هل أثر السودانيون في فكر ومسيرة مالكوم أكس

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-30-2024, 10:31 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-26-2004, 02:00 AM

عبدالسلام الخبير

تاريخ التسجيل: 03-07-2004
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
هل أثر السودانيون في فكر ومسيرة مالكوم أكس

    هذا مقال طريف في موضوعه نشرته صحيفة (الصحافة) علي حلقات..رأيت أن أشرك أعضاء المنبر في قراءته لما فيه من رصد دقيق -إذا صحت مصادر الكاتب –للمؤثرات السودانية التي أسهمت في تشكيل فكر زعيم أمة الأسلام مالكوم أكس..والمقال في تقديري يأتي من حيث الأهمية بعد كتاب الراحل المقيم الأستاذ عبدالهادي الصديق عن (الأفريقانية) والذي أستعرض فيه الدعم السياسي والثقافي والفكري الذي قدمه السودان لحركات التحرر الأفريقية. وهو كذلك المقال الأول من نوعه الذي يزعم ويبحث ويستقصي وجود مؤثرات سودانية صرفة في مسيرة زعيم التحرر الأمريكي ماكوم أكس وهو فرضية إن صحت تضع السودان في مكانة رفيعة في حركة تحرير السود في أمريكا..
    بعد قراءة هذا المقال ومن قبله كتاب الأفريقانية للراحل المقيم الأستاذ عبدالهادي الصديق أصبحت أكثر قناعة أن السودان القديم الذي صار سبة عند البعض كان من أكثر الكيانات الجغرافية التي قدمت دعما سخيا وغير محدود لحركات التحرر العالمية والتي تعدت أفريقيا الي أمريكا اللاتينية والولايات المتحدة الأمريكية ..وهو دعم ترتفع قيمته لأن السودان لم يكن غنيا فأعطاهم من فائض خيره بل أقتسم مع حركات التحرر الخبز ولقمة العيش ... إنها دعوة للحوار حول تراثنا الذاتي المتهم بأنه أسلاموعربي أكثر من أنه أفريقاني أو عالمي تحرري ...

    أربعة مؤثرات سودانية في فكر ومسيرة مالكولم إكس
    بقلم الدكتور/ محمد وقيع الله أحمد

    عاش مالكولم إكس( 1925– 1965) حياة قصيرة ، إلا أنه ترك وراءه آثاراً لا تُتمحى ، كثيرة وخطيرة . وبدون إغفال لجهود الدكتور مارتن لوثر كنج ، يمكن أن يُقال إن مالكولم إكس هو الذي حول مساق العلاقات العرقية في أمريكا إلى الاتجاه الذي تسير عليه الآن ، بعد أن بعث في سود أمريكا من الثقة بأنفسهم والاعتداد بقدراتهم ما لا يزال يشحذ مسيرتهم في سبيل الانعتاق، والنماء الذاتي ونيل الحقوق ، والاسهام في تطور المجتمع .
    لقد أُتيح لمالكولم إكس أن يقنع خلال حياته نحواً من أربعين ألفاً من الأمريكان باعتناق الإسلام ، إلا أن الأثر الفكري والأدبي العجيب الخالد الذي نشر بُعيد موته بعنوان : " مذكرات مالكولم إكس " ما زال يقود الأمريكان سوداً وبيضاً نحو اعتناق دين الإسلام الصافي المبرأ من الشوب العنصري ، وهو كتاب مقروء جيداً وقل أن تجد أمريكياً مثقفاً لم يقرأه ، أو أمريكياً عادياً لا يعرف خبراً عنه ، ولعله طُبع حتى الآن أكثر من خمسين طبعة ، ويعتبر مقرراُ دراسياً في كثير من الجامعات ، وله متون مختصرة تُدرس بكثير من المدارس الثانوية والمتوسطة ، ويوجد الكتاب بنصه الأصلي ، وبمتونه المقتبسة عنه ، أو الحواشي المضافة إليه في نحو عشرة الآف مكتبة عامة في الولايات المتحدة ، إضافة إلى مكتبات الجامعات والمدارس ، ولا تخلو مكتبة تجارية من أقل من خمس كتب جديدة صادرة عن مالكولم إكس ، وفي الجملة ، فقد غدا مالكولم إكس مثار إعجاب عام ومحط تكريم عظيم ، وقلما يكتب أحد في الآونة المتأخرة نقداً في إزدراء مالكولم إكس كما كانوا يكتبون عنه بظلم صارخ في إبِّان حياته .
    إن الآثار الإيجابية العظيمة التي خلفها مالكولم إكس في التاريخ ، قد تصدت لبحثها ودراستها وتقديرها مئات الكتب والآف المقالات التي كُتبت عن مالكولم إكس خلال العقدين الأخيرين ، ولسنا بصدد استعراض شيء من ذلك الآن ، ولكنِّا بصدد تلمس وبحث أصول مؤثرات كان لها دورها في دفع مالكولم إكس في الخط الذي مضاه ، وهي مؤثرات سودانية صدرت عنها كلمات مقتضبة ، وإشارات عابرة ، في بعض الكتب والمجلات والصحف التي تناولت سيرة مالكولم إكس ، ولم يقم مصدر واحد - في حدود علمنا – بتقصي ذلك الأمر أو إعطائه حقه من العناية المعتبرة ، بل عومل الأمر بنوع من الخفة أو الاستخفاف من قبل بعض المصادر ، وهو شأن مشهود في التعامل مع الشؤون السودانية في بعض الدوائر الأكاديمية والبحثية ، وبصورة عامة يمكن إعذار من أغفلوا أو استخفوا بشأن المؤثرات السودانية على فكر ومسيرة مالكولم إكس ، لأن الإشارات التي وردت في المصادر الأصلية عن تلك المؤثرات كانت إلى حد ما مبهمة ، ولا تغري باحثاً بالتوغل في تتبع الموضوع وصولاً به إلى الجذور ، كما أن الباحثين السودانيين أنفسهم لم يؤدوا دورهم – في حدود علمي – تجاه تبيين جلية الأمر للباحثين الأمريكيين المهتمين ، بل والمولعين ، بتحليل ظاهرة مالكولم إكس .
    وهذه النواة البحثية لا تحاول إلا أن تلقي ضوءً عاماً على الموضوع بعد أن تحدد إطاره العام ، وقد حصرنا حديثنا على أربعة مؤثرات سودانية أسهمت في توجيه مالكولم إكس سواء بشكل مباشر أو غير مباشر خلال فترة زمنية طويلة بدأت قبل ميلاده. وهنالك – على الأقل – مؤثران غير مباشرين تمثلا في الفكر السياسي الإسلامي لدوس محمد علي ، والفكر الديني الدعوي للشيخ ماجد ساتي ، كما يوجد مؤثران مباشران جاء الأول تأصيلياً شرعياً على يد الشيخ أحمد حسون السلفي ، والثاني مفهومياً حركياً على يد البروفيسور – الطالب حينها – أحمد صديق عثمان .
    جذور القومية الحضارية السوداء
    جاءت الدفعة التأثيرية الأولى من طرف شخصية شديدة الإثارة والغرابة هي شخصية دوس محمد علي
    ( 1887 – 1945 ) وهي تأثيرات غير مباشرة بطبيعة الحال . ولكنها كانت قوية كما كانت مزدوجة ، إذ أنها أثرت في مالكولم عن طريقين مختلفين ، كان كلاهما قريباً منه . الأول هو طريق أبيه " إيرل ليتل " الذي تتلمذ على ماركوس جارفي الذي تتلمذ بدوره على دوس محمد علي ، وقد انتظم والد مالكولم ( إيرل ليتل ) في دعوة جارفي للقومية السوداء والاعتماد الإقتصادي على الذات وإنشاء دولة خاصة بالسود في أمريكا . وأما الطريق الثاني فهو طريق إليجا محمد زعيم ( أمة الإسلام ) في أمريكا ، وهو الآخر تلميذ لماركوس جارفي ، وكان له دور قوي في استنقاذ مالكولم من عالم الجريمة والسجون وإعداده لدوره الرسالي في إطار نضال السود .
    وُلد دوس محمد علي لأم سودانية وأب مصري كان يعمل ضابطاً في جيش القائد الشهير أحمد عرابي ، وشارك معه جهاده الثوري ضد الإنجليز ، واستشهد في معركة التل الكبير في عام 1882 . وقبل ذلك كان قد أرسل ابنه دوس - وهو في التاسعة من عمره – لتلقي العلم بإنجلترا . وكان دوس يحضر خلال إجازاته الدراسية لمصر فيلتقي بأفراد أسرته ويحضر بعض مجالس أبيه مع الثوار العرابيين ، وأُتيح له أن يلتقي بأحمد عرابي ويحادثه ، فتأثر كثيراً بأفكاره الوطنية الإسلامية المناهضة للاستعمار وللتبعية الثقافية للغرب . وبدلاً من أن يلتحق دوس بدراسة الطب كما أوصاه أبوه ، فقد جرفته أفكار الثورة إلى دراسة التاريخ ، وإلى العمل بالصحافة ، والاتصال بالحركات الوطنية المكافحة للاستعمار .
    وفي لندن أنشأ دوس مجلة باسم ( African Times & Orient Review ) ، عرف فيها العالم بنضالات ثوار عام 1924 في السودان بقيادة علي عبد اللطيف ، ونشر فيها مقالات متعددة لقادة الثورات الإفريقية وقادة السود الأمريكيين من أمثال ماركوس جارفي الذي كتب مسانداً لثوار عام 1924 في السودان ، وكان جارفي قد قدم إلى لندن في فترة سابقة ، وأقام لمدة عامين يعمل في صحيفة ( الأزمنة الإفريقية ) ، حيث نال تدريباً كافياً ، وتزود بحصيلة وافرة من المعلومات التاريخية عن الحضارات الإفريقية زوده بها دوس محمد ، وانطلق من ثم يؤسس حركته النهضوية التي سماها ( رابطة السود المتحدين من أجل التقدم ) ( United Negro Improvement Association ) ، ومجلته التي سماها ( عالم السود ) ( Negro World ) ، التي نشرت أبحاثاً توجيهية عميقة عن الإنجازات الحضارية للشعوب السوداء ، كان لها تأثير واسع على سود أمريكا ، حيث أدت إلى اعتزاز الكثيرين منهم بأصولهم وبهويتهم وماضيهم الحضاري الزاهي ، وكان من ضمن من تأثروا بتلك الأبحاث إليجيا محمد الذي التقى ماركوس جارفي في ديترويت في أواخر العشرينيات وأوائل الثلاثينيات واكتسب عضوية ( رابطة السود المتحدين ) التي كان يقودها جارفي ويؤجج بها نضالات عمال المصانع السود في ديترويت في خلال سنوات الكساد العظيم . وقد اكتسب إليجيا خلال انخراطه في تلك الحركة بعض المفاهيم الإسلامية الأولى مثل الإيمان بوحدة الإله ، وذلك مفهوم كان جارفي قد استقاه من معلمه دوس محمد ، وقد تطورت معرفة إليجيا بالإسلام عبر التقائه بفارض محمد وغيره ، ولكن لم تصل مفاهيمه الإسلامية إلى درجة الصفاء ولم تكتمل قط وذلك حتى وفاته في عام 1976 ، ولكنه أعطى شيئاً كثيراً عندما عرف مالكوم وراسله وهو في السجن ، واصطفاه عقب خروجه منه ، وصعده في قيادة الحركة إلى أن دب بينهما الخصام في عام 1964 .
    - شيخ من دنقلا ! -
    وجاءت دفعة تأثيرية ثانية غير مباشرة عن طريق إرشادات الشيخ ساتي ماجد ، شيخ الإسلام في أمريكا في عشرينيات القرن الماضي ، وهو داعية من دنقلة العجوز ، حفظ القرآن ببلاده ، ثم نزح إلى مصر حيث درس قليلاً بالأزهر ثم ارتحل إلى بريطانيا ، ومنها إلى الولايات المتحدة الأمريكية متعقبا ًدعايات المبشرين التشويهية لدين الإسلام . وبوصوله إلى نيو يورك في عام 1904 بدأ أعماله التأسيسية مستعيناً ببعض من وجدهم هناك من المسلمين اليمنيين والأتراك وغيرهم ، حيث أنشأ جمعية " تقوية الخلافة العثمانية " وجمعية " الاتحاد الإسلامي " وجمعية " الهلال الأحمر " و " الجمعية الخيرية الإسلامية " و " مسجد مصانع فورد للسيارات " ، وتمكن بدعايته للإسلام من كفكفة بعض غلواء المبشرين ومن اكتساب بعض الأمريكان البيض والسود إلى صف الإسلام .
    وفي الصف المحسوب على الإسلام باشر ساتي ماجد جهوده في تصحيح عقائد جماعة ( أمة الإسلام ) بقيادة إليجيا محمد ، وجمعية ( المعبد الإسلامي ) بقيادة نوبل ودرو علي ، وكلاهما ادعى النبوة . كما كافح الشيخ ماجد جهود القاديانيين والبهائيين الذين كانوا ناشطين في تشويه صورة الإسلام وتحريف تعاليمه . وفيما يختص بجماعة ( أمة الإسلام ) فقد تبادل ساتي ماجد مراسلات ومداولات عديدة حول عقائد تلك الجماعة ، فتحت ذهن داعيها إلى خطورة دعاويه . وقد اعترف إليجيا محمد بالفوائد التي اجتناها من حكمة الشيخ ساتي ماجد ، وخاطبه في أحد رسائله الجوابية إليه بأدب واحترام شديدين ، وهي الرسالة التي وردت بنصها الإنجليزي وبخط يد إليجيا محمد ، في الكتاب الفريد الذي أعده الأستاذ عبد الحميد محمد أحمد بعنوان " ساتي ماجد الداعية السوداني بأمريكا " وقد ترجمها الأستاذ عبد الحميد كما يلي : ـــ
    17 ديسمبر 1928
    الوالد المحترم ساتي ماجد
    شيخ الإسلام في أمريكا
    سيدي :
    من خلال هذه السطور العجلى نكتب إليك ، نحن أبناؤك في ظل العقيدة الإسلامية ، والذين ازدادت أعدادنا دخولاً في دين الله ، بل وما زال عددنا يتضخم بفضل الله . تجد رفق هذه الرسالة اثني عشر رسالة كان من المفترض أن ترسل إليك قبل هذا التاريخ من أبناءك في هذه البلاد . وإن أنسى فإني لن أنسى أن أشكر لك كلماتك الحكيمة والمفيدة والتي استفدنا منها وستظل زادنا في المستقبل . نأمل لقياك قريباً .
    المخلص لك : إليجيا محمد
    إن إليجيا محمد لم يُنحِّ عنه جانب التفكير العنصري ، ولكنه كما يقول عنه حديثاً حارسه الشخصي مراد محمد كان يعي جيداً باطل التفكير العنصري ، ولم يكن يرى له أي صلة بدين الإسلام ، ولكنه ثابر على نشره لمجرد أنه أداة تعبوية جيدة لبعث الأمل في نفوس السود ورص صفوفهم في حركة نضالية قوية ضد البيض . ويضيف مراد محمد في شرح فصول تجربته مع إليجيا محمد : " إن رسالة إليجيا لم تكن تعليم الدين الإسلامي ، وإنما تطهيرنا من أدواء المخدرات والخمور والدعارة والانحلال النفسي ، وذلك بانتظار من يأتي في المستقبل ليعلمنا الإسلام . صحيح أننا لم نفهم كلمته تلك في ذلك الأوان ، ولكنا بدأنا نتفهمها الآن " . وذلك هو خط التدرج الذي سارت عليه جماعة " أمة الإسلام " ، ومضت عليه بخطى وئيدة حيث ظلت تصفو شيئاً فشيئاً مما ران عليها من أوشاب ، وعلى تلك الخطى بدا ملمح سوداني آخر هو ملمح الشيخ أحمد حسون الذي ابتدر التأثير المباشر على المسيرة الفكرية لمالكولم إكس .
    - من أنصار السنة ... إلى هارلم ! -
    جاء التأثير المباشر على فكر مالكولم إكس من قبل الشيخ أحمد حسون السلفي ، الزعيم الأسبق لحركة أنصار السنة المحمدية بالسودان . وهو رجل كان على اتصالات وثقى بالأوساط السلفية العالمية ، حيث كان يجيد اللغة الإنجليزية بحكم عمله لسنوات طويلة بإدارة البريد قبل استقلال السودان . وبسبب من اقتداره على التخاطب بتلك اللغة فقد انتدبته رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة للعمل مرشداً لما كان يُعرف بالمسجدالإسلامي رقم ( 7 ) الذي كان تحت التأسيس بهارلم في نيو يورك . وكان خطيب ذلك المسجد هو مالكولم إكس ، فالتقاه الشيخ حسون وعمل مرشداً شرعياً له ، وأعانه على تفهم تصورات الإسلام الكبرى ومدلولات قواعد ونصوص الشرع ، وكان مثل ذلك العون هو أشد ما يحتاج إليه مسلم نابتٌ في بيئة غريبة ، ومنبثق عن خلفية ملوثة شأن مالكولم إكس .
    وقد ظل الشيخ حسون يرافق مالكولم ويوالي نصحه ، وتفطينه ، وإبانة أحكام الشرع له ، وكان يحضر محافله الخطابية الحاشدة ويظهر معه على منصة الخطابة ، وتلتقط له الصور معه ، ومن عجب فإن تعليقات الصحف والمجلات الأمريكية على تلك الصور لم تصب الحقيقة أبداً ، فكل صحيفة - على حسب اجتهادها أو تخمينها - تنسب الشيخ إلى أي وطن إلا السودان ، وذلك مع أن الشيخ كان يرتدي دائماً جلباباً أبيض ويلوثُ عمامته على الطريقة السودانية . وقد بقي الشيخ حسون رفيقاً حميماً لمالكولم إكس في أيامه الأخيرة . وحسبما ورد في تعليقات إليكس هيلي على مذكرات مالكولم إكس فإن الشيخ حسون كان هو الذي تولى غسل جثمان مالكولم إكس وتكفينه ودفنه على الطريقة الإسلامية السنية ، وذلك خلافاً لعادات الدفن البدعية لمسلمي أمريكا حينها .
    يحدثنا عن ذلك محرر مذكرات مالكولم إكس فيقول : " وبينما كان أحباب مالكولم إكس يتجمهرون عند الظهر في المكان المعد لتجهيز الموتى بهارليم بنيو يورك ، اضطرب الحضور لظهور جمع من نحو اثنى عشر شخصاً في قيادتهم شخص متقدم في السن ، وقور الطلعة ، يلوث على رأسه عمامة بيضاء ، ويرتدي عباءة سوداء ، وتهوي لحيته البيضاء إلى صدره ، ويتوكأ على عكازة طويلة . وعندما هم الصحفيون بالتقدم نحوه طلباً منه للإدلاء بتصريح يتعلق بالحادثة ، أومأ إليهم أحد رفاق الشيخ بالإنصراف وهمهم قائلاً : " إن من الخير دائماً أن يحفظ المرء لسانه لئلا يخونه بقول يندم عليه " . كان الشيخ الوقور القادم هو أحمد حسون ، وهو مسلم سني من السودان ، كان يعمل أستاذاً للشريعة بمكة المكرمة لمدة ثلاثة وثلاثين عاماً . وهناك التقى مالكولم إكس عندما جاء هذا بغرض أداء فريضة الحج ، ثم ما لبث أن أتى وراءه إلى الولايات المتحدة ليعمل مستشاراً روحياً لمالكولم ، ومدرساً بمسجد المسلمين بنيو يورك .
    لقد قام الشيخ حسون بتجهيز جثمان مالكولم للدفن طبقاً للتعاليم الإسلامية . وقد بدأ أولاً بنزع الملابس الغربية التي كانت على مالكولم وقت العرض ، ثم غسل الجثمان بنوع معين من الزيت المقدس ، ثم لفه بسبع قطع من القماش الأبيض تسمى بالكفن . ولم يترك من الجسد مايبدو للعيان سوى الوجه بشاربه المحمر قليلاً ، واللحية الصغيرة المشذبة جيداً . وقد اتجه المعزون الذين وفدوا مع الشيخ نحو النعش ، وبدأوا يقرأون بعض آيات القرآن الكريم ، وعندما فرغوا من تلك التلاوة اتجه الشيخ حسون إلى مندوب دار تجهيز الموتى قائلاً : " إن الجثمان جاهز الآن للدفن " ، ثم ما لبث الشيخ حسون ورفاقه أن انصرفوا ، ليعود الناس للتجمهر حول الجثمان " .
    كان ذلك هو ما ذكره مؤرخ الحادثة الأول الذي كان شاهد عيان عليها . ولكن سرعان ما انطلقت التحريفات على تلك الحادثة ممن نقلوا عن وصف هالي للمشهد ، فمن قائل أن الشيخ حسون مسلم من الكونغو ، ومن قائل أنه مسلم من مكة المكرمة ، ومن قائل أنه شخص إفريقي ، وكمثال لتلك التحريفات فهذا أحد الكتب في سيرة مالكولم إكس تم إعداده ليناسب عقليات الناشئة على مستوى طلاب المدارس المتوسطة والثانوية ، يحمل عنوان ( Malcolm X: Another Side of the Movement ) ، يتطرق لموضوع الشيخ حسون ويروي خبره بهذا الإبهام : " وفي يوم الجمعة الذي أعقب مقتل مالكولم إكس ظهر في دار التجهيز والعزاء رجل جليل المظهر له لحية طويلة بيضاء يتكىء على عكازة معقوفة ، يرتدي جلباباً وعباءة وكان اسمه الشيخ أحمد حسون الذي أتى من القارة الإفريقية في العام الماضي خصيصاً ليعلم مالكولم الإسلام التقليدي وليساعده على نشره في الولايات المتحدة . وبعملية اتسمت بالبطء الشديد ، قام بمعاونة مساعديه بتجهيز جثمان مالكولم للدفن على النمط التقليدي الإسلامي . وقد بدأ الشيخ بنزع الملابس الغربية التي كان يرتديها مالكولم , ثم غسل جثمانه سبع مرات بالزيت المقدس ، ثم كفنه بسبع قطع بيضاء من القماش .
    - من حلفا إلى هارفارد ! -
    نهض بعد ذلك الأستاذ أحمد صديق عثمان فألقى بالنيابة عن المركز الإسلامي بجنيف خطاباً مؤثراً قال فيه إن العالم الإسلامي بأجمعه يعترف بمالكولم إكس شقيقاً في العقيدة ، وبطلاً ، وشهيداً ، قضى نحبه في حومة المنافحة عن الدين الحق ، وثمَّن الأستاذ أحمد عثمان جهاد مالكولم إكس في سبيل المثل الإسلامية الإنسانية العليا ، واتبع خطبته البليغة بكتابات إلى الصحف الأمريكية ، عمل فيها على تنقية سيرة مالكولم إكس مما ألصقته به التغطيات الصحفية المغرضة ، وفصَّل القول في شأن التحولات الفكرية المتتابعة التي طرأت على فكر مالكولم إكس ، وأدت به في النهاية إلى الإنخلاع عن الالتزام العرقي الشوفوني ، وهي التحولات الإيجابية الباهرة التي كان يقف وراءها ويدفع بها قدماً الأستاذ أحمد عثمان .
    كان أحمد عثمان شخصاً إيجابياً يرى في نفسه المقدرة على تحويل تيارات الأحداث والتأثير في الشخصيات التاريخية الكبرى عن طريق الفكر . لذا ما أن استمع إلى محاضرة عامة لمالكولم إكس في ظهيرة أحد أيام الأحد بمسجد المسلمين السود رقم ( 7 ) بنيو يورك حتى انبرى ليفصح عن دهشته لسوء فهم مالكولم للإسلام ، وللتخليطات والبدع الغليظة التي جاءت في ثنايا المحاضرة التي ألقاها على ذلك الجمع ، وكان طبيعياً أن يتصدى قطاع من المستمعين لهذا الذي وقف يعارض خطاب رئيسهم المثقف الذرب ، الذي كان يعتبر ثاني أخطب خطيب في أمريكا يومها بعد المرشح الرئاسي باري جولد ووتر ، ولكن مالكولم كان يباين دوغمائية القطاع الأعظم من تابعيه وتابعي إليجيا محمد ، فقد كان ذهن مالكولم دائم الانفتاح يقبل الجديد ، ويتفهمه ، ويذعن له ، متى ما ثبت أنه الأقرب إلى الحق .
    ويحدثنا أحمد صديق عثمان عن ذكرى تلك المواجهة التي جرت بينه وبين مالكولم إكس ، فيقول : " وبعد أربع ساعات من الحديث المتصل لمالكولم أمام جمهور من حوالي خمسمائة شخص ، فُتح باب النقاش ، وهنا جاءت لحظة مواجهتي الأولى لمالكولم إكس . لقد اخبرته أن كثيراً من العقائد والآراء التي تتبناها نحلة المسلمين السود هي على النقيض تماماً من تعاليم الإسلام الأصيل ، لا سيما ذلك الاعتقاد العجيب في إليجيا محمد على أنه رسول مبعوث من عند الله تعالى ، ثم تلك التفسيرات المنكرة لموضوع اللون والعرق . لقد قلت لمالكولم يومها إن من الواضح أن مما شدك كثيراً إلى الإسلام هو أنه دين يلغي في ضمير صاحبه أي نزعة للتفوق على أساس العنصر واللون ، وأنه دين يستبدل بناحية التفرق بدعوى العنصر واللون ، أخوة الإسلام الجامعة القائمة على مبدأ المساواة التامة بين المسلمين ، وهي العلامة التي كانت وستظل دائماً علامة فارقة في تاريخ الإنسان . والآن فإننا واشتقاقاً من ذلك المبدأ الإسلامي الأصيل يمكن أن نثبت أن أي نزوع لسب الناس وشجبهم ولعنهم بسبب من لونهم أو نوع العرق الذي انحدروا منه أمر لا مجال له البتة في دين الإسلام ! .
    هنالك استشاط المستمعون من الغضب ، وكادوا يموجون من الغيظ ، ولم يبق على قدم الانضباط إلا مالكولم إكس وحده . وقد عمل مع ذلك على ضبط جمهوره ومناشدته الهدوء والصبر ، وعدم مقاطعتي حتى أكمل ما بدأت به من حديث . ولكن الجو كان قد اكفهر تماماً واستعر النقاش غير الموضوعي من جانب الحضور . وغادرت المكان بعد نهاية النقاش وأنا غير مقتنع بآراء مالكولم إكس ولا آراء الحضور ، ولكني خرجت بإنبهار وإعجاب عميق بشخصية مالكولم إكس " .
    لا بد أن أحمد عثمان كان قد تناول في مداخلته تلك بالنقد عقيدة إليجيا محمد في الجنس الأبيض ، وخلاصتها أنه جنس ملعون ممسوخ ، ذلك أن الله تعالى خلق البشر جميعا ًسود البشرة ، ثم اقترف بعضهم من الآثام العظام ما استوجب مسخهم إلى بشر بيض ، وتلك العقيدة المزعومة كانت قد تأصلت في أوساط مسلمي أمريكا السود دهراً طويلاً ، وتشربها بعمق مالكولم إكس وبشر بها في محافل كثيرة ، وذلك إلى أن انتهى عنها في أُخريات أيامه عندما حج البيت الحرام ، ورأى بأم عينيه المسلمين من مختلف الألوان ، يدينون بدين واحد ، فأدرك حينها أن الإيمان بإله واحد ، يعني أيضاً وحدة الخلق ، وعبر عن ذلك بقوله في رسالته الشهيرة التي بعث بها لعدد من أصدقائه بعد الحج : " في خلال الأحد عشر يوماً الماضية التي قضيتها في العالم الإسلامي لقد أكلت من نفس الطبق وشربت من ذات الإناء ، ونمت على ذات الفراش ، هذا بينما كنا نصلي لذات الإله مع جموع المسلمين من ذوي العيون الأكثر زرقة ، والشعر الأشد شقرة ، والبشرة الأنصع بياضاً ، والذين هم في كلامهم مثلما هم في أفعالهم أحسست بنفس الصدق الذي أحسسته في المسلمين من نيجيريا وغانا والسودان " . كانت تلك هي التجربة في ذروتها ، فقد تم اقتلاع المشاعر العنصرية من جذورها في قلب مالكولم إكس ، وإلا فإن التمهيدات النظرية الأولى لكل ذلك كانت قد جاءت تتواتر مع قديم مع اعتراضات أحمد عثمان على إفادات مالكولم إكس في محاضرته تلك بهارلم ، ثم في خطاباته المتصلة إليه . وقد تفضل مالكولم رغم انشغاله الغالب بالإجابة على كل رسائل أحمد عثمان إليه ، وذلك مما يدل على أهمية تلك الرسائل وما كانت تثيره من موضوعات خصبة ، ولعل باحثاً جاداً يدفعه الصدق ويسعده الحظ فيعثر على مجموع تلك الرسائل ذات يوم . ثم يفيدنا بما تضمنته من معلومات قيمة وليس أمامي الآن سوى الرسالة الجوابية الوحيدة التي كان مالكولم يسأل فيها الأستاذ أحمد عثمان عن تفسير آيتين من القرآن الكريم أشكل معناهما عليه . ونستحسن هنا أن ننشر ترجمة النص الكامل لتلك الرسالة ، وهي – في حدود علمي – تنشر للمرة الأولى سواء في الإنجليزية أو العربية إذ أني حصلت عليها من مصدر خاص ، وفي تلك الرسالة يخاطب مالكولم إكس صديقه قائلاً :
    بسم الله
    18 نوفمبر 1963
    من مالك شباز
    0153 أنابليونكس بنيو يورك
    إلى السيد أحمد عثمان
    ص . ب . 464 هانوفر : نيو هامشر
    أخي العزيز :
    عسى أن تجدك هذه السطور وأنت تهنأ بالصحة والرغد والسعادة بإذن الله . خلال الشهرين الفارطين كنت في ترحال مستمر، لذا لم أجد أدنى فرصة لأكتب لك رداً على رسالتك إليِّ . وأود أن أحدثك الآن بأني قد استمتعت ملياً بقراءة الكتيبات التي بعثت ، لي بها في شرح الدعوة الإسلامية ، وإني لأود أن أبث هذه الكتيبات وسط حشود الأخوة والأخوات هنا ، وذلك بمجرد ان أجد الوسائل اللازمة لإعادة طبعها ونشرها . وأود أن أخبرك بأمر آخر هو أن بحوزتي ترجمتين لمعاني القرآن الكريم الأولى بقلم يوسف علي والثانية بقلم محمد علي ، وإني لأوثر الأولى بمزيد حبي وإعجابي .
    في رسالتك القادمة إليِّ أرجو أن تشرح لي معنى الآية الكريمة : " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين " ، والآية الكريمة " يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذٍ زرقاً " .
    أسأل الله أن يوالي نعمه وهدايته عليك ...
    أخوك : مالكولم إكس
    لم يضمن مالكولم نص الآيتين في رسالته ، وإنما أشار إليهما برقم السورة والآية ، وقد آثرنا في الترجمة أن نورد نص الآيتين لما يستوجب ذلك من تعليق . حيث يبدو أن مالكولم كان ما يزال يرسف في أسر النعرة العنصرية ولم يتمكن بعد من تحديد علاقته بشكل إيجابي مع المجتمع المحيط . فهو يسال عن شروط العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين ، هذا إذا كانت مثل تلك العلاقة ممكنة على الإطلاق . وقد غاب على مالكولم أن يدرك فارقاً مهماً بين مصطلح " الولاء والبراء " ومصطلح " المعاملة بالقسط " ، ويجوز لنا أن نفترض أن أحمد عثمان قد قام بشرح ذلك ملياً لمالكولم ، ومما يسوِّغ لنا الركون إلى ذلك الافتراض أن أحمد عثمان كان على صلة قوية بالأدبيات الإسلامية ، التي كان يعثر على طرف منها من المركز الإسلامي بجنيف ، الذي كان يديره حينها العلامة المجاهد الكبير الدكتور سعيد رمضان – رحمه الله ، وهو أحد المراكز الإسلامية القليلة التي كانت تشع بنور الفكر الإسلامي المتقدم في الغرب . وأما سؤال مالكولم عن زرقة وجوه المجرمين في يوم الحشر فهو فرع من حساسيته المفرطة تجاه موضوع اللون ، حيث كان يلاحظ أن كل ما هو منكر وشائن من شؤون الحياة كان يطلق عليه وصف السواد ، وأن كل ما هو حسن ومليح يسبغ عليه وصف البياض . وفي لفتة طريفة في مذكراته أحصى مالكولم إكس من القاموس عشرات الأمثلة لذلك التحامل كما كان يراه . وقد أدهشه أن يجد مثل ذلك في القرآن الكريم ، وهنا نفترض ثانية أن أحمد عثمان قد دله على المعنى الصحيح الذي اشتملت عليه بعض كتب التفسير، وهو أبعد ما يكون عن المعنى الذي قد يكون ترامى إلى خاطر مالكولم إكس . يقول الإمام محمد بن علي الشوكاني رضي الله عنه ، في تفسير هذه الآية : " والمراد بالمجرمين : المشركون والعصاة المأخذون بذنوبهم التي لم يغفرها الله لهم ، والمراد بـ " يومئذٍ " : يوم النفخ في الصور . وانتصاب " زرقاً " على الحال من المجرمين ، أي زرق العيون ، والزرقة الخضرة في العين كعين السنور والعرب تتشاءم بزرقة العين ، وقال الفراء : " زرقاً " أي عمياء . وقال الأزهري : عطاشاً ، وهو قول الزجاج ، لأن سواد العين يتغير بالعطش إلى الزرقة . وقيل : إنه كنى بقوله : " زرقاً " عن الطمع الكاذب إذا تعقبته الخيبة . وقيل : وهو كناية عن شخوص البصر من شدة الحوص ، ومنه قول الشاعر :
    لقد زرقت عيناك يا بن معكبر كما كل ضبي من اللوم أزرق
    ولعل مالكولم قد أطمأن كثيراً إلى مثل هذه الأقوال في تفسير الآية التي تبعد شبح التفكير العنصري الذي كان يسيطر على مالكولم في ذلك الحين ، حيث وصفه صديقه إليكس هالي بأنه كان يحشد كل شيء في أفق عنصري ! .
    ثم كانت لأحمد عثمان مأثرة كبرى على مالكولم إكس ذلك أنه يسر له الطريق في رحلة الحج . قام أحمد عثمان بتقديم مالكولم إكس إلى الداعية المصري الدكتور محمد يوسف الشواربي مؤلف كتاب ( المسلمون في أمريكا ) ، وكان الدكتور الشواربي في ذلك الأوان يعمل مديراً للمركز الإسلامي في نيو يورك . وقد استهدف أحمد عثمان بذلك تعريض مالكولم لمصادر إسلامية ذات ثقل علمي عسى أن تتمكن من تسديد خطاه في طريق استكمال المعرفة بالإسلام . وقد جاء التعارف في اللحظة المناسبة عقب انشقاق مالكولم عن منظمة ( أمة الإسلام ) بقيادة إليجيا محمد ، وهي اللحظة التي أعطت مالكولم فرصة جيدة لمراجعة تراثه الفكري ومسلماته الآيديولوجية والتفتح على أضواء كان محجوباً عنها فيما مضى .
    وقد لاحظ الدكتور الشواربي تحرق مالكولم الحقيقي للمعرفة ، فقال : " لا أستطيع أن أخفي إعجابي الشديد برغبة مالكولم في العلم بحقائق الإسلام ، إلى حد أنه كان أحياناً ينخرط في البكاء عندما أقرأ عليه بعض آيات القرآن الكريم " . وعن طريق الشواربي انفتح مالكولم إكس على مصادر أخرى ، فقد تلقى عبر الدكتور الشواربي هدية قيمة من الزعيم العربي الإسلامي المعروف عبد الرحمن عزام ، الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية ، وكانت الهدية عبارة عن كتابين في الفكر الإٍسلامي أحدهما من تأليف عبد الرحمن عزام نفسه ، وهو كتابه " الرسالة الخالدة " الذي نشر بعدة لغات ، ثم تلقى مالكولم دعوة لأداء فريضة الحج ، حيث أصبح ضيفاً رسمياً على الحكومة السعودية ، ونعم بلقاء الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود – الذي كان أميراً حينها – وقام فيصل بتوجيه مالكولم بقراءة الأدبيات الإسلامية السنية ، بعد أن أبدى له عن وجهة نظر سلبية في الأفكار العنصرية لإليجيا محمد .
