عـــ الزعـــيم ـــاش تاااااني

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-03-2024, 02:56 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-02-2004, 03:29 PM

طيفور
<aطيفور
تاريخ التسجيل: 08-17-2002
مجموع المشاركات: 1666

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
عـــ الزعـــيم ـــاش تاااااني


    سألني صديقي ونحن ندخن ونسمر ليلة أمس:ـ
    - هل تعتقد ان جميع المجانين موجودون خلف اسوار المشافي؟؟؟؟؟؟؟....
    كان سؤاله مفاجئا دون مقدمات
    اجبت في عجلة ودون تردد:ـ
    - نعم....
    ولكني في قرارة نفسي كنت اعلم أن معظمهم يعيشون بيننا ويرتدون ثيلب الاطباء
    والعلماء والساسة الزعماء



    تقع قرية جدي لامي علي منحني النيل كنا في اجازات المدرسة نسافر اليها احيانا عن طريق اللواري من موقف
    اللواري القديم في امدرمان ورا حي البوستة ثم ننزل في محطة القبولاب حيث تنتظرنا اللواري المحلية او نواصل
    بقية الرحلة علي ظهور الحمير.... وتلك سعادتي الكبرى حيث استمتع بكرم اهل القرى المجاورة الذين يستقبلوننا
    بحفاوة بالغة لان أمي اضافة الى كونها ابنة العمدة المحظوظة إلتي انتقلت الى البندر في وقت مبكر فهي مرت الباش
    مهندز ايضا وفي كثير من الاحيان الاخرى كنا نسافر عن طريق القطار الى كريمة ثم نواصل من هناك عبر
    البواخر النيليه, وتتكون البلد من قريتين رئيستين هما حصاية العمدة والكنج وبعض القرى الصغيرة والحلال
    الهامشية, كنت دائما استغرب واتساءل لماذا تكون اجازاتنا دائما في قرية جدي لامي ولماذا لا توجد لجدي لابي
    قرية ايضا نسافر اليها في الاجازات ولماذا تمتنع جدتي ام ابي عن ذكر جدة ابي أم ابيه حتى كبرت وعميت
    فجاؤا بها من حمرة الوز لتقيم معنا في بيت جدي, كانت جميلة رغم عوامل السن, قمحيه اللون مع حمرة غريبة
    لها نوع من الغبرة في ضوء شمس الصباح, كانت تحب الشمس والقهوة واسماعيل الازهري, رغم انها لم تره قط
    كنا نحب الجلوس معها في شمس الصباح انا وابناء اعمامي وعماتي الذين يعيشون معنا في بيت جدي فتحكي
    لنا عن بيوت الشعر والغيلان والسعالي وهي تغزل بمغزل لولبي جدايل من الصوف المصبوغ الذي كان جدي يحضره
    لها, كنت احب ان العب في مسايرها الكثيفة التي تشعل الغيرة في صدور نساء الحي, حقيقه... كنت اتخذ تلك حجة
    لاتشمم رائحتها المحببة, كانت لها رائحة كرائحه اللبن المتخثر الجاف, كنت احب تلك الرائحة الحميمة وادفن وجهي
    في صدرها واملأ منخاري منها, وكانت تعرف عني تلك العادة فتضربني على عجزي ضربا رفيقا وتنزعني عنها
    تتحسس وجهي بحنان ثم تتنهد وترفعني من كتفي وتنظر الي بعينيها الرماديتان اللتان انطفأ نورهما من وقت بعيد
    فاحس برجفة المعرفة العميقة تسري في مفاصلي الصغيرة

    التقيت بالأولاد عند شجرة الهجليج العجوز القائمة بين حائط الخرابة التي يجمع فيها ياسين سيد الكارو زبل
    الخيل وبين الخور الكبير. كنا نلتقي ونختبئ خلف السور المهدم ندخن سجاير الامباسي وابوعلم وابوقندول
    واحيانا نلف قليل من الشاي الفلت ونتلصص علي فتيات ونساء الحي

    ...... او في احيان كثيرة
    نستعملها كمخبأ بعد ان نقذف حَمودة الاطرش او ودباندية بمطر من الحجارة الصغيرة كنا
    نتخيرها بعناية بحيث لا تؤذي ولكن تسبب الكثير من الازعاج ثم نقفز الى الخور الكبير
    نجري من خلاله حتى مخبأنا في خرابة عم ياسين

    ـ( وللكثيرين الذين لا يعرفون ود بانديه..... هو عامل في البلدية حيث ان المراحيض في تلك الفترة
    البعيدة لم تكن كما هي الان بوجود السيفونات بل كانت بنظام جرادل تفرغ كل ليلة بواسطة عمال البلدية
    وكانت احدى تسلياتنا هي مضايقتهم وقذفهم بالحجارة والويل لمن يقبض علية ولاد بانديه)ـ

    كانت لنا شقاواتنا الفريدة حين نخرج صباحا الى غابه السنط الكبيرة في طرف الحلة لنصتاد
    العصافير اوفي مواسم النوار نتقافز في هرج خلف كنادير (جعلان ) السنط الحمراء الضخمة
    اوكنادير التمرحنة السودء المنقطة وفي الظهيرة نتسلل عبر سور جنينة حاجة النسيم الشائك
    ونتسلق اشجار الجوافة والليمون نحصد ما نستطيع من ثمارها وعندما يكتشف عم عبدالقيوم
    الاعرج زوجها ما فعلناه.. يطاردنا برجله القصيرة فيستند على عصاه ويقفز حجلا مستندا على
    الاخرى السليمة...... كنت اجد فيه نوعا من الغرابة المضحكة وهو يعلو وينخفض تبعا لوتيرة
    الركض... حينها كنا نطير عبر الحائط القصير نخترق حوش البيت قافزين فوق حوض الصنبور
    معبثرين باقدامنا كل ما قامت بغسله حاجة النسيم من اواني واباريق باتجاه باب السنط الكبير
    الذي لم يغلق قط فتقوم هي من خلف الراكوبة بخفة لا تتناسب وعجيزتها الهائلة فتضرب بيدها
    على صدرها الضخم وهي تصرخ : يا مساخيط حتروحو النار كلكم....... وتفرد يداها لتحجزنا
    فنروغ منها ونركض عبر الحوش........ نتسلق شجرة اللبخ العجوز ونقفز خارج الدار ونواصل
    الركض حتى نصل الى الباحة خلف دكان الزين..... نرتمي على جواويل البصل والفحم الفارغة
    نجفف عرقنا ونضبط نهجان الصدور الصغيرة...... ثم نحصي حصيلة المغامرة ونحن نحاذر ان
    يكتشفنا صالح اليماني الذي استاجر دكانة الزين بعد وفاته وسفر ابنيه للدراسه في مصر

    جلسنا نراقب في صمت محمود ود السُرّة وهو يجمع اغطية قوارير البيبسي( الفريت) ويقوم
    برحلاته المكوكية بين البنك المسود من اثر الزيوت في دكان الزين والكوشة القريبة ثم يعود
    الى مقره عند زاوية المسجد حيث نشر مجموعة من الاسلاك وقطع الصفيح وكومة هائلة من
    اغطية القوارير يستعملها في صناعة العربات

