|
|
 عبد الله الروائي
|
أمير تاج السر
مساء بعيد في ذلك المستشفى الساحلي ..وكنا ننتظر تجهيز غرفة العمليات .. لبتر ساق لمتسكع ليلي .. أصابه طلق من سلاح عسكري كان يحرس منع التجول في الساعات المتأخرة من الليل .. كنا أمام غرفة كبير الممرضين ، وكان شيخا باهظ السنوات ، لكن بنيانه المتماسك ، وتحركه النشط ،وأصباغ الشعر وأشياء أخرى ..كل ذلك أبقاه في الخدمة العامة لم تطاله يد ( الستين ) الخشنة والقوية ، والطاردة لسواعد الرجال ..كان ( عبد الله منصور ) ..حكاء ، وكانت مجالس الحكي التي يديرها أمام غرفته المتواضعة في ليالي المناوبات .. تشد آذان الكثيرين من أطباء ومرضى ومرافقين ..لكنه في ذلك اليوم كان يكلمني ، وكنت مستمتعا ..فقد كنت بالفعل في تلك الليلة قارئا لرواية من روايات ماركيز العظيم ..
قال كبير الممرضين يحدثني ..
(حدث ذلك في بداية الخمسينيات .. حين كانت الخدمات الطبية شحيحة جدا ولا تتوفر إلا في المدن .. وكانت القرى تفتقر حتى لمعاون صحي بسيط..لقد استلمنا بلاغا بوجود مصاب مطعون في بطنه في شجار قبلي ..في إحدى قرى الرحل المنتشرة خلف الجبال..وقد أبلغنا بذلك إعرابي كان يركب جملا ، وقد وصل إلى المدينة بعد أن استغرق عشرين يوما في الطريق ..ركبنا في عربة للإسعاف برفقة الإعرابي .. وتوغلنا في وسط الجبال والدروب الوعرة .. نجوع ونعطش ،ونسأل ونستدل مستغرقين خمسة عشر يوما..حتى وصلنا إلى موقع المصاب وكانت أمامنا مفاجأة .. فقد كان المطعون معطرا ومزينا يغطي شعره ( الودق ) .. وقد لفت أحشاءه المدلوقة خارج البطن بخرقة نظيفة .. وكان يحمل سيفا وعصا ويرقص وسط الأغنيات المحلية وزغاريد الصبيات .. فقد كان يوم عرسه ..حاولنا الإمساك به وجره إلى عربة الإسعاف .. لكنه صرعنا جميعا واستمر في احتفاله الكبير غير عابئ بتحذيري وتحذير ممرض آخر كان برفقتنا .. جلسنا في القرية شهرا كاملا .. كنا متوترين ننتظر انتهاء شهر العسل حتى نقوم بمهمتنا .. وكنا في كل صباح جديد نقوم بزيارة المصاب في خيمته.. نغسل أحشاءه بملح الطعام ونلفها بشاش معقم ،ونجبره على تناول بعض ( السلفا ) حتى انتهى ذلك الشهر المرير .. وعدنا به إلى المدينة .. كانت الرحلة هذه المرة شاقة للغاية فقد كنا في عراك مستمر مع العريس المطعون الذي كان يسأل عن عروسه ، ويحاول القفز من العربة كلما أعاقتها حفرة أو اعترضها جبل .. وكانت خمسة عشر يوما أخرى مريرة حتى وصلنا إلى المدينة ، وسلمنا المصاب إلى قسم الجراحة لترتيق أحشائه ..) .
كان عبد الله منصور يلهث ، وكان يقطع الحكي بتثاؤب متقطع أو قسم غليظ .. وحين انتهى سألني فجأة .. هل تعرف ( أركه أوهاج ) الذي كان شرطيا في المستشفى وانتقل منها ؟
قلت .. نعم
- إنه ولد المصاب البكر .. وقد رزق بعده بسبعة آخرين .
كانت في حلقي أسئلة كثيرة .. وكانت ثمة حوارات ومداخل تجتاحتي .. لكن غرفة البتر كانت جاهزة ..وكان علي أن أنصرف ..
|
|
 
|
|
|
|
|
| العنوان |
الكاتب |
Date |
| عبد الله الروائي | أمير تاج السر | 04-30-04, 08:12 AM |
| Re: عبد الله الروائي | mustafa mudathir | 04-30-04, 08:28 AM |
| Re: عبد الله الروائي | أمير تاج السر | 04-30-04, 08:33 AM |
| Re: عبد الله الروائي | أسامة معاوية الطيب | 04-30-04, 08:38 AM |
| Re: عبد الله الروائي | أمير تاج السر | 04-30-04, 08:46 AM |
| Re: عبد الله الروائي | mustafa mudathir | 04-30-04, 08:50 AM |
| Re: عبد الله الروائي | Ali Alhalawi | 04-30-04, 12:45 PM |
| Re: عبد الله الروائي | أمير تاج السر | 04-30-04, 04:25 PM |
| Re: عبد الله الروائي | Ali Alhalawi | 04-30-04, 04:57 PM |
| Re: عبد الله الروائي | mustafa mudathir | 05-01-04, 06:22 PM |
| Re: عبد الله الروائي | أمير تاج السر | 05-02-04, 07:31 AM |
| Re: عبد الله الروائي | mustafa mudathir | 05-02-04, 09:58 PM |
| Re: عبد الله الروائي | أمير تاج السر | 05-03-04, 07:25 AM |
| Re: عبد الله الروائي | mustafa mudathir | 05-04-04, 05:53 PM |
| Re: عبد الله الروائي | أمير تاج السر | 05-04-04, 06:23 PM |
| Re: عبد الله الروائي | نصار | 05-05-04, 08:08 PM |
| Re: عبد الله الروائي | أمير تاج السر | 05-06-04, 06:02 AM |
| Re: عبد الله الروائي | mustafa mudathir | 05-06-04, 05:15 AM |
| Re: عبد الله الروائي | أمير تاج السر | 05-06-04, 06:03 AM |
| Re: عبد الله الروائي | نصار | 05-06-04, 11:41 AM |
| Re: عبد الله الروائي | Tumadir | 05-06-04, 11:52 AM |
| Re: عبد الله الروائي | أمير تاج السر | 05-07-04, 08:25 AM |
| Re: عبد الله الروائي | mustafa mudathir | 05-07-04, 02:31 AM |
| Re: عبد الله الروائي | أمير تاج السر | 05-07-04, 08:22 AM |
|
| |
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست