك حتى لا أشوش على ذهنية القاريء واترك الحكم له ، ولكن لابد أن أعود لأشارك في النقاش والتعليق عليه لاحقاً.
    التقرير الأول مرفوع من قبل الكاتب "الحكم": إسحق أحمد فضل الله .
    والآخر رفعه: الأستاذ: يسن علي يسن "الحكم الثاني"


    بسم الله الرحمن الرحيم
    15/2/2000
    سيادة الأخ / سكرتير مجلس الصحافة والمطبوعات
    السلام عليكم
    الموضوع/ تقرير حول رواية السيد/ محسن خالد
    نستطيع ابتداء أن نشير إلى أن هذه الرواية تتميز بكل ما تتميز به الخمر الجيدة ، فهي تثير الطرب والدوار والدهشة والسكر والقيء وسخط المولى عز وجل ..
    - ولغة الرواية وحدها وليس أي شيء آخر فيها هو ما يحمل هذه الصفة .
    - وتجريد الرواية من لغتها يلقي بها باهتة تافهة فهي رواية ترسم الصورة الداخلية لأشخاص ومشاهد .. ترسم الأحاسيس الشهوانية ببراعة وجدة جديدة.
    - والجنس الذي تعتبره الرواية موطناً وتجوس فيه هو بطبيعته نار لا توضع على اي عمل أدبي إلا اشتعل ، لكن الأدب الحقيقي هو استخدام للنيران البارعة للوصول إلى هدف وراء ذلك وليس مجرد الاحتراق.
    - الكاتب كذلك يتحدث بلسان عنصري مبين فهو يتخذ رؤية للمسألة السودانية والعلاقة بين الجنوبي والشمالي هي بدقة رؤية الجنوبي الذي لا يرى في الشمالي إلا الشيطان.
    - والكاتب كذلك يتحدث حتى عن الذات الإلاهية بعدم احترام ورفض جدلي للمسلمات الإلاهية الإسلامية .
    - الرواية هذه سوف تنتهي بها لغتها إلى نهاية معروفة ، لكن يفضل عندنا أن تنتهي هذه النهاية المحتومة بيد جهة أخرى غير يد مجلس الصحافة والمطبوعات.
    - حسب ما جاء في خطابكم ، بحثنا طويلاً عن سبيل يجعل الرواية هذه تقدم للنشر مع قليل من التعديلات عن الثاني كذلك . ثم جاء الجزء الثالث الذي يأخذ الطريق إلى كل محاولة للإصلاح.
    - وهكذا نجد أنفسنا = آسفين = ونحن نرى عدم صلاحية الرواية للنشر . (علامة = كما في الأصل)
    - نتمنى أن تتمكن اللجنة من إقناع الكاتب باستغلال أسلوبه الرائع في روايات أخرى تتخذ لها وطناً غير الجنس والعنصرية ..
    وشكراً ،،،
    إسحق أحمد فضل الله

    ---------------------------
    بسم الله الرحمن الرحيم
    لجنة النشر – المجلس القومي للصحافة
    الموضوع:- المخطوطة بعنوان " إحداثيات لطينة آدم" – رواية
    • تتالف المخطوطة من حوالي 300 صفحة ، في أربع كراسات بخط اليد في ثمانية فصول.
    • يتمتع الكاتب بقدرة جيدة على التعامل باللغة ، وهو متمكن من عناصر الكتابة القصصية ، بناء شخوصه وأحداثه وأماكنه وأزمانه وهو يمتاز فوق ذلك بقدرة كبيرة على استيلاء المعاني وقيادة الحوار . والرواية عموماً جيدة جداً من حيث الجانب الفني ، ولكن تناول موضوعات الجنس والعلاقة بالمرأة فيها تناول أجرأ مما ألفه القاريء السوداني والمجتمع السوداني عموماً .. أوصي بتحويل الرواية إلى قاريء آخر . كما أثبت الملاحظات التالية :
    1- في الورقة السابعة (ص14) في السطر 4 وما بعده يجب حذف الجملة البادئة بـ(على العموم الإنسان السوداني نزعته إلى المرأة الخ ...حتى "ولنجاوب على ذلك " ) ففي هذه الجملة إساءة وقذف على أمة بحالها.
    2- القصائد التي ينثرها الكاتب في أثناء روايته ، رغم تساوقها مع ما حولها ، إلا أنها تحتوي أو معظمها على شيء من ركاكة يفسد استمتاع القاريء باللغة الرفيعة التي كتبت بها الرواية ، وهي كذلك الأشعار المنسوبة إلى "بشرى" و"كمال" وغيرهما والتي يبدو أنها من نسج الكاتب نفسه – أقل تماسكاً وأقل "شعرية" مما حولها من النثر . هذه الملاحظة لا توجب إجراء بعينة بل يترك الأمر للكاتب .
    3- ثمة أخطاء في الإملاء ، وفي النحو ، وفي تصريف بعض الأخطاء في الكلمات، في كثير من المواضع لابد من مراجعتها وتصويبها عند – أو قبل الطبع – وفوق هذا ، ما أثبتناه أول هذا التقرير من جراءة لم يعتد عليها القاريء السوداني ، وهي عندنا ليست سبباً لمنع النشر ، ولكن نرى الاستئناس حولها برأي محكم آخر.
    يسن علي يسن
                  

