جذور الإنشقاق والمفاصلة.. الإخوة الأعداء!!!! أو بين القصر والمنشية!!!

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-23-2024, 12:18 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2006م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-28-2006, 07:16 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48724

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
جذور الإنشقاق والمفاصلة.. الإخوة الأعداء!!!! أو بين القصر والمنشية!!!

    Quote: أخواننا الكبار... ونزاعاتنا الصغيرة
    د. التجاني عبد القادر
    قال أحد قادة الاتحاد الإشتراكى السودانى ذات مرة مفاخرا «أظنه الرئيس النميرى أو لعله أبو القاسم»: ان ثورة مايو قد دخلت كل بيت، يقصد أن الشباب والعمال والنساء والأطفال قد انخرطوا جميعا فى صفوف الثورة، ولم يبق فى المعارضة الا فلول الرجعية وبعض عناصر الأحزاب البائدة، فانتصبنا له فى قهوة النشاط بجامعة الخرطوم، مكبرات الصوت تصم الآذان، وتصفيق الطلاب والطالبات يشق عنان السماء، ليرد عليه ابن عمر «خطيبنا فى تلك الليلة» بصوته الجهير القوى كأنه منذر جيش: نعم، أن مايو قد دخلت كل بيت، يا سيادة الرئيس، ولكنها دخلت كما يدخل «الزكام». وضحكنا وصفقنا وانصرفنا، فقد كنا طلابا ذوى ألسنة حداد نعشق المعارضة، ولم يكن منا من تذوق السلطة يومذاك، أو تصور أنها «كذلك» تدخل على النخبة السياسية التى توجدها كما يدخل «الزكام»، لم يكن منا من تصور أن «زكام السلطة» سيصيب نخبتنا «الإسلامية» الصاعدة كما أصاب النخبة المايوية المتهاوية، وسائر نخب اليسار العربى، ولكنها فيما يبدو سنة ماضية.
    وقد بدأت بوادر زكامنا، أقصد الخلاف، أول ما بدأت بين أخواننا الكبار، بين الأستاذ علي والدكتور الترابي منذ أوائل عام 1994م، ولكنها لم تطفح إلى السطح، وظلا يعملان معاً في قيادة التنظيم والدولة، وقد ساعد على ذلك النوع من التعاون الخشن تاريخ طويل من العمل المشترك، ومخاطر كثيرة تحدق بهما معاً، وحسابات دقيقة لموازين القوة، وقد تضاف إلى ذلك صفتا الهدوء والصمت اللتين يمتاز بهما الأستاذ علي، إذ أنه من نوع الشخصيات التي تستطيع أن تتجنب المعارك المباشرة دون أن تترك الميدان. ويضاف إلى ذلك أيضاً التقدير الكبير الذي كان يكنه د. الترابي للأستاذ علي عثمان والثقة التي كان يضعها فيه. أذكر في هذا الصدد أني التقيت بالدكتور الترابي في لندن أواخر عام 1988م أو أوائل عام 1989م، وكان فى زيارة خاصة إلى بريطانيا، ولكنه كان يتعجل العودة إلى السودان، وذلك أبان حكومة الصادق المهدي ومعارضة الجبهة الإسلامية لها، وكان يبدو عليه القلق ويتخوف من مقالب السياسة السودانية، ثم ذكر لي أنه لولا وجود الأستاذ علي عثمان لأزداد خوفه وقلقه، ولكن وجود علي عثمان على القيادة السياسية للتنظيم يعيد إليه الاطمئنان، لأنه لا أحد من قيادات الأحزاب الأخرى يستطيع أن يخدع علي عثمان، «وهذا نص حديثه» ثم ذهب يعرض بما وقع للقيادات الأخوانية الأخرى في تعاملها مع الشريف الهندى والصادق المهدى إبان معارضة الجبهة الوطنية لحكومة جعفر النميري في السبعينيات، مفضلاً الأستاذ علي عثمان على تلك القيادات التي تكبره في السن. فقلت له: ألا يرجع ذلك للتجربة التنظيمية الطويلة التي أتيحت للأستاذ علي عثمان؟ فنظر إلى بامتعاض ثم قال: «مش التجربة ، المخ ، المخ» ، وأشار إلى رأسه، أي أن علي عثمان لم يتميز بفضل التجربة التنظيمية الطويلة فحسب، وإنما تميز برجاحة العقل. ولم أجادله في ذلك. ذكرت هذا لأقول إنه قد كانت للترابي ثقة بالأستاذ علي عثمان، مما جعل الخلاف بينهما يظل لفترة طويلة في إطار العتب والجفوة، ثم لا يتجاوز في أحلك الظروف مجال التبرم الخفي والنقد غير المباشر، على أن بداية التحول الكبير في العلاقة بين الرجلين، بدأت تظهر إبان ترشيح الفريق البشير في فبراير 1994م للدورة الأولى لرئاسة الجمهورية.
    فى هذه الفترة تكشف للدكتور الترابى، أن على عثمان والمجموعة المحيطة به لن تقوم بدحرجة العسكريين الى الخارج وترشيحه لموقع الرئاسة، كما كان متصورا أو متفقا عليه، وذلك لأن على عثمان قد تمت استمالته الى المجموعة العسكرية، فصار يجاهر بتأييده لترشيح الفريق البشير لموقع الرئاسة.
    بناءً على هذا «الاكتشاف» قام الدكتور الترابى بتعديل فى القيادة، ازاح بموجبه على عثمان من موقع نائب الأمين العام، معبرا بذلك عن سخطه وقاطعا العلاقة التى كانت تربطهما لمدة عقدين من الزمان، ثم قام علاوة على ذلك باسترجاع بعض القيادات السياسية والتنظيمية القديمة، وبتصعيد بعض العناصر الشبابية، ليضع بذلك حاجزا يصد به على عثمان ومجموعته العسكرية عن التواصل مع قيادات التنظيم الوسيطة وقاعدته العريضة. ولكن على والبشير لم يظلا من جانبهما مكتوفى الأيدى، وانما عمل كل منهما بطريقته لزحزحة الترابى عن موقعيه فى قيادة التنظيم والمؤتمر الشعبى، وجره الى رئاسة المجلس الوطنى «البرلمان» الذى تزامنت مواعيد انتخابه مع هذه الحلقة من حلقات النزاع. ولعل تقدير على والبشير كان هو «أولا» ان يوضع الترابى على رأس الجهاز التشريعى، فيتحرك ويصرح ولكن من موقع المسؤولية والمحاسبة، بدلا من أن يترك مستترا بالمؤتمر الشعبى، يلتقى بالسفراء والصحافيين، ويطلق التصريح بعد الآخر عن سياسات الحكومة الداخلية والخارجية دون أن تكون له صفة رسمية، ودون أن يكون محاسبا على ما يقول. وكان تقديرهما «ثانيا» أن يوضع الترابى فى رئاسة الجهاز التشريعى، ليرى بصورة مباشرة حجم وتعقيدات المشاكل الحياتية التى يواجهها الشعب السودانى، فينصرف قليلا من التعلق بالخارج الى التعامل مع الداخل، وكان تقديرها «ثالثا» أن رئاسة الجهاز التشريعى وما يتصل بها من بروتكولات، وما يتفرع عنها من ارتباطات، ستجعل قبضة الترابى على مفاصل التنظيم ترتخى قليلا، مما يتيح فرصة لعلى ومجموعته لاستعادة مواقعهم وتعزيز نفوذهم.
    على أن الرياح لا تجرى دائما على الطريقة التى يريدها الملاحون، اذ التقط الدكتور الترابى طعم المجلس الوطنى، ولكن بدلا من أن يختنق به حوله الى غذاء يومى له، واستطاع من خلاله أن يتصل فى براعة فائقة بالداخل والخارج معا، وأن يعزز علاقاته مع نواب المجلس من الاقاليم المختلفة، ومع أمناء التنظيم الاقليميين «خاصة أمناء ولايات دارفور فى غرب السودان»، كما أستطاع أن يقدم أطروحته السياسية الجديدة عن نظام «التوالى السياسى» وأن يقوم باعداد وثيقة الدستور الدائم للبلاد بالطريقة التى يريد، وأن يدافع عن آرائه ومواقفه دفاعا قويا على صعيد اللقاءات الجماهيرية العامة واللجان الفنية المختصة. لقد استطاع الترابى من خلال موقعه الجديد، أن يثبت لمناوئيه بأنه سيظل يشكل رقما صعبا لا يمكن تجاوزه حيثما وضع.
    وعندما تأكد له تماما أن الاهداف التى كان يرجوها من خلال وجوده فى رئاسة المجلس التشريعى قد تحققت، جعل يصرح بين الحين والآخر بأنه سوف يتخلى عن موقع رئاسة المجلس وعن أى موقع تنفيذى، بل لعله قد حدد ميقاتا لذلك. ولكن ذلك لم يكن يعنى أن الترابى كان يفكر فى اعتزال العمل السياسى، بقدر ما يعنى أن خطته كانت ان يتجه الى الجبهة التنظيمية ليتمكن من اعادة تركيب الهيكل التنظيمى بصورة جديدة، وذلك ما وقع بالفعل، اذ ظل يعمل من خلال الفعاليات التنظيمية التى أحياها، ومن خلال القيادات الشبابية التى صعدها، والقيادات السياسية التى استقطبها من الأحزاب السياسية السابقة «خاصة الاتحاد الاشتراكى وبعض العناصر من حزب الأمة والاتحادى الديمقراطى»، فظل يعمل من خلال تلك الفاعليات فى اتجاه تعديل اللائحة التأسيسية للمؤتمر الوطنى وتعديل هيكله واجازتهما فى المؤتمر العام. لقد كان المراد من تلك التعديلات سحب البساط بصورة نهائية من تحت أقدام على والبشير والمجموعات الموالية لهما. ولكن وبينما كانت هذه التدابير تجرى فى الخفاء، وبينما كانت الجفوة والتوتر يزدادان بين الترابى والسلطة التنفيذية، خلا فجأة منصب نائب رئيس الجمهورية، وذلك بوفاة اللواء الزبير محمد صالح الذى تحطمت به الطائرة فى جنوب السودان، فازداد الأمر سوءا، وتفاقم «الزكام»، وضعف الجسم «التنظيمى»، فعاودته أمراض أخرى كانت غير معلومة.
    لعب اللواء الزبير محمد صالح دورا أساسيا في مجلس قيادة الثورة لحكومة الانقاذ، وعندما حل المجلس صار نائبا لرئيس الجمهورية، واستطاع من ذلك الموقع أن يؤدى دورا تنسيقيا مهماًً بين قطاع الجيش الذى كان يتمتع فيه بوضع مريح، والجهاز التنفيذى للدولة، والقطاعات الوسيطة في التنظيم، وذلك علاوة على علاقاته الوثيقة مع كثير من القيادات السياسية الجنوبية، مما جعله يمثل عامل توازن مهم في النظام السياسى. ولذلك فقد أثارت وفاته حزنا شديدا لدى قطاعات واسعة من عامة الشعب، كما أحدثت اختلالا فى الأجهزة الرسمية للحزب وللدولة، ولكنها أتاحت من ناحية أخرى فرصة أخيرة للتقارب بين أطراف النزاع، الا أنها خنقت كغيرها من الفرص السابقة تحت مناخ التخوف والتخوف المضاد، والغضب والغضب المضاد اللذين سقط فيهما طرفا النزاع فكيف وقع ذلك ولماذا؟
    اجتمع على عجل عدد محدود من «أخواننا الكبار» فى منزل الدكتور الترابى بدعوة منه، للنظر في اختيار خليفة يحل مكان اللواء الزبير، ثم انتقل الاجتماع الى منزل الأستاذ عثمان خالد مضوى، وزاد عدد المجتمعين الى نحو من عشرة اشخاص، ومع أن ذلك الاجتماع لم تكن له أية صفة تنظيمية أو قانونية، إلا أنه قد طلب منهم أن يعدوا قائمة باسم الشخص أو الأشخاص الذين يمكن أن يختار الرئيس من بينهم من يكون نائبا له بعد وفاة اللواء الزبير «من الأسماء التى ذكر أنها حضرت ذلك الاجتماع: عثمان خالد، عثمان عبد الوهاب، عبد الله سليمان العوض، موسى حسين ضرار، محمد يوسف محمد، محمد صادق الكارورى، أحمد عبد الرحمن محمد، عبد الله حسن أحمد، علاوة على الدكتور الترابى وعلى عثمان وعلى الحاج»، اقترح عدد من الحاضرين ترشيح الدكتور الترابى لموقع نائب رئيس الجمهورية، واعترض عدد آخر على ذلك مقترحين قائمة ذات ثلاثة أسماء، أثنان منهما من السياسيين المدنيين وواحد من العسكريين، والأسماء الثلاثة هى على عثمان وعلى الحاج وبكرى حسن صالح، ألا أن هذا الاخير استبعد وأثبت اسم الدكتور الترابى. ثم دار نقاش في ذلك الاجتماع عن تحديد شخص يكلف بتبليغ رئيس الجمهورية بذلك الاقتراح، فتطوع موسى حسين ضرار أن يقوم بذلك، الا أن بعض المجتمعين رفضوا ذلك، واقترحوا أن يقوم الدكتور الترابى شخصياً باخطار الرئيس بذلك، فانبرم الأمر على ذلك الاقتراح على ما فيه من عشوائية غريبة.
    لم يكن الرئيس البشير «فيما يبدو من ظاهر الوقائع» على علم بذلك الاجتماع ولا بخلفيات أصحابه وأهدافهم. فأخطره الدكتور الترابى الذى اجتمع به حاملا اليه الاقتراح، أن مجموعة من «الاخوان» يقترحون عليه أن يختار واحدا من ثلاثة ليكون نائبا له. والثلاثة هم: حسن الترابى، على الحاج، وعلى عثمان، على هذا الترتيب. صمت الفريق البشير لفترة وأخذ يفكر، ولعل الأسئلة التى كانت تجول بذهنه: من هم هؤلاء «الأخوان» الذين اجتمعوا؟ ولماذا لم يترك الموضوع ليناقش في المجلس القيادى، ولماذا بعثوا اليه الترابى شخصيا ليبلغه بذلك وهو- أى الترابى- أحد المرشحين؟ وهل يعتبر الموضوع برمته حلقة أخرى من حلقات الصراع. ولا أحد بالطبع يعلم يقينا نوع الأسئلة التى كانت تدور فى ذهن الفريق البشير، ولكن من المتصور أنه قد استقر في نفسه أن المجموعة المناوئة له أرادت أن تنتهز الفرصة لتدفع بالترابى الى موقع نائب رئيس الجمهورية، كخطوة تمهيدية تستبق الاستيلاء الكامل على رئاسة الجمهورية. وبناءً على هذا التصور استجمع الفريق البشير أفكاره واعتدل في جلسته، ثم قال للدكتور الترابى حديثاً يمكن تصويره على النحو التالي: «والله يا شيخ حسن أنت شيخى وشيخ الحركة الاسلامية كلها، وأنا لا أقبل بحال من الأحوال أن أكون رئيساً عليك، ولكن أرى أن تكون أنت نائباً، ثم استقيل أنا عن رئاسة الجمهورية فتصير بذلك رئيساً». لم يكن الترابى يتوقع مثل تلك الإجابة، ولعله أيضا راح يقلب أفكاره ويسأل نفسه عما يترتب عملياً على استقالة الفريق البشير من رئاسة الجمهورية، ثم لم يلبث أن ابتسم ابتسامته المعهودة، وقال للبشير: بل تبقى أنت في مكانك رئيساً. وبهذا يكون الترابى قد انسحب مؤقتاً من المعركة تاركا المجال مفتوحاً للفريق البشير ليتقدم خطوة أخرى قائلاً: أما اذا كان هذا هو رأيك فأرجو أن تسمح لى أن أقول إن الاخ على الحاج غير مناسب لموقع النائب الأول، ولا أستطيع أن أعمل معه بسهولة، أما المرشح الثالث، الأخ على عثمان فأعتقد أنه الأنسب، خاصة وأنه يصغرنى سنا، وأستطيع أن أكلفه وأحاسبه بصورة طبيعية.
    وانتهى اللقاء «أو التمثيلية» على هذا الشكل، حيث استطاع الفريق البشير أن يضرب عدة عصافير بحجر واحد: استطاع أن ينتزع موافقة بضرورة بقائه في رئاسة الجمهورية، واستطاع أن يبعد الترابى وعلى الحاج من موقع النائب الأول، كما استطاع ثالثا أن يرفع على عثمان وهو أحد أهم أعوانه ليجعله نائبا لرئاسة الجمهورية، وكل ذلك دون أن يقوم بتحركات أو تعبئة أو اعداد كما كانت تفعل المجموعة المساندة للترابى. أما بالنسبة للأخير فقد تأكد له بما لا يدع مجالا للشك أن كل الطرق المؤدية الى القصر قد أغلقت بوجود على عثمان والبشير هناك، كما تأكد له من ناحية أخرى أنه لا خيار يبقى أمامه غير خيار «المركزية التنظيمية» الذى يمكن عن طريقه محاصرة وتحجيم كل المواقع العليا في الدولة، وقطع كل القنوات التى تصلها بالقواعد التنظيمية والأقاليم الجغرافية. فاذا ظن البشير أنه قد حقق فوزا، فإنه سيكون واهما، وسيجد نفسه معلقا في الهواء، فالشيخ لن يترك له من السلطة شيئا، اللهم الا «الدراجات التى تجرى أمامه» كما روى عنه.
    وما تزال الدراجات تجرى، والشيخ يجرى، وكوفى عنان يجرى، و«الزكام» قد بلغ الرئتين، ولا غالب الا الله.


    http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147506472&bk=1
    ...
                  

