الشخصية الحضارية النوبية و الانتماء التاريخي النوبي /

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-28-2024, 09:43 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-09-2011, 05:27 AM

بكرى ابوبكر
<aبكرى ابوبكر
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 18724

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الشخصية الحضارية النوبية و الانتماء التاريخي النوبي /

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الشخصية الحضارية النوبية
    و
    الانتماء التاريخي النوبي
    د.صبري محمد خليل








    تمهيد: تحاول الدراسة تحديد طبيعة علاقة الانتماء النوبية، وعلاقتها بعلاقات الانتماء الأخرى للشخصية النوبية، وبالتالي تحديد طبيعة الاخيره كشخصيه حضاريه خاصة تحدها ولا تلغيها شخصيات حضاريه عامه (وطنيه،قوميه،دينيه...)، تعبر عن القبائل ذات الأصول النوبية، والتي يمكن اعتبارها أكثر تمثيلا من غيرها لعلاقة الانتماء النوبية دون إن تنفرد بتمثيلها.
    ويمكن إجمال المذاهب التي حاولت تحديد طبيعة علاقة الانتماء النوبية، وبالتالي تحديد الشخصية الحضارية النوبية في ثلاثة مذاهب سنتناولها هنا بشيء من التفصيل.
    أولا: مذهب الإلغاء( الوحدة المطلقة) :
    وهو المذهب الذى ينتهي إلى إلغاء علاقة الانتماء الحضارية التاريخية النوبية وبالتالي إلغاء الشخصية النوبية كشخصيه حضاريه خاصة ، وهو يستند في ذلك إلى فكره مضمونها-على المستوى الاجتماعي- أن الوجود العام يلغى الوجود الخاص، وبالتالي فان تقريره لوجود عام معين(وطني، قومي، ديني، قاري...) يترتب عليه إلغاء الوجود الخاص النوبي. كما أن مضمونها - على المستوى الفردي- أن تقرير علاقة انتماء معينة خلاف علاقة الانتماء النوبية يقتضى إلغاء علاقات الانتماء الأخرى بما فيها علاقة الانتماء الاخيره(الوحدة المطلقة). ويتضمن هذا المذهب العديد من المذاهب التي سنتناولها هتا بالتفصيل.
    ا/ مذهب مناهضه الانتماء النوبي بالانتماء الوطني:
    فهناك مذهب مناهضه الانتماء النوبي بالانتماء الوطني،وهو يستند في ذالك إلى فكره مضمونها على المستوى الاجتماعي أن الوجود العام الوطني يلغى الوجود الخاص القبلي والشعوبي ومنه الوجود الشعوبي النوبي ، كما أن مضمونها على المستوى الفردي أن تقرير علاقة الانتماء الوطني السوداني للقبائل النوبية الموجودة في السودان أو المصري للقبائل النوبية الموجودة في مصر يترتب عليه إلغاء علاقة الانتماء الشعوبي النوبي ، فهو يتجاهل حقيقة أن الوجود الأول هو أضافه إلى وليس انتقاص من الوجود الأخير ، وهذا المذهب يعتبر شكل من إشكال الشعوبية على المستوى الوطني.
    ب/ مذهب مناهضه الانتماء النوبي بالانتماءالعربى:
    وهناك مذهب مناهضه الانتماء النوبي بالانتماء العربي الذى يستند إلى فكره مضمونها على المستوى الاجتماعي أن إن الوجود العام القومي يلغى الوجود الخاص الشعوبي النوبي. كما إن مضمونها على المستوى الفردي أن تقرير علاقة الانتماء القومي يقتضى إلغاء علاقة الانتماء الحضاري التاريخي الشعوبي النوبي، ومن ممثلي هذا المذهب مذهب العصبية القبلية العربية الذى يجعل العلاقة بين الانتماء النوبي والانتماء العربي علاقة تناقض وإلغاء استنادا إلى إن النوبيين ليسوا سلاله عرقية لعرب الجاهلية، ووجه الخطأ في هذا المذهب يكمن في انه يفهم العروبة على أساس عرقي لا لغوي حضاري ، ومرجع ذلك انه يخلط بين العرب في الطور القبلي( ما يقابل الأعراب في القرآن)، وهي دلالة لا تزال تستخدم حتى الآن للدلالة على من لا يزال في طور البداوة، ولم ينتقل إلي التمدن ، والعروبة كطور تكوين اجتماعي قومي متقدم عن أطوار التكوين الاجتماعي القبلي والشعوبي يتضمنهم فيكملهم ويغنيهم ولكن لا يلغيهم. حيث أن مناط الانتماء في الطور الأول النسب، بينما مناط الانتماء في الطور الثاني اللسان.كما انه بخلط بين معيار الانتماء الأسرى والعشائري و القبلي (العنصر) ومعيارا لانتماء القومي(اللسان)، فهو يتجاهل التطور خلال الزمان. كما أن هذا المذهب يقوم يستند إلى مفهوم النقاء العرقي وهو مفهوم غير حقيقي إذ لا يوجد جنس لم يختلط بغيره ، فهو ينكر حقيقة اختلاط اغلب الجماعات القبلية ذات الأصول العربية(السامية) بالجماعات القبلية والشعوبية ذات الأصول السامية –الحامية( كالنوبة والبجه) أو الأصول الحامية، يساعده في ذلك نظام النسب إلى الأب ذي الأصل الاسلامى ، يقول الشيخ على عبد الرحمن الأمين(...أثناء ذلك تم امتزاج الدم العربي بدماء البجه والنوبة والفور والحاميين النيلين والزنوج الإفريقيين وبعض العناصر الشركسية والتركية في أقصى الشمال وذلك بالمصاهرة والاختلاط حتى لا يستطيع الإنسان الآن أن يجزم بان هناك عربي يخلو دمه من قطرات من تلك الدماء غير العربية)(الشيخ على عبد الرحمن،الديمقراطية والاشتراكية في السودان،منشورات المكتبة العصرية، صيدا بيروت،1970 ص22) ويقول د.محجوب الباشا (تشير اغلب الدراسات إلى أن القبائل المسماة بالعربية في شمال السودان(كذا) هم في الحقيقة مجموعه من العرب الذين اختلطوا بالقبائل النوبية المحلية فتولد عن ذلك العنصر الموجود الآن في اغلب شمال السودان(د.محجوب الباشا ،التنوع العرقي في السودان، سلسله أوراق استراتيجيه الخرطوم، طبعه أولى،1998،ص17) .
    كما أن هذا المذهب يجعل العلاقة بين الانتماء النوبي والانتماء العربي علاقة تناقض وإلغاء احتجاجا باللهجات النوبية المتبقية من الأطوار القبلية والشعوبية؛ في حين أن استعمال اللهجات، أو حتى اللغات القديمة - لا يلغي الاشتراك في استعمال اللغة القومية في كل الأمم.
    ج/مذهب مناهضه الانتماء النوبي بالانتماء الاسلامى:
    يجب التمييز(لا الفصل) بين الإسلام كدين ، اى كوضع الهي مطلق يخاطب الناس في كل زمان ومكان،ممثلا في أصوله الثابتة التي مصدرها النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة التي لا تحتمل التأويل والتي لا يجوز مخالفتها ، وبين المذاهب الاسلاميه بما هي اجتهادات تنسب إلى أصحابها ولو أسموها مذاهب إسلاميه، وصحتها أنها مذاهب في الفكر الاسلامى، ويتحملون مسئوليه ما فيها من قصور ولهم فضل ما فيها من توفيق،وهى مذاهب لا شامله في المكان ولا عامه في الزمان ، ممثله في اجتهادات المسلمين في تفسير فروع الدين الظنية الورود والدلالة التي تحتمل التأويل ، وبناءا على هذا التمييز نقرر خطاْ المذهب الذي يرى أن الإسلام يلغى الوجود الحضاري القبلي والشعوبي السابق عليه (ومنه الوجود الحضاري الشعوبي النوبي) ،وأن تقرير علاقة الانتماء الإسلامية التي هي في الأصل علاقة انتماء ديني حضاري يقتضى إلغاء علاقات الانتماء التاريخية الحضارية (ومنها علاقة الانتماء النوبية)، فالإسلام كدين وحضارة وكانتماء يحدد فيكمل ويغنى ولكن لا يلغى الوجود الحضاري السابق عليه وعلاقات الانتماء الأخرى، وإيه هذا انه اعتبر العرف مصدرا من مصادر الشريعة التبعية.
