أفضل أعمالي ** "1"** عاطف عبدالله

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-03-2024, 10:25 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-01-2004, 12:48 PM

sympatico

تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
أفضل أعمالي ** "1"** عاطف عبدالله

    الاخوان والاخوات اعضاء البورد
    تحياتي
    اهنئكم بالعام الجديد راجيا ان يكون عام خير وسعادة على الجميع
    وبذكرى استقلال السودان آملا ان ينعم الوطن بالسلام
    ويهنأ شعبنا الكريم بخيرات وطنه بعد سنين من العذاب قاسى فيها الكثير

    --------------





    قبل يوم او يومين من اغلاق المنتدى للصيانة طرأت على بالي فكرة فنفذتها وهي ان نتعرف على أفضل أعمال الزملاء والزميلات أعضاء المنبر في مختلف مجالاتهم الابداعية بسؤال عن معرفة أفضل أعمالهم واقربها اليهم ، فقد ينتج المبدع عدة اعمال ولكن يجد عملا محددا هو الأفضل وقد كان الطيب صالح يقول ان أفضل أعماله هي رواية بندر شاه وليس موسم الهجرة الى الشمال.
    اذن هي محاولة لمعرفة هذه الاعمال والقاء الضوء عليها سواء أكانت شعرا او قصة او رواية او نصا مسرحيا او موسيقى او غناء ... الخ. ومعرفة ظروف نشرها وكيف كانت الاستجابة لها عند المتلقين.
    وقد راسلت بعض الزملاء والزميلات ممن أتيح لي ان اكتب لهم في ذلك الوقت القصير عبر المسنجر الداخلي- وسأكمل مراسلة من لم اكتب لهم - ووجدت الفكرة الترحيب واستجاب البعض منهم وارسلوا اجاباتهم واعتذر البعض لأنه لا يرى نفسه من المبدعين واعتقد ان هذا توضع لأن لبعض المعتذرين اعمالا منشورة ومعروفة وتشهد لهم بذلك.
    الشكر الوافر لكل الذين ردوا وكل الذين وافقوا ووعدوا بالرد والشكر لكل الذين اعتذروا مع املي ان يعدلوا عن هذا الاعتذار
    سأقوم بنشر الردود يوميا بواقع رد واحد في اليوم

    وسأبدأ بالأخ الأستاذ عاطف عبد الله الذي كان اول من استجاب


    -----------
    أفضل أعمالي ** "1"** عاطف عبدالله



    ----------------------------------------------

    - ما هو أفضل أعمالك، ولماذا ترى أنه كذلك؟
    ------------------


    [أفضل أعمالي هي رواية البقع السوداء أو ذكر ما جرى في البر الآمن .. وأراها كذلك لأنها وببساطة وحيدتي في مجال الرواية الطويلة وأظن أني بذلت فيها جهدا لا بأس به حسب رأي من أطلع عليها ومن شاركوني همها حتى رأت النور.

    -------------------------------------------------------
    إضاءة حول هذا العمل
    -------------






    رواية طويلة مكونة من عشرة مقاطع تدور أحداثها في السودان خلال الفترة من بعد الاستقلال ( نهاية العقد الخامس ) حتى أبريل 1985 تاريخ قيام الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بحكم جعفر نميري .

    تعالج الرواية قضية خطيرة يعيشها السودان في الماضي و الحاضر وهي مسألة الهوية والأستعلاء العرقي والتفرقة العنصرية على المستويين الاجتماعي والرسمي - وجرأة هذه الرواية يتمثل في تسليط الضوء على هذه المسألة دون مواربة.


    ملخص الرواية :

    بعد اندلاع التمرد الأول في منتصف خمسينيات القرن المنصرم يقوم أب شمالي متزوج من امرأة جنوبية من قبيلة الدينكا بإحضار ولديه إلى الشمال حتى ينجيهم من ويلات الحرب وكان الشمال يمثل له البر الآمن, واعدا إياهم بالعودة بعد القضاء على التمرد بعد عدة أشهر لأخذهم مرة أخرى للجنوب.