11-28-2006, 07:43 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48724

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جذور الإنشقاق والمفاصلة.. الإخوة الأعداء!!!! أو بين القصر والمنشية!!! (Re: Yasir Elsharif)

    Quote: الانتقال من ديكتاتورية إلى أخرى وصراع الهوى والهوية

    كتاب سوداني توثيقي يكشف تتابع انقلابات الإسلاميين ضد بعضهم بعضا


    محمد الحسن أحمد

    يكشف كتاب «الترابي والإنقاذ صراع الهوى والهوية»، لمؤلفه الدكتور عبد الرحيم عمر محي الدين أحد الإسلاميين الذين تولوا مناصب عديدة في الحركة والدولة كيف بدأ الصراع بين الترابي والبشير الى ان اطاح البشير بكل ما تبقى من الحركة واضحى هو الحاكم بأمره. ويُحسب مؤلف الكتاب على المنحازين لجانب جماعة البشير عندما وقعت المفاصلة، ومما يضفي مصداقية توثيقية للكتاب، ان الكاتب اعتمد على تدوين شهادات نقلها عن السنة من خططوا للانقلاب ومن عايشوا وشاركوا في صناعة القرار والانقسام. ويقع الكتاب في 660 صفحة من الحجم المتوسط. وقد صدر حديثا.

    أول ما يلفت الانظار في هذا الكتاب هو ما جاء فيه من ان البشير لم يكن المسؤول العسكري في خلايا الجبهة الاسلامية وسط القوات المسلحة وانما المسؤول هو العميد عثمان أحمد الحسن الذي كان من رأيه ان يترك امر ادارة السلطة التنفيذية للعسكريين، وان تكون علاقة المدنيين بالثورة علاقة غير مباشرة تقتصر على الاشراف والدعم السياسي الشعبي، لهذا السبب اتجه المكتب الخاص بالحركة لاستبداله بالعميد عمر البشير الذي كان قد وصل الخرطوم من الجنوب في طريقه لبعثة دراسية عسكرية بالقاهرة.

    في هذا الصدد يدور الحوار التالي بين مؤلف الكتاب والفريق عبد الرحيم حسين الذي يشغل الآن منصب وزير الدفاع حيث يقول الوزير «هناك مسألتان بخصوص العميد عثمان، أولا: هو بطبيعة تفكيره وتكوينه قلق وهذا الدور يحتاج الى برود أعصاب.. ثانيا: كانت له رؤية في العلاقة، وقد كان يرى اننا كمجموعة عسكرية يجب ان ندير الدولة بينما تقوم الحركة الاسلامية بادارة سياسة الدولة من الخارج وتنصح من غير تدخل مباشر».

    «مداخلة: الأخ عبد الرحيم انت الآن في لحظة صفاء الا تعتقد ان رؤية العميد عثمان كانت صحيحة؟»

    «الجواب: نعم.. كانت صحيحة لكن توقيتها لم يكن صحيحا. العميد عثمان كان في الفترة الأولى فترة الاعداد للانقلاب يرأس كل الاجتماعات، الأخ عمر البشير لم يكن موجودا، كان في الجنوب». (ص 192). من هذه الافادة يتبين ان العسكريين منذ البداية كانوا يرغبون في تولي كل السلطة المباشرة، لكن مسؤولهم الاول جاهر بهذه الرغبة فاستبعد، وقبل البشير ويتبين من رد عبد الرحيم حسين ان رأي العميد عثمان كان صحيحا ولكن توقيته لم يكن صحيحا بمعنى ان وقته يحين بعد التمكين من السلطة! ولعل هذا ما فعله البشير لاحقا، وفي الوقت المناسب!

    لكن العميد عثمان الذي شغل منصب المسؤول السياسي في مجلس الثورة لم يستمر في السلطة الا قليلا بسبب خلافاته التي من بينها اعتراضه على غزو العراق للكويت فغادر مجلس الثورة واستقال.

    وبالنسبة لهذه الاستقالة يسأل مؤلف الكتاب، عبد الرحيم حسين في مداخلة: يقال ان العميد عثمان عندما قدم استقالته قال للاخوان: «أنا مشيت لكن الله يستر عليكم من أبو عمير ده بيعملها فيكم.. هل سمعت هذا الكلام؟

    جواب: هذا الكلام لا يشبه عثمان!

    أيا كان ظاهر أو باطن الاجابة فإن ما نسب للعميد عثمان قد وقع بالفعل، فالبشير قد انقلب على الجماعة. ولكن الترابي نفسه كان قد سبقه مبكرا بالانقلاب المدني على كيان الحركة الاسلامية!

    لقد فاجأ الترابي بعد نجاح الانقلاب واصبح هو الحاكم المطلق اخوته في قيادة الحركة الاسلامية بطلب حل التنظيم. وهنا يقول المؤلف في ص 131. الحركة الاسلامية التي كانت عبارة عن السلم أو المصعد الذي صعد عليه من صعد لمواقع السلطة واتخاذ القرار في السودان كانت هذه الحركة، كمؤسسة وتنظيم أول ضحايا الانقاذ حيث تم نحرها على اعتاب الاحلام الكاذبة فحل مجلس شوراها ودعى اعضاؤها الابكار الى حفل وداع وزعت لهم فيه المصاحف اعترافا بدورهم في ماضي الحركة، وايذانا بانزالهم الى المعاش الاجباري.. فصار البعض بعد ذلك يحكم باسم الحركة، حيث ذهبت المؤسسة وبقي الافراد يجتهدون حسب هواهم ومزاجهم ولا رادع أو رقيب وحسيب عليهم بعد ذهاب المؤسسة الشورية.

    ويستنكر المؤلف حل الحركة ويشير في ص 207 الى ما يلي: «لم يكن التفويض الذي تم منحه للامين العام للحركة الاسلامية (الترابي) تفويضا عاما وانما كان مختصا بادارة وتنفيذ عملية الاستيلاء على الحكم ومن بعد تكون الحركة الاسلامية هي الحاكمة بمؤسساتها وليس بأشخاصها» ثم يضيف، لكن الذي حدث هو ان استمرأ الذين اشرفوا على أمر تنفيذ الانقلاب من عضوية المكتب الخاص والعسكريين الامر، وغيبوا الحركة الاسلامية تماما، حيث تم اختزال الحركة الاسلامية كلها في ثمانية أو عشرة أشخاص هم الذين يقررون في أمر السودان ويحكمون باسم الحركة من غير تفويض أو مباركة، فاصبح الذي يدير السودان ويتخذ القرارات هم: الامين العام (الترابي) ونائبه والرئيس «البشير» ونائبه واربعة آخرون!! من الذي فوض هؤلاء ومن أين استمدوا الشرعية؟ لا أحد يعلم!! لذلك أصبح السؤال الدائر وسط عضوية وقيادات الحركة الاسلامية هو: من يحكم السودان؟». بالطبع الذي كان يحكم السودان وقتها هو الدكتور الترابي ومن اصطفاهم من الجماعة. وكان ذلك بحق انقلابا على الحركة الاسلامية بكل مؤسساتها. ومن بعد ذلك سعى لتصفية العسكريين اذ أصر على حلّ مجلس الثورة وكان له ما أراد باستثناء اصرار البشير على ان يظل محتفظا برتبته العسكرية!

    وتحت عنوان: اعتلت الثقة عندما تم حل المجلس العسكري ورد في صفحة 194: «ان البشير قبل على مضض حل المجلس العسكري، لكنه تأبى وتمنع من تقاعده العسكري بحجة ان وجوده في الجيش يشكل ضمانة لتأمين الثورة. كلمة حق وراءها ما وراءها من تحسبات وتحوطات وتوقعات. فلولا الزي العسكري لما استطاع اخضاع الترابي للمعاش الاجباري، وحل المجلس الوطني وتجميد عضوية الامين العام للحزب الحاكم الذي لم يكن أمينا عاما فحسب بل كان رئيسا فعليا للسودان يقع تحت امرته بطريقة مباشرة وغير مباشرة كل التنفيذيين من البشير الى ادنى تنفيذي في الدولة». «لذلك فطن البشير لهذا الأمر مبكرا. وقرر قراءة الواقع والاستفادة من تناقضات الحركة الاسلامية الذين شغلتهم المناصب والسعي وراءها والتمسك بها وبالمزيد منها مهما كلف الثمن حتى صار بعضهم (يحفر) لبعض ويتآمر عليه بأخس واوضع انواع المؤامرات التي تفتقد الاخلاق والوازع الديني» ثم يقول المؤلف: «كان البعض يأتيه (اي البشير) متطوعاً شاكياً من هيمنة الترابي وانصاره وتهميش الرئيس الذي ـ في كثير من الاحيان يستمع الى القرارات المهمة والرئاسية مثله مثل غيره من عامة الشعب.. كانت مثل هذه الشكايات تجد صدى وهوى في نفس الرئيس الذي يرى ان مصيره سيؤول الى مصير اعضاء مجلس الثورة المحلول، لذلك كان يعلم ان هذا التهميش سيقود حتماً الى المواجهة». وفي هذه المعمعة ظهرت على سطح الاحداث مذكرة العشرة، وهم مجموعة من الكوادر الاسلامية صاغوا مذكرة تنتقد انفراد الترابي بالسلطة وتطالب ببسط الشورى ووجود المشاركة. وكانت تلك المذكرة السانحة التي استغلها البشير للاطاحة بالترابي، ولكي ينفرد هو بالسلطة ويضع الترابي في السجن ويعلن الطوارئ ويحل البرلمان. واختصارا لهذا المشهد نحاول استعراض شهادات بعض رموز الحركة الاسلامية كما وردت في متن الكتاب. ونبدأ بما قاله الدكتور بكري عثمان سعيد في صفحة 236، ايدنا مذكرة العشرة لانها هدفت للشورى وحكم المؤسسات، ولانها كما قيل جاءت ضد دكتاتورية الترابي. ولكن يرى الكثيرون اننا لم نجد شورى ولا حكم مؤسسات، بل تحولنا من دكتاتورية الترابي الى دكتاتورية من هم اقل منه علماً ومعرفة. مما جعل البعض يشعر بأن المذكرة هي عبارة عن تحول من دكتاتورية الى اخرى اسوأ منها. بينما يقول احمد عبد الرحمن القيادي البارز في الجبهة الاسلامية والمؤتمر الوطني في ذات الصفحة: قد اصبحنا موظفي علاقات عامة تديرنا المجموعة الامنية. وهو نفس الرجل الذي قال للبشير بعد اعتقال الترابي في فبراير 2001: كرسي الحكم الذي تجلس عليه الآن ظل الترابي والحركة الاسلامية يعملون له طيلة الخمسين سنة الماضية فلا يمكن ان تعتقل الترابي بهذه الطريقة ولا تشاور احداً! اذن علينا ان نكون جاهزين ونبل رأسنا. غضب الرئيس البشير من تعليق احمد على اعتقال الترابي، ولكنه سارع في اليوم التالي بزيارة احمد في منزله! ويعتبر احمد عبد الرحمن وهو احد ثلاثة اسسوا الحركة الاسلامية من المهمشين حتى الآن!

    لكن هذه الفاصلة بين الترابي والبشير والتي أدت الى اعتقال الترابي وتصفية كل من وقفوا معه من مواقع السلطة ومطاردتهم والتضييق عليهم وسجنهم وتعذيبهم كل ذلك ادى الى تفجير ازمة دارفور التي لم تنطفئ حتى الآن واضحت تهدد وحدة وأمن كل السودان· لقد فجرها الاسلاميون من جناح الترابي وفقاً للشهادات الواردة في كتابهم هذا، ونستعرض جانبا من ذلك في ما يلي تأكيداً لهذه الحقيقة، ففي صفحتي 140/141 يورد الكاتب حديثا للترابي عن الخلافات وفجورها فيقول الكاتب: فما نورده هنا من اقوال الترابي ينطبق عليه وعلى مجموعته لما شهدناه في ندواتهم التي اعقبت انشقاقا وما فيها من الترويج والتشنيع بالخصوم والتلويح بالملفات الخطيرة والاسرار المشتركة ونفس الاسلوب غير الكريم استعملته السلطة الحاكمة في تصفية حساباتها مع خصومها السياسيين بقيادة الترابي وانصاره، فمارست ضدهم ابشع انواع التشديد والمطاردة والسجن والتجني وتلفيق التهم والتشهير السياسي، ونسيت السلطة سذاجة من بعض اجهزتها غير الحكيمة، ان المؤتمر الشعبي الذي وصم بالعنصرية وسيطرة عنصر معين عليه، انه اذا كبت في الخرطوم نتيجة للقبضة الامنية فلا مجال انه سيجد متنفسا خارج الخرطوم.

    وقبل هذه الازمة الخطيرة يحسب عليهم جميعا جناح الترابي وجناح البشير انهم كانوا وراء تحويل مشكلة الجنوب من سياسية الى جهادية دينية الى درجة تعذر معها الحل الا باتفاق صاغوه هم مع حركة قرنق يمنح الجنوب حق تقرير المصير ويعبثون الآن بهذا الاتفاق على نحو سيفضي في الغالب الى انفصال الجنوب عن الشمال، ويكشف الكتاب الكثير عن بدعة عرس الشهيد في الجنة التي ابتدعها الترابي عن قتلاهم.. في الجنوب، ومن افكاره لاحقا صياغة مذكرة تفاهم مع قرنق قبل وصول الجناح الاخر الى الاتفاق وكيف ادت تلك المذكرة الى اعتقال الترابي من جديد بحسبانه تحالف مع قرنق العدو وقتذاك وانتكس عن فتاوى الجهاد والمجاهدين!

    ونختم استعراض هذا الكتاب الذي حوى الكثير من الوثائق والشهادات العامة ومحاضر لقاءات الاسلاميين مع الرئيس مبارك وعمر سليمان وغيرهما من المسؤولين بعد وقوع الشقاق نختم بشهادتين احداهما ليس عمر الامام أحد مهندسي انقلاب الانقاذ والثانية عن علي عثمان نائب الترابي سابقا ونائب البشير في رئاسة الجمهورية حاليا.

    يقول يس: قلت للبشير في مرحلة الخلاف وقبل قرارات رمضان: انا لدي اقتراح اذا يمكن توافق عليه ام لا.. وهو ان الحركة هي القائدة وانت الآن نضجت وفي الدورة القادمة نرشحك انت لامانة المؤتمر الوطني ونعد شخصا بالقرب منك حتى يتهيأ لرئاسة الجمهورية.. وحسن الترابي يقود الحركة الاسلامية وفعلا رشحت له اربعة او خمسة اشخاص هم علي الحاج، علي عثمان، عوض الجاز، عبد الله حسن احمد، ابراهيم السنوسي، قال لي البشير انا موافق وبعد يومين أو ثلاثة قابلت البشير فقال لي إنه قابل وتشاور مع بعض الناس وقالوا له ان رئاسة الجمهورية هي الاساس وهي التي تحل المشاكل وان الحزب وخلافه ماذا يعني تمسك البشير بالرئاسة؟ قطعاً انه قرر سلفاً عدم التفريط فيها حتى لو دعا الأمر الى الاطاحة بالحركة نفسها وهذا ما سندركه في الحال عندما نسوق ما قاله المؤلف في صفحة خمسين من الكتاب وهو يتحدث عن النائب بقوله: «الاستاذ/عثمان محمد طه رجل عف اللسان.. ثاقب النظر.. مهذب في حديثه.. وضعه الخلاف بين أمرين احلاهما مر.. اما ان ينحاز لشيخه ويقف ضد البشير والقوات المسلحة وبذلك تدخل الحركة الاسلامية بكاملها في تجربة الحزب الشيوعي مع نميري وإما ينحاز للبشير ويضحي بحبه للترابي ويحفظ ما تبقى من دولة الحركة الاسلامية ويعصمها من خطر المواجهة مع المؤسسة العسكرية.


    http://www.aawsat.com/details.asp?section=19&issue=1017...يكتاتورية&state=true
                  

11-28-2006, 08:41 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48724

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جذور الإنشقاق والمفاصلة.. الإخوة الأعداء!!!! أو بين القصر والمنشية!!! (Re: Yasir Elsharif)

    هذه وثائق هامة لا بد من تسجيلها هنا فموقع جريدة الصحافة قد يتعرض لبعض العوارض..

    رد إبراهيم السنوسي على الدكتور التيجاني عبد القادر:


    Quote: للحقيقة والتاريخ (1-2)
    الشيخ ابراهيم السنوسي
    الدكتور/ التجاني عبد القادر علاقتي به حميمة وقديمة ـ اذ كان تلميذاً لوالدي ـ ومنذها كنت أرى فيه نبوغاً يزكيه ليكون نجماً لأبناء كردفان ـ بل ولقد كان د. الترابي يثني عليه كثيراً ويعده ليكون مفكراً وعلما في الفكر السياسي في السودان ـ ولكن اغترابه وبعده عن الساحة وانعزاله حال دون ذلك ولو مؤقتا ـ فالباب مفتوح والمواهب جمة.
    قرأت مقالته بجريدة «الصحافة» بتاريخ 24/9/2006م تحت العنوان (إخواننا الكبار ونزاعاتنا الصغيرة) ومن العنوان ساورني التساؤل ـ أتكون تلك النزاعات التي عاصرناها وشهدناها حول اول الخلاف الذي وقع في الحركة الاسلامية ـ أهى نزاعات صغيرة؟ أيكون كل ذلك الخلاف حول المباديء ـ التي قد وضحت الآن للعامة ـ فضلاً عن النخبة المثقفة والفلاسفة كالتجاني ـ أهى فعلاً نزاعات صغيرة؟! كيف توصل د.التجاني لهذا الحكم ـ أهو إحباط اصابه حين جاء الى السودان ام أنه نتيجة اتصالات اجراها ومعلومات سمعها ـ لكنها قطعا من طرف واحد؟
    * لو كان الخلاف والنزاع صغيرا وتافهاً كانت شواهد اليوم في حال الحركة الاسلامية والسودان والإسلام لتؤكد وتُصدق ما قال التجاني.
    ولكن الحال على خلاف ما قال ـ فحال الحركة الاسلامية التي يعرفها التجاني ـ اليوم ممزقة، وبتمزقها تمزقت القوى السياسية ـ ومشروعها المنبثق من الشريعة الاسلامية قد ألغي في دستور نيفاشا الاتحادي ـ والسودان المرتجى وحدته وصون سيادته ضاع تحت جحافل القوات الاجنبية ـ افريقية وأممية ـ واحترب ابناؤه شرقا وغربا وشمالا وغيرها من كثير القضايا الاصولية ـ والانسانية قد اختلف الناس عليها وتنازعت أفكارهم وتصوراتهم حولها ـ ولو كانت هذه نزاعات صغيرة قطعا لتجاوزها الناس من كثير الوساطات والمجاملات والاشواق.
    ولإن اتصلت ايها الاخ العزيز بجميع الاطراف في الحركة الاسلامية ـ لعرفت ولما وقعت في سرد معلومات خاطئة وتحليلات مضللة ـ قد تضاف الى وثائق التاريخ الذي كان لابد من تصحيحها. مبتدأ.
    * ما اوردت من عبارة «تكشّف للدكتور الترابي أن علي عثمان والمجموعة التي تحيط به لن تقوم بدحرجة العسكريين الى الخارج وترشيحه لموقع الرئاسة ـ كما كان متصوراً ومتفقا عليه... وان علي عثمان كان يجاهر بتأييده لترشيح الفريق عمر».
    * وردّي بتركيبة التنظيم العسكري عندنا ـ والتي أعرفها جيدا ـ لم تكن هنالك مجموعة عسكرية يسيطر عليها علي عثمان ولا باللقاء منفرداً معها ـ اذ كانت قيادة التنظيم العسكري بقيادة «سواقيها» كتلة مستقلة مترابطة ملتزمة بقيادة الحركة كلها ومبادئها حتى بعد الخلاف ـ ولا شأن لها بدحرجة احد ولا بترشيح فلان لفلان للرئاسة ـ فذلك قرار سياسي ـ أوكلوه للقيادة وهم كإخوان ملتزمون بقسم الحركة نأياً بهم عن الخلاف حتى لا يقع دم، وذلك في تقديري أحكم قرار ـ بل ما أوردت عن ترشيح د.الترابي للرئاسة ـ كما كان متصوراً أو متفقاً عليه أمر غير صحيح تماماً، بل ولا اعرف أي جهة في التنظيم في أي درجة عليا أو دنيا ـ سرية أو علنية رشحت أو اتفقت على ترشيح الترابي للرئاسة ـ وقد يكون في ذهن البعض، فالعلم لله ـ لكنه قطعا ليس في جهاز عسكريين منظمين ولم ينبن عليه قرار او موقف.
    * وما أوردت عن أن علي عثمان كان يجاهر بترشيح الفريق عمر ـ أمر غير صحيح ايضا، فذكرني بأي منبر، وفي أي وقت، وفي أي مكان جاهر علي عثمان بترشيح الفريق عمر؟ وما كان علي عثمان ليفعل ذلك وهو نائب الامين العام ـ بوجود رئيسه ـ بل ولان ذلك من غير اختصاصه وطبيعته التي لا تدخل في ذلك الصراع العلني آنذاك ـ لوجود المودة وحسن الثقة من الدكتور الترابي الذي برزه وقدمه كما ذكرت انت في بريطانيا، بل ان الفريق عمر نفسه ما كان يقبل آنذاك ان يتطاول على الامين العام ـ فلقد كان ملتزما ومطيعا للامين العام الذي وصفه بهبة السماء ـ ولكنهم فيما بعد احاطوا به فخدعوه ـ وزينوا له حب السلطة ففتنوه..
    * ان المقال كله يدور في فلك ان كل هذا النزاع كان صراعا سياسيا بسبب ان د.الترابي يريد ان يصبح رئيسا ـ هكذا صوروا الخلاف، وزيفوا الحقائق للاستمالة وتشويه الصورة لك ليجعلوا من الكبار صغارا ـ ومن الخلاف حول المباديء مصالح ذاتية؟
    * ولكن دعنا نتساءل لو أن د.الترابي كان يريد الرئاسة منذ البداية ـ من الذي كان يمنعه؟ أو كان يمكن أن يكون مرشحاً سواه وهل في الحركة من هو أجدر بها وأقوى منه ـ وهو الامين العام للحركة الذي قادها منذ ثورة اكتوبر 1964م حتى خرجت الحركة الاسلامية من تحت الارض الى حزب الى دولة يتمتع بها الذين ينكرون عليه ذلك، بل وهو الذي قرر ان يذهب للسجن حبيساً ويذهب الفريق عمر للقصر رئيسا ـ بل هو الترابي نفسه من بعد ذلك الذي افسح المجال للفريق عمر ان ينزل في الاستفتاء للرئاسة وما كان يُعجزه من تدبير في الاجهزة ببراعته الفائقة ان يكون هو المرشح في الاستفتاء الذي فاز الفريق عمر بسهولة من جراء المجهود السياسي الذي بذلته الحركة الاسلامية، وكان يمكن ان يكون ذلك المجهود مضاعفا لو كان المرشح للاستفتاء د.الترابي.
    لو ان الدكتور الترابي ـ كان يريد ان يكون رئيسا ـ فما الغرابة وعدم المشروعية في ذلك؟ أيكون الشخص المستقطب مباركة له الرئاسة ومستكثرة على امين الحركة والمشروع ـ لولا نكران ذاته! بل ان الفريق عمر نفسه للامانة ما كان يتطلع او يمنّي نفسه في الايام الاولى بالرئاسة ـ بل كان يردد بسعادة وانشراح انه ضابط مستقطب ويمكن ان يتنحى او يستقيل في اي وقت تريده الحركة ويصُدّقه في ذلك الفريق الزبير الذي يكرر مقولته دوما «اننا ضباط اخوان جمعتنا الحركة ولم شملنا د.ترابي وفي أي وقت نعمل انتباه ونرجع» رحمه الله.
    * إن المقال كله يصب في اتجاه نظرية التآمر وسوء الظن ـ وهو وإن كان وارداً في دخائل النفوس التي قد تتغير ـ والاحوال التي قد تتبدل ولكن لم يكن في ايام الصفاء الاولى وليس في كل تصرف عند الطرفين ـ ثم يأتي تفسير د.تجاني «بأن الترابي اتجه الى اعادة تركيب الهيكل التنظيمي بصورة جديدة ـ وظل يعمل من خلال القيادات السياسية الجديدة التي صعدها والقيادات السياسية التي استقطبها من الاحزاب السياسية السابقة خاصة الاتحاد الاشتراكي ومن حزب الامة والاتحادي الديمقراطي الى تعديل النظام الاساسي» ولعلك يا تجاني حين كنت في السودان دون تكليف رسمي وغوص عميق إلاعضوية هيئة الشورى او بالخارج مغتربا دون اتصال أنساك الخطة الثلاثية الاولى التي انبنى عليها النظام الاساسي بعد نجاح الانقاذ والتمكين في المرحلة الاولى حين فصلنا الحركة عن الدولة ـ والتي كان معظم وزرائها من غير الحركة ـ وكانت الحركة تتولى التخطيط والاشراف من بعيد فسبب ذلك نفوراً بين الامناء والوزراء ـ وكان على الهيكل ـ امين عام ونائب واحد. ثم جاءت المرحلة الثانية حين تقرر في الخطة التالية دمج الحركة والدولة ـ وانفتحت الحركة الاسلامية لكل السودانيين والحوار معهم للدخول في المؤتمر الوطني بنسبة 60% من غير الاخوان و40% من الاخوان وهو امر تململ منه المحافظون المتشددون ـ حين رأوا ما ذكرت من قيادات سياسية، من أحزاب سابقة ومن الاتحاد الاشتراكي الذين كان يعرفهم حق المعرفة الامين العام ونائبه علي عثمان الذي عاش وسطهم وعمل معهم في مجلس الشعب. هكذا دخلت تلك القيادات المستقطبة برضى منا وساهمت بعطاء مقدر بل منها من يقف الآن مع علي عثمان ضد الترابي وآخرون معه، وكان الهدف من ذلك الانفتاح الافساح لهذه العناصر و توسيع قاعدة المؤتمر الوطني ليشمل السواد الاعظم من اهل السودان كما تقول كلمات الخطة. اما دخول الشباب للقيادة في المناصب في الدولة ـ فهو أمر قامت عليه مقاييس التوظيف في الدولة منذ البداية وتولى فيها عدد كبير من اقرانك وزملائك الامر، اذ كان القرار قبل قيام الانقاذ ألا يدخل الاخوة الكبار (إلا القليل) دولاب الدولة وينحصر الامر أغلبيته في الشباب والمستقطبين الجدد وتشهد بذلك المناصب العليا في المؤتمر الوطني والبرلمان ومجلس الوزراء الذي ظل فيه بعض الطلقاء حتى اليوم كما يقول احد الوزراء من تلك الشاكلة عن نفسه! ولقد كانت تلك الاهداف واردة في الخطط التي تأتي لهيئة الشورى والتي كان يرأسها الفريق عمر ـ فكيف تفسر الآن ان كل تلك التعديلات التي كانت لمواكبة تجربة الانقاذ المموهة من حزب معارض الى دولة منوط بها معالجة قضايا الواقع المعقد وجهاد حركة التمرد ـ والعداء العالمي المتربص ـ فيجيء خيالك اليوم أن كل هذه التعديلات كانت لسحب البلاط من تحت اقدام البشير وعلي عثمان ـ وهما كانا في الساحة يناقشانها ويدافعان عنها في الاجتماعات!
    * ولعل الظنون والتفسيرات الخاطئة قد امتدت لتشمل رئاسة د.الترابي للمجلس وأنها كانت تدبيراً من قبل علي والبشير لينصرف الترابي قليلاً عن التعلق بالخارج الى التعامل في الداخل، وان ما يتفرع منها من ارتباطات ستجعل قبضته على التنظيم ترتخي ـ وتعطي لعلي عثمان ومجموعته الفرصة لاستعادة مواقعهم! طبعا هذا سوء ظن بعلي عثمان ومجموعته ـ وانهم وضعوا للترابي طعمة المجلس ـ وانه امر يعاب عليهم كإخوان كبار ولكن لئن كان سوء الظن هذا صحيح ام لا فان الحقيقة هي ان رئاسة الترابي للمجلس لم تكن قد جاءت بصورة طعمة ـ اذ اننا اجتمعنا في جلسات للهيئة القيادية ـ وناقشنا فكرة استمرار السير نحو الديمقراطية وتداول السلطة مع الآخرين وتقرر حل مجلس قيادة الثورة ـ الذي كان يمثل الهيئة التشريعية ليخلفه برلمان منتخب فتنتهي صورة خروج المراسيم بالقرارات الجمهورية بوضع دستور دائم للبلاد ـ يكون نموذجاً ويرضى به العباد ـ ويُقْسمون عليه عن قناعة حتى لا ينقض عليه احد ليعطله او ليمزقه.
    * وفي نهاية الجلسات كان البحث والنقاش عمن يقود البرلمان لهذه الغايات ويحقق ذلك الحلم واتفقنا جميعاً على رئاسة د.الترابي ـ ما عدا الترابي نفسه والاخ يس عمر الذي أوضح واعترض بقوة ان امين الحركة لا يمكن ان يكون في هذا المقام لولا انني رددت على الاخ يس اذكر بمرافعة تأييدا برئاسة د.الترابي للبرلمان ولكن الاعتراض الآخر الذي قابلنا من د.الترابي ازاله الاخ يس عمر بقوله بضرورة خضوع د.الترابي للشورى وانه يمكن ان تستقبل بعد اجازة الدستور ـ تلك كانت الحقيقة ولو كانت عند سرائر الآخرين الخيانة، كما ذكرت انت.
    * ولعلك في هذه قد صدقت حين قلت ( ان الرياح لا تجري على الطريقة التي يريدها الملاحون ـ اذ ان د.الترابي ببراعة فائقة قد عزز علاقاته مع النواب لاسيما غرب السودان ـ وان يقدم اطروحته السياسية الجديدة عن نظام التوالي وان يقوم باعداد الدستور الذي يريد) وانني لأعجب ـ إذ كيف تقر ببراعته الفائقة وقدراته على كسب النواب في البرلمان (الذين كنت انا واحدا منهم) ثم تنكر على رجل بهذه القدرات ان يكون رئيساً للدولة ـ أليست هي طموحات مشروعة ـ مع مهارات فائقة بارعة، استطاع الرجل ان يقنع بها النواب ليقبلوا اطروحاته السياسية حتى التوالي ـ ويوافقون عليها، المسلمون والمسيحيون من الشرق والغرب يوافقون على الدستور الدائم للبلاد بأبوابه الثمانية ـ لا يجوز معرفة النعمة ثم انكارها.
    * وتأتي كلماتك عن الترابي «ويقوم باعداد الدستور الذي يريد» كأنه اراده لنفسه وفصّل قميصه عليه ليبقى. وبقليل من الموضوعية والإنصاف نقف «مع الدستور الذي يريد» (الترابي) والذي بقي بعد ان غادر د.الترابي المنصة ونفتح ابوابه ـ الثمانية ـ اولها باب المباديء الموجهة ـ التي اقرت ان الدولة في السودان وطن جامع تأتلف فيه جميع الاعراق والثقافات على لامركزية السلطة ـ مع الحاكمية لله خالق البشر ـ وضرورة العدل وسعي الدولة لتطهير المجتمع من الفساد والجريمة والرذيلة ـ مع سياسة خارجية بعزة واستقلال وباب ثانٍ عن الحريات والحرمات وحقوق الانسان والواجبات بتفصيل ما سبق عليه دستور من قبل، ثم باب السلطة التنفيذية التي تجعل السلطة في مجلس وزراء مجتمعاً ـ كما في العالم المتقدم وتنادي بإنتخاب الولاة واختيارهم لوزرائهم ومحافظيهم مع استقطاع ربع الميزانية العامة الاتحادية للولايات لسد الفصل الأول، والتنمية مما يحقق حقوق الولايات في السلطة والثروة ـ ولو حدث ذلك لما كانت حرب الشرق والغرب في دارفور وغيرها من ثورات المناطق الاخرى.
    ثم كان الباب الرابع من الدستور سلطة التشريع في البرلمان الاتحادي وعن عضويته ومهامه في الاستجواب والمحاسبة ودوراتها وحتى في غياب البرلمان ـ لا سبيل لصدور مراسيم جمهورية بما يمس الحريات والحقوق الدستورية في وجوده. اما في غيابه فيجوز اصدار مراسيم ولكن لابد من اجازتها بعد عودة المجلس فورا، وكان ذلك عاصما قويا لحماية الحريات وحقوق الانسان. وبقرارات الرابع من رمضان والغاء ذلك الفصل ترى ما آل اليه حال البلاد من الطغيان وانتهاك حقوق الانسان الآن.
    ثم كان باب استقلال القضاء ـ الذي سيرد الناس الى عدل عمر وشجاعة قضاته عبر محاكمهم العادلة، ولذلك تعزز استقلال القضاء وانشئت المحكمة الدستورية التي تحددت اختصاصاتها المتعددة ومن بينها حماية الحريات والحرمات التي ضاعت تماما اليوم بشواهد التعذيب والاعتقال غير المبرر ومنع الحريات الممنوحة في الدستور للتعبير والصحافة التي يقصها مقص الامن يومياً.
    ثم كان الباب الاخير في الدستور ـ عن موجبات اعلان حالة الطواريء في حالة خطر طاريء يهدد البلاد أو جزءا منها او كارثة أو وباء يهدد اقتصاد البلاد، ولم يكن من بينها اعلان حالة الطواريء لأسباب الاختلاف السياسي كما حدث بعد الرابع من رمضان، حيث تُجدد حالة الطواريء لتمديد اعتقال شخص واحد بعينه ـ كما حدث في حالة د.الترابي.
    أهذا هو الدستور الذي كان يريده د.الترابي يا د.تجاني وهو الذي كان يريده الشعب كله على أساس ان يكون له دستور دائم مشرف لن يمزقه عسكري بعد ذلك.. بل تمت عليه الموافقة بالاجماع ووقعه رئيس الجمهورية ثم جاء بعد ذلك فألغاه ومنذها اضطربت البلاد ـ وضربت الفتنة من جراء الغائه و كل السودان حتى اليوم.
    ان المقال يا د. تجاني يقوم على تفسير بسوء الظن الذي يحركه حسب السلطة والصراع حولها من قبل الاخوة الكبار ـ وان كان الصراع حول السلطة امر مشروع فهى الآلية التي يزع بها الله ما لا يزعه بالقرآن، ولكن المقال يصورها لتتسق مع الذين ساقوا اكبر فرية وهى ان الترابي كان يريد ان يكون رئيسا ـ وجاء مقالك ليصدق هذا من جراء ما سمعت من الآخرين ورويته بشواهد خاطئة وغير صحيحة استقيتها من طرف واحد كتلك التي سردتها «يوم ان اكتشف الترابي ان ترشيحه لن يتم للرئاسة كما كان متفقا عليه» ـ وهو ما رددت عليه آنفاً اذ لم يكن هناك اتفاق البتة.. ولكنك تأتي مرة اخرى لتفتحه عند مناسبة الترشيح لمنصب النائب الاول ـ بعد وفاة الشهيد الزبير رحمه الله ـ اذ ان الترابي حين فاته قطار الرئاسة يريد ان يلحق بقطار آخر هو النائب الأول وهى فرية اخرى وكذبة كبرى رددتها اجهزة الاعلام ـ وقالوها في المجالس الخاصة تشويهاً لسمعة د.الترابي وفجورا في الخصومة ـ مما يقتضي امثالك ان يتبينوا حتى لا يصيبوا قوما آخرين بجهالة وما سأقوله هنا للحققة والتاريخ ـ قولاً أسوق حوادثه واسماءه ماتزال حية ـ بعضها متنفذ في السلطة ـ وبعضها معارض خارجها ـ أسردها من مذكراتي اليومية المكتوبة وهى التي بين يدي ـ ويمكن الاطلاع عليها ـ.
    ان المقال يا د.تجاني يصب في اتجاه فكرة التآمر وسوء الظن وأظن ذلك لانك كنت بعيداً سواء في الداخل او في الخارج، اذ من العلم بالتعديلات الهيكلية للتنظيم التي كانت تتنزل بظروف البلاد والتجربة السابقة والظروف المحيطة في نظرك ان الترابي قام بها لسحب البساط من تحت اقدام البشير وفي وقت انت تعلم ان النظام الاساسي مسموح به التعديلات ـ طالما أقرتها هيئة الشورى التي يرأسها الفريق عمر نفسه.
    ونواصل..
    http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147506864&bk=1

    للحقيقة والتاريخ (2ـ2)
    الشيخ إبراهيم السنوسي
    ويستطرد مقال د. تجاني بعنوان «اخواننا الكبار والنزاعات الصغيرة» جاءت وفاة الشهيد الزبير «اجتمع على عجل عدد محدود من إخواننا الكبار بدعوة من د. الترابي لاختيار خليفة» واقول فمن اين عرفت ان الترابي قدم دعوة لذلك الامر؟ وبرهانا ان ذلك لم يحدث وأنقل اليك بعضاً من مذكراتي التي بين يديّ نصا وتاريخا الآتي:
    الجمعة 13/2/1998م انا اول من ذهب الى زيارة منزل د. الترابي مساء ذلك اليوم بعد أن حضرت تشييع الشهيد الزبير وقلت:لدكتور الترابي «هذه المرة يجب أن يكون النائب ـ اخاً ملتزما ـ مدنياً وليس عسكريا ـ حتى لا تكون قيادات النظام كلها ببزة عسكرية ـ فقال: أفكار معقولة. من ترشح؟ قلت له: واحد اسمه حسن عبد الله وعندي اسبابي لن اذكرها الآن. فرد علي بطريقته الحادة: انت ما تزال في موقفك بأن اكون انا في رأس الدولة منذ قيام الانقاذ. قلت: نعم وعبر التاريخ ما رأيت مشروعا فكريا ولدولة اسلامية... يقوده عسكري. قال لي: تعلم رفضي المتكرر منذ يوم اخترنا مجلس قيادة الثورة بقيادة الاخ عمر. وكررتُ لك رفضي حين كنا في السجن بأنني لن أكون في الدولة محكوما بالبروتوكول واللقاءات الرسمية. انا اريد ان اكون مفكرا حرا يقول ويتحدث دون قيود.. أتذكر من الخليفة العباسي الذي عاصر عبد القادر الجيلاني؟ قلت: لا اعرفه. قال الترابي: اتريدني ان اكون نكرة مثله؟ وانتهينا على ذلك!
    وليس صحيحا اننا عقدنا اجتماعا في منزل الاخ عثمان خالد لهذاالامر ولو تم مثل هذا فقطعا لم يحضره د. الترابي ولا سمعنا بجهة تنظيمية كلفت احدا باعداد أسماء المرشحين للنائب الأول.
    وفي يوم السبت 14/فبراير/1998م بعد استقبال الاخ الزنداني في المطار ذهبت لمنزل الدكتور الترابي وفتحت الحديث مرة اخرى بحضور الاخ يس عمر الذي كان قد عاد من الخارج فقبل فكرة أن يكون هناك نائبا مدنيا ولكنه رفض مبدأ ان يكون ذلك النائب حسن الترابي، وابدى عدة اسباب ثم جاء اخوة آخرون من بينهم الاخ/ احمد عبد الرحمن وواصلنا الحديث فقبل فكرة ان يتولى اخ مدني هذا المنصب ولكنه اعترض بشدة على تسمية د. الترابي بل زاد في انتقاده الحاد لدكتور الترابي الذي ظل صامتا خلال الحديث ونحن نتناول طعام العشاء وخرجنا من ذلك الاجتماع بتكليف الاخ احمد عبد الرحمن بأن يخطر الاخوة الكبار ويتولى الاخ يس عمر اخطار الاخ نافع ـ عوض الجاز ـ بكري ـ الطيب محمد خير ـ وأوكل اليّ اخطار الاخ علي عثمان والاخ علي الحاج وكذلك الاخوة الولاة. على ان نلتقي مرة اخرى في عدد اكبر وشورى أوسع يوم الاحد 15/فبراير 1998 استمر النقاش حول المبدأ والترشيح وسط الاخوة الكبار سرا. يوم الإثنين 16/ فبراير/ 1998 والذي كان اليوم الاول للمؤتمر الوطني في قاعة الصداقة كانت الفرصة متاحة لتبادل النقاش في المبدأ والشخص لمنصب النائب الأول مع آخرين من الاخوة.
    وبعد جلسة المؤتمر ذهبت ومعي الاخ عبد الله حسن احمد مساء لمنزل الاخ علي عثمان فوجدنا ممن اذكرهم من الاخوة احمد عبد الرحمن،ومحمد الكاروري والاخ محمد يوسف وموسى ضرار والطيب النص فواصلنا النقاش واتفقنا ان يكون المرشحون الاخ علي عثمان ود. علي الحاج وانفض الآخرون وبقيت مع الاخ علي لوحدنا حتى ساعة متأخرة من الليل.
    يوم الثلاثاء 17 فبراير 1998 ذهبت مبكرا لمنزل الدكتور الترابي وشربت معه الشاي ـ واخطرته بما دار في منزل الاخ علي عثمان وان الاخوة اتفقوا ان يكون المرشحين علي عثمان لتجربته السياسية ود. علي الحاج لسبقه في الحركة، ومعرفته بقضية الجنوب، ورمزية غرب السودان، وسردت اصراري على ترشيح الدكتور الترابي ورفضهم بسبب ألا يكون امين الحركة تحت الرئيس. فطلب مني د. الترابي ان اذهب لاقابل الاخ الفريق واخطره برغبته في اللقاء في الغداء في منزل الفريق عمر، وفعلا قابلت الفريق عمر في المصعد في «قاعة الصداقة» واخبرته بطلب د. الترابي فوافق بانشراح والتقى الرجلان معاً لوحدهما.
    في المساء ذهبت للدكتور الترابي وسألته عن خلاصة الاجتماع - فقال: اتفقنا مع اخيك عمر بعد ان ذكرت له كل الحيثيات للمرشحين - وحتى ان السنوسي قد رشح الترابي - ولكن هذا ليس مقبولاً عندي ولا عنده - وقررنا اخيراً ان يكون المرشح الاخ علي عثمان - وان اردت توضيحاً اكثر فاذهب الى الفريق عمر.
    ذهبت للأخ الفريق في مكتبه في قاعة الصداقة وجادلته جدالاً ودياً حاراً - وقال لي الفريق أنت كمان ترشح شيخ حسن نائباً أولاً تحتي- معقول هذا؟ قلت نعم لأسباب وذكرتها له وهو ما لم اذكره لأي احد من قبل تستقيل انت بعد ان يتم التعيين له ويصبح د. الترابي رئيساً بالانابة ثم رئيسا وبعد اكمال الاجراءات القانونية يصبح الترابي رئيسا فقال انا أخ مطيع وان اردتم مني الاستقالة سأفعلها الآن، ثم قال لي مداعباً: انت اليوم مش تمام - لقد اتفقنا أنا وشيخ حسن على ذلك وعلى تعيين مصطفى عثمان وزيراً للخارجية مخالفاً لخطك الثوري، فرددت عليه برد احتفظ به، ثم تنحيت عنه جانبا وجاء التلفزيون وقرأ الرئيس القرارين الجمهوريين بتعيين الاخوين علي عثمان ومصطفى عثمان ثم طلبت من الاخ الفريق طلباً - ألا يحضر جلسة الغد الصباحية - ويترك رئاستها للأخ علي عثمان بصفته النائب الاول الذي يعد له السلام الجمهوري لأول مرة. فوافق الفريق عمر ثم تحركت من مكتب الأخ الرئيس في القاعة ونزلت لمكان الاجتماع وأنا أول من ساق الخبر رسمياً لعلي عثمان انه قد اصبح نائباً اول وان التشريعات قد أعدت له بالسلام الجمهوري.
    الأربعاء 18/2/1998م جاء الاخ علي عثمان للجلسة الصباحية لأول مرة بصفته نائباً اول وعُزف له السلام الجمهوري وجلس في المنصة مع د. ترابي بصفته نائب رئيس المؤتمر الوطني.
    هذا هو التاريخ يا د. تجاني والناس احياء في السلطة أو خارجها فليذكروا ما نسبت ولم تكن هنالك جلسة واحدة حضرها د. علي الحاج ولا جلسة واحدة جمعت بين علي الحاج وعلي عثمان - ولا جلسة جمعت بين الترابي وعلي عثمان والآخرين - ولم يكن هنالك أصلاً مرشحاً عسكرياً البتة سواء كان ذلك بكري حسن صالح أو غيره ولا اعلم جهة رسمية فوضت أحداً بابلاغ الرئيس كما ذكرت سابقاً أنت بل انا الذي ابلغته كما ذكرت.
    وما ذكرت عن الترابي انه ذكر للبشير المرشحين الثلاثة بالترتيب الترابي أولاً ثم علي الحاج ثانياً ثم علي عثمان ليس صحيحاً البتة لسبب بسيط لأنك لم تكن في الجلسة إلا اذا اخطرك طرف واحد وقطعاً ليس د. الترابي لأنه ليس طبيعته ان يقدم نفسه بتلك الصورة ولو أرادها لفعلها دون حتى ذكر الآخرين بل ان الاخوة في الجلسات لم يحددوا الترتيب فقد ذكروا مواصفات المرشحين دون تفصيل بين علي الحاج وعلي عثمان إما اسم د. الترابي فلقد ذكره الترابي عرضاً كمرشح من السنوسي وتجاوزه الطرفان برواية د. الترابي ومن أين لك ان الرئيس حين سمع عن الاجتماع والمرشحين اخذ يفكر في الاجتماع وأهليته - ثم اعتدل في جلسته (كأنك كنت معه) أو سمعت منه خيال واسع وهو حديث بين اثنين والمثل في دارفور - «كلام نفرين الثالث شن دسه» - والرابع ادُوا عصا» وشططت في الخيال ان الترابي قرر ان ينسحب وان البشير قد حقق عدة عصافير ابعده بها من منصب النائب الأول هو وعلي الحاج وهو امر غير صحيح إذا ما كان الفريق في وقتها يمكن ان يصطاد تلك العصافير بوجود حارسها بل ان الفريق عمر ما كان الفترة متطاولا بل كان صادقا في تقديم الاستقالة والتنحي متى ما طُلب منه ذلك كما ذكرت سابقا.
    وخاتمتي ان المقال - مفيد - لا سيما حين يكون من ابنٍ عريق في الحركة وعميق في الفكر - لو انه اتحفنا بالعبر والعظات من النزاعات وهي كبيرة لكنه خاض في تحليلات خاطئة بناها على معلومات خاطئة - والاخبار آفتها رواتها وخاصة انها من وراء الكواليس والاخبار كأسرار مكتومة في السرائر ولعل بمثل هذه الكتابات نستوضح التاريخ، وتحدث المراجعات النفسية للكبار حول النزاعات والمواقف التي اتخذوها فان كانت صغيرة تجاوزوها وان كانت اصولية ثاب المخطيء وفاء الباغي لاسيما ان كانت من الكبار بعد أن ضاعت القيم وتهددت البلاد وسخر الأعداء من المشروع الحضاري ورموزه التي أصبحت مكان تجريح- من الجُنب البعيد- ومن ذوي القربى القريب وهي أشد مضاضة من وقع السهام المهند.
    http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147507129&bk=1
    ..