    د/ مذهبي اذابه الانتماء النوبي في الانتماء الافريقى أو الزنجي
    وهناك مذهبي تذويب الانتماء النوبي في الانتماءين الافريقى أو الزنجي، وإلغاء خصوصيته كانتماء حضاري تاريخي . ومرجع الخطأ في هذين المذهبين أنهما أولا يخلطان بين الانتماء النوبي الذى هو في الأصل علاقة انتماء حضاري تاريخي، و الانتماء الزنجي الذى هو في الأصل علاقة انتماء عرقي ، و الانتماء الإفريقي الذى هو في الأصل علاقة انتماء جغرافي قاري. كما إنهما ثانيا يعطيان علاقات الانتماء الافريقيه و الزنجيه مدلول حضاري اجتماعي، فيعتبران أن إفريقيا كقارة أو الزنوج كجنس يشكلان وحده اجتماعيه حضاريه، وهو ما يخالف الواقع.
    ثانيا: مذهب الإطلاق( التعدد المطلق):
    وهو المذهب الذى يتطرف في تأكيد علاقة الانتماء النوبية إلى درجه إلغاء علاقات الانتماء الأخرى للشخصية النوبية ، وهو يستند إلى فكره مضمونها - على المستوى الاجتماعي- محاوله تحويل الجزء إلى كل قائم بذاته ومستقل عن غيره ، كما أن مضمونها - على المستوى الفردي- أن تعدد علاقات الانتماء المتعددة للشخصية ألمعينه دليل على تعدد الشخصيات الحضارية تعددا مطلقا (اى القول بوجود شخصيات حضاريه قائمه بذاتها ومستقلة عن غيرها) ونفى وجود شخصيه حضارية واحده عامه تحدد ولا تلغى الشخصيات الحضارية الخاصة (التعدد المطلق). أو أن تقرير علاقة الانتماء النوى يترتب عليه إلغاء علاقات الانتماء الأخرى للشخصية النوبية(الوحدة المطلقة). فهذا المذهب هو شكل من أشكال الشعوبية على المستوى ما دون الوطني،
    فهذا المذهب يرى أن تقرير علاقة الانتماء النوبية يقتضى مثلا إلغاء علاقة الانتماء الوطنية السودانية التي تحدها فتكملها وتغنيها ولكن لا تلغيها. فهذا المذهب يلزم منه أن الأثر الحضاري الشعوبي النوبي يقتصر على القبائل المسماة بالنوبية( الحلفاويون، السكوت، المحس، الدناقلة...) لينفى بذلك انه ساهم في تشكيل الشخصية السودانبه ككل . كما يرى أن العنصر النوبي يقتصر على القبائل ذات الاصول النوبية،في حين انه في واقع الأمر يمتد فيشمل بالمصاهرة اغلب القبائل ذات الأصول العربية في الشمال والوسط ، فكلاهما محصله اختلاط القبائل ذات الأصول العربية( السامية) مع القبائل ذات الأصول النوبية( السامية- الحامية) مع احتفاظ قبائل المركزالنوبى باللغة النوبية الشعوبية القديمة بلهجاتها المختلفة كوسيلة تخاطب داخليه واللغة العربية كوسيلة تخاطب مشتركه، بينما أصبحت اللغة العربية بالنسبة لقبائل الأطراف النوبية وسيله تخاطب داخليه ومشتركه.يقول الطيب محمد الطيب عن احد القبائل ذات الأصول النوبية -على سبيل المثال-(والمحس من الأسر النوبية السودانية العريقة وهم أصل من أصول النوبة الأقدمين ثم توافد عليهم العرب بعد الفتح الاسلامى وتم بينهم الاختلاط والتصاهر وهم صادقون إن قالوا نحن نوبة فهم يعيشون في ارض النوبة ويتحدثون لغتهم ويتقلدون كثير من أعرافهم الخ ،وان قالوا نحن عرب فهم صادقون فقد عمهم الإسلام منذ عهد بعيد وتخلقوا بأخلاقه ودخلتهم الدماء العربية) (المسيد،دار عزه، الخرطوم،2005، ص158). كما أن العنصر النوبي يمتد فيشمل بالهجرة بعض القبائل ذات الاصول غير العربية في دارفور وكردفان (الميدوب وبعض قبائل جبال النوبه)
    كما أن هذا المذهب يرى أن تقرير علاقة الانتماء النوبية يقتضى الغاءعلاقات الانتماء القومية والدينية،لان هذا المذهب ينكر تحويل الإسلام للوجود الحضاري الشعوبي النوبي إلى جزء من الوجود الحضاري العربي الاسلامى يحده فيكمله ويغنيه ولكن لا يلغيه. وبدل على هذا:
    • دخول النوبيين في الإسلام.
    • اتخاذهم للغة العربية كلغة مشتركه مع احتفاظهم باللغة النوبية الشعوبية القديمة بلهجاتها القبلية المتعددة كلغة خاصة.
    • دور النوبة في نشر الإسلام والثقافة الاسلاميه حيث نلاحظ أن انتشار الإسلام في السودان قد اقترن بمرحلتين:المرحلة الأولي تتمثل في دور العرب الوافدين الذي سبق السلطنات الإسلامية، وكان الإسلام فيها اسميا، إذ أن جل القبائل التي دخلت السودان (في تلك الفترة) كانت تسود فيها عادات وطباع البداوةإذ كان معظم العرب الوافدين في هذه المرحلة ممن قل حظهم المعرفي بالدين وأصوله.المرحلة الثانية:مرحله العنصر الوطني من النوبة المستعربين الذين اهتدوا إلى الإسلام وهذه المرحلة هي مرحله أساسيه من مراحل نشر الثقافة الاسلاميه، ويدل على هذا أن عدد كبير من العلماء في هذه المرحلة ترجع اصولهم إلى هذا العنصر(حسن مكي، الثقافة السناريه المغزى والمضمون، مركز البحوث والترجمة، جامعه إفريقيا العالمية، اصداره15،ص20) (فضل الله احمد عبد الله، دولة سنار ودورها في تشكيل الثقافة السودانية،مجلة أفكار جديدة، عدد ابريل 2004.ص135-136).
    • تسمى النوبيبن بالأسماء العربية مع احتفاظهم بألقاب نوبيه ، وهذه الظاهرة لم تظهر في العصور ألحديثه بل ترجع إلى العصور القديمة ، حيث تتحدث المصادر عن أن حاكم إقليم الجبل النوبي اسمه قمر الدولة كشى، وعن بعض علماء المسلمين من النوبة، مثل: يزيد بن أبي حبيب، وذو النون المصري النوبي الأصل، وتحي النوبية الزاهدة، وغيرهم ممن تسموا بالأسماء العربية بدلاً من اتخاذهم الأسماء النوبية.كما عثر في منطقة مينارتي ـ شمال دنقلة ـ على كتابات عربية على شواهد بعض القبور تحمل أسماء عربية في القرنين الثاني والثالث الهجريين، وفي منطقة كلابشة ترجع إلى سنة 317هـ/ 927م.
    فهذا المذهب يتجاوز الدعوة (المشروعة)إلى محاربه مذهب العصبية القبلية العربية الذي يقصى الجماعات ذات الأصول العرقية غير العربية،أو المذهب التقليدي (والذي يناقض الإسلام كدين) والذي يلغى الوجود الحضاري السابق على الإسلام ،إلى الدعوة(الفاشلة) إلى إلغاء علاقات الانتماء العربية الاسلاميه للشخصية النوبية ، وهنا وجه الالتقاء بين هذا المذهب والتغريب، وسنعرض هنا لمذهبين من مذاهب التغريب ونعرض لموقفها من علاقات انتماء الشخصية النوبية:
    أولا:مذهب إلغاء الانتماء الطبقي لكل علاقات الانتماء (المذهب الماركسي التقليدي):
    فهناك المذهب الماركسي التقليدي الذي يلغى كل علاقات انتماء الشخصية الأخرى بحجه أن انتماء كل إنسان إنما يكون إلى طبقته، وان شخصيه كل إنسان هي شخصيه طبقته استنادا إلى المقولة المنهجية المادية القديمة أن أسلوب إنتاج الحياة المادية هو الذي يحدد الانتماء الاجتماعي حتما.
    فهو يلغى علاقة الانتماء الدينية للشخصية النوبية كمحصله للموقف الماركسي المادي المعادى للأديان كلها والذي كان أقصى ما وصل إليه هو الدعوة إلى تجاهلها بدلا من الدعوة إلى إلغائها.
    كما يلغى علاقة الانتماء القومية للشخصية النوبية استنادا إلى التحليل الماركسي الستالينى الذي يربط بين القومية والراسماليه ذات الجوهر العدواني(نتيجة لتعاصر النمو الراسمالى والنمو القومي في أوربا) وبالتالى يربط بين القومية والعدوان ويدعو إلى استبدال علاقة الانتماء القومي إلى أمه إلى علاقة انتماء اممى إلى الطبقة العاملة.