    بعد ذلك تتطور الأحداث حيث يستمر بقاء هاذين الولدين بالشمال وكيف يتم التعامل معهم كمولودين من أب شمالي وأم جنوبية ومعاناتهم من نظرة الاستعلاء الاجتماعية وذلك من خلال قصة حب تربط الشاب الأصغر ( بطل الرواية ) بسارة وهي فتاة من أسرة ثرية ولكنها أيضاً تعاني من الظلم الاجتماعي حيث الشك في نسبها وسيرة أمها الغامضة التي ترمز في الرواية للتلاقح الثقافي الوارد للسودان من شمال الوادي وتأثيره العميق في وجدان هذه الأمة.تتطور أحداث الرواية بمدي تتطور الوعي لهذا الشاب الأصغر وتتطرق لمؤسسة القمع والاعتقال ولأجهزة الأمن وسجناء الضمير, كما تتطرق للصراع الطبقي والسياسي وتتوج أحداثها برومانسية ثورية تمثلها أحداث أنتفاضة أبريل 85 بتحطيم السجن الكبير بعد تحطيم السجن النفسي لأبطال الرواية.


    ---------------------------------------------------------------
    متى وأين نشر أو أذيع أو قُدِّم أول مرّة وكيف كان رد المتلقين له?


    ---------------------------------


    تاريخ النشر : 05/4/2002 في أبوظبي بالنسبة لرد المتلقين له أكتفي بما شهادتين الأولى للصديق الدكتور حسن الجزولي الذي كتب عنها :

    ( هذه رواية نسجت من صميم حراك وعراك مجتمع السودان .. استطاع فيها مؤلفها أن ينفذ وهو يدلي بوقائعها إلى مناطق ذات حساسية وعرة في تشابك علاقات مجتمع كالسودان .رواية قدم فيها مؤلفها شخوصها بإتقان إبداعي من كافة الزوايا .. وهم الذين يمشون بيننا ويعيشون وسطنا ويتنفسون ذات هوائنا زماناً ومكاناً ووشائج ومع ذلك فقد جاء سهل الرواية ممتنعاً .

    هذه الرواية أدهشتني تمام الدهشة وأنا أتذوق طعم قدرات مؤلفها كمبدع عن حق وبمقدرات رصينة دون حذلقة . هذه الرواية سيجد فيها من يقرأها نفسه بداخل نصها بشكل أو بأخر.)


    و بما ذكره الناقد عبد الجبار عبد الله في تقديمه للرواية:

    ( لسنا بصدد استباق النتائج والقفز إليها لكنمّا القراءة الوظيفية للنص تقتضي القول بأننا إزاء رواية لامست عصب الحياة ومست ما تواطأ مجتمعنا في واقع الأمر على السكوت عنه على المستويين النفسي - اجتماعي والسياسي رغم الجراح العميقة الغائرة التي ظل يخلفها في تاريخ بلادنا القديم والمعاصر واصبح عاملاً إضافياً كابحاً لمسار تقدمها لا سيما بعد دخول الدين إلى حلبة الصراع السياسي والاجتماعي . فالحديث عن الهوية والاعتراف بالآخر واحترامه لا يأتي إلا على سبيل التجريد السياسي النظري ومشروعات الأطر القانونية التي لا تمس شيئاً من الآثار العاطفية النفسية لمظاهر الاستعلاء العرقي الثقافي . ولا شك أن أزمة الثقة هي إحدى العقابيل التي تحول دن الوصول إلى تسوية سلمية وتحويل الوطن إلى سفينة فسيحة تتسع للجميع .)


    --------------------------------
    فصل من الرواية
    ----------------



    أهدي لكم المقطع الخامس من الرواية ....

