أبو شوك يكتب عن الراحل المقيم أبو سليم في أربعينه

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-20-2024, 01:32 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-20-2004, 06:10 AM

kabbashi
<akabbashi
تاريخ التسجيل: 03-04-2002
مجموع المشاركات: 321

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
أبو شوك يكتب عن الراحل المقيم أبو سليم في أربعينه

    تمر هذه الأيام ذكرى أربعين أستاذنا الراحل المقيم البروفسور محمد إبراهيم أبو سليم الذي انتقل إلى جوار به في السابع من فبراير/ شباط الماضي. وبهذه المناسبة أقدم لمحبي الرجل وتلاميذه عبر هذا المنبر مقالة رائعة خطها يراع صديقي الدكتور أحمد إبراهيم أبو شوك الذي يدرس حاليا في إحدى جامعات ماليزيا وهو من تلاميذ الراحل المقيم.

    الدكتور محمد إبراهيم أبوسليم (1930-2004م)
    رحيل جيل بكامل ملامحه

    د. أحمد إبراهيم أبوشوك (ماليزيا)
    شيعت مدينة الخرطوم في موكب مهيب وحزين جثمان الدكتور محمد إبراهيم أبوسليم، الذي وافته المنية في يوم السبت السابع من فبراير 2004م، بعد عمر ناهز الأربعة وسبعين عاماً، قضاها في خدمة التراث السوداني، والبحث عن المعلومة الصحيحة الموثقة في مصادرها ومظانها الأساسية، وظل ذلك البحث الدؤوب، كما يرى الدكتور حسن أبشر الطيب، "مهنةً، وهوايةً، وهماً، وهدفاً يعيشه الدكتور أبوسليم"، إلى أن اقعده الداء العضال عن البحث والتنقيب، وغيَّبه الردى عن تحقيق مشروعاته الأكاديمية الطموحة، تاركاً وراءه إرثاً علمياً رصيناً يُعدُّ مصدر فخر واعزاز لكل أهل السودان. وفي يوم سبت حزين شُيع الفقيد إلى مثواه الأخير، ورافق محمل نعشه قلة من أتراب الصبا الذين أفناهم القدر، وكثرة من وجهاء المجتمع المدني، وقادة العمل السياسي، والباحثين في مجال التراث السوداني، الذين عرفوا أباسليم نموذجاً رفيعاً لما ينبغي أن يكون عليه عشق المهنة، والحرص على تجويدها، والإبداع فيها، والسعى إلى رفدها وتغذيتها بكل المعارف الإنسانية التي تزيدها جِدَّة وحركة وحيوية.
    مات المؤرخ الحصيف، والوثائقي الثبت، الذي ارتبط اسمه بأدبيات المهدية، وذاع صيته أميناً عاماً لدار الوثائق القومية بالخرطوم، الدار التي تطورت على يديه إلى أن أضحت مركز إشعاع معرفي للمعلومة الصحيحة الموثّقة، ومحط رحال لطلاب الدراسات السودانية. وخلال الأربعة عقود (1955-1995م) التي قضاها أبوسليم في خدمة دار الوثائق القومية لم يكن مولعاً بالسياسة، كشأن رصفائه الذين عاصروا سنين السودنة، لكنه ظل على قناعة تامة أن السياسة والخدمة المدنية عالمان على طرفي نقيض، فمن أراد ولوج أحدهما فعليه أن يطلق الأخر طلاقاً بائناً بينونة كبرى لا رجعة فيه. وبهذه القناعة الراسخة استطاع ابن قرية سركتمو بريفي وادي حلفا أن يعايش كل الأنظمة السياسية التي مرت على السودان بعد الاستقلال، الديمقراطية منها والشمولية، ويظل موضع ثقة واحترام عند قادة العمل السياسي باختلاف مدارسهم الفكرية. لذا فنجده عضواً بارزاً في لجنة دراسة الإدارة الأهلية التي كونتها الحكومة الديمقراطية عام 1966م، وحادي ركب في اللجنة التي قامت بحصر مقتنيات السيد عبد الرحمن المهدي بالجزيرة أبا عام 1970م، ومستشاراً في لجنة إعادة تقسيم المديريات والحكم الإقليمي، ورئيساً للجنة التوثيق في مؤتمر الحوار الوطني الذي نظمته حكومة الإنقاذ عام 1990م. وتقديراً لجهوده الفكرية والمهنية هذه منحته حكومة مايو (1969-1985) وسام الآداب والعلوم والفنون الذهبي، وتثميناً لإنجازات في مجال الدراسات المهدية كرَّمه أنصار الإمام المهدي بطوق من الشكر والتقدير، وعرفاناً لعطائه المستمر في إرساء دعائم التراث السوداني والعمل الوطني قلدته حكومة الإنقاذ وسام الجدارة والخدمة الطويلة الممتازة.
    بهذه الخبرات الواسعة، والمواهب المتعددة، والإنجازات الرائدة، كان رحيل الدكتور محمد إبراهيم أبوسليم رحيل جيل بكامل ملامحه، جيل اليقظة الذي عاصر بناء المؤسسات الدستورية في السودان، وميلاد الحكم الذاتي وتقرير المصير. وبعد التخرج من "كلية غردون التذكارية" وعشية الاستقلال وجد أبناء هذا الجيل الطريق أمامهم مفتوحاً وممهداً للترقي والتقدم، فتسنموا وظائف كان لها مكانتها في المجتمع، وبفضل هذه الخصوصية والتفرد ظهروا كأرستقراطية مثقفة تدثرت بالنـزعة الفردية والطموح السياسي. إلا أن إسهام هذه الصفوة كان محدوداً في مجال العمل السياسي، ومرهوناً بأدبيات المدراس الفكرية التي اقعدتها عن العطاء والإبداع في بيئة تختلف عن البيئات التي نشأت فيها أيديولوجيات الحداثة وما بعد الحداثة، وذلك بخلاف العطاء الذي حققه نفر منهم في مجال الدراسات التخصصية، والعمل المهني والإداري. وفي هذا المضمار يمثل أبوسليم خير أنموذج للمثقف السوداني الذي وهب عمره للتأليف والتوثيق في موضوعات شتى مثل: تحقيق وثائق المهدية، ودراسة أدبيات التراث السوداني، وقضايا الأرض والساقية، وقد عالج أبوسليم كل هذه الموضوعات ومثيلاتها من خلال منهج متكامل ينتفع من دائرة واسعة من المعارف الاجتماعية والثقافية والاقتصادية.
    ودعنا أيها القارئ الكريم نأخذ من هذا الحدث الأليم ذي الأثر الباقي في النفس وقفة تأمل صادقة مع الإنجازات التي حققها الدكتور أبوسليم في مجال عمله الإداري بدار الوثائق القومية، وفي دائرة انتاجه العلمي الواسعة، التي تنبض بالحياة والحركة والحيوية في مجال الدراسات المهدية بصفة خاصة، وضروب التراث السوداني الأخرى بصفة عامة.