    (عدل بواسطة Yasir Elsharif on 11-28-2006, 08:58 PM)

                  

11-28-2006, 08:45 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48724

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جذور الإنشقاق والمفاصلة.. الإخوة الأعداء!!!! أو بين القصر والمنشية!!! (Re: Yasir Elsharif)

    الدكتور التيجاني يعقب على رد الشيخ السنوسي:

    Quote: ويسألني الشيخ السنوسي
    [email protected]
    (1)
    الشيخ ابراهيم السنوسي صديق قديم، يكبرني ببضع سنوات، التقيت به أول مرة عام 1970 في سجن كوبر العمومي بالخرطوم بحري، ولم يكن ابراهيم يحمل يومها لقب "شيخ" ولكنه كان من نشطاء الحركة الإسلامية الذين انخرطوا في الأعمال الجهادية، وأبلوا فيها بلاء حسنا، وقدم هو وأسرته تضحيات كبيرة في سبيل الحركة الإسلامية، فاستحق عن جدارة لقب "الشيخ" من تلك الجهة. وقد سرني أن يكتب معقبا على مقالى لما في ذلك من دلالة على أن بعض "أخواننا الكبار" يقرأون أحيانا ما نكتب في الصحف ويعلقون علىه.
    ولكني ترددت أول الأمر في الرد على ما كتب، اذ رأيت أنه لم يورد اعتراضا على الوقائع الأساسية التي اعتمدت علىها في مقالى، وهي لقائي بالترابي في لندن حيث أشاد بالقدرات الفكرية للاستاذ علي عثمان، والاجتماع الذي انعقد في منزل عثمان خالد حيث رشح فيه الدكتور حسن الترابي لموقع نائب الرئيس، وإجتماع الترابي/البشير الذي أقر فيه تعيين علي عثمان نائبا أولا لرئيس الجمهورية. هذه هي الوقائع الثلاث الرئيسة التي قدمت في ضوئها تحليلا لمرحلة من مراحل النزاع بين الإسلاميين في السودان، وتبين لي فيها أن موقع "رئاسة الجمهورية" كان واحدا من أهم محركات النزاع، وأن ذلك النزاع لم يكن في بداياته نزاعا حول المباديء أو القيم أو الدستور أو الحريات أو"القضايا الأصولية والإنسانية" كما أراد البعض أن يصوره. ثم ازداد ترددي لما رأيت أن الشيخ ابراهيم لا يهتم بشيء مما كتبت اهتمامه بشخص الترابي، فتخوفت من أن يتمحور الحوار حول تلك المساحة الضيقة فتطغى العصبية الحزبية على القراءة الموضوعية للأحداث، وندخل في منطقة "الحزام الحساس"، ويضيع ما نحن بصدده من محاولات لإرساء القواعد لمرحلة جديدة من الإصلاح الداخلي في الحركة الإسلامية تقوم على: الفحص الدقيق لمكونات الأزمة التي تمر بها، والنقد الأمين الصارم لهذه المكونات، واقتراح رؤية بديلة للخروج من الأزمة. ولكني لما رأيت أن متن حديثه يسير في اتجاه مصادرة حقي في الكلام، تارة بحجة اغترابي وبعدي عن الساحة وانعزالى، وتارة بحجة أن وجودي في الحركة الإسلامية، يوم كنت بالداخل، كان هامشيا، وثالثة بأن ما أقوله لا يعدو أن يكون ضربا من التخيلات والظنون السيئة اتباعا لنظرية المؤامرة، هذا "التكتيك" الذي يعتمد على "ازاحة" الكاتب وإسقاطه من منصة الحوار، ليس بتفنيد ما يكتب ولكن بغمزه حتي يكف عن الكتابة، هو الذي جعلني أمسك بالقلم وأكتب من أجل "التأريخ والحقيقة" أيضا، اذ يبدو أن الوقت قد حان بالفعل لمواجهة النفس، وللمراجعات النقدية الصريحة لمسيرة الحركة الإسلامية، ولاكتشاف الأخطاء الجسيمة التي وقعنا فيها، وذلك قبل أن ينجح بعض أخواننا الكبار "الذين صنعوا النكسة" في الهيمنة على التأريخ وتوظيفه سياسيا، كما هيمنوا من قبل على الحركة الإسلامية ففعلوا فيها الأفاعيل.
    (2)
    ولنبدأ باعتراضه "التكتيكي": أنني كنت بالخارج مغتربا دون اتصال، (اتصال مع من لا أدري) فلم أشهد هذه الوقائع، وأنني حتي حينما كنت في داخل السودان لم يكن لي الا وجود هامشي في مجلس الشورى (دون تكليف رسمي وغوص عميق، كما ورد في عبارته)، وأنني أسرد معلومات خاطئة وأقوم بتحليلات مضلله اتباعا لأصحاب نظرية المؤامرة.
    والإعتراضان الأول والثاني يثيران مسألة في منهج الدراسة العلمية للتاريخ، فكأنه يريد أن يقول أنه لا ينبغي لأحد أن يرصد وقائع التاريخ ويحللها(خاصة تاريخ نزاع الإسلاميين في السودان) الا اذا كان هو شخصيا حاضرا لتلك الوقائع وشاهدا علىها بنفسه، وهذا مثل أن يقال لطبيب أنه لا يجوز له أن يفحص "جثمانا" ليحدد ما اذا كان صاحبه قد مات مطعونا أو مخنوقا الا اذا كان قد حضر شخصيا لحظات المشاجرة، ورأى بأم عينه سلاحا يخترق الحجاب الحاجز أو حبلا يلتف حول العنق. ومثل هذا القول لا يلتفت الىه لأنه يخالف ما أنتهي الىه أهل العلم في سائر الفنون، فالعلم لا يقوم فقط على "الحضور الشخصي"، اذ ليس من الضروري مثلا أن أشهد تحطم الطائرة التي توفي فيها اللواء الزبير، ثم أحضر الإجتماع الذي انعقد بمنزل عثمان خالد، ثم أصحب الترابي في اجتماعه مع البشير حتي يحق لي من بعد ذلك أن أتحدث عن هذه الوقائع وأحللها وأستخلص منها بعض النتائج. واذا سرنا على منطق "الحضور الشخصي" هذا، فان الشيخ ابراهيم أيضا وبرغم وجوده المستمر في الخرطوم، وبرغم وجوده الشخصي المتطاول في القيادة العلىا للحركة الاسلامية، وبرغم ملازمته المستمرة للدكتور الترابي الا أنه لم يشهد كل هذه الأحداث، وانما اعتمد مثلي على "رواية" من حضرها، فما هو الفرق بين من يستمع الأخبار والروايات وهو في بيته بالخرطوم، ومن يستمع الروايات ذاتها وهو في بيته بواشنطن أو غيرها؟ وحتي اذا سلمنا بنظرية الحضور الشخصي، فهل كل من شهد حدثا علم ما فيه من دلالات، وما يتصل به من خلفيات، وما ينتهي إليه من مآلات؟ على أنني لم أخطف هذه الروايات خطفا من أفواه المارة، وانما جلست واستمعت لبعض من شاركوا فيها، وسألت ثم حددت مكان الإجتماع وزمانه وذكرت عشرة أسماء ممن حضروا ذلك الإجتماع، ولم يكذبني حتي الآن واحد منهم، وكلهم بحمد الله أحياء يمتلكون الهواتف ويقرأون الصحف، فكيف أتهم بعد هذا بأني "أسرد معلومات خاطئة" أو اتبع محض الخيال؟
    (3)
    ثم أنني لم أكن غائبا عن السودان بالطريقة التي يوحي بها مقاله، فقد شهدت سنوات الإنقاذ السبع "الصعبة" الأولي (1989- 1996)، وشاركت في كل الإجتماعات التي كان مسموحا لنا بالمشاركة فيها، والتقيت بمعظم المسؤولين العسكريين والمدنيين الذين كان متاحا لنا أن نلتقي بهم، ليس مجرد لقاءات عابرة، وانما عملت وتعاملت مع الكثيرين منهم، واطلعت على كثير من الوثائق وشاركت في مناقشة بعضها. صحيح أنني لم أكن "مواظبا" على الحضور الى المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي صباحا والى "المنشية" مساء، كما كان يفعل الكثيرون ممن تفرغ لهذا النوع من النشاط، ولكن الصحيح أيضا أن معرفتي كانت وثيقة بالدكتور الترابي وبالحركة الإسلامية والتي عملت في صفوفها منذ أواسط الستينيات في القرن الماضي، وسلخت سنين عددا من عمري في دراستها وتتبع تطوراتها، ولكن كل ذلك لا يؤهلني في نظر الشيخ السنوسي لأن أفسر حدثا، أو أتوصل الى نتيجة، أو أبدي رأيا لأني كنت غائبا ولم أتصل "بجميع الأطراف في الحركة الإسلامية"، وهذا بالطبع هو بيت قصيده، وهو ليس وحده في هذا، فكثير من اخواننا الكبار الذين ساهموا في صناعة "الكوارث الإسلامية" يسيرون على هذا التكتيك: كل من يريد أن يكتب عن الحركة الإسلامية علىه أن يأتي إلينا أولا، فنحن الذين صنعنا الحدث(الكارثة)، ونحن الذين نملك أدق المعلومات عنه، ونحن الذين نملك أصح التفسيرات له. ولقد كنت لعهد قريب أقع في مثل هذا الفخ، فتراني أزاحم في المركبات العامة، لأطوف على "اخواني الكبار"، أطلب المواعيد وأترجي المقابلات، أبحث عن "الحقيقة والتاريخ"، وهم مطمئنون في منازلهم. ولكني الآن صرت مقتنعا بأن هذه المعادلة يجب أن تعدل، وأن الذين كانوا يتكلمون طيلة العشر سنوات الماضية ينبغي أن يسمحوا لنا، نحن الصامتين، بأن نتكلم، وأن يسمحوا لنا كذلك بأن نجمع معلوماتنا بالطرق التي نشاء، ومن المصادر التي نريد، وأن نكون آراءنا بالطرق التي تروق لنا، ثم نطرحها لجمهور الناس، وعلىهم هم هذه المرة يقع عبء الذهاب بمعلوماتهم ووثائقهم الى الجمهور، أما الزبد، أجاء منا أو منهم، فسيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فسيمكث في الأرض.
    ثم في محاولة أخيرة "للإزاحة"، يلمزني أخي السنوسي بأني، علاوة على اغترابي وهامشيتي، لم أكن أشغل موقعا "رسميا" في الدولة، كأنه قد عهد بي خبلا أو خيانة، أو كأنه لا يعلم كيف كانت توزع تلكم المواقع(الغنائم)، على أن المواقع الرسمية لا تعطي شاغلها نورا يمشي به في الناس، أو بصيرة يفسر بها التاريخ.
    (4)
    أما اذا عدنا من التكتيك الى الموضوع فنجده يثير ثلاثة اعتراضات أساسية على ما أوردت: أنه لم يكن هناك اتفاق على أن يكون الترابي رئيسا للجمهورية، وأن علي عثمان لم يجاهر قط بترشيح البشير للرئاسة، وأنه لم يعقد اجتماع في منزل عثمان خالد عقب وفاة اللواء الزبير لاختيار نائب، وأن الترابي لم يكتب الدستور بالطريقة التي يريدها، فلننظر فيها فيما يلي.
    يقول الشيخ السنوسي: "بل ما أوردت من ترشيح د. الترابي للرئاسة، كما كان متصورا أو متفقا علىه، أمر غير صحيح تماما، بل ولا أعرف أية جهة في التنظيم في أية درجة علىا أو دنيا، سرية أو علنية رشحت أو اتفقت على ترشيح الترابي للرئاسة". ولكنه لو قرأ الوثائق الداخلية للمؤتمر الشعبي، والتي وزع بعضها على الفروع التنظيمية لعرف، إذ أني ذهبت لأول مقدمي من الخارج عام 2000 الى منزل الدكتور الترابي من أجل المودة و"من أجل الحقيقة والتأريخ" أيضا، فأعطاني أحد معاونيه ملفا بعنوان(الأوراق بشأن الأزمة ومراحلها)، وهي أوراق كتبت بعناية وقصد بها تمليك العضوية بعض المعلومات "الخاصة" التي تساعدها في فهم خلفيات النزاع وفي محاججة الطرف الآخر. جاء في ورقة "بسط المعلومات" ما يلي: "كانت خطة الحركة بعد العام الثالث للتمكين أن تبرز الحركة كلها، وتتولي المسؤولية مباشرة بكامل رموزها وخطتها، وتجلي ذلك في قرار حل مجلس قيادة الثورة، وكانت الخطة أن يتولي أمين عام الحركة قيادة دولتها، ولكن خلصت الرؤية أن في رئيس مجلس الثورة ما يحقق ذات الغايات". وبالطبع فان الأمين العام المشار الىه هو الدكتور الترابي، والوثيقة تذكر صراحة وجود خطة للحركة تقرر فيها أن يكون هو رئيسا للدولة. وانكار الشيخ السنوسي لهذا الأمر فوق أنه لا يفيد الا أنه أيضا يهدم أهم حجة كان ولا يزال يعتمد علىها الترابي، اذ يتهم المجموعة الأخري "بخيانة عهد الحركة الإسلامية المعهود سرا بيمين مغلظ"، فهل تعتقد أن ذلك العهد المعهود سرا بيمين مغلظ هو أن يحمل الترابي عصاه ويرحل عن الساحة السياسية؟ ولذلك فان ما أوردت في مقالي من ترشيح للترابي "متصور أو متفق علىه" مأخوذ من هذه الوثيقة، والتي لا تتحدث عن مجرد "ترشيح" للترابي لرئاسة الجمهورية، وانما تتحدث عن اتفاق سري مسبق تم تضمينه في الخطة الثلاثية الأولي. ثم تقول الوثيقة أنه عندما طرح موضوع رئاسة الجمهورية في اجتماع للمكتب القيادي عدل عن الإتفاق السابق وتم التراجع عنه، أي بعبارة أخري أن الترابي قد فقد رأي الأغلبية في المجلس القيادي، وهذا في تقديري هو أهم حدث من أحداث النزاع من أولها الى آخرها، والترابي نفسه لم ينكر ذلك، اذ يرجع بداية الخلاف الى ذلك الوقت، ويلمح حينا ويصرح حينا آخر بأن "خيانة" قد ارتكبت ضده. أما الفريق البشير فقد ذكر صراحة أن الخلاف مع الترابي يعود الى عام 1992(أنظر الأهرام، بتاريخ 16ديسمبر 1999)، فاذا كان الشيخ السنوسي لا يعرف "جهة في التنظيم، في أية درجة علىا أو دنيا، سرية أو علنية رشحت أو اتفقت على ترشيح الترابي للرئاسة" فان عدم المعرفة من قبله لا ينفي وقوع هذه الحوادث.
    ويسألني الشيخ السنوسي ويرجوني أن أذكره: أين ومتي جاهر علي عثمان برأيه في ترشيح البشير، وأقول، مواصلة لما سبق، أن موضوع الترشيح لرئاسة الجمهورية قد طرح في المجلس القيادي عند نهاية الخطة الثلاثية التي تتحدث عنها، فسأل الترابي الحضور: ومن هو مرشحنا لرئاسة الجمهورية؟ متوقعا أن تجيء الإجابة مؤكدة للعهد السابق "المعهود سرا"، ولكن علي عثمان أجابه بأن "مرشحنا هو البشير"، ثم تكلم عوض الجاز مؤيدا لرأي علي عثمان، ولعل الأكثرية قد سارت في هذا الإتجاه، مما جعل الترابي يتأكد في ذلك الإجتماع أنه قد فقد الأغلبية، وأن رأيا معاكسا لرأيه قد بدأ يتبلور في داخل القيادة، مما جعله يحني ظهره للعاصفة، وهو سياسي محنك، فيؤيد ترشيح البشير على مضض، ولكنه بدأ يعد العدة، على اثر ذلك الإجتماع، لإزاحة كل من علي عثمان وعوض الجاز من المواقع التي كانا علىها، فأزيح علي عثمان بالفعل من موقع نائب الأمين العام الذي ظل يشغله لسنوات طويله، كما أزيح عوض الجاز من موقع وزير شؤون الرئاسة. وسبب تلك الغضبة هو أن الترابي كان يتوقع من هذين الأخوين بالذات أن يقفا الى جانبه في صراعه ضد العناصر العسكرية في المجلس القيادي، بل إنه كان يأمل في أن يقوما بتسهيل عملية "التسليم والتسلم"، وذلك هو ما قصدته بعبارة "دحرجة العسكريين الى خارج السلطة" التي وردت في مقالي، ولم أقصد ما فهمه منها الشيخ السنوسي في رده.
    (5)
    ويقول الشيخ السنوسي في مقاله الثاني: "وليس صحيحا أننا عقدنا اجتماعا في منزل الأخ عثمان خالد لهذا الأمر،(اختيار نائب أول) ولو تم مثل هذا فقطعا لم يحضره د.الترابي، ولا سمعنا بجهة تنظيمية كلفت أحدا باعداد أسماء المرشحين للنائب الأول"، ثم أخذ ينقل نصوصا من مفكرته الىومية. وطبيعي أن الإنسان يدون في مفكرته الىومية بعض الأعمال المهمة التي يقوم بها، والشخصيات التي يقابل، ولكن من الطبيعي أيضا أن ما يقوم به "الآخرون" في جهات أخري من المدينة لا يجد سبيلا الى مفكرته الىومية، وانما يحتاج الى بحث خارج المفكرة. فلو أن الشيخ السنوسي، الباحث المهتم بالحقيقة والتاريخ، أغلق مفكرته واتصل بالأخ عثمان خالد لأكد له أن هناك اجتماعا انعقد في منزله عقب وفاة اللواء الزبير ونوقشت فيه مسألة اختيار نائب أول، ولو سأل الأخ أحمد عبد الرحمن محمد لأكد له الحدث نفسه، ولزاده علما بأن الترابي هو الذي طلب منه أن يدعو لذلك الإجتماع، ولو سأل عبد الله حسن أحمد أو عثمان عبد الوهاب لأكدوا له أنهم أيضا حضروا ذلك الإجتماع واقترحوا أن يكون الترابي نائبا أولا لرئيس الجمهورية، ولو سأل محمد محمد صادق الكاروري لذكر له أنه أيضا حضر ذلك الإجتماع وأقترح أن يكون أحد العسكريين (بكري) نائبا أول، ولو سألت موسي حسين ضرار لما أنكر أنه قد حضر الإجتماع وأقترح بأن يحمل أسماء المرشحين الى الرئيس البشير(إلا أن الرأي استقر على أن يحملها الترابي نفسه، وقد كان).
