وجاءكم.. (يونيو) .. شهر المحن والكوارث.. والمصائب السودانية... د. بكري الصايغ

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-29-2024, 10:53 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-08-2005, 09:14 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48586

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
وجاءكم.. (يونيو) .. شهر المحن والكوارث.. والمصائب السودانية... د. بكري الصايغ

    هذا هو المقال الثالث من مقالات الدكتور بكري الصايغ التي درجت على نشرها له هنا في سودانيز أونلاين لأنه يواجه بعض المصاعب بخصوص الطباعة بالعربي والإرسال إلى المنبر.. أرجو ألا يحول ذلك دون كتابة الناس لتعليقاتهم لفائدة الجميع..

    لاحظت أن تاريخ مجيء أسامة بن لادن إلى السودان قد جاء في المقال على أنه حدث في يونيو 1994، ولكن أظن أنه قد جاء قبل ذلك التاريخ.. ربما في 1991 أو 1992.. سأعود ببعض التعليقات وأرجو ممن يتمكن من رفع المقال أن يفعل كلما غطس إلى تحت..



    وجاءكم.. (يونيو) .. شهر المحن والكوارث.. والمصائب السودانية

    د. بكري الصايغ

    تقول كتب التاريخ ( في سردها لقصة أسباب ظهور أسماء الشهور اللاتينية القديمة)، أن الرومانيين القدامى، الذين عاشوا في زمان ما قبل ميلاد المسيح (عليه السلام)، كانت قد أعيتهم الحيلة تماماً في إيجاد الطريقة المثلى، التي يمكنهم بها تخليد الآلهة المبجلة عندهم، بحيث تبقى أسماءً خالدة على مر العصور والدهور. وهداهم تفكيرهم إلى (اختراع) نظام تقسيم الزمن، إلى ساعات وشهور وأعوام. ثم يقسم العام إلى اثني عشر شهراً، ويطلق على كل شهر إسماً محدداً من أسماء هذه الآلهة. وبهذه الطريقة (والتي ما زالت مستمرة حتى اليوم)، نجد أنه كلما انتهى شهر إلهي لاتيني عاد هذا الشهر ليطل من جديد بعد أحد عشر شهراً، مجدداً في ذاكرتنا ذكرى هذا الإله. (وها نحن أردنا أم أبينا ـ نعيش كل يوم زمان آلهتهم). تقول كتب التاريخ، أن الرومانيين القدامى، كانوا قد قرروا وقتها، أن يكرموا إله الحرب (مارس)، والذي يرمز للجبروت والقوة والفحولة، يحب الحروب ويضع الأزمات والمحن للأعداء، وأينما حل يكون هناك الدمار وأشلاء الضحايا، فأطلقوا إسمه على الشهر الثالث من العام. وهكذا، أصبح هناك، كل عام عندنا شهراً يسمى (مارس). لقد اختمرت في أذهان الناس (قديما وحديثاً)، أن شهر (مارس) هو شهر المحن والمآسي، وأنه الشهر الذي يستيقظ فيه الإله (مارس) من سبات دام أحد عشر شهراً، ثم يقوم ـ وبحسب روايات أهل ذلك الزمان ـ غاضباً عبوساً يزبد ويلعن، ثم يستل سيفه الطويل ودرعه الواقي، ويخرج للعالمين ( متأبطاً شراً)، ويبدأ في تنفيذ مهامه الدموية، إنه شهر لا يمر، إلا ويكون قد خلف وراءه أحداثاً تبقى ذكراها ما بقيت الدنيا ومن عليها.