    لم يتكلم احد منا لمدة طويلة... وفجاة همس النور كديس:ـ
    الليلة شفت كمية من اللواري محملة بالصمغ في حوش الاسكلة.... !!؟

    كان هذا يعني الا تفاق على هجوم صغير نقوم به علي حوش الاسكلة ليلا بعد ان يصلي عم
    ادم الغفير العشاء ويقوم بجولته التفتيشيه على كامل الحوش

    لم اكن مهتما بتفاصيل المغامرة الجديدة وسرحت بخيالي في آمنة عروس منصور ود عم
    عبدالعليم سيد الطاحونة... كانت الزغاريد واصوات النقر على الدلوكة تتعالى رغم صوت
    وابور الطحين ومنجرة عبد الوهاب الجعلي الملاصقة له

    كانت آمنة رقيقة خفيفة الجسم قمحية اللون ذات بسمة ملائكية وغمازتين يرقص قلبي لها طربا
    جاء ابوها من شندي ليعمل كاتبا في مكتب البوستة... واستاجر جزءاً من بيت ام النصر جارتنا
    ثم جاء باهلة واسكنهم تلك الدار........ عندما رايتها اول مرة كنت قادما من ميدان الليق خلف
    المسجد حيث كنا نلعب البلى مع اولاد جعفر الكمسيونجي.. كانت الشمس تتدلي وتلامس اشجار
    الليمون في جنينه حاجة النسيم.... فيشتعل المكان بوهج مذهب

    رايتها تستند على بمرفقيها على احد الصناديق... تراقب العمال وهم يفرغون اللوري المحمل
    بالعفش ويتلون وجهها بحمرة العافية واريج الشباب فطار قلبي ولم يعد... كنت اتحين الاوقات
    التي يكون فيها الاهل والجيران مجتمعين لاحظى منها بلمسة او نظرة وكانت هي تعلم شغفي
    هذا.... فتمكني من بعض لمسات بريئة وتضحك في غنج ودلال العارف بقدره

    سالت امي ذات ليلة متي اكبر واتزوج فنظرت الي طويلا.... ثم هزت راسها وخبطت كفا بكف
    وغمغمت وهي تخرج من الغرفة:ـ
    ... عيال آخر زمن??!!!

    انحنيت وهمست في اذن محجوب:ـ
    ما رايك ان نختبئ الليلة فوق قفص الحمام في بيت عم عبدالعليم ونرى ما يحدث في ليلة
    الدخلة؟؟؟؟

    نظر الي في دهشة مصحوبة بالاثارة كنت اعلم رغبتة الجامحة لمعرفة ما يحدث بين النساء
    والرجال في الخفاء



    كانت الزغاريد واصوات اغاني البنات علي ايقاع الدلوكة تملأ الاجواء صخبا وفرحة.. والنساء
    يدخلون ويخرجون في عجلة حاملين اغراضا متنوعه اما الشباب الذين تجاوزوا العاشرة فقد
    كانو منهمكين في حفر الارض وتجهيز الصيوان في الباحة التي تلي بيت ام النصر ودكان الزين
    وردم الخور الصغير الذي لم يبق من معالمه الا الحفر الصغيرة المملوءة بمياه الغسيل امام المنزل
    والذين لم يبلغوها بعد مثلي فقد واكلت اليهم مهام صغيره مثل رش الساحة بالماء وتنظيفها من
    الاحجار وبقايا الفحم الذي تخلف بعد ان قام الكبار بنقل اجوله الفحم والبصل الى خرابه عم ياسين

    اما صغار الفتيات فكن يقمن بكنس الشارع امام المنزل حينا وحينا اخر يتحلقن في ركن
    قصي يحضرن الدلوكة ويقمن بالغناء والرقص فتجئ حاجة الدهب من اقصي الدار وتنهرهن
    آمرة بادخال وحفظ الدلوكه حتي لا تنثقب ... وترد عليها امونه بت التوم من داخل الصيوان
    الذي اقيم داخل البيت متاففة من حديثها ويشتبكان في جدال طويل.. فيتفرق سامر الفتيات ويختفين
    داخل البيت ثم يعدن مرة اخرى بعد ان ينفض الجدال وتجلس المرأتان ترشفان القهوة وتتناجيان
    بحديث خفيض

    استاثر الرجال بكل الظل الذي تلقيه النيمتان امام بيت فليب القبطي المقابل لبيت ام النصر فرشوا
    الحصر والبروش وتمددو يستريحون ويتجادلون في المباراة الاخيرة وماقيل اخيرا عن التعديلات
    الدستورية في الجمعية التاسيسية بعد ان قاموا بهدم جزء من الجدار الذي يفصل بين بيت ام
    النصر وبيتنا حتي يتمكن النساء من الانتقال بينهما بحرية وسرعة

    عندما مالت الشمس عن موضعها في كبد السماء بدات الفتيات بالتسلل الي بيت فليب القبطي
    لقياس ملابسهن التي حاكتها ميري زوجة فليب خصيصا لهذه المناسبة كن يدخلن ويخرجن وعلي
    رؤوسهن ملفات من الشعر والدبابيس الملونة فيحمر وجه حاج مختار امام المسجد وينفجر فيهن
    بغضب يطاردهن بعصاه ويستمطر عليهن اللعنات والويل والثبور وينبري له حاج احمد النور
    شيخ الحلة فيهدئ من غضبه قائلا

    يا حاج مختار خلهن الليلة يوم فرحة للجميع

    فيغمغم حاج مختار نان ما قلنا شي بس المشاط مالو؟؟؟

    يرد حاج احمد قائلا في حسم

    يا حاج مختار لكل زمان مقال زمنهن غير زمنا يا حاج

    ينكفئ حاج مختار علي البرش ويبداء في تلاوة اوراد قصيرة
    يسود الصمت الا من صوت حبات المسابح وهي تسقط بعضها على بعض

    صعدت على برميل الماء القديم الذي احضروة من بيت جدي ووضعو فيه كمية كبيرة من الثلج
    وقوارير الويزو والاورنجينا وقليل من قوارير البيبسي للضيوف الارفع شانا.. تسلقت الحائط الذي
    يفصل بين بيت ام النصر وبيت وبيت عم عبدالوهاب الجعلي سيد المنجرة محاذرا ان يراني كلب
    عبدالوهاب اللئيم او الرجال الجالسون امام بيت فليب... كنت اهم بالصعود على سطح غرفة
    الخزين عندما راتني السرة مرت الغفير من دارنا فاشارت الي بالنزول وهي تلوح بيديها اشرت
    لها بالموافقة حتي تطمئن ولا تخبر امي ثم انزلقت في حذر الى سطح قفص الحمام في بيت عم
    عبد العليم المواجه لغرفة العروسين في بيت ام النصر

    افقت علي صوت جدتي وهي تطلب قليلا من البن لتضعة علي الجرح العميق في فخذي الايمن
    وصياح النوراني باحضار السني التمرجي ليعاين الجرح وهو يلعن عفرتة البطان ويتوعدني بعلقة
    ساخنة عندما ينتهي الفرح