    فالخبر الذي أوردته في مقالي صحيح، بل ان الشيخ السنوسي نفسه وبعد أن قطع بعدم صحته في الجملة الأولي من نصه المشار الىه آنفا تراجع قليلا في الجملة الثانية ليقول (ولو تم مثل هذا الأمر).والغريب أنه بعد أن صال وجال في مفكرته وصل بنا الى المعلومة ذاتها التي حاول أن ينفيها: وهي ان اسم الترابي كواحد من المرشحين الثلاثة قد وصل الى سمع الرئيس البشير وبصره، وأن الذي أوصل ذلك هو الترابي نفسه، ولا يهمنا هنا ان كان قد فعل ذلك "عرضا" على صيغة المزاح، أو فعل ذلك على سبيل السخرية من صاحب الإقتراح. ويقول السنوسي: "ما سمعنا بجهة تنظيمية كلفت أحدا باعداد أسماء المرشحين للنائب الأول"، ثم تراه يقول بعد قليل:" وخرجنا من ذلك الإجتماع (مع الترابي) بتكليف الأخ أحمد عبد الرحمن بأن يخطر الأخوة الكبار، ويتولي الأخ يس أخطار نافع،...وأوكل الي إخطار الأخ علي..."، هذا الكلام يناقض آخره أوله، كما هو ظاهر، اذ ان "إخطار" هؤلاء الأخوة الذين يذكرهم ليس هو شيء آخر غير توجيه الدعوة الىهم للاجتماع بغرض مناقشة الموضوع واقتراح شخص لموقع النائب الأول.
    على أن أهم ما استفدناه من مفكرة الشيخ السنوسي أنه استطاع من خلالها أن يقدم لنا صورة عن حالة الفوضي والإضطراب والعشوائية التي كان يدار بها التنظيم. فلا نسمع ذكرا للهيئة القيادية أو المكتب السياسي أو مجلس الشوري، ولا نسمع ذكرا للائحة أو دستور، كل ما نسمعه في رواية السنوسي أن "شلة" من الأخوان الكبار اجتمعت في منزل أحدهم ثم اتفقوا أو لم يتفقوا فقرروا أن يلتقوا في مكان آخر، ثم انعقد اجتماع آخر في منزل شخص آخر، ثم يذهب الشيخ السنوسي "مبكرا الى منزل الدكتور الترابي، ويشرب معه الشاي،(اي والله) ثم يخطره بما دار في منزل الأخ علي عثمان، وأن الأخوة اتفقوا أن يكون المرشحان علي عثمان وعلي الحاج". ولا أجندة ولا وقائع ولا يحزنون، (ثم يتوعدني: هذا هو التاريخ يا د. تجاني والناس أحياء في السلطة أو خارجها)، وأقول له نعم التأريخ يا شيخ ابراهيم، ونعم التنظيم، وهكذا فلتدار الدولة الإسلامية وليزدهر نموذجها الحضاري.
    ثم قلت ان الترابي كتب الدستور بالطريقة التي كان يريدها، واعترض الشيخ السنوسي على ذلك، وكنت أظن أنه سيقول أن الترابي لم يكتب الدستور وحده وانما شاركته لجنة صغيرة أو كبيرة من القانونيين وفقهاء الدستور، وأنه (أي السنوسي) قد شارك في تلك اللجنة بحكم تخصصه القانوني، وأن تلك اللجنة قد اعترضت على شيء من المواد التي وضعها الترابي، او أضافت شيئا، أو نحو ذلك من أنواع المشاركة التي تكون حجة يستند علىها فيقال أن اللجنة لم تكن لتسمح له أن يكتب الدستور بالطريقة التي يريد، أما ذا كتب شخص دستورا ما، من ألفه الى يائه، غير مقيد من أحد فكيف يقال أنه لم يكتبه بالطريقة التي يريد؟ وهل يتصور أن يكتبه بالطريقة التي يريدها خصومه الذين وقفوا ضده في المكتب القيادي، ويقفون له بالمرصاد في رئاسة الجمهورية؟
    (6)
    ويشير الشيخ السنوسي الى الزهد ونكران الذات عند الترابي، وكيف أنه قرر أن يذهب الى "السجن حبيسا ويبعث الفريق عمر الى القصر رئيسا"، ويصور لنا في مقالىه كيف أن الترابي كان كارها للسلطة، وكيف أن السنوسي كان هو المحرك الأساس الذي يدفعه الى تلك المواقع دفعا، فالترابي مثلا لم يكن راغبا في رئاسة البرلمان، ولكن السنوسي هو الذي يقدم "مرافعة التأييد"، فيوافق الترابي، والترابي لم يكن راغبا في أن يكون نائبا أول (لكي يذكر في التاريخ كذكر عبد القادر الجيلاني، وينسي الرسميون كما نسي الخليفة العباسي)، ولكن الشيخ السنوسي كالعادة يقدم مرافعة التأييد قائلا: " هذه المرة يجب أن يكون النائب الأول أخا ملتزما، مدنيا وليس عسكريا..واحد اسمه حسن عبد الله"، ولكن برغم أن الواحد الذي اسمه حسن عبدالله لم يوافق على ذلك الإقتراح واستخف به الا أنه ذكره، على علاته، للرئيس البشير. وهكذا يتحفنا الشيخ السنوسي بمرافعاته العجيبة، والتي لا ندري كيف يعتقد أنها تمثل دفاعا عن مواقف الترابي، أو تؤكد زهده في السلطة وكراهيته لها.
    على أن اللافت للنظر هو أن كل المسارات التي يسير علىها الترابي محمودة عند الشيخ السنوسي في كل الأحوال، فاذا امتنع عن السلطة مثلا فان ذلك الإمتناع محمود ويدل على التجرد ونكران الذات، واذا نازع في السلطة، فان نزاعه أيضا محمود عند الشيخ السنوسي لأنه "هو أمين الحركة والمشروع". وهذا دفاع ليس بالحسن، بل الأحسن منه أن يقال أن الترابي بشر مثلنا، يحب السلطة ويسعي نحوها وينازع فيها، لأنه لو كان حقا يكرهها ويتجنبها، كما يريد الشيخ السنوسي أن يقنعنا، لأنشأ له "خلوة" في قرية ود الترابي على مقربة من النيل الأزرق فانقطع فيها للعبادة الخالصة، أو لتفرغ لإطعام الجوعي وأصحاب العلل النفسية، كما كان يفعل الشيخ البرعي، رحمه الله، في زريبته بعيدا عن الإذاعة وقنوات التلفزيون. أما وأن الشيخ الترابي قد أنشأ له حزبا سياسيا، وتفرغ له عقودا من الزمن، وقاتل فيه وقوتل حتي كاد أن يقتل، ثم يقال لنا بعد ذلك أنه زاهد في السلطة لا يريدها ولا يسعي لها (الا إذا أصر علىه الشيخ السنوسي) فهذا قول شديد الضعف، ولو كنت مكان الشيخ السنوسي، وأردت أن أدافع عن دوافع ومواقف الشيخ الترابي لدافعت بأحسن من هذا، إذ من الممكن أن يقال أن حب السلطة والسعي لها والمنازعة فيها (أو طلب الإمامة كما كان يقول سلفنا الصالح)لا تعد من أمور "العيب" المكروهة في ذاتها، كما يتصور الشيخ السنوسي، وهو تصور مأخوذ من الثقافة الشعبية الدارجة في السودان، أما في الرؤية الإسلامية فان السعي نحو السلطة أو التنافس فيها لا يعتبران عيبا، فقد تنازع فيها أهل الشوري من الصحابة، فما رد عنها طالب ولا منع منها راغب، كما عبر عن ذلك أحد العلماء، ولكن المكروه دينا وسياسة هو أن يجر طلب الإمامة الى كشف عيبة للمسلمين كانت مكفوفة، أو الى نقض عهد كان مبروما، أو الى أغراء عدو متربص، أو تحريك فتنة يسفك فيها دم. ولقد قلت مثل هذا القول ونشرته عام 2000 حينما أوشكت العاصفة أن تقتلعنا جميعا، ولم أعب من قبل ولا من بعد على الترابي أو غيره أن يسعي الى موقع رئاسة الجمهورية، وأن ينازع في ذلك، ولكن الذي قلته و أقوله الآن ان "التكتيك" الذي اتبعه الترابي وهو ينازع في مواقع الرئاسة(ثم جاراه فيه الآخرون) كان تكتيكا فاشلا خسر الترابي بسببه رئاسة الجمهورية، وخسرنا نحن بسببه الحركة الإسلامية ذاتها، وظللنا ندفع فاتورة ذلك الخسران وسنظل ندفعها زمنا طويلا، كما خسر الشعب السوداني بسببه موارد بشرية واقتصادية هائلة.وهذا رأي رأيته، وقد قادني الىه البحث والنظر وليس الإحباط، كما ألمح في تعقيبه. واني لأفهم أن يكون له رأي مخالف، ولكن لا أفهم لماذا يعتقد أن رأيي هذا يعتبر تشويها لصورة الترابي أو اساءة لشخصه.
    (7)
    ويسألني الشيخ السنوسي: " وهل في الحركة (الاسلامية) من هو أجدر بها (رئاسة الدولة) وأقوي منه (الترابي)، وهو الأمين العام للحركة الذي قادها منذ ثورة أكتوبر1964 حتي خرجت الحركة الاسلامية من تحت الأرض الى حزب،الى دولة؟" ولم أنكر في يوم من الأيام القدرات العديدة التي يتمتع بها الدكتور الترابي، زاده الله قدرة ومتعه بها، كما لم أنكر الإسهام الكبير الذي قدمه من أجل تأسيس الحركة الإسلامية وتطويرها، وما تحمل في ذلك من صعاب وقدم من تضحيات، فجزاه الله خيرا كثيرا على ما فعل، ولكن، وطالما أن الشيخ السنوسي يتحدث باسم "الحقيقة والتاريخ" فان الحقيقة والتاريخ يقتضيان أيضا أن يشير ولو في جملة واحدة الى الجنود المجهولين الذين ساهموا مع الترابي ومثله في تأسيس الحركة الإسلامية ودفع مسيرتها، أقصد شباب الحركة الإسلامية وشيوخها الذين تخلوا عن أسرهم ووظائفهم ومدارسهم وتخندقوا في الصحراء، أو تفرقوا في أودية الغربة سنين عددا من أجل الدفاع عن الحركة الإسلامية ونصرتها، أو أولئك الذين جاءوا من بعدهم فقدموا أرواحهم في غابات الجنوب فداء للحركة وللوطن، أو الذين عادوا من الجنوب يتكئون على "أطراف صناعية" بعد أن فقدوا أرجلهم وأياديهم، أو السابقين الأولين الذين كانوا يقودون النضال الىومي بين الجماهير، يكتبون صحف الحائط الممنوعة، ويوزعون المنشورات الخطرة، ويخرجون الى الشوارع ليضخ علىهم الغاز المسيل للدموع، ويضربون بالسياط، ويفصلون من الجامعات، ويوضعون في المعتقلات والزنازين، يكتبون أناشيد الحركة الإسلامية ويتغنون بها، ويدافعون عن مواقفها في أركان النقاش ومنابر العلم، ويصوغون الهتافات ويدفعون الإشتراكات (والتي تكاثرت بفضل الله حتي أصبحت شركات يتقاسمها بعض "الناس" الكبار ويتنعمون بها )، ألا يستحق أولئك الجنود الصامتون المجهولون ذكرا؟ أليس هم الأبطال الحقيقيون الذين صنعوا الحركة الإسلامية؟ وأخرجوها من تحت الأرض لتصير تيارا شعبيا عريضا تقف على رأسه دولة يتصارع حولها اخواننا الكبار؟ أم أن الترابي وحده هو الذي صنع ذلك وما على (الآخرين) الا أن يصفقوا ثم يلتزموا الصمت، أو "يعملوا انتباه ويرجعوا الى الخلف"، كما جاء في عبارة اللواء الزبير التي رواها الشيخ السنوسي بكثير من الإعجاب. أبعد أربعين عاما من التربية والنضال الفكري والسياسي تلتفت الحركة الإسلامية فلا تجد لقيادتها أو قيادة دولتها غير الترابي (والى جواره الشيخ السنوسي)؟ هل يظن الشيخ السنوسي انه بمثل هذا يمتدح الدكتور الترابي؟ اذن ما الفرق بينه وبين السيد الميرغني أو الإمام الصادق؟ أو "الشيخ"/الأستاذ نقد؟ ولماذا اذن خرجنا، نحن وهو، من أحزابنا "الطائفية" القديمة، وطرقنا الصوفية الحبيبة، وقبائلنا العريقة اذا كان تنظيمنا الإسلامي الحديث يرتكز على شخص عبقري واحد، ويعجز أن ينتج بديلا له لمدة أربعين عاما؟ أليس أفضل من هذا أن نصير جميعا الى القول بأن الترابي ساهم مساهمة كبيرة في تشكيل الحركة الإسلامية، ولكن الحركة الإسلامية أيضا ساهمت في صناعة الترابي وفي تحويله من استاذ في كلية صغيرة للقانون الى قائد اسلامي فذ ينافس في قيادة الدول؟
    (
    وبعد أن فرغ الشيخ السنوسي من دفاعه الأساس خلص الى القول بأن: "المقال كله يصب في اتجاه نظرية التآمر وسوء الظن". وهذا ما درج على ترديده بعض المثقفين العرب في الآونة الأخيرة حينما رأوا بعض السذج والعوام ينسبون كل حدث الى أجهزة المخابرات العالمية، ويرجعون كل كارثة تلم بالعالم العربي الى الدسائس الصهيونية، ليستريحوا بذلك من عناء التفكير وآلام محاسبة النفس. فأراد الشيخ السنوسي أن "يحشرني" في زمرة هؤلاء البلهاء حتي يتخلص مني بصورة كاملة، ويتخلص من ثم من الحقائق التي أوردتها ومن التحليل الذي قدمت، ولكن مهلا، فأنا لا أقول أن حركة التاريخ كلها تفسر بالمؤامرات الصهيونية أو غيرها، ولكني لا أتردد في القول بأن المؤامرة جزء من حركة التأريخ، وأداة من أدوات السياسة، حتي أن الإشارة وردت الىها في غير موضع من القرآن الكريم، فقيل لموسي علىه السلام(إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك)، وقيل لمحمد(صلى الله عليه وسلم): (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك)، بل إن الشيخ السنوسي نفسه لم يحقق أهم إسهاماته السياسية (يوليو1976) الا باستخدام "أداة المؤامرة"، اذ كان "يتآمر" على نظام النميري بالليل والنهار من داخل الجبهة الوطنية ومن خارجها، وكان حلفاؤه وأصدقاؤه في الجبهة الوطنية "يتآمرون" علىه، والنميري نفسه كان متآمرا كبيرا ولم يأت الى السلطة ويمكث فيها طويلا الا عبر سلسلة من المؤامرات، و "ثورة الإنقاذ" نفسها كيف أتت؟ هل نسيت ذلك؟ أيخفي علىك أن معظم تأريخنا السياسي الحديث يتكون، بكل أسف، من سلسلة مترابطة من المؤامرات والمؤامرات المضادة، ما تنضج مؤامرة كبيرة الا وأن تتولد بداخلها مؤامرات صغري مناهضة لها، وما أن ينطلق مشروع وطني كبير الا وأن تتولد بداخله مشاريع شخصية صغيرة تنخر في عظامه، والذي ينكر وجود المؤامرة في مثل هذا المناخ التآمري المتكدر كأنما يريدنا أن نغمض أعيننا ونكف عن التفكير وأن نسمع ما يقوله أخواننا الكبار ثم "نعمل انتباه ونرجع الى الخلف". المؤامرة يا شيخ ابراهيم أداة من أدوات السياسة والحرب والا لما أنشئت أجهزة للمخابرات، ولما وضعت حدود بين الدول، ولما أطلق علىك الرصاص ذات مرة.
    أما ما لم أقله في مقالى وأريد أن أضيفه الآن فهو أن بعض "الأدوات" والخبرات التي اكتسبها بعض اخواننا الكبار من جراء تعاملهم مع "الخارج/اللاإسلامي" قد صاروا يستخدمونها في "الداخل الإسلامي". كانوا يتآمرون ضد النظم القهرية التسلطية لينتزعوا منها أدوات التسلط، ولكن وحينما تحقق ذلك فسدت أخلاقهم وصاروا يتآمرون ضد بعضهم البعض، فانقلبت الأمور تماما، اذ حولوا خلافات (الداخل) الى تناقضات أساسية، ثم حولوا التناقضات الأساسية ضد (الخارج/اللاإسلامي) الى ضرب من الصداقات الزائفة، وهذا هو جوهر القضية التي حاولت مجرد الإيماء الىها فاتهمت بسوء الظن وتشويه صورة الكبار، مما يعني أننا برغم كل هذه المعاناة والمآسي لم نبلغ بعد مرحلة من النضج نستطيع بها أن نفتح ملفاتنا، وأن نتحدث بصراحة عن أخطائنا. فالكبار الذين ظلوا يقودون الحركة "أربعين" عاما يريدون أيضا أن يمسكوا "بتأريخ" الحركة أربعين عاما أخري حتي لا يري أحد إلا ما يرون، ولا حول ولا قوة إلا بالله
                  

