فتنة السلطة والجاه ....الهمز واللمز بين الاخوان

نعى اليم ...... سودانيز اون لاين دوت كم تحتسب الزميل فتحي البحيري فى رحمه الله
وداعاً فتحي البحيري
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-28-2024, 06:33 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2006م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-12-2006, 03:09 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فتنة السلطة والجاه ....الهمز واللمز بين الاخوان (Re: الكيك)

    العسكريون الإسلاميون: أمناء على السلطة أم شركاء فيها؟ (1)
    د. التجاني عبد القادر
    قد لا يستطيع الباحث أن يستوعب ظاهرة النزاع بين الإسلاميين فى السودان ما لم يكتشف «الرؤية الإبتدائية» التي على أساسها تم التخطيط لعملية الانقلاب وتنفيذها فى يوليو 1989 م لقد بدا لي من خلال استماعي لإفادات عديدة من بعض أطراف النزاع، ومن إطلاعي على بعض ما توفر من وثائق مكتوبة، أن هناك تصورين مختلفين لما عرف بمشروع الإنقاذ الوطني لم يتم التعبير عنهما بوضوح، ولم يدر حولهما نقاش مستفيض في السنوات الأولى من الإنقاذ، ولكنهما تسببا بصورة مباشرة في الأزمة. التصور الأول يحمله الدكتور الترابي الأمين العام للحركة الإسلامية، وربما شاركه فيه بعض المقربين إليه ممن يثق فيهم. يمكن تلخيص هذا التصور في النقاط التالية:
    1- أن انقلاب 30 يوليو 1989 هو إجراء فني محدود أملته الضرورات الأمنية والسياسية التي كانت تحيط بالسودان وبالحركة الإسلامية خصوصاً وما صاحب ذلك من خطر ماثل على المصالح القومية.
    2- وأن دور العناصر العسكرية الإسلامية التي نفذت الانقلاب دور أداتي أو وظيفى محدود، وأن وجودهم على رأس السلطة الجديدة لا يتجاوز دور «الأمناء» الذين ينبغي عليهم ردّ الأمانات إلى أهلها، وأهل الأمانة هم المكتب التنفيذي للحركة الإسلامية ممثلة في أمينها العام ونائبه.
    3- وأن دور العناصر المدنية التي وضعت مبكراً في قمة السلطة وعلى قدم المساواة مع العسكريين ينحصر في دحرجة العسكريين إلى خارج السلطة بطريقة هادئة، مع تهيئة المناخ وإعداد المسرح لمرحلة القيادات الإسلامية.ويتأكد هذا اذا نظرنا للطريقة التى كون بها مجلس قيادة الثورة أو مجلس الوزراء، اذ أن بعض تللك الشخصيات لا يمكن الا أن تكون شخصيات «مؤقتة»، قابلة للدحرجة وللازاحة فى أقرب فرصة تتاح.
    ولكن هذا التصور لم تتم مناقشته بصورة واضحة وكافية وفي وقت مبكر من عمر الإنقاذ، وقد يرجع ذلك إلى أن تلك التصورات لم تجيء مكتملة في وقت واحد لدى كل طرف من أطراف النزاع، ويغلب على ظني أن تصور الطرف الأول (الأمين العام) كان واضحاً منذ اللحظة الأولى، بينما لم يكتمل تصور الآخر (الفريق البشير) إلا بعد فترة من الزمان وتراكم من التجارب، وأن ما وقع بينهما من اتفاق كان يقوم على أساس تصوري هش لم يلبث أن أهتز حينما بدأ الطرف الثاني في التدقيق وإعادة النظر وإعادة تركيب رؤيته الخاصة للأمور على ضوء التجارب الواقعية.
    أقول هذا وفي ذهني ما سمعت من بعض المصادر أن الأمين العام طرح على الحاضرين من العناصر العسكرية في اجتماعه معهم قبيل الانقلاب بفترة وجيزة سؤالاً صريحاً مفاده: كم ترون من الزمن يكفيكم لإنجاز مهامكم؟ فأجابه المتحدث باسمهم: تكفينا ثلاثة أيام فقط، نقوم فيها بتأمين الوضع ثم نسلمكم الأمر. فرد عليه الأمين العام: لا بل لكم أن تبقوا ثلاثين عاماً. تدل هذه المحاورة القصيرة، على افتراض صحة وقوعها، على أن كلا من الطرفين ربما كان يمازح الآخر، خاصة اذا لاحظنا أسلوب المداراة وروح المجاملة السودانية. أما من حيث الواقع فلا الأمين العام كان يريد العسكريين أن يبقوا ثلاثين عاما، ولا العسكريون كانوا على استعداد للتخلى عن السلطة فى ثلاثة أيام أو ثلاثة أعوام كما زعم المتحدث باسمهم. كما نستشف من تلك المحاورة واحدا من احتمالين: اما أنه لم تكن هناك مدة محددة ومتفق عليها ينفرد فيها العسكريون بالسلطة، أو أن مدة قد حددت بالفعل ولكن ترك فيها هامش للتطورات الظرفية التى يحددها «القادة الميدانيون»(ويقصد بهم الأمين العام وقائد المجموعة العسكرية ونائبيهما)، باعتبار أن التحديد القاطع لفترة زمنية، والإلزام الصارم بذلك، قد يتضاربا مع الكثير من التداعيات والتفاعلات التى لا يمكن التنبوء بها. أما هل تم اتفاق حول الكيفية التي تسلم بها السلطة، والجهة التي تسلم إليها، وهل اتفق على دور للمجموعة العسكرية لمرحلة ما بعد التأمين، فهذه أسئلة لا يمكن الإجابة عليها إلا بعد نظر فيما توفر لدينا من بعض وثائق المؤتمر الشعبى التي وزعت إعداد منها بعد أن وقعت المفاصلة النهائية بين طرفي النزاع في أواسط عام 2000م، جاء في إحدى هذه الوثائق ما يلي:
    1- أن بيانها الأول «الإنقاذ» قرر أن يعبر فيه عن ميقات تبسط فيه الحريات للناس كافة بعد إكمال إنقاذ الوطن من فتنة الحزبية، ولكن من بعد الإنقاذ تبسط الحرية للناس فوراً التزاماً بأصول الدين.
    2- ذات المكتب الذي قرر الإنقاذ، قرر في ذات الاجتماع الخطة نحو التمكين، وأول قراره أن تظهر الثورة قومية أول الأمر، ثم القرار بإعلان الشريعة الإسلامية بعد العام الأول، ثم القرار بظهور الرموز الإسلامية شيئاً فشيئاً وفق الاطمئنان إلى رسوخ التمكين والقرار بأن تنقل الحركة وظائفها تدريجياًُ نحو الدولة.
    3- المكتب التنفيذي للحركة- اعتباراً بتجاربه منذ جبهة الميثاق أمضى قراره الذي يمنع الازدواجية في قيام جهازين للقرار السياسي، وفوض الأمين العام ونائبه مسؤوليات إدارة المرحلة الأولى للتمكين مباشرة مع المسؤولين.
    4- أدى جميع أعضاء مجلس قيادة الثورة الملتزمين ورئيسه قسم الولاء والعهد أمام الأمين العام للحركة بالتزام خطة الحركة وقرارها وتنفيذ خطتها ورعاية أماناتها في تولي السلطة.
    5- كانت خطة الحركة بعد العام الثالث للتمكين أن تبرز الحركة كلها، وتتولى المسؤولية مباشرة برموزها وخطتها، وتجلى ذلك في قرار حل مجلس قيادة الثورة، وكانت الخطة أن يتولى أمين عام الحركة قيادة دولتها، ولكن خلصت الرؤية أن في رئيس مجلس الثورة ما يحقق ذات الغايات على ان يهيأ باللازم حتى يصبح هو نفسه أمين عام الحركة.
    6- إلا أنه وفي ذات الساعة التي وضعت فيها الآمال على شخص رئيس مجلس الثورة التمس أن يعذر في أول مخالفة لقرار الحركة وهو التخلي عن المنصب العسكري برتبته وزيه، وأن يتبعه في ذلك ولاة الولايات، ولم تقف الحركة في ذلك موقفاً حاسماً (أى أن رأي رئيس مجلس الثورة قد وجد تأييدا) .
    تتحدث هذه الوثيقة عن خطة للتمكين تقوم على مراحل متدرجة هي:
    مرحلة التظاهر بالقومية، ثم مرحلة إعلان الشريعة، ثم ظهور الرموز الإسلامية شيئاً فشيئاً وفق الاطمئنان إلى رسوخ التمكين، وأن إدارة هذه المراحل قد تركت إلى الأمين العام ونائبه والمسؤولين العسكريين -دون حاجة إلى بقية أعضاء المكتب التنفيذي الذي فوض صلاحياته إلى هؤلاء، ودون حاجة إلى مجلس الشورى الذي حل نفسه! وأن أعضاء المجموعة العسكرية قد أدوا قسم الولاء والعهد بالتزام خطة الحركة وقرارها ورعاية أماناتها في تولي السلطة.
    وقد فرغ من هذه المرحلة تماماً في السنوات الثلاث الأولى التي عرفت بسنوات التمكين. ولم يظهر إشكال - بحسب - نص الوثيقة إلا مع طرح خطة جديدة لمرحلة ما بعد العام الثالث للتمكين، تتخلى المجموعة العسكرية عن السلطة لتحل محلها الحركة الإسلامية، ويكون الأمين العام للحركة رئيساً للدولة.
    إن هذه الفقرة تعتبر فى تقديرى أهم ما ورد في الوثيقة كلها، بل أنها تعتبر أهم ما ورد من إفادات حول النزاع، فهي تقرر بوضوح أنه قد كانت هناك خطة تقضي بأن يحل المجلس العسكري وأن يتولى أمين عام الحركة قيادة الدولة، ولكن لماذا لم يحدث ذلك؟ أوقع تمرد مثلا من قبل المجموعة العسكرية حيث قررت البقاء في السلطة؟ أم عدلت الخطة بعد نقاش وتراض؟ لم تشر الوثيقة لأيٍ من الأمرين بصورة مباشرة، ولكنها ذكرت أن الرؤية قد خلصت أن يبقى رئيس مجلس الثورة في موقعه لأن فيه ما يحقق ذات الغايات التي يمكن أن يحققها الأمين العام، وذهبت الوثيقة إلى أبعد من ذلك فذكرت أن الرؤية قد خلصت أيضاً إلى أن يهياً رئيس مجلس الثورة باللازم حتى يصبح هو نفسه أمين عام الحركة! ثم تذكر الوثيقة أنه قد التمس أن يعذر من التخلي عن المنصب العسكري.