    المقطـــــع الخامس

    نقد الغثيان

    من نحن ..؟.. . وماذا نحن..؟

    نحن قوم نرزخ في غلال العبودية..والتوجس... والانبهار.. و نحتمي بجدار التخلف و التعصب وظلال التردد.. نعجب بملاحم بريخت وأفكار رينوار.. ونمتثل لدروس بنت الغبشاوي .. ومقررات الضبط الاجتماعي ...من نحن ..؟.. . وماذا نحن..؟


    ذات نهار مترب وعاصف والرياح سموم .. كأن الأرض الغاضبة هبت وسارت بقدميها إلى الشمس وتلفحت الهواء وصبغت كل الأشياء بلونها، ظهر أخي حسان فجأة كشبح لفظ من ركام التراب المتناثر، توقفت سيارة أجرة أمام دارنا وترجل منها، نزل وأخذ يتجول بنظره فوق الشارع رغم انعدام الرؤية إلا أنه أخذ يحدق في الغبار باحثاً عن ذكرياته التي خلفها هنا قبل سبعة أعوام حين غادر هذا الحي.


    استقباله كان فاتراً من قبل أهل البيت وأهل الحي ليس كمثل حرارة أشواقه التي عبر عنها والأحضان التي قابلهم بها. عمي عبد الوهاب أبدى توجسه من هذه الزيارة غير المتوقعة، عمي إبراهيم بطيبته المعهودة استقبل حسان. وحدي كنت فرحاً بمقدمه، وسعادتي عبر عنها إحساس عميق في ترحابي وسلامي عليه وكادت الدموع أن تقفز من عيني وأنا أحضنه، وهو كان مزهواً بقامته الفارعة وعضلاته البارزة هاشاً باشاً مع الجميع مثل الفارس العائد من المعركة منتصراً يضحك بصوت عال يتفقد أركان البيت وأخذ يسرد مغامراته وانتصاراته ..


    حكي عن بورسودان وكيف كان يعمل ثم كيف اعتدي على الخواجة صاحب الورشة بالضرب بعد أن رفض أن يعطيه أجره في نهاية الأسبوع وكيف هجر المدينة ثم انتقل للعمل في مدينة عطبره والتحاقه بهيئة السكة الحديد وكيف انضم للنقابة العمالية وتصادم مع رجال الأمن، وحكى عن موكب الغنم وكيف خططوا له عندما هم الرئيس بزيارة مدينة عطبرة، عندها تفتقت عبقرية أهل المدينة العمالية أن يعبروا عن سخطهم من ذلك الحاكم بأن تستقبله أغنام المدينة بدلاً عن ناسها وذلك برمي الأوراق وبذر الحبوب والعشب الذي تقتات منه الأغنام في طريق موكب الرئيس ثم إطلاق كل الأغنام بالمدينة وما أكثرها، واعتصام أهلها بمنازلهم، وعند مرور موكب الرئيس لم يجد سوى الأغنام في استقباله، عندها غضب وأمر بحل هيئة السكك الحديدية وقال: عملوها أولاد الكلب ( يقصد الشيوعيين ).


    ثم بعد ذلك روى حسان كيف هاجر غرباً وعمل بمدينة الفاشر في أقصى دارفور وكيف ذات يوم داهمهم رجال الشرطة في بيت كانوا يشربون فيه العرقي وكيف أوسع الضابط ضربا عندما لم يتحمل سبابه، ثم حوكم بالسجن لستة أشهر قضاها في سجن شالا الشهير وكيف التقي هناك بالمعتقلين السياسيين وحكي عن علاقته بهم وكيف كان يقدم لهم خدمات جليلة حيث كان يسرب لهم الأوراق والرسائل خارج المعتقل عن طريق السجانين والزوار، ثم انتقل بعد ذلك جنوباً وهو في الطريق روى كيف أسره جيش الحركة الشعبية في وسط الغابة وكيف تعرف عليه بعض جنود الحركة ممْنّ نشأ معه في مدينة أويل، وكيف استطاع أن يفلت منهم بعد أن ساعدهم في صيانة كثير من المركبات والمعدات التي كانت معهم .. ثم كيف.. وكيف .. وكيف !! أشياء لن تجدها في مخبأ شهرزاد وألف ليلة وليلة .. روايات وأشياء لا تحدث إلا معه.