11-28-2006, 09:01 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48724

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جذور الإنشقاق والمفاصلة.. الإخوة الأعداء!!!! أو بين القصر والمنشية!!! (Re: Yasir Elsharif)

    ويواصل الدكتور التيجاني :

    Quote: أخواننا الصغار
    ومشاريعهم التوسعية الكبرى«1ـ2»
    د.التجاني عبد القادر
    «1»
    أشرت فى مقال سابق لارهاصات تحول إستراتيجى وقع فى مسار الحركة الإسلامية، فذكرت أن ذلك التحول قد يتبلور فى اتجاه تحالف ثلاثى بين «القبيلة» و«السوق» و«الأمن»، وألمحت لاحتمال أن «تبتلع» القبيلة تنظيمنا الإسلامى الحديث، كأن يتلاشى فى أنساق من التحالفات و الترتيبات والموازنات التى تتلاقى فيها المصلحة الإقتصادية، والإنتماء القبلى، وتحرسهما شبكة من الكوادر والتدابير الأمنية. اذ أنه بدلا من أن يضعف التنظيم الاسلامى الولاءات القبلية أو ينجح فى ادراجها فى الولاء الاسلامى العام فقد تتكاثر بعض العناصر القبلية داخل تنظيمنا الإسلامى وتستخدمه «مستقوية بالأجهزة الأمنية» لمصالحها الجهوية والعرقية. وأريد فى هذا المقال أن أتوسع قليلا فى بعض تفاصيل ذلك التحول الذى ظهر فى صورة معادلة مختلة بين التنظيم والأجهزة الأمنية التى أنشاها لرصد تحركات الأعداء وجمع المعلومات عن النشاط المعادى لحركة الإسلام.
    لقد كانت الرؤية الأساسية لوظيفة التنظيم هي أن يسد الفجوة بين المثال الاسلامى والواقع من جهة، وبين الدولة والمجتمع من جهة أخرى، أى أن يكون مساحة يستولد فيها برنامج اسلامى وطنى تنموى يقوم على الطوع والتراضى. ولكن قلبت هذه الرؤية رأسا على عقب حينما استولى الإسلاميون على جهاز الدولة فى منتصف عام 1989، اذ ما أن أزيحت حكومة الأحزاب وحلت مكانها حكومة الإنقاذ الا وقد أزيح كذلك التنظيم، فصار من الطبيعى والحالة هذه أن لا يتم الاتصال فى كثير من الأحيان بين حكومة الإنقاذ و فئات المجتمع الا من خلال أجهزة الأمن، وصارت الملفات السياسية والعسكرية والاقتصادية جميعها تتحول وبصورة منتظمة الى الأجهزة الأمنية، مما زاد التوتر بين الحكومة والمجتمع، وهذا خطأ وخطر في ذاته، ولكن الأخطر منه هو أن تلك الظاهرة قد قادت الى تلاشى الوجود المؤسسى للتنظيم الإسلامى، فأدى ذلك من جهة لتولد فجوة نفسية وسياسية بين قيادة التنظيم وقاعدته، كما أدى من جهة أخرى لتوتر وشقاق بين قيادة التنظيم وقيادة الحكومة.
    ان ظاهرة أن «يبتلع» تنظيم اسلامى من قبل الأجهزة التى أوجدها قد تبدو غريبة أول الأمر، اذ كيف تهيمن عناصر أمنية على تنظيم اسلامى يقوم أساسا على عقيدة في الدين تؤمن بحرية الانسان وكرامته، وكيف تهيمن عناصر فرعية ناشئة على تنظيم اسلامى عتيق ظل هو نفسه يعانى من وطاة اضطهاد ومطاردة الأجهزة الأمنية ردحا من الزمن. ان كثيرا من الإسلاميين وربما يأتى في مقدمتهم الأمين العام للحركة الإسلامية كانوا ينظرون باستهانة لأجهزة المعلومات ولا يتوقعون خطورة من جانبها، بل ويعتقدون أن بامكانهم السيطرة عليها بصورة مستمرة. وأذكر فى هذا الصدد حديثا دار بينى وبين الدكتور حسن الترابى على خلفية صدور كتاب للدكتور عبد الوهاب الأفندى «عام 1995» أشار فيه لبعض الممارسات الأمنية وانتقدها انتقادا شديدا فأثار حينها ضجة. سألت الدكتور الترابى عن رأيه فيما ورد في الكتاب فقال باقتضاب: ان الأفندى ينسب لهذه الأجهزة أدوارا أكبر مما هى عليه في الواقع، ثم التفت الى قائلا: ومن هى هذه الأجهزة؟ «مش هم أخواننا الصغار ديل؟»، وانقطع الحديث بيننا في ذلك الوقت ولكن سعى «أخواننا الصغار» في اتجاه الهيمنة والإبتلاع لم ينقطع، بل تنامت قدراتهم السياسية حتى استطاعوا أخيرا أن يلقوا بالشيخ الترابى وبتنظيمه في غياهب الجب. حينئذ فقط أدرك الأخير وهو في السجن، أى بعد أن وقع الفأس على أم الرأس، أن الأمر أخطر بكثير مما كان يتصور، فأخذ يدون في مذكراته كأنه يريد أن ينذر من خلفه من الإسلاميين الساذجين قائلا:
    « ولذلك، ينبغى أن تكون شعبة الإمارة العليا التى تحفظ الأمن وتبسط الشرطة وتضطر الى مد حبال الأمن الخفية عرضة للرقابة من الرأي العام وأنظومة الشورى ومضبوطة بالقضاء، أمرها كله بين للملأ تطمئن به الرعية الى أن أمنها محفوظ من مخاوف الشر والجريمة في ذات البين، وأن حد السلطة البين وتقوى الرعاة الذى حملوا أمانتها، يراعى الميزان القسط بين الحرية والخصوص لديهم والنظام الآمر الذى تقتضيه المصلحة العامة والسطوة النافذة التى تستدعها الضرورة لدى السلطان». «السياسة والحكم،ص342» .
    فالترابى في هذا النص الممعن في التستر والغموض يكاد يقول، من شدة ما ذاق من «أخوانه الصغار»، أن نشاط الأجهزة الأمنية في النظام الإسلامى ينبغى أن يعرض كله على أجهزة التلفاز، فيكون «عرضة للرقابة من الرأى العام، وأنظومة الشورى والقضاء» و هذا بالطبع يمثل قفزة هائلة الى الأمام لم يبلغها نظام اسلامى في السابق أو نظام ليبرالى في اللاحق. ولكن القفز الى الأمام لن يفيدنا في شىء، خاصة اذا كان ينطوى على قدر من اليوتوبيا التى تصرفنا عن رؤية الماضى المأساوى، وتصدنا عن تشخيص مكامن الداء. أما السؤال الذى ينبغى أن يطرح بالحاح ويجاب عليه بشجاعة واخلاص فهو: كيف استطاع «تنظيمنا الإسلامى الحديث» أن يستولد نظاما فرعيا «من أخواننا الصغار-كما في عبارة الترابى» أستطاع في فترة وجيزة نسبيا أن يتسلل الى مراكز القيادة والتوجيه، وأن يتمكن من اعادة تشكيل سائر القيم و النظم التى كان يرتكز عليها التنظيم الأم؟ وكيف نستطيع أن نخرج من مثل هذا «المأزق البنيوى» الذى أدخلنا فيه الأمين العام ثم خرج سالما ليؤسس حزبه الجديد؟
    «2»
    كنا نتوقع أن نجد في كتاب الأمين العام الذى تجاوز عدد صفحاته الخمسمائة اشارة الى نوع من الخطأ الذى وقعت فيه القيادة فيما يتعلق باستكشاف رؤية إسلامية للأمن وطرق ادارته، ولكن الكتاب هدف في مجمله لتأسيس قطيعة مع ماضى «الإنقاذ» وادانته ولكن دون مواجهة صريحة لذلك الماضى- خاصة ما يتعلق منه بممارسات الأجهزة الأمنية، لأن مواجهة الماضى تعنى في هذه الحالة مواجهة الذات ونقدها، وهذه هى العقبة التى لم يتيسر للامين العام حتى هذه اللحظة أن يتخطاها. فاذا خلا كتابه من أىة معلومة مفيدة في هذا الصدد فكيف ومن أين نحصل على معلومات مناسبة تمكننا من الفهم الصحيح لحقيقة المهام التى كانت تقوم بها تلك الأجهزة، أو الآليات الفعلية التى تتحرك من خلالها، أو الميزانيات المتوفرة لديها؟ ليس أمامنا ألا أن نعتمد على بعض التجارب الشخصية المحدودة لبعض «أخواننا» ممن أحتكوا معها بصورة مباشرة، أما بحكم مواقعهم المتقدمة في التنظيم أو في الخدمة المدنية. وسأكتفى في هذا المجال بسرد حكايتين سمعتهما من مصدريهما مباشرة.
    الحكاية الأولى: ذكر لى الدكتور المهندس محمود شريف«رحمه الله» أنه حينما كان مديرا للهيئة القومية للكهرباء تم استدعاؤه ذات مرة من قبل وزير الطاقة، وسبب الإستدعاء أن الدكتور محمود شريف قد أعاد أحد المهندسين «اليساريين» الى الخدمة بعد أن فصلته الأجهزة الأمنية من الهيئة العامة للكهرباء لأسباب سياسية. قال محمود: ولما سألت الوزير عن الطريقة التى علم بها هذا الأمر، استدار فالتقط ورقة من بين أوراقه وألقى بها أمامى، نظرت فيها فاذا هى صورة العقد الذى وقعته مع المهندس المفصول.أستشاط الدكتور محمود غضبا ولم يتردد لصراحته وشجاعته المعهودة أن يسمع الوزير كلمات موجعة. كيف حصلت على هذه الوثيقة من وراء ظهرى؟ قال له، ولماذا لم تطلبها منى فآتيك بها طالما أنى موظف لديك؟ أهذا هو فهمك للادارة؟ أأنت أكثر منى معارضة للشيوعية، أم أنت أكثر حرصا منى على الثورة؟ والذين يعرفون الدكتور محمود شريف لابد أنهم يتوقعون نهاية القصة. ذهبت معه خطوات لعله يواصل الحديث ولكنا كنا قد وصلنا عتبات مسجد جامعة الخرطوم لنؤدى صلاة المغرب، فتوقف ونظر الى مليا، ولم أكن أعلم أن تلك ستكون آخر مرة أراه فيها، ثم قال لى باللغة الإنجليزية:«I am really worried»، اننى لقلق حقا. وابتعد الدكتور محمود شريف عن هيئة الكهرباء، أو لعله أبعد عنها لا أدرى، وذهب الى جنوب السودان« أو لعله.... لست أدرى» حيث كانت الحرب مشتعلة، فقاتل كما يقاتل الأبطال حتى استشهد..
    إن الذين يعرفون محمود شريف عن كثب يعرفون أنه لم يكن مجرد مهندس كهربائى، وانما كان علاوة على ذلك قائدا اسلاميا فذا، جمع بين التأهيل التقنى والإلتزام الخلقى والتدريب العسكرى والنضال السياسى، لا نقول هذا من قبيل المديح الكاذب، إذ أن الرجل قد أمتحن مرارا واجتاز كل الامتحانات بجدارة، وكان أكثرها دقة وخطورة هو دوره «الميدانى» الذى مهد به السبيل لنجاح التحرك العسكرى فى 30 يونيو1989، اذ استطاع «كما ورد فى افادة للواء عبدالرحيم محمد حسين»أن يقوم فى كفاءة عالية بتجهيز وتنظيم الاتصال بين المجموعات العسكرية المشاركة فى الانقلاب، ولولا أمور فى داخل القيادة لا نملك معلومات عنها فى الوقت الراهن لصار محمود شريف عضوا أساسيا فى قيادة الإنقاذ. واستنادا على هذا فان «القلق» الذى أشار اليه فى حديثه معى لم يكن قلقا بسبب أنه سيزاح عن ادارة الهيئة المركزية للكهرباء، فقد كان أكبر بكثير من تلك الوظيفة، والتى كان زاهدا فيها وفيما عداها، كما يعرف عمال وموظفو الهيئة المركزية، وكما يعرف الشعب السوداني كله ويتعجب من حكومة الإنقاذ التى «تستغنى» عن محمود شريف. إن ما كان يقلق محمود شريف يعود فى تقديرى لأمرين: الأول هو تمدد الذهنية والأذرع الأمنية فى كل المساحات الأدارية والسياسية والإقتصادية، أما المصدر الآخر لقلقه فيعود لما وقع فى نفسه من انقسام لم يستطع أن يتعايش معه طويلا: أينخرط مثلا فى مقاومة داخلية ضد «أخوانه الصغار» الذين اخترطوا التنظيم والدولة وحولوهما الى ملفات أمنية، أم ينخرط فى مقاومة خارجية ضد حركة التمرد التى كانت تشعل حربا على التنظيم والدولة والمجتمع معا؟ وقد اختار محمود شريف جبهة الجهاد العسكرى الخارجى لأنها فى تقديره كانت الأكثر وضوحا ونظافة، وذهب الى ربه راضيا، أما الذين كانوا يشابهونه فى الرأي والموقف فقد فقدوا عنصرا قياديا صلبا كان من الممكن أن يشكل مركز استقطاب لعناصر الإصلاح فى داخل الحركة الإسلامية.
    الحكاية الثانية: ذكر لى أحد القياديين الإسلاميين المعروفين وكان وقتها يشغل منصبا كبيرا في بعض الوزارات، أنه كلما ذهب بعد صلاة المغرب لمنزل الشيخ الترابى أو لأمين العلاقات الخارجية «الشيخ السنوسى» ليطلعهما على بعض المستجدات، أو على المعلومات التى يحصل عليها من التقارير التى ترفع اليه، وجدهما على علم تام بما يريد أن يقول. قال: فصرت غير متحمس للذهاب اليهما أو اطلاعهما على شىء طالما أنهما موصولان «بعناصر خفية» ليس فقط في داخل وزارتى ، ولكن ربما في داخل مكتبى. وهذه لا تختلف عن القصة الأولى الا في نهايتها، اذ ابتعد هذا الأستاذ أيضا عن ذلك الموقع، أو لعله أبعد فلست متأكدا من ذلك، ولكن الذى أعرفه يقينا أنه لم يذهب الى الجنوب كما ذهب محمود شريف، ولم يستشهد حتى الآن «أطال الله في أيامه» ، ولكنه رفع الى موقع كبير آخر، ثم ضم أخيرا الى الأجهزة الأمنية؛ الأجهزة ذاتها التى كان يتبرم منها لأنها كانت تأخذ الأوراق من أدراجه.
    http://www.alsahafa.info/news/index.php?type=3&id=2147508096

    ..
                  