07-06-2005, 11:12 AM

اشرف السر
<aاشرف السر
تاريخ التسجيل: 12-06-2003
مجموع المشاركات: 1563

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
قراءة نقدية للحياة السرية للأشياء - جمال ملحم (Re: اشرف السر)

    الحياة السرّية للأشياء
    رواية "محسن خالد"
    جمال ملحم

    في مقدمة بيانهما الشهير نجد ماركس وإنجلز يستشهدان بقول الشاعر الألماني العظيم "غوتة": "شجرة النظريّة جافّة، وشجرة الحياة خضراء دائماً". وفي هذا القول نجد بياناً واضحاً يَنْعَى الأيديولوجيا مهما امتدّ بها العمر.
    رواية "الحياة السرّية للأشياء" تكشف بوضوح عن خلفيّةٍ لا تخلو من كُرّيات وأنزيمات أوفورمولات أيديولوجية، إذا صحّ لنا استعارة هذه المفردات العلميّة لها. لكنّها في سلوك شخوصها، وتفاعل الأحداث، ومعطياتِها تؤكّد الانتماء إلى الحياة وخصوبتها، وتُلقي جانباً بالرؤى الضيّقة التي طالما تفنَّنَ في تزويقها ونَحْتِها المؤدلجون.
    هذا من ناحية. ومن ناحيةٍ أخرى تتعلّق بالجانب الفنّي الصِّرْف نجد إنّها لجرأةٌ، وجرأةٌ بالغة أن يقوم روائيّ –وخصوصاً أنّه شابّ- باختيار بيئةٍ بعيدة عنه، مكاناً وزماناً وشخوصاً، ليكوِّن من هذا العالم وحيثيّاته روايةً فنّية كاملة.
    "الحياة السرّية للأشياء" هي الرواية الثانية للروائي السوداني "محسن خالد" بعد روايته الأولى "إحداثيات الإنسان"؛ وفيها يقوم بالانتقال، فكراً ومخيّلةً إلى أمريكا، وتحديداً إلى "سان دييغو" في حوض المسيسبّي الشهير، الذي شهد تاريخه الماضي القريب صراعاً إنسانيا دموياً وضارياً، ومأساوياً ومرعباً بامتياز. أبدعته عنصريّة الأبيض المتفوّق تجاه أخيه الإنسان الأسود، والملوَّن المستضعف، الذي كان ذنبه الوحيد ذلك اللون الذي منحتْهُ إياه شمس العدم القاسية؛ ليتلقّاه شقيقُه الآخر على أنّه وليمة شواءٍ أنضجتها له الآلهه المتنعّمة في عليائها النورانيّ الباهر. إذاً فإنّ اختيار البيئة المكانية للرواية ليس بريئاً ولا محايداً، ولهذا فإنني أجد أن المتلقّي سيظلم الرواية كثيراً إذا ما اعتبر أنّ عالمَها واقعيّ تماماً كما تُوحي به الرواية نفسها، وراح ليلتقط الرموز المنبثّة في هذا الواقع؛ في حين أجد الرواية بكليتها هي رموز وأفكار ورؤى، عمَدَ إليها الروائي، وكساها لُبُوسَ الحياة، وأديم الواقع الحيّ، ونسجها عبر أسلوبٍ لغوي هو مزيج من نسيج الحاضر وأناقة الكلاسيك، وبخطابٍ عولمي –من العولمة- بمعنى أنّه خطاب لا يحمل سمات مجتمع معيّن، ولا يختص بشعب أو قوم أو إثنية، وإنما هو لكلّ أولئك مجتمعين.
    وإذا كان كلُّ ذلك امتيازاً للرواية؛ فإنه امتياز يجعل من قراءتها أمراً ليس سهلاً، وهذا ما يؤثر كثيراً على متعةِ القراءة، ويجعل بلوغها أمراً يحتاج إلى جهدٍ وتأنٍّ.
    مجموعة "أطلنتس" فرقة شبابٍ موسيقية، أفرادُها ذوو أصول شيوعية أو ماركسيّة، ولكنها لا تمثل في الرواية أيديولوجيا معينة، أو تعبّر عن فكرٍ أو منهج معين. إنها تمثل تطلعا جديداً ومنفتحاً إلى الحياة، ويرتبط أفرادها بصداقات حميمة مع أشخاص ليست لهم ذات الأصول الفكرية السابقة، أو النهج الرؤيويّ الذي ينتمون إليه. كالبورجوازي المُهذَّب "برودواي" ومثله "لورا" وكذلك الشابة "جولي" وحبيبها "فوكنر" المحارب في فيتنام، فضلاً عن علاقتهم المشاكسة مع "جورج" صاحب السوبرماركت. انتهاء بعلاقات أقل قرباً كعلاقتهم بالعمّ "جيمس" و"كاترين" أو بالشريف والضابط "آرثر" وهما يصلحان أن يكونا رمزَيْن مفارقين. لكنَّ ما هو بيّن لا لبس فيه؛ هو أن تلك العلاقات بين هذه الأطراف المختلفة ليس فيها شيء من الصدام التناحريّ، الجذري، أو الصراع العميق بهذا المعنى، بل هي علاقات تكامل، وإن تباينت فيما بينها، وذلك تبعاً للخصوصيّة الشخصيّة لدى كل واحد منها. و"أطلنتس" بين هذا المجموع لا تتميز إلا بكونها تمثل رؤيا حديثة للحياة، أو لنقل رؤيا خاصة تعبر عنها من خلال موسيقاها، وهي رؤية لها طابع إنساني مشترك متمخض من تفاعل الوجود البشري بمختلف إثنياته وعقائده وأطيافه الفكريّة، يتجلى ذلك من خلال الأسماء ذات الدلالات المعبّرة التي انتقاها المؤلّف لشخوص المجموعة "أطلنتس":
    "شادي" الاسم العربي المتحدر من عائلة أندلسية، و"ماكلين" الاسم الشائع جداً لدى الزنوج، وهو في الرواية زنجيّ بطبيعة الحال، و"كارولين" الأمريكية، و"هكتور" سليل الأبيض الجديد، و"رونالد" الاسم الإنجليزي العريق، ومثله "روبرت". ولعلّ المعبّر الأكبر عن التنوع هو تلك العبارات ذات الدلالات الواضحة التي تتخلل حواراتهم، كقول أحدهم: "بحقّ المسيح" وآخر يتحدث مع والدته فيرد تعبير "صلة الرحم" أو "المرحوم فوكنر"، وهناك صيحات "هورا هورا" وهذه العبارات تُحيل إلى خلفية مسيحية وإسلاميّة، وإيقاعات نابعة من الغابة الإفريقية. ولعل اختيار الراوي اسم "أطلنتس" لمجموعة الفرقة الموسيقية هو بحد ذاته إشارة إلى أنها ترمز إلى حلم مفقود، أو "يوتوبيا" ضائعة يريد بعثها، أو إحياءَها من جديد.
    "في لحظة ما...
    أكتشف وجودي بين الناس
    أفيق وألمح ما أمامي من حياة
    أُقَبّلهم كأني عدت من سفر
    أشعر بالكون هائلاً وقابلاً لكل شيء
    أفاجأ بقلبي في موضعه، ومكتمل العاطفة
    ومذاق قُبلة ما فارقت شفاهي وفمي
    قُبلة لا تزال بدوخة لحظتها
    فأمور الحب وحدها، ما لا يصيبها التعفن"، ص145.
    وجعله لـ"أمريكا" مسرحاً للأحداث ليس لكونها الرمز الأكبر للإمبريالية، والقوة العظمى المهيمنة وحسب؛ بل لأنها تمثل أيضاً العالم الجديد الذي ليس له هوية تاريخية عريقة، أو إرث حضاري عميق يوجه أو يؤثر في مسار طاقته المنبثقة والفاعلة في هذا الوجود، ولأنّ أمريكا حقل جديد، ومجتمع له ميكانيزمه الخاص الذي يتسع لاحتضان كل ما يخدم طفرته الجديدة والمستمرة بزخم وقوّةٍ هائلَيْن.
    "أمريكا" إذن رمز حديث وخصب، لكنه في الوقت نفسه يحمل آثار دماءٍ دلالة على الجانب الوحشي والضاري فيه. وفي هذا الحقل نفسه "أطلنتس" رمز حديث وخصب أيضاً، لكنه يتميز بأنه يحمل الفكر والموسيقا كأداة إنسانية راقية لبعث الحياة وتجديدها. وقد نجح "محسن خالد" في جعل الصراع بين هذين الرمزين صراعاً غير ذلك الصراع الأيديولوجي المبتذل، والذي ساد عقوداً طويلة، جارحة ومأساوية، من قرننا العشرين المنصرم، هذا وبالرغم من الجرأة الواضحة لديه في إظهار الخلفية الفكرية الماركسيّة لأطلنتس، إذ جعل من الموسيقا القوة