    أبوسليم ومكتب محفوظات السودان (دار الوثائق لاحقاً)
    لم يكن أبو سليم من بين أولئك الذين واصلوا السير قُدماً في مؤسسات التعليم العالي، أو الذين دخلوا الحقل السياسي من أوسع أبوابه وآثروا العمل في مؤسسات الدولة الدستورية، لكنه فضّل الالتحاق بكادر الخدمة المدنية مساعداً لأمين مكتب محفوظات حكومة السودان آنذاك الدكتور بيتر هولت (Peter M. Holt)، الذي وضع اللبنات الأولى لتحديد مسار الأرشيف السوداني، وقام بمجهودات رائدة في ترتيب وتبويب وفهرسة الوثائق التاريخية عامة ووثائق المهدية والمخابرات العسكرية بصفة خاصة.
    وعشية الاستقلال استقال الدكتور هولت من منصبة تمشياً مع سياسة سودنة الوظائف القيادية في الدولة، وخلفه على ذات المنصب أبو سليم باعتباره أول أمين سوداني لمكتب محفوظات السودان. وفي عهد إدارة أبي سليم التي استمرت لفترة أربعة عقود من الزمان (1955-1995) تشعبت مهمام مكتب المحفوظات، ونمت لتواكب إعادة هيكلة مؤسسات دولة السودان الحر المستقل، وتساير تصاعد الوعي الفكري حول أهمية الوثيقة في دراسة جذور المشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وفي إطار هذا التوجه برزت شخصية مكتب المحفوظات الاعتبارية بصدور قانون دار الوثائق المركزية لسنة 1965م، القانون الذي عدل اسم المكتب محفوظات السودان إلى دار الوثائق المركزية، وحدد مهمام الدار واختصاصاتها، وبيّن الضوابط التنظيمية التي تحكم حركة الوثائق، وتوضح مصادر اقتنائها، وكيفية الحصول عليها من المؤسسات الحكومية والأكاديمية والأفراد. وفي عام 1982م أُلغى هذا القانون وبموجب القانون الجديد أضحت الدار هيئة ذات شخصية اعتبارية تُعرف بدار الوثائق القومية، وتُدار بواسطة مجلس قومي يرأسه الوزير الذي يسميه رئيس الجمهورية (أو رئيس الوزراء)، وجهاز تنفيذي يتصدره الأمين العام ومساعدوه في الإدارات التالية: إدارة الوثائق الحكومية، والمحفوظات، والبحوث، والشؤون الفنية (الصيانة والترميم)، والعلاقات العامة والتدريب، والشؤون المالية والإدارية.
    وفي ضوء هذه الطفرة الإدارية والقانونية استطاعت دار الوثائق القومية أن تحقق عدداً من الإنجازات الرائدة، نجملها فيما يلي:
    أولاً: استطاعت أن توسع أوعية اقتناء الوثائق والأرشيف، لتشمل وثائق المؤسسات الحكومية ذات الصبغة العلمية والإثباتية، وأرشيف الصحافة والمطبوعات الذي تصدر محلياً، ووثائق بعض الأُسر السودانية والأفراد. وبمرور الزمن تمكنت الدار أن تجمع ثروة وثائقية طائلة، يُقدر كمها بثلاثين مليون قطعة وثائقية، تقع في نحو مائتي مجموعة وثائقية وأرشيفية، تُغطى كافة الحقب التاريخية في السودان باختلاف مناشطها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. ونذكر على سبيل التدليل لا الحصر مجموعة سلطنتي الفونج والفور، ومجموعة المهدية التي تقدر بثمانين ألف وثيقة، ومجموعة السكرتير الإداري، ومجموعة المؤسسات التشريعية مروراً بالمجلس الاستشاري لشمال، والغازيتة والصحافة السودانية، ومجموعة الماسونية، ومجموعة محمد عبد الرحيم، ومجموعة معاوية محمد نور، ومجموعة محمد إبراهيم أبو سليم، ومجموعة حاجة كاشف بدري.
    ثانياً: استطاعت الدار أن تُعْلم ذوي الاهتمام بمقتنياتها الوثائقية والأرشيفية عبر العديد من المراشد والفهارس، وتجعل مادتها متاحة لكافة الباحثين، وفق شروط أهلية معينة لا اعتبار فيها للون أو العرق أو المعتقد. بفضل هذه الوجه غير المرهون بقيود الولاء السياسي جعلت الدار من نفسها كعبة يقصدها طلاب الدراسات السودانية، الذين أثمرت جهودهم العلمية في عدد من الكتب والمقالات والأطروحات الأكاديمية التي أسهمت في تطوير الدراسات السودانية، وجعلتها تتسم بالموضوعية، والمنهجية القائمة على المعلومة الصحيحة الموثقة بعيداً عن الانطباعات الشخصية.
    ثالثاً: بفضل المادة الوثائقية الميسورة في مستودعاتها استطاعت الدار أن تشارك في حل كثير من القضايا القومية وذلك بتوفير المعلومة الصحيحة الموثقة، وبرفد اللجان والمؤتمرات بممثلين من كادرها المتخصص في القضايا المطروحة للنقاش. وخير شاهد في هذا المضمار الدور الذي قامت به في مؤتمر المائدة المستديرة، ولجنة دراسة الإدارة الأهلية، ولجنة إعادة تقسيم المديريات؛ وعلى المستوى الإقليمي دورها الفاعل في تقديم الوثائق الإثباتية التي حسمت الصراع المصري –الإسرائيلي حول مشكلة طابا لصالح جمهورية مصر العربية.
    رابعاً: قامت الدار بدور بارز في ترقية العمل الوثائقي والأرشيفي على الصعيدين الدولي والإقليمي، وذلك من خلال عضويتها الدائمة في المجلس الدولي للوثائق والأرشيف منذ عام 1966م، وبوصفها عضواً مؤسساً في الفرع الإقليمي العربي والفرع الإقليمي لدول شرق ووسط إفريقيا التابعين للمجلس الدولي للوثائق والأرشيف. وتثميناً لهذا الدور انتخب أمينها العام السابق (أبو سليم) رئيساً للفرع الإقليمي العربي لعدة دورات متعاقبة، كما سبق أن انتخب نائباً لرئيس المجلس الدولي للوثائق في إحدى دوراته، وشغل نائبه الأستاذ محمد محجوب مالك منصب رئيس الفرع الإقليمي لدول شرق ووسط إفريقيا.
    * * *
    أدبيات المهدية
    تعود العلاقة الحميمة بين أبي سليم ووثائق المهدية إلى منتصف عام 1955، عندما كلفه مديره في العمل الدكتور ب.م. هولت (P.M Holt) بأن يستنسخ بقلم الكوبيا والكربون وثائق الأمير يونس الدكيم، ويوفر منها عدة نسخ، إحداها للدكتور هولت نفسه، والبقية لمكتبات كلية الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن، وجامعة القاهرة وجامعة الخرطوم. وبعد تقاعد هولت للمعاش الذي فرضته ظروف السودنة تولى أبو سليم إدارة محفوظات حكومة السودان وواصل مشواره في تصنيف وإعداد وثائق المهدية. بمرور الزمن نشأت الألفة بينه وبينها وظل يداوم على قراءتها ويتمثل حوادث المهدية بصورة تخالف ما ورثه من مجتمع الشمال الرافض للمهدية فكرة ودولة، إذ يعلل أبو سليم هذا الانعتاق من إرث الآباء بقوله : "لأن الحوادث كانت تبدو لي على طبيعتها من واقع الوثائق، وتلك كانت تجربة جديدة حتى بمعيار التاريخ المدون، دع عنك الصور الشعبية الموروثة، لأننا لم نتلق في مدارسنا من تاريخ هذه الفترة إلا مختصراً أغلبه سرد وأقله تحليل".
    في ظل هذا التحول الفكري القائم على البحث والتمحيص التحق أبو سليم بجامعة الخرطوم للمعادلة، وبعد اجتياز المعادلة اختار مجموعة مخطوط النجومي (أو مخطوط توشكى) التي تعد أوفى مصنفات محررات الإمام المهدي لتكون موضوع أطروحته لنيل درجة الدكتوراه التي حصل عليها عام 1966م. تتكون هذه الأطروحة من 1151 صفحة من الحجم الكبير، قسمها المؤلف إلى ثلاثة أجزاء. في الجزء الأول (312 صفحة) يتناول نظم الكتابة واتجاهات التأليف والنشر في المهدية وتقييم محتويات المخطوط؛ في الجزء الثاني (56 يستعرض نصوص المخطوط وتحقيقاتها؛ أما الجزء الثالث (271) فعبارة عن ثبت يحوي ملخصات محرارات الإمام المهدي، وما اتصل بها من محررات الآخرين. وقف على هذه الأطروحة البروفسير هولت، ووصفها بأنها صرح شامخ في البحث العلمي حيث استخدم مؤلفها "مخطوط النجومى كنواة لبحثه وأقام عليها بناءً علمياً كبيراً انطوى على معلومات حية اكتسبها نتيجة معاناة طويلة وحميمة للمواد التي تناولها بالبحث. وفي نفس الوقت استطاع أن يطوع معلوماته الواسعة، وأن يجعلها في إطار الحدود الدقيقة للموضوع محل الدراسة. ومن الواضح أن المؤلف قد تملك نواصي موضوعه وتضلع فيه تضلعاً تاماً، وقد تناوله في يسر وسلاسة، وأظهر أنه مقتدر تماماً في الأوجه الفنية لموضوعه".
    بعد نيل إجازة الدكتوراه نقّح أبو سليم بعض فصول هذه الدراسة وأعاد تبويبها، ثم نشرها في ثلاثة مؤلفات، شملت "المرشد إلى وثائق المهدية" الذي نشرته دار الوثائق القومية عام 1969م؛ وكتاب "الحركة الفكرية في المهدية" الذي نشرته دار جامعة الخرطوم للنشر عام 1970م، وبلا منازع يُعدَّ هذا السفر ذروة سنام ما انتجه أبو سليم عن أدبيات المهدية، حيث يتناول فيه المهدية فكرة ودولة، ثم يعالج أنواع وثائق المهدية، وأنماطها، وأماكن حفظها، وطريقة جمعها، ومكانتها بالنسبة للمصادر التاريخية الأخرى بأسلوب علمي رائد، تجلت فيه مهارته البحثية، وإلمامه الواسع بعلمي التاريخ والدبلومات (diplomatics). المصنف الثالث نشرته دار الجيل ببيروت عام 1970م تحت عنوان: "منشورات المهدية"، فقد استطاع المؤلف أن يجمع بين دفتيه مجموعة مختارة من الوثائق الهامة التي تبين التيارات الفكرية والدينية والنظم السياسية والإدارية التي عرفتها المهدية خلال عهدي الإمام المهدي (1881-1885م) وخليفته عبد الله التعايشى (1885-1898م).
    بعد أن وضع الأساس لدراسات المهدية واصل أبو سليم سعيه قُدماً في جمع شتات آثار الإمام المهدي المودعة بمكتبتي جامعة درهام وكمبردج بانجلترا، ومكتبة جامعة ييل بالولايات المتحدة الأمريكية، والخزانة الوطنية بباريس (فرنسا)، والمكتبة الأصفية بحيدر آباد (الهند)؛ ولم ينس أيضاً الآثار الموجودة في أيدي أصحابها الذين كانوا ينظرون إليها بعين القداسة ويعتبرونها جزءاً من تراث الآباء والأجداد الخالد. ثم بعد ذلك – كما يرى البروفسير مدثر عبد الرحيم – قام بتمحيص الوثائق التي جمعها "تمحيصاً دقيقاً نفى به عنها الزائف والضعيف"، ورتبها ترتيباً زمنياً، وبوّبها تبويباً، ماز في كل باب منه ما تشابه من صنوفها، ثم قدم لكل وثيقة منها "مقدمة وافية ربط فيها بين أطراف ما اشتمل عليه من مسائل وآراء، وبيّن أصول كل ذلك وسوابقه في الفكر الإسلامي داخل السودان وخارجه"، وفي مقدمته العامة لهذه الوثائق أبان "مقاصده وأهدافه، ومعالم منهجه في تقصي الوثائق وضبط ما اتصل بها من الوقائع والحقائق"، ثم أشار إلى أماكن حفظها، والمنهج الذي اتبعه في جمعها، وتبويبها، والتعليق عليها.
    نشرت دار جامعة الخرطوم للنشر هذا العمل العلمي، الذي يعتبره بروفسير مدثر "فتحاً فريداً في بابه… وتتويجاً رائعاً لسلسلة الدراسات القيمة التي ظل مؤلفه القدير يرفد بها الدراسات السودانية، والمتعلقة منها بتاريخ المهدية السياسي والفكري خاصة، عبر ما يربو على ربع قرن من الزمان"، في سبعة مجلدات تحت عنوان: "الآثار الكاملة للإمام المهدي".
    صدر المجلد الأول منها عام 1990 من 472 صفحة من الحجم المتوسط، تحوي تقديم البروفسير مدثر عبد الرحيم، ومقدمة المحقق التي أشرنا إليها أعلاه، ثم نصوص الوثائق وتحقيقاتها في الحواشي، وفي الذيل فهرس المحتويات. ويبلغ كم الوثائق الواردة في هذا المجلد 173 قطعة، جميعها صادرة عن الإمام المهدي، عدا قطعتين إحداهما من حياتو بن سعيد النيجيري، والأخرى من الحاج عبد القادر إلى الإمام المهدي. وصدرت أربعة عشر قطعة منها قبل إعلان الثورة المهدية، والبقية ما بين إعلان الثورة في الأول من شعبان 1298 ونهاية عام 1300هـ. وتعالج أدبيات ما قبل الثورة موضوعات مختلفة كالقصيدة التي أنشدها المهدي في مدح أستاذه محمد شريف نور الدائم راجياً عفوه بعد الخصومة التي وقعت بينهما، وعقد الوفاق الذي مهَّره بين أخويّه محمد وحامد وعمتهما من طرف أخر، ودعوته لأقربائه ليعينوا شريفاً جاءه يطلب عوناً، بالإضافة إلى بعض الرسائل إلى الأعيان فيما يخص العودة إلى الكتاب والسنة، والطهر والاستقامة في طلب الحياة الدنيا. أما أدبيات ما بعد إعلان الثورة فقد تناولت أمر إثبات مهدية محمد بن عبد الله ومرامي دعوته، ثم الدعوة للثورة ضد الحكم التركي الفاسد، والتشمير للجهاد من أجل إقامة دولة المهدية، الداعية لإحياء الكتاب والسنة وسيرة الخلفاء الراشدين.
    في المجلدات الأربعة اللاحقة التي نُشرت تباعاً في الأعوام 1991م، و1992م، 1992م، 1993م، يستعرض المحقق 825 قطعة وثائقية، صدرت في الفترة ما بين الثالث من محرم 1301هـ (3 نوفمبر 1883م) ووفاة المهدي في التاسع من رمضان 1302هـ (يونيو 1885م). وصدرت جميع هذه الوثائق – عدا 54 قطعة منها – من المهدي مباشرة، أو بتوجيه منه إلى العاملين في الديوان (أعني الجهاز الكتابي)، وجاء معظهما في صيغة خطابات لبعض الأفراد وصغار الأمراء، ورسائل إلى شخصيات وجماعات لها مكانتها في المجتمع، ومنشورات خاصة موجهة إلى فئات من الناس كالمحاربين، والمتعاملين في الأسواق، والأمراء، ومن دونهم في الرايات، ومنشورات عامة موجهة إلى كافة الأنصار بصرف النظر عن قطاعاتهم الاجتماعية والتنظيمية، وتوقعيات المهدي وتعليقاته على الوثائق المرفوعة إليه من مرؤوسيه وبعض الأفراد. إجمالاً تعالج هذه الوثائق القضايا المرتبطة بأمور الدعوة والجهاد، بالإضافة إلى المسائل الإدارية والقضائية والتشريعية ذات الصلة ببناء الدولة والمجتمع المهدوي المنشود.
    ثم يخصص أبو سليم المجلد السادس الذي نُشر عام 1993م لراتب الإمام المهدي، والأدعية، والخُطب. والراتب والأدعية هما ضربان من التأليف المهدوي يختلفان غاية ومعنى عن الرسائل والخُطب والمجالس. وإذ يصف أبو سليم الراتب بأنه عمل كان مقصده العبادة عن طريق الدعاء والذكر والآيات التي ينال المتعبد بفضلها الثواب والمغفرة من الذنب. لذا فقد تسامى مؤلفه عن الدعاء الدنيوي حتى أنه لم يتطرق فيه إلى النصر على الأعداء الذين كانوا يحاصرونه من كل صوب وحدب، وقد خلا أيضاً" من أي وجه من أوجه السياسة أو التمذهب بمذهب أو المس بمذهب آخر. وليس في فقراته ما هو مرتبط بزمن معين أو موقوت بعهد، ويمكن لأي قارئ أن يقرأه ويردده تقرباً إلى الله دون أن يرتبط أمره بعقيدة بعينها أو مذهب". لا جدال أن أبا سليم استطاع بنشر الراتب وملحقاته في هذا المجلد أن يقدم للباحثين أثراً من آثار الإمام المهدي لم يُحفل به من قبل، وهو في الحقيقة أثر جدير بالدراسة العلمية التي تخرجه من حيز التعبد الصرف إلى رحاب البحث العلمي الواسع، لأنه يمثل قوة جامعة ترمز لوحدة كيان الأنصار وتوجههم العقدي الذي يجعلهم ينظرون إليه كجزء مكمل لأيديولوجية المهدية.
    أما المجلد السابع والأخير الذي صدر عام 1994، ففي صدره الأول يستعرض المحقق نصوص مجالس المهدي وتحقيقاتها في الحواشي. والمجالس هي نمط من التصنيف يشابه كُتُب الأمالي في التراث العربي، ويدور موضوعها حول التراث القولي والتقريري للإمام المهدي، الذي يتناول فيه مأثورات الأقوال، والأشعار، والحِكم ذات المضمون الوعظي عند الحكماء وعلماء الصوفية والسلف. وفي الجزء الثاني يقدم أبو سليم مختارات من صور أعلام المهدية، والزي الذي كانوا يرتدونه، ونماذج من العملات التي كانت متداولة في ذلك العهد، وخطوط بعض كُتّاب الديوان في الحكومة المهدية، بالإضافة إلى صورة لقبة الإمام المهدي بإمدرمان، وأخرى لاستشهاد الخليفة وبعض أصحابه في واقعة أم دبيكرات. أما الجزء الأخير فهو عبارة عن فهارس لأسماء الأعلام، والبلدان، والقبائل والفئات، مرتبةً حسب أرقام القطع الوثائقية الواردة في المجلدات الخمسة الأولى، وحسب أرقام الصفحات في المجلدين السادس والسابع.
    بجانب آثار الإمام المهدي استطاع أبو سليم أن يقف على الآثار الأخرى ذات الصلة بموضوع المهدية فكرة ودولة، ويحقق كُتُب ورسائل المشاهير من علمائها أمثال الحسين إبراهيم زهرا، والحسن سعد العبادي، وإسماعيل بن عبد القادر الكردفاني، ثم يعطي اهتماماً خاصاً لوثائق المهدية في شرق السودان، ويحقق طرفاً منها في كتاب أطلق عليه "مذكرات عثمان دقنه".
    الحسين بن إبراهيم زهرا شاعر وعالم أزهري مُبَرز، لحق بالمهدي في الجزيرة أبا، وتولى رئاسة الوفد الذي قام بحصر غنائم كسلا وترتيب شؤونها الإدارية، وفي 1892م عيّنه الخليفة قاضياً للإسلام، ورئيساً للمحكمة الكبرى بأمدرمان، لكنه اختلف معه فكان مصيره العزل والسجن حتى مات عام 1894. ألف الحسين زهرا كتاب "الآيات البيّنات في ظهور مهدي الزمان وغاية الغايات"، مدافعاً فيه عن مهدية محمد أحمد بن عبد الله، ومنافحاً المعارضين الذين وصفهم "بعلماء السوء". ويقع كتاب الآيات في 56 صفحة بالإضافة إلى ملحق من ست صفحات، وشروح في المتن والحاشية على طريقة كتب الأقدمين. ويقال أن المهدي وقف عليه وأجازه ثم طبع عام 1887 بمطبعة الحجر التي غنمها الأنصار من الحكومة التركية. حقق أبو سليم كتاب الآيات في أحد فصول كتاب أصدره حديثاً تحت عنوان "القاضي الشهيد الحسين إبراهيم زهرا وأعماله"، حيث يتناول أبو سليم سيرة الحسين إبراهيم زهرا عالم المهدية وشاعرها وقاضيها، ثم يستعرض أدبياته الدينية وأشعاره وإسهاماته في مجال القضاء والفتاوى.
    أما الحسن سعد العبادي فقد زامل المهدي في خلاوى الغبش ببربر، ولحق به بعد تحرير مدينة الأبيض وأخلص لدعوته. وعقد له المهدي لواء أمارة الرباطاب وبعض بطون العبابدة، ولاحقاً عينه الخليفة عبد الله أميراً على العتباى (حلايب) وسواحل البحر الأحمر، ثم كلفه بتهريب السلاح إلى الداخل، وببث دعوة المهدية في الجزيرة العربية. وضع العبادى رسالته المعروفة بـ"الأنوار السنية الماحية لظلام المنكرين على الحضرة المهدية" في سنة 1884. ويقال أن المهدي قد نظر فيها وأجازها، ثم طُبعت بمطبعة الحجر المهدية عام 1887. وتقع رسالة العبادي في 268 صفحة، مضافاً إليها صفحات فهرس المحتويات التي وردت في الصدر الأول. في هذه الرسالة يتناول العبادى موضوع مهدية محمد بن عبد الله معضداً قوله بالأحاديث النبوية وتراث الإسلام وأدبيات التصوف، ومكرساً جهده حول شروط المهدي المنتظر ودرجتها في السمو وعلو المكانة الدينية، وتوافقها مع شخصية محمد أحمد بن عبد الله في السودان. حقق أبو سليم رسالة العبادى تحقيقاً علمياً في كتابه "العالم المجاهد الحسن سعد العبادى: صفحة من خلاف العلماء حول المهدية وأمارة في العتباى". في هذا الكتاب يتتبع المؤلف سيرة العبادى ومراحل جهاده في المهدية، ويُعرف القراء برسالته الأنوار السنية، ثم ينقل جملة من محرراته التي تبرز بلاءه في العتباى وسواحل البحر الأحمر. هكذا يبعث لنا أبو سليم من طوايا النسيان علماً مهماً جاهد بسيفه وقلمه في نصرة المهدية فكرة ودولة، وخلف وراءه أدبيات خالدة وحَرِّية بالبحث والدراسة.
    كما يرى أبو سليم فإن طباعة مؤلفي الآيات البينات والأنوار السنية في مطبعة الحجر عام 1887م كانت جزءاً من الحركة الثقافية النشطة التي أسهمت في جمع آثار المهدي النقلية والقولية بغرض المحافظة عليها وتوظيفها في توطيد أركان الدعوة والدولة. وأخيراً استقام ميسم هذه الحركة بأصدار مؤلفي إسماعيل بن عبد القادر الكردفاني تباعاً في عامي 1888م و1889م، أحدهما "سعادة المستهدي بسيرة الإمام المهدي" والآخر "الطراز المنقوش ببشري قتل يوحنا ملك الحبوش". ويقع كتاب سعادة المستهدي في 405 صفحة، تشتمل على خطبة الكتاب، ومقدمته، ثم ثمانية أبواب، وخاتمة. ويذكر الكردفاني في الخُطبة دواعي التأليف، وتكليف الخليفة له بوضع السيرة، ثم دوافع وضع السيرة بالنسبة للشخصيات العظيمة، مستأنسا بما فعل كُتّاب السيرة النبوية في تاريخ الإسلام. ويناقش في المقدمة مهدية محمد أحمد بن عبد الله ومطابقتها لمهدية الإسلام في ضوء ما استوحى من الكتاب والسنة وكتب التراث الإسلامي. ثم يكرس جهده في تتبع سيرة الإمام المهدي عالماً ومجاهداً ورجل فكر ودولة، وفي الخاتمة يتحدث عن وفاة المهدي وتولى الخليفة عبد الله، ويورد مرثية نظمها الشاعر إبراهيم بن شريف الكردفاني يرثى بها "المهدي عليه السلام". وبعد تأليف هذه السيرة نمت بين الكردفاني والخليفة علاقات حميمة، إلا أن شقير يرى أن الوشايات ضد الكردفاني قد فعلت "في رأس الخليفة فعل النار في الهشيم، فنفى إسماعيل عبد القادر إلى الرجّاف… سنة 1893م، وأمر أن تحرق سيرته أينما وجدت، فأحرقت كلها إلا نسخة منها خبّأها أحد كُتّاب الخليفة حرصاً على حقائقها… أما المؤلف فإنه بقى في الرجّاف في أشد العناء والضيق حتى مات في أوائل 1897. وقيل إن (مرعفيباً) اختطفه وهو ملقى على سريره لا يستطيع حراكاً من الجوع".

