|
تراجم : كافكا موظف التأمينات ، مقال مترجم عن الانجليزية
|
كـافـكا موظف التأمينات ترجمة : نجلاء عثمان
فى غمرة تصاعد العمل السياسى وارساء المكتسبات العامة فى امبراطورية النمسا والذى انتهى بسقوط الملكية فى 1918 نأى فرانز كافكا بنفسه عن الانخراط فى النضال المتعلق بالمسائل الطبقية ، غير انه اولى جهده بالمقابل للقضايا ذات الصلة بالعمال ، ومتولياً مناصب قيادية عمل كافكا كموظف مجد فى مكتب براغ التابع لشركة تأمين العمال النمساويين ضد حوادث العمل، وهى شركة مرساة على النمط الالمانى انشئت بحكم من فرَمَان ملكيّ اوصى به الامبراطور فرانز جوزيف فى 1889 ( امبراطور النمسا 1848-1916 وملك هنغاريا 1867-1916 وهو الذى كـفـل للنمسا دستوراً برلمانياً لاول مرة فى 1861)* . والشركة التى هى اداة حكومية مفوضة كانت موجهة لامتصاص ثائرة االجماهير العمالية ولتحاشى ( المخاطر المحدقة بالمجتمعات جرّاء مناصرى العدالة الاجتماعية" بسمارك" ). لقد تسبب التنامى المحموم لحركة التصنيع على مرِّ النصف الاخير من القرن التاسع عشر فى اخضاع البشر وبشكل متزايد لهيمنة الآلة . وطبقاً لذلك لم تكن الحماية من الحوادث مما يتوافق فى شىء مع تكنولوجيا بعَدَها فى نزال مع قوى الطبيعة .كان كل من يتورط بالعمل فى خطوط الانتاج الامامية فى المصانع يعى انه يجازف بأحد اطرافه او حتى بالموت جراء الاختناق . وكانت لحظة واحدة من الشرود على حواف عجلة تصنيع الواح الخشب تعنى فقدانك لواحد او للعديد من اصابعك . لم يتسن للاستاذ فرانز كافكا المحامي لدى شركة براغ للتأمين الشكوى من نقص الكوادر اللازمة للعمل " لشدّ ما ابقونى منشغلاً!! فى الاربع مناطق التى تقع تحت اشرافى (...) يسقط الناس من السقالات كما لو كانوا سكارى . يتدحرجون الى جوف الآلات . اعمدة برمتها تنهار. بينما تتحول المتاريس الى فتات والسلالم تنزلق , يتهشم على الارض ُجلّ ما يريدون مناولته لفوق . انهم يتعثرون وينزلقون على كل ما يطأونه، ناهيك عن الصداع الذى تسببه صبايا مصنع البورسلين اللائى لا يتوقفن ابداً عن القفز من اعلى الدَرَج وهن يحملن ابراجاً من القوارير ." لن تعثر على هذه المبالغة التعبيرية فى اى من ملفات الخدمة, فهى مستقاة من رسالة موجزة بعث بها كافكا الى صديقه السيد ماكس برود. ومن ثم طفق كافكا , المحاط باجواء الاستقامة الكهنوتية الصارمة بانجاز مهامه الوظيفية يوماً بعد الآخر بدءاً من الثامنة صباحاً والى الثانية بعد الظهر بما فى ذلك يوم السبت :- . " السادة ادارة شركة التأمين ضد حوادث العمل فى مملكة بوهيميا المحترمون:- يسألكم خادمكم المطيع نقله الى وظيفة اخرى ذات صلاحيات اقل " !! هذا ما أورده الشاب ذو الخمس والعشرين عاما فى التماسه المرفوع فى 1908 . و " تقديراً لتفانيه الظاهر فى عمله " الى جانب " شفافيته فى طرح افكاره" فقد ُسمح له بالتراجع ليصبح نائباً لمدير الشعبة فى 1922.