    ومن الغريب، أنه في السودان دائماً ما يُطلق على هذا الشهر مصطلح ( مارس شهر الكوارث)، بسبب امتحانات الطلاب، التي تجيء دائما مواعيدها في هذا الشهر. لقد سبق أيضا أن شهدت الخرطوم أحداثاً دامية في الأول من مارس 1954، عندما جاء الرئيس المصري السابق محمد نجيب لزيارة السودان للاستطلاع على رأي الأحزاب السودانية في ( مسألة السودان) التي كانت وقتها الشغل الشاغل ما بين الأحزاب السودانية، وثورة 23 يوليو المصرية، والإدارة الإنجليزية في الخرطوم، فعمد حزب الأمة وقتها، إلى تفشيل هذه الزيارة فوقعت أحداثاً دامية كلفت السودان العديد من أرواح المواطنين، وعشرات من رجال الشرطة والأمن. ولكن علماء التاريخ الحاليين، لهم وجهة نظر أخرى مخالفة تماماً عما يُقال عن (مارس). فهم يقولون، أن الذي يتمعن بدقة ويرصد وقوع الأحداث الدامية والخطوب الجسام، التي اقلقت راحة العالمين قديماً وحديثاً، فسيجد أنها أحداثاً ما وقعت أصلا في شهور مارس، وأن الإله (مارس) قد ظلم شديداً بافتراءات هو بريء منها. إن هؤلاء العلماء التاريخيين والمؤرخين للأحداث يقولون، أن شهر (يونيو) هو بحق وحقيق، شهر المحن والبلاوي (المدنكلة) ومليء بأحداث الغزوات والانقلابات الدموية، هو شهر ـ بحسب وجهة نظرهم ـ مليء بخسة ودناءة وفجور أهل السياسة، ونكران الملوك والرؤساء لشعوبهم، هو أيضا شهر تفوح منه دوما رائحة الفضائح والفساد المالي والسياسي والإداري، ويلقى فيه أصحاب الشخصيات اللامعة الكبيرة حتوفهم، هو شهر أيضا مكروه عربيا وعالميا وإسلامياً ومسيحياً، لأنه ترك بصماته الدموية في تاريخ كل الأمم والشعوب والأديان. ويستند هؤلاء العلماء والمؤرخين في كره المسلمين لهذا الشهر (يونيو) فيقولون: "في يوم الإثنين 8 يونيو من عام 632 ميلادية، انتقل إلى الرفيق الأعلى، النبي العربي محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم). تقول بعض الكتب الدينية في وصفها لآخر دقائق عاشها النبي الكريم: "إنه في ذلك اليوم، كانت قد أصابته رعشات قوية وتصبب العرق الغزير منه بلا توقف، وكان السيدة عائشة (أم المؤمنين) بجانبه، تحاول أن تخفف عنه وطأة تلك الرجفات التي كانت تلازمه باستمرار وتمسح وجهه الكريم بالماء وهي تبكي في صمت، وهو يردد بصوت خافت ويقول "اللهم أعني على سكرات الموت، ثم سكت قليلا واضطرب، ونظرت عائشة في وجهه، فإذا بصره قد شخص وهو يقول بصوت خافت "بل الرفيق الأعلى". وأسلم بعدها روحه الطاهرة بعد عشرة أيام من المرض، الذي أصلاً كان قد بدأ معه في 26 مايو. يقول هؤلاء العلماء التاريخيين أيضا، أنه شهر مكروه تماما عند المسيحيين، فهو يذكرهم بما كان يجري في الأيام الأولى عند ظهور المسيحية، وكيف أن الحكام الرومانيين الأوائل القدامى، الذين حاربوا بشدة هذا الدين الجديد، قد راحوا يسومون المسيحيين أنواعاً من العذاب والتصفيات الجسدية، وصاروا يجلبون هؤلاء (الكفار) إلى ساحة (الكوليسيوم)، وهناك يتسلون بتعذيبهم، وتجري مباريات رياضية عليهم طابعها التصفية الكاملة لهم بواسطة جلادين عمالقة محترفين أو يكونون طعاماً للأسود والنمور الكاسرة الجائعة. أما لماذا تقام هذه الاحتفالات وتحديداً في هذا الشهر (يونيو)، فذلك مرده ـ وبحسب نظريات هؤلاء المؤرخين ـ إلى أن هذا الشهر قد أخذ إسم الإله (يونيون ـ JUNION)، إله الزواج والخصب. وجرت العادة عند الرومانيين وقتها، أنه موسم الزواج والمناسبات السعيدة، فتقوم الحكومة بزيادة مباهج الجماهير بإقامة حفلات (التعذيب والإبادة) ليستمتعوا بها!!! هو أيضا شهر مكروه عند الأوروبيين.. تقول كتب التاريخ "أنه في يوم 28 يونيو 1914، اندلعت الحرب العالمية الأولى، التي كلفت أوروبا وقتها نحو 5 مليون قتيل، ففي هذا اليوم لقيا معاً الأرشيدوق فرنسو فرديناند، ولي عهد إمبراطور النمسا وزوجته مصرعهما في سراييفو برصاصات من قاتل محترف، فأعلنت النمسا الحرب على صربيا، ثم قامت ألمانيا بتهديد فرنسا وروسيا، واكتسحت أراضي اللكسمبورج، فقامت انجلترا بإعلان الحرب على ألمانيا وبعدها (ولّعت أوروبا) حتى عام 1916. الغريب، أنه في يونيو من عام 1941 قامت القوات الألمانية النازية، بغزو مفاجيء لأراضي الاتحاد السوفيتي (سابقا)، وهو الأمر الذي ما خطر ببال ستالين، خصوصا وإنهما (ستالين وهتلر) كانا قد وقعا على اتفاقية صداقة وعدم اعتداء ألمانيا عليها. لقد اعتبر كتاب التاريخ، أن هذا الغزو كان هو البداية الحقيقية للحرب العالمية الثانية، والتي كلفت العالم 50 مليون قتيل، وبسببها تغيرت تماماً خريطة العالم القديمة، وظهرت بعدها دولاً جديدة ما كانت أصلاً موجودة من قبل. وإذا ما قلبنا كتب التاريخ الآسيوي، فسنجد أن أحداثاً "يونيوية" كثيرة قد ضربت بشدة كثير من هذه الدول، ونذكر، على سبيل المثال، أنه في يونيو 1950، قامت القوات الكورية الشمالية بغزو كاسح كبير على أراضي جارتها كوريا الجنوبية، الأمر الذي لم يعجب أميريكا فقررت أن تحمي حليفتها "سيول"، فوجدت دول المعسكر الاشتراكي، أنه لا بد من تضامن أممي "لحماية" "بيونغيانغ". لقد كلفت هذه الحرب ما بينهما نحو مليون قتيل من الجانبين، بجانب أعداداً كبيرة من الجنود الأمريكيين، وما زال لاوضع متفاقماً حتى اليوم، وقابلاً للاشتعال في أي لحظة، خصوصاً بعدما أعلنت كوريا الشمالية أخيراً أنها تمتلك أسلحة نووية. (وجاء أخيرا خبر ـ والغريب أنه في الأول من يونيو هذا العام ـ أن كوريا الشمالية قد قررت تعليق المباحثات السداسية، التي كان يجري الإعداد لدورتها الرابعة منذ فترة، مما ساعد على توتر الأوضاع بصورة ذكرت العالم أحداث عام 1950).