    حصل أبو سليم على النسخة الوحيدة لكتاب السيرة ضمن أوراق ونجت باشا (حاكم السودان العام 1899-1916م) التي أهداها ابنه إلى مكتبة كلية الدراسات الشرقية بجامعة درهام بانجلترا، ثم قام بتحقيقها ونشرها عام 1972م. وفي نفس المكتبة حصل على النسخة الوحيدة من كتاب الطراز المنقوش، الذي يتناول فيه الكردفاني تاريخ العلاقات السودانية الحبشية في عهد المهدية. ويقع كتاب الطراز في 182 صفحة مقسمة إلى خطبة، ومقدمة، وثلاثة أبواب، وخاتمة. حقق أبو سليم هذا المخطوط بالاشتراك مع الدكتور محمد سعيد القدال، ونشراه سويا في دار جامعة الخرطوم للنشر عام 1978م.
    أما مذكرات عثمان دقنه فقد صدرت طبعتها الأولي عام 1974م عن دار جامعة الخرطوم للنشر. في الصدر الأول لهذه المذكرات يعطي أبو سليم نبذة عن حياة المجاهد عثمان دقنه (1840-1926) الذي ترك سجلاً بطولياً حافلاً بالانتصارات، وكان أزيع أمراء المهدية صيتاً في الخارج، وفي الداخل سيد أرضه، لم يعزله الخليفة عبد الله التعايشي كما عزل كافة الأمراء الذين عينهم المهدي، بل ظل قاسماً مشتركاً يصعب تجاوزه في العمل السياسي والعسكري في شرق السودان. في الطرف الثاني يقدم أبو سليم نصوص دفتر وقائع عثمان دقنه وتحقيقاته في الحواشي. إذ تشتمل محتويات هذا الدفتر على النشاطات السياسية والعسكرية التي قادها الأمير عثمان دقنه منذ أن حل بشرق السودان في رمضان سنة 1300هـ (6 يوليو – 3 اغسطس 1883) وحتى محرم سنة 1302هـ (20 أكتوبر – 18 نوفمبر 1884). وفي ثنايا هذه الوثائق يجد القارئ عرض طيباً لجهاد الأنصار ضد قوات الحكومة التركية والإنجليز في شرق السودان، ويجد تاريخاً حافلاً للصراع بين المجاذيب والختمية، وللنزاع بين أهل البادية والحضر، وللدور السياسي الذي لعبه السيد محمد عثمان بن السيد محمد سر الختم الميرغني منافحاً المهدية في منطقة سنكات وسواكن وضواحيهما.