    يعنى هذا القول إذا صيغ في عبارة أخرى أكثر مباشرة ووضوحاً أن الخطة القاضية بالإحلال الكامل لقيادة الحركة محل مجلس الثورة قد عدلت بعد نقاش في داخل المجلس القيادي أو المكتب السياسي الذي ذكرت الوثيقة أنه يتكون من الأمين العام ونائبه والمسؤولين العسكريين، ويعني ثانياً أنه قد تم اتفاق بأن تتوحد قيادة الحركة والدولة في شخص الفريق البشير على أن يهياً لذلك بما يلزم، ويعني ثالثاً أن الفريق البشير كان يفضل أن يظل في موقعه العسكري بينما كان الترابي يرى عكس ذلك، وأن هذا الموضوع قد طرح للنقاش ولم يصل فيه المكتب القيادي إلى رأي حاسم، ويعني رابعاً أن رؤية معاكسة لرؤية الدكتور الترابي قد بدأت تتبلور في داخل المكتب القيادي وتكتسب وزناً يفوق الوزن الذي تناله رؤية د. الترابي.
    هذا، وقد يكون مناسبا أن نتوقف قليلا فى هذا الموضع لنعقب على ما تقدم. يلاحظ أن طرفى النزاع لا يختلفان فى ان الخطة الأولى القاضية بظهور حكومة الانقاذ بالصورة التى ظهرت بها(والمتمثلة فى اخفاء قيادة التنظيم واظهار مجلس قيادة الثورة) كانت مبنية على تقدير صائب لبعض الضرورات السياسية والأمنية التى تتحكم فى الاطار المحلى والاقليمى والدولى. اذ أنه لولا تلك الضرورات لكان ممكنا من حيث النظر أن يقوم عدد محدود من الضباط الاسلاميين بالاطاحة بالحكومة القائمة ثم ينصبون الامين العام للحركة الاسلامية رئيسا للجمهورية ثم ينصرف كل منهم الى ثكنته، أما من حيث الواقع فان مثل تلك الخطوة كانت ستمثل انتحارا سياسيا للحركة الاسلامية. أما الصورة الاخرى المقابلة فهى أن يقوم عدد من الضباط الإسلاميين بالاطاحة بالحكومة القائمة والإنفراد بالسلطة دون استناد على قاعدة الحركة الاسلامية او على قيادتها، ولكن ذلك أيضا اختيار محفوف بالمخاطر. هذه المعضلة لم تكن خافية على الدكتور الترابى كما لم تكن خافية على العقيد(آنذاك) البشير، اذ كان كل منهما يدرك أن هناك «فجوة» لا يمكنه تخطيها أو الالتفاف حولها الا من خلال الآخر، اذ كان أحدهما يمتلك مفتاح «الشوكة العسكرية» بينما كان الآخر يمتلك مفتاح «المناصرة الشعبية»، فصار «التحالف» بينهما أمرا ضروريا اقتضته الحاجة كما اقتضاه الظرف الذى تولد فيه الانقلاب العسكرى. فلو أن الحركة الاسلامية جاءت مثلا الى الحكومة عن الطرق السياسية المألوفة لكان من الطبيعى أن يكون أمينها العام رئيسا للجمهورية، ولو أن المجموعة العسكرية جاءت مستقلة عن تخطيط الجبهة الاسلامية ودعمها(سابقا ولاحقا) لكان من حق العسكريين أن يشغلوا المواقع القيادية التى يريدون، ولكن طالما أن كلا من الطرفين قد قبل الدخول فى «شراكة الضرورة»، ورضى بإمارة «الإستغلاب»، فكان عليه أن يدرك أن لأى إمارة من هذا النوع منطقها الذاتى وتفاعلاتها وتطوراتها الخاصة بها، والتى قد لا تكون ضارة بأى من الطرفين طالما أنه يحتفظ «برصيده» الأساسى الذى أهله فى المقام الاول للدخول فى تلك الشراكة. ولكن الترابى ومن كان الى جانبه فى قيادة الحركة قاموا من جانبهم بتبديد رصيدهم الخاص وذلك من خلال تأييدهم لحل أجهزة الحركة التنظيمية ظنا منهم أن التخلص من الرقابة التنظيمية سيطلق يدهم من كل قيد فيستحوذون على السلطتين: سلطة التنظيم وسلطة الدولة. غير أن ذلك كان تقديرا خاطئا، اذ أن تغييب التنظيم لم يؤد الا الى زيادة نفوذ الطرف الآخر الذى لم يعدم أصحابه، كما لاحظ الدكتور الطيب زين العابدين، «معاونين من عناصر الحرس القديم الذين كانوا يضيقون بمنهج القيادة الاولى(قيادة الترابى) فى العمل أو يحرصون على البقاء فى مناصب السلطة.»(حديث الى آل البيت،الرأى العام، 20أكتوبر 1999)، ففقد الترابى ومجموعته «التنظيم» الذى كان بين أيديهم، كما فلتت منهم «الدولة» التى كانوا يحلمون بها

    العسكريون الإسلاميون: شركاء فى السلطة أم مالكون لها؟ (3/3)
    د. التجانى عبد القادر
    (أ)
    أشرنا فى المقال السابق الى أن أطرافا جديدة بدأت تظهر فى مسرح العمليات، يتمحور بعضها حول الدكتور حسن الترابى وبعضها الآخر حول الرئيس عمر البشير، وقلنا إن تلك المجموعات الجديدة سيكون لها دور متعاظم فى قيادة الحركة الإسلامية والدولة قد يفوق الدور الذى كانت تقوم به الشخصيات التى فجرت النزاع. ونود فى هذا المقال أن نستكشف المناخ النفسى والثقافى الذى تتولد فيه مثل تلك المجموعات، والدور الذى يمكن أن تلعبه فى "دحرجة" ما تبقى من القيادات الإسلامية غير العسكرية الى خارج السلطة. ولكننا قد لا نستطيع أن نفعل هذا الا بتوسيع زاوية الرؤية بإجراء نوع من المقارنة بين مسيرة الحركة الإسلامية فى السودان وحركات سياسية أخرى فى محيطنا الأفريقى- العربى.
    إن قراءة متأنية فى تأريخ حركات التحرير الافريقية والعربية تكشف عن نمط متكرر ظل يحكم المسار العام لمعظم هذه الحركات، ويمكن التعبير عنه بالصيغة التالية:
    1-أنه عادة ما تبدأ هذه الحركات بـ (تصور) بسيط ترى فيه نفسها على أنها حركات تحرير وطنى، ثم تصوغ لها فيما بعد رؤى أيديولوجية، أو منظومات فكرية، تخوض من خلالها نوعا من الحروب ضد عدو من الأعداء، قد يكون محتلا أجنبيا فى بعض الحالات، أو نظاما تسلطيا متحالفا مع العدو الخارجى فى حالات أخرى،
    2-إن حرب التحرير هذه غالبا ما تتولد عنها عاطفة قومية وتضامن وطنى واسع، ولكن ما أن تحقق نصيبا من النجاح العسكرى أو السياسى حتى تتحول حربها من الساحة الخارجية إلى الساحة الداخلية؛ فتبتلى بنوع من الحروب الأهلية التى تعشعش فى الأبنية الداخلية لحركة التحرير نفسها؛
    3-وأن الحرب الأهلية الداخلية ستقود فى محصلتها النهائية إلى تصنيع نظام "أوتوقراطى" فى داخل حركة التحرير، تكون نقطة ارتكازه ومحور وجوده "شخص/زعيم" يجمع بين الرمزية التاريخية، والموارد المالية، والسلطة الأمنية/العسكرية. وفى هذه المرحلة تتبعثر المنظومة الأيديولوجية الأولى، وينحل البناء التنظيمى الذى أسس عليها، ويتبدد التضامن الوطنى الذى صاحب نشأتها الأولى، ويتحول قائد الحركة من شخص ثوري يقود حركة تحرر ثورية إلى "زعيم ضخم" تحيط به الحاشية وأصحاب المصالح والأهواء،(وقد تسيطر عليه الذهنية التآمرية، ويستهويه النشاط السري))، ثم تتحول حركة التحرير تبعا لذلك إلى فصائل تتحارب فيما بينها،ثم يسعى كل منها سعيا حثيثا نحو التودد و التحالف مع الأعداء السابقين.
    فاذا أردنا أن نختبر صدق هذا المقولة فيمكن أن نلقى نظرة سريعة على الحالة الجزائرية مثلا، باعتبار أن حركة التحرير الجزائرية كانت هى أشهر تلك الحركات وأبلغها آثرا. سنلاحظ بوضوح نمط الانتقال من حرب التحرير الى الحرب الأهلية إلى النظام الاوتوقراطى. اذ أن الثوار الأساسيين الذين قادوا المعارك ضد لاستعمار الفرنسي تمت إزاحتهم بعد حرب أهلية طاحنة مهد لها وأدارها انقلاب داخلي قام على تحالف بين بن بللا و بومدين، ثم لم يلبث الانقلابيون أن انقسموا على أنفسهم فأطاح بو مدين بحكومة بن بللا وطويت صفحة الأيديولوجية القديمة، وجمعت السلطات كلها فى يد الزعيم الاوتوقراطى الجديد الذى تحول إلى زعيم عصابة، ثم يلتفت يمنة ويسرى فلم يجد قوة دولية أو أقليمية يتحالف معها سوى الدولة الفرنسية؛ الدولة الفرنسية ذاتها التى كانت تمثل العدو الإستراتيجى لجبهة التحرير الجزائرية.
    ويمكن أن نختبر صدق المقولة مرة ثانية بأن ننظر فى الحالة الفلسطينية، باعتبار أن حركة التحرير الفلسطينية هي أيضا من اشهر حركات التحرير فى الإطار العربى-الاسلامى. فقد تأسست كما هو معلوم فى عام 1957 لتجسد نضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الاسرائيلى، ولكن بعد نحو عقدين فقط تحولت حروبها التحريرية من الجبهة الخارجية الى الداخل، وتبعثرت منظومتها الأيديولوجية الأولى، وتكاثرت التنظيمات المتصارعة فى داخلها، وبرز الى جانب القيادات التاريخية جيل ثانى وثالث من الشباب الذين تمرسوا فى مقارعة العدو الإسرائيلى، أو أمضوا مددا فى سجونه، فأخذوا يطورون آيديولوجية جديدة، ويصنعون قيادات بديلة، ويبلورون رؤية استراتيجية مغايرة.على أن تلك النزاعات الداخلية (و التى بلغت فى بعض الأحيان مستوى الحرب الأهلية) لم تؤد الا لبروز وتصنيع وهيمنة القيادة الاوتوقراطية لياسر عرفات، وهى هيمنة لم تكن قائمة على الوضوح الفكري أو النقاء الثوري القديم بقدر ما كانت تقوم على الرمزية التاريخية مع الإمساك بزمام الأجهزة الأمنية والموارد المالية. ثم لم يجد ياسر عرفات صديقا أقليميا أو دوليا يعقد معه "تحالفا" أو يقيم معه "شراكة" الا الدولة الإسرائيلية؛ الدولة الإسرائيلية ذاتها التى كانت تمثل العدو الإستراتيجى لمنظمة التحرير الفلسطينية؛ المنظمة التى لم تقم فى الأساس الا لمقومة الإحتلال الإسرائيلى. ولك أن تجرى هذا على الحالة الناصرية فى مصر، أو الحالات البعثية فى سوريا والعراق.