    سأله عمي عبد الوهاب

    بطلت الشراب ولا لسه؟؟

    - شراب شنو يا عمي؟ قالها ضاحكاَ

    - عمى كباسة (1).. شراب السم الهاري المرقك من البيت ده .. خليته ولا لسه؟

    - أنت لسه فاكر يا عمي .. وأنا في مدينة كوستى مرضت و دخلت المستشفي بتليف في الكبد من كثرة العرقي الكنت بشربه والآن لي كم سنة واقف منه

    - الحمد لله .. ربنا الهادي .. قال عمي

    عمي إبراهيم سأله عن مشاريعه وماذا يود أن يفعل وهل سيعود للالتحاق بالورشة التي كان يعمل بها قبل سفره ..

    - ورشة شنو يا حاج البشتغل فيها تانى !! أنا لازم اعمل ورشة براي أنا اوسطي كبير الآن وما ممكن اشتغل عامل في ورشة أي واحد ثاني

    - طيب أكيد عندك قروش كويسه عشان تفتح ليك ورشة .. دي بتدور ليها رأس مال .. ( بادر عمي ابراهيم )

    - راس المال موجود هنا .. ( أشار حسان إلى رأسه ) أنا عندي أفكار تكسب دهب وحا أغير ليكم حياتكم دي كلها وحا أعمل وحا ..

    - يا ولدى ما تبقي هجاص (1)ساكت إذا عندك قروش بتعمل ورشة وإذا جيت كمان عدمان ومعلم الله أمشى من باكر شوف ليك شغلانه تسترزق منها

    - بكرة تشوف حسان يعمل شنو يا عمي

    - طيب يا ولدي حسه ( أي الآن ) بعد ماتاكل ليك لقمة وتشرب الشاي امشي الحله مليانه بكيات ( مآتم ) امشي شيل الفاتحة مع ناس ....

    وأخذ يعدد له الأسر التي حصد الموت فرداً منها كي يقوم بواجبه في العزاء. ولكن حسان لم يعر الأمر اهتماماً وواصل يحكي عن مغامراته، جال بالبلاد شرقها وغربها شمالها وجنوبها ما من مكان إلا وله فيه ذكريات ما من موطئ إلا وله فيه بصمات .

    الذي كان أمامي هل هو بطل حقيقي ؟ أم ممثل بارع ..! أم كذاب !! فقد كانت جميع هذه الصفات المتناقضة في شخصيته.

    في المساء هدأت العاصفة الترابية .. أخرجنا مقعدين وجلسنا أنا وحسان منفردين أمام باب الدار .. أخرج لفافة مليئة بحشيشة البنقو من جيبه، وسيجارة مرر عليها لسانه فانشقت نصفين ثم اعد ورقة الدخان من تحتها وأسقط فيها أوراق التبغ واخذ يخلطها بالبنقو وأعاد تدويرها بين أصابعه بمهارة الخبير وكورها على هيئة السيجارة لفها من الأمام ومن الخلف ثم أشعلها وجذب نفساً عميقاً .. وسألني لأول مرة وهو ينفث الدخان في شكل حلقات دائرية ويراقبه ..

    - عامل كيف ؟

    صمتُّ لفترة قبل أن أرد عليه .. لأول مرة شعرت برغبته في أن يسمع.. لا أن يتحدث .. لكنى لم أكن في الحالة التي تمكنني من إشباع رغبته .. خاصة بعد أن بدأت تفوح رائحة البنقو وتعبق الجو .. كانت ردودي مختصرة للغاية..