    وهنا نلاحظ التباين (الذي يصل إلى درجه التناقض) بين التيارات الماركسية في تحليلها لأطوار(وحدات)التكوين الاجتماعي السوداني والنوبي بين القول بالوحدة المطلقة (أن السودان أمه مكتملة التكوين أو في طور التكوين) أو التعدد المطلق(السودان يتضمن عده أمم مكتملة التكوين أو في طور التكوين ومنها القومية اوالامه النوبية). فضلا عن محاولات استبدال الصراع الاممي بين الطبقة البرجوازية السائدة والطبقة العاملة المسودة في ظل النظام الراسمالى بالصراع القبلي بين الجماعات القبلية السائدة والجماعات القبلية المسودة لتهبط هذه المحاولات بالماركسية من الامميه إلى القبلية ومن الانسانيه إلى العنصرية.
    ورغم هذا التباين في التحليل بين التيارات الماركسية إلا أنها تشترك في الخلط بين القومية كعلاقة انتماء إلى أمه والامه كوجود اجتماعي موضوعي ،وبين الامه وأطوار التكوين الاجتماعي الأدنى كالشعب و القبيلة ، و بين القومية والوطنية كعلاقة انتماء إلى ارض مشتركه .
    ووجه الخطأ في هذا المذهب أن الانتماء الطبقي مرتبط بعنصر التفرد في الشخصية اى ما يميز شخصا عن آخر ،أما علاقات الانتماء الأخرى فمرتبطة بعنصر الوحدة (الاشتراك) في الشخصية اى مكونات وحده الشخصية المتجانسة بين الأفراد الذين ينتمون إلى مصدر حضاري واحد. ولقد اثبت واقع الدول الماركسية أن التجانس الاقتصادي و الفكري والسياسي (الايديولوجى) في المجتمع الاشتراكي لم يلغى عدم التجانس الحضاري حتى بين أعضاء وقيادات الحزب الشيوعي.فضلا عن أن المحاولات الفكرية الماركسية الجديدة قد تجاوزت مقوله أن أسلوب إنتاج الحياة المادية هو الذي يحدد الانتماء الاجتماعي حتما(انظر على سبيل المثال د.مراد وهبه،محاورات فلسفيه في موسكو، القاهرة،1974).
    ثانيا: مذهب الفردية المطلقة (الليبرالية التقليدية): وهناك الليبرالية التي هي في الأصل فلسفه فرديه ترى (استنادا إلى فكره القانون الطبيعي الذي مضمونه أن مصلحه المجتمع ككل ستتحقق حتما من خلال سعى كل فرد لتحقيق مصلحته الفردية ) أن الفرد ذو حقوق طبيعية سابقة على وجود المجتمع ذاته. وهى بهذا تتطرف في تأكيد وجود الفرد إلي درجه تلغى فيها وجود الجماعة،فالفلسفة الليبرالية تقوم على التعدد المطلق على مستوى السياسي الاجتماعي وعلى مستوى الهوية بتأكيدها على حرية الأفراد والجماعات القبلية والشعوبية المكونين للمجتمع على حساب وحده المجتمع والدولة كممثل لهذه الوحدة ،مما يؤدى إلى إلغاء أو إضعاف علاقات الانتماء المتعددة للشخصية المعينة(بما فيها علاقة الانتماء الأسرى) فيصبح انتماء الفرد إلى ذاته وولائه إلى مصلحته.كما يؤدى إلي إلغاء المساواة كما هو ماثل في تجربه المجتمعات الغربية،وقد يؤدى إلى الفوضى (تفكك الدولة،الانهيار الاقتصادي) كما هو ماثل في تجربه مجتمعات العالم الثالث.
    ورغم أن الليبرالية تقر بالامه كوحدة تكوين اجتماعي وان كانت تنظر إليها كوجود طبيعي(خالد) وليس كطور تكوين اجتماعي هناك أطوار سابقه عليه وستكون في المستقبل أطوار لاحقه عليه (وهنا نلاحظ تأثر بعض التيارات القومية العربية بهذه النظرة إلى الامه)،إلا أنها في المنطقة العربية ككل تكرس لاستبدال الوجود القومي بالوجود الوطني(الاقليمى) لتصبح ذات مضمون شعوبي مرتد إلى مرحله الطور الاجتماعي السابق. (د.عصمت سيف الدولة،عن العروبة والإسلام، ص422). ومرجع ذلك أن الاستعمار(القديم والجديد) الذي هو احد افرازات الراسماليه كنظام ليبرالي في الاقتصاد هو الذي خلق التجزئة ويحرسها.
    كما أن الليبرالية في المنطقة الاسلاميه ككل تكرس للتغريب الذي هو قدر من الشعور المستقر بالانتماء إلى الحضارة الغربية كقاعدة نفسيه لازمه لنمو الولاء للنظام الليبرالي الفردي الراسمالى العلماني...على حساب الولاء للنظام الاسلامى.ومرجع ذلك أن الحل الليبرالي لمشكله العلاقة بين الدين والدولة هو العلمانية(فصل الدين عن الدولة). إن ما سبق من حديث يفسر لنا محاوله بعض التيارات الليبرالية إلغاء علاقات الانتماء القومية(العربية) والدينية(الاسلاميه) للشخصية النوبية.
    ثالثا:مذهب التحديد و التكامل( الوحدة والتعدد):
    وهو المذهب الذى يؤكد علاقة الانتماء النوبية بدون إلغاء علاقات الانتماء الأخرى للشخصية النوبية، كشخصيه حضاريه خاصة تحدها ولا تلغيها شخصيات حضاريه عامه (وطنيه،قوميه،دينيه...)، تعبر عن القبائل ذات الاصول النوبية ، والتي يمكن اعتبارها أكثر تمثيلا من غيرها لعلاقة الانتماء النوبية دون إن تنفرد بتمثيلها. وهذا المذهب يستند إلى فكره مضمونها- على المستوى الاجتماعي- أن الوجود الحضاري العام لا يلغى الوجود الحضاري الخاص بل يحده فيكمله و يغنيه. كما أن مضمونها -على المستوى الفردي - أن العلاقة بين علاقات الانتماء المتعددة للشخصية المعينه هي علاقة تكامل، وبالتالي فان تقرير علاقة الانتماء النوبية لا يقتضى إلغاء علاقات الانتماء الأخرى .
    وبناءا على هذا المذهب سنحاول هنا تحديد طبيعة الحضارة النوبية:
    طبيعة الحضارة النوبية:
    يمكن تعريف الحضارة بأنها نسق معرفي مركب يضم العادات والتقاليد والأخلاق والقيم الجمالية والاخلاقيه والدين...، يشكل ضوابط تحدد للإنسان ما ينبغي أن يكون عليه سلوكاً تجاه الآخرين (من طبيعة ومجتمع)، يكتسبه الإنسان من انتماءه إلى مجتمع معين زمان ومكان معين، وهى محصله تفاعل الإنسان مع الطبيعة والمجتمع خلال الزمان. وطبقا لهذا التعريف فان الأشياء المادية آثار داله على الحضارة وليست جزءا من تعريف الحضارة.ولكل مجتمع حضارته الخاصة التي تصاحبه، وبالتالى تعبر عن درجه التطور الاجتماعي التي بلغها فهي لا تتأخر عنه ولا تتقدم عليه، ولما كانت المجتمعات تتطور من خلال وحدات تكوين اجتماعي متعددة (هي الاسره.فالعشيرة فالقبيلة فالشعب فالأمة..) فان هناك أنماط للحضارة تقابل هذه الوحدات الاجتماعية، فهناك حضارات أسريه و حضارات عشائرية وحضارات قبليه وحضارات شعوبيه وحضارات قوميه...(عصمت سيف الدولة، عن العروبة والإسلام،مركز دراسات الوحدة العربية،بيروت،،1986،ص345 وما يليها.)
    استنادا إلى هذا التعريف للحضارة نقرر أن الحضارة النوبية القديمة كانت عبارة عن حضارة شعوبيه وليست حضارة قبليه أو قوميه ، اى أن النوبيون القدماء كانوا عبارة عن شعب تجاوز الطور القبلي، واستقر على ضفاف النيل، ولكنهم لم يدخلوا الطور القومي ويشكلوا أمه خاصة. ويمكن التدليل على صحة هذا الرؤى بالرجوع إلى تاريخ الحضارة النوبية ومراحل تطورها .
    مراحل تطور الحضارة النوبية:
    1- عصور ما قبل التاريخ ( العصور الحجرية ): دلت الأدوات الحجرية ومخلفات المدافن التي تم الكشف عنها على وجود شكل من أشكال الحضارة البشرية في مناطق متعددة من السودان ، في منطقة الخرطوم الحالية وجدت آثار من العصور الحجرية الأولى. وجدت أيضا آثار من العصر الحجري الحديث في منطقة الشهيناب (شمال الخرطوم) ، استدل منها على معرفة إنسان الشهيناب للفخار وصناعة الخزف واستئناس الحيوان . وفي منطقة خور موسى ( شمال وادي حلفا ) وجدت آثار لمجموعات كانت تعيش على القنص والجمع وصيد السمك كما وجدت آثار ترجع إلى 15.000 سنة قبل الميلاد في سلسلة من المواقع ما بين توشكي والشلال الثاني ، دلت كلها على وجود تجمعات بشرية أكثر تطورا في هذه المناطق .ويسود الاعتقاد بان هذه المجموعات البشرية ربما تكون قد عرفت النشاط الزراعي ومارسته.