    والسؤال الحرج هنا: هل نستطيع أن نعمم هذا النمط ونجعله يتسع لتفسير الحالة السودانية؟ هل يمكننا مثلا أن نقول على سبيل المقارنة: أن "حرب الجنوب" كانت بمثابة الشرارة التى تولدت عنها "ثورة الإنقاذ" ؟ اذ نلاحظ أن بعض العسكريين الإسلاميين الذين حملوا مشروع الإنقاذ لم تختبر قدراتهم العسكرية، ولم تنضج رؤاهم السياسية الا فى أتون تلك الحرب، كما أن السياسيين الإسلاميين الذين اشتركوا مع العسكريين فى ابرام الخيوط الدقيقة للحركة الإنقلابية فى 30يوليو1989 لم يفعلوا ذلك الا تخوفا من "حرب الجنوب"، ومما قد تجره من غلبة للمعسكر العلمانى- اليسارى الذى يلتقى "مصلحيا" مع القوى الغربية المناهضة للحركة الإسلامية. وهل يمكننا أن نتقدم خطوة أخرى فى هذا الإتجاه فنقول: وكما أن حروب التحرير الجزائرية والفلسطينية قد ولدت عاطفة دينية وتضامنا وطنيا أعقبته حروب داخليه ثم تصالح/تحالف مع العدو الإستراتيجى السابق، فان "حرب الجنوب" قد ولدت مثل تلك العاطفة وأوجدت مثل ذلك التضامن، وأنها، اتساقا مع ما سبق، ستولد (أو هى قد استولدت بالفعل) حروبا فى داخل الحركة الإسلامية، تماما كم وقع فى حالتى الجزائر وفلسطين، وأن تلك الحروب الداخلية حول السلطة ستقود الى تصنيع نوع من القيادة الأوتوقراطية، ثم الى "التحالف" مع الأعداء الإستراتيجيين، كما وقع أيضا فى حالتى الجزائر وفلسطين؟وكيف يتم مثل هذا التغيير دون تغيير مماثل على مستوى الآيديولوجيا؟
    (ب)
    إن القيادة السياسية، أيا كان نوعها، لا تصنع نفسها بنفسها، وانما يتم "تصنيعها" فى اطار الثقافة والتقاليد الاجتماعية التى تحملها العضوية معها وهى تنضم الى الحزب السياسى، فهذه التقاليد والثقافة قد تكون لهما قدرة على التأثير تفوق قدرة الإجراءات والنظم الإدارية التى يرسمها الحزب، مما يعنى أن بعض هذه النظم الحزبية قد تتحول فى كثير من الحالات الى مجرد "هياكل" فارغة لا تخدم غرضا غير " تمرير" أو تبرير الأنشطة والصفقات والتحالفات التى تم ابرامها "بصورة غير رسمية" وراء الكواليس أو فى الجلسات العائلية الخاصة. وهذه بالطبع قضية لا تخص الاسلاميين وحدهم وانما تتعداهم الى المجموعات السياسية الأخرى فى السودان وغيره من البلدان الافريقية والعربية، بل وحتى فى الدول الغربية "الحديثة"، اذ تكاثرت الدراسات عن دور العلاقات الشخصية وتأثيرها المتعاظم في المؤسسات السياسية والأطر الحزبية الحديثة، مما جعل "جبرائيل ألموند" رائد المدرسة الوظيفية في السياسة يقر بأن الحزب السياسي الحديث، القائم على عمومية الجمهور وبيروقراطية التنظيم، لم يخفق فقط في تحقيق نفوذ مماثل للنفوذ الذى كان يتمتع به الزعماء التقليديون(العمد والمشايخ والنظار)، وإنما أستصحب معه البني التنظيمية الأكثر تخلفا ليصير بذلك خليطاً من النظامين التقليدى والحديث.
    إن مثل هذا التداخل والتزاوج بين البنية القانونية الرسمية المعلنة(الهيكل التنظيم/اللوائح/الدستور( والبنية التحتية عير المعلنة)الشلة،الدفعة،الحاشية، التلاميذ( والقائمة على خصوصية العلاقات والمصالح يظهر بصورة أوضح في المجتمعات الإسلامية التقليدية، اذ سرعان ما تتحول الأجهزة الرسمية للدولة أو الحزب الى مجرد غطاء فوقى ، وذلك مقارنة مع النفوذ والتأثير العميق الذي يأتي عن طريق الاتصال الشخصي والتعبير غير المباشر عن رغبات الآخرين ومطالبهم. ولا يختلف تنظيم الحركة الإسلامية السودانية عن هذا النمط، فهو كذلك يجمع بين الحداثة والتقليد، يضاف الى ذلك ما يسود بين أفراد التنظيم من قناعة دينية وأخلاقية تجعل التنافس السياسى المكشوف واحدا من أمور"العيب"، فيستحى الشخص أن يعبر صراحة عن رغبته في أن يكون في موقع تنفيذي في داخل الحركة الإسلامية أو في الدولة. ترتب على هذه الثقافة، التي يختلط فيها التقليد الاجتماعي والديني، أن تبلورت في داخل التنظيم ثلاثة أنماط من الميول النفسية تجسدت في ثلاث مجموعات من الأفراد:
    1- مجموعة ضعفت لديها الرغبة في التنافس السياسي المباشر، أو أنها استطاعت أن تتحكم بصورة كبيرة في تلك الميول وتصرفها نحو مسارح أخرى للعمل العام (مثل التجارة أو العلم أو الجهاد أو العمل الخيرى) ؛
    2- مجموعة تحركها رغبة قوية في السلطة السياسية، وتملك قدرات تؤهلها للمنافسة ولكنها لا تستطيع التعبير الصريح عن ذلك؛
    3- مجموعة لها رغبة قوية في السلطة السياسية، ولكنها لا تمتلك قدرات حقيقية تمكنها- فى منافسة حرة وشريفة- من نيل ثقة العضوية القاعدية أو الجمهور العريض، ولذلك فهى تسعى لتحقيق رغباتها من خلال الالتفاف حول شخص "محورى" فتعبر عن بعض رغباته أو تنفذ بعض سياساته حتى تتمكن تدريجيا من تطويقه لتتمكن هى من تحقيق رغباتها. أى أن أعضاء هذه المجموعة يقومون بدور "وظيفى" فى المرحلة الأولى من مراحل "تمكنهم"، ثم يتحولون فى المرحلة التالية الى مواقع القرار وصناعة الزعيم، وينبغى أن نلاحظ هنا أن هذه المجموعة ستكون هى الأكثر نفوذا والأبلغ أثرا في التنظيم والدولة معا، وهى التي يمكن أن تتحكم فى المجموعات الأخرى. وإذا شئنا أن نكون أكثر صراحة فيمكن أن نقول أن الترابي والبشير وعلى عثمان يمثلون شخصيات "محورية" ولكن لا يمكن لأي منهم فى مرحلة ما بعد الإنشقاق أن يحقق أهدافه السياسية الا من خلال "الصنائع" كما فى تعبير ابن خلدون الذى يرى أن انهيار الدولة يبدأ بعملية صراع وانشقاق فى داخل النخب الحاكمة، ثم يتبع ذلك اندفاع فى اتجاه البحث عن أولياء وصنائع من خارج العصبيات التى تنتمى إليها النخب(أى من خارج التنظيم الإسلامى فى حالتنا نحن)، ولكن الصنائع الجدد فوق أنهم لا يوفرون مشروعية فهم أيضا بحسب ابن خلدون قد تحدث لهم "دالة واعتزاز" على صاحب الدولة، مما يضطره الى منافرتهم واستعمال سواهم، فتتولد بؤر جديدة للصراع لا يكون لصاحب الدولة قدرة على التحكم فيها، ولكنه لا يستطيع فى الوقت نفسه أن يستغنى عن صنائعه ومواليه على فسادهم.
    هذا النوع من الارتباط بين الشخصية المحورية و المجموعات الوظيفية هو ما يفسر لنا (أولا) "سر" بقاء بعض الشخصيات فى مواقعها فى التنظيم وفى حكومة الإنقاذ طيلة العقود الأخيرة، وذلك على الرغم من أن بعضها يتمتع بسمعة سيئة فى القواعد التنظيمية وفى الشارع السوداني ويشار إليه فى كليهما بأصابع الإتهام؛ وبعضها غير مؤهل أساسا من حيث التكوين الفكري العام أو العلم الاسلامى الخاص او حتى الثقافة السودانية الشعبية الدارجة لأن يوضع على مكتب قيادي فى حركة إسلامية تدعى أنها تقود نهضة حضارية وتخوض معاركا من أجل تجديد الفكر الاسلامى. كما أن هذا الارتباط يفسر لنا (ثانيا) أن هذه الشخصيات "المحورية" لا تمتلك القوة "الخارقة" التى يتوهمها البعض. مما يعنى أن الصراع الذى فجره الترابى والبشير قد أكتسب ديناميكية خاصة به، وأن أيا منهما لن يستطيع التحكم فيه، بل إنه سيستمر فى مساراته الخاصة سواء تصالح الترابي والبشير أو ظلا على خلافاتهما القديمة. كما أن هذا الترابط يكشف لنا (أخيرا) سبب انعدام الرغبة لدى أى من هذه الشخصيات المحورية فى تطوير أيديولوجية واضحة المعالم، أو بلورة منظومة فكرية متماسكة البناء، أو بناء قاعدة فكرية متينة الأساس، وهى فالإيديولوجية( فى معناها الإيجابى غير الماركسى) تصلح أن تشكل معيارا "نظريا" يمكن الاستناد إليه فى بناء الهرم الحزبى وفى تصميم سياسات الحكومة وهياكلها الأساسية وتوجهاتها الكلية، وهى حلقة الوصل بين الفعل السياسي ومنظومة الاعتقادات(والقيم والأفكار) التى يؤمن بها أعضاء الحزب وجمهوره، أما فى غيابها فستختفي الأطر النظرية والمحددات الأخلاقية وتبرز الشخصيات المحورية فتنجذب نحوها مراكز القوى والبطانة وأصحاب المصالح الخاصة، وهذا هو بالطبع المناخ المثالى الذى يتم فيه وتمرر فيه التحالفات وتقديم التنازلات على مستوى الآيديولوجى والسياسى.