    وفي أيام الحج التقى مالكولم بعدد من أبرز علماء الإسلام شأن الشيخ محمد علي الحركان والشيخ أمين الحسيني وكان لهم جميعاً أثرهم في توجيهه إلى فهم أصح لدين الإسلام . وقد أمعن مالكولم في الحديث عن هذا الجانب في ختام مذكراته ، فلا داعي لاستعادته هنا ، ولكنا نرمي من وراء الإشارة إلى ذلك إلى أن ذلك كله ما جاء إلا تأكيداً ونتاجاً للمقدمات الطويلة التي دأب وثابر أحمد عثمان على ترسيخها في خاطر مالكولم إكس .
    وأما إدخال مالكولم إكس إلى الحرم الجامعي ليحاضر حول قضايا السود وحول قناعاته الإسلامية الحضارية الجديدة ، فقد كان لأحمد عثمان فيه القدح المعلى . وقد أبرزت صحيفة ( The Dartmouth ) ، أن دور أحمد عثمان في ذلك كان دوراً أساسياً ، وإذا كان أحمد عثمان هو الذي دبر دخول مالكولم لحرم جامعة هارفارد ، وبالتحديد كلية القانون فيها ، فإن ذلك إنجاز تاريخي في حد ذاته ، وقد أشار إليه مالكولم في كلمة غنية عميقة مشحونة بالسخرية والطرافة عندما قال : " كان عليَّ في أحد الأيام أن أتكلم في " الفورم " بكلية الحقوق بجامعة هارفارد وبينما كنت ماراً ألقيت نظرة من النافذة فرأيت في مواجهتي البناء الذي اتخذته ملجأ ألوذ به أيام كنت أسطو على المنازل . كانت هذه النظرة بمثابة مد من الأمواج أخذ يتلاطم في داخلي . وغمرتني ذكريات فساد أخلاقي ، بعد أن عشت وفكرت كحيوان . إن الله إذ أتاح لي أن اكتشف دين الإسلام ، قد انتشلني من الوحل ، وها أنا الآن ذاهب لأتكلم في " فورم " كلية الحقوق بجامعة هارفارد وتذكرت حينئذٍ قصة كنت قد قرأتها وأنا في السجن " حيث كنت مغرماً بالمثيولوجيا اليونانية " . إنها قصة إيكار . فهل تذكرون القصة ؟ إن والد إيكار صنع أجنحة لصقها بالشمع قائلاً لإبنه : " لا تحلق عالياً جداً " . وعلا إيكار في الجو حيث تملكه سرور كبير ، وقد بلغ به السرور حداَ جعله يعتقد أنه كان يطير بنفسه فعلاً عندئذٍ في السماء ، وظل يعلو فيعلو إلى أن أذابت الشمس الشمع ، فإذا بإيكار يهوي شاكساً إلى الأرض وأمام تلك النافذة في هارفارد آليت على نفسي لله ألا أنسى أبداً أن أجنحتي قد منحني إياها دين الإسلام . إنني لم أنس ذلك قط ، ولا للحظة واحدة " .
    من هو أحمد عثمان ؟
    إن من حق القارئ الآن ، وقد طال المقال ، أن يعرف شيئاً عن شخص أحمد صديق عثمان هذا : من هو ؟ وأين هو الآن ؟ ونقول : إنه شخص ( حلفاوي ) عتيد ، ومعنى ذلك أنه شمال السودان الأقصى ، من أحفاد أولئك النوبيين الذين عُرفوا بالتصميم ، وصلابة الرأي ، وشهد لهم بذلك من قديم عمرو بن العاص ، وعبد الله ابن أبي السرح ، وعُرفوا بعد ذلك بولعهم بالترداد والتجوال في أنحاء الدنيا ، شأنهم شأن الفينيقيين واليونانيين . وما زال أحمد عثمان يضرب في أرجاء الأرض ويجوب أصقاعها حتى حط برحاله في الخمسينيات في شمال أمريكا ، يبتغي إكمال دراسته الثانوية ، التي كان قد بدأها بالخرطوم ، وقد تَاحَ له أن يكملها بمدارس نيو يورك ، ونيو جيرسي ، وميريلاند ، ورجع على إثر ذلك ليدرس لمدة عام واحد بجامعة الخرطوم ، ثم انقلب إلى جامعة دارتموث بالشمال الأمريكي ، وهي إحدى جامعات الطبقة الأولى التي تنتمي إلى ما يُعرف برابطة جامعات أشجار اللبلاب ( Ivy League ) ، حيث نال منها إجازة الإقتصاد التي أهلته للالتحاق لنيل درجتي الماجستير والدكتوراه من جامعة هارفارد في السبعينيات ، ولنيل زمالة ما بعد الدكتوراه من جامعة هارفارد في الثمانينيات .
    إن سيرة الطالب أحمد عثمان قد اتسمت بنبوغ عظيم ، وإلا لما نال خلال دراسته الثانوية جائزة صحيفة ( هيرالد تربيون ) القومية ، لطلاب الثانويات ، ولما نال خلال دراسته الجامعية كلاً من منحة مؤسسة فولبرايت ، ومنحة خريجي جامعة دارتموث ، ولما نال خلال دراسته فوق الجامعية منحة جامعة دارتموث للدراسات العليا بجامعة هارفارد ، ومنحة جامعة هارفارد للدراسات العليا ، ومنحة مؤسسة إيرهارد للدراسات العليا بجامعة هارفارد ، ومنحة جامعة فلتشر للدراسات العليا ، ولما نال أخيرا ًمنحة جامعة هارفارد للزمالة فوق الدكتوراه .
    ولما بوأه أداؤه الدراسي الممتاز مقعد مساعد أستاذ بجامعة هارفارد ومدرسة فلتشر للدبلوماسية ، ومقعد أستاذ بجامعة دارتموث ، وذلك قبل أن يجنح إلى العمل الاستشاري بعديد من المؤسسات الإقتصادية والنقدية العالمية ، شأن البنك الدولي ، ووكالة التنمية الأمريكية ، ووكالة التنمية الكندية ، والبنك الإفريقي للتنمية ، والبنك الآسيوي للتنمية ، والصندوق الفرنسي للتعاون والبنك الإسلامي للتنمية بجدة . وقد كلفته تلك المؤسسات بدراسة إقتصاديات نحو ثلاثين دولة نامية ، وتدريس وتدريب الإقتصاديين الواعدين فيها . وفي توصيفات البنك الدولي ، فإنه يعتبر الأستاذ أحمد عثمان في عداد كبار علماء الإقتصاد والتنمية على مستوى العالم أجمع .
    إن ذلك كله ولا شك مجد باذخ أحرزه بجده وكده الدائب الأستاذ الدكتور أحمد صديق عثمان ، ولكنه الأثر الأبقى له في تاريخ الفكر وتاريخ الإنسان هو ما بذله لإرشاد مالكولم إكس ، وما ابتدره من مساعٍ وأعمال صالحة حميدة في سبيل تصفية فكر مالكولم إكس من رواسب القومية العنصرية التي كانت تستبد به . هذا ولا زلنا نأمل أن ينهض دارس جاد لإستكمال وتعميق هذا البحث عن المؤثرات السودانية في فكر ومسيرة مالكولم إكس .