    أبوسليم خارج دائرة المهدية
    لم يجعل أبوسليم قلمه وقفاً لأدبيات المهدية، بل اهتم أيضاً بتراث الفعاليات السياسية والدينية الأخرى في السودان، فمثلاً نجده ينظر إلى الطريقة الختمية باعتبارها طريقة صوفية، ذات مكانة روحية وثقافية وسياسية سامقة في المجتمع السوداني، ويعلل ضمور الدراسات العلمية في مجال أدبيات الختمية إلى شح مصادرها المدونة المتداولة، وإلى أحجام قيادة الطريقة من جعل أدبياتها الموجودة في خزائن الأُسر والأفراد مادة متاحة للمؤرخين وسائر المهتمين بالعلوم الإنسانية. ثم يمضي ويقول: "إن موضوع الختمية وغيرها من الطرق وسائر الطوائف الدينية سيظل بعيداً عن الدراسة الجادة طالما بقيت مصادرها بعيدة عن متناول الباحثين. وبالطبع فإن هذا يؤثر تأثيراً بالغاً على مجرى الدراسات "السودانية"، وما تصل إليه من مستوى. لأن مؤرخ تاريخ السودان الحديث لا يبلغ شيئاً يرضيه ما لم يتح له النظر في الطرق، وعلى رأسها الختمية، وتقييم أدوارها في التاريخ… لأن هذه الطرق ليست منظمات دينية صرفة تحصر كل نشاطها في مجال الدين والتعبد، وإنما هي روابط لها مكانتها في تكوين المجتمع، ولها دورها في السياسة وفي كل وجه من أوجه حياتنا". وانطلاقاً من هذه القاعدة العلمية كان سرور أبي سليم عظيماً عندما وقف على مخطوط "الإبانة النورانية في شأن صاحب الطريقة الختمية مولانا السيد محمد عثمان الختم" الذي أحضره إليه الأستاذ محمد عبد الجوّاد وأذن له بتصويره ودراسته. وأصل هذا المخطوط وضعه أحمد بن إدريس الرباطابي في مدينة سواكن في العقد الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي (189 تقريباً)، ومنذ ذلك الوقت ظل مخطوط الإبانة النورانية مكان تجلة وتقديس عند وجهاء الطريقة الختمية الذين بخلوا بمداولته في أوساط العامة. ويتكون المخطوط من مقدمة يستعرض فيها الرباطابي دواعي التأليف والمنهج الذي اتبعه في تناول موضوعه، ثم بعد ذلك يتناول سيرة السيد محمد عثمان الختم وذريته وأصحابه وقصة حياته في السودان في اثني عشر فصلاً. ويستعرض الرباطابي في الفصل الأول ميلاد السيد محمد عثمان بالطائف ونشأته في كنف عمه السيد ياسين، وتدرجه في علوم الشريعة والحقيقة، ثم اتصاله بأستاذه السيد أحمد بن إدريس الذي لعب دوراً رائداً في تكوينه الفكري ونشاطه الدعوي. وفي الفصلين الثاني والثالث يتناول رحلته الدعوية إلى بلاد الحبشة وصعيد مصر والسودان، ويتطرق تفصيلاً للذين أخذوا عنه المعارف النقلية وعلوم الباطن في بوادي وقرى ومدن السودان المختلفة. وفي الفصول اللاحقة يكرس الكاتب جهده في عرض شجرة نسب السيد محمد عثمان الختم، وهيئته الخَلقية، وإعداده الخُلقي، وفي ذات الوقت يناقش ملكاته الفكرية، وإسهاماته الأدبية في علوم الظاهر والباطن واللغة العربية، ثم يتناول البشائر التي أوردها السلف ونوَّه بها السيد محمد عثمان نفسه عن حقيقة مقام خاتم الولاية (أو الختم) ومكانته في طريق القوم. صدرت الطبعة المحققة لهذا الكتاب القيم عن مطبعة دار الجيل عام 1991م تحت عنوان "الإبانة النورانية في شأن صاحب الطريقة الختمية" تحقيق محمد إبراهيم أبو سليم.
    وقبل أن يحقق أبو سليم مخطوط الإبانة النورانية نجده قد نشر أبحاثاً متفرفة عن سيرة السيد علي الميرغني (1880-196، ثم أخيراً جمعها ورتبها في بحث واحد تحت عنوان "السيد علي الميرغني وقيادة الختمية"، نشره ضمن أبحاث أخرى في كتابه "بحوث عن تاريخ السودان" الذي أصدرته مطبعة دار الجيل عام 1992م. في هذا البحث يتحدث أبو سليم عن ميلاد السيد علي في جزيرة مساوي بمنطقة الشايقية، وهجرته مع والده إلى كسلا، وسواكن، ثم القاهرة في عام 1885م، حيث توفى والده ودفن في مقبرة باب وزير، وأضحى قبره مزاراً للسادة المراغنة ومريديهم من المصريين وأهل السودان المقيمين بأرض الكنانة؛ ويتطرق المؤلف أيضاً إلى عودة السيد الميرغني إلى السودان نافياً قول خصومه السياسيين الذين يزعمون أن السيد كان ضابطاً في المخابرات المصرية، عاد إلى السودان مع الجيش الغازي. ينفي أبو سليم هذه الفريَّة بقوله: "عاد السيد علي بعد قضاء خمس سنوات في مصر، ثم عاد إلى سواكن "ليشغل نفسه بالحرب الدائرة وشئون طائفته. كان المهديون قد انحسروا في الشرق بعد سقوط طوكر في 1891م، واستيلاء الإيطاليين على كسلا في 1896م. وقد أعطى ذلك مجالاً للمراغنة ليستردوا مكانتهم ويعيدوا نفوذهم في الشرق. وبالفعل انتقل السيد علي إلى كسلا ومعه إبراهيم موسى ناظر الهدندوة ودقلل ناظر البني عامر وشرع في العمل بين القبائل التي استقبلته بحرارة.. وذهب إلى الخرطوم في سنة 1901م حيث استُقبل بحفاوة بالغة…". ثم يتطرق أبو سليم إلى قيادة الطريقة الختمية والصراعات التي دارت حول رئاسة السجادة بين أبناء البيت الميرغنى، ويناقش كيف صعد نجم السيد علي الميرغني بفضل مؤزارة الحكومة وبفضل حنكته السياسية، إلى أن أضحى الممثل الروحي والسياسي للطريقة الختمية في السودان. وأخيرا يستعرض دوره في الحركة الوطنية، وسياسته الحذرة ذات المسار المزدوج الذي حمى به جمهور الختمية "من الانقسام والتفكك الذي كان ينبغي أن يتعرض له بتأثيرات التعليم والتقدم الاقتصادي والاجتماعي".