    تقول كتب التاريخ، أن شهر (يونيو) قد دخل تاريخ العرب، كشهر مليء بالنحس والنكبات والهزائم المرة. فصفحات كتب التاريخ المصري تقول، "إنه في يوم 5 يونيو 1967، قامت الطائرات الإسرائيلية، بقصف جوي مركز على المطارات الحربية والمنشآت العسكرية وجراجات الطائرات، فدمرتها تماماً، وعادت بعدها هذه الطائرات إلى قواعدها دون أن تتلقى رصاصة مصرية واحدة، وجاءت الأخبار في هذا اليوم، أن مصر قد فقدت 106 طائرة حربية (صناعة سوفيتية) بعد تدميرها وهي جاثمة على أرض المطارات. إنها الحرب التي يعرفها العرب بعدة مصطلحات وأسماء متعددة ومختلفة، فهي أحيانا (الحرب الخاطفة)، ويسميها المصريون (حرب النكسة)، ويطلق عليها الإسرائليون (حرب الست أيام)، وأحيانا (حرب حزيران) كما يقولها أهلنا في الشام، وعالمياً اشتهرت باسم (حرب 5 يونيو). هو شهر النحس السوري، فقد استطاعت إسرائيل أيضا في هذا اليوم (5/يونيو)، وفي أقل من 12 ساعة أن تكتسح أراضي "الجولان" وتحتلها تماماً، بدون اي خسائر تذكر (وهو الأمر الذي ما زال لغزاً كبيراً يحير علماء السياسة الحربية، فالجولان كان بها أكبر قاعدة عسكرية ومطار مليء بالطائرات الحربية الحديثة). هو أيضا شهر نحس على الأردن، التي فقدت جزءاً كبيراً من أراضيها في حرب يونيو 67، فقد قامت القوات الإسرائلية بهجوم كاسح على المواقع الحربية الأردنية ودكتها، واستولت على المواقع الهامة وطردت منها آلاف الأسر الفلسطينية، (الغريب أنه اتضح فيما بعد أن القوات الأردنية لم تكن في كامل استعداداتها العسكرية لمواجهة القوات الإسرائيلية، ومع ذلك كان الملك الراحل حسين يصر على الاشتراك مع مصر وسوريا في قتال الإسرائيليين). بعد هزيمة مصر في هذه الحرب ـ تقول كتب التاريخ المصري أن الرئيس عبد الناصر قد قام بإعلان التنحي عن السلطة في نفس الشهر (يونيو 67)، متحملاً كافة المسئولية عن هزائم القوات المسلحة المصرية، وخلف نائبه (وقتها) أنور السادات، بإدارة أعباء الدولة وإجراء انتخابات جديدة بعد ستة أشهر، إلا أن الجماهير المصرية الوفية رفضت هذا التنحي، فخرجت الجماهير في كل مدن مصر وملأت الشوارع بالملايين تردد "يا أنور يا سادات .. إحنا عاوزين جمال بالذات". وظلت باقية في الشوارع لمدة ثلاثة أيام بلياليها. عندها ونزولاً عند رغبة الجماهير، عاد عبد الناصر للسلطة في 11 يونيو، كسير القلب والخاطر، فقاد حملة شرسة ضد المخادعين في أجهزة الدولة، وطرد الكثيرين من الوزراء وكبار العسكريين، وشمل الطرد والعزل من كل مناصبه العسكرية والحزبية، صديقه في السلاح والنضال والثورة "عبد الحكيم عامر"، الذي حمله عبد الناصر تهمة الخداع والتضليل. وأبقاه عبد الناصر في الحجز الإجباري، ولكن (ولغرابة أحداث يونيو) قام عبد الحكيم عامر بمحاولة عمل إنقلاب في نفس هذا الشهر يونيو!! مستعينا بعدد كبير من الضباط الكبار المسرحين، للإطاحة بنظام عبد الناصر الجديد، وفشلت خطته تماماً، فلجأ عبد الحكيم للانتحار (ويُقال أن المخابرات هي التي قامت بتسميمه).