    دارت عيناي في الوجوه المشرئبه والخوف يغالب الدوار في راسى ثم ابيضت الدنيا مرة اخري
    وعندما افقت بعد منتصف الليل بقليل كان صوت المغني يلعلع ويشق الهواء في حبور حاولت ان
    انهض فسمرني الالم في فخذي بهدؤ ازحت الغطاء وحللت عقده الاربطة كان جرحا بشعا ارتعدت
    لرويته واغمضت عيني وانا اعيد الاربطة الى مكانها .. وكان شوقي الى حضور الحفل اقوى من
    الالم فتحاملت علي نفسي ووقفت مستندا الى الحائط.. فراتني امونه بت التوم وانا اقفز علي ساقي
    السليمه متحاشيا ان تلمس الاخرى الارض فرقت لحالي وجاءت تسبقها تمتماتها وودعواتها الطيبه

    رفعتني من كتفي فتملصت في خجل... فضحكت وهي تنادي النوراني الذي جاء وهو يسب
    ويسخط كعادته عندما يتوقع ان يكون مقصودا لعمل ما.. رغم انه لا يتوانى عن تقديم خدماته لكل
    من يحتاجها ... رفعني على كتفيه وهو يطنطن ويلعن ثم وجد لي مكانا يطل علي الحفل بكامله
    فاجلسني فيه محاذرا ومحذرا من يجلس بجواري من لمس فخذي المجروح

    استمرالحفل حتى الساعات الاولى من الصباح وكنت اصحو وانام على اصوات الزغاريد والغناء
    كان هاجسي الاول كيف اتفادى عقاب ابى وامي عندما يعلما بما حصل وكيف اذهب الى المدرسة
    يوم السبت وانا على هذا الحال؟؟

    كان الذهاب الى المدرسة هما كبيرا في الايام العادية.. ولكن صباح السبت القادم كان له طعم اخر
    اذ كان يوم اختيار رواد الفصول الذين سيقودون المسيرة لاستقبال الزعيم.. القادم لزيارة السودان
    وكان املي ان اكون رائد الفصل وحامل العلم في تلك المسيرة, رغم انني كنت اعلم ان فرصتي
    في ذلك هي قبض الريح فاين انا من العمالقة كعماد النور وعبد الرؤوف شاكر وعصام ابارو
    وكشة ولكن كان الامل في غيابهم او حصول المعجزة.. ولكن ان اغيب انا فتلك هي المصيبه
    احسست بحرقة وملات فمي مرارة ساخنه تحدرت من عيني

    راني مكرم ابن فليب وكان جالسا بجانبي فظن انني ابكي لالمي فحملني فوق عنقه وانا اتلوى
    رافضا الى بيتنا وارقدني على سرير ابي بالحوش الامامي ثم ذهب وهو يصفر لحنا قد بدأه
    المغني عن عوده الحبيب المنتظر

    كان وحيد ابويه المدلل يكبرني بحوالي العشر سنوات في الثامنة عشر من عمره مملؤا بالحياة
    والبشر فارع الطول كثيف الشعر ممتلي القامة في غير افراط يهوى الدراجات الناريه وصيد
    الاسماك وكان محبوبا من جميع اهل الحي خصوصا الفتيات لمرؤته وروحه المرحة وبشاشته
    الدائمة وكنا حين نسمع هزيم دراجته الناريه نركض اليه فيملا جيوبنا بحلوي الكرملة واقراص
    النعناع

    لم اتمكن من الذهاب الى المدرسة الا بعد ثلاث ايام بسبب الجرح اوصلني سيد الحلبي بسيارة
    ابي الفيات لغياب والدي في الباقير حيث كان يعمل مع هيئه المعونة الامريكيه في انشاء طريق
    الخرطوم مدني وصلت في تمام السابعة والنصف والجرس يرن ايذانا ببدء اليوم الدراسي ساد
    الهرج للحظات ريثما اكتمل انتظام الصفوف في شكل رباعي حول سارية العلم وذهب سيد بعد
    ان تحادث مع وكيل المدرسة قليلا عني مما دعا الوكيل الي احضار كرسي لاجلس عليه كنت
    احس بالحرج وعيون زملائي ترمقني بحسد فتململت ثم نهضت قائما على قدمي فانتهرني استاذ
    خليل فعدت الى الجلوس مرغما وبدا التفتيش على الملابس الداخلية برفع اطراف الجلابيب ثم
    الاظافر والعمامة وبعد التمام على الطابور بدات تحية العلم اولا بالنشيد الوطني ثم نشيد العلم

    كانت حناجرنا الصغيرة تمتلئ حماسا ونحن نردد
    نحن جند الله جند الوطن
    ونتلوها
    بعلمي انت رجائي انت عنوان الولاء

    بعد ان القى علينا ناظر المدرسة خطبة قصيرة في وجوب الصلاة ورضاء الوالدين والكد في
    تحصيل العلم بدات الصفوف في التحرك باتجاه الفصول في تمام الثامنة

    بدا يومنا الدراسي بحصة في الاعمال كان ذلك اليوم مخصصا لاعمال الطين فخرجنا الى باحة
    المدرسة وقمنا بعمل طوب ببيوت الكبريت والطين ثم جففناها وبنينا منها بيوتا صغيرة وفي تمام
    التاسعة رن الجرس ايذانا بفسحة الافطار بعدها بدات حصة الجغرافيا فزرنا صديقنا سليمان في
    الجفيل ذات الهشاب النضر الجميل تلتها حصة في الطبيعة بدات بمراجعة المدونة الطبيعية التي
    سجل كل منا مشاهداته وملاحظاته عن الطقس والمنتجات الزراعيه الموسمية المتوفرة ثم رن
    للفسحة الثانيه التي تجمعنا فيها للتمرين على الهتافات وكيفية التحرك الى الموقع الذي سنسطف
    فيه وعلمت ان عماد النور قد فاز بحمل العلم بينما فاز كشة برياده الفصل وقيادته الى الموقع
    تحت اشراف الاستاذ خليل صرفت لنا اعلاما صغيرة من الورق الملون ولها حامل من الخشب
    الخفيف المبروم لكل تلميذ علمين احدهما علم السودان والثاني علم مصر



    في العام 1972 كنت جالسا في فناء المدرسة في ركن قصي... أدخن خلسة
    بعد أن تسللت عبر النافذة كانت الحصة فقه.. وكنت لا أجد في نفسي رغبة
    في دراسة الفقه ولا أعلم جدوى دراستة... في ذلك العهد وأعتقد أن اسلوب
    التدريس عجز عن تفعيل مفهوم الفقه او إيصال مشروعية دراسته وجدواها
    لمعظم التلاميذ في وقتها.. عموما كنت أدخن سيجارتي في استمتاع.. عندما
    سمعت خطوات متلصصة خلف الفصول الجديدة... خبأت السيجارة في كفي
    وتطلعت نحو القادم لم أكن اخشى سوى عم علي (الصول).. فهو الوحيد الذي
    يجرؤ على التجول في هذا الجزء من المدرسة في مثل هذا الوقت من النهار