    - الحمد لله كويس

    - كيف الدراسة ... تخرجت ولا لسه ؟

    - لم أتخرج ما زلت في السنة الثالثة بالجامعة

    - أحوالك المادية كيف ؟

    - الحمد لله مستورة وعمى ابراهيم ما مقصر .. يعني قدر العندو

    - وكيف صديقتك وحبك القديم ؟.. قالها ضاحكاً

    - صديقتي بتقصد منو ؟

    - اقصد سارة .. أنت فاكر الموضوع ده سر، وازداد ضحكه

    - ما عرفت قصدك شنو!! ... لكن على أي حال هي بخير وكويسة وألان بالجامعة في السنة الأولى كلية الآداب

    وأنت ... مواضيعك معاها ماشا كيف ؟

    لم أفهـم إلى ماذا يرمـي !! هل أمري يهمه.. أم يريدنى أن أتحدث فقط لملء الوقت .. كيف لم يخطر بباله طوال هذه السنوات أن يسأل عني ؟؟ هل ألومه ثم أسامحه أم أستسمحه ؟ الأمران لديه سيان، هل أفرغ ما في صدري وأبوح له بسري عن حبي الذي شكلّ سلوكي وحياتي ؟ لم أجد الرغبة في الرد عليه ولزمت الصمت حتى كرر علي سؤاله مرة أخرى

    - ما قلت لي .. مواضيعك مع سارة ماشا كيف ؟

    - مافي شئ جديد ..

    - لازم تكون جرئ شوية .. ما تنتظر هنا عشان الحاجة تجيك من السما .. لازم تجري وراها وتاخد حقك بيدك

    - مافاهمك !

    - أنت فاهمني كويس

    لم أعقب عليه .. جاءتنى رغبة بعدم الخوض في هذا الموضوع .. غيرت مسار الحديث إلى موضوع ظل يشغل بالي لفترة طويلة

    - حسان .. هل تذكر ونحن صغاراً ان عمى عبد الوهاب فقد قرشين من علبته التى كان يخبئها تحت السرير .. وتم عقابك أنت بعد ان أتهـمت بسرقتها.

    - لا أذكر

    - كيف لا تذكر .. ! وأنت ضربت ضرباً ما أنزل الله به من سلطان في ذلك اليوم ؟

    - يا أخي أنا أضربت كتير في البيت ده .. اذكر أيه ؟ .. ولا ايه ؟ المهم أنت الفكرك شنو بالموضوع ده الآن ؟

    - الموضوع ده أنا لم أنسه أبدا لأني أنا كنت السارق .. أنا الذي أختلس القرشين من علبة عمى

    آثار المفاجأة عليه لم يدم سوى لحظات .. وبعدها انفجر بالضحك حتى كاد أن ينكفئ على وجهه ، ملكتني الدهشة لتصرفه، كنت أنتظر رد فعل مختلفاً تماما خاصة وأنه عوقب عقابا صارما ليس بحجم الحدث الذي جري ولا بحجم سنه في ذلك الوقت . رفع رأسه وهو ما زال غارقا في الضحك وقال :

    - بالله هو أنت السرقت عمي في ذلك اليوم ؟ أنت العملت كده ؟

    ثم واصل ضحكه حتى ظننته قد خبل

    - لماذا تضحك ؟ .. ما الأمر المضحك في هذا الموضوع؟

    - بضحك لأنى سبق وسرقت من علبة عمى عبد الوهاب أكثر من عشرين مره ولم يكتشف أمري .. وأنت مرة واحدة وكشف أمرك، فعلا إنك غشيم

    وواصل ضحكته .. ثم صمت هنيهة وجذب نفسا عميقا من اللفافة التى كادت تنطفئ وبعد أن نفس دخانها في الهواء قال لي:

    - أنت عارف أنا مشيت الجنوب

    - سمعتك بتحكي

    - بس ما سمعتني بقول كيف ناس أمي!!

    - قابلت أمي ؟

    - طبعاً

    - وكيف كانت هذه المقابلة .. بالله من الصباح تحكي وتحكي وموضوع زي ده ما تجيب سيرته

    - شوف أنا مشيت مدينة أويل وهناك المكان ما زي هنا ... وأنا مازلت احمل كثيراً من الذكريات فيه، أنت نسيت أنني سافرت منها وجيت البلد دى وأنا عمري تسع سنوات.. يعني ما كان صعب علي التعرف على البلد من جديد بالرغم من التغيير والخراب الحصل بسبب الحرب ..