    وإذا ما قلبنا صفحات أخرى من أوراق (يونيو)، دخلت كتاب التاريخ العربي، كصفحات سجلت أحداثا مأساوية ضاربة في العنف والألم، فسنجد تلك الرواية التي تقول، أن الرئيس اليمني لجمهورية اليمن الديمقراطية (وقتها)، قد قرر أن يصفي جسديا رئيس جمهورية اليمن الشمالية، نسبة لما يشلكه من متاعب هو وحكومته في صنعاء. فأرسل له مبعوثا يحمل مظروفا كبيرا يحتوي على قنبلة مخبأة داخل المظروف على ألا يسلمه إلا للرئيس اليمني يداً بيد. وما أن فتح الرئيس الغشمي (هذا هو إسمه) المظروف حتى انفجر ليقتل معا الرئيس الغشمي والمبعوث الشخصي. لقد دخلت هذه الحادثة باسم (قنبلة الشيوعيين)، على أساس أن اليمن الجنوبية وقتها كانت تسير على الخط الاشتراكي. (وقعت هذه الحادثة في يونيو 1987)، ولكن الغريب، أنه في يونيو من عام 1995، قرر اليمن الشمالي أن ينهي وجود دولة اليمن الديمقراطية بصورة كاملة ويمسحها من الوجود ( بحسب تعبيرات الحكومة اليمنية وقتها)، وبالفعل، صدرت الأوامر للجيش بالزحف على عدن، ودارت معارك ضارية واقتتال رهيب ما بين الطرفين. لقد تدخلت بعض دول الخليج لصالح صنعاء وأمدتها سراً بقوات ضاربة وسلاح جديد لم يكن معروفاً في المنطقة العربية، وسقطت عدن، وتم إعلان الوحدة ما بين البلدين بعد هروب رئيس الوزراء وكبار ضباط القوات المسلحة. جاء خبر آخر في يونيو 1995، أن الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، في دولة قطر، قد قاد انقلابا أبيضاً أطاح فيه بوالده الشيخ/ خليفة بن حمد، وأنه وبعد استتباب الأمور للإبن وتسلمه تماما كامل السلطة، رفض عودة والده للإقامة في قطر وأبقاه منفياً في جنيف. جاء أيضا خبر آخر (أيضا عن انقلابات وأحداث يونيو)، يقول، أن الشيخ صقر بن حمد، حاكم إمارة الخيمة، قد قام بإقصاء نجله الأكبر الشيخ/ خالد عن ولاية العهد، وأن خالد المعزول قد سافر إلى مسقط ليبقى فيها بصورة دائمة، وما زال بها حتى الآن منذ يونيو 2003.