    ولكني كنت أعلم أيقاع خطوته العسكرية التي لا تشبه باي حال من الاحوال وقع
    هذه الأقدام المترددة.... وقفت على دلو طلاء قديم ومددت عنقي... فلمحت من
    فوق الحائط القصير رأس حمدتو كنت أعرف الإسم والهيئة ... لم تكن تربطني
    به صلة فهو من نهر اخر غير انا كنا نلتقي احيانا في جمعية العلوم .. واحيانا
    اخرى في الجمعية الادبية.. كان محاورا فذا ذو فطنة وكياسة.. سريع البديهة
    لا يخشي التعبير امام الجمهور.. على العكس مني... انا الخجول المتلجلج امام
    الجموع.... وان كنت اخفي ذلك بقناع من الشراسة والمشاكسة والنزق البرئ

    لم تمض لحظات الا وكان أمامي.. نظر إلي كمن يود الحديث.... ولكنه مضى
    رأيت ظهر قميصه المبلل بالعرق ودوائر الملح عند الابطين.. ثم استدار فجأة
    وعاد..... تحفزت للمنازلة واخذت أعد دفاعاتي وأقلب الإحتمالات في ذهني
    ولكنه بادرني.... ممكن أطلب منك خدمة.....؟؟؟

    هززت رأسي بالموافقة... كان سؤاله مفاجئا بحيث لم أجد فرصة للكلام ولمت
    نفسي على تصرفي الاخرق الهش

    بينما تناول هو دلوا اخر ووضعه بجانب الحائط على يميني ثم جلس واخرج
    لفافة صغيرة ودفتر من ورق البرنسيس .. وبدأ في لف سيجارة اشعلها وجذب
    منها عدة انفاس... ثم ناولني أياها وبدأ في لف أخرى جذبت منها نفسا طويلا
    فاشتعلت احدى جوانبها بصورة متسارعة فوضعتها على حصاة... لتاخذ وقتها
    في الاحتراق الهادئ.... ثم نظرت اليه في استفهام وقلت بصوت أردته واثقا

    خير..؟؟

    خرج صوتي رفيعا وأعلى قليلا من المعدل المطلوب.. لمت نفسي مرة اخرى

    نظر الى كانه يحدد وجهة يبدأ منها الحديث .. ثم قال بتوتر حبيس.. شوف انا
    ما حالف ولا حأدور حادخل في الموضوع مباشرة

    بدات بسرعة في حساب الاحتمالات مرة اخرى ولكنه ايضا فاجاني بقوله ..انا
    عارف انو عندك ميول ديموقراطية... وعارف كمان إنك غير منظم بس حقيقي
    محتاج ليك في خدمة اذا امكن ...؟؟؟

    ضحكت بافتعال.. وانا اقول من الذي أدخل هذه الفكرة الساذجة إلى رأسك...؟؟
    قال ضاحكا وقد استراح صوته وخف توتره

    انت عارف الاشاعات كتيرة.. ودايما بتكون وراها خيوط خفية ثم اشعل اللفافة
    جذب نفسا طويلا واكمل... وطبعا التنظيم كثيرا ما يتابع مثل تلك الظواهر
    للاستفادة منها عند اللزوم....و

    أحسست بالارتياح وأنني قادر على المناورة وإدارة دفة الحديث... ربما لاحساسي
    بانة لجأ إلي.. قلت مقاطعا.. مفهوم ... مفهوم بس أنا أبعد الناس عن إمكانية أن
    أكون (م.ن)..!!؟

    نظر إلي في جدية ثم قال برصانة طبيعية

    هذا لم يخطر في بالي أبدا.... ثم إن هذا المسمى مختلق... وغير حقيقي تماما
    كل ما ورد إلى ذهني هو... أن أستعين بك نظرا لمعرفتي بانك يمكن أن تكون
    مفيدا وأنك لن تتردد في مد يد المساعدة... هل أخطأت؟؟؟

    تجاهلت السؤال وقلت من بين الدخان... حسنا وما هو المطلوب....؟؟؟

    ضحك وقال بعبث مقصود.. لماذا لا نعدل مفهوم هذا الـ (م.ن) الى مفيد نظريا.؟
    ثم سكت واكتسي وجهه بجدية رائقة وقال ... لاوالله .. حقيقي اريد منك خدمة في
    موضوع هام وحيوي واراك مندهشا وهذا يوترني قليلا

    قلت .. خير... هذه اول مرة نتحادث فيها وانت تريد خدمة مني اليس ذلك غريبا
    بما يكفي...؟؟

    قال ببساطة طبيعية.. اعرف انك غير متواطئ وهذا كاف

    نظر الي بطرف عينه ثم اردف.. لا اعرف كيف اقول ذلك.. الموضوع ببساطة
    نريد أن نعقد إجتماعا مساء غد بالمدرسة.. وسيحضر الينا وفد من مدرسة محمد
    حسين والأهلية ونريد غطاءا قانونيا لهذا الاجتماع... ثم سكت ونظرالي مباشرة
    كمن يختبر وقع الامر ويحسب ردود الفعل عندي.. ثم اكمل.. أنت تعلم ان الامن
    قد شدد الضغط على مثل هذه التجمعات المدرسية عقب الاحداث... والتظاهرات
    الاخيرة و....

    شعرت بالأهمية والنشوة ولكني أخفيت ذلك الاحساس خلف وجه بارد الملامح
    مما جعله ينظر إلي باستفهام والحيرة تملأ عينيه

    قلت بعجلة ودون تبصر... ما هو دوري في هذه المسألة بالضبط....؟؟؟

    نظر إلي بتردد كمن يعد نفسة للتراجع فقلت بصوت هادئ

    حسنا.... سادعو جمعية الفنون لاجتماع طارئ غدا بعد العصر.. ويمكنك ترتيب
    الاجتماع في نفس الفترة... ولكن.. اجعلوا اجتماعكم قصيرا بحيث ندخل ونخرج
    سويا.... هل هذا يناسبك...؟؟؟

    قال بجدية ... ممتاز.. يمكنك الاعتماد على ذلك وسكت .... أكمل تدخين لفافته
    ثم نهض ومضى دون كلام...... أكملت لفافتي وانا افكر في موضوع الاجتماع
    والدعوة.... احسست بالجفاف يلسع فمي وجاءني رنين الجرس غائما.. فنهضت
    وانضممت إلى بقية التلاميذ في الفناء الواسع

    كنا في فرصة الفطور نتزاحم حول نافذة البوفيه عندما لمحت حمدتو في مجموعة
    من التلاميذ يتهامسون ويثرثرون بصوت خفيض وقفت على اطراف اصابعي وانا
    ادفع بجسدي بين الاجسام المتلاطمة امام النافذة وأحسست بمن يدس ورقة في يدي
    إلتفت ورأيت حمدتو يغادر منصة المسرح في عجلة متوجها نحو الفصول البعيدة

    سحبت نفسي من وسط الزحام وانا اقبض علي القصاصة في يدي.. تخيرت مكانا
    بعيدا عن بقية التلاميذ وانا الهث وفتحت الوريقة بيد مرتعشة مررت على السطور
    بعجلة كانت تحوي شكرا رقيقا علي المساعدة القيمة في تنظيم الاجتماع واخطارا
    باعتصام يتم تنفيذه بعد غد بالمدرسة.... وان كنت ارغب في الانضمام إلي لجنة
    منظمي الاعتصام..؟

    كورت الوريقة ووضعتها في فمي وانا ارتعش بالاثارة حد اني نسيت نفسي واشعلت
    سيجارة وسط الفناء الملئ بالتلاميذ... ولولا صديقي عبد الوهاب الذي تنبة للامر
    وجاء مسرعا فاختطفها من فمي وقذف بها خارج السور لكانت كارثة محتمة.. قال
    وهو يلهث.. انت اتجننت..؟؟؟ ما قلت ليك بطل الزفت البتدخنو ده.. لو رأك واحد
    من المراقبين كنت اصبحت علامة في تاريخ المدرسة

    ضحكت في ارتباك وانا اتمتم بعض عبارات الشكر التي لا معنى لها... ثم ذهبنا
    للفصل على امل ان احكي له ما جعلني انسى نفسي لهذه الدرجة وهو يظن ان وراء
    الامر امرأة ما.. تركته على خيالاته وسرحت بعيدا..

    اخذ يهزني من كتفي كل فترة لاتنبه للدرس... وعندما خرجنا اخر النهار.. اخذ يلح
    في السؤال حتى اخبرته بخبر الاعتصام فتغضن وجهه واخذ يحذرني من التورط في
    مثل هذه الاعمال اللا قانونية.... ويسهب في شرح مغبة الانسياق خلف تلك الامور
    السياسية.. بزعم اننا تلاميذ ما زلنا وواجبنا الاهتمام بدروسنا فقط وعندما لم يجد مني
    اذنا صاغيه انطلق الى اهله لا يلوي على شئ

    وصلت الى المدرسة في الصباح التالي مبكرا على غير العادة.... ووجدت بضعة
    تلاميذ هنا وهناك.. رايت حمدتو وانا ادلف الى فناء المدرسة يحادث بعض الزملاء
    وعندما رآني تقدم نحوي وهو يشير لبعض الرفاق بالموافقة على امر ما ... وقف
    امامي وقال وهو يبتسم يبدو اننا حصلنا على رفيق جديد...؟؟

    نظرت الى عينيه مباشرة.. محاولا تحسس رنة التهكم الخفية التي احسست بها في
    صوته وقلت في حزم... وانا انظر في عينية... السما اقرب من ذلك.. غير اني لا
    اجد مانعا في المشاركة في العمل... دون التزام سوي الادبي والاخلاقي فقط

    انطفأ بريق الانتصار الذي رايته للحظة في عينيه واغمضهما ثم قال بحزن حقيقي
    خسارة ... ولكني لن ايأس ففيك خميرة جيدة

    قلت بسرعة حتي لا اعطيه الفرصة للاستطراد .... دعنا نكتفي بالتعاون في هذا
    العمل في الوقت الحالي



    نظر الي برهة ثم قال في جدية مفتعلة... حسنا لا بأس نكتفي بهذا حاليا
    ............
    ...............
    ..........
    قمنا برفع كمية كبيرة من الطوب والحصي واسياخ الحديد الى اسطح الفصول في
    وقت قياسي وكنت مندهشا من الاعداد الهائلة للتلاميذ المشاركة بصورة او اخرى
    وعندما رن الجرس ايذانا ببدء الطابور الصباحي واستعد العميد ومساعدوه للتفتيش
    والاعمال الروتينية الاخرى... برز الزميل بلة عبدالعظيم من بين الصفوف وتقدم
    حتى واجه العميد وجميع اسرة التدريس في دهشة.... ثم اعلن بدء الاعتصام.. في
    صوت جهوري وأمر العميد وأسرة التدريس بمغادرة مباني المدرسة على الفور

    كان حمدتو اخبرني بتفاصيل عامة لما سيحدث في وقت سابق..... ولكني فوجئت
    ببلة عبدالعظيم تماما... فهو ضئيل الجسم.. هش البنية هادئ وقور مسالم للحد الذي
    لايمكن ان يخطر علي بال احد انه يجد الجرأة ليخاطب فتاة فضلا عن هذا الاعلان
    الخطير

    وفي ثوان ارتفعت اللافتات المناهضة للسلطة الحاكمة على جدران الفصول وعلى
    حوائط المدرسة من الجهات الاربع ... رافقت لجنة مكونة من ستة تلاميذ اسرة
    التدريس وبعض الطلاب الذين آثرو الانسحاب الى خارج مباني المدرسة مع وعد
    بالحفاظ على محتوياتها من التخريب.. وتم بث بعض العيون في مفارق الطرق
    الثلاث التي تفضي الى المدرسة... وتم توزيع المناوبة على المراقبة علي اسطح
    الفصول.. ثم بدات مجموعات صغيرة بالهتاف وهي تدور حول سور المدرسة من
    الداخل

    وفي الخارج صمتت الاصوات في البيوت المجاورة للحظات.. ثم بدأت الهمهمات
    خافته في البداية.. بعدها انفتحت الابواب عن اطفال صغار ونساء بعضهم كان يشير
    الى اللافتات المعلقة ويدلي بتعليقات مبهمة.... واخرون اثرو الصمت والفرجة على
    الحدث... اما كلاب الحي فكانت تشارك الجميع بعواء متقطع

    كانت دائرة الهتافات تتسع داخل الفناء رويدا رويدا... والاصوات تتسق وتتوحد
    وفي حوالي التاسعة صباحا توحدت كل الحناجر واصبح الهتاف جبارا كهزيم الرعد
    يهز الارض هزا

    جاء وفد من المدرسة الاهلية وابلغنا ان الاعتصام قد بدا في مدرسة محمد حسين
    والاهلية والمؤتمر في نفس التوقيت... تزامنا مع كل مدارس مديرية الخرطوم وان
    وفدا من جامعة الخرطوم وامدرمان الاسلامية يقوم بالمرور للتاييد ومتابعة التنسيق

    بدات نوبتي في المراقبة بعد التاسعة بقليل فصعدت الى السطح اتجهت نحو الركن
    الشمالي الشرقي الذي يطل على الطريق الترابية التي تصعد الى المدرسة من حي
    الهجرة والكبجاب وجدت الزميل منتصر يدخن مستندا الي عمود خرساني برزت
    من نهايته اسياخ الحديد الصديئة... حييته واتخذت مجلسي بجواره ... جذب نفسا
    من سيجارتة ثم مدها الي اشرت اليه بلا... واخرجت علبة سجائري فضحك وقال
    من الافضل ان (تخمس) معي فلا تعلم متي ينتهي هذا... ثم نهض ونفض التراب
    الذي علق بمؤخرته في اللحظة التي بدت فيها سحابة غبار كثيفة اسفل الطريق

