فتنة السلطة والجاه ....الهمز واللمز بين الاخوان

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-28-2024, 03:29 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2006م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-09-2006, 01:54 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
فتنة السلطة والجاه ....الهمز واللمز بين الاخوان

    للحقيقة والتاريخ (1-2)
    الصحافة 9/10/2006
    الشيخ ابراهيم السنوسي
    الدكتور/ التجاني عبد القادر علاقتي به حميمة وقديمة ـ اذ كان تلميذاً لوالدي ـ ومنذها كنت أرى فيه نبوغاً يزكيه ليكون نجماً لأبناء كردفان ـ بل ولقد كان د. الترابي يثني عليه كثيراً ويعده ليكون مفكراً وعلما في الفكر السياسي في السودان ـ ولكن اغترابه وبعده عن الساحة وانعزاله حال دون ذلك ولو مؤقتا ـ فالباب مفتوح والمواهب جمة.
    قرأت مقالته بجريدة «الصحافة» بتاريخ 24/9/2006م تحت العنوان (إخواننا الكبار ونزاعاتنا الصغيرة) ومن العنوان ساورني التساؤل ـ أتكون تلك النزاعات التي عاصرناها وشهدناها حول اول الخلاف الذي وقع في الحركة الاسلامية ـ أهى نزاعات صغيرة؟ أيكون كل ذلك الخلاف حول المباديء ـ التي قد وضحت الآن للعامة ـ فضلاً عن النخبة المثقفة والفلاسفة كالتجاني ـ أهى فعلاً نزاعات صغيرة؟! كيف توصل د.التجاني لهذا الحكم ـ أهو إحباط اصابه حين جاء الى السودان ام أنه نتيجة اتصالات اجراها ومعلومات سمعها ـ لكنها قطعا من طرف واحد؟
    * لو كان الخلاف والنزاع صغيرا وتافهاً كانت شواهد اليوم في حال الحركة الاسلامية والسودان والإسلام لتؤكد وتُصدق ما قال التجاني.
    ولكن الحال على خلاف ما قال ـ فحال الحركة الاسلامية التي يعرفها التجاني ـ اليوم ممزقة، وبتمزقها تمزقت القوى السياسية ـ ومشروعها المنبثق من الشريعة الاسلامية قد ألغي في دستور نيفاشا الاتحادي ـ والسودان المرتجى وحدته وصون سيادته ضاع تحت جحافل القوات الاجنبية ـ افريقية وأممية ـ واحترب ابناؤه شرقا وغربا وشمالا وغيرها من كثير القضايا الاصولية ـ والانسانية قد اختلف الناس عليها وتنازعت أفكارهم وتصوراتهم حولها ـ ولو كانت هذه نزاعات صغيرة قطعا لتجاوزها الناس من كثير الوساطات والمجاملات والاشواق.
    ولإن اتصلت ايها الاخ العزيز بجميع الاطراف في الحركة الاسلامية ـ لعرفت ولما وقعت في سرد معلومات خاطئة وتحليلات مضللة ـ قد تضاف الى وثائق التاريخ الذي كان لابد من تصحيحها. مبتدأ.
    * ما اوردت من عبارة «تكشّف للدكتور الترابي أن علي عثمان والمجموعة التي تحيط به لن تقوم بدحرجة العسكريين الى الخارج وترشيحه لموقع الرئاسة ـ كما كان متصوراً ومتفقا عليه... وان علي عثمان كان يجاهر بتأييده لترشيح الفريق عمر».
    * وردّي بتركيبة التنظيم العسكري عندنا ـ والتي أعرفها جيدا ـ لم تكن هنالك مجموعة عسكرية يسيطر عليها علي عثمان ولا باللقاء منفرداً معها ـ اذ كانت قيادة التنظيم العسكري بقيادة «سواقيها» كتلة مستقلة مترابطة ملتزمة بقيادة الحركة كلها ومبادئها حتى بعد الخلاف ـ ولا شأن لها بدحرجة احد ولا بترشيح فلان لفلان للرئاسة ـ فذلك قرار سياسي ـ أوكلوه للقيادة وهم كإخوان ملتزمون بقسم الحركة نأياً بهم عن الخلاف حتى لا يقع دم، وذلك في تقديري أحكم قرار ـ بل ما أوردت عن ترشيح د.الترابي للرئاسة ـ كما كان متصوراً أو متفقاً عليه أمر غير صحيح تماماً، بل ولا اعرف أي جهة في التنظيم في أي درجة عليا أو دنيا ـ سرية أو علنية رشحت أو اتفقت على ترشيح الترابي للرئاسة ـ وقد يكون في ذهن البعض، فالعلم لله ـ لكنه قطعا ليس في جهاز عسكريين منظمين ولم ينبن عليه قرار او موقف.
    * وما أوردت عن أن علي عثمان كان يجاهر بترشيح الفريق عمر ـ أمر غير صحيح ايضا، فذكرني بأي منبر، وفي أي وقت، وفي أي مكان جاهر علي عثمان بترشيح الفريق عمر؟ وما كان علي عثمان ليفعل ذلك وهو نائب الامين العام ـ بوجود رئيسه ـ بل ولان ذلك من غير اختصاصه وطبيعته التي لا تدخل في ذلك الصراع العلني آنذاك ـ لوجود المودة وحسن الثقة من الدكتور الترابي الذي برزه وقدمه كما ذكرت انت في بريطانيا، بل ان الفريق عمر نفسه ما كان يقبل آنذاك ان يتطاول على الامين العام ـ فلقد كان ملتزما ومطيعا للامين العام الذي وصفه بهبة السماء ـ ولكنهم فيما بعد احاطوا به فخدعوه ـ وزينوا له حب السلطة ففتنوه..
    * ان المقال كله يدور في فلك ان كل هذا النزاع كان صراعا سياسيا بسبب ان د.الترابي يريد ان يصبح رئيسا ـ هكذا صوروا الخلاف، وزيفوا الحقائق للاستمالة وتشويه الصورة لك ليجعلوا من الكبار صغارا ـ ومن الخلاف حول المباديء مصالح ذاتية؟
    * ولكن دعنا نتساءل لو أن د.الترابي كان يريد الرئاسة منذ البداية ـ من الذي كان يمنعه؟ أو كان يمكن أن يكون مرشحاً سواه وهل في الحركة من هو أجدر بها وأقوى منه ـ وهو الامين العام للحركة الذي قادها منذ ثورة اكتوبر 1964م حتى خرجت الحركة الاسلامية من تحت الارض الى حزب الى دولة يتمتع بها الذين ينكرون عليه ذلك، بل وهو الذي قرر ان يذهب للسجن حبيساً ويذهب الفريق عمر للقصر رئيسا ـ بل هو الترابي نفسه من بعد ذلك الذي افسح المجال للفريق عمر ان ينزل في الاستفتاء للرئاسة وما كان يُعجزه من تدبير في الاجهزة ببراعته الفائقة ان يكون هو المرشح في الاستفتاء الذي فاز الفريق عمر بسهولة من جراء المجهود السياسي الذي بذلته الحركة الاسلامية، وكان يمكن ان يكون ذلك المجهود مضاعفا لو كان المرشح للاستفتاء د.الترابي.
    لو ان الدكتور الترابي ـ كان يريد ان يكون رئيسا ـ فما الغرابة وعدم المشروعية في ذلك؟ أيكون الشخص المستقطب مباركة له الرئاسة ومستكثرة على امين الحركة والمشروع ـ لولا نكران ذاته! بل ان الفريق عمر نفسه للامانة ما كان يتطلع او يمنّي نفسه في الايام الاولى بالرئاسة ـ بل كان يردد بسعادة وانشراح انه ضابط مستقطب ويمكن ان يتنحى او يستقيل في اي وقت تريده الحركة ويصُدّقه في ذلك الفريق الزبير الذي يكرر مقولته دوما «اننا ضباط اخوان جمعتنا الحركة ولم شملنا د.ترابي وفي أي وقت نعمل انتباه ونرجع» رحمه الله.
    * إن المقال كله يصب في اتجاه نظرية التآمر وسوء الظن ـ وهو وإن كان وارداً في دخائل النفوس التي قد تتغير ـ والاحوال التي قد تتبدل ولكن لم يكن في ايام الصفاء الاولى وليس في كل تصرف عند الطرفين ـ ثم يأتي تفسير د.تجاني «بأن الترابي اتجه الى اعادة تركيب الهيكل التنظيمي بصورة جديدة ـ وظل يعمل من خلال القيادات السياسية الجديدة التي صعدها والقيادات السياسية التي استقطبها من الاحزاب السياسية السابقة خاصة الاتحاد الاشتراكي ومن حزب الامة والاتحادي الديمقراطي الى تعديل النظام الاساسي» ولعلك يا تجاني حين كنت في السودان دون تكليف رسمي وغوص عميق إلاعضوية هيئة الشورى او بالخارج مغتربا دون اتصال أنساك الخطة الثلاثية الاولى التي انبنى عليها النظام الاساسي بعد نجاح الانقاذ والتمكين في المرحلة الاولى حين فصلنا الحركة عن الدولة ـ والتي كان معظم وزرائها من غير الحركة ـ وكانت الحركة تتولى التخطيط والاشراف من بعيد فسبب ذلك نفوراً بين الامناء والوزراء ـ وكان على الهيكل ـ امين عام ونائب واحد. ثم جاءت المرحلة الثانية حين تقرر في الخطة التالية دمج الحركة والدولة ـ وانفتحت الحركة الاسلامية لكل السودانيين والحوار معهم للدخول في المؤتمر الوطني بنسبة 60% من غير الاخوان و40% من الاخوان وهو امر تململ منه المحافظون المتشددون ـ حين رأوا ما ذكرت من قيادات سياسية، من أحزاب سابقة ومن الاتحاد الاشتراكي الذين كان يعرفهم حق المعرفة الامين العام ونائبه علي عثمان الذي عاش وسطهم وعمل معهم في مجلس الشعب. هكذا دخلت تلك القيادات المستقطبة برضى منا وساهمت بعطاء مقدر بل منها من يقف الآن مع علي عثمان ضد الترابي وآخرون معه، وكان الهدف من ذلك الانفتاح الافساح لهذه العناصر و توسيع قاعدة المؤتمر الوطني ليشمل السواد الاعظم من اهل السودان كما تقول كلمات الخطة. اما دخول الشباب للقيادة في المناصب في الدولة ـ فهو أمر قامت عليه مقاييس التوظيف في الدولة منذ البداية وتولى فيها عدد كبير من اقرانك وزملائك الامر، اذ كان القرار قبل قيام الانقاذ ألا يدخل الاخوة الكبار (إلا القليل) دولاب الدولة وينحصر الامر أغلبيته في الشباب والمستقطبين الجدد وتشهد بذلك المناصب العليا في المؤتمر الوطني والبرلمان ومجلس الوزراء الذي ظل فيه بعض الطلقاء حتى اليوم كما يقول احد الوزراء من تلك الشاكلة عن نفسه! ولقد كانت تلك الاهداف واردة في الخطط التي تأتي لهيئة الشورى والتي كان يرأسها الفريق عمر ـ فكيف تفسر الآن ان كل تلك التعديلات التي كانت لمواكبة تجربة الانقاذ المموهة من حزب معارض الى دولة منوط بها معالجة قضايا الواقع المعقد وجهاد حركة التمرد ـ والعداء العالمي المتربص ـ فيجيء خيالك اليوم أن كل هذه التعديلات كانت لسحب البلاط من تحت اقدام البشير وعلي عثمان ـ وهما كانا في الساحة يناقشانها ويدافعان عنها في الاجتماعات!
    * ولعل الظنون والتفسيرات الخاطئة قد امتدت لتشمل رئاسة د.الترابي للمجلس وأنها كانت تدبيراً من قبل علي والبشير لينصرف الترابي قليلاً عن التعلق بالخارج الى التعامل في الداخل، وان ما يتفرع منها من ارتباطات ستجعل قبضته على التنظيم ترتخي ـ وتعطي لعلي عثمان ومجموعته الفرصة لاستعادة مواقعهم! طبعا هذا سوء ظن بعلي عثمان ومجموعته ـ وانهم وضعوا للترابي طعمة المجلس ـ وانه امر يعاب عليهم كإخوان كبار ولكن لئن كان سوء الظن هذا صحيح ام لا فان الحقيقة هي ان رئاسة الترابي للمجلس لم تكن قد جاءت بصورة طعمة ـ اذ اننا اجتمعنا في جلسات للهيئة القيادية ـ وناقشنا فكرة استمرار السير نحو الديمقراطية وتداول السلطة مع الآخرين وتقرر حل مجلس قيادة الثورة ـ الذي كان يمثل الهيئة التشريعية ليخلفه برلمان منتخب فتنتهي صورة خروج المراسيم بالقرارات الجمهورية بوضع دستور دائم للبلاد ـ يكون نموذجاً ويرضى به العباد ـ ويُقْسمون عليه عن قناعة حتى لا ينقض عليه احد ليعطله او ليمزقه.
    * وفي نهاية الجلسات كان البحث والنقاش عمن يقود البرلمان لهذه الغايات ويحقق ذلك الحلم واتفقنا جميعاً على رئاسة د.الترابي ـ ما عدا الترابي نفسه والاخ يس عمر الذي أوضح واعترض بقوة ان امين الحركة لا يمكن ان يكون في هذا المقام لولا انني رددت على الاخ يس اذكر بمرافعة تأييدا برئاسة د.الترابي للبرلمان ولكن الاعتراض الآخر الذي قابلنا من د.الترابي ازاله الاخ يس عمر بقوله بضرورة خضوع د.الترابي للشورى وانه يمكن ان تستقبل بعد اجازة الدستور ـ تلك كانت الحقيقة ولو كانت عند سرائر الآخرين الخيانة، كما ذكرت انت.
    * ولعلك في هذه قد صدقت حين قلت ( ان الرياح لا تجري على الطريقة التي يريدها الملاحون ـ اذ ان د.الترابي ببراعة فائقة قد عزز علاقاته مع النواب لاسيما غرب السودان ـ وان يقدم اطروحته السياسية الجديدة عن نظام التوالي وان يقوم باعداد الدستور الذي يريد) وانني لأعجب ـ إذ كيف تقر ببراعته الفائقة وقدراته على كسب النواب في البرلمان (الذين كنت انا واحدا منهم) ثم تنكر على رجل بهذه القدرات ان يكون رئيساً للدولة ـ أليست هي طموحات مشروعة ـ مع مهارات فائقة بارعة، استطاع الرجل ان يقنع بها النواب ليقبلوا اطروحاته السياسية حتى التوالي ـ ويوافقون عليها، المسلمون والمسيحيون من الشرق والغرب يوافقون على الدستور الدائم للبلاد بأبوابه الثمانية ـ لا يجوز معرفة النعمة ثم انكارها.
    * وتأتي كلماتك عن الترابي «ويقوم باعداد الدستور الذي يريد» كأنه اراده لنفسه وفصّل قميصه عليه ليبقى. وبقليل من الموضوعية والإنصاف نقف «مع الدستور الذي يريد» (الترابي) والذي بقي بعد ان غادر د.الترابي المنصة ونفتح ابوابه ـ الثمانية ـ اولها باب المباديء الموجهة ـ التي اقرت ان الدولة في السودان وطن جامع تأتلف فيه جميع الاعراق والثقافات على لامركزية السلطة ـ مع الحاكمية لله خالق البشر ـ وضرورة العدل وسعي الدولة لتطهير المجتمع من الفساد والجريمة والرذيلة ـ مع سياسة خارجية بعزة واستقلال وباب ثانٍ عن الحريات والحرمات وحقوق الانسان والواجبات بتفصيل ما سبق عليه دستور من قبل، ثم باب السلطة التنفيذية التي تجعل السلطة في مجلس وزراء مجتمعاً ـ كما في العالم المتقدم وتنادي بإنتخاب الولاة واختيارهم لوزرائهم ومحافظيهم مع استقطاع ربع الميزانية العامة الاتحادية للولايات لسد الفصل الأول، والتنمية مما يحقق حقوق الولايات في السلطة والثروة ـ ولو حدث ذلك لما كانت حرب الشرق والغرب في دارفور وغيرها من ثورات المناطق الاخرى.
    ثم كان الباب الرابع من الدستور سلطة التشريع في البرلمان الاتحادي وعن عضويته ومهامه في الاستجواب والمحاسبة ودوراتها وحتى في غياب البرلمان ـ لا سبيل لصدور مراسيم جمهورية بما يمس الحريات والحقوق الدستورية في وجوده. اما في غيابه فيجوز اصدار مراسيم ولكن لابد من اجازتها بعد عودة المجلس فورا، وكان ذلك عاصما قويا لحماية الحريات وحقوق الانسان. وبقرارات الرابع من رمضان والغاء ذلك الفصل ترى ما آل اليه حال البلاد من الطغيان وانتهاك حقوق الانسان الآن.
    ثم كان باب استقلال القضاء ـ الذي سيرد الناس الى عدل عمر وشجاعة قضاته عبر محاكمهم العادلة، ولذلك تعزز استقلال القضاء وانشئت المحكمة الدستورية التي تحددت اختصاصاتها المتعددة ومن بينها حماية الحريات والحرمات التي ضاعت تماما اليوم بشواهد التعذيب والاعتقال غير المبرر ومنع الحريات الممنوحة في الدستور للتعبير والصحافة التي يقصها مقص الامن يومياً.
    ثم كان الباب الاخير في الدستور ـ عن موجبات اعلان حالة الطواريء في حالة خطر طاريء يهدد البلاد أو جزءا منها او كارثة أو وباء يهدد اقتصاد البلاد، ولم يكن من بينها اعلان حالة الطواريء لأسباب الاختلاف السياسي كما حدث بعد الرابع من رمضان، حيث تُجدد حالة الطواريء لتمديد اعتقال شخص واحد بعينه ـ كما حدث في حالة د.الترابي.
    أهذا هو الدستور الذي كان يريده د.الترابي يا د.تجاني وهو الذي كان يريده الشعب كله على أساس ان يكون له دستور دائم مشرف لن يمزقه عسكري بعد ذلك.. بل تمت عليه الموافقة بالاجماع ووقعه رئيس الجمهورية ثم جاء بعد ذلك فألغاه ومنذها اضطربت البلاد ـ وضربت الفتنة من جراء الغائه و كل السودان حتى اليوم.
    ان المقال يا د. تجاني يقوم على تفسير بسوء الظن الذي يحركه حسب السلطة والصراع حولها من قبل الاخوة الكبار ـ وان كان الصراع حول السلطة امر مشروع فهى الآلية التي يزع بها الله ما لا يزعه بالقرآن، ولكن المقال يصورها لتتسق مع الذين ساقوا اكبر فرية وهى ان الترابي كان يريد ان يكون رئيسا ـ وجاء مقالك ليصدق هذا من جراء ما سمعت من الآخرين ورويته بشواهد خاطئة وغير صحيحة استقيتها من طرف واحد كتلك التي سردتها «يوم ان اكتشف الترابي ان ترشيحه لن يتم للرئاسة كما كان متفقا عليه» ـ وهو ما رددت عليه آنفاً اذ لم يكن هناك اتفاق البتة.. ولكنك تأتي مرة اخرى لتفتحه عند مناسبة الترشيح لمنصب النائب الاول ـ بعد وفاة الشهيد الزبير رحمه الله ـ اذ ان الترابي حين فاته قطار الرئاسة يريد ان يلحق بقطار آخر هو النائب الأول وهى فرية اخرى وكذبة كبرى رددتها اجهزة الاعلام ـ وقالوها في المجالس الخاصة تشويهاً لسمعة د.الترابي وفجورا في الخصومة ـ مما يقتضي امثالك ان يتبينوا حتى لا يصيبوا قوما آخرين بجهالة وما سأقوله هنا للحققة والتاريخ ـ قولاً أسوق حوادثه واسماءه ماتزال حية ـ بعضها متنفذ في السلطة ـ وبعضها معارض خارجها ـ أسردها من مذكراتي اليومية المكتوبة وهى التي بين يدي ـ ويمكن الاطلاع عليها ـ.
    ان المقال يا د.تجاني يصب في اتجاه فكرة التآمر وسوء الظن وأظن ذلك لانك كنت بعيداً سواء في الداخل او في الخارج، اذ من العلم بالتعديلات الهيكلية للتنظيم التي كانت تتنزل بظروف البلاد والتجربة السابقة والظروف المحيطة في نظرك ان الترابي قام بها لسحب البساط من تحت اقدام البشير وفي وقت انت تعلم ان النظام الاساسي مسموح به التعديلات ـ طالما أقرتها هيئة الشورى التي يرأسها الفريق عمر نفسه.
    ونواصل..
                  

10-09-2006, 02:34 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فتنة السلطة والجاه ....الهمز واللمز بين الاخوان (Re: الكيك)

    المحبوب عبدالسلام القيادي بالمؤتمر الشعبي
    اسهمنا في تعطيل دمفرطة المجتمع
    القيم التي تدعو اليها امريكا نظرياً هي قيم الاسلام
    نموذج ولاية الفقيه مناف للقرآن
    تجربة الاسلاميين في السودان صاحبتها مشاكل اصولية
    القيم التي نريدها في السياسة عرفتها اوروبا بالفطرة
    بعد سيد قطب طرحت الافكار المنغلقة وتيارات التكفير
    قضايا تحرير المرأة والديمقراطية طرحت في فكر النهضة
    كنا في اغتراب عن المجتمع وننظر اليه كعدو
    ما اضر بالترابي هو وجوده في دولة مثل السودان
    الفراغ ساعد على نمو التيارات السلفية والتكفيرية
    افكار الترابي لا تقل قوة عن مارتن لوثر
    المؤتمر الوطني ليس حزبا ولا يدخله احد الا للوظيفة
    نموذجنا انحرف الى مشروع جهة وقبيلة
    هناك عزلة شعورية بيننا وبين الشعب وذلك لاستعلائنا
    دارفور لا تحتاج الى جهاد والنظام لا علاقة له بالحركات الجهادية


    المحبوب عبدالسلام القيادي الانقاذي المعروف لمع نجمه عقب توقيع مذكرة التفاهم الشهيرة بين الحركة الشعبية والمؤتمر الشعبي ومن يومها كان المحبوب اشبه بالناطق باسم حزبه في بلدان اوروبا. حوارنا حول قضايا متعددة ابرزها موقفهم من الديمقراطية حيث قال انهم اوقفوا مسيرة التطور الديمقراطي في البلاد وان وصولهم للسلطة كان خطأ اضافة لمناقشة فكر الحركات الاسلامية من قضايا احترام حقوق الانسان والفصل بين السلطات والعلاقة بين الحركات الاسلامية والولايات المتحدة والتناقض في الخطاب مابين الداخل والخارج تناولنا الصراع الدائر في دارفور ودعوة الظواهري للجهاد هناك بالاضافة الي علاقة الاسلاميين بالسفارة الامريكية في الخرطوم قبل 30 يونيو 89 ، الي دعوة الترابي التجديدية والعلاقة مع التيارات السلفية والاستعلاء على الشعب السوداني الذي اعترف به محدثنا الى مستقبل؟ كل من حزبي المؤتمر الشعبي والمؤتمر الوطني في السودان.
    فإلى الحوار مع القيادي بالمؤتمر الشعبي المحبوب عبدالسلام.


    السياسية جعلت منك مهاجراً دائماً الى اوروبا -برأيك ما الذي اضافته لك وما الذي يوجد هناك وتفتقده بلادنا ؟

    هناك مقولة اصبحت تكرر وهي ان العالم اصبح قرية واحدة صغيرة وفي اوربا يمكن الاطلال من شرفتها على العالم على نحو افضل من ما لو كنت في افريقيا او في اطراف العالم العربي وماجعل العالم كذلك هو تطور ادوات الاتصال هنالك تتجلى بافضل صورها لا يكاد الانسان يبدأ يومه الا يفتح نافذة على شبكة المعلومات والانترنت ويطلع على بريده الالكتروني ثم يعرج على ساحة الاخبار والتحليلات وكذلك ساحة الحياة اليومية نفسها في اوروبا عامرة يستطيع اي انسان ان يمارس ثقافته الى اقصى مدى خاصة في بريطانيا واوربا الغربية والتي يمكن ان تمارس فيها ثقافتك مهما كانت ان كنت شخصاً متديناً تنخرط في المسجد ونشاط الجمعيات الاسلامية وان كنت مهتماً بالسياسة لا يشرق فجر والا تكون امامك عدد من الصحف وامامك الندوات الفكرية والسياسية . والصحافة هناك تربطك بالعالم - كذلك عقد التسعينيات شهد هجرة الى اوربا من السودان حيث تكونت هناك جالية سياسية الان ازدهرت وهذا العقد كان مليئاً بالنشاط السياسي نحن خرجنا بعد ازمة الحركة الاسلامية ولنا طرح جديد كنا نريد ان نقدمه للعالم وللسودان ايضاً كان هذا يستدعي منا مجهوداً وتجوالاً وتطوافاً في هولندا وفرنسا والمانيا وغيرها من اجل ان نلتقي بالسودانيين وكذلك لقاء الحكومات نفسها واجهزة الاعلام والأمن والدفاع والخارجية والحركة نفسها ميسورة في اوربا باكثر ماهي ميسورة في بلادنا والان شعرت بالمحلية الشديدة للناس . صحيح ان قناة الجزيرة اثرت على الناس في العالم العربي والاسلامي وفي السودان ولكنه كذلك مثلاً جريدة القدس اثرت على الاتجاهات السائدة في العام العربي حيث اتجهت بالرأي العام نحو الديمقراطية والتحرر وافكار الاستقلال عن الاجنبي وما يزال وضعنا ضعيفاً جداً وبعيداً عن هذه المفاهيم.

    هل تعتقد ان الحركات الاسلامية قادرة على الاخذ من اوروبا ما كان سبباً لنهضتها وتحول ما بين مجتمعاتنا والتخلف ام انها اي الحركات تكرس للتخلف حسب زعم البعض؟

    هذا الموضوع كنت اتحدث عنه قبل ايام في دار حزب المؤتمر الشعبي وكان لي موضوع اطروحة عن المصادر الثقافية للحركات الاسلامية واثرت في هذه الاطروحة هذه الاسئلة كانت هناك حركة تسمى حركة النهضة العربية مثل الافغاني ومحمد عبده ورشيد رضا وهذه الحركة تولدت منها تيارات شديدة العلمانية مثل قاسم امين وآخرين تخرجوا من محمد عبده ولكن حسن البنا نفسه كان تلميذاً لرشيد رضا ولكنه كان من وسط صوفي من الطريقة الحصافية فاسس جماعة وصفها مالك بن بني جماعة المشاركة في الاموال والافكار كما اسس الرسول «ص» المسجد الذي يرمز لتأسيس الجماعة وامامها وقيادتها السياسية واجماعها السياسي والقرآني هذه كانت فكرة البنا الذي يريد الانتقال بفكرة الجامعة الاسلامية الى فكرة الاخوانية القائمة على المشاركة في الاموال والافكار لكن لاحظت في هذه الاطروحة الاسئلة الكبرى التي طرحت في عصر النهضة جمال الدين الافغاني كانت له مناظرات مع رينين ومحمد عبده ورشيد رضا وكانت لهم مناقشة مع لأفكار سيجمون فرويد في اللاشعور الجنسي وتفسيره للحياة والتاريخ والدين والثقافة كان هناك نقاش مستنير مع العالم الغربي انحسرت هذه الملامح ثم انحسرت مدة ثانية في سوريا كان مصطفى السباعي مستنيراً جداً فكتب عن اشتراكية الاسلام والتأميم والاصلاح الزراعي ودعا الى دستور علماني حتى قبل ان نكتبها في الدستور هنا من 1998م ولكن انحسرت هذه الموجة بظهور سيد قطب وفتحي يكن وسعيد حول في الشام هؤلاء طرحوا افكاراً مغلقة جداً ولدت تيارات العزلة والتكفير وبذور النهضة كانت موجودة قضايا الاصلاح الزراعي طرحها برنامج الاخوان قبل ان يطرحها عبدالناصر والازمة بين عبدالناصر والاخوان لم تكن في البرنامج بل كانت ازمة سياسية كذلك قضايا تحرير المرأة والديمقراطية والخلاف مع الغرب كلها طرحت في اطار فكر النهضة او الحركة الاسلامية ولكنها انحسرت بظهور تيارات التكفير التي ردت عليها الحركة الاسلامية نفسها رد عليها الهضيبي والغزالي والقرضاوي والتي سموها ظاهرة الغلو في التكفير والحركة الاسلامية فيها بذور للتحاور مع الاخر وفيها تقصٍ في جانب الدعوة للديمقراطية وهذا بدأ يستكمل الان بجهود راشد الغنوشي والترابي اللذين تبنيا حتى فكرة ان المرتد لا يقتل وهذا في اتجاه الوصول للفكر الديمقراطي.

    الكنيسة في اوروبا كانت اداة تخلف واداة صراع واليوم يشهد المسلمون انشقاقات ورؤى مختلفة الا تعتقد اننا في حاجة الى بناء الدولة الجديدة والحديثة بمعزل عن الصراع الديني والمعتقد الديني للافراد؟

    ما قلته صحيح حدث هذا في اوروبا لان اية مشكلة بين اليهود والمسيحيين تصبح مشكلة في البلد ككل او اية مشكلة بين الكاثوليك والبروتستانت تصبح فتنة سياسية توصل الاوروبيون الى معادلة تبعد الدين عن السياسة وبعد ذلك يسير التنافس بين الناس - لكن بالنسبة للعقيدة الاسلامية فان القيم التي نريدها في السياسة قيم العدل والصدق والوضوح والامانة والتزام العهد هذه قيم اسلامية واوربا بعد مسيرة تطور كبيرة وصلت عن طريق الفطرة الى ذات القيم التي دعا اليها الاسلام نحن نريد هذه القيم ان تدخل في السياسة حتى اذا التزم بها المسيحي واليهودي تجعله رجلاً صالحاً في المنصب العام والوظيفة العامة هذه المسائل اي القيم كان يمكن ان تكون عنصراً يحفظ السياسة ويتجه بها نحو خير المجتمع وكذلك المجتمع الاسلامي التقليدي كان يقوم بهذه الوظائف ويدع الدولة تقوم بوظائف محددة جداً والمجتمع ينشط اكثر من الدولة لكن غير وارد في الاسلام ان يقدم كنيسة تسيطر على الدولة هناك نموذج شيعي نموذج ولاية الفقيه وهذا في تقديري مناف للقرآن تجعل السلطة للامة وهي التي تخرج القرار بذور الصراع التي كانت موجودة في اوروبا حيث كان يتم الفصل بين الحياة الخاصة والحياة العامة غير موجودة في الاسلام بل على العكس يمكن ان نستفيد من اخلاق الاسلام ونقدم سياسة راشدة تسع كل الناس . لكن تجارب الحركات الاسلامية تقول غير ذلك هناك مجموعة معينة تطرح الدين وتستأثر بالدين وتشرح الدين وهي التي تنفذ الدين وتصل في النهاية الى طرح نفسها على انها هي الدين كل الدين بم ترد؟ الحركات الاسلامية نفسها تتحول الى حركة تقليدية نفس الحركة التي تدعو الى التجديد يمكن ان تصبح حركة تقليدية والحركة التي تدعو الى بسط الدين يمكن ان تكون داخلها مجموعة تحتكر تفسير الدين والسلطة السياسية والاقتصادية باسم الدين هذا يحدث وحدث في التاريخ كثيراً حدث للحركة الاسلامية في السودان هي حركة في تقديري منطلقاتها صحيحة وغاياتها صحيحة ولكن تكرست فيها اشكال بين الانعزال عن المجتمع والاغتراب عنه والنظر اليه كآخر وكعدو في بعض الاحيان وبالتالي عزله عن مسيرة القرار السياسي والاقتصادي وعن مسيرة ا لمشروع الحضاري ولكن هذا ثبت فشله لا يمكن ان تحكم الحركة الاسلامية وحدها مجتمعاً كالمجتمع السوداني متنوع ومركب بالاديان والثقافات والحركة في تجربتها الاخيرة عبر المؤتمر الشعبي ادركت هذا انه لابد من ان يكون النشاط عاماً وان لا يكون دائماً ظاهراً وباطناً كان هذا ديدن مشروع الحركة الاسلامية والخوف من ان تضرب خلاياها وان يضرب مشروع التحول الاجتماعي وحافظت على قدر من السرية والتجربة اثبتت ان هذا التباين بين الباطن والظاهر احدث خللاً في التجربة .

    هناك مشروعات طموحة لحركات اسلامية في المنطقة لا تخفي سعيها للوصول الى السلطة هل تعتقد انها استفادت من تجربة الحركة الاسلامية في السودان؟

    تجربة الاسلاميين في السودان كانت بارقة امل كبيرة وان ينظر اليها باعجاب وغالب الحركات الاسلامية ما كانت تعلم المشاكل في هذه التجربة اي مشاكل الاصولية التي قد تؤدي بالتجربة الى الانهيار او التوقف او الانقسام كالذي حدث في 99 الان هم في صدمة وخيبة امل ونحن من جانبنا لم نقدم الرصد الكامل للتجربة و تحريرها في كتاب ظللنا نتحدث في المقابلات الصحفية والمنابر هذا الامر بدأ بعض الاخوة في الشروع في تنفيذه وصدرت بعض الكتب هنا وهناك وليس فيها بعض منهج يمكن ان يعين على فهم هذا التجربة للحركات الاسلامية هناك تجربة حماس لو قرأت درس السودان جيداً لاكتفت بالفوز ولما وصلت السلطة ولو كنت في حماس لدعوت حنان عشراوي لتكون وزيرة الخارجية وهي نصرانية ولدعوت ياسر عبد ربه لتولي حقيبة اخرى ودعوت نبيل ابوردينة وهكذا وكما قلنا نحن في المؤتمر الشعبي حتى ولو فزنا بغالب مقاعد الانتخابات سنعطي الوزارة غالبها للقوى الاخرى.

    الدولة المعاصرة في العالم الحديث ارتبطت بمفاهيم مثل الديمقراطية والفصل بين السلطات واحترام حقوق الانسان الا تعتقد انكم كنخب اسلامية ساهمتم في تعطيل هذا التطور السياسي الاجتماعي؟
    نعم اسهمنا في تعطيل دمقرطة المجتمع وفي تركيز هذه المعاني وفصل السلطات والتداول السلمي للسلطة على الورق وفي الاستراتيجية كان ذلك مكتوباً اذا وصلنا الى السلطة عن طريق الانقلاب هذا طريق فيه خطأ ولابد ان يصوب باسرع ما يمكن ولكن نشوة الانتصار والتأييد الشعبي جعل الاستراتيجية قابعة على الورق وهي خطط واستراتيجية مؤسسة على اصول الاسم وقيمة جعلها تنحسر لصالح مشروع دولة احادية لكن في دستور 98 تجلى ذلك وكنا نريد دستوراً اسلامياً يعبر عن هذه المعاني التي تجعل الاسلام قدوة لانسان القرن الحادي والعشرين .

    العلاقة بين الولايات المتحدة والحركات الا سلامية كانت علاقة صداقة ودعم وتأييد ومؤخراً تحولت الى عداء وصدام وخصومة كيف تفسر ما حدث؟

    كنت في حوار مع احد الفاعلين في السياسة الامريكية وحدثته بان القيم التي تدعو اليها الولايات المتحدة الامريكية نظرياً هي قيم يدعو اليها الاسلام ويتمثلها، مثلاً النظام الاقتصادي الرأسمالي وحرية التداول السلمي للسلطة وان الامة هي مصدر السلطة وهذه قيم اسلامية اصولية وكان يمكن للحركات الاسلامية ان تكون في حوار مع الغرب والغرب الرافض الامريكي بدلاً من ان تكون في صراع معه صحيح ان الكثير من قيادات الحركات الاسلامية درسوا في امريكا ولهم صلاة وعلاقات مع الولايات المتحدة الامريكية ولفترة كانت الحركات الاسلامية توصف من بعض الانظمة القمعية بانها ذراع امريكي وانهم عملاء للامريكان وان الاخوان المسلمين منشأهم الـ cia كان هذا يتردد كثيراً والمشروع الذي تولدت عنه القاعدة مشروع افغانستان والدعم الذي وجدته الحركات التي كانت تحارب السوفيت في ذلك الوقت هذا كان فيها طبعاً اياد امريكية ولكن المشروع الامريكي الذي يدعو الى الديمقراطية وحقوق الانسان واقتصاد السوق فيه كذلك مشروع هيمنة ومشروع مؤسس على قطب واحد يحكم العالم فيه استبداد يتجاوز كل قرارات الامم المتحدة وليغز و بلداً مثل العراق والصورة السيئة التي قدمتها الولايات المتحدة لنفسها كان يمكن ان تكون هناك صورة اخرى تدعو الى الحوار خاصة مع الحركات الاسلامية والاسلام الان اصبح شائعاً جداً رغم ان تجارب الحركة الاسلامية في السودان حدث لها انتكاس وانتكاس في افغانستان وايران ولكن لا تزال بذرة الصحوة الاسلامية متقدة وجذوتها منتشرة والان اصبحت تتغذى من العداء لامريكا.

    في الخارج لكم خطاب ما ذكرته انكم تقولون بالاقتصاد الرأسمالي وفي الداخل تتحدثون عن اقتصاد اسلامي وعن شروط متعسفة في ما يتعلق بالبنوك مثلاً وهناك اختلاف مابين ما تقولون انه اقتصاد حر وما بين ما ينفذ في برنامجكم لماذا هذا التناقض؟

    ان شئت ان اقول الحقيقة فان كل التجارب المتعلقة بالاقتصاد الاسلامي فان التجارب في البنوك الاسلامية والتأمين الاسلامي وفقه المصارف والاموال والزكاة كله لا يزال كلمة ناقصة، البنوك الاسلامية قامت على معاملات المزارعة والمشاركة والمرابحة التي تفيد التفاعل ولكن كما شهدت على التجربة السودانية فانها لم تتم على فلسفة فاذا طرأ طارئ في قضية او مشكلة تجتمع هيئة الفتوى لتجد حيلة لكن البنك المؤسس على فلسفة هذا غير موجود كذلك برنامج التحرير الاقتصادي الذي قام في السودان قام بنظرة اننا نقدم نموذجاً لا يعارض الاسلام ولكن لا نرى اصول هذا النموذج في الاسلام وهذا نقص انا في رأيي ان هناك نظرية اقتصاد اسلامي تشبه نظرية الاقتصاد الطبيعي القائم على المنافسة الحرة واقتصاد السوق. حتى ولو كان ذلك بدون ان تتمثل العدل الاجتماعي الذي هو من صميم الاسلام؟ ما يسمى بقانون الضمان الاجتماعي جلب من الاندلس في القرن الثاني عشر ترجم الى اللاتينية وتبنته فرنسا اول ما تبنت مشروع الضمان الاجتماعي ولا تزال دولة توصف بانها اشتراكية في العمق هذا من اثر الاندلس عليهم دول كاملة كانت تقوم على نظام الوقف الاسلامي وهذا لم يدرس جيداً -التعليم وتأمين الصحة كان في الحواضر الاسلامية مؤمن بفلسفة الاكتفاء لكل المجتمع - هناك كتاب اشتراكية الاسلام لمصطفى السباعي فيه الدعوة للاصلاح الزراعي والدعوة للتأميم تبنتها حركة الاخوان المسلمين في مصر وفي سوريا ولكن هذه الاصوات خفتت حتى الحزب الاشتراكي الاسلامي مؤسسه كان من مؤسسي جماعة الاخوان المسلمين بابكر كرار وناصر السيد.


    هناك اتهام للعقل الاصولي وهو اللجوء الى التكفير عند العجز عن مجابهة الخصوم حدث هذا مع نصر حامد -فرج فودة .. الخ في السودان لمحمود محمد طه وكنتم اقرب الى من كفروه الى اي مدى يصح هذا الاتهام؟


    تيارات التكفير بعضها خرج من رحم الحركات الاسلامية رغم ان الحركات طرحت فكراً نهضوياً ولكن بالذات الحركة في مصر وقع عليها ابتلاء كبير من النظام والشخصيات التي كانت اقرب الى الفكر الاشتراكي مثل سيد قطب عندما انضمت للاخوان وشاهدت الاعتقالات والاعدامات بدأت النظرية التي كانت تتبناها حركة الاخوان في مصر هي نظرية تطبيق الشريعة بحيث تسع المسلم وغير المسلم بحيث تطرح قيماً يتفق عليها كل البشر وهي قيم انسانية قد تكون ذات بعد ديني للمتدين وقد تكون قيماً انسانية لغير المتدين هذا الطرح تحول منه طرح الشريعة الى طرح الحاكمية الذي تبناه سيد قطب باثر من المودودي ومدرسة الندوي ولكن عندما وقع العسف تولدت افكار تقول ا ن الاسلام لا يعرف الا نوعين من المجتمع مجتمع اسلامي ومجتمع جاهلي - في ما يتعلق بالحركة الاسلامية في السودان لم يقع عليها اضطهاد شديد وان تطاولت المعتقلات والسجون ببعض القيادات ولكن لم يقع عليهم ما وقع للاخرين لا في عهد عبود ولا جعفر نميري والحركة لم تتطرف .. الشيخ حسن الترابي بعد خروجه من المعتقلات بعد سبع سنوات في عهد النميري طرح ان المرتد ردة فكرية بحتة لا يقتل وعارضه معارضة شديد في ذلك تلاميذ الاستاذ محمود محمد طه وقالوا ان هذا خروج عن الشريعة السلفية لان العصر قد ضغط على الترابي فاذا ضغط عليه العصر او لم يضغط فهذا رأيه وهو لا يزال يعتقد ان المرتد ردة فكرية بحتة لا يقتل وان حد الردة لا يطبق الا على المقاتل الذي يخرج على الدولة الاسلامية وهذا تيار غالب الان في الحركات الاسلامية هذا رأي راشد الغنوشى ومحمد سليم العوا والقرضاوى.


    كثير من المراقبين يقولون بعلاقة لكم مع السفارة الامريكية وان اجتماعا قد حدث مع مسؤولين بالسفارة قبل ساعات من الانقلاب وان العداء الراهن مصطنع؟


    - بالنسبة للانظمة العربية نفدها كانت تفتح المجال للحركات الاسلامية السادات مثلا عندما استشعر ان المعارضة كلها من اليسار فتح للحركات الاسلامية المجال لتنمو في الجامعات والمساجد ثم ارتد عليها بعد ان شعر ان هذا النمو سيهدده في ظروف الحرب ا لباردة كل طرف من قطبي الصراع حاول ان يستفيد من كل ما من شأنه ان يوزي الطرف الآخر وذلك بنظرية ان عدو عدوك صديقك فكانت امريكيا ترى في الحركة الاسلامية معاداة للطرح المادي الجدل الماركس ومن قبل الملكية المصرية فتحت للاخوان المجال وعندما استشعرت الخطر قتلت حسن البنا هذا يحدث بالنسبة للحركة الاسلامية في السودان عندنا عشرات الذين درسوا في امريكا من قياداتنا والدراسة في امريكا لا تعني العمالة نفيدها لها شروط فليس العميل ذلك الشخص الذى يدلي بمعلومة ويكتب تقرير وانت تدفع له الاموال العميل هو الذي يشاركك في الغالب قناعاتك هم اولئك الذين يرون في العالم الاسلامي والعرب والافريقي بانه لن يتقدم الا اذا تبنى الحضارة الغربية وعاش فيها ومعها علاقات طيبة بهذا المعنى لن يحدث لم تكن علاقتنا بالسفارة الامريكية علاقة علاقة عمالة ولكن علاقة صداقات شخصية لأن الامريكان عادة ما يعتمدون على العلاقات الفردية في السياسة كانت هناك علاقات بين قيادات في الحركة الاسلامية وبين نافذين وعاملين في امريكا وفي السفارة الامريكية.


    الحركة الاسلامية طرحت لنفسها متجاوزة اليسار بتقدميته وتجاوت واليمين بتقليديته وقدمت لذلك حسن الترابي، هل تعتقد اننا امام (بروتستانتية اسلامية) يلعب الترابي فيها دور مارتن لوثر؟


    الي حد كبير هذا صحيح ولكن الذي يضر بالترابي هو وجوده في دولة مثل السودان حيث يصعب جدا لاخوتنا العرب ان يقبلوا بقيادة فكرية وسياسية تأتي من بلد هي ليست قلب الحضارة الاسلامية ليس هو بغداد او القاهرة او مكة لذلك يتعثر عليهم قبول ذلك ومن معرفتي بساحة الفكر الاسلامي ان الدكتور الترابي اذا اختلفت معه سياسيا فهو اقوى منكر اسلامي في الساحة فالذي يليه كما ذكر الدكتور محمد عبدالحليم بجامعة لندن حيث قال انه درس سبعة مفكرين اسلاميينووجد ان الترابي يفوق الآخرين بآماد كبيرة فمن هذه الناحية هو اقوى مفكر ومن حيث التجديد يطرح افكار لا تقل عن قوة الطرح الذي طرحه لوثر الذي ناقش فكرة الكاثوليك.

    كيف للترابي ان يواجه عقبة السلفية وهو الذي دعمهم من موقعه في السلطة ثم اصبحت هذه القوى ذات نفوذ واسع اقتصادي وسياسي وديني ووقفت امام تجديداته؟

    - هو لم يدعم السلفية بهذا المعنى لكن كنا نعتبرهم تيار اسلامي اقرب الى طرحنا كما كنا نعتبر التصوف بنار اسلامي قريب لطرحنا واعتقد ان الانشقاقات الموجودة في العالم الاسلامي تزهد في الطرح الاسلامي وكنا نحاول ان نجمع الناس وما دمنا في الدولة واجبنا ان نجمع كل الناس بما في ذلك المسيحيين وغير المسلمين واولي ان تجمع المسلمين. وبالتالي الذين نرى انهم قريبون الينا ولكن كثير منهم لم يتحمس للمشروع الذي طرحه الترابي مثل انصار السنة والاخوان المسلمين الذين عادوا بعد ان خرج الترابي من السلطة وتحالفوا مع المؤتمر الوطني وقبل ذلك كانوا يتحفظون علي الطرح الذي يقدمه الترابي باعتباره تجديدي الامر الذي حدث هو ان هذه الحركة التي تواجدت في الدولة كانت تعمل في المساجد والمدارس والمعاهد والمصانع والبيوت مع استلام السلطة نفذت الى ثغور المجتمع في الشرطة والجيش والامن والخارجية لكن تركت دولة الفكرة والبلاغ والاعلام والمجتمع لا يقبل الفراغ وساعد ذلك علي نمو السلفية والتيارات الاخرى التكفيرية.

    هناك من يقول بان الترابي شخص متناقض اسس نظام والآن يسعى لهدمه، كانت له علاقة مع حركات وجهات واستضافها بالبلاد ثم التخلي عنها (كارلوس - بن لادن). الى ماذا ترد التناقضات في السلوك السياسي للترابي؟!

    - - هي طبعا مسيرة طويلة امتدت لنصف قرن وفيها تقلبات السياسة العالمية والمحلية.

    ما اقصده سلوكه في الـ عشر سنوات الماضية؟

    - في العشر سنوات الماضية حقبة الانقاذ فكرة المؤتمر الشعبي العربي الاسلامي جاءت بعد حرب الخليج وكانت الامة في حالة تمزق شديد وكان الناسركة ليس الاسلاميين ولكن جلسة الافتتاح كان فيها قيادات اليسار الفلسطيني وكان فيها قيادات قومية عربية كبيرة ومنهم من كان من اصول نصرانية الساحة كانت عامرة الخطاب نفسه كان معتدل وكان المؤتمر الشعبي العربي الاسلامي يحاول ان يقرب بين حماس وفتح وبين المعارضة الجزائرية وبين الجزائر وبين الافغان والطالبان كانت هذه روح المؤتمر الشعبي ان نقدم نموذج لوحدة اسلامية وعلاقات اسلامية ومصالحة بين حكومات ومعارضاتها لصالح بسط حرية للحركات الاسلامية اخراج المعتقلين من السجون ولكن تقدير المراصد الغربية لحركة المؤتمر الشعبي الاسلامي كانت تستشعر خطر شديد من وجود مثل هذا العمل في العالم الاسلامي هذا الذي يسميه مالك بن نبي بالغزو الثقافي ان تأخذ الفكرة وتفرغها من محتواها وتحرفها باتجاه والمؤتمر الشعبي رغم ذلك ظهر لهؤلاء انه تجمع الارهابيين في العالم رغم اعتدال طرحه وظهرت معالم الحرب الحضارية بين الاسلام والدول الغربية في ضوء بلاد متخلفة مثل السودان كان لابد تتباين المواقف الترابي صحيح بني نظام ولكنه كان يريده نموذج وراي منذ العام 1998م، ان النموذج الذي يريد ان يبنيه في السودان ينحرف الى صالح نموذج آخر ديكتاتوري لمشروع قبيلة او جهة لذلك حاول ومن خلال دستور 98 اصلاح الخلل الذي اصاب المشروع ولكن هذا النموذج اخترق والقيم التي كان يجاهد عنها ابناء الحركة الاسلامية ويتدافعوا ويستشهدوا اختللت لذلك لابد من طرح جديد لا يعدم المشروع ولكن ينفذه ويقدم مثال جديد ارشد وابرك من المثال السابق.


    - دعا ايمن الظواهري القيادي بتنظيم القاعدة الى الجهاد في دارفور، برأيك هل ما يزال النظام يحتفظ بعلاقته مع القاعدة والمنظمات الشبيهة بها؟!

    - دارفور لا تحتاج الى جهاد هي تحتاج الى السلام والغذاء ونزع السلاح ولكن هو يقصد الجهاد اذا جاءت قوات دولية كما حدث في العراق، وهذه دعوة اعتقد ان الواقع سيصدقها و يكذبها بالنسبة للنظام لا اعتقد انه يحتفظ بعلاقات مع الحركات الجهادية لان هذه الحركات تعتقد ان الامانة التي قدموها للنظام النظام لم يحفظها بل باعها للجهات التي شن حرب عليها وهذه قالها بن لادن بوضوح انه لا يتفق مع النظام ولا يؤيده ولكن تقاطعت المصالح قال هذه العبارة السياسية وترى في حرب الاجنبي في العالم الاسلامي مصلحة مهما كانت ا لبلد او النظام القائم فيها وان اختلف معها فهو ليس لقاء حول اصول فكرية ولكن لقاء مصالح قد يصيب وقد يخطيء وقد يكون محجرد ادعاء اعلامي ..

    هنك من يقول ان مستقبل المؤتمر الوطني مرتبط بالسلطة وجودا وعدما الى مدى يصح هذا الحديث؟

    - - المؤتمر الوطني ليس حزبا ولكن مشروع مرتبط بالسلطة انظر الى الذين يتولون مناصب قيادية في المؤتمر الوطني كلهم يتولون مناصب قيادية في النظام. الذي يتولى التنظيم والسياسية والفئات والشباب والذي يتولي العلاقات الخارجية كلهم لهم مناصب في الدولة وزراء ومساعدين للرئيس وكثير منهم يعتقد ان هذا زمان الدولة وليس زمان التنظيم فاذا فقدت الدبوس الذي يربطك بالدولة فقدت وزنك وثقلك واثرك على العمل السياسي وهذا شيء مؤسف انك الآن لا تستطيع ان تدعو شخصا الى المؤتمر الوطني دون ان تقلده وظيفة حتى صار تجمع موظفين وتجمع مصالح سياسية اقتصادية اجتماعية ليس حزب بالمعنى الذي نعرف.


    كذلك هناك من يعتبر ان مستقبل المؤتمر الشعبي مرتبط وجودا وعدما بشخ حسن الترابي؟!

    - بالنسبة للطرح الاول الذي قاد الى الاختلاف والمباينة واسس المؤتمر الشعبي كانت هذه مواقف للدكتور الترابي وقفها ليس كسياسي فقط ولكن كمفكر اسلامي ومجدد ايضا الموقف الذي وقفه الدكتور الترابي وقف معه كثيرون يثقون فيه ولكن بعد ذلك المباديء التي دعا لها رسخت جدا في اجيال ليست انقاذية بعضهم لم يتولى مناصب بعضهم جاهد لانه يعمل في سبيل الاسلام وفي سبيل قيم الاسلام وقيم الحرية والعدل والشورى والشريعة السلطانية وليس شريعة الاحواء الشخصية وشريعة قطع اليد فقط والحدود وهذه القيم ترسخت الآن في جيل كامل من الشباب الاسلامي والمؤمر الشعبي بشكله الراهن باماناته التي تربو الى الاربعين شكل اقرب الي المجتمع منه الي الدولة التنظيم القديم كان يشبه الاتحاد الاشتراكي لأهكان يلبي مطالب حزب في السلطة او يسعى للسلطة السياسية ولكن هذه التنظيم الجديد يسعى للتغيير الاجتماعي.


    - هناك من يقول ان المؤمر الشعبي في حاجة الى ترميم علاقاته بالمجتمع السوداني وازالة الصورة الشابهة التي برزت من خلال تواجده في السلطة بم ترد؟!

    - نعم نحن من خلال تواجدنا في اوربا وجدنا سودانيين خرجواالكثير
    من السودان بسببنا لأن النظام اوقع عليهم اضطهاد واعتقلوهم او صار ممتلكاتهم وهم يحملون مرارات من جراء ما وقع عليهم ولكن يستشعرون هم الوطن ويسمعون الى المؤتمر الشعبي الذي يحتاج الي مصابرة والى بسط الحوار وتقديم سخريته وكل شيء فقط ان لا يعتزل العمل السياسي ويلغي بالسلاح لأن مسيرة الحياة في سبييل مسار اسلامي صحيح الدعوة لا تنقطع.


    انت شخصيا كنت متواجد بالقرب من مطابخ القرار السياسي ألم تسمع بماجرى لهولاء السودانيين و ماواجهوه من عسف كما ذكرت؟

    -
    - - كنت اسمع طبعا وكنت اعترض عليها في المؤسسات ولا اخرج بذلك للصحف واعترض داخل الاجهزة كانت لنا معارضات كثيرة لكثير من الممارسات طوال عهد الانقاذ.


    ماذا بشأن الجرائم الجنائية التي وقعت على البعض من قبل اجهزة بعينها؟

    - نحن في مذكرة التفاهم مع الحركة الشعبية وهي الوثيقة الوحيدة التي تحدثت عن المحاسبة قلنا ان اي شخص وقعت عليه جرائم جنائية عليه ان يتقدم للقضاء وهذه الجرائم لا تسقط عليه ان ليقدم نحو الشخص الذي اوقوها عليه متى ما توفرت العدالة بالبلاد.. كذلك هنالك محاكمة سياسية مثل تفد التجربة وتقديم النقد الذاتي لها وتصحيح المسار هذا كله عمل سياسي كبير هذا اذا اقتنع الشعب اننا حركة وطنية اصيلة تعثر مسارها نتيجة لممارسات لم تكن من اصولها ولا من منطلقاتها او غاياتها عندئذ يقبل بنا الشعب السوداني كبعض من تياراته الوطنية التي تريد ان تبني مجتمع ديمقراطي ونموذج ديمقراطي ومجتمع يقوم بوظائفه ويتبادل السلطة سلميا اذا اقتنع بالمباديء الذي يطرحها المؤتمر الشعبي فيها واذا لم يقنع فسينتظر المؤتمر الشعبي في مقاعد المعارضة مرة بعد مرة فلا بأس من ذلك سنظل نؤكد على هذه القيم.


    الحقيقة حق لكل السودانيين حتى الذين لا يمارسون السياسة لماذا لم تكشف الحقائق قبل اعتذاركم الذي يراه البعض (خجولا) ومن ثم يتم الاعتذار كما حدث في بلدان كثيرة؟


    - نعم لابد ان يكون هناك صريح لما حدث في الماضي ولكن ليس هو كشف لحقائق وتقصي ولكن قراءة التجربة متكاملة واستخلاص افكار منها.


    ما اقصده هو الحقائق والاخلاقية والحقوق القانونية؟


    - بالنسبة للقانونية قلت لمنع وقعت عليه جرائم فهي لا تسقط ان وجدت ولكن المحاسبة السياسية والتقويم السياسي لما حدث لابد ان يحدث على نحو متكامل حتى الآن لم نقدمه كاملا لكن كثير من المران التي تسأل فيها كنا صرحاء وانا شخصيا كنت صريح في الحديث الممارسات القديمة وان كانت هناك قصة بعينها نذكرها كما هي حتى وانا كنا مشاركين فيها لكن التقييم الكامل لم يصدر وسوف يصدر ان شاء الله.

    من من سوف يصدر هل المؤتمر الشعبي وان كان كذلك فهناك ايضا من خرجوا من الشعبي والوطني معا وبحوزتهم اسرار ضخمة؟


    - نحن نأمل ان يصدر من كل الجهات الشعبي والوطن والآخرين كلهم يجب ان يكتبوا تقويمهم حتى يعرف الناس وتستبصر الاجيال التي لم تشهد هذه التجربة ولكن السودانيون لا يكتبون كما تعرف.


    هناك من يقول انكم دخلتم في تحالف القوى الوطنية لتجميل وجه المؤتمر الشعبي وخلق حاجز بينكم والماضي وتناسي لما ارتكب من اخطاء بم ترد؟!


    - ابدا دخلنا بصدق نريد ان نكون بعض من القوى السياسية الموجودة كنت اقول للحركة الشعبية في جنييف ان التيار الاسلامي ظل منذ المصالحة الوطنية ظل بمعزل عن الشعب وبمعزل عن القوى السياسية وتريد ان نقيم قطيعة مع هذا الماضي الذي كان يستعدى الآخر ولا يريد ان يصله او يحاوره نحن الآن نقيم علاقتنا مع القوى السياسية بصدق.


    لكن هناك من يرد هذه القطيعة الى استعلاء الحركة الاسلامية علي القوى السياسية فالي ماذا ترد هذا الاستعلاء هل انتم مثقفون اكثر من الناس ام متدينون اكثر منهم؟

    - الشعور بالاستعلاء جاء من نظرتنا لتنظيمنا به كوادر ممتازة واننا تنظيم حديث به كوادر متعلمة وتجارب كبيرة وعندنا قائد كبير ومفر له وزنه الدولي والمحلي ونظرنا للاحزاب الاخرى ووجدنا عندها تعتثر كبير بعضها انحسرت تجاربها تقاللناها قلنا وزنها قليل ونحن وزنا كبير فسار هذا الشعور فترة الانقاذ كذلك في اصول الادب الاخواني هناك حديث عن استعلاء الايمان وكذلك عن العزلة الشعورية بيننا وبين المجتمع هذه ليست بالضرورة افكار اسلامية ولكن افكار مرحلة والشعور الذي جاء هو النظر في الواقع في المباينة بيننا وبين الآخرين وثبت ان هذا غير صحيح وان السودان يحتاج الى علاقة مع كل الناس مع اقرب الناس اليك وابعدهم حتى تنفذ التجربة وتتقدم بها.

    هل هناك احساس بالتميز الديني عن الآخرين؟ ايمانا مثلا؟


    - الاجيال التي تربت داخل الحركة الاسلامية تقرأ القرآن بأفضل من ما يقرأ عامة المسلمين وكذلك السيرة والصلاة هذا سبب انها حركة نهضة وفيها شباب متعلم وتحيط افرادها برقابة اذا لم تأت للمسجد للصلاة يفتقدك الناس وكذلك التهجد لكن اذا قارنا نفسنا بالحركات الاسلامية العربية نحن اقل تدينا ان جاز التعبير في الدينيات فيما يتعلق بالمناسك وسمتها والمواظبة عليها هم افضل منا بطبيعة مجتمعاتهم المنظمة واحترام الوقت وبالتالي هذا الذي اسميته التدين هم افضل لكن بالنظر الى المجتمع نكون افضل ولكن مهما زاد ايمانك فان الله سبحانه وتعالى يدعو الي الايمان اكثر (يا ايها الذين آمنوا آمنوا) الايمان لا تكمل درجاته.

    تحدثت لماما عن دارفور من خلال تجربتك ومخالطتك السياسية الغربية على اي مصير نحن مقبلون في دارفور؟

    - نحن تركنا الازمة تتفاقم واحدثنا الثغرة التي نفذ منها الاجنبي وتنفذ منها الآن الامم المتحدة نفذ منها الاجنبي بمؤسسات الاغاثة والاعلام هذا كله من تقصيرنا والحكومة لم تعترف بالاخطاء حتى عندما تبلورت اهداف الحركات في دارفور ومطالبهم بوضوح وهي مهما كانت هي بسيطة، الاقليم وغيره كل هذا لم يحترم المفاوضات نفسها كانت مفاوضات تكتيك لم تكن مفاوضات صرف واتسعت الثغرة جدا في تقديري يكاد يكون الفتق اتسع على الراتق عندنا موقف واحد وهو الموقف الوطني الموسوم بالاجماع يمكن ان يتيح لنا فرصة افضل للحديث مع المجتمع الدولي والاقليمي.

    من خبرتك بتفكير اهل النظام يمكن ان تصل الى هذه النقطة؟

    - من معرفتي يصعب جدا الوصول الى ذلك النظام ففي عامين في نيفاشا حتى لا نبذل من نسبة 52% من السلطة ومفاوضاته في القاهرة بصد ذلك وفي ابوجا وهو حريص جدا ان يحفظ اغلبيته التي تؤمن له السلطة والقرار السياسي الاقتصادي ومرتبط بامن من هدفي السلطة فاذا رفعت عنه السلطة يستشعر بانه عرضة لاشياء كثيرة لذلك اقول النظام يحتاج الى قفزة فكرية ونفسية وسياسية حتى يمكن ان يصل الى المطلوب الوطني الذي دونه سيتبدل الوطن.

    وماذا عن تدخل القوى الخارجية (امريكا والصهيونية) بمفردات الحكومة الى مدى يصح ذلك بنظرك؟

    اذا كانت هناك قوى صهيونية او امريكية او بريطانية كلها لها مصالح ولكن انت الذي فتحت الثغرة واوقعت الظلم على مواطنيك هذا المظلوم طبعا عرضة لأن يتحالف من الشيطان.


    في حديثك قلت ان مشروع الحركة الاسلامية تحول الى مشروع جهة وقبيلة فسر لنا ذلك؟ ولماذا لايكون الحديث واضح؟

    نحن نفصل هذا فاذا تحدثت عن قبيلة استحوذت علي السلطة فهذا فيه ظلم كبير حدا على اقراد هذه القبيلة هؤلاء الذين يتولون السلطة اذا ذهبت الى قراهم ومدنهم لن تجدهم افضل حالا من ما هو موجود في دارفور، لذلك افضل شيء هو الحديث الاقتصادي عن الارقام الموجودة في الولاية الشمالية ونهر النيل ومقرونة بالتنمية الموجودة في دارفور والجسور التي تبنى من مال السد مقارنة بالتأخر في التنمية وفي طريق الانقاذ الغربي انا افضل هذا النوع من الحديث اما الحديث الآخر يسيء الي ابرياء ويعقد المشكلة ويردنا من منافسة عالم الافكار والسياسية الى عالم الاشخاص..! حوار \ عبد الواحدابراهيم

                  

10-18-2006, 05:20 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فتنة السلطة والجاه ....الهمز واللمز بين الاخوان (Re: الكيك)





    السودانى

    العدد رقم: 341 2006-10-18

    حديث المدينة
    إشانة سمعة..!!

    عثمان ميرغني
    كُتب في: 2006-10-18

    [email protected]


    حسنا فعل تلفزيون السودان.. أمس الأول.. إذ استضاف الدكتور حسن الترابي في برنامج (الخط الساخن).. وبدا وكأن التلفزيون يحاول تحت إدارته الجديدة مسح الخطوط الحمراء التي كانت تكبل حرياته في القطاع السياسي بالتحديد..
    ورغم أن د. الترابي اجتهد كثيرا في توضيح أفكاره حول الحرية وحقوق الإنسان وسعة الصدر السياسي واحتمال الآخر.. ونجابة المنهج والحكم الرشيد.. وكان حديثه في جانبه النظري أكثر من رائع.. إلا أن الدكتور الترابي يبدو دائما كطالب يحاول حل الامتحان بعد جمع الأوراق..
    الفترة الواقعة بين بيان (العميد) عمر البشير في صباح 30 من يونيو ..1989 وبيان (الفريق) عمر البشير قبيل منتصف ليل 12 ديسمبر ..1999 كانت هي زمن الامتحان الذي أتيح فيه للدكتور الترابي أن يثبت بالعمل لا بالقول كل نظرياته.. لكنها بالتحديد كانت الفترة التي حطمت حقوق الإنسان السوداني.. وجعلت من مشروع السلطة (بلدوزر) ضخماً يدمر قيم العدل والحرية والمساواة والتعايش.. وتقديم نموذج دولة إسلامية مكسور الضمير..
    ولئن أكد الترابي الآن على معارضته الحاسمة للمنهج السلطوي الذي ما زالت الإنقاذ تدين به.. لكنه هو الوالد الشرعي الذي من صلبه ولد هذا المنهج.. ولم يفعل تلاميذه من بعده أكثر من نجابة التقليد...
    يستطيع نموذج الحكم الذي قدمه الترابي - وسار عليه بكل همة من بعده تلاميذه - أن يدق المنصة بكل فخر ويتحدث عن استخراج البترول وتصديره.. واختراق اقتصادي.. وقفزة في قطاع الاتصالات.. وبضعة طرق قومية.. وسد مروي.. ومشروعات تنمية أخرى.. لكن ما أن ينتهي آخر سطر في قائمة (المادي) ويتحول الحديث إلى قائمة (الأخلاقي).. حقوق الإنسان وحرياته.. العدل والمساواة.. صحوة الضمير المدني وكبح الفساد المالي والإداري.. حتى يرتد إليك البصرُ خاسئا وهو حسير.. وكأن الإسلام ما كان إلا غطاء العين الذي به تقبل الشعوب حكم سادتها.. أو السوط الذي به (تُقبلُ) حذاء جلادها..
    الدولة الإسلامية في السودان الآن.. تحرسها قبضة ممسكة بزناد البندقية.. تخشى على نفسها حتى من مجرد (ندوة مفتوحة) في مكان عام.. ترتعد فرائصها من مظاهرة ولو كانت لعزل لا يملكون غير صياح.. تستشيط غضبا من مقال في صحيفة.. فتصادرها.. وتخشى على نفسها حتى من عضوية حزبها إذا نطقوا بغير الرأي الأول والأخير.. دولة تفترض أن نصف رأيك.. في فوهة بندقيتك..
    استبدلت جهاد الرأي.. أن تقنع الناس بالحجة والرأي.. بجهاد كبت الرأي.. أن تسكت الأفواه وتعتقل الضمير.. حتى جاء زمن صار فيه النفاق أقوى مؤهلات البقاء الوظيفي.. على قدر أهل النفاق تُؤتى المراتب.. والصادق مع نفسه.. عدو نفسه.. يسقط تلقائيا ے- كتفاحة نيوتن - بفعل الجاذبية.
    لو كان الإسلام رجلا.. لفتح بلاغا بموجب المادة (159) من القانون الجنائي.. اشانة السمعة..!!






    للحقيقة والتاريخ (2ـ2)
    الشيخ إبراهيم السنوسي
    ويستطرد مقال د. تجاني بعنوان «اخواننا الكبار والنزاعات الصغيرة» جاءت وفاة الشهيد الزبير «اجتمع على عجل عدد محدود من إخواننا الكبار بدعوة من د. الترابي لاختيار خليفة» واقول فمن اين عرفت ان الترابي قدم دعوة لذلك الامر؟ وبرهانا ان ذلك لم يحدث وأنقل اليك بعضاً من مذكراتي التي بين يديّ نصا وتاريخا الآتي:
    الجمعة 13/2/1998م انا اول من ذهب الى زيارة منزل د. الترابي مساء ذلك اليوم بعد أن حضرت تشييع الشهيد الزبير وقلت:لدكتور الترابي «هذه المرة يجب أن يكون النائب ـ اخاً ملتزما ـ مدنياً وليس عسكريا ـ حتى لا تكون قيادات النظام كلها ببزة عسكرية ـ فقال: أفكار معقولة. من ترشح؟ قلت له: واحد اسمه حسن عبد الله وعندي اسبابي لن اذكرها الآن. فرد علي بطريقته الحادة: انت ما تزال في موقفك بأن اكون انا في رأس الدولة منذ قيام الانقاذ. قلت: نعم وعبر التاريخ ما رأيت مشروعا فكريا ولدولة اسلامية... يقوده عسكري. قال لي: تعلم رفضي المتكرر منذ يوم اخترنا مجلس قيادة الثورة بقيادة الاخ عمر. وكررتُ لك رفضي حين كنا في السجن بأنني لن أكون في الدولة محكوما بالبروتوكول واللقاءات الرسمية. انا اريد ان اكون مفكرا حرا يقول ويتحدث دون قيود.. أتذكر من الخليفة العباسي الذي عاصر عبد القادر الجيلاني؟ قلت: لا اعرفه. قال الترابي: اتريدني ان اكون نكرة مثله؟ وانتهينا على ذلك!
    وليس صحيحا اننا عقدنا اجتماعا في منزل الاخ عثمان خالد لهذاالامر ولو تم مثل هذا فقطعا لم يحضره د. الترابي ولا سمعنا بجهة تنظيمية كلفت احدا باعداد أسماء المرشحين للنائب الأول.
    وفي يوم السبت 14/فبراير/1998م بعد استقبال الاخ الزنداني في المطار ذهبت لمنزل الدكتور الترابي وفتحت الحديث مرة اخرى بحضور الاخ يس عمر الذي كان قد عاد من الخارج فقبل فكرة أن يكون هناك نائبا مدنيا ولكنه رفض مبدأ ان يكون ذلك النائب حسن الترابي، وابدى عدة اسباب ثم جاء اخوة آخرون من بينهم الاخ/ احمد عبد الرحمن وواصلنا الحديث فقبل فكرة ان يتولى اخ مدني هذا المنصب ولكنه اعترض بشدة على تسمية د. الترابي بل زاد في انتقاده الحاد لدكتور الترابي الذي ظل صامتا خلال الحديث ونحن نتناول طعام العشاء وخرجنا من ذلك الاجتماع بتكليف الاخ احمد عبد الرحمن بأن يخطر الاخوة الكبار ويتولى الاخ يس عمر اخطار الاخ نافع ـ عوض الجاز ـ بكري ـ الطيب محمد خير ـ وأوكل اليّ اخطار الاخ علي عثمان والاخ علي الحاج وكذلك الاخوة الولاة. على ان نلتقي مرة اخرى في عدد اكبر وشورى أوسع يوم الاحد 15/فبراير 1998 استمر النقاش حول المبدأ والترشيح وسط الاخوة الكبار سرا. يوم الإثنين 16/ فبراير/ 1998 والذي كان اليوم الاول للمؤتمر الوطني في قاعة الصداقة كانت الفرصة متاحة لتبادل النقاش في المبدأ والشخص لمنصب النائب الأول مع آخرين من الاخوة.
    وبعد جلسة المؤتمر ذهبت ومعي الاخ عبد الله حسن احمد مساء لمنزل الاخ علي عثمان فوجدنا ممن اذكرهم من الاخوة احمد عبد الرحمن،ومحمد الكاروري والاخ محمد يوسف وموسى ضرار والطيب النص فواصلنا النقاش واتفقنا ان يكون المرشحون الاخ علي عثمان ود. علي الحاج وانفض الآخرون وبقيت مع الاخ علي لوحدنا حتى ساعة متأخرة من الليل.
    يوم الثلاثاء 17 فبراير 1998 ذهبت مبكرا لمنزل الدكتور الترابي وشربت معه الشاي ـ واخطرته بما دار في منزل الاخ علي عثمان وان الاخوة اتفقوا ان يكون المرشحين علي عثمان لتجربته السياسية ود. علي الحاج لسبقه في الحركة، ومعرفته بقضية الجنوب، ورمزية غرب السودان، وسردت اصراري على ترشيح الدكتور الترابي ورفضهم بسبب ألا يكون امين الحركة تحت الرئيس. فطلب مني د. الترابي ان اذهب لاقابل الاخ الفريق واخطره برغبته في اللقاء في الغداء في منزل الفريق عمر، وفعلا قابلت الفريق عمر في المصعد في «قاعة الصداقة» واخبرته بطلب د. الترابي فوافق بانشراح والتقى الرجلان معاً لوحدهما.
    في المساء ذهبت للدكتور الترابي وسألته عن خلاصة الاجتماع - فقال: اتفقنا مع اخيك عمر بعد ان ذكرت له كل الحيثيات للمرشحين - وحتى ان السنوسي قد رشح الترابي - ولكن هذا ليس مقبولاً عندي ولا عنده - وقررنا اخيراً ان يكون المرشح الاخ علي عثمان - وان اردت توضيحاً اكثر فاذهب الى الفريق عمر.
    ذهبت للأخ الفريق في مكتبه في قاعة الصداقة وجادلته جدالاً ودياً حاراً - وقال لي الفريق أنت كمان ترشح شيخ حسن نائباً أولاً تحتي- معقول هذا؟ قلت نعم لأسباب وذكرتها له وهو ما لم اذكره لأي احد من قبل تستقيل انت بعد ان يتم التعيين له ويصبح د. الترابي رئيساً بالانابة ثم رئيسا وبعد اكمال الاجراءات القانونية يصبح الترابي رئيسا فقال انا أخ مطيع وان اردتم مني الاستقالة سأفعلها الآن، ثم قال لي مداعباً: انت اليوم مش تمام - لقد اتفقنا أنا وشيخ حسن على ذلك وعلى تعيين مصطفى عثمان وزيراً للخارجية مخالفاً لخطك الثوري، فرددت عليه برد احتفظ به، ثم تنحيت عنه جانبا وجاء التلفزيون وقرأ الرئيس القرارين الجمهوريين بتعيين الاخوين علي عثمان ومصطفى عثمان ثم طلبت من الاخ الفريق طلباً - ألا يحضر جلسة الغد الصباحية - ويترك رئاستها للأخ علي عثمان بصفته النائب الاول الذي يعد له السلام الجمهوري لأول مرة. فوافق الفريق عمر ثم تحركت من مكتب الأخ الرئيس في القاعة ونزلت لمكان الاجتماع وأنا أول من ساق الخبر رسمياً لعلي عثمان انه قد اصبح نائباً اول وان التشريعات قد أعدت له بالسلام الجمهوري.
    الأربعاء 18/2/1998م جاء الاخ علي عثمان للجلسة الصباحية لأول مرة بصفته نائباً اول وعُزف له السلام الجمهوري وجلس في المنصة مع د. ترابي بصفته نائب رئيس المؤتمر الوطني.
    هذا هو التاريخ يا د. تجاني والناس احياء في السلطة أو خارجها فليذكروا ما نسبت ولم تكن هنالك جلسة واحدة حضرها د. علي الحاج ولا جلسة واحدة جمعت بين علي الحاج وعلي عثمان - ولا جلسة جمعت بين الترابي وعلي عثمان والآخرين - ولم يكن هنالك أصلاً مرشحاً عسكرياً البتة سواء كان ذلك بكري حسن صالح أو غيره ولا اعلم جهة رسمية فوضت أحداً بابلاغ الرئيس كما ذكرت سابقاً أنت بل انا الذي ابلغته كما ذكرت.
    وما ذكرت عن الترابي انه ذكر للبشير المرشحين الثلاثة بالترتيب الترابي أولاً ثم علي الحاج ثانياً ثم علي عثمان ليس صحيحاً البتة لسبب بسيط لأنك لم تكن في الجلسة إلا اذا اخطرك طرف واحد وقطعاً ليس د. الترابي لأنه ليس طبيعته ان يقدم نفسه بتلك الصورة ولو أرادها لفعلها دون حتى ذكر الآخرين بل ان الاخوة في الجلسات لم يحددوا الترتيب فقد ذكروا مواصفات المرشحين دون تفصيل بين علي الحاج وعلي عثمان إما اسم د. الترابي فلقد ذكره الترابي عرضاً كمرشح من السنوسي وتجاوزه الطرفان برواية د. الترابي ومن أين لك ان الرئيس حين سمع عن الاجتماع والمرشحين اخذ يفكر في الاجتماع وأهليته - ثم اعتدل في جلسته (كأنك كنت معه) أو سمعت منه خيال واسع وهو حديث بين اثنين والمثل في دارفور - «كلام نفرين الثالث شن دسه» - والرابع ادُوا عصا» وشططت في الخيال ان الترابي قرر ان ينسحب وان البشير قد حقق عدة عصافير ابعده بها من منصب النائب الأول هو وعلي الحاج وهو امر غير صحيح إذا ما كان الفريق في وقتها يمكن ان يصطاد تلك العصافير بوجود حارسها بل ان الفريق عمر ما كان الفترة متطاولا بل كان صادقا في تقديم الاستقالة والتنحي متى ما طُلب منه ذلك كما ذكرت سابقا.
    وخاتمتي ان المقال - مفيد - لا سيما حين يكون من ابنٍ عريق في الحركة وعميق في الفكر - لو انه اتحفنا بالعبر والعظات من النزاعات وهي كبيرة لكنه خاض في تحليلات خاطئة بناها على معلومات خاطئة - والاخبار آفتها رواتها وخاصة انها من وراء الكواليس والاخبار كأسرار مكتومة في السرائر ولعل بمثل هذه الكتابات نستوضح التاريخ، وتحدث المراجعات النفسية للكبار حول النزاعات والمواقف التي اتخذوها فان كانت صغيرة تجاوزوها وان كانت اصولية ثاب المخطيء وفاء الباغي لاسيما ان كانت من الكبار بعد أن ضاعت القيم وتهددت البلاد وسخر الأعداء من المشروع الحضاري ورموزه التي أصبحت مكان تجريح- من الجُنب البعيد- ومن ذوي القربى القريب وهي أشد مضاضة من وقع السهام المهند.


    الصحافة 18/10/2006
                  

10-31-2006, 00:46 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فتنة السلطة والجاه ....الهمز واللمز بين الاخوان (Re: الكيك)

    ويسألني الشيخ السنوسي
    د. التجانى عبد القادر
    (1)
    الشيخ ابراهيم السنوسي صديق قديم، يكبرني ببضع سنوات، التقيت به أول مرة عام 1970 في سجن كوبر العمومي بالخرطوم بحري، ولم يكن ابراهيم يحمل يومها لقب "شيخ" ولكنه كان من نشطاء الحركة الإسلامية الذين انخرطوا في الأعمال الجهادية، وأبلوا فيها بلاء حسنا، وقدم هو وأسرته تضحيات كبيرة في سبيل الحركة الإسلامية، فاستحق عن جدارة لقب "الشيخ" من تلك الجهة. وقد سرني أن يكتب معقبا على مقالى لما في ذلك من دلالة على أن بعض "أخواننا الكبار" يقرأون أحيانا ما نكتب في الصحف ويعلقون علىه.
    ولكني ترددت أول الأمر في الرد على ما كتب، اذ رأيت أنه لم يورد اعتراضا على الوقائع الأساسية التي اعتمدت علىها في مقالى، وهي لقائي بالترابي في لندن حيث أشاد بالقدرات الفكرية للاستاذ علي عثمان، والاجتماع الذي انعقد في منزل عثمان خالد حيث رشح فيه الدكتور حسن الترابي لموقع نائب الرئيس، وإجتماع الترابي/البشير الذي أقر فيه تعيين علي عثمان نائبا أولا لرئيس الجمهورية. هذه هي الوقائع الثلاث الرئيسة التي قدمت في ضوئها تحليلا لمرحلة من مراحل النزاع بين الإسلاميين في السودان، وتبين لي فيها أن موقع "رئاسة الجمهورية" كان واحدا من أهم محركات النزاع، وأن ذلك النزاع لم يكن في بداياته نزاعا حول المباديء أو القيم أو الدستور أو الحريات أو"القضايا الأصولية والإنسانية" كما أراد البعض أن يصوره. ثم ازداد ترددي لما رأيت أن الشيخ ابراهيم لا يهتم بشيء مما كتبت اهتمامه بشخص الترابي، فتخوفت من أن يتمحور الحوار حول تلك المساحة الضيقة فتطغى العصبية الحزبية على القراءة الموضوعية للأحداث، وندخل في منطقة "الحزام الحساس"، ويضيع ما نحن بصدده من محاولات لإرساء القواعد لمرحلة جديدة من الإصلاح الداخلي في الحركة الإسلامية تقوم على: الفحص الدقيق لمكونات الأزمة التي تمر بها، والنقد الأمين الصارم لهذه المكونات، واقتراح رؤية بديلة للخروج من الأزمة. ولكني لما رأيت أن متن حديثه يسير في اتجاه مصادرة حقي في الكلام، تارة بحجة اغترابي وبعدي عن الساحة وانعزالى، وتارة بحجة أن وجودي في الحركة الإسلامية، يوم كنت بالداخل، كان هامشيا، وثالثة بأن ما أقوله لا يعدو أن يكون ضربا من التخيلات والظنون السيئة اتباعا لنظرية المؤامرة، هذا "التكتيك" الذي يعتمد على "ازاحة" الكاتب وإسقاطه من منصة الحوار، ليس بتفنيد ما يكتب ولكن بغمزه حتي يكف عن الكتابة، هو الذي جعلني أمسك بالقلم وأكتب من أجل "التأريخ والحقيقة" أيضا، اذ يبدو أن الوقت قد حان بالفعل لمواجهة النفس، وللمراجعات النقدية الصريحة لمسيرة الحركة الإسلامية، ولاكتشاف الأخطاء الجسيمة التي وقعنا فيها، وذلك قبل أن ينجح بعض أخواننا الكبار "الذين صنعوا النكسة" في الهيمنة على التأريخ وتوظيفه سياسيا، كما هيمنوا من قبل على الحركة الإسلامية ففعلوا فيها الأفاعيل.
    (2)
    ولنبدأ باعتراضه "التكتيكي": أنني كنت بالخارج مغتربا دون اتصال، (اتصال مع من لا أدري) فلم أشهد هذه الوقائع، وأنني حتي حينما كنت في داخل السودان لم يكن لي الا وجود هامشي في مجلس الشورى (دون تكليف رسمي وغوص عميق، كما ورد في عبارته)، وأنني أسرد معلومات خاطئة وأقوم بتحليلات مضلله اتباعا لأصحاب نظرية المؤامرة.
    والإعتراضان الأول والثاني يثيران مسألة في منهج الدراسة العلمية للتاريخ، فكأنه يريد أن يقول أنه لا ينبغي لأحد أن يرصد وقائع التاريخ ويحللها(خاصة تاريخ نزاع الإسلاميين في السودان) الا اذا كان هو شخصيا حاضرا لتلك الوقائع وشاهدا علىها بنفسه، وهذا مثل أن يقال لطبيب أنه لا يجوز له أن يفحص "جثمانا" ليحدد ما اذا كان صاحبه قد مات مطعونا أو مخنوقا الا اذا كان قد حضر شخصيا لحظات المشاجرة، ورأى بأم عينه سلاحا يخترق الحجاب الحاجز أو حبلا يلتف حول العنق. ومثل هذا القول لا يلتفت الىه لأنه يخالف ما أنتهي الىه أهل العلم في سائر الفنون، فالعلم لا يقوم فقط على "الحضور الشخصي"، اذ ليس من الضروري مثلا أن أشهد تحطم الطائرة التي توفي فيها اللواء الزبير، ثم أحضر الإجتماع الذي انعقد بمنزل عثمان خالد، ثم أصحب الترابي في اجتماعه مع البشير حتي يحق لي من بعد ذلك أن أتحدث عن هذه الوقائع وأحللها وأستخلص منها بعض النتائج. واذا سرنا على منطق "الحضور الشخصي" هذا، فان الشيخ ابراهيم أيضا وبرغم وجوده المستمر في الخرطوم، وبرغم وجوده الشخصي المتطاول في القيادة العلىا للحركة الاسلامية، وبرغم ملازمته المستمرة للدكتور الترابي الا أنه لم يشهد كل هذه الأحداث، وانما اعتمد مثلي على "رواية" من حضرها، فما هو الفرق بين من يستمع الأخبار والروايات وهو في بيته بالخرطوم، ومن يستمع الروايات ذاتها وهو في بيته بواشنطن أو غيرها؟ وحتي اذا سلمنا بنظرية الحضور الشخصي، فهل كل من شهد حدثا علم ما فيه من دلالات، وما يتصل به من خلفيات، وما ينتهي إليه من مآلات؟ على أنني لم أخطف هذه الروايات خطفا من أفواه المارة، وانما جلست واستمعت لبعض من شاركوا فيها، وسألت ثم حددت مكان الإجتماع وزمانه وذكرت عشرة أسماء ممن حضروا ذلك الإجتماع، ولم يكذبني حتي الآن واحد منهم، وكلهم بحمد الله أحياء يمتلكون الهواتف ويقرأون الصحف، فكيف أتهم بعد هذا بأني "أسرد معلومات خاطئة" أو اتبع محض الخيال؟
    (3)
    ثم أنني لم أكن غائبا عن السودان بالطريقة التي يوحي بها مقاله، فقد شهدت سنوات الإنقاذ السبع "الصعبة" الأولي (1989- 1996)، وشاركت في كل الإجتماعات التي كان مسموحا لنا بالمشاركة فيها، والتقيت بمعظم المسؤولين العسكريين والمدنيين الذين كان متاحا لنا أن نلتقي بهم، ليس مجرد لقاءات عابرة، وانما عملت وتعاملت مع الكثيرين منهم، واطلعت على كثير من الوثائق وشاركت في مناقشة بعضها. صحيح أنني لم أكن "مواظبا" على الحضور الى المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي صباحا والى "المنشية" مساء، كما كان يفعل الكثيرون ممن تفرغ لهذا النوع من النشاط، ولكن الصحيح أيضا أن معرفتي كانت وثيقة بالدكتور الترابي وبالحركة الإسلامية والتي عملت في صفوفها منذ أواسط الستينيات في القرن الماضي، وسلخت سنين عددا من عمري في دراستها وتتبع تطوراتها، ولكن كل ذلك لا يؤهلني في نظر الشيخ السنوسي لأن أفسر حدثا، أو أتوصل الى نتيجة، أو أبدي رأيا لأني كنت غائبا ولم أتصل "بجميع الأطراف في الحركة الإسلامية"، وهذا بالطبع هو بيت قصيده، وهو ليس وحده في هذا، فكثير من اخواننا الكبار الذين ساهموا في صناعة "الكوارث الإسلامية" يسيرون على هذا التكتيك: كل من يريد أن يكتب عن الحركة الإسلامية علىه أن يأتي إلينا أولا، فنحن الذين صنعنا الحدث(الكارثة)، ونحن الذين نملك أدق المعلومات عنه، ونحن الذين نملك أصح التفسيرات له. ولقد كنت لعهد قريب أقع في مثل هذا الفخ، فتراني أزاحم في المركبات العامة، لأطوف على "اخواني الكبار"، أطلب المواعيد وأترجي المقابلات، أبحث عن "الحقيقة والتاريخ"، وهم مطمئنون في منازلهم. ولكني الآن صرت مقتنعا بأن هذه المعادلة يجب أن تعدل، وأن الذين كانوا يتكلمون طيلة العشر سنوات الماضية ينبغي أن يسمحوا لنا، نحن الصامتين، بأن نتكلم، وأن يسمحوا لنا كذلك بأن نجمع معلوماتنا بالطرق التي نشاء، ومن المصادر التي نريد، وأن نكون آراءنا بالطرق التي تروق لنا، ثم نطرحها لجمهور الناس، وعلىهم هم هذه المرة يقع عبء الذهاب بمعلوماتهم ووثائقهم الى الجمهور، أما الزبد، أجاء منا أو منهم، فسيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فسيمكث في الأرض.
    ثم في محاولة أخيرة "للإزاحة"، يلمزني أخي السنوسي بأني، علاوة على اغترابي وهامشيتي، لم أكن أشغل موقعا "رسميا" في الدولة، كأنه قد عهد بي خبلا أو خيانة، أو كأنه لا يعلم كيف كانت توزع تلكم المواقع(الغنائم)، على أن المواقع الرسمية لا تعطي شاغلها نورا يمشي به في الناس، أو بصيرة يفسر بها التاريخ.
    (4)
    أما اذا عدنا من التكتيك الى الموضوع فنجده يثير ثلاثة اعتراضات أساسية على ما أوردت: أنه لم يكن هناك اتفاق على أن يكون الترابي رئيسا للجمهورية، وأن علي عثمان لم يجاهر قط بترشيح البشير للرئاسة، وأنه لم يعقد اجتماع في منزل عثمان خالد عقب وفاة اللواء الزبير لاختيار نائب، وأن الترابي لم يكتب الدستور بالطريقة التي يريدها، فلننظر فيها فيما يلي.
    يقول الشيخ السنوسي: "بل ما أوردت من ترشيح د. الترابي للرئاسة، كما كان متصورا أو متفقا علىه، أمر غير صحيح تماما، بل ولا أعرف أية جهة في التنظيم في أية درجة علىا أو دنيا، سرية أو علنية رشحت أو اتفقت على ترشيح الترابي للرئاسة". ولكنه لو قرأ الوثائق الداخلية للمؤتمر الشعبي، والتي وزع بعضها على الفروع التنظيمية لعرف، إذ أني ذهبت لأول مقدمي من الخارج عام 2000 الى منزل الدكتور الترابي من أجل المودة و"من أجل الحقيقة والتأريخ" أيضا، فأعطاني أحد معاونيه ملفا بعنوان(الأوراق بشأن الأزمة ومراحلها)، وهي أوراق كتبت بعناية وقصد بها تمليك العضوية بعض المعلومات "الخاصة" التي تساعدها في فهم خلفيات النزاع وفي محاججة الطرف الآخر. جاء في ورقة "بسط المعلومات" ما يلي: "كانت خطة الحركة بعد العام الثالث للتمكين أن تبرز الحركة كلها، وتتولي المسؤولية مباشرة بكامل رموزها وخطتها، وتجلي ذلك في قرار حل مجلس قيادة الثورة، وكانت الخطة أن يتولي أمين عام الحركة قيادة دولتها، ولكن خلصت الرؤية أن في رئيس مجلس الثورة ما يحقق ذات الغايات". وبالطبع فان الأمين العام المشار الىه هو الدكتور الترابي، والوثيقة تذكر صراحة وجود خطة للحركة تقرر فيها أن يكون هو رئيسا للدولة. وانكار الشيخ السنوسي لهذا الأمر فوق أنه لا يفيد الا أنه أيضا يهدم أهم حجة كان ولا يزال يعتمد علىها الترابي، اذ يتهم المجموعة الأخري "بخيانة عهد الحركة الإسلامية المعهود سرا بيمين مغلظ"، فهل تعتقد أن ذلك العهد المعهود سرا بيمين مغلظ هو أن يحمل الترابي عصاه ويرحل عن الساحة السياسية؟ ولذلك فان ما أوردت في مقالي من ترشيح للترابي "متصور أو متفق علىه" مأخوذ من هذه الوثيقة، والتي لا تتحدث عن مجرد "ترشيح" للترابي لرئاسة الجمهورية، وانما تتحدث عن اتفاق سري مسبق تم تضمينه في الخطة الثلاثية الأولي. ثم تقول الوثيقة أنه عندما طرح موضوع رئاسة الجمهورية في اجتماع للمكتب القيادي عدل عن الإتفاق السابق وتم التراجع عنه، أي بعبارة أخري أن الترابي قد فقد رأي الأغلبية في المجلس القيادي، وهذا في تقديري هو أهم حدث من أحداث النزاع من أولها الى آخرها، والترابي نفسه لم ينكر ذلك، اذ يرجع بداية الخلاف الى ذلك الوقت، ويلمح حينا ويصرح حينا آخر بأن "خيانة" قد ارتكبت ضده. أما الفريق البشير فقد ذكر صراحة أن الخلاف مع الترابي يعود الى عام 1992(أنظر الأهرام، بتاريخ 16ديسمبر 1999)، فاذا كان الشيخ السنوسي لا يعرف "جهة في التنظيم، في أية درجة علىا أو دنيا، سرية أو علنية رشحت أو اتفقت على ترشيح الترابي للرئاسة" فان عدم المعرفة من قبله لا ينفي وقوع هذه الحوادث.
    ويسألني الشيخ السنوسي ويرجوني أن أذكره: أين ومتي جاهر علي عثمان برأيه في ترشيح البشير، وأقول، مواصلة لما سبق، أن موضوع الترشيح لرئاسة الجمهورية قد طرح في المجلس القيادي عند نهاية الخطة الثلاثية التي تتحدث عنها، فسأل الترابي الحضور: ومن هو مرشحنا لرئاسة الجمهورية؟ متوقعا أن تجيء الإجابة مؤكدة للعهد السابق "المعهود سرا"، ولكن علي عثمان أجابه بأن "مرشحنا هو البشير"، ثم تكلم عوض الجاز مؤيدا لرأي علي عثمان، ولعل الأكثرية قد سارت في هذا الإتجاه، مما جعل الترابي يتأكد في ذلك الإجتماع أنه قد فقد الأغلبية، وأن رأيا معاكسا لرأيه قد بدأ يتبلور في داخل القيادة، مما جعله يحني ظهره للعاصفة، وهو سياسي محنك، فيؤيد ترشيح البشير على مضض، ولكنه بدأ يعد العدة، على اثر ذلك الإجتماع، لإزاحة كل من علي عثمان وعوض الجاز من المواقع التي كانا علىها، فأزيح علي عثمان بالفعل من موقع نائب الأمين العام الذي ظل يشغله لسنوات طويله، كما أزيح عوض الجاز من موقع وزير شؤون الرئاسة. وسبب تلك الغضبة هو أن الترابي كان يتوقع من هذين الأخوين بالذات أن يقفا الى جانبه في صراعه ضد العناصر العسكرية في المجلس القيادي، بل إنه كان يأمل في أن يقوما بتسهيل عملية "التسليم والتسلم"، وذلك هو ما قصدته بعبارة "دحرجة العسكريين الى خارج السلطة" التي وردت في مقالي، ولم أقصد ما فهمه منها الشيخ السنوسي في رده.
    (5)
    ويقول الشيخ السنوسي في مقاله الثاني: "وليس صحيحا أننا عقدنا اجتماعا في منزل الأخ عثمان خالد لهذا الأمر،(اختيار نائب أول) ولو تم مثل هذا فقطعا لم يحضره د.الترابي، ولا سمعنا بجهة تنظيمية كلفت أحدا باعداد أسماء المرشحين للنائب الأول"، ثم أخذ ينقل نصوصا من مفكرته الىومية. وطبيعي أن الإنسان يدون في مفكرته الىومية بعض الأعمال المهمة التي يقوم بها، والشخصيات التي يقابل، ولكن من الطبيعي أيضا أن ما يقوم به "الآخرون" في جهات أخري من المدينة لا يجد سبيلا الى مفكرته الىومية، وانما يحتاج الى بحث خارج المفكرة. فلو أن الشيخ السنوسي، الباحث المهتم بالحقيقة والتاريخ، أغلق مفكرته واتصل بالأخ عثمان خالد لأكد له أن هناك اجتماعا انعقد في منزله عقب وفاة اللواء الزبير ونوقشت فيه مسألة اختيار نائب أول، ولو سأل الأخ أحمد عبد الرحمن محمد لأكد له الحدث نفسه، ولزاده علما بأن الترابي هو الذي طلب منه أن يدعو لذلك الإجتماع، ولو سأل عبد الله حسن أحمد أو عثمان عبد الوهاب لأكدوا له أنهم أيضا حضروا ذلك الإجتماع واقترحوا أن يكون الترابي نائبا أولا لرئيس الجمهورية، ولو سأل محمد محمد صادق الكاروري لذكر له أنه أيضا حضر ذلك الإجتماع وأقترح أن يكون أحد العسكريين (بكري) نائبا أول، ولو سألت موسي حسين ضرار لما أنكر أنه قد حضر الإجتماع وأقترح بأن يحمل أسماء المرشحين الى الرئيس البشير(إلا أن الرأي استقر على أن يحملها الترابي نفسه، وقد كان).
    فالخبر الذي أوردته في مقالي صحيح، بل ان الشيخ السنوسي نفسه وبعد أن قطع بعدم صحته في الجملة الأولي من نصه المشار الىه آنفا تراجع قليلا في الجملة الثانية ليقول (ولو تم مثل هذا الأمر).والغريب أنه بعد أن صال وجال في مفكرته وصل بنا الى المعلومة ذاتها التي حاول أن ينفيها: وهي ان اسم الترابي كواحد من المرشحين الثلاثة قد وصل الى سمع الرئيس البشير وبصره، وأن الذي أوصل ذلك هو الترابي نفسه، ولا يهمنا هنا ان كان قد فعل ذلك "عرضا" على صيغة المزاح، أو فعل ذلك على سبيل السخرية من صاحب الإقتراح. ويقول السنوسي: "ما سمعنا بجهة تنظيمية كلفت أحدا باعداد أسماء المرشحين للنائب الأول"، ثم تراه يقول بعد قليل:" وخرجنا من ذلك الإجتماع (مع الترابي) بتكليف الأخ أحمد عبد الرحمن بأن يخطر الأخوة الكبار، ويتولي الأخ يس أخطار نافع،...وأوكل الي إخطار الأخ علي..."، هذا الكلام يناقض آخره أوله، كما هو ظاهر، اذ ان "إخطار" هؤلاء الأخوة الذين يذكرهم ليس هو شيء آخر غير توجيه الدعوة الىهم للاجتماع بغرض مناقشة الموضوع واقتراح شخص لموقع النائب الأول.
    على أن أهم ما استفدناه من مفكرة الشيخ السنوسي أنه استطاع من خلالها أن يقدم لنا صورة عن حالة الفوضي والإضطراب والعشوائية التي كان يدار بها التنظيم. فلا نسمع ذكرا للهيئة القيادية أو المكتب السياسي أو مجلس الشوري، ولا نسمع ذكرا للائحة أو دستور، كل ما نسمعه في رواية السنوسي أن "شلة" من الأخوان الكبار اجتمعت في منزل أحدهم ثم اتفقوا أو لم يتفقوا فقرروا أن يلتقوا في مكان آخر، ثم انعقد اجتماع آخر في منزل شخص آخر، ثم يذهب الشيخ السنوسي "مبكرا الى منزل الدكتور الترابي، ويشرب معه الشاي،(اي والله) ثم يخطره بما دار في منزل الأخ علي عثمان، وأن الأخوة اتفقوا أن يكون المرشحان علي عثمان وعلي الحاج". ولا أجندة ولا وقائع ولا يحزنون، (ثم يتوعدني: هذا هو التاريخ يا د. تجاني والناس أحياء في السلطة أو خارجها)، وأقول له نعم التأريخ يا شيخ ابراهيم، ونعم التنظيم، وهكذا فلتدار الدولة الإسلامية وليزدهر نموذجها الحضاري.
    ثم قلت ان الترابي كتب الدستور بالطريقة التي كان يريدها، واعترض الشيخ السنوسي على ذلك، وكنت أظن أنه سيقول أن الترابي لم يكتب الدستور وحده وانما شاركته لجنة صغيرة أو كبيرة من القانونيين وفقهاء الدستور، وأنه (أي السنوسي) قد شارك في تلك اللجنة بحكم تخصصه القانوني، وأن تلك اللجنة قد اعترضت على شيء من المواد التي وضعها الترابي، او أضافت شيئا، أو نحو ذلك من أنواع المشاركة التي تكون حجة يستند علىها فيقال أن اللجنة لم تكن لتسمح له أن يكتب الدستور بالطريقة التي يريد، أما ذا كتب شخص دستورا ما، من ألفه الى يائه، غير مقيد من أحد فكيف يقال أنه لم يكتبه بالطريقة التي يريد؟ وهل يتصور أن يكتبه بالطريقة التي يريدها خصومه الذين وقفوا ضده في المكتب القيادي، ويقفون له بالمرصاد في رئاسة الجمهورية؟
    (6)
    ويشير الشيخ السنوسي الى الزهد ونكران الذات عند الترابي، وكيف أنه قرر أن يذهب الى "السجن حبيسا ويبعث الفريق عمر الى القصر رئيسا"، ويصور لنا في مقالىه كيف أن الترابي كان كارها للسلطة، وكيف أن السنوسي كان هو المحرك الأساس الذي يدفعه الى تلك المواقع دفعا، فالترابي مثلا لم يكن راغبا في رئاسة البرلمان، ولكن السنوسي هو الذي يقدم "مرافعة التأييد"، فيوافق الترابي، والترابي لم يكن راغبا في أن يكون نائبا أول (لكي يذكر في التاريخ كذكر عبد القادر الجيلاني، وينسي الرسميون كما نسي الخليفة العباسي)، ولكن الشيخ السنوسي كالعادة يقدم مرافعة التأييد قائلا: " هذه المرة يجب أن يكون النائب الأول أخا ملتزما، مدنيا وليس عسكريا..واحد اسمه حسن عبد الله"، ولكن برغم أن الواحد الذي اسمه حسن عبدالله لم يوافق على ذلك الإقتراح واستخف به الا أنه ذكره، على علاته، للرئيس البشير. وهكذا يتحفنا الشيخ السنوسي بمرافعاته العجيبة، والتي لا ندري كيف يعتقد أنها تمثل دفاعا عن مواقف الترابي، أو تؤكد زهده في السلطة وكراهيته لها.
    على أن اللافت للنظر هو أن كل المسارات التي يسير علىها الترابي محمودة عند الشيخ السنوسي في كل الأحوال، فاذا امتنع عن السلطة مثلا فان ذلك الإمتناع محمود ويدل على التجرد ونكران الذات، واذا نازع في السلطة، فان نزاعه أيضا محمود عند الشيخ السنوسي لأنه "هو أمين الحركة والمشروع". وهذا دفاع ليس بالحسن، بل الأحسن منه أن يقال أن الترابي بشر مثلنا، يحب السلطة ويسعي نحوها وينازع فيها، لأنه لو كان حقا يكرهها ويتجنبها، كما يريد الشيخ السنوسي أن يقنعنا، لأنشأ له "خلوة" في قرية ود الترابي على مقربة من النيل الأزرق فانقطع فيها للعبادة الخالصة، أو لتفرغ لإطعام الجوعي وأصحاب العلل النفسية، كما كان يفعل الشيخ البرعي، رحمه الله، في زريبته بعيدا عن الإذاعة وقنوات التلفزيون. أما وأن الشيخ الترابي قد أنشأ له حزبا سياسيا، وتفرغ له عقودا من الزمن، وقاتل فيه وقوتل حتي كاد أن يقتل، ثم يقال لنا بعد ذلك أنه زاهد في السلطة لا يريدها ولا يسعي لها (الا إذا أصر علىه الشيخ السنوسي) فهذا قول شديد الضعف، ولو كنت مكان الشيخ السنوسي، وأردت أن أدافع عن دوافع ومواقف الشيخ الترابي لدافعت بأحسن من هذا، إذ من الممكن أن يقال أن حب السلطة والسعي لها والمنازعة فيها (أو طلب الإمامة كما كان يقول سلفنا الصالح)لا تعد من أمور "العيب" المكروهة في ذاتها، كما يتصور الشيخ السنوسي، وهو تصور مأخوذ من الثقافة الشعبية الدارجة في السودان، أما في الرؤية الإسلامية فان السعي نحو السلطة أو التنافس فيها لا يعتبران عيبا، فقد تنازع فيها أهل الشوري من الصحابة، فما رد عنها طالب ولا منع منها راغب، كما عبر عن ذلك أحد العلماء، ولكن المكروه دينا وسياسة هو أن يجر طلب الإمامة الى كشف عيبة للمسلمين كانت مكفوفة، أو الى نقض عهد كان مبروما، أو الى أغراء عدو متربص، أو تحريك فتنة يسفك فيها دم. ولقد قلت مثل هذا القول ونشرته عام 2000 حينما أوشكت العاصفة أن تقتلعنا جميعا، ولم أعب من قبل ولا من بعد على الترابي أو غيره أن يسعي الى موقع رئاسة الجمهورية، وأن ينازع في ذلك، ولكن الذي قلته و أقوله الآن ان "التكتيك" الذي اتبعه الترابي وهو ينازع في مواقع الرئاسة(ثم جاراه فيه الآخرون) كان تكتيكا فاشلا خسر الترابي بسببه رئاسة الجمهورية، وخسرنا نحن بسببه الحركة الإسلامية ذاتها، وظللنا ندفع فاتورة ذلك الخسران وسنظل ندفعها زمنا طويلا، كما خسر الشعب السوداني بسببه موارد بشرية واقتصادية هائلة.وهذا رأي رأيته، وقد قادني الىه البحث والنظر وليس الإحباط، كما ألمح في تعقيبه. واني لأفهم أن يكون له رأي مخالف، ولكن لا أفهم لماذا يعتقد أن رأيي هذا يعتبر تشويها لصورة الترابي أو اساءة لشخصه.
    (7)
    ويسألني الشيخ السنوسي: " وهل في الحركة(الاسلامية) من هو أجدر بها(رئاسة الدولة)وأقوي منه(الترابي)، وهو الأمين العام للحركة الذي قادها منذ ثورة أكتوبر1964 حتي خرجت الحركة الاسلامية من تحت الأرض الى حزب،الى دولة؟" ولم أنكر في يوم من الأيام القدرات العديدة التي يتمتع بها الدكتور الترابي، زاده الله قدرة ومتعه بها، كما لم أنكر الإسهام الكبير الذي قدمه من أجل تأسيس الحركة الإسلامية وتطويرها، وما تحمل في ذلك من صعاب وقدم من تضحيات، فجزاه الله خيرا كثيرا على ما فعل، ولكن، وطالما أن الشيخ السنوسي يتحدث باسم "الحقيقة والتاريخ" فان الحقيقة والتاريخ يقتضيان أيضا أن يشير ولو في جملة واحدة الى الجنود المجهولين الذين ساهموا مع الترابي ومثله في تأسيس الحركة الإسلامية ودفع مسيرتها، أقصد شباب الحركة الإسلامية وشيوخها الذين تخلوا عن أسرهم ووظائفهم ومدارسهم وتخندقوا في الصحراء، أو تفرقوا في أودية الغربة سنين عددا من أجل الدفاع عن الحركة الإسلامية ونصرتها، أو أولئك الذين جاءوا من بعدهم فقدموا أرواحهم في غابات الجنوب فداء للحركة وللوطن، أو الذين عادوا من الجنوب يتكئون على "أطراف صناعية" بعد أن فقدوا أرجلهم وأياديهم، أو السابقين الأولين الذين كانوا يقودون النضال الىومي بين الجماهير، يكتبون صحف الحائط الممنوعة، ويوزعون المنشورات الخطرة، ويخرجون الى الشوارع ليضخ علىهم الغاز المسيل للدموع، ويضربون بالسياط، ويفصلون من الجامعات، ويوضعون في المعتقلات والزنازين، يكتبون أناشيد الحركة الإسلامية ويتغنون بها، ويدافعون عن مواقفها في أركان النقاش ومنابر العلم، ويصوغون الهتافات ويدفعون الإشتراكات (والتي تكاثرت بفضل الله حتي أصبحت شركات يتقاسمها بعض "الناس" الكبار ويتنعمون بها )، ألا يستحق أولئك الجنود الصامتون المجهولون ذكرا؟ أليس هم الأبطال الحقيقيون الذين صنعوا الحركة الإسلامية؟ وأخرجوها من تحت الأرض لتصير تيارا شعبيا عريضا تقف على رأسه دولة يتصارع حولها اخواننا الكبار؟ أم أن الترابي وحده هو الذي صنع ذلك وما على (الآخرين) الا أن يصفقوا ثم يلتزموا الصمت، أو "يعملوا انتباه ويرجعوا الى الخلف"، كما جاء في عبارة اللواء الزبير التي رواها الشيخ السنوسي بكثير من الإعجاب. أبعد أربعين عاما من التربية والنضال الفكري والسياسي تلتفت الحركة الإسلامية فلا تجد لقيادتها أو قيادة دولتها غير الترابي (والى جواره الشيخ السنوسي)؟ هل يظن الشيخ السنوسي انه بمثل هذا يمتدح الدكتور الترابي؟ اذن ما الفرق بينه وبين السيد الميرغني أو الإمام الصادق؟ أو "الشيخ"/الأستاذ نقد؟ ولماذا اذن خرجنا، نحن وهو، من أحزابنا "الطائفية" القديمة، وطرقنا الصوفية الحبيبة، وقبائلنا العريقة اذا كان تنظيمنا الإسلامي الحديث يرتكز على شخص عبقري واحد، ويعجز أن ينتج بديلا له لمدة أربعين عاما؟ أليس أفضل من هذا أن نصير جميعا الى القول بأن الترابي ساهم مساهمة كبيرة في تشكيل الحركة الإسلامية، ولكن الحركة الإسلامية أيضا ساهمت في صناعة الترابي وفي تحويله من استاذ في كلية صغيرة للقانون الى قائد اسلامي فذ ينافس في قيادة الدول؟
    (
    وبعد أن فرغ الشيخ السنوسي من دفاعه الأساس خلص الى القول بأن: "المقال كله يصب في اتجاه نظرية التآمر وسوء الظن". وهذا ما درج على ترديده بعض المثقفين العرب في الآونة الأخيرة حينما رأوا بعض السذج والعوام ينسبون كل حدث الى أجهزة المخابرات العالمية، ويرجعون كل كارثة تلم بالعالم العربي الى الدسائس الصهيونية، ليستريحوا بذلك من عناء التفكير وآلام محاسبة النفس. فأراد الشيخ السنوسي أن "يحشرني" في زمرة هؤلاء البلهاء حتي يتخلص مني بصورة كاملة، ويتخلص من ثم من الحقائق التي أوردتها ومن التحليل الذي قدمت، ولكن مهلا، فأنا لا أقول أن حركة التاريخ كلها تفسر بالمؤامرات الصهيونية أو غيرها، ولكني لا أتردد في القول بأن المؤامرة جزء من حركة التأريخ، وأداة من أدوات السياسة، حتي أن الإشارة وردت الىها في غير موضع من القرآن الكريم، فقيل لموسي علىه السلام(إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك)، وقيل لمحمد(صلى الله عليه وسلم): (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك)، بل إن الشيخ السنوسي نفسه لم يحقق أهم إسهاماته السياسية (يوليو1976) الا باستخدام "أداة المؤامرة"، اذ كان "يتآمر" على نظام النميري بالليل والنهار من داخل الجبهة الوطنية ومن خارجها، وكان حلفاؤه وأصدقاؤه في الجبهة الوطنية "يتآمرون" علىه، والنميري نفسه كان متآمرا كبيرا ولم يأت الى السلطة ويمكث فيها طويلا الا عبر سلسلة من المؤامرات، و "ثورة الإنقاذ" نفسها كيف أتت؟ هل نسيت ذلك؟ أيخفي علىك أن معظم تأريخنا السياسي الحديث يتكون، بكل أسف، من سلسلة مترابطة من المؤامرات والمؤامرات المضادة، ما تنضج مؤامرة كبيرة الا وأن تتولد بداخلها مؤامرات صغري مناهضة لها، وما أن ينطلق مشروع وطني كبير الا وأن تتولد بداخله مشاريع شخصية صغيرة تنخر في عظامه، والذي ينكر وجود المؤامرة في مثل هذا المناخ التآمري المتكدر كأنما يريدنا أن نغمض أعيننا ونكف عن التفكير وأن نسمع ما يقوله أخواننا الكبار ثم "نعمل انتباه ونرجع الى الخلف". المؤامرة يا شيخ ابراهيم أداة من أدوات السياسة والحرب والا لما أنشئت أجهزة للمخابرات، ولما وضعت حدود بين الدول، ولما أطلق علىك الرصاص ذات مرة.
    أما ما لم أقله في مقالى وأريد أن أضيفه الآن فهو أن بعض "الأدوات" والخبرات التي اكتسبها بعض اخواننا الكبار من جراء تعاملهم مع "الخارج/اللاإسلامي" قد صاروا يستخدمونها في "الداخل الإسلامي". كانوا يتآمرون ضد النظم القهرية التسلطية لينتزعوا منها أدوات التسلط، ولكن وحينما تحقق ذلك فسدت أخلاقهم وصاروا يتآمرون ضد بعضهم البعض، فانقلبت الأمور تماما، اذ حولوا خلافات (الداخل) الى تناقضات أساسية، ثم حولوا التناقضات الأساسية ضد (الخارج/اللاإسلامي) الى ضرب من الصداقات الزائفة، وهذا هو جوهر القضية التي حاولت مجرد الإيماء الىها فاتهمت بسوء الظن وتشويه صورة الكبار، مما يعني أننا برغم كل هذه المعاناة والمآسي لم نبلغ بعد مرحلة من النضج نستطيع بها أن نفتح ملفاتنا، وأن نتحدث بصراحة عن أخطائنا. فالكبار الذين ظلوا يقودون الحركة "أربعين" عاما يريدون أيضا أن يمسكوا "بتأريخ" الحركة أربعين عاما أخري حتي لا يري أحد إلا ما يرون، ولا حول ولا قوة إلا بالله.