    هنا صمت لفترة وكان بادي التأثر وهو يحكي عن مدينة أويل .. ثم واصل حديثه

    قابلت أمي وجدي وبعض خيلانــي وهم ناس طيبين كانت عندهم أبقـار كتيــرة .. فقدوها كلها .. لولا الحرب كانوا بقوا أحسن ناس ..

    ثم أستدرك قائلاً كمن يود أن يغير من جو الحزن الذي خيم علينا بحديثه عن حالة الأهل بأويل ..

    - عارف أن جدك هناك من السلاطين؟ يعني أنت ود ملوك ..!

    وأخذ يضحك بهستيرية .. فقلت في نفسي أن البنقو بدأ تأثيره فيه ثم واصل قائلاً أمي كويسة وبتسلم عليك .. وهي كانت مصممة تجى معاي علشان تقابلك بس أنا قلت لها انتظري شويه لأني إنشاء الله بعد ما اعمل لي ورشة هنا سوف استأجر بيت بعد كدي نمشي أنا وأنت ونسافر سوه(1) الجنوب ونجيب أمي ونرجع ونعيش مع بعض ولا رأيك شنو ؟

    صمت ولم أعقب .. الفكرة مجرد التفكير فيها أخافني ....

    - رأيك شنو ؟ كرر السؤال

    - مش صعبة شويه عليها انك تجيبها من وسط أهلها لكي تعيش هنا

    - الموضوع ده ما تشيل همه لأن الآن معظم أهلها يقيمون حول المدينة في المساكن العشوائية .. فمعظمهم هاجر بسبب الحرب

    - بس أنا الدراسة والجامعة .. كدي خلي الموضوع ده حالياً وقول لي كيف هم وكيف وجدت الجنوب؟

    - ما بكذب عليك الجنوب الحياة فيه اصعب بكثير من هنا

    - بقصد تعامل الناس هناك واستقبالك وسطهم

    - جنى عرب .. قالها وضحك (1)

    - جني عرب ... ماذا تعني ؟؟

    - زي ما هنا يقولوا ليك ياعب ... هناك يقولوا ليك جني عرب .. وهي زي كلمة ياعب هنا ... وازداد ضحكه

    - ممكن تشرح شويه ؟

    - وماذا اشرح يعنـي زمان هنا كنت بضرب الأولاد إذا واحد قـال لي ياعـب

    برضه هناك كنت بضارب إذا واحد قال لي جنى عرب يعني ما عايزه ليها شرح دي ..

