سبحان الله ...صور

Quote: صورة مومياء فرعون مصر (( رمسيس الثاني )) لموسى عليه السلام مكانة مميزة كافة الأديان، وقد خصه الله سبحانه وتعالى بمعجزة لم ينعم بها على أحد سواه، فهو عليه السلام كليم الله، الوحيد من بين بني آدم الذي خاطبه الله مباشرة بدون وحي في طور سيناء ،وإذا نظرنا في تاريخ بني إسرائيل وفترة وجودهم في مصر ثم خروجهم منها لوجدنا الكثير من أوجه التشابه بين ما ورد في التوراة وما ورد في القرآن الكريم، وهذا التشابه في الأحداث التاريخية هو مما دفع ببعض الذين اجترأوا على محمد عليه الصلاة والسلام بأن يقولوا إنه كان ينسخ القصص الواردة في التوراة والإنجيل ويذكرها في القرآن. وسنحاول هنا من خلال بعض التفاصيل الواردة في الكتابين أن نثبت استحالة ذلك. فهناك بعض التفاصيل التي تختلف بين القصة كما وردت في التوراة وكما وردت في القرآن، وبعض التفاصيل التي تنفرد بها التوراة ولا يذكرها القرآن بصورة محددة لا تشكل تناقضاً مع ما ورد في القرآن. فالذي يقرأ النص القرآني يفهم أن فرعون الذي تربى موسى بين أهله هو نفسه فرعون الذي غرق في اليم، ولكننا نجد التوراة تشير إشارة عابرة إلى حادثة وفاة أحد الفراعنة أثناء وجود موسى في مدين التي هرب إليها من مصر بعد قتله أحد المصريين. وقد يبدو ذلك تناقضاً، ولكننا إذا أعدنا قراءة النص القرآني مرة أخرى لم نجد ما ينفي احتمال ذلك. فحتى عندما يتحدث فرعون مع موسى عليه السلام بعد عودته إلى مصر فإنه يخاطبه قائلا: "ألم نربك فينا وليداً"، فهو لا يذكر بالتحديد أنه هو الذي رباه، ولكن العبارة توحي بأن موسى نشأ بين أهل فرعون. والله أعلم بمراده، وأنا لا أجزم بصحة النص التوراتي، فنحن نعلم ما ألم به من تحريف، ولكني فقط أقول إنه لا يتناقض في هذه النقطة مع نص واضح في القرآن الكريم. ونجد ما يشبه ذلك في قوله تعالى إن آل فرعون التقطوا موسى عليه السلام "ليكون لهم عدواً وحزناً"، فهنا مرة أخرى نجد الحديث عن آل فرعون وليس عن فرعون بذاته. ولكن القرآن الكريم انفرد بذكر تفصيلة لم ترد في التوراة فيما يتعلق بمعجزة شق البحر ونجاة بني إسرائيل وغرق فرعون وجيشه، وهي تفصيلة لم يكن لمحمد عليه الصلاة والسلام أن يعرفها من تلقاء نفسه، أو أن يأتي بها من التوراة والإنجيل لأنها كما قلنا لم ترد فيهما. كما أنه في عهد النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن العلم قد توصل إلى إثبات تلك التفصيلة. وهذا يعود بنا إلى القول بأن العلم الحديث، الذي أثبت خطأ الكثير من المعلومات التاريخية والحقائق العلمية التي وردت في التوراة والإنجيل، لم يتوصل أبداإلى شئ يخالف ما ورد في القرآن الكريم. والتفصيلة التي أعنيها هنا هي تلك المتعلقة بنجاة جسد فرعون، إذ يقول الله سبحانه وتعالى مخاطباً فرعون: "اليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن بعدك آية.." والنجاة بالبدن تشير إلى العثور على جثة فرعون بعد غرقه. أما الجزء الذي يهمنا في سياق هذا الحديث فهو عبارة "لتكون لمن بعدك آية". فمن هم المقصودون بـ "من بعدك"؟ أول ما يتبادر إلى الذهن هو أن المقصودين هم الذين عاشوا بعد فرعون، سواء أكانوا من معاصريه أم من الذين جاءوا في الأزمنة اللاحقة. فلماذا هذا التعميم؟ ألم يكن كافياً القول بأن الآية موجهة لمعاصريه، على أن ينقل عنهم اللاحقون؟ في مواضع كثيرة من القرآن الكريم نرى، عند الحديث عن الآيات، كلمات مثل "للعالمين"، و "لأولي الألباب"، و"للمؤمنين"، وهلم جراً. فلماذا التعميم في هذه الحادثة؟