    2- المجموعة الحضارية الأولى (3800 ق م - 3100 ق م ) : يرجع تاريخ هذه المجموعة إلى ما قبل 10 آلاف سنة . وقد قامت هذه الحضارة في منطقة خور بهان شرقي مدينة أسوان المصرية ، وكان مركزها في مناطق القسطل ووادي العلاقي .كان أفراد هذه المجموعة يعتمدون في حياتهم على تربية الماشية ، ولم يكن وادي النيل مأهولا بالسكان في ذلك الوقت ، إلا أن بعض المجموعات نزحت جنوبا وتمركزت في المناطق المجاورة للشلال الثاني حيث اكتسب أفرادها بعض المهارات الزراعية البسيطة نتيجة لاستغلالهم الجروف الطينية والقنوات الموسمية الجافة المتخلفة عن الفيضان في استنبات بعض المحاصيل البسيطة ، مما أسهم في استقرارهم هناك و من ثم قيام مجتمعات زراعية غنية وعلى مستوى عال من التنظيم فيما بعد .الدراسات التي أجريت مؤخرا على آثار هذه المجموعة في منطقة القسطل أثبتت وجود درجة عالية من التنظيم السياسي والرخاء الاقتصادي لديها ، بدا جليا من التقاليد التي كانت متبعة في دفن الموتى وثراء موجودات المدافن مما يدعو إلى الاعتقاد بوجود ممالك قوية لبس ملوكها التاج الأبيض واتخذوا صقر حورس الشهير رمزا لهم ، وذلك قبل زمن طويل من رصفائهم الفراعنة في مصر العليا . أهم ما يميز المجموعة الحضارية الأولى أنواع الفخار المميز ذو اللون الوردي والأواني المزركشة بالنقوش ، وقد عثر على بعض الأنواع المشابهة لهذا الفخار في مناطق متفرقة من شمال السودان حتى امدرمان . كما تميزت هذه الحقبة بطريقتها المميزة في دفن الموتى حيث كان الميت يدفن في حفرة بيضاوية الشكل على جانبه الأيمن متخذا شكل الجنين ومتجها جهة الغرب .بازدياد نفوذ المملكة المصرية المتحدة اتجهت أطماعها جنوبا صوب النوبة ، في الوقت الذي بدأت فيه المجموعة الأولى تفقد قوتها العسكرية والاقتصادية مما جعلها عاجزة عن تأمين حدودها الشمالية التي بدأت تتقلص تدريجيا نحو الجنوب ، وقد بدا علامات الضعف والتدهور واضحة في آثار هذه الفترة مما دفع بعض العلماء إلى الاعتقاد بوجود مجموعة أخري تعرف باسم " المجموعة الحضارية الثانية " تلت المجموعة الأولى وكانت أضعف منها نسبيا . وبحلول العام 2900 ق.م أصبحت النوبة السفلى بكاملها تحت السيطرة المصرية وخلت تماما من سكانها بعد تراجعهم جنوبا إلى منطقة النوبة العليا ليختلطوا بحضارة كرمة الوليدة ، وظلت النوبة السفلى بعد ذلك مهجورة لعقود طويلة وانقطعت أخبارها خاصة بعد تعرض آثارها ومدافنها الملوكية للحرق والتدمير من قبل جيوش المملكة المصرية .
    3- المجموعة الحضارية الثالثة : (2300 ق م - 1550 ق م ) : قامت على ضفاف النيل ما بين أسوان والشلال الثاني ، وجاورتها حضارة أخرى مشابهة لها في شمال السودان في منطقة كرمة جنوب الشلال الثالث .وقد تمركزوا في أربعة إمارات أهمها الواوات وامتدت ما بين الشلالين الأول والثاني وقد أطلق اسمها على كل النوبة السفلى لاحقا ، بالإضافة إلى إمارة يام وهم أسلاف كوش . كان أفراد هذه المجموعة رعاة يقومون بتربية الماشية ، ويعتقد بعض العلماء بأنهم ربما كانوا ينتمون إلى جنس البحر المتوسط وقد تحركوا أبان تفكك المملكة المصرية شمالا إلى مصر كرعاة أو جنود وبرزوا في المجتمع المصري ، كما لعبوا دورا كبيرا في الصراعات التي نشأت في عصر المملكة المصرية الوسطي حوالي 2050 ق م ، وقد صار للنوبة السفلى فراعنتها النوبيون عندما اعترى مصر الضعف والتفرق حوالي عام 2250 ق م .تتميز حضارة المجموعة الثالثة بمقابرها الحجرية الدائرية والمزركشة بنقوش وصور الماشية والفخار ، وتوجد بعض هذه المدافن في سرة شرق وادنان . وقد تطبعت هذه المجموعة بالثقافة المصرية نتيجة لاحتكاكهم بالمصريين خلال حكمهم للنوبة السفلى في الفترة ما بين 1950 و 1700 ق م .
    4- حضارة كرمـــة : (2000 - 1550 ق.م ) : في الوقت الذي كانت فيه النوبة السفلى شمال الشلال الثاني تقبع تحت السيطرة المصرية ظلت النوبة العليا تتمتع باستقلالها وبعدها عن النفوذ المصري في الشمال ، مما أتاح الفرصة لقيام حضارة جديدة ظهرت بوادرها في منطقة كرمة على الضفة الشرقية للنيل جنوب الشلال الثالث . وفي حدود عام 1700 بدأت مصر في التمزق والتفكك مما سهل على مملكة كرمة الوليدة مد نفوذها شمالا والسيطرة على منطقة النوبة السفلى ، فورثت حضارة المجموعة الثالثة وثقافتها مما أدى إلى ازدهارها وبروزها كقوة وحيدة يحسب لها حساب في المنطقة .مرت حضارة كرمة عبر مرحلتين حضاريتين سمي العلماء الأولى منها بحضارة كرمة الأولى وامتدت ما بين 3000 - 2400 ق.م ، وتميزت هذه الفترة بتأثرها بثقافة المجموعة الأولى التي كانت قد نزحت جنوبا في بدايات الاحتلال المصري للنوبة السفلى ، ولكن يلاحظ عدم وجود اثر للثقافة المصرية مما يدل على عدم وجود اتصال بين النوبة العليا ومصر في تلك الفترة . أما في عصر حضارة كرمة الثانية فقد ازدهرت منطقة النوبة ونمت كمركز تجاري مهم ،وقامت فيها العديد من الصناعات المهمة خاصة صناعة الفخار، لذا كان من الطبيعي نشوء علاقات قوية مع مصر كانت تقوم على التبادل التجاري بينهما ، خاصة وأن مدينة كرمة كانت تقع في وسط الممر التجاري ما بين أفريقيا و مصر .تميزت حضارة كرمة بمدافنها التي كانت في هيئة أكوام من التراب دائرية الشكل محاطة بالحجارة وفي وسطها مبنى ذو دهليز كان يوضع فيه الموتى . كما اشتهرت كرمة بفخارها المميز والمشهور ب " خزف كرمة " وكان من أجود أنواع الفخار المعروف في وادي النيل عبر التاريخ ، وقد عثر على نماذج منه في دلتا النيل في أقصى الشمال .
    5- عصر السيطرة الفرعونية الأولى: (1950 - 1700 ق.م ) : تعددت المناوشات المصرية على حدود النوبة منذ عهود ما قبل الأسر في مصر ، واستمرت على امتداد التاريخ النوبي ، وكانت تنتهي في أحيان كثيرة باحتلال أجزاء منها - خاصة منطقة النوبة السفلى . ولعل أول محاولة فعلية لاحتلال النوبة كانت في عهد الأسرة المصرية الثانية عشر عندما غزا المصريون النوبة حتى منطقة سمنة وبنوا فيها العديد من الحصون والقلاع لتأمين حدودهم الجنوبية . ومنذ ذلك التاريخ خضعت المجموعة الثالثة للنفوذ المصري لما يقرب من 250 عاما تمكنت خلالها من الاحتفاظ بخصائصها وهويتها الثقافية . انتهت هذه السيطرة عندما تفككت المملكة المصرية الوسطى وضعفت قوتها مما شجع مملكة كرمة على مد نفوذها شمالها وضم كل منطقة النوبة السفلى في حدود عام 1700 ق.م .