    تراجم وسير الأعلام
    اهتم أبو سليم بتوثيق تراجم وسير بعض الأعلام الذين كان لهم القدح المعلى في إرساء دعائم العمل الثقافي والسياسي في السودان، ويتجلى هذا الاهتمام في المجلد القيم الذي نشرته مطبعة دار الجيل البيروتية عام 1991، تحت عنوان "أدباء وعلماء ومؤرخون في تاريخ السودان". ويتكون هذا المجلد من 311 صفحة من الحجم المتوسط، استهلها أبوسليم بمقدمة، أعقبها بتسعة فصول تناول فيها عدد من المشاهير وبعض الإسهامات العلمية ذات الصلة بتاريخ السودان. وفي هذا السفر الجامع تحدث أبوسليم عن محمد النور بن ضيف الله (1727-1810)، صاحب "كتاب الطبقات في خصوص الأولياء والصالحين والعلماء والشعراء في السودان"؛ وعن القاضي أحمد بن محمد بن ناصر السلاوي المغربي (1791-1844) الذي قدم إلى السودان مع جيش إسماعيل بن محمد علي باشا عام 1821م بصفته قاضياً ومفتياً على المذهب المالكي مع صاحبيه محمد الأسيوطي الحنفي الذي شغل منصب أول قاضي قضاة في العهد التركي – المصري (1821-1881)، وأحمد البقلي الشافعي الذي عُين مفتياً عاماً؛ وعن نعوم بشارة شقير (1864-1922) خريج الكلية الانجيلية السورية (الجامعة الأمريكية ببيروت لاحقا)، وكاتب قلم المخابرات المصرية، الذي ذاع شهرته في السودان عن طريق كتابه الموسوم بـ "تاريخ السودان القديم والحديث وجغرافتيه"، الذي صدرت طبعته الأولي في القاهرة عام 1903م.
    ثم ينقلنا أبوسليم من سير هؤلاء الأعلام إلى سيرة رموز جيلين مهمين في تاريخ السودان: أحدهما جيل وَرْثة الهزيمة الذي عاش أفراده طفولتهم وأيام صباهم في عهد الدولة المهدية، إلا أنهم -كما يرى الأستاذ محمد المكي إبراهيم- لم يكونوا "من المتفقهين الناضجين الذين استلموا مراكز القضاء والتدريس في الدولة، ولا هم من تلاميذ المدارس الحديثة التي افتتحها" المستعمر وذلك لكبر سنهم. بالرغم من أن محمد المكي يعتبر أن هذا الجيل قد "حُكم عليه بالبتر والضياع والإنزواء في أقصى ركن من المجتمع" إلا أنه يُقر أن هناك أسماء خافتة ومغمورة منها المؤرخ محمد عبد الرحيم، ومحمد أحمد علي العمرابي، والشيخ إبراهيم التلب. ويضيف أبو سليم إلى قائمة هؤلاء المغمورين القاضي عبد الله أحمد يوسف الرباطابي (1885-194 مؤلف "كتاب النخيل" الذي وصفه أبوسليم أنه "كتاب مفيد وطريف وممتع في نفس الوقت، وهو خليق بأن يطبع وينشر على المستوى العالم العربي، لأنه جمع مادة عظيمة في موضوع النخيل والسواقي وما يتصل بالري والزرع، ثم جمع بعد ذلك في كلام متصل وممتع مادة عظيمة في الدين واللغة والأدب فيما لا يتفق في كتاب من الكتب التي تصدر في هذه الأيام". وبفضل تحقيق أبي سليم رأى "كتاب النخيل" النور في عام 1995م في طبعة صادرة عن دار جامعة الخرطوم للنشر.
    أما الجيل الثاني فقد أطلق عليه الأستاذ محمد المكي إبراهيم جيل اليقظة في الثقافة السودانية والدراسات فوق الجامعية والتأليف الغزير والنضوج الفكري، وعن رموز هذا الجيل يحدثنا أبو سليم تفصيلًا عن سيرة وانجازات علمين من أعلامه هما البروفسير مكي الطيب شبيكة (1905-1980) أستاذ كرسي التاريخ بجامعة الخرطوم (سابقا)، والأديب اللوذعي والسياسي المرموق والمحامي الحاذق والدبلوماسي اللبق محمد أحمد محجوب (1908-1976). وفي هذا الشأن يمدنا أبو سليم بمادة غزيرة وممتعة وجديرة بالإطلاع عن جذورهما الأسرية، ومراحل إعدادهما الفكري، وإسهاماتهما الأكاديمية والثقافية، ثم يتناول بالنقد والتحليل دورهما في مجال العمل الوطني.

    أبوسليم وقضايا الأرض والساقية
    ووثق أبوسليم أيضاً لمصادر ملكية الأرض والقواعد التي تنظم طرق التصرف فيها، وتحصيل الأتاوات المفروضة على ريعها، وذلك بتحقيق وثائق سلطنة الفونج، وسلطنة الفور، والدولة المهدية، وصدرت تحقيقاته في هذا الشأن تحت العناوين التالية: "الفونج والأرض: وثائق تمليك"، و "الفور الأرض: وثائق تمليك"، و "الأرض في المهدية".
    وتوج أبو سليم سلسلة أبحاثه عن قضايا الأرض ومشكلاتها بعمل رائد عن الساقية، الآلة التي كانت خير مثال لمفهوم "الاعتماد على الذات" وأفضل تجسيد لشعار "نأكل مما نزرع"، الرافعة النشطة التي كانت تمثل معلماً بارزاً من معالم قرى الشمال الواقعة على ضفاف النيل، حيث تشكلت حولها حياة الناس، وعاداتهم الاجتماعية، وقيمهم الاقتصادية. وبفضل حضورها الدائم في الحقل أنيناً وخريراً، وفى البيت رزقاً حلالاً طيباً أضحت الساقية موطن تقديس وتجلة عند "سيد المنجل الحقير"، الذي نسج حولها ضروباً شتى من الفنون والمعتقدات منها: هندسة الساقية، وتدابيرها، وأسماء أطرافها، ومنها: قراءات مناسيب النيل، ومعرفة أنواع الطمى في أوقات الدميرة، ومنها: أساليب الري، والزراعة، وتربية الحيوان، ومنها: الأساطير والمعتقدات التي أفرزها الالتصاق الوجداني بالساقية، الذي جعل الناس ينذرون لها النذور، ويعلقون عليها التمائم من أجل الفال الحسن، ومنها: الوجدان الفني المتمثل في غناء "الأروتي" في الفجراوي والضحوى والعشَّاوى، وانشاد "التربالة" في مواسم الحصاد وإعداد البوقة (أي الأرض) للموسم الزراعي القادم، ومنها: العدالة في تقسيم العائد المادي بين الإنسان، والحيوان، والآلة. وقف أبو سليم على هذه الأدبيات وقفة "الأروتي، والتربال، والصمد، والبصير والحداد"، ثم جمع معارف هؤلاء وزاد عليها وحققها في سفر جدير بالاقتناء، نشره معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية بجامعة الخرطوم عام 1980 تحت عنوان "الساقية"، وقدمه المؤلف هدية للقراء في الاحتفال باليوبيل الفضي لدار الوثائق القومية (1921-1981). يتكون مجلد الساقية من 359 صفحة من الحجم المتوسط، يستعرض خلالها أبو سليم الأدبيات التي أشرنا إليها أعلاه في تسعة فصول، ويضيف فصلا عاشرا يسميه معجم مصطلحات الساقية، بالإضافة إلى الرسومات الخاصة بأجزائها، والخاتمة، وثبت المراجع، وفهرس المحتويات.

    وقفات على هامش التراث
    بجانب همومه الأكاديمية الأخرى يعطي أبو سليم اهتماماً خاصاً لأدوات التراث الشعبي، وشارات الحكم والولاية، بحجة أنها تفنى بفعل الزمن، ويطويها النسيان كما يطوي الموت الإنسان فكراً وجسداً. وانطلاقاً من هذه الفرضية جمع طرفاً من سلسلة الأبحاث التي قدمها في مناسبات مختلفة في مجلد واحد، نشرته دار الجيل عام 1992 تحت عنوان "أدوات الحكم والولاية في السودان". ويبتدر أبو سليم حديثه في هذا المجلد الجامع بتوطئة عامة عن أدوات الحكم والولاية، التي يندر أن توجد مجتمعة في ذاكرة علم من حداة التراث الشعبي في السودان. في القسم الأول يتطرق إلى "الككر والعنقريب"، متتبعاً سيرتهما التاريخية منذ عهد دولة الفنج، ومناقشاً القواعد التي كانت تحكم تداولهما بين الأفراد، ومبيناً الهالة التي كانت تحيط بهما في أوساط العامة، تقديراً وإجلالاً لما يحملانه من قيم الحكم والولاية السامية. وفي القسم الثاني يركز على اللباس السوداني وجذوره التاريخية، إذ يناقش خرقة المتصوفة والدراويش، وطاقية سلاطين الفونج أم قرنين، والعُمامة والشال كزي تميز به الوجهاء في السودان، ثم كساوى الشرف التي جعل الحكم الثنائي (1898-1956) لها مراتب وقواعد تحدد كيفية منحها، وشروط حسن سير وسلوك معينة يجب أن يلتزم بها حملت هذه الكساوى والبراءات الملحقة بها. وفي القسم الثالث يستعرض عدداً من الأدوات والشارات كالسجادة، والركوة، والسبحة، والمُبخر، عند المتصوفة ورجال الدين، والسيف، والخيل، والدرع، والحربة، والعصا الحداثة، عند رجال الحكم والسلطان، والختم، والسكة على العملة في بلاط السلاطين ومعاملات الدولة والرعية. وفي الأقسام الثلاثة الأخيرة يستعرض سيرة آلات الإيقاع مثل: الطبل، والنُوبة، والدلوكة، والشتم، والرق، والنقارة، ويتناول الدور الاجتماعي والسياسي الذي كانت تلعب هذه الآلات في أوقات السلم والحرب.