                  

03-26-2004, 03:47 AM

Elawad
<aElawad
تاريخ التسجيل: 01-20-2003
مجموع المشاركات: 7226

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل أثر السودانيون في فكر ومسيرة مالكوم أكس (Re: عبدالسلام الخبير)

    الأخ عبد السلام مشكور على المقالات.
    والله كان في خاطري إنزالها و لكن لا أدري ما أنسانيها لكنها استوقفتني كثيرا و حسبت أن في إنزالها هنا خيرا كثيرا. فجزاك الله خيرا على إنزالها.
                  

03-26-2004, 04:02 AM

عبدالسلام الخبير

تاريخ التسجيل: 03-07-2004
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل أثر السودانيون في فكر ومسيرة مالكوم أكس (Re: عبدالسلام الخبير)

    الأستاذ/العوض
    لو كنت أعلم أنها في خاطرة التمني عندك لأستبطأت أنزالها..وشكرا لتوارد الخواطر
    أعتقد أن المقالة تحتاج الي وقفة ونقاش عميق ومستفيض وهي أحدي دلالات أسترخاص أسهامنا التاريخي في حركات التحرر والحقوق المدنية في العالم..إن مالكوم أكس مع الزعيم مارتن لوثر كنج قد غيرا وجه التاريخ في أمريكا والعالم وأنهيا حركة الأضطهاد والأستعباد للعنصر الأسود في الولايات المتحدة..
    يحق لنا أن نفخر بهذا الجهد السوداني الذي سرده الكاتب وأثره في فكر ومسيرة الزعيم الأسود مالكوم أكس..
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de