    وحتى الصومال، هو الآخر، رغم ما عنده من محن ومآسي، أبت أخبار يونيو إلا وتأتينا في يونيو 2003، بانقلاب قاده عبد الله ديرو، رئيس البرلمان، ضد الرئيس عبد الله صلاد، الذي نصب نفسه رئيسا جديداً للبلاد بالقوة. إن الأفارقة أيضا يكرهون تماما شهر يونيو، لأنه دائما يجيء لهم بالأحداث الجسام، فأفريقيا ما زالت تذكر انقلاب يونيو 1994، في بوروندي، والذي كلف البلاد نحو 750 ألف قتيل، وتشريد أكثر من ربع مليون مواطن، بل وجاءت الأخبار أخيراً في هذا الشهر، أن قبيلة "الهوتو" لا تستطيع حتى الآن أن تجد لها بقعة في أرض الوطن.

    وإذا ما دخلنا لتاريخ السودان، نجد أن أسوأ الكوارث والمحن قد وقعت في شهور يونيو؛ ففي 22 يونيو عام 1885، توفي محمد أحمد المهدي، والذي ما زالت أسباب وفاته غامضة ومبهمة، فهناك من يقول أنه مات مقتولاً، بعد تناوله طعاماً مسموماً، وأنه ـ بحسب ما هو مكتوب في كتاب "تاريخ السودان" للمؤرخ نعوم شقير ـ طبعة 1981، صفحة 603 ـ أن بنت أبي بكر الجركوك، هي التي دست له السم في الطعام انتقاما لأبيها وزوجها، اللذين قتلا في فتح الخرطوم. في يونيو من نفس العام 1885، وقبيل وفاة المهدي، والذي كان غاضبا بشدة من قلة أدب وسوء سلوك كثير من الأشراف أهله، فأعلن عن تمام تبرؤه منهم، وكان هذا التبرؤ جهاراً نهاراً في آخر جمعة من شعبان 2 يونيو 1885. بعد وفاة محمد أحمد المهدي، آلت كامل السلطات (بعد انقلاب ذكي) للخليفة عبد الله التعايشي وفي نفس يوم الوفاة، حيث كان لعبد الله التعايشي أقوى راية من الرايات الأخرى، وأقواها عدة وعتاداً، لقد قام عبد الله التعايشي بعدها بإقصاء الكثيرين من مناصبهم العسكرية القديمة ونفاهم أو أرسلهم في مهام بعيدة، وجرد كل أهل المهدي من كل امتيازاتهم وأعطاها لأقاربه من أهله (التعايشة)، كان حكمه من أسوأ أنواع الحكومات العسكرية التي شهدتها البلاد في ذلك القرن الماضي، كان هو القاضي، والحاكم، والقائد، وإمام الجامع. قام بتعيين أخيه، يعقوب في منصب قائد الجيش، وايضا مدير أشغاله العسكرية، نصب بعضا من أهله لمراقبة الناس، فبطشوا بخلق الله، وأذلوا المسلمين حتى داخل ديارهم التي كانت آمنة، سادت ديكتاتوريته بصورة جعلت الناس لا يثقون حتى في أقرب الناس إليهم، عم الفساد كل المرافق وكان السلب والنهب يتم بحجة دعم "بيت المال"، وطال الفساد المقربين من أهله فعمدوا إلى اختطاف وسرقة زوجات الآخرين. يقول علماء التاريخ، أن هذا الانقلاب الإسلامي، ما كان له أن يقع، لولا انشغال أشراف المهدي بالأمور الذاتية والجري وراء الثراء. والغريب أنه انقلاب يشابه نفس الانقلابات الإسلامية التي وقعت في عصور العباسيين والفاطميين، وما فيها من خبث ودسائس واغتيالات. بل والأغرب من كل هذا، أنه وبعد 120 عاما من انقلاب عبد الله التعايشي في 22 يونيو 1885، يجيء انقلاب إسلامي آخر ـ قاده أعضاء في الجبهة الإسلامية في يونيو 1989، ويحمل الكثير من نفس ملامح وسلبيات انقلاب التعايشي. إن الإنقلاب الإسلامي الأخير، مفرط في الديكتاتورية والتسلط، وامتاز عن بقية الانقلابات التي عرفتها البلاد بعد الاستقلال، أنه قد وقف ضد كل أنواع الحقوق الإنسانية وحقوق الأقليات، وصفى وقتل من السودانيين، يفوق عددهم آلاف المرات، أعداد السودانيين الذين ماتوا في الحرب العالمية الثانية. لقد استخدم النظام الجوع في الجنوب والغرب كسلاح للتصفية، إنه نظام وصلت شهرته السيئة السمعة والصيت، إلى كل بقاع العالم، مما حدا بالأمم المتحدة أن تسارع إلى نجدة من هم ما زالوا أحياءاً، وإرسال قوات من كل أنحاء العالم لنجدتهم السريعة قبل الفناء. (جاء خبر في يونيو هذا الشهر أن الجوع قد ضرب مناطق في الغرب والجنوب، وأن أطفال رومبيك، قد حملوا لافتات، أثناء زيارة أنان الأخيرة لهم، يناشدونه بسرعة التدخل قبل أن ينقرضوا).