11-29-2006, 07:55 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48724

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جذور الإنشقاق والمفاصلة.. الإخوة الأعداء!!!! أو بين القصر والمنشية!!! (Re: Yasir Elsharif)

    اختلف اللصوص فظهر المسروق..

    Re: قصة انهيار ( سيد ) شباب البنوك

    والدكتور عبد الوهاب مثله مثل الدكتور التيجاني عبد القادر لم يستطع أحد منهم أن يكتشف أن العلة ليست في الأشخاص وإنما في الفكرة نفسها.. فكرة الحكم بإسم الإسلام..

    انفضاح امر التنظيم السرى المسلح للحركة الاسلامية
    ...

    Quote: القدس العربى بتاريخ 28/11/2006

    معضلة السوبر ـ تنظيم في صراعات الإسلاميين في السودان

    عبدالوهاب الأفندي:
    كاتب وباحث سوداني مقيم في لندن





    للفيلسوف البريطاني النمساوي الأصل لودفيغ فيتغنشتاين نظرية في استخدام اللغة قد تبدو سطحية في ظاهرها ولكنها ذات مغزي عميق جداً. هذه النظرية التي تعرف بنظرية (أو مقولة) اللغة الخاصة تتلخص في القول باستحالة وجود لغة خاصة لا يعرف قوانينها إلا متكلم واحد، لأنه لو وجدت لغة من هذا النوع لاستحال تصحيح الخطأ والنسيان فيها. فلو أن الشخص المعني نسي أو استشكل عليه معني عبارة معينة، فإلي من يلجأ لإرشاده إلي الصواب إذا كان هو الوحيد الذي يفهم اللغة المعنية وقواعدها؟ وينتهي فيتغنشتاين بناء علي هذه الحجة إلي القول بأن اللغة هي في جوهرها ظاهرة اجتماعية أولاً وأخيراً.

    أستعيد هذه المقولة الفلسفية لأسلط الضوء علي جانب مهم من الجدل الدائر حول صراعات الإسلاميين في السودان، والذي أعاد الأخ د. التجاني عبدالقادر فتح النقاش حوله مؤخراً، فحرك أشجان كثيرين أدلوا بدلوهم في هذا السجال، منهم الشيخ إبراهيم السنوسي والعقيد محمد الأمين خليفة وأخيراً الأستاذ محبوب عبدالسلام. وقد يكون كثيرون آخرون قد ساهموا في هذا الجدل لم تصلني مساهماتهم. (وأنا أضع عبارة الإسلاميين بين مزدوجتين هنا لأن من يقرأ هذا المقال سيصل إلي خلاصة إن هذا الوصف لم يعد من الممكن استخدامه في حق من نتحدث عنهم). والنقطة التي أرمي إليها تتعلق أساساً بدور الجهاز الذي أطلقت عليه تسمية السوبر ـ تنظيم، وهو جهاز سري لا يخضع لأي مساءلة من جهة أخري في التنظيم الأوسع (ما عدا القيادة العليا ممثلة في شخص الأمين العام) تحديداً لأنه أساساً غير معروف لأي جهة أخري. فهذا الجهاز المنغلق علي ذاته قد طور منذ البداية لغة خاصة هي مرجعية نفسها. فإذا قال اليوم إن عقيدة الإسلام تقتضي شن الحرب علي أمريكا والعالم، كان الأمر كذلك، وإذا عاد إلي الافتخار بتقديم الخدمات إلي جهاز المخابرات المركزية الأمريكية، أصبح هذا هو الجهاد الذي فرض عين علي كل مسلم ومسلمة.

    وقد اتضح هذا الدور المحوري لـ السوبر ـ تنظيم منذ اللحظات الاولي لانقلاب الثلاثين من حزيران (يونيو) عام 1989، بدءاً من كون الانقلاب نفسه ودور الحركة الإسلامية فيه كان مفاجأة لأغلب من كانوا نظرياً يمثلون القيادة العليا للتنظيم، ولكنهم وجدوا أنفسهم فجأة علي هامش الهامش. وقد علق أحد الإخوة بأن أول ما كشف الانقلاب عنه هو أن كثيرين ممن كنا نعتقد أنهم أهل الحل والعقد في التنظيم انكشف الأمر فإذا بهم ليس لهم من الأمر شيء، بل أصبحوا من المتفرجين مثل غيرهم. ولم تكن خطة الانقلاب وحدها هي السر الذي استأثر به رجال الحلقة الداخلية السرية، بل أيضاً مسار الحكم بعد ذلك، وفلسفته وغايته النهائية. وفي الجدل الذي دار مؤخراً كان محور الخلاف هو حقيقة ما وصف بأنه الخطة السرية للنظام التي يؤكد البعض أنه كان متفقاً عليها، بل كانت مكتوبة وموثقة ومؤكدة بالأيمان المغلظة، بينما يقول آخرون، علي رأسهم التجاني، بأن المشكلة هي عدم وجود خطة من هذا النوع أصلاً.

    وهنا نعود إلي حجة فيتغنشتاين حول اللغة الخاصة، ذلك أنه لو كانت هناك خطة فإنها كانت بالتعريف خطة سرية، لا يعرف عنها أحد شيئاً سوي الطرفين المتخاصمين الآن، وبالتالي لا توجد أي آلية مستقلة للتحقق من وجودها أو حسم الخلاف في التأويلات والتفسيرات لها. وأنا أضيف أن هذا الأمر كان متعمداً، لأن القيادة لم تكن تريد أن تقيد نفسها بأي قيد، بما في ذلك خطة تضعها بنفسها. ولهذا جاء حل التنظيم وابتداع أدوات سياسية جديدة تتمحور حول الأجهزة الأمنية والأذرع السرية الأخري لـ السوبر ـ تنظيم ، بما في ذلك أجهزة التمويل السري.

    أقول هذا ليس رجماً بالغيب، وإنما لأنني شخصياً سعيت لاستجلاء الأمر ممن كنت أفترض أن عندهم الخبر اليقين، بدءاً من الشيخ الترابي. وقد تلقيت مرة وعداً وموعداً بإطلاعي إن لم يكن علي الخطة، فعلي الأقل علي الخطط العامة للتفكير الذي يحكم توجهات الحكم، ولكن الموعد ألغي في آخر لحظة لأسباب لم تشرح لي ولم يحدد بديل عنه حتي اليوم. وقد حدث الشيء نفسه في أمر أقل شأناً، وهو سياسة الحكومة حول الجنوب. وقد طلبت أكثر من مرة، بصفتي من المشاركين في وفود التفاوض حول الجنوب، عقد اجتماع يتم فيه التداول حول السياسة العامة في هذا المجال، وهو أمر لم يتم حتي اليوم. وربما يقول قائل ـ وهو إلي حد ما محق في ذلك ـ أن هذا الأمر لا يتعلق بغياب الخطط في هذه المجالات، بل برفض إطلاع غير أهل الشأن عليها. ولكنني بعد عدة سنوات من الإلحاح أبلغت من أحد الأشخاص من أهل الشأن بأنه لم تكن توجد أي سياسة متفق عليها حول الجنوب. وقد قال لي ذلك الشخص بالحرف الواحد: أنا المسؤول عن تنسيق السياسات حول الجنوب، وأنا أقول لك بأنه لا توجد سياسة. الجيش له سياسة منفصلة للجنوب، والأجهزة الامنية لها سياسة أخري، وصندوق إعمار الجنوب له سياسة ثالثة، ومنظمة الدعوة سياسة رابعة، وفلان له سياسة أخري، وقس علي ذلك
    .
    وقد أشار التجاني عبدالقادر إلي حادث الاعتداء علي الشيخ الترابي في كندا في صيف عام 1992 باعتبار أنه كان عاملاً حاسماً في تأجيج صراع السلطة. وفي حقيقة الأمر إن ذلك الحادث كشف لأول مرة لكل ذي شأن أنه لا الحركة ولا الدولة كانت لهما خطة، لأن الكل ترك التفكير كله لسيادة الأمين العام . وهكذا وجد الجميع أنفسهم في أيام غيبوبة الزعيم وكأنهم مركب بلا شراع ولا بوصلة. وبعد الحادث لم يصبح ممكناً أن يعزي المرء نفسه عن جهله بخبايا الأمور بالاعتقاد، شأن الغالبية، بأن الشيخ علي الأقل يعلم، مما طرح العديد من الأسئلة التي لم تجد أجوبة.

    الأمر لم يتغير كثيراً الآن، وما يزال التفكير ممنوعاً، والمشاركة في الحكم، سواء لأنصار المؤتمر الوطني أو المتحالفين معهم، هي مشاركة من يسمع ويطيع، ولا يجرؤ عن السؤال عن الاتجاه الذي تتجه إليه السفينة. الفرق أنه في الفترة الأولي كان هناك وهم يسوق بأن هناك تفكيراً يتم، وإن كان المفكر شخصاً واحداً. أما الآن فإن هذا الوهم لا وجود له. في المرحلة السابقة، كانت الأجهزة الأمنية وبقية مركبات السوبر ـ تنظيم تستمد شرعيتها من كونها الذراع التنفيذية للمشروع الإسلامي الذي كان يشبه ملابس الفرعون الخفية الشفافة، أما اليوم فإن لا أحد يدعي هذه الدعوي، لأن الكل أصبح يعرف أن الفرعون عارٍ من كل ما يستره. والحقيقة إن الفرق يكاد يكون معدوماً بين الحالين. فكما يتضح من نظرية اللغة الخاصة، فإن المشروع الإسلامي السري الذي لا يعرف تفاصيله إلا شخص واحد، أو جهاز واحد، وهو وهم كبير، لأن الشخص أو التنظيم المعني يملك حق توصيف المشروع المعين كيفما شاء.

    القول إذن بوجود خطة سرية هو غير ذي موضوع، لأن وجود مثل هذه الخطة وعدمها سواء، خاصة حين تصبح موضوع خلاف بين أطرافها المزعومين. وقد اتضح الآن بالتجربة ما كنا حذرنا منه منذ أكثر من عشر سنوات من أن الاعتماد علي تنظيم سري هو مرجعية نفسه والخصم والحكم في كل أمر هو أقصر طريق إلي التهلكة. ولم يكن ذلك التحذير حينها رجماً بالغيب، لأن نفس التجربة كانت قد اتبعت في الدول الشيوعية وكثر من الجمهوريات العربية، حيث كان الأمر ينتهي دائماً بنتيجة واحدة: دولة المنظمة السرية التي تدار كما تدار المافيا، ويهيمن عليها فرد واحد، قد يشاركه بعض أفراد أسرته وبطانته المقربين المغانم، ولكن السلطة تبقي له وحده. وقد كان الحزب الحاكم دائماً أول ضحايا هذا الوضع. في عهد ستالين أعدم أو سجن غالبية أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي. وقد لاقي المصير نفسه قادة أحزاب البعث في سورية والعراق وأعضاء مجالس قيادة الثورية في كل بلد ثوري. ولعل الصين تمثل القمة في هذه التراجيديا الكوميدية، ليس فقط لما أصاب قيادات الحزب الشيوعي من ضحايا التصفيات والثورات الثقافية، بل لأن ذلك الحزب الذي يتسمي بالشيوعية يقود اليوم أكثر النظم الرأسمالية شراسة وبشاعة في العالم.
    وبالمثل فإن دولة السوبر ـ تنظيم في السودان ظلت حرباً علي الحركة الإسلامية، وهو وضع لم يستجد مع الإنشقاق كما يريد البعض أن يوهمنا. ذلك أن ملاحقة من كانوا يطالبون بإحياء التنظيم إلي درجة الاعتقال والتعذيب للبعض سبق الانشقاق بوقت طويل. وقد أخبرني أحد الإخوة الذين تعرضوا لمحنة من هذا النوع أن ضابط الأمن الذي تولي إجراءات إطلاق سراحه قال له بالحرف الواحد: نرجو أن تكون قد تعلمت الدرس، ومن الآن فصاعداً إذا قلنا لك اتجه يميناً تتجه يميناً، وإذا قلنا يساراً فيساراً . ولم يجرؤ صاحبنا علي الاعتراض خشية ألا يطلق سراحه إن فعل.

    والشاهد هنا ليس هو فقط طلب الطاعة العمياء من المفروض فيهم أنهم رجال التنظيم البارزون، بل استخدام ضمير المتكلمين من قبل ضابط الأمن الذي يعتبر نفسه المتحدث باسم السلطة المطلقة التي تطاع بدون سؤال أو تفكير. وقد رأينا في الآونة الأخيرة أن الأمر يتعدي الحرب علي أي حركة إسلامية مستقلة إلي محاصرة ما يسمي بـ الحركة الإسلامية ، الجهاز الذي أنشأه المؤتمر الوطني الحاكم ليكون ذراعة الإسلامية في أكثر الاعترافات صراحة من المجموعة الحاكمة بأن الخيار الإسلامي لم يعد الحاكم لتوجهاتها، وإنما هو اهتمام جانبي تشغل به بعض أنصارها، مثل ما تنشيء بعض الأحزاب في داخلها جمعيات أصدقاء إسرائيل وما شابه لإرضاء بعض جماعات الضغط داخلها. ومع ذلك شهدنا في أكثر من مناسبة تحركات قوية لمنع هذه الحركة من حتي مجرد الحصول علي استقلال شكلي عبر انتخاب قادتها الموالين المطيعين بحرية.
    الأخ التجاني حذر من أن ابتلاع الأجهزة للتنظيم يقود إلي محذور آخر، هو ابتلاع القبيلة للتنظيم. وما نشهده اليوم هو اجتماع هذه السيئات إضافة إلي انتشار الفساد وهيمنة أسر بعينها علي نواحي مهمة من الاقتصاد. الفساد هو أيضاً ليس بتطور جديد كما يسعي بعض منتقدي الحكومة من الإسلاميين (سابقاً) لإيهامنا، لأن الفساد يعتبر جزءاً أساسياً من هيكلية السوبر ـ تنظيم. فالحديث عن الفساد بالنسبة للتنظيم السري الذي لا يحاسبه أحد لا معني له، لأن كل ما يفعله ذلك التنظيم هو مشروع عنده وفساد موضوعياً. فهو يجمع الأموال من مصادر مجهولة ويوزعها في مصارف يقررها هو. وقد استفاد كثير من قادة التنظيم من هذا الفساد، إما مباشرة عبر تمويل التنظيم لنشاطهم أو حتي حياتهم الشخصية، أو عبر وضعهم في مناصب لم يكونوا أهلاً لها، أو إيثارهم بالعقود إن كانوا من رجال الأعمال. وقد كثرت منذ الانقلاب الشركات والمؤسسات التنظيمية والحكومية وشبه الحكومية التي أثري كثير من أهل الولاء من العمل فيها. فالفساد جزء لا يتجزأ من بنية دولة المنظمة السرية، والسودان ليس بدعاً في ذلك فما من دولة عربية إلا وهي واقعة في براثن هذا الأخطبوط المتمثل في ثلاثي القلة الحاكمة وأجهزتها الأمنية وبطانتها وشركائها من الفاسدين والمفسدين.
    هناك واقعة كنا نرويها علي سبيل النكتة، وملخصها أن الفريق عمر البشير قال لمضيفه أثناء زيارته لبلد خليجي وهو يبرر لانقلابه: هل تصدق أن السودان هذا البلد الشاسع المعقد كانت تحكمه أسرتان فقط؟ ولم يدرك البشير ومساعدوه حجم الخطأ الذي وقع فيه إلا عندما أشاح الحاكم الخليجي بوجهه ولم يعلق، فتذكر القوم حينها أنهم يتحدثون مع حاكم بلد لا تحكمه أسرة واحدة فقط، بل رجل واحد. ولعل أكثر الأمور مأساوية في تجربتنا المعاصرة هو أن هذه الواقعة لم تعد للأسف نكتة نتندر بها، وإنما عنوان مأساة بلد ومحنة دين.


                  

11-29-2006, 11:51 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جذور الإنشقاق والمفاصلة.. الإخوة الأعداء!!!! أو بين القصر والمنشية!!! (Re: Yasir Elsharif)

    الاخ ياسر..
    اقرا فتنة السلطة والجاه ..الهمز واللمز بين الاخوان..
    تجد ما تبحث عنه ..
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de