    6- عصر السيطرة الفرعونية الثانية (1550 - 1100 ق.م ) : بعد طرد الهكسوس من مصر على يد "أحمس" مؤسس االسودانية.نة عشر استعادت مصر قوتها ونفوذها وبدأ في مصر عهد جديد سمي بالمملكة المصرية الحديثة . في هذا العصر تجددت الأطماع المصرية في بلاد النوبة ، وتتالت المحاولات لغزو أطرافها الشمالية ، إلى أن تم إخضاع النوبة بكاملها حتى الشلال الرابع في عهد " تحتمس الثالث " فدخلت النوبة مرة أخري عهدا جديدا من السيطرة المصرية استمر لمدة ستة قرون .في هذا العصر تأثرت النوبة كثيرا بالثقافة المصرية حيث أعتنق أهلها الديانة المصرية وعبدوا ألهتها ، حتى صارت النوبة جزءاً لا يتجزأ عن مصر . وكانت تبعية النوبة لمصر تبعية مباشرة حيث كان الفراعنة المصريين يعينون نوابـاً عنهم لإدارة البلاد السودانية .
    7- مملكة نباتا ( 747 ق م - 200 ق م ) : بحلول العام 900 ق م كانت المملكة المصرية القديمة قد تفككت إلى ممالك صغيرة وضعفت شوكتها ففقدت سيطرتها على المناطق النوبية التي دخلت عصرا مظلما لا يعرف عنه حاليا إلا القليل . بدأت بعد ذلك في منطقة النوبة العليا بوادر حضارة جديدة تمثلت في قيام مملكة وليدة عرفت فيما بمملكة " كوش " أو " نبتة " .تأسست مملكة نبتة على يد الملك النوبي "كاشتا" أول ملوك هذه الدولة عندما نجح في استرداد عرش بلاده من الإمبراطورية المصرية وأقام دولة نوبية كانت عاصمتها في مدينة " نبتة " بالقرب من الشلال الرابع ، سرعان ما ازدهرت وبرزت في المنطقة كقوة لا يستهان بها . كانت تجاور هذه المملكة في الجنوب مملكة مروي النوبية ، وفي الشمال الإمبراطورية المصرية المتهالكة التي كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة نتيجة للتمزق الصراعات الداخلية . خلف "كاشتا" على العرش ابنه "بيا" المعروف ب "بعانخي" ، والذي تمكن من توحيد قطري وادي النيل فعليا بعد أن استنجد به المصريون لحماية طيبة في الجنوب من خطر الملك الشمالي تفنخت . استجاب بايي لطلب المصريين وحرر مصر كلها ليتوحد وادي النيل للمرة الأولى في التاريخ . توالى على عرش نبتة بعد بعانخي العديد من الملوك أهمهم ابنه "شبتاكا" الذي تصدى للزحف الآشوري عندما أرسل جيوشه بقيادة أخيه الأصغر "تهارقا" إلى الشام لمساندة حكام سوريا وفلسطين الذين استنجدوا به ، إلا أنه هزم وعاد إلى مصر . وقد خلف شبتاكا في الحكم أخاه الأصغر "تهارقا" الذي شهد عهده استقرارا في بداياته نسبة لانشغال الآشوريين بخلافاتهم الداخلية مما هيأ الفرصة ل"تهارقا" لتوجيه جهده للبناء والتعمير في مصر ، حتى لقب "بالملك البناء" . هذا الاستقرار لم يدم طويلا إذ أطل الخطر الآشوري على حدود مصر من جديد في أواخر عهد "تهارقا" الذي وجد نفسه مضطرا للتخلي عن نشاطاته المدنية والتصدي للآشوريين ، إلا أنه اضطر للتخلي عن للآشوريين وانسحب منها إلى طيبة التي ظل بها حتى وفاته في عام 663 ق.م .خلف تهارقا ابن اخيه "تانوت أماني" الذي تمكن من استعادة منف من الآشوريين وأعاد وادي النيل بأكمله لسيادة النوبة ، إلا أن الملك الآشوري اشور بن بعل سرعان ما تمكن من استعادة منف ثم توغل جنوبا نحو طيبة التي انسحب منها "تانوت أماني" إلى كوش التي ظل بها حتى توفي في عام 653 ق.م . وبانسحاب "تانوت أماني" آخر ملوك الأسرة الخامسة والعشرين من مصر ينتهي حكم النوبة لمصر ، والذي استمر لمدة 100. وقد تميز عهدهم بالرخاء والأمن ونعم فيه المصريون بالعدل الذي حرموا منه في سابق عهودهم ، مما جعل سيرة النوبيين خالدة في شمال الوادي لفترات طويلة حتى بعد أن انقضى عهدهم .
    استمرت مملكة نبتة في ازدهارها في الجنوب بعد انسحاب آخر ملوكها من مصر ، وكانت تسير علي النهج المصري في كل مظاهر الحياة والحضارة إذ كان "آمون" معبود الدولة الرسمي كما اتخذ ملوكها الألقاب الفرعونية وشيدوا مقابرهم علي الطريقة المصرية وزينوها بالرسوم المصرية والنقوش الهيروغليفية . تعاقب على عرش نبتة مجموعة من الملوك أهمهم : "اتلانيرسا" ، "سنكامانسكن" ، "أنلاماني" و "إسبالتا" ، وتميزوا كلهم بالثراء والغنى الذي تجلى واضحا في آثارهم ، مما يدل على أن نبتة كانت ما تزال تحتفظ بقوتها الاقتصادية حتى آخر عهدها . هذا الثراء الذي أدى فيما يبدو إلى تجدد الأطماع المصرية في النوبة التي بدأت حدودها الشمالية تتعرض للاعتداءات المصرية المتكررة ، مما حدا بملوك نبتة إلى تحويل عاصمتها من نبتة إلى مروي في الجنوب بعيدا عن الخطر المصري . وقد انتهت المحاولات المصرية المتكررة باحتلال الأجزاء الشمالية من النوبة حتى الشلال الثاني في عهد الملك المصري بساماتيك الثاني .
    8- مملكة مروي (200 ق م - 300 ق م ) : في نهايات القرن الخامس قبل الميلاد انتقلت عاصمة النوبة من نبتة إلى مروي جنوب الشلال الخامس ، ويعتقد بأن هذا الانتقال كان سببه الرغبة في تحاشي خطر الإمبراطورية المصرية التي كانت قد نجحت في الاستيلاء على النوبة السفلى آنذاك .تمتاز مروي بخصائص كثيرة أهلتها لان تكون العاصمة الجديدة للمملكة النوبية ، أهمها الموقع الجغرافي المتميز في مفترق طرق القوافل التي تربط مصر بإثيوبيا وكافة بلاد أفريقيا ، بالإضافة إلى طبيعة المنطقة الجديدة الغنية بمواردها الطبيعية من أراضي واسعة وأمطار غزيرة . نمت مروي سريعا وبرزت للوجود كأحد أهم المراكز التجارية في المنطقة حيث قامت فيها العديد من الصناعات المهمة كالتعدين وازدهرت فيها العلوم وأنشئت العديد من الأضرحة والمراكز الدينية الهامة مثل معبد الشمس الشهير الذي كان يؤمه الناس من كل البقاع . في هذه الفترة انتعشت المملكة النوبية وازدادت قوتها الاقتصادية نتيجة لانتعاش الصناعة والتجارة ، وقد بدت ملامح هذا الثراء واضحة في آثارها وموجودات مدافنها الملوكية الباقية إلى اليوم .في حدود عام 30 ق.م احتل الرومان مصر بعد هزيمة ملكتها كليوباترا ، وكان أول ما فكروا فيه هو مد سلطتهم جنوبا إلى منطقة النوبة بهدف السيطرة على مناجم الذهب والحديد هناك . كانت أولى المحاولات لغزو النوبة في عهد الملكة النوبية أماني ريناس التي تمكنت من التصدي لقوات القائد الروماني بترونيوس في عام 24 ق.م وألحقت به الهزائم المتلاحقة في كل من أسوان والفنتين ، ولكن نسبة لتفوق الجيوش الرومانية لم تتمكن الملكة النوبية من الصمود طويلا فانسحبت جنوبا إلي النوبة العليا تاركة النوبة السفلى في يد الرومان . وفي عام 23 ق.م عقد الرومان معاهدة صلح مع الملكة النوبية أماني ريناس انفتحت بعده أبواب النوبة العليا أمام النوبيين الأمر الذي سهل التجارة وانتقال الثقافة والفنون النوبية لمصر ، إلا أن هذا الصلح لم طويلا إذ قامت أماني ريناس بخرقه بعد أعوام قليلة لتعود المناوشات مرة أخرى بين مصر الرومانية والنوبة التي ما انفكت تثير القلاقل على الحدود الجنوبية لمصر حتى سقوطها .تميزت حضارة مروي بطابعها الأفريقي الذي تفردت به خلافا لبقية الثقافات التي ازدهرت في وادي النيل . وتدل الآثار المتبقية من هذا العصر على تأثر مروي بالثقافات المختلفة التي عاصرتها ، ويبدو ذلك جليا في معابدها ذات الطابع الروماني والمصري والإغريقي . كان المعبود الأول في النوبة هو الإله ابيدماك وهو مصور في آثارهم على شكل كائن براس أسد ، وقد عثر في معبد الأسد على نقوش لإله له أربعة اذرع وثلاث رؤوس مما يدل على اختلاط النوبة بالثقافة الهندية في ذلك العهد . ضعفت مروي وتفككت في أواخر عهدها بتأثير عوامل متعددة تضافرت سويا للتعجيل بسقوطها . من أهم هذه العوامل تدهور البيئة الطبيعة نتيجة تراكم النفايات الصناعية المتخلفة من صناعة الحديد مما أدى إلى توقف النشاط الزراعي كلية . كما أدى ازدياد قوة القبائل البدوية في الصحراء وسيطرتها على طرق القوافل التجارية إلى حرمان مروي مصدر آخر كان يعد من أهم موردها الاقتصادية وهو التجارة . أخيرا أدى ظهور مملكة اكسوم الحبشية كمنافس قوى لها إلى حرمان مروي من أهم مصادر قوتها ، وهو السيطرة على ممرات التجارة الأفريقية عبر شرق أفريقيا والبحر الأحمر . وأخيرا ، وفي خضم هذا الضعف والتردي جاءها عيزانا في عام 350 م فدمر ما تبقى منها لتنطوي صفحة هامة من تاريخ النوبة .