    اشرت اليه بالجلوس فتنبه لما يحدث وجلس يرقب معي وقبل ان نتبين جلية الامر
    لاحت سحابة اخري في الطرف الجنوبي الغربي من الطريق المؤدية الى مدرسة
    محمد حسين عبر محاجر الجير الامدرماني اطلقنا صفيرا متقطعا للانذار في الوقت
    الذي بدات فيه اشارات الانذار تنطلق من الجهات الاربع




    في الثواني القليلة المتبقية قبل اطباق العسكر علي مدرستنا...
    فتحت الابواب وخرج بعض الزملاء لاستقبال العيون التي بعثنا بها للمراقبة من قبل
    وتسقط الانباء.... ثم ادخلوهم الى حرم المدرسة.. وصعد معظم التلاميذ الى الاسطح
    والبعض الاخر انتشر حول السور من الداخل.. متخذين وضع الاستعداد للمقاومة ان
    استدعى الامر وكانت هناك نقطة ضعف في السور الغربي.. عبارة عن مساحة بطول 15
    مترا غير مسورة سوى شريط قصير من نبات القنا.. اتخذت مجموعة من التلاميذ مواقعها
    هناك بطول المساحة محتمين بجدران الفصول الجديدة التي لم يكتمل بناؤها بعد

    لم يطل الامر حتي بدت سيارات مكافحة الشغب في الوصول وانتشر رجال الجندرمة
    بخوذهم اللامعة ودروعهم وهرواتهم حول سور المدرسة من الخارج.... ورايت من
    موقعي على السطح بعضهم يتجهون نحو بوابة المدرسة يتقدمهم ضابط في بزة مزينة
    بالشرائط الملونة والنياشين وعلى كتفيه عدة نجوم وتيجان نحاسية لها بريق وحشي
    في وهج الشمس

    طرق احد الجنود الباب بكعب سلاحه بعنف..... ورايت حمدتو في جمع من الزملاء
    يتوجهون نحو البوابة... لم اسمع ما يدور... ولكني تبينت من هياج الضابط
    واشاراته الملتاثة للجنود ان المفاوضات قد وصلت الى طريق مسدود .. ولم يبق
    غير المواجهة

    جاء الجنود بسيارة جيب روسي صغيرة مزوده بمايكرفون وامرونا بالتسليم دون شروط
    وفك الاعتصام... مقابل السماح لنا بالخروج والانصراف الى بيوتنا دون اذى

    لم ادر كيف تمكن بعض الزملاء من تشغيل الاذاعة المدرسية الداخلية... ولكن كان
    واضحا انهم تمكنو من فتح مكتب العميد.. وبدأو في بث الاناشيد الحماسية والتغطية
    على صوت مايكرفون العسكر.. والقاء بعض الخطب والهتافات النارية

    بدات احس بالحرارة والعرق وانا ممدد على السطح الذي بدا يسخن في لفح الشمس
    القويه... تململت محاولا الانتقال الى موقع اكثر بروده ... لسعتني حراره الحصي
    والخرسانة التي حميت بفعل الشمس فسكنت في موقعي متذمرا في صمت

    ارتفع هرج فى الجانب الغربي للسطح.. ولمحت بطرف عيني بعض الجنود يتسللون عبر
    محاجر الجير في اتجاه السور الغربي فاخذنا نتدافع جميعا نحو ذلك الموقع وكدنا
    نسقط على وجوهنا ثم اخذنا في رجم العسكر بالحجارة وهم يكرون ويفرون والشمس
    معلقة فوق رؤوسنا تلهبنا بسياط من الحمم

    ثم بدا الجنود في اطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع... كانت القنابل تسقط في
    الفناء فيخطفها الزملاء ويقذفوها نحو الجند مرة اخري.... ومجموعة اخرى من
    الرفاق ركضو نحو الصنابير في الطرف البعيد من الفناء وبللو كل ما وصلت اليه
    ايدهم من خرق واقمشة ووضعوها على وجوههم وانوفهم

    عند منتصف النهار رايت احد الجنود يتسلق صاعدا عمود الكهرباء القريب من الحائط
    ويقوم بقطع الاسلاك الموصلة الى حرم المدرسة... حاول احد التلاميذ الوصول اليه
    عبر السور فسقط وسط ثلة من العسكر الذين انهالو عليه ضربا بالعصي وركلا بالارجل
    ثم حملوه من اطرافه الاربع والقو به في احدى الشاحنات العسكرية المغطاة بقماش
    قاتم اللون

    سكتت مايكرفونات الاذاعة الداخلية وبقيت الهتافات تهز الارض هزا

    كان العرق يجري انهارا ويملأ فمي ملحا.. والدخان الحارق يلسع عيني.. وانا ارجم ذلك
    العسكري الذي تسلق الحائط... شعرت بالدوار والتقلص في امعائي.. وانا ارقب الدماء
    تتدفق من جرحه النازف وهو ينقلب متدحرجا في احدى الحفر.. احسست ان هناك خطأ
    ما.... اوان هذا ليس هو الطريق الصحيح... تنازعتني افكار شتى... كان راسي يطن
    بالضجيج كطاحون عتيق

    القيت بالحصوات التي كانت في يدي.... وهبطت الدرجات القليلة وسط الاجساد
    المتدافعة صعودا.. كانت وجوههم تتراقص امامي وهم يصرخون ويهتفون وتلمع قطرات
    العرق فوق جلودهم المدبوغة... توجهت نحو السور الغربي عابرا الفناء.. وازحت
    جزءا منه وسط صيحات الزملاء التحذيرية.. ثم انطلقت بهدوء مغادرا عبر الحفر
    والمحاجر التي تنتشر في تلك المنطقة

    .........
    .........

    عندما سمعت وقع الحوافر القوية وهي تضرب التربة القاسية.. كنت اعبر دربا ضيقة
    بين حفرتين عميقتين... بعيدا عن المدرسة... نظرت من فوق كتفي اليمنى وانا
    احاذر السقوط فرايت... منخار الفرس واسنانة القوية وحلقة الحديد على جانب وجهه..
    ورايت الدركي في زيه القاتم... وحذائه الصلب في الركاب... كان وجهه مخفيا
    تحت ذراعه المرفوعة... ملت بجسدي بعيدا ورفعت يدي بسرعة غير ان الضربة وقعت..
    واشتعلت راسي بالحريق..

    ووجدتهم قد احاطو بي قبل ان اتمكن من النهوض

    كان جسمي مليئا بالجروح والكدمات وفمي مليئا بالدم والالم والدوار... حركت راسي
    بصعوبة فكل حركة تسبب لي الما لا يطاق... ورايت احذيهم المغبرة والجير المفتت
    الناعم العالق باطراف بناطيلهم.. وسمعت صوتا يصرخ... افقت يا ابن الكلب.... ثم
    اسودت الدنيا

    ..........
    ........