    وأخيراً ما هي الأحداث الدامية التي وقعت في شهور يونيو ـ وكانت (صناعة أهل الإنقاذ):
    1/ بعد أيام قليلة تمر الذكرى العاشرة على محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك 26/6/1995
    2/ في يونيو من عام 1994، جاء للبلاد لأول مرة الإرهابي أسامة بن لادن، وكان في استقباله الرسمي بالمطار كثير من أهل الحكومة الحالية..
    3/ في يونيو 1994، سافرت إلى جنوب البلاد، أكبر قافلة عسكرية (ترحيل قسري) من الطلاب والتلاميذ، وكان وراءهم حسن الترابي، الذي وعدهم بالجنة ومفاتيحا، وبنات الحور (البيض) والغزلان التي تسبق الشهداء..
    4/ في يونيو من عام 1995 تم نشر كل تفاصيل فضيحة ترحيل الفلاشا لأول مرة، وعرف الناس خفاياها وأسرارها، والغريب، أن حسن الترابي أيام سطوته في سنوات التسعينات أصر على تعيين اللواء معاش (صاحب الفضيحة) الفاتح عروة، عضوا في البعثة السودانية الدائمة بالأمم المتحدة، وما زال بها حتى اليوم يصول ويجول دفاعاً عن .... السودان.. هذه المرة!! إن منصبه الكبير في وزارة الخارجية لغز كبير يرفض وزير الخارجية التعليق عليه، وإن كان هذا الوزير يجدا الحرج الكبير، عندما يهاجم إسرائيل، ويقوم باتهامات ضدها أنها وراء مشاكل دارفور. وتأتي قمة الفضيحة، أن حكومة الخرطوم قامت بإعدام إثنين من السودانيين (نلسون نبيو، وجوزف طمبة)، اللذين أعادتهما إسرائيل إلى السودان (بعد أن رفضت تل أبيب) منحهما حق اللجوء السياسي عندها، وقامت بتسليمهما إلى الأردن، وقامت الأخيرة بتسليمهما إلى السودان، مع تمام العلم أن الإعدام ينتظرهما!! (وهكذا نجد منطق الإنقاذ، من تعامل مع إسرائيل وتجسس لها، وقبض، وسلم، وأحرج السودان دولياً، يعين كدبلوماسي كبير، من هرب من بلاده أملا في حياة كريمة أخرى، حتى وإن كانت في إسرائيل، يعدم بلا حس ولا خبر ولا محاكمات سمعنا عنها.) وأخيرا.. تجيء في هذا الشهر (يونيو) الذكرى السادسة عشر على مسرحية .. "أنا اروح السجن... وأنت تروح القصر".

    (عدل بواسطة Yasir Elsharif on 06-10-2005, 05:08 AM)

                  

العنوان الكاتب Date
وجاءكم.. (يونيو) .. شهر المحن والكوارث.. والمصائب السودانية... د. بكري الصايغ Yasir Elsharif06-08-05, 09:14 AM
  Re: وجاءكم.. (يونيو) .. شهر المحن والكوارث.. والمصائب السودانية... د. بكري الصايغ Yasir Elsharif06-08-05, 09:25 AM
  Re: وجاءكم.. (يونيو) .. شهر المحن والكوارث.. والمصائب السودانية... د. بكري الصايغ Osman M Salih06-08-05, 11:41 AM
  Re: وجاءكم.. (يونيو) .. شهر المحن والكوارث.. والمصائب السودانية... د. بكري الصايغ Yasir Elsharif06-09-05, 03:57 AM
  Re: وجاءكم.. (يونيو) .. شهر المحن والكوارث.. والمصائب السودانية... د. بكري الصايغ Yasir Elsharif06-10-05, 06:13 AM
    Re: وجاءكم.. (يونيو) .. شهر المحن والكوارث.. والمصائب السودانية... د. بكري الصايغ هاشم نوريت06-10-05, 06:42 AM
  عبد الوهاب الأفندي يكشف الكثير.. السودان وتداعيات 11 سبتمبر Yasir Elsharif06-12-05, 09:18 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de