المخصّبة للحياة، لتمنح ثمارها الجديدة، أو مواسمها القادمة، بدلاً من تخصيب الموت والفناء عبر أسلحة الدمار، وآلاته الجبّارة. ففي قلب أمريكا "وجار الذئاب"، كما يسميها الراوي، تنمو شجرة "أطلنتس". وعلى أصولها تنبت فروع أخرى صديقة تمثل الجانب الإنساني الجميل الموجود في الحقل الآخر المغاير، كالبورجوازي المهذَّب "برودواي" وحتى "الشريف" والضابط "آرثر" وهما رمزان للسلطة والنظام المغاير نجدهما يبكيان على مقتل "روبرت" الذي سرق معلبات الطعام من بيت البورجوازي البدين في الليل، الذي أطلق عليه النار بفعل الخوف، لا بدافع القتل.
    "هنالك رجل يموت قريباً من الحياة، وآخر يموت قريباً من هروبه الدائم من الموت، الناس لا تُتقن مسألة الموت هذه"، ص88.
    "إنه روبرت، الذي كأي دابة ترعى كان يرعى ولا يُخطّط لرزقه، الشخص من أمثال روبرت حين يموت لا يُعتبر مبدعاً، فقط يُكرّر طالعَه"، ص 98.
    والرواية هنا لا توجه الاتهام لأحد، أو لطرف، لاعلانية ولا خفية، وإلا كيف نتلقى الدلالة الجميلة لتلك الحركة الرائعة التي قام بها الضابط "آرثر" والذي لم يكن من المحبين أو المتحمسين لتلك الفرقة –في العلن، إذ قام بشراء جيتار عظيم، ودفنه مع روبرت، كتعبير واضح عن رفضه لمنطق القتل والموت. وهذا ما تقوله الرواية بوضوح في الصفحة "89". "الحياة أصلاً خطرة".
    وإذ يدرك الصيف شجرة أطلنتس، فيبدّد خضرتها، وتذوي فروعها، ويغادرها هكتور، وجولي، وشادي، ويتبعثر الآخرون كرونالد وماكلين، ونحسب أنها النهاية المؤسية؛ نجد الفرقة تعود بعد فترة معيّنة، ويلتم شملها من جديد، وبشكل مقنع وجميل ضمن منطقية سياق الأحداث، فكأنما عاد ربيع الحياة يخضر ويبعث ما حسبناه قد مات وانتهى. إنه انتصار للحياة عبر معطيات متجدّدة، بمعنى أنها ليست عودة رومانسية ساذجة، واجترار لما كان، بل هو بعث وانتصار لا يخلوان من دفع ضريبة ما، فالمدينة نسيت هكتور وروبرت، إذ لم يعد الأوّل إلا في النهاية.
    "لم يفتقد سكان المدينة هكتور، ولم يتذكر روبرت أحد. فالمجموعة قد أدَّت أعمالها بشكل تام ويخلو من الثغرات. أي أن اختفاء هكتور وروبرت ليس بشأن فني. أو هذه هي الحياة في صورتها القاسية ولكن الطبيعية. وهذا هو السبب نفسه الذي يجعلنا نرجع إلى بيوتنا بعد زيارة قبور الأقارب مع ذلك التأثُّر المهيب للموت، ولا نلبث قليلاً حتى نقوم بلعن طعم الصلصة في طعام الغداء"، ص148.
    أما كارولين فقد عادت ومعها طفل هو ثمرة زواج فاشل، مع ألمها وحزنها، ليصفها رونالد بأنها أصبحت: "تعيش كالدودة، تدخل التراب من طرفها هذا، وتخرجه من طرفها الآخر"، ص137.
    في حين عاد ماكلين ومعه رفيق جديد هو العازف "هيوستن" الملقّب بـ"الأدميرال". وهذا ينفحنا بأنّ الحياة تأخذ وتبعثر وتبدّد وتُفْني، ولكنها أيضاً تجمع وتمنح وتجدد وتحيي.
    الحياة، أو بمعنى آخر نهر الزمان المستمر جمع من الناس قدرات وطاقات فأنتج آلات الحرب، وأسلحة الدمار، وقوى الاحتكار والعنصرية والفاشية، والتعصب والتطرف والإرهاب والقتل، وذلك هو الجانب الوحشي من حضارة الإنسان: "حين تنتشر أوهام العدو هذه، ويمتلك أي شخص بندقية تصبح الحياة خطرة" ص "89".
