|
خرج ولم يعد........نصيص.
|
أخذ ينقل طرفه في زوايا المسجد .. يرى الوجوم على الوجوه ، و يرى علامات التبرم .. بل يرى حتى النائمين !! و حفظ كذلك ، وجوه أولئك الذين يلازمون حضور خطبته ، و يتخذون مواقع ثابتة في المسجد! يعرفهم تماما و يعرف (الغرض) الذي جاءوا من أجله ..!!
لكن ماذا يفعل لهؤلاء الذين يبدون الضيق من رتابة الخطبة ، خصوصا الشباب منهم . إنه لا يملك أن يفعل أكثر من هذا . يريدونه أن يثور ساخطا على (النظام) ، و يلقي بحمم كلماته على رموزه (!!) .. و لكن هل ينتهي الأمر بهذا ؟!
إن (الحمم) التي يريده هؤلاء أن يلقيها لتزعزع أركان النظام ، كما يقولون ، يود أن يلقيها ، و لكن ليس للغرض الذي يقصدونه ، بل ليفجر العفن ، و الوهن ، و الانهزام داخل النفوس ، التي قبلت بهذا الوضع المهين !! إن الثورة على الخوف و العبودية داخل النفوس ، يجب أن تسبق الثورة على النظام ، كل هذه الأفكار طافت برأسه ، و هو يتأمل الحاضرين ، و يحاول أن يقرأ في ملامح كل شخص وقعت عيناه عليه، خبايا ما يدور في فكره . لم يقطع حبل تفكيره إلا قيام المؤذن ليبدأ الخطبة . كان قد قرر شيئا في دخيلة نفسه ، رحمةً بالشباب الذي يراه يتقاطر على المسجد ، و كله رغبة في أن يسمع كلمة رفض للفساد الذي يدفع إليه المجتمع دفعا.. باسم الدين.. أو إدانة .. لانتهاك حقوقه وسرقة أمواله و خيراته ، أو حتى يسمع عبارة احتجاج على الواقع المزري الذي تعيش فيه الأمة .. لعلها تمنحه بعض العزاء لكبريائه الجريحة .
استهل الخطبة بالحديث عن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، و مكانته في المجتمع ، و استرسل في الخطبة مستشهدا بالحديث : " من رأى منكم منكرا فليغيره ..." . كان صوته يعلو حينا و يخفت آن آخر .. و استغرق في حالة من التفاعل مع الحديث الشريف ، لم يشعر خلالها بأي شيء آخر ، سوى حركات التحفز التي بدأت تظهر على المصلين ، و الشباب منهم خاصة ..!
في نهاية الخطبة لم يدر ماذا قال بالضبط .. لكنه واثق من أنه قد تجاوز الخطوط الموضوعه للخطبة ، التي دونها على ورقة صغيرة يحملها بيده .
كان هناك تقريران قد كتبا عن الخطبة .. الأول يقول:
"الخطيب يحرض على العصيان المسلح" !!
أما التقرير الثاني فيؤكد صاحبه على أن :
" الخطيب يدعو إلى الإطاحة بالنظام عن طريق (انقلاب) " !!
إضافة إلى ملاحظات سجلها (أحدهم) .. أشار فيها إلى أن " الخطيب يصف أعمال الحكومة بالمنكر".. !
كان على وشك أن يهجع إلى النوم .. بعد أن صلى الوتر ، حينما بدأ طرق عنيف ينهال على باب البيت .......فخرج ولم يعد.
|
|
|
|
|
|
|
|
|