    (ج)
    ولكن كيف وقع مثل هذا "الفراغ الإيديولوجى" فى الحالة الاسلامية السودانية؟ وماذا سيترتب عليه؟ وقع ذلك لأن قيادة الحركة كانت تخشى أن تلصق بها صورة "رجال الدين"، وتحرص على أن تعرف بأنها حركة تجديد تختلف شكلاً ومضموناً عن أنماط القيادات الدينية التقليدية السائدة في بعض المجتمعات الإسلامية. وقد كان لهذا التقدير ما يبرره، وقد أصابت الحركة من ورائه شيئاً من النجاح. ثم تمادت الحركة في هذا الاتجاه وصارت تحرص على إلا يكون لها مذهب فقهي بعينه، وهو الاتجاه عينه الذي سارت عليه المدرسة السلفية المتمثل في العودة إلى الكتاب والسنة والاستئناس بآراء الفقهاء دون تعصب لأحد أو أتباع له إلا بدليل. وكل هذه لا غبار عليه من الناحية النظرية، إلا أنه من حيث الواقع أدى إلى نشأة فراغ فكري في قواعد الحركة، فإذا كان رجال الدين التقليديون غير مرغوب فيهم ولا تعمل الحركة على إعادة إنتاجهم، وإذا كانت المذاهب الفقهية ليست محل اهتمام في برامج الحركة، واذا كانت المدارس والجامعات الحديثة (التى يتخرج فيها معظم أعضاء التنظيم) هى مؤسسات "مفرغة" من الدين تماما، فمن هو الذى سيكون مؤهلا علميا أذن ليعود مباشرة إلى القرآن والسنة، و يؤسس منظومة فكرية تتجاوز التراث وتستوعب قضايا العصر؟ أو فلنطرح السؤال بصورة أخرى فنقول: لماذا لم تسع الحركة الإسلامية بصورة إيجابية لتصنيع قيادة فكرية تسد الفراغات التي أوجدها غياب القيادة الدينية التقليدية في داخل التنظيم الإسلامي؟.
    قد يقال فى هذا الصدد أن تكوين القيادات الفكرية ليس من مهمة التنظيم الإسلامي، وإنما تضطلع بذلك مؤسسات التعليم ومراكز الثقافة والتوجيه، وهذا يمكن أن يقال فى معرض الإيضاح لخصائص التنظيم الإسلامي، فهو تنظيم مفتوح لا يلزم عضويته إلا بعهد الولاء للجماعة والالتزام بما ينعقد عليه إجماعها، على أن هذا لا يخفي الإشكال الأساسي المتمثل في ضآلة العناصر ذات التكوين الفكري المناسب، والتي يكون في مقدروها الإسهام في صياغة برنامج الحركة وبلورة المفاهيم الأساسية فيه ووصلها من جهة بأصول الشريعة ومقاصدها العامة وإيصالها إلى جمهور الناس في الجهة الأخرى. هذه الضآلة في العلم والهشاشة في التكوين الفكرى كان من الممكن التغلب عليها بعدة طرق إذا اجتهدت القيادة في ذلك، ولكن القيادة لم تكن راغبة فى ذلك لأنه لا يصب في اتجاه "القصر الجمهوري".
    كما كان يمكن النزاع نفسه أن يكون محركا للفكر، فتتولد عنه رؤية فكرية جديدة ،كما حدث فى حالات
    مشابهة أخرى، ولكن نزاع الإسلاميين فى السودان لم يستطع، برغم تطاول فترته الزمنية، وبرغم الصخب والضجيج الذى صاحبه، أن يبرز رؤية جديدة، ولم يستطع أي من طرفي النزاع أن يبلور "أطروحة" متماسكة تصلح أن تكون إطارا لنقض بنيان سابق أو لرفع بنيان جديد. وكلما فتح حوار عام إلا وأغلق على جناح السرعة حتى لا تتعرض الشخصيات الأساسية(الترابى/البشير) لأى نقد حقيقى.
    . أما فى الجانب الآخر فقد كان من الممكن أيضا "لمجموعة القصر" الا تكتفى بمذكرة واحدة يتيمة بل تطور أطروحة متكاملة تفصح من خلالها عن رؤية تنتج برنامجا(خاصة وأن هذه المجموعة استطاعت أن تخترط الحزب والدولة) غير أنها اكتفت بهز "الهيكل" الإدارى وما أن تمت ازاحة "الشيخ" الا وانصرف كل من أفرادها فى حال سبيله. ولا يقبل أن يقال فى هذا الصدد أنهم ليسو مفكرين أو أن قائد مجموعتهم رجل جيش ودولة ولا شان له بالأمور الفكرية، اذ أن من أخص خصائص الحركة الإسلامية أنها حركة فكرية-اجتماعية تسعى لإصلاح الفكر والمجتمع معا، فمن يكون قائدا لها ولدولتها لا بد أن يكون منشغلا بأمور الفكر والنظر كانشغاله بأمور العمل. ولكن الرؤية الفكرية المتماسكة غير مرغوب فيها لأنها تحد من تمدد الجماعات الوظيفية، وتمنع من تحول الشخصية المحورية الى مركز للوجود السياسى.