    لكننا في الجانب الآخر من هذه الحضارة التي شيّأت الإنسان، وسلّعته وقتلته؛ نجد قدرات وطاقات أخرى قد أنتجت "أطلنتس" والموسيقا والروح الباحثة عن السلام والحبّ والصداقة، وتلقائيّة الحياة الجميلة والمفتقدة على مستوى مجتمعات وأمم.
    من هنا نحس أن الرواية أمطرتنا بمفردات حياتية يوميّة وعارضة ومؤقتة، وكذلك بمفردات حياتية أبديّة وخالدة. والجميل والقبيح هنا وهناك في كلا النمطين من المفردات مثل:
    "الحبّ – الحزن – البراءة – المزاح – الشهوة – اللهو – البطولة – العنف – التطرّف – البهجة – التلقائية – المناكفة – البذاءة – المبهمات الدافئة المركّبة – تنازع الأجيال والأذواق – الحياء – الجمهور – السُّلطة – الموت – الموسيقا...".
    هذه المفردات وغيرها هي لصيقة جداً بذات الإنسان. وعندما تقول الرواية إن الإنسان سيرة ذاتية، فإنها تحمّله كامل المسؤولية، لكنّ: "آلات الموسيقا سرُّها اللحن، أو أكثر من سيرة ذاتية عكس الإنسان" ص "77"
    ولأن الرواية لا تمنحنا رؤية مثالية، أو تلقي في روعنا رومانسية ساذجة، فهي تشافهنا بعبارة فلسفيّة هامّة في الصفحات الأخيرة منها:
    "الحياة السرية للشمس تخرج من حيِّز عطاء للدخول في حيز عطاء آخر. ليس ثمّة ضياء لا ينطوي على حياةٍ سرّية مجهولة وقاسية" ص "160"
    والرواية تُنقِّب وتتوغّل في العميق من ذواتنا ورؤانا، ومفرداتِ الحياةِ والكون لتجلي لنا هذه الجوانب الحية والخفية، القاسية منها والجميلة، حتى نقرأ في واقعنا المعيش عميقاً وجيداً، ومن هنا أحسب جاءت تسمية الرواية.
    وبالعودة إلى الرمز الرئيس "أطلنتس" فإن المعبر الأبرز عن واقعية هذا الرمز بل منتهى الواقعية هو جعل انتصارها ليس بطولة مجردة، أو فكراً أو شعاراً؛ بل هو انفتاح أبواب "هوليود" لها للعمل.
    بقيت هناك نقطة فنية ليست في صالح الرواية، ولا تخدم متعة القراءة الروائية، وهي متعة صعبة في هذه الرواية كما أشرت من قبل. وهذه النقطة تتمثل في الحوارات التي اتسمت بالكثير من اصطناع الإجابات الذكية والحذقة والبليغة جداً، حتى شملت كل شخوصها فأكسبتهم أبعاداً نمطية ومتشابهة. في حين أن الحياة تنفحُنا بألوانٍ متنوعة من الذكاء، وبضروب مختلفة من الحذاقة، وبأنواع متباينة من شخصيات تتحلى بروح النكتة وحس الدعابة والفكاهة، ولكن لكل واحدة منها أسلوبها الخاص وطعمها المميز؛ في حين نجد شخوص الرواية هنا يتكلمون جميعاً بمستوى واحد من الذكاء وأسلوب السخرية، والبذاءة الحذِقة والمميزة، ومهما كان المستوى الثقافي والاجتماعي الذي ينتظمهم واحداً، والذكاء الذي يتميزون به متقارباً، فإن هذا لن يشفع لهم فنّياً لدى المتلقي. لأنّ ذلك جعل مستوى خطابهم خالياً من التباين والإثارة وغدا بالتالي خالياً من البصمة الشخصيّة التي تميز كل فرد عن الآخر. وهذا يجعلنا كمتلقين، لا نعود نميز بين الشخصيات أثناء حوارها إلا من خلال أسمائهم، وفي هذا – على ما نحسب- خطرٌ فني كبير.
    لكننا في النهاية نجد في رواية "الحياة السرية للأشياء" أنها تحمل ملامح جديدة وهامة، جريئة وواعدة في روايتنا العربية اليوم، يجب أن يتنبّه النقد لها عند هذا الروائي السوداني الشاب والموهوب بحق "محسن خالد".