    9-عصر بلانة (250م - 550م ) : بعد سقوط مملكة مروي على يد عيزانا في عام 350 م مرت النوبة بفترة غامضة لا يعرف عنها الكثير إثر وفود مجموعات بشرية جديدة مجهولة الجنس لوادي النيل فبدأت الثقافة النوبية في التغير وظهرت معالم حضارة جديدة تختلف عن سابقاتها في الخصائص . أطلق على هذه المجموعة اسم المجموعة الحضارية أو المجموعة المجهولة ، كما عرفت أيضا باسم حضارة بلانة نسبة للمكان الذي وجدت فيه آثارها . وقد شهد هذا العصر قيام مملكتين في منطقة النوبة وهما :
    1- مملكة البليمي : و البليمي هم قبائل سكنت شرق النيل وحتى البحر الأحمر ، وقد عرفوا عند الإغريق بهذا الاسم بينما سماهم العرب بالبدجا ، وهم قبائل البجا الحالية في شرق السودان .
    تمكن البليمي في أواخر عهد الإمبراطورية الرومانية في مصر وتدهور مملكة مروي من التوغل في المناطق الجنوبية لمصر والنوبة العليا وأقاموا مملكة قوية جنوب أسوان سميت بمملكة البليمي . وبالرغم من أنهم فقدوا السيطرة على جنوب مصر ألا أن البليمي تمكنوا من الاحتفاظ بالنوبة العليا حيث نشأت حضارتهم هناك وازدهرت في مناطق القسطل وأدندان وبلانة .
    استمر البليمي في عبادة الآلهة المصرية التي كانت معروفة آنذاك لكنهم بدلوا ألقاب الفرعونية للملوك بأسماء وألقاب أخرى إغريقية . تميزت آثار هذه المملكة بالثراء ، وتتمثل أهم موجوداتهم في نوع مميز من الفخار المزخرف والذي تم العثور عليه في منطقة كلابشة .
    2- مملكة النوباديين ( نوباتيا ) :النوباديين هم القبائل المعروفة بالنوبة الآن ، وكانوا يسكنون ضفاف النيل . وقد تمكن النوباديون من تأسيس مملكة قوية على الحدود الشمالية للنوبة حوالي عام 375 م إبان سقوط مملكة مروي .
    اعتنق النوباديين المعتقدات المصرية فعبدوا آلهتهم ، كما استخدموا الرموز الفرعونية في الكتابة .كما اتبعوا طريقة أسلافهم المرويين في دفن الملوك في مدافن ضخمة مع قرابين من الرعايا والأحصنة والحمير والجمال وغيرها من الحيوانات . وقد وجدت آثار ثراء دلت عليه بقايا معابدهم ومدافنهم في القسطل وبلانة والمتآلفة من المجوهرات والسيوف الأفريقية والتيجان والأسلحة وكلها موجودة الآن في متحف القاهرة .
    استمرت مملكتا البليمي و النوباديين في المنطقة إلى أن أطل الغزو المسيحي القادم من الشمال فاتحدت المملكتان لمقاومته ، إلا أن الحملات التبشيرية نجحت في نشر المسيحية في رقعة واسعة من المنطقة منذرة بدخول عهد جديد في منطقة النوبة سمى بالعصر المسيحي .
    10- العصر المسيحي ( 550 م - 1400 م ) :بدأت علاقة النوبة بالمسيحية عندما أرسل الإمبراطور الروماني ثيودورا أول بعثة تبشير مسيحية من القسطنطينية عام 543 م بقيادة جوليان لنشر المسيحية هناك . وفي عصر الإمبراطور جوستنيان اعتنقت النوبة بأكملها المسيحية ليبدأ العصر المسيحي في السودان والذي استمر حتى دخول الإسلام .وقد وجدت آثار هذا العصر في كل من فرس وسرة شرق .
    قامت في هذا العصر ثلاث ممالك مسيحية قوية في منطقة النوبة وهي :
    مملكة نوباتيا : أسسها الملك " سليكون " عام 540 م في النوبة السفلى ما بين الشلالين الأول والثاني على أنقاض مملكة البليمي ، و كانت عاصمتها في كلابشة ثم فرس .
    مملكة المغرة : وقامت في النوبة الوسطى بين وادي حلفا وأبو حمد وعاصمتها دنقلا العجوز .
    مملكة علوة : وقامت في النوبة العليا وكانت عاصمتها سوبا بالقرب من الخرطوم الحالية .سقطت في عام 1504 على يد الفونج ، حيث انتقلت إلى سنار وسميت بعد ذلك بالسلطنة الزرقاء .وفي عام 650 م اتحدت مملكة النوباطيين مع مملكة المغرة فنشأت مملكة قوية وصلت قمة مجدها في القرن العاشر الميلادي .ومن الملوك الذين تعاقبوا على عرش هذه المملكة الملك داؤود الذي اعتلى العرش عام 1272 م ، والملك كودنيس آخر ملوك النوبة .
    وبعد الفتح الإسلامي لمصر فقدت النوبة الاتصال بالعالم المسيحي في الشمال ولكنها ظلت متمسكة بالمسيحية لقرون طويلة، وساعد على ذلك فشل محاولات الفتح الإسلامي لمناطق النوبة والتي انتهت بمعاهدة الصلح الشهيرة ب"معاهدة البقط ". ولكن لم يستمر هذا الصمود النوبي طويلا أمام المد الإسلامي القادم من الشمال حيث نشطت الهجرات العربية إلى السودان في بدايات القرن الثاني عشر . وقد لعبت هذه الهجرات دورا كبيرا في نشر الإسلام في مناطق النوبة مما أدى إلى سقوط عهد المسيحية في النهاية وتحول النوبة بكاملها إلى الإسلام اعتبارا من العام 1400 م.
    وهكذا فانه بنهايه هذه المرحله كان الطور الشعوبي قد استنفذ الإمكانيات التي يمكن أن يقدمها للتطور الاجتماعي النوبى، وآية هذا أن الدولة النوبية أخذت في الضعف والانقسام، فضلاً عن أن السيطرة الخارجية (الفرعونية مثلا) في فترات سابقه كانت قد عرقلت هذا التطور. ولكن هذا لا يعنى ان الوجود الحضاري الشعوبي النوبي قد انتهى -كما يرى البعض-، بل تحول من وجود حضارى كلى عام الى وجود حضارى جزئى خاص يحده فيكمله ويغنيه ولكن لا يلغيه وجود حضاري عام قومى(عربي) أو دينى(اسلامى) أو وطني(سوداني أو مصري )...
    غير أن الوجود الاجتماعي - الحضاري النوبي الخاصة (شانه شان الوجود الاجتماعي الحضاري العام الوطني والقومي...) قد عانى لاحقا من تخلف النمو الحضاري نتيجة لعوامل ذاتيه(الجمود، التقليد...) وموضوعيه(الاستعمارالاوربى...) متفاعلة.
    علاقات انتماء الشخصية النوبية:
    وبناءا على هذا المذهب سنتناول العلاقة بين علاقة الانتماء النوبية بغيرها من علاقات انتماء الشخصية النوبية الأخرى.