فيما يعود تاريخها للعام 1912 كانت الكروت الخاصة بالزيارات و المؤرشفة وفق ترتيبها الزمني هى من اكثر ما تكشف فيه التزمت الصارم الذى يسم لوائح العمل . وفي أحدها دوّن كافكا ما يلى : " عزيزى السيد اوبرنسبكتور عانيت فجر اليوم من نوبة اغماء عرَضية ومن الحمى ، وعليه فقد تعين لزومى المنزل , انما ليس ذاك مما يستدعى القلق , و فى اغلب الامر فان حضورى المكتب هذا النهار شىء مؤكد حتى لو كان ذلك بعيد الثانية عشر ظهراً "... اليس ذلك فعلاً مما يندر حدوثه! أى أن يتم التوثيق لكذبة بيضاء بهذا القدر من الجمال وأن تُستغل بهذا الشكل الخلّاق .... تفسير الامر يعود الى الولادة الفجائية - ليلاً- لروايته " المحاكمة " وما اعقبها من رهق ونشوة عارمين , ولعل ذلك هو السر الذى دفع كافكا لتلفيق هكذا ُتـرُّهات . تُرى فى حال لم يعمل كافكا موظفاً فى شركة التامين هل كان سيكون كافكا –عينه- الذى نعرف؟ فى حال لم يظفر ببصيرة النظر الى الجانب المظلم من الواقع و الذى ادركه سماعيا فقط ُكـتّـاب من امثال توماس مان , هوفمان ثيال وريلكه ؟ هذا مما تنطوى عليه الشكوك . فحتى لو كان كافكا مجرد موظف مكتبى يباشر مسؤليات ذات طبيعة اشكالية مثل " تصنيف الدعاوى " والتعاطى مع تزمرات المُخدِّمين حول تعهد شركاتهم بتولى" انواع معينة من المخاطر" يتعين على ضوءها التقييم الفعلى للمساهمة التامينية . فبالنظر الى كل ذاك ليس من طريقةٍ ابداً للادعاء ان كافكا كان شخصاً بيروقراطياً معزولاً عن العالم . ففى المقام الاول عرف كافكا جيتوهات الشغيلة الواقعة على اطراف مصانع الزجاج فى بوهيميا الشمالية. كما عرف الاضواء الطالعة من عنابرمغازل النسيج .ضجيج منلشر الخشب .غبار المحاجر. عرف اجرة العمل .الامراض المصاحبة. الحوادث التى تُقابل بحفنة من التعويضات البائسة و كان هذا بالخصوص ما يستثير اندهاشه .... " ما اشد خنوع هؤلاء الناس !!يأتون الى هنا ليستجدوا المساعدة! ,بدلاً من ان يعصفوا بالمكان ويحيلوا كل شىء الى مِزَق ... يأتون الينا ليسترحموننا !!! " كما عرف جيداً ان شركة التأمين التى يسيرها ثلاثمائة وعشرون موظفا ليس فى وسعها ابدا الوفاء بما تحتاجه ما تقارب مئتا الف من الهيئات التجارية والصناعية . وهنا قد يبدو المقترح باحلال خطة التأمين الشامل عوضاً لسياسة التأمين الحصرى ضد اصابات العمل فى المنطقة الخطرة (مشروع عرضه كافكا على نحو من التفصيل ) فكرة سديدة غير انه لم يخضع للتطبيق لسنوات . يبقى الاهمال الذى قابل به الدارسون - حتى الآن - هذه الناحية من حياة الكاتب العملية من الاشياء الداعية للعجب , طالما ان الامر يمثل مدخلاً مناسباً يعرج عبره الى رؤى غير مطروقة فى كتابة كافكا (وظائف كافكا ( هو عنوان المعرض الذى , بلماحية وخفة ظل باديتين قدمه كل من هانز- جيرد كوش وكالو واينباخ فى مبنى ارشيف الأدب الألمانى فى مارباخ , مانحين بذلك نموذجاً احتذائياً جديداً فى استعراض الواقعية. عبر هذا العرض تم القاء الضوء على ذلك الشرخ المميز لوجود كاتبنا الذى دائما ًما كان يعرض لذكر عمله على نحو سلبىّ فى كافة مراسلاته , شاعراً ناحيته بالمقت , لكن فعلياً كان كل شىء يشير الى العكس .