    أبوسليم بين رحلة الاستشفاء في لندن وفراش الموت في "الشجرة"
    وبعد هذا العطاء الثر عاش أبوسليم أيامه الأخيرة طريح الفراش بمنـزله العامر بحي الشجرة في الخرطوم جنوب، يقاوم الداء العضال الذي أرهق قامته الشامخة، واقعده عن تنفيذ مشروعاته الطموحة التي كانت تتجلى في تحقيق محررات الخليفة عبد الله التعايشي ونشرها في سبعة عشر مجلداً، ونشر كتاب الخصومة في المهدية، وطبع أطلس المهدية الذي يتضمن الخرائط الخاصة بالمواقع التاريخية المهمة، وصور بعض الأمراء والأعلام، والاسلحة، والنقود، والأزياء، والرايات. وبحمد لله في هذه المرحلة الحرجة تمكن أبوسليم من نشر المجلد الأول الخاص بالتاريخ الوثائقي لحقبة حكم الخليفة عبد الله التعايشي، وقد علق على هذا الإنجاز الرائع الأستاذ محمد صالح يعقوب بقوله: "كنا نظن أن روافد [المهدية] من الوثائق والكتابات قد أطاح بها الاهمال، وتقلب الزمان، وتداخل العهود – استعمار، استقلال، ديمقراطية، عسكرية، ديمقراطية، شمولية، ديمقراطية، ثم شمولية، وكلها فصول في خريطة الحكم أمتلات بالنـزاعات والمواقف والتصادم حتي مع معطيات التاريخ السوداني. وكان يمكن أن تفضي إلى هلاك الأثر، وتبديد الوثائق بنعرات الخصومات المتشنجة أو العداء أحياناً. لكن الله قدر أن يكون راعي التوثيق في الوطن عالم شديد الحرص على المعلومة والوثيقة والتاريخ الوطني حتي أنه أفنى شبابه وكهولته" في هذا الشأن. وكان أبوسليم يعتبر تحقيق محررات الخليفة مدخلاً إلى إعادة قراءة تاريخ المهدية، ويعلق على ذلك بقوله إن "نشر الوثائق المحققه هو الخطوة الأولى في إعادة كتابة تاريخنا، لأن التاريخ القائم على المستند والمنهج ينشد الحقيقة وينميها وينير سبيلها، وهو غذاء للوجدان، واثراء للوعي القومي".
    وعندما اشتد عليه المرض شدَّ أبوسليم الرحال إلى لندن بغرض الاستشفاء، ثم العودة إلى الخرطوم لمواصلة مشروعاته التاريخية الطموحة. وبعد أسابيع قليلة قضاها في لندن عاد إلى أرض الوطن، ويحدوه الأمل أن ينفذ أبحاثه العلمية التي اشرنا إليها أعلاه، وبين سكينة العلاج وعاصفة الموت فرغ أبوسليم من أعداد كتاب "الخصومة في المهدية" الذي قدم له في صحيفة الرأي العام (13/11/2002م) بقوله: "فرغنا من كتاب الخصومة في مهدية السودان، وكان تقديرنا الاّ يزيد حجم الكتاب عن الاربعمائة صفحة حتى لا نتحمل تكلفة فوق طاقتنا في النشر، وامكانياتنا في الاصل ضعيفة الى حد بعيد، ان كانت ثمة امكانات اصلاً، وحتى لا نثقل على القاريء بثمن مرتفع يحرمه من الشراء. إلاّ أننا لاحظنا ونحن نعد النسخة النهائية نقلاً عن المسودة الاخيرة أن الحجم سيبلغ الستمائة صفحة أو ما يزيد، وذلك بخلاف المقدمة، وفهرس الأعلام، والبلدان، والموضوعات، وفهرس المحتويات. وصدمنا بهذا وانتصب شعر الرأس كأنه من حديد بعد أن كان قد وهن وسقط طرف منه بفعل السنين. قلنا لابد من تخفيض الصفحات ولجأنا الى ما يلجأ إليه المؤلفون في هذا الحال. ألغينا الاستطرادات، والمكرر من الجمل، وأعدنا بناء بعض العبارات بدافع الاقتصاد، وهذبنا توالي النص، ولكن المحصول المبتغى لم يتعد ثلاث صفحات، وهذا دليل على قوام سبكنا لمادة الكتاب. ثم لجأنا الى الغاء بعض المقالات التي لا تتصل بالقضية مباشرة، وإن كانت تعمق رؤانا في بعض الجوانب، وقلنا لعلنا ننشر هذه المقالات يوما ما باعتبارها ذيلاً للكتاب".
    بالرغم من هذا الطموح المشروع الذي تعكسه عبارات أبوسليم المثابرة الصابرة، إلا أن سكينة العلاج لم تدم طويلاً، فعاد أستاذنا الفاضل مرة أخرى إلى ملازمة الفراش الذي اقعده عن مواصلة المسير. ومن خلال محادثاتي الهاتفية معه عبر الأثير، كان يراودني احساس مشوب بالحذر أن أجل شيخ المؤرخين قد دنا، لأن صوته الجهُوري قد ضعف، واهتمامه بالحديث عن مشروعاته العلمية قد تضاءل بمتوالية هندسية، وأضحت عباراته جزلةً شاكرةً لصون المودة والعُشرة التي نشأت بيننا، وطالبةً التضرع له بعاجل الشفاء والمغفرة عند الله سبحانه وتعالى. وظل هذا الشعور الحزين قابعاً في نفسي مدة من الزمن، أدفعه تارة بالتمني وتارة بالرجاء، إلى أن جاءنا الناعي مخبراً بوفاة أبي سليم في يوم السبت الموافق 7 فبراير 2004م. ألا رحم الله أبا سليم رحمة واسعة، واسكنه فسيح جناته مع الصديقيين الشهداء، وحسن أولئك رفيقاً، وقيض الله الخير في نفر من المؤرخين ليقوموا بتنفيذ المشروعات التاريخية التي بدأها، وذلك قبل أن تقضي عليها عوادي الأيام وتصبح أثراً بعد عين.








                  

العنوان الكاتب Date
أبو شوك يكتب عن الراحل المقيم أبو سليم في أربعينه kabbashi03-20-04, 06:10 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de