    لا بد ان وقتا طويلا قد مر... فعندما فتحت عيني بصعوبة والم... كان ضوءا خفيفا
    يتسرب من النافذة الصغيرة فوق راسي... كنت عاريا الا من سروالي الداخلي تحسست
    عيني اليمني المغلقة.. كانت منتفخة كبرتقالة والمني الجرح النازف فوق حاجبي..
    ثم انهمر شلال الالم فغمر راسي وجسمي وغامت الدنيا مرة اخرى

    افقت على صوت صرير واحذية ثقيلة وسمعت صوتا قويا يصرخ... العشاء يا ولد
    كانت الارض رطبة والرائحة خانقة..... زحفت في الظلام نحو ما قدرت انه الحائط
    والالم ينهشني مع كل نبضة عرق... اسطدمت اصابعى بالحائط المبلل الرطب.. كان
    متاكلا من الاسفل بفعل الرطوبه وتنبعث منه رائحه عفونة لزجة.... اسندت ظهري
    للجدار.. وغفوت قليلا رغم الالم.. ثم صحوت وقد اعتادت عيني السليمة على الظلام
    فتحسست بها النقوش والكتابات على الجدران المسودة بفعل الزمن.... واشياء اخرى
    ورايت قطبان الباب الحديدي والممر الحجري الضيق ورغيف خبز مستدير موضوع علي
    حجر قرب الباب

    زحفت قدر استطاعتي وقبضت عليه بكلتا يدي من بين القضبان.... ورفعته الى فمي
    وعندما هممت بالقضم المني فكي... واحسست باسناني المهشمة وطعم الدم يملأ فمي
    تحاملت ومضغت الرغيف والالم والدم المتخثر في فمي



    مرت صباحات عديدة وسكت الالم في فمي واكتسى الجرح فوق عيني بقشرة صلبة
    خشنة ولم اراو اسمع احد سوى ذلك الدركي الاغبر الذي ياتيني برغيف الخبز ثلاث مرات
    .... ياتي ويذهب صامتا الا من كلمته التقريريه العشاء او الغداء او الفطور مقرونة دائما
    بيا ولد... التي يلقيها بصوت خشن فتسقط علي اذني كخرشنة المنشار على الخشب الطري

    كان ياتي يسبقه صرير حذائه الثقيل يضع رغيف الخبز خارجا على بعد خمس سنتميترات
    من الركن الايمن للباب الحديدي ... دائما نفس الموضع..... ثم يمضي دون ان ينظر داخل
    الغرفة واسمع خطوه ووقع حذائه الثقيل على الارض العارية.... ست خطوات ثم توقف ثم
    ست اخرى.. وتوقف اخر الى ان يختلط صدى خطوه بقطرات الماء التي تتسرب من سقف
    زنزانتي...

    وقفت ذات صباح بقرب الباب وعندما اتى سالته بصوت اردت ان يكون واثقا

    ... الى متى سوف ابقى هنا وماذا سيحدث لي..؟؟ جاء صوتي رفيعا متهدجا

    رفع راسه ونظر خلف كتفي برهة ثم مضى في جولته دون ان يكلف نفسه عناء النظر الي
    كنت خلال الليل اسمع همهمة وانينا خافتا وصراخا بعيدا ونقر على الجدار ولكن... لا حديث
    حاولت ان احادث جيراني... لم اسمع ردا.. فدهمني خوف مريع واخذت اهذي وارى خيلات
    واشباح تحوم حولي واصحو في جوف الظلام وانا اصرخ من الرعب... مبللا بالعرق البارد
    ولزوجة الفطريات الخضراء التي تعوم على مياة النشع في زنزانتي

    في الليلة السابعة بعد العشرة الأولى صحوت على خطوات ثقيلة ثم ضوء مبهر وبادرني صوت قوي

    قم يا ابن الـ....

    وقفت على قدمي وانا ارتجف من الخوف ومددت بصري فرايت خيال اربعة عسكر
    كاد الضوء يعشي عيني وفيما انا افركهما تقدم مني دركيان في ثياب قاتمة وامسكا بكتفي
    الصقني احدهما بالحائط وربط الاخر شريطا اسود على عيني.... ثم دفعني فسقطت علي
    وجهي فرفعوني من ابطي وجروني عبر ممر طويل ثم صعدنا سلما خشبيا ثم ممرا اخر ثم
    ركبنا عربة مقفلة كنت اسمع صوت الحصي على الطريق المخدد ونقيق الضفادع الذي لا
    ينقطع الا لنباح الكلب الذي يرافقنا.. كنت احس لهاثه ورائحته فمه النتنة فوق وجهي

    كان الرعب يسد حلقي ولكن كان ذهني صافيا وكنت اعجب لذلك المزيج المتناقض من
    المشاعر وفجاة تسلل الرعب عني بعيدا وملاني سكون عجيب... كنت قانعا.. وقدرت ان
    ليفعلوا ما يفعلوه فلم يعد هناك فارق

    وقفت العربة وترجلنا ثم صعدنا سلما من ثلاث درجات ودخلنا من باب علي يمين الممر
    ثم نزع احدهم العصابة عن عيني فغشيني نور ضعيف كئيب اصفر اللون ورايت طاولة
    صغبرة رمادية وكرسيا حديديا لا لون له ونافذة صغيرة مكسورة الزجاج وسمعت اغلاق
    الباب خلفي فاستدرت ورايت دركيا في ثياب الميدان كان طويلا عريض المنكبين وذو شعر
    خشن حالك السواد نظر الى طويلا ثم سحب الكرسي الحديدي وجلس ومد الي ورقة وضعها
    على الطاولة ثم قال بصوت ناعم انثوي لا يتناسب وهيئته

    وقع على الورقة

    نظرت الى الورقة محاولا ان اقرا ما فيها فطرق على الطاولة بعصاة قصيرة يحملها معه

    وقال لا تقرا وقع وبس.... دون فلسفة

    قلت بصوت راجف ولكن... ماذا تحوي

    فنخسني بالعصى في خاصرتي حتى خلتها قد خرجت من ظهري.. انكفات متالما
    فوقف وقال بصوت ساخر حاد

    والله لولا صلات اهلك لرايت مني ما لم يره احد.. وقع عليك اللعنة

    ثم اخذ شعري بمجمع كفه وسحبني حتى الطاولة... واخذ يخبط وجهي علي السطح الخشبي
    حتى احسست بطعم الدم يفور في فمي.. ثم اطلقني وقال بصوت راعد

    ...وقع يا ابن الـ..نا

    فاخذت القلم بيد راجفة ووقعت كيفما اتفق

    صفق بيديه فدخل رجل قصير في ثياب مدنية قال دون ان ينظر اليه..

    اتخذو معاه اللازم..