فقد كان الرجل محبوباُ من قبل زملائه و رؤسائه على السواء و زيادة على ذلك لم يكن بالشخص الخامل الذكر فى سلك البيرقراطية طليقة اليد, كان شخصاً صاحب سلطات ,مسئوليات وحرية خلاقة فسرعان ما استرعت مواهبه الانتباه وحظيت بالتشجيع . فى المقابل كان كافكا مدركاً لاهمية وجوده الشخصىّ فى موقع عمله كما تكشف ذلك فى طلبه لزيادة راتبه الشهرىّ من موقع الواثق الحقيق . على العكس من الانطباع الذى يخلفه عنوان المعرض فى الاذهان لم يكتف المعرض بالتركيز فقط على الفترة التى قضاها كافكا فى شركة التأمين، فضمن ما وثق له بشكل واسع افتتان اصيل بالتكنولوجيا وحماسة لكافة الاختراعات , غرسهما فيه السيد سييجفرايد لويى –الاستاذ الريفى وعم كافكا. فى ردهات المعرض عُرضت دراجة كافكا الهوائية ودراجة بخارية تعود للعم لويي اعتادالاخير على السماح لكافكا بركوبها ايام العطلة .كما ظهر ايضاً تعلق كافكا بالطائرات والذى عبر عنه فى تقرير وصفى للاستعراض الجوى فى بريشا عام 1909. وبالنسبة للانسة فيليس بوير خطيبة كافكا المقيمة على مبعدة فقد ادخلت الى دنيا المخترعات تلك جهاز" البارلوجراف" احدث الاجهزة المنتجة بواسطة مكتب التقنيةالالمانية والذى كان على عاتقها مهمة الترويج له (كما عرض فى المينى فيلم ) . وفى ناحية اخرى من المكان استُجمعت فى حقيبة العرض مستلزمات كافكا المكتبية : مروراً بقلم الحبر السائل ونزولاً للممحاة و خرامة الورق ,وعلى رأس ذلك كله الآلة الكاتبة الفريدة والتى كتب عليها رسالته الاولى الى فيليس . عرَجَ المعرض كذلك لواقعة تعود الى العام 1910 جاء توثيقها على وجه بالغ الدقة وفيها ان كافكا بُعث الى جايلونز فى مهمة خاصة الغرض منها تهدئة غائلة بعض رجال الاعمال هناك, والذين كانوا قد بدأوا بالتمرد على التعليمات التى تردهم من براغ . تم التوثيق لذلك فى الصحيفة المحلية كما فى رسائل كافكا , معترفاً فيها .... " كنت منزعجاً باكثر مما يقتضيه النجاح فى المهمة " . هذه واحدة من النزاعات التى مرت بسلام بفضل الروح العالية والمهارة التى تحلى بها الرجل . ورغم تشديده الدائم على الفصل ما بين فنه و عمله لتأمين العيش لم تخضع مخيلته الابداعية لهذه التخطيطات الكنتورية الفاصلة فلطالما انجدلت مشاهد من هذا النوع فى نتاجه الادبى:- مكاتب. رُدهات محاكم . عنابر المصانع . الآت هذيانية .أرتال من الملفات .أراشيف . قلاع ريفية. محاجر. موظفون المَّ بهم الاعياء . عمال محزونون . ومفتشون شرسون.... كل ذلك تجلى ملياً فى قصصه كما تسرب الى ملفات رسمية وضع كافكا فيها العمل جانباً ليسرح فى الاخيلة ( منطوياً فى الأعم على رغبة تخريبية) . لكن ماذا عن بغضه للعمل المكتبى ؟ بالامكان تفسير ذلك على خلفية استحواذ الكتابة عليه باكثر مما هو نتاج لمعاناة فعلية فى العمل . كان الارهاق اليومىّ ومشهد التوجه الى العمل فى الصبيحة التالية يشكلان تهديداُ لشرنقة الفن التى ما فتىء ينزلق اليها ليلة اثر ليلة . و متلازماً مع ماسبق بشكل مركب قبضه على جماح نفسه محاولاً النزوع بها الى ما هو سائد وتقليدى . فى مجموع رسائل كافكا لم ترد كلمة واحدة عن المحتوى الفعلى لعمله ، ولكن المرة تلو المرة ياخذ بالتعرض للحضور اليومىّ الى العمل كشىء شديد الوطأة على روحه . لقد تقاسم كافكا المشاعر ذاتها مع انداده الروحييين : روبرت واسلر , ايتالو سفيفو , كونستانتينو كفافى و فرناندو بسوا . متسامياً على تعاسته الشخصية بعدم تجاوزه اياها انما عوضاً عن ذلك القيام بتكثيفها لتخرج على شكل صور اسطورية متوحشة تكشف عرى الحياة الحديثة وفشلها فى تقدير ذاتها ( على الاقل فيما يلى الحرب العالمية الثانية) . " مرسوم كافكا الملكىّ " مطبوع و مذّيل بختم الواقع لولا ذلك لربما لم يكن له ان يصلنا على ذلك الوجه من السرعة .
اشارة من المترجمة- ورد هذا المقال فى النسخة الانجليزية للمجلة الالمانية (KULTURCHRONIK) عدد يناير 2003 - ص 11 –على صدر ارشيف مارباخ للادب تحت عنوان (Franz Kafka as office –worker ) .
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
تراجم : كافكا موظف التأمينات ، مقال مترجم عن الانجليزية | نجلاء التوم | 04-25-04, 10:23 PM |
Re: تراجم : كافكا موظف التأمينات ، مقال مترجم عن الانجليزية | جورج بنيوتي | 04-26-04, 09:55 AM |
Re: تراجم : كافكا موظف التأمينات ، مقال مترجم عن الانجليزية | mohammed alfadla | 04-26-04, 02:56 PM |
Re: تراجم : كافكا موظف التأمينات ، مقال مترجم عن الانجليزية | Alia awadelkareem | 04-26-04, 09:11 PM |
Re: تراجم : كافكا موظف التأمينات ، مقال مترجم عن الانجليزية | Ishraga Mustafa | 04-26-04, 10:12 PM |
Re: تراجم : كافكا موظف التأمينات ، مقال مترجم عن الانجليزية | Adil Osman | 04-26-04, 11:41 PM |
Re: تراجم : كافكا موظف التأمينات ، مقال مترجم عن الانجليزية | b_bakkar | 04-27-04, 02:00 AM |
Re: تراجم : كافكا موظف التأمينات ، مقال مترجم عن الانجليزية | نجلاء التوم | 04-27-04, 04:59 PM |
Re: تراجم : كافكا موظف التأمينات ، مقال مترجم عن الانجليزية | gessan | 04-27-04, 05:58 PM |
Re: تراجم : كافكا موظف التأمينات ، مقال مترجم عن الانجليزية | mustafa mudathir | 04-28-04, 01:15 AM |
Re: تراجم : كافكا موظف التأمينات ، مقال مترجم عن الانجليزية | Ibrahim Algrefwi | 04-28-04, 01:51 PM |
Re: تراجم : كافكا موظف التأمينات ، مقال مترجم عن الانجليزية | Ishraga Mustafa | 04-28-04, 10:24 PM |
Re: تراجم : كافكا موظف التأمينات ، مقال مترجم عن الانجليزية | yumna guta | 04-29-04, 06:08 AM |
Re: تراجم : كافكا موظف التأمينات ، مقال مترجم عن الانجليزية | mustafa mudathir | 04-29-04, 06:10 AM |
Re: تراجم : كافكا موظف التأمينات ، مقال مترجم عن الانجليزية | نجلاء التوم | 04-29-04, 07:49 AM |
|
|
|