    ولن تبقى، والحالة هذه، الا ثلاثة مسارات: المسار الأول: أن تتم دحرجة من تبقى من قيادات الحركة الإسلامية القديمة الى خارج السلطة(كما دحرج العسكريون الأوائل أو كما أخرج الترابى) بسبب من نزاع فى المواقع، أو اختلاف فى الرؤى، أو ضغوط من الحلفاء، فيتحول العسكريون من موقع الشريك الى موقع المالك، وتعود القيادات الإسلامية المزاحة الى تقاليدها السابقة فى التربية والتنظيم؛المسار الثانى: أن تبقى الدولة على بعض عناصر الحركة الإسلامية ولكنها تذهب،أى الدولة، فى تأليف واصطناع موالين جدد واستقطاب قاعة شعبية بديلة، وتكون عندئذ العلاقة بينهما وبين الحركة الاسلامية علاقة توظيف للشعار والرموز وليست علاقة المشاركة فى الرؤية وصناعة القرار؛ المسار الثالث( وهو الأصعب) أن تبق الحركة والدولة معا، ولكن فى هذه الحالة ستحتاج الحركة الإسلامية الى أمور كثيرة، قد يكون على رأسها "فك وإعادة التسجيل"، وذلك على طريقة الأندية الرياضية، أى أن الحركة الإسلامية تحتاج، بعد هذه السلسلة الطويلة من الأحداث (والكوارث) أن تنظر فى "المرآة" وتقول لنفسها: ان دورة طويلة من "اللعب المتواصل" قد بلغت نهاياتها، وان بعض "لاعبينا" قد بلغوا مرحلة الشيخوخة، وان بعضهم قد ترك الرياضة وانصرف الى مهن أخرى، وإن البعض الآخر ممن هو محسوب علينا وقادر على اللعب صار يسدد ضرباته ورمياته فى "شباكنا"، فنحن نحتاج فى هذه الحالة الضبابية الى استراحة محارب نتحسس فيها رؤوسنا ومواقع أقدامنا، ونستعيد فيها توازننا، ونعيد فيها تعريف أنفسنا، وفحص عضويتنا، واختيار قيادتنا، ورسم استراتيجيتنا، ثم من بعد ذلك(وليس قبله) ننظر فى متن "الشراكة" القديمة مع العسكريين وامكانية العمل معا على تطويرها فى اتجاه استراتيجية اسلامية أعمق تنتظم وتتوازن فيها علاقات ومؤسسات التنظيم والدولة والمجتمع.غير أن السير فى هذا الإتجاه محفوف بالمخاطر، لأنه سيقتضى فى بعده النظرى مراجعة شاملة لكثير من المفاهيم والتوجهات، وبلورة رؤية جديدة، ترد اليها الاتفاقات والتحالفات والسياسات، كما سيؤدى فى بعده العملى الى سحب المشروعية من الحاشية والجماعات الوظيفية وإزاحتها من مراكز القيادة فى التنظيم والدولة.
    وهذه هي العقبة الكأداء التي تحطمت فيها من قبل كثير من حركات التحرر، والتى إما أن ستعجز فى بناء نظام سياسى تتناسق فيه حركة الدولة والحزب والمجتمع، فتسقط في مرحلة التحول ليخلفها نظام سياسى مغاير، وإما أن تنخرط هى ذاتها فى النظام العسكرى- الأوتوقراطى فتفقد خطوط اتصالها وامداداتها الشعبية،كما تفقد وجودها الحزبى المستقل وتتحول الى مرفق من مرافق الدولة تحاول أن تجد لها مكانا بين "الصنائع" والإنتهازيين.


    الصحافة 12/11/2006:
                  

العنوان الكاتب Date
فتنة السلطة والجاه ....الهمز واللمز بين الاخوان الكيك10-09-06, 01:54 AM
  Re: فتنة السلطة والجاه ....الهمز واللمز بين الاخوان الكيك10-09-06, 02:34 AM
    Re: فتنة السلطة والجاه ....الهمز واللمز بين الاخوان الكيك10-18-06, 05:20 AM
      Re: فتنة السلطة والجاه ....الهمز واللمز بين الاخوان الكيك10-31-06, 00:46 AM
        Re: فتنة السلطة والجاه ....الهمز واللمز بين الاخوان الكيك11-12-06, 02:08 AM
          Re: فتنة السلطة والجاه ....الهمز واللمز بين الاخوان الكيك11-12-06, 03:09 AM
            Re: فتنة السلطة والجاه ....الهمز واللمز بين الاخوان الكيك11-14-06, 05:04 AM
              Re: فتنة السلطة والجاه ....الهمز واللمز بين الاخوان الكيك11-21-06, 00:56 AM
            Re: فتنة السلطة والجاه ....الهمز واللمز بين الاخوان الكيك12-14-06, 00:25 AM
  MLK vs. Turabi? Mohamed Elgadi11-21-06, 04:20 AM
    Re: MLK vs. Turabi? الكيك11-22-06, 04:02 AM
      Re: MLK vs. Turabi? Nasser Mousa11-22-06, 05:33 AM
        Re: MLK vs. Turabi? الكيك11-26-06, 02:50 AM
          Re: MLK vs. Turabi? الكيك11-26-06, 03:19 AM
            Re: MLK vs. Turabi? الكيك11-29-06, 05:15 AM
              Re: MLK vs. Turabi? الكيك12-04-06, 02:01 AM
                Re: MLK vs. Turabi? الكيك12-04-06, 02:17 AM
                  Re: MLK vs. Turabi? الكيك12-05-06, 02:53 AM
                    Re: MLK vs. Turabi? الكيك12-06-06, 00:19 AM
                      Re: MLK vs. Turabi? الكيك12-06-06, 06:44 AM
  Re: فتنة السلطة والجاه ....الهمز واللمز بين الاخوان Yasir Elsharif12-06-06, 08:35 AM
    Re: فتنة السلطة والجاه ....الهمز واللمز بين الاخوان الكيك12-07-06, 05:03 AM
      Re: فتنة السلطة والجاه ....الهمز واللمز بين الاخوان الكيك12-07-06, 06:44 AM
        Re: فتنة السلطة والجاه ....الهمز واللمز بين الاخوان الكيك12-10-06, 11:51 PM
          Re: فتنة السلطة والجاه ....الهمز واللمز بين الاخوان الكيك12-12-06, 01:53 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de