    سقط قلبي بين قدمي وحاولت ان تكلم الا ان القصير عاجلني بلكمة في فكي اسودت الدنيا
    بعدها... وعندما افقت على اهتزاز العربة كانو قد اعادوا العصابة على عيني.. مضت
    العربة تنهب الارض في طريق ترابية وكنت احس بالهواء البارد الرطب يلفح وجهي ثم
    توقفت فجاة... وسحبت خارجها وجروني فوق عشب مبلل والقوني على وجهي على حافة
    ما تصورت انه جدول كنت اسمع صوت خرير المياه ونقيق الضفادع ثم سمعت صوت
    العربة تنطلق



    علمت جدتي لابي تلك الحمراء البهية أننا غدا قد نلتقي بالأزهري فأمرت بشراء صابونة (بوكية زهور) خصيصاً
    لإستحمامي في الليلة المنتظرة, كانت أغلى وأفخر صابونة يمكن شراءها تلك الأيام, وقفت على الطست عارياً إلا من
    خجلي وأمي تدلق علي الماء وتفرك جسدي بالصابونة الفاخرة تحت إشراف جدتي التي أصرت على حضور كافة المراسم
    كانت توجه والدتي لتفرك تحت إبطي وخلف الأذنين كقائد الأوركسترا وانا اكاد أذوب خجلاً رغم معرفتي أن تلكم
    العينين اللائي أحببتهما قد مات بريقهما منذ أمد بعيد

    إكتملت طقوس الاستحمام فأشارت جدتي لأمي فقربتني... ضمتني إليها وأخذت تتشممني وتضمني إليها حتى كادت
    أنفاسى تتقطع ثم بدا عليها عدم الرضا وأشارت لأمي باعادة تحميمي ولولا تدخل أبي واحتجاجه ببرودة الماء
    وضعف صدرى لدفنت تحت الماء والصابون مرة أخرى

    تحسست جدتي جلبابي وعمامتي وتشممتهما وتأكدت من نظافتهما ثم فتحت سحارتها وأخرجت قارورة عطر
    زرقاء داكنة الزرقة فعطرتني وباركتني بعدد من آيات القرآن الكريم ودست حجاب الحصن الحصين في جيب
    جلبابي وأمرتني بالحفاظ عليه ما دمت حيا ثم واكبتني وأخوتي الصغار يتقافزون حولنا حتي باب البيت وهي
    توصيني وتشدد في الوصايه بان اقرئ الأزهري منها السلام

    ناولتني والدتني حقيبة القماش التي صنعتها جدتي خصيصا لهذه المناسبة من قماش الدمور الأبيض الناصع فقمت
    بتعليقها على كتفي بعد ان تاكدت من وجود العلمين الصغيرين و.. قلم (التروبن) الذي اهداني اياه خالي احتفاءاً
    بدخولي السنة الثالثة رغم اننا كنا ما نزال حديثي عهد باستعمال الدواءة والريشة في الكتابة

    كنا لأيام خلت ندخل الفصول العليا خلسة ونلطخ ملابسنا وحقائبنا القماش بالحبر الأخضر المزرق نحصل عليه
    من دواءات ومحابر فصول الثوالث والروابع ونحتمل الجلد و...(العلقات الساخنة) في البيت والمدرسة كي
    نتباهى باننا في مراحل اكثر تقدماً... ونحلم باليوم الذي نرتدي فيه (البنطلون) ونذهب إلى الجامعة

    نغازل فتيات الحي كمعتصم ونصر الدين اولاد حاج احمد النور شيخ الحلة.. او نرافقهن ونسامرهن وهن يضممن
    كتبهن إلى صدورهن الناهدة في الطريق لمدارسهن كالصادق ود حاج الصديق وعبد القادر ود ابنعوف ندافع عنهن
    ونحميهن من تغول المارة والسابلة ونرى في العيون مباركة الأهل لنمو تلك العلاقات التي غالبا ما تنتهي بالزواج

    كنا نمتلئ بالحسد والغبن البرئ عندما يعود ابناء الحلة الذين يتلقون دراساتهم في بخت الرضا ووادي سيدنا
    وخورطقت في موسم الأجازات فتشتعل الدور بالأهازيج وتنطلق الزغاريد وتقام السرادق والولائم للفاتحين

    (عدل بواسطة طيفور on 03-08-2004, 09:05 PM)









                  

العنوان الكاتب Date
عـــ الزعـــيم ـــاش تاااااني طيفور02-02-04, 03:29 PM
  za3eem Walid Safwat02-03-04, 05:53 AM
    Re: za3eem طيفور02-19-04, 05:40 PM
  Re: عـــ الزعـــيم ـــاش تاااااني Alsawi02-19-04, 09:45 PM
    Re: عـــ الزعـــيم ـــاش تاااااني جورج بنيوتي02-19-04, 10:18 PM
  Re: عـــ الزعـــيم ـــاش تاااااني طيفور02-29-04, 08:13 AM
    Re: عـــ الزعـــيم ـــاش تاااااني Alia awadelkareem02-29-04, 08:53 PM
      Re: عـــ الزعـــيم ـــاش تاااااني Alia awadelkareem03-01-04, 08:43 PM
      Re: عـــ الزعـــيم ـــاش تاااااني طيفور03-04-04, 09:30 PM
        Re: عـــ الزعـــيم ـــاش تاااااني Alia awadelkareem03-05-04, 12:03 PM
          Re: عـــ الزعـــيم ـــاش تاااااني طيفور03-07-04, 08:28 PM
            Re: عـــ الزعـــيم ـــاش تاااااني Alia awadelkareem03-07-04, 11:56 PM
              Re: عـــ الزعـــيم ـــاش تاااااني جورج بنيوتي03-08-04, 01:37 PM
                Re: عـــ الزعـــيم ـــاش تاااااني جورج بنيوتي03-10-04, 09:18 AM
                  Re: عـــ الزعـــيم ـــاش تاااااني طيفور03-11-04, 11:10 PM
                    Re: عـــ الزعـــيم ـــاش تاااااني Ali Alhalawi03-12-04, 09:02 PM
                      Re: عـــ الزعـــيم ـــاش تاااااني Alia awadelkareem03-13-04, 04:41 PM
                        Re: عـــ الزعـــيم ـــاش تاااااني جورج بنيوتي03-15-04, 11:25 PM
                          Re: عـــ الزعـــيم ـــاش تاااااني طيفور03-19-04, 04:13 AM
                        Re: عـــ الزعـــيم ـــاش تاااااني طيفور03-19-04, 03:54 AM
                      Re: عـــ الزعـــيم ـــاش تاااااني طيفور03-19-04, 03:37 AM
  Re: عـــ الزعـــيم ـــاش تاااااني THE RAIN03-16-04, 07:10 AM
    Re: عـــ الزعـــيم ـــاش تاااااني Alia awadelkareem03-16-04, 08:16 PM
      Re: عـــ الزعـــيم ـــاش تاااااني جورج بنيوتي03-16-04, 10:12 PM
    Re: عـــ الزعـــيم ـــاش تاااااني طيفور03-19-04, 04:56 AM
      Re: عـــ الزعـــيم ـــاش تاااااني جورج بنيوتي03-20-04, 05:16 PM
        Re: عـــ الزعـــيم ـــاش تاااااني جورج بنيوتي03-24-04, 11:37 AM
          Re: عـــ الزعـــيم ـــاش تاااااني طيفور03-25-04, 11:44 AM
          Re: عـــ الزعـــيم ـــاش تاااااني طيفور03-26-04, 04:55 PM
  Re: عـــ الزعـــيم ـــاش تاااااني الجندرية04-18-04, 01:17 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de