    ا/ الإسلام:
    فهناك الإسلام كعلاقة انتماء دينى حضاري للشخصبه النوبية ، وقد كان اعتناق النوبيين للإسلام دون إكراه، ويدل على هذا اتفاقيه البقط وهى هدنة أمان وعدم اعتداء بين العرب والنوبة ،عقدها ملك النوبة في تلك البلاد،مع عبد الله بن سعد بن ابى السرح، قائد الجيش المسلم الذي حاول غزو بلاد النوبة ولم ينجح عسكريا عام651م.وهو إقرار لتوازن القوى بينهم،ومعاهدة سياسية قبل بموجبها المسلمون أن يعيشوا ،إما مسافرين أو متاجرين،وقد استمر ذلك الوضع لما يقرب من 8 قرون(د. محمد سعيد القدال، الإسلام والسياسة في السودان).
    وقد اعترفت المعاهدة بسيادة الدولة النوبية،وسمحت بالانتقال والتجارة وتبادل المنافع بين بلاد النوبة والبلاد التي يحكمها المسلمون، كما لم تصادر حرية السكان المحليين في تعلم معارف وثقافات جديدة،دينية أو لغوية أو حضارية،ولم تمنعهم من التزاوج مع الشعوب الوافدة-العربية أو غيرها-إذا رغبوا في ذلك.كما لم تجبرهم على الأخذ بالثقافة الوافدة،ولم تمنعهم من نشر ثقافتهم ولغتهم المحلية وتعليمها للوافدين الجدد إذا رغبوا في ذلك.وذلك يعنى كامل الحرية للسكان المحليين في التبادل الثقافي والتجاري والمصاهرة ،وبهذا انفتح النوبيون بحرية على الثقافات والحضارات والشعوب الأخرى ،وحدث التمازج الثقافي والعرقي بينهم والعرب ،واعتنقوا للدين الإسلامي عن قناعة وبمحص إرادتهم، وقد حدث هذا التمازج والانصهار السلمي ببطء خلال 8 قرون.
    كما نصت الاتفاقية بأن على النوبة تقديم عددا من الرقيق سنويا للحاكم المسلم في مصر، ومثل هذا الشرط كان سائدا في التعامل بين الدول في تلك الأزمان ، وقد مارسته الدولة النوبية ذاتها في تعاملها مع الجماعات والدول المهزومه، واذا كانت الاتفاقية لم تاتى نتيجة لهزيمه النوبيين بل بعد تعادل القوى بين الطرفين إلا أن الدولة العربية الاسلاميه كانت بمعايير ذلك الزمان تعتبر قوه دوليه صاعده . فضلا عن شيوع ظاهره الرقيق في تلك الأزمان، وقد مارسه النوبيون أنفسهم، وإيه هذا أن الاتفاقية حددت هذا الرقيق الذى يقدم للحاكم المسلم بأنه من الرقيق المستخدم في بلاد النوبه(من أواسط رقيق بلدكم).
    كما أن الإسلام لم يلغى الوجود الحضاري الشعوبي النوبي السابق عليه، بل حدده كما يحد الكل الجزء (بالإلغاء ما يناقضه من معتقدات ومفاهيم وعادات وتقاليد، والإبقاء على ما لا يناقضه منها). فكان بمثابة إضافة أغنت تركيبه الداخلي، وأمدته بإمكانيات جديدة للتطور. وهذا ما يفسرتميم،ن العديد من العادات والتقاليد السودانية ترجع جذورها إلى التراث الحضاري الشعوبي النوبي السابق على الإسلام كطقوس الأعراس والجنائز و الشلوخ والراكوبه وتزيين المنازل وطلائها...(عبد الهادي تميم ، اللغة العربية في المجتمع ، ص 93)(هدى كمبارك المرجع السابق ص77).
    ب/العربية : العربية هي علاقة انتماء قومي إلى أمه، وهى ذات مضمون لساني حضاري لا عرقي (ليست العربية فيكم من أب وأم؛ إنما العربية اللسان، فمن تكلم العربية فهو عربي)، وهي تعنى أن اللغة العربية هي اللغة المشتركة بين جماعات قبلية وشعوبية بصرف النظر عن أصولها العرقية أو لهجاتها القبلية، والحديث هنا عن ليس عن اللغة العربية في ذاتها بل كلغة مشتركه متمثله في اللهجات الوطنية كنمط خاص لاستخدام ذات اللغة العربية، ومصدر الخصوصية أنها محصله تفاعل اللغة العربية مع اللهجات القبلية واللغات الشعوبية القديمة. فاللهجة السودانية مثلا هي محصله تفاعل اللغة العربية مع اللهجات القبلية واللغات الشعوبية السايقه علىدخول العرب ةالاسلام للسودات ومنها اللغه النوبيه. (فاللغة العربية_في السودان_ دائنة للغة النوبية بنحو الثلاثين في المائة من معجمها )( د. عبد الهادي تميم ، اللغة العربية في المجتمع ،ص91) وفى هذه اللهجة تجد أن (أسماء عدد كبير من أسماء النشاطات الزراعية، وتربة النيل، وأدوات الحراثة، والزارعة، والرعي، والمنتجات، وأسماء الطيور، والمصطلحات المنزلية والعائلية، ... ذات جذور نوبية) (عبد الهادي تميم، المرجع السابق، ص 93) .
    ونورد هنا على سبيل المثال لا الحصر أسماء اماكن سودانية ترجع أصولها اللغوية إلى اللغه النوبيه:
    أمبكول : أمبو : ساق النخيل أي خشب النخيل .
    كتياب : أصلها كتّي katti وهو من الاسماء النوبية المشهورة منها سور كتي . أما الاحقة ( آب) فهي لاحقة جعلية أضيفت إلى كثير من الأسماء ،مثل : علي = علياب ، زيد =زيداب ...وهكذا ...
    كجبار : تعني مرقد الخيول ، أما إذا صار الاسم (كشوار) : فتعني : الاعصار وقد يكون وصفا لشدة اندفاع الماء في الجندل .
    كدرو : أصلها كدى أرو : تعني الثوب الابيض .
    كاسنجر : تتكون من مقطعين ، كا + اسنجر ، كا : تعني البيت ، اسنجر :تعني المكان البعيد من البحر او من الماء.
    كدباس : تتكون من مقطعين ، كدى + باس ، كدى : تعني الثوب كما ذكرنا سابقاً . باس : تعني القطعة من الثوب بعد شق عرضها لنصفين .
    كربة : أصلها : كرب : وتعني العنكبوت ، أما تاء التأنيث فهي لاحقة عربية للتصغير. أما الجزيرة فتسمى بالنوبية : آرتي كما في حسينارتي ، بنقنارتي= جزيرة الجراد.
    قرير : نوع من التربة الطينية الخصبة .
    كبوشية : أصلها كبنجي : وتعني الأبواب.
    كرمة : أصلها كورمى –kurmei : اسم لشجرة تنمو في أطراف النيل وغالباً ما يكون الجزء الاسفل منها داخل الماء.
    كورتي-kurti: تعني الركبة، بشد الراء وضمها اما كورتي-koortei : فتعني نوعا من العصيده .
    كلاكلة : تتكون من مقطعين : كل- kell : تعني :الجيش. كلا – kalla : الدافع ، وفعله كلِّي : يدفع.
    كرري: أصلها :كري بشد الراء وكسرهاkerri : وتعني المظلة ( الراكوبة).
    الزومة : زومة:تطلق على الجزء البارز الممتد إلى داخل النيل.
    تنقسي : تونكسي : تطلق على المولود الاخير والذي تنقطع المرأة بعده عن الانجاب.
    سوبا: التيار الجارف، ويطلقها البحارة في النيل على التيارات الهوائية القوية
    وبناء على ماسبق فانه لا توجد جماعات قبليه معينه تنفرد بتمثيل علاقات الانتماء العربية، وان تفاوتت هذه الجماعات في درجه تمثيلها لعلاقة الانتماء العربية يقول الشيخ على عبد الرحمن(...فالسودان يدخل كله في نطاق القومية العربية سواء في ذلك النوبة والبجه والفور والعرب والحاميين والزنوج سواء في ذلك المسلمون والمسيحيون والوثنيون)(على عبد الرحمن، الديمقراطية والاشتراكية في السودان، المكتبة العصرية،بيروت،ص23).
    ولا يمكن نفى ما سبق بالاحتجاج باللهجات واللغات المتبقية من الأطوار القبلية والشعوبية؛ لأن استعمال اللهجات، أو حتى اللغات القديمة - لا يلغي الاشتراك في استعمال اللغة القومية في كل الأمم.
    طبيعة اللغه النوبيه: وهناك ثلاثة مذاهب في تفسير طبيعة اللغة النوبية (هل هي لهجة أم لغة).
    المذهب الأول: يرى أنها لهجة وليست لغة، وهو مذهب خاطئ لان للهجة معنيين: المعنى الأول أنها نمط خاص لاستعمال ذات اللغه المعينه (كاللهحه السودانية،المصرية،السورية... في استعمال ذات اللغه العربية)،وهذا المعنى لا ينطبق على اللغه النوبيه لأنها ليست نمط خاص لاستعمال لغة أخرى مشتركه. المعنى الثاني للهجة أنها لغة قبليه خاصة، وهذا المعنى غير صحيح لان المجتمع النوبي تجاوز الأطوار القبلية منذ ألاف السنين.