    فعلاً لم تكن تحتاج لشرح فالمعنى واضح تماما


    عندها كان الليل قد أزف ودخلنا كي ننام، تلك الليلة لم أستطع النوم حتى طلوع الفجر، راودتني كوابيس وأحلام مزعجة حلمت بزفــة عرسي إلى سارة .. قرع طبول وفرق رقص شعبيه وحشود متراصة من أهل الحي .. وصافي النية ترتمي تحت قدمي وهي تولول وتعدد علي الحاج عثمان وتبكي عليه كأنه مات اللحظة، أمي تتقدم الركب وهي تلف قطعة قماش حمراء على رأسها وتشد أخرى على خصرها ووسطها وتهز ردفيها .. جنوبي يضع قبعة من القش على رأسه ويرتدي جلد النمر ويحمل رمحاً في يده اليمنى ودرعاً على يده اليسرى وهو يطلق صافرته ويقفز مصوبا رمحه إلى أهل الحي .. الصادق يرتدي زي جنرال يقف على شرفة قصره يراقب الموكب من خلال منظار عسكري .. أخي حسان يحمل بندقية حافياً وسط الغابة يرتدي ملابس ممزقة، مع القوات المتمرده يؤشر لي ويضحك قبل أن تبتلعه الغابة.. إيقاعات طبول ونباح كلاب يسدا أذني ... وأنا مقيد في سلاسل وحلقة سميكة حول عنقي تخنقني وتمنعني من الالتفات وفي قدمي خدر يمنعني من الهروب .. عمي عبد الوهاب يحمل هراوته وينزل بها على ظهري وهو يقول اعترف أنك سرقت القرشين.. فهيمة تبرز أنيابها كالأفعى في وجهي .. طلحه شقيقها يهلل ويكبر لله يحمل سيفا يقطر دماً وجنوبي مذبوح تحت قدميه.. نعيمة ترقص رقصة الحرب فوق رأس سارة التي كانت تجهش بالبكاء .. حتى عبد الباقي كسار الحطب ظهر لي في هيئة شيطان وهو يحمل قنينة خمر ويضحك ويقول لي : بتدور سارة السميحة أخيرلك تطلب نفيسة الهبله يمكن نديك ليها ويستمر ضاحكا واللعاب يسيل من بين فكيه .. عمي إبراهيم يصرخ في أذني كان لازم تفضحنا الفضيحة دي كلها ؟ كان لازم تجيب أهلك كلهم؟.. إيقاعات طبول ونباح كلاب .. صراخ .. وضحك وبكاء..وهراوة عمي تمزق ظهري،والحلقة في عنقي تشنقني .. صحوت من نومي مفزوعا وأنا عاجز عن التنفس والعرق يتصبب مني، تناولت كوباً من الماء .. فكرت قليلاً .. لابد من وسيلة لوقف هذا الزحف، لعنت الحرب ، ولعنت كل الذين تسببوا فيها، والذين يزكـون أوارها، لقد كانت الحرب حتى الأمس شـيئاً لا يخصـني ولا علاقة لي به.. ولا تعني لي أكثر من شئ مبهم ..غامض .. بعيد أتذكره عندما أتصفح نشرات الأنباء .. وأطالع البيانات الرسمية التي تعلنها الحكومة، لقد هربت من هذه الحرب وأنا طفل صغير وهاهي تلاحقني في ملاذي الآمن هذا، الآن أضحت بالنسبة لي واقعاً ملموساً سيقاسمني حياتي

    (عدل بواسطة sympatico on 01-07-2004, 06:46 PM)









                  

01-02-2004, 12:41 PM

sympatico

تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أفضل أعمالي ** "1"** عاطف عبدالله (Re: sympatico)

    up
                  

01-02-2004, 01:35 PM

Ishraga Mustafa
<aIshraga Mustafa
تاريخ التسجيل: 09-05-2002
مجموع المشاركات: 11885

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أفضل أعمالي ** "1"** عاطف عبدالله (Re: sympatico)

    sympatico

    جاييك
    مشاغل بس منعتنى من التجاوب بشكل عملى

    والى لقاء قريب

    ام واصل
                  

01-02-2004, 02:35 PM

فتحي البحيري
<aفتحي البحيري
تاريخ التسجيل: 02-14-2003
مجموع المشاركات: 19109

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أفضل أعمالي ** "1"** عاطف عبدالله (Re: Ishraga Mustafa)

    لكما من القلب كل الحب
    سيمباتيكو وعاطف
    وانا ، كاشراقة ، جاييكما
                  

01-02-2004, 06:21 PM

sympatico

تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أفضل أعمالي ** "1"** عاطف عبدالله (Re: فتحي البحيري)

    الأخت العزيزة اشراقة
    الأخ العزيز فتحي البحيري

    كل سنة وانتو طيبين
    شكرا ليكم
    وفي انتظاركم
    مع كل الحب والمودة
                  

01-04-2004, 02:19 PM

فتحي البحيري
<aفتحي البحيري
تاريخ التسجيل: 02-14-2003
مجموع المشاركات: 19109

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أفضل أعمالي ** "1"** عاطف عبدالله (Re: sympatico)

    يديك العافية
    وربك يسهل!
                  

01-07-2004, 06:48 PM

sympatico

تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أفضل أعمالي ** "1"** عاطف عبدالله (Re: فتحي البحيري)

    تسلم يا فتحي ولسه منتظرين
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de