    جمال ملحم: شاعر وناقد سوري
                  

07-06-2005, 12:14 PM

اشرف السر
<aاشرف السر
تاريخ التسجيل: 12-06-2003
مجموع المشاركات: 1563

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
رابط بوست الأخ خالد عويس (Re: اشرف السر)
                  

07-07-2005, 00:20 AM

abuarafa
<aabuarafa
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 962

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هذا الفاجر (Re: abuarafa)

    الاستاذ/ اشرف السر
    تحياتى
    شكرا للمرور وحقيقة هذى هى ازمة السودان الحقيقية والمدعو الهندى عزالدين نتاج لتعليم متدنى المستوى واجهزة اعلام مادلجة وووووالخ و مثل هذا الشخص من الصعب التحاور معه ففاقد الشئ لا يعطيه
                  

07-07-2005, 01:56 AM

nashaat elemam
<anashaat elemam
تاريخ التسجيل: 12-12-2004
مجموع المشاركات: 1108

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هذا الفاجر (Re: abuarafa)

    وها هو الهندي يطلق حشرجة أولئك المرجفين من اكتمال دورة الابداع.. سيحتفي العالم بمحسن خالد
    ونأتي نحن بعد ذلك لنذكر أنه أديبنا و(زولنا) لكن لن نقدره نحن أولاً كما تفعل كل الدنيا وهي تكرم
    وتعترف بابداع أبنائها.. وهل هذا الصالح الذي يسخر من مقارنة محسن خالد به.. وجد الترحاب من بني
    جلدته.. فقد عرف فضل الطيب صالح غيرنا قبل أن نعقله نحن..
    محسن خالد روائي مكتمل النضوج.. وبعيداً عن الجنس.. اقرأوا معي (عيد المراكب) للأديب محسن خالد
    والتي لا توجد بها سوى (قبلة) على عجل.. وحدثوني عن كل ما يورده هذا الهندي..
    وآخر دعواك يا الهندي أن أين عبد الحي يوسف؟ تريد أن تنصب له المشانق.. مثل مشانق عبد الحي يوسف
    التي أفلت منها أستاذك وربيبك محمد طه محمد أحمد؟؟
    ولمحسن خالد نقول (هذا اختيارك فاصطبر) ولك الحب كله يا محسن
                  

07-07-2005, 05:04 AM

nada ali
<anada ali
تاريخ التسجيل: 10-01-2003
مجموع المشاركات: 5258

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هذا الفاجر (Re: abuarafa)

    HANDS OFF MUHSIN KHALID

    Thank you Abu Arafa and ashraf Al sir
                  

07-07-2005, 04:03 PM

nashaat elemam
<anashaat elemam
تاريخ التسجيل: 12-12-2004
مجموع المشاركات: 1108

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هذا الفاجر (Re: nada ali)

    up
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de