    المذهب الثاني: يرى أنها لغة وليست لهجة ،لكن هذا المذهب لا يميز بين اللغه القومية المشتركة واللغة الشعوبية الخاصة.
    المذهب الثالث: الذى نرجحه أنها لغة شعوبية قديمة خاصة تتفرع إلى العديد من اللهجات القبلية، ولكنها ليست لغة قوميه مشتركه. يدل على صحة هذا المذهب ما قرره الباحثين عن اللغه النوبيه ، حيث يرى كثير منهم إن اللغة النوبية هي إحدى اللغاالميلادي،- السامية القديمة، وان تاريخ ظهورها في وادي النيل يرجع إلى القرن الثالث قبل الميلاد . و قد تم العثور على وثائق مكتوبة باللغة النوبية القديمة يرجع تاريخها للفترة ما بين القرنين الثامن والرابع عشر الميلادي ، ومعظمها عبارة عن ترجمات لنصوص مسيحية نقلا عن اليونانية .
    ولم تكن اللغة النوبية هي أول اللغات التي استخدمت في المنطقة، إذ كانت اللغة الفرعونية هي اللغة الرسمية ما قبل عهد مروي. و مع انقطاع الصلة بمصر تلاشت معرفة الناس باللغة المصرية وحلت محلها تدريجيا اللغة المروية . وقد كانت اللغة المروية تكتب بطريقتين : طريقة الصور ( الهيروغليفية ) ، والحروف ( الديموطيقية ) و كان عدد حروفها ثلاث وعشرين حرفا منها أربعة معتلة و وتسعة عشر ساكنة .
    ويرجع بعض الباحثين تاريخ ظهوراللغه النوبيه إلى الفترة ما بين القرنين الثاني قبل الميلاد و الثاني الميلادي عندما ضعفت مملكة مروي. ويعتقد بعضهم بأنها جلبت للمنطقة بواسطة القبائل التي وفدت إليها من شمال غرب افر يفيا عندما استوطنت بالمنطقة إبان سقوط مملكة مروي . وقد صارت اللغة النوبية في تلك الفترة اللغة الشعبية في مروي بينما كانت اللغة المروية اللغة الرسمية للبلاد ، ولكن بعد سقوط مروي حلت اللغة النوبية محل المروية وأصبحت اللغة الرسمية كانت اللغة النوبية في بدايتها لغة تحدث فقط ، ولكن مع دخول المسيحية في القرن السادس الميلادي وبروز الحاجة لترجمة نصوص الإنجيل قام النوبيون باستخدام الحروف القبطية ( ذات الأصل اليوناني ) لتدوين اللغة النوبية بعد أن أضافوا إليها ثلاثة أحرف لتوافق النطق النوبي ، فصار عدد أحرفها أربعة وثلاثون حرفا ، فصارت لغة تحدث وكتابة .وقد عايشت اللغة النوبية عدة لغات محلية وعالمية مختلفة منذ ظهورها ، كلغات البجا في شرق السودان واللغة الهيروغليفية ( المصرية القديمة ) والرومانية والإغريقية وحتى العربية ، فتأثرت بها وأثرت فيها. و تنطق اللغة النوبية اليوم بعدة لهجات أهمها :الكنزية الحلفاوية السكوتية المحسية الدنقلاوية
    وهناك من يقسمها إلى لهجتين فقط هما الكنزية وهي لهجة الكنوز والدناقلة ، والفديجا وهي لهجة الحلفاويين والسكوت والمحس .
    ج/السودانية: أما فيما يتعلق بالسودانية كعلاقة انتماء وطني فهي علاقة إلى انتماء إلى وطن (إقليم أو ارض)، وهى لا تلغى علاقات الانتماء القبليه والشعوبيه(ومنها علاقة الانتماء النوبيه) بل تحدها كما يحد الكل الجزء فتكملها وتغنيها. مع ملاحظه أن ما سبق من حديث بتعلق بالقبائل النوبيه الموجودة في السودان، لان هناك قبائل نوبيه موجودة بمصر تحدها علاقة الانتماء الوطني المصري ولكن لا تلغيها.
    د/ الافريقيه: إن تقرير إفريقيه الحضارة النوبيه والجماعات الشعوبية النوبيه يجب إن يلازمه تقرير إن علاقة الانتماء الافريقيه هي علاقة انتماء جغرافي قاري، وليس لها مدلول حضاري أو اجتماعي ايجابي او سلبي، بمعنى إن إفريقيا ليست وحده اجتماعيه حضاريه ، إذ أنها تضم العديد من الأمم والشعوب والقبائل التي لم يرقى ما هو مشترك بينها (تفاعل مجتمعاتها مع ذات الطبيعة الجغرافية) إلى أن تكون أمه واحده.. كما أنها ليست علاقة انتماء عرقي إذ يوجد في قارة إفريقيا الحاميين (كسكان إفريقيا جنوب خط الاستواء) والحاميين الساميين (كالسودانيين ككل والنوبيين على وجه الخصوص، والارتريين، والصوماليين ،والإثيوبيين...) والسامين (كالعرب شمال القارة) والآريين (كالأوربيين الذين استوطنوا في جنوب إفريقيا وغيرها...).
    ه/الزنوج : إن تقرير زنوجه او حاميه الجماعات الشعوبية النوبيه يجب إن يلازمه تقرير أنها زنوجه وحاميه مختلطة او نسبيه وليست زنوجه خالصة او مطلقه، فقد تعددت الآراء حول أصل النوبيين، احد هذه أراء يقول بان أصلهم زنجي-حامى، بينما هناك أراء أخرى تقول بان أصلهم غير زنجي- سامي (مصري، اسيوى(قوقازى)، شمال- افريقى(نوبادى)...) ، والراى الذى نرجحه هو ان للنوبيين أصول متعددة متفاعلة بعضها زنجى (حامى) وبعضها غير زنجى (سامي) ، بالاضافه إلى تقرير أن ألزنوجه هي استجابة فسيولوجية لمعطيات مناخ المنطقة الاستوائية ، تنتقل بالوراثة عبر حقب زمنيه طويلة ، وليس لها دلاله حضاريه أو اجتماعيه سلبيه (كما يدعى أنصار مذاهب التمييز العنصري) او ايجابيه(كما يدعى أنصار مذهب ألزنوجه كرد فعل على مذاهب التمييز العنصري)، فهي لا تشكل وحده اجتماعيه حضاريه، اى ان الزنوج ليسوا أمة واحدة بل يتوزعون على أمم وشعوب وقبائل عدة في جميع أنحاء العالم. فضلا عن ان لفظ حاميين مصدره تقسيم علماء الأجناس البشر إلى ثلاثة أقسام بين ساميين وحاميين وآريين؛ ولكن هذا التقسيم هو تقسيم لغوي وليس تقسيماً عرقياً فقط، فقد ثبت ان هناك الكثير من الجماعات القبليه والشعوبيه والقومية التي تندرج تحت إطار احد فروع هذا التقسيم من ناحية لغويه بينما لاعلاقه عرقيه فضلا عن علاقه اجتماعيه او حضاريه بينها كانتماء الأكراد والسيخ في الهند والإيرانيين والألمان إلى ذات الجنس الارى.
    المراجع:
    1. الطيب محمد الطيب ،المسيد،،دار عزه، الخرطوم،2005.
    2. حسن مكي، الثقافة السناريه المغزى والمضمون، مركز البحوث والترجمة، جامعه إفريقيا العالمية، الخرطوم،اصداره15.
    3. على عبد الرحمن، الديمقراطية والاشتراكية في السودان، منشورات المكتبة العصرية، صيدا _ بيروت، 1970.
    4. عصمت سيف الدولة، عن العروبة والإسلام،مركز دراسات الوحدة العربية،بيروت،1986.
    5. محجوب الباشا ،التنوع العرقي في السودان، سلسله أوراق استراتيجيه الخرطوم، طبعه أولى،1998.
    6. فضل الله احمد عبد الله، دولة سنار ودورها في تشكيل الثقافة السودانية،مجلة أفكار جديدة، عدد ابريل 2004.
    7. محمد بشر عمر، التنوع والاقليميه والوحدة القومية،ترجمه سلوى مكاوي المركز الطباعى، بدون تاريخ .
    8. الهادي تميم ، اللغة العربية في المجتمع، دار جامعه امدرمان الاسلاميه ، الخرطوم،1997.
    9. هدى مبارك ميرغني، مدخل لدراسة الثقافة السودانية، مركز محمد عمر بشير ،جامعه امدرمان الاهليه ،الخرطوم، ط1 ، 1999 .























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de