ويقدم لنا موريس بوكيه، في كتابه "الإنجيل والقرآن والعلم" إجابة مفيدة عن هذا الموضوع (أشير هنا فيما يتعلق بعنوان هذا الكتاب إلى أن كلمة "الإنجيل" كما ترجمتها هي في الأصل Bible، التي تشير إلى كل من التوراة والإنجيل حسب مسميات النصارى، وهذا للتوضيح، لأن الكتاب لا يقتصر على الإنجيل فقط وإنما يتناول الكتابين معاً). والجدير بالذكر هنا أن موريس بوكيه هو الطبيب الفرنسي الذي اقترح على السلطات المصرية في عام 1975 إجراء فحص طبي لمومياء رمسيس الثاني ومومياء مرنبتاح الذي حكم بعده، وبناء على نتائج تلك الفحوص التي شارك فيها بنفسه، أرسلت مومياء رمسيس الثاني إلى باريس لعلاجها من التلف الذي ألم بها نتيجة لسوء ظروف الحفظ في المتحف المصري، كما انتهت فحوصاته إلى أن مومياء مرنبتاح أيضاً بحاجة إلى الترميم. وينتهي موريس بوكيه بعد دراسة تفصيلية للمصادر الكنسية (ومن أهمها المصادر التاريخية لكنيسة الإسكندرية) والمعلومات التي توفرت من الدراسات الأثرية الحديثة وعلم المصريات، إلى أن رمسيس الثاني هو فرعون الذي تربي موسى عليه السلام بين أهله. ويستدل على ذلك بأن التوراة تذكر أن هذا الفرعون اسمه رمسيس، وأنه هو الذي بنى مدينتي رمسيس وبيثون القديمتين مستفيداً في ذلك من طبقة من العبيد تقول المعلومات التاريخية إنه أحضرهم من بلاد الشام وتقول المصادر المسيحية إنهم هم اليهود الذين كان يضطهدهم. والمعروف أن رمسيس الثاني حكم لفترة 67 عاماً، أما خليفته مرنبتاح فليست هناك معلومات مؤكدة حول طول فترة حكمه، ولكن المرجح أنها زادت عن عشر سنوات ولم تتجاوز العشرين، تلتها فترة نحو 25 سنة من الاضطرابات الداخلية التي يرجح أن تكون نتيجة لهلاك الفرعون وجيشه. وما يهمنا هنا هو أن مجموع فترتي حكم رمسيس الثاني ومرنبتاح يقارب الثمانين عاماً، وهو ما يتفق مع ما ورد في التوراة من أن موسى عليه السلام كان في الثمانين من عمره عندما طلب من فرعون أن يدعه يخرج ببني إسرائيل من مصر، ويتفق أيضاً مع الإشارة إلى موت أحد الفراعنة (الذي نشأ موسى بين أهله) أثناء وجود موسى في مدين. وفترة حكم هذين الفرعونين هي الوحيدة في تاريخ المملكة الحديثة التي يبلغ فيها مجموع فترتي حكم متواليتين الثمانين عاماً أو يجاوزها. ولا يمكننا أن نجد فترة تمتد بهذا الطول إلا إذا جمعنا فترة حكم ستي الأول (الفرعون السابق على رمسيس الثاني) إلى فترة حكم رمسيس الثاني، ولكننا هنا نصطدم بحقيقة أن فترة حكم ستي الأول أقصر من أن تكفي لأن ينشأ موسى عليه السلام في أهل ستي الأول حتى يصبح رجلاً ثم يفر إلى مدين ويبقى هناك إلى ما بعد وفاة فرعون حسبما ورد في التوراة. وينتهي بوكيه إلى أن فرعون الذي غرق ليصبح لمن بعده آية هو مرنبتاح، إذا أخذنا بالنص التوراتي الذي يقول إن أحد الفراعنة قد مات أثناء إقامة موسى عليه السلام في مدين. وقد شارك بوكيه في عام 1975 في إجراء فحص طبي لمومياء مرنبتاح، وانتهى إلى أن الأرجح أن يكون قد مات نتيجة للغرق أو نتيجة للصدمات العنيفة التي تسبق الغرق. وخلاصة القول إنه سواء أخذنا بالنص التوراتي الذي يقول إن أحد الفراعنة قد مات أثناء إقامة موسى عليه السلام في مدين، فيكون فرعون الغريق هو مرنبتاح، أم لم نأخذ به، فيكون فرعون الغريق هو رمسيس الثاني، فإن النص القرآني يقف شامخاً في صدقه وبعده عن الشكوك. فمومياء كل من الرجلين ماثلة الآن في حجرة المومياوات الملكية في المتحف المصري في القاهرة، لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً. والسؤال للمشككين: من أين أتى محمد عليه الصلاة والسلام بهذه المعلومة؟ هل كان يعلم أن هذه المومياوات سيعثر عليها؟ هل كان يعلم أنها محنطة محفوظة لآلاف السنين؟ والجواب: "إن هو إلا وحي يوحى!".