    الصحافة 30/10/2006
                  

11-12-2006, 02:08 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فتنة السلطة والجاه ....الهمز واللمز بين الاخوان (Re: الكيك)

    بسم الله الرحمن الرحيم
    إحتفاءا بدكتور التجاني عبدالقادر:
    مرحــبا بعــودة الــوعي

    صديق محمـد عثمان-لندن

    كغيري تابعت مساجلات الإخوة الكرام الشيخ إبراهيم السنوسي والدكتور التجاني عبدالقادر على صفحات صحيفة الصحافة، وأحمد للأخ الكريم عادل الباز إفساحه المجال لهكذا حوار، وأتمنى أن ينجو "الحوار وليس عادلا" من همزات حماة "العقيدة والوطن" أدعياء الحفاظ على الدولة ذات اللبن من بغاث الطير، فالأخ عادل أظن أن "جلده تخن" بدرجة كافية تجعلنا لا نخشى عليه من تلك الهمزات، بينما الحوار في بلدنا عامة وبين الإسلاميين خاصة ما يكاد يولد حتى نحلف بأن لا " يمد شطر أمه يرضع"!! إلا إن يكون لعبا "شليل ترتار وقيرة" .
    وسبب إحتفائي بسجال الإخوة الكرام، هو ذات سبب إحتفائي بطلاقة أفكار وأرآء الشيخ الدكتور حسن الترابي في الفترة الأخيرة، ولست هنا بصدد الإنحياز إلى أحدهما أو الدفاع عن آخر، رغم أني لا أومن بمقولات عدم الإنحياز ولا أدعي موضوعية مطلقة فقناعتي أنه لا مطلق إلا الخالق المتعال، وأن الإنسان إن تجرد من عاطفة الإنحياز أفقد نفسه ميزة التكريم على كثير من خلق الله الآخر.
    وقد قرأت مقالات الأخ د. التجاني وكذلك ردود الشيخ السنوسي، وودت لو أن الحوار نحى منحا آخر، ولكنني أدرك بأن مياه آسنة كثيرة تسد مجاري الحوار وأنه مهما كانت مهارة النطاسي فلا بد من قيح وصديد قبل أن تندمل جراحنا إن كان مقدرا لها أن تندمل أصلا.
    ثم أنه لابد من إيراد جملة من الملاحظات سأصوب غالبها إلى منهج الأخ الكريم د. تجاني الذي اتبعه في محاولته تحليل ما حاق بحركة الإسلام من فتنة السلطان:
    وأول تلك الملاحظات أنني وددت لو أن الأخ التجاني أخرجنا من حالة شخصنة الأزمة، أي نسبتها كلها إلى شخص، ولو أنه خالف حملتنا التي أشرعناها على شيخنا حسن الترابي، نصوب عليه غضبنا ونرميه بعجزنا ونلومه على غفلتنا ونزيد على ذلك بإتهام النوايا، ومهما إعتذرنا بأن شخصية الشيخ الترابي بما حباها الله من ميزات بسطة العلم رغم "نحلان" الجسم، طغت على مجمل كسب الحركة وصبغته بصبغتها، فإن ما أقدمنا عليه من تجريح بحقه خلال وبعد الأزمة يقف شاهدا على أنه لم يكن الآمر الناهي فينا، وأنه ليس صحيحا نسبة كل شاردة وواردة في هذا الكسب إليه، وإذا كان ذلك صحيحا كما يطلب الأخ التجاني حين يقول" بل الأحسن منه أن يقال أن الترابي بشر مثلنا، يحب السلطة ويسعي نحوها وينازع فيها" فإنه يصبح أحسن الحسن في منهج الأخ التجاني ومنهجنا قبله ألا ننسب إليه كذلك كل إخفاقنا، مع موافقتي على أنه يتحمل غالب الملامة عليه، وفي ذلك لا أصدر عن رأي حديث ، بل أستند إلى ما خطه قلم الشيخ الترابي نفسه في " عبرة المسير"، وأن نكف أيدينا وألستنا الحداد التي أشرعناها في مائدة أكل لحم أخينا وكبيرنا حيا، وأن نبدأ بالحديث إلى أنفسنا بأننا كنا جميعا هناك، في سكرة تعادل سكرة أهل مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبذل لهم المودة ويجهد نفسه في سوقهم إلى الحق، حتى إذا اعتنقوه أجهدوه أكثر في تشريع مسلكهم وتهذيب مخبرهم، فلما أن إذا ذهب إلى ربه مرضيا إرتدوا على أعقابهم، والذين بقوا منهم لم يلبثوا أن أحالوا خلافته الراشدة إلى ملك عضود ذبحوا على عتباته خلفائه الراشدين وألحقوهم بأحفاده الكرام رضوان الله تعالى عليهم أجمعين( الخلفاء والأحفاد).
    فإستمرار د. التجاني في إجترار الملامة على الشيخ الترابي وتشخيص الأزمة على أنها صراع سلطة صرف لا مبادئ فيه، حرمنا من فرصة ذهبية لطالما تمنيناها أن يكون د. التجاني أقدر منا على تجريد الصراع من أسلحة الدمار الشامل المسماة إتهام النوايا، ذلك كونه كان بعيدا معظم الوقت بما يمكنه من إستشراف جوانب قد تحجبها معاصرتنا للأشخاص والأحداث، فالمعاصرة حجاب، مقولة لم أدرك صدقها إلا حينما بدأت بالإغتراب عن السودان ورأيت ما يحمله إخواننا المسلمين في أطراف الأرض من طوكيو في اليابان إلى كيب تاون في جنوب أفريقيا، علمائهم وعامتهم، من إعزاز كبير وثقة في مشروعنا بسببٍ من سيرة الشيخ الترابي عندهم. ولعل هذا ما أهاج حفيظة الشيخ السنوسي على الأخ التجاني، إذ أن إستمرارنا بالحديث عن أخطاء الشيخ الترابي بعد كل هذه السنوات والأحداث التي كشفت ما كان مستورا، يشبه إلى حد كبير إستمرار أجهزة الإعلام الغربية بالحديث عن جرائم صدام حسين السابقة في العراق في ظل التدهور المريع الذي يحدث بالعراق الآن.
    وثاني الملاحظات أن د. التجاني أوغل في إيراد أحداث ومواقف في محاولته لإثبات نظرية المؤامرة لدى الشيخ الترابي، ولكن للأسف بدا د. التجاني كمن ينزع الأحداث من سياغها عامدا الوصول إلى نتيجة معدة سلفا، أقول هذا وأنا على عكس الشيخ السنوسي لا أشكك في صحة وقوع الأحداث التي أوردها الأخ تجاني، بل وأتفق معه تماما في ما ذهب إليه من أنها تكشف عن " صورة عن حالة الفوضي والإضطراب والعشوائية التي كان يدار بها التنظيم". ولكن هالني أن الأخ التجاني قد إنساق في دفاعه المستميت عن نظريته إلى إثبات وقوع هذه الحوادث وبذل في ذلك جهدا مقدرا تمنيت لو أنه بذله في إثبات أنه كانت للحركة خطة بين يدي الإنقلاب، تقضي بتطور الحركة نحو الإنفتاح بنسبة 40% للعضوية قبل 1989 و60% (للوافدين بعد 1989 والعضوية التي كانت مستترة "عسكريين وغيرهم")، وذات الخطة كانت تتحدث عن تطور الإنقلاب نحو الدستورية وتضع لذلك آجالا، وفي هذا الشأن أذكر أنه قبيل الإنقلاب كان أحد الإخوة يجتهد في وضع اللمسات الأخيرة لكتاب الحركة الإسلامية المنهج والكسب والتطور والذي صدرت الطبعة الأولى منه بينما الشيخ الترابي في سجن الإنقاذ الأول ( ولعل الأخ الكريم تجاني يلاحظ أننا نضطر إلى تمييز سجن الشيخ الترابي على عهد الإنقاذ بالرقم)، المهم أن ذلك الكتاب كان نتيجة حلقات مدارسة ممتدة كان الشيخ الترابي يعد مسودتها ومن ثم يجري حولها نقاش في حلقة كانت تنعقد خصيصا لذلك وفي خاتمة تلك الجلسات سأل الشيخ الترابي الحضور: كيف سيكون تمكن الحركة من السلطان؟!! فأجمع الحضور على أن الحركة رغم تقدمها السياسي والإنتخابي فلن يسمح لها بالتمكن أو حتى التقدم نحو السلطان بالسبل الديمقراطية، وأنه لابد من عمل إنقلاب، فاعاد السؤال حول صيغة التغيير بالإنقلاب أهو إنقلاب للإستمرار أم إجراء فوقي بأجل محدود؟!! ورغم حماسة الغالبية من الحضور للإستمرار بالوضع الإستثنائي فقد كان هناك عدد مقدر رأوا أن الإنقلاب ينبغي أن يكون بأجل، وأن الحركة لابد أن تمهد السبيل إلى تنافس حر شريف. وقد كنت أظن آثماً بأن كل من حضر مداولات ذلك الكتاب أو قرأ صفحاته أو شارك بطريقة أو أخرى في الإعداد للإنقلاب أو حتى إستقرأ منهج الحركة وسيرتها ولو من بعيد، سيدرك أنها لابد وأن تعود بالتكليف إلى أهله عاجلا وليس " باعجل ما تيسر" ، وقد أثار إستغرابي أن أحد كبار الإخوة القياديين إدعى بعد ذلك بعشر سنوات بأن سبب الأزمة أن الحركة أقبلت على الإنقاذ بلا خطة!!!
    والصحيح أنه كانت للحركة خطة خرجت من بين طياتها فكرة مؤتمرات الحوار الأولى والتي كانت بصورة أساسية تهدف إلى مساعدة الحركة على التحول من حالة الإستثناء التي خلقتها بنفسها، وذلك من خلال الإنفتاح على الآخرين في مؤتمرات كبيرة تمنحها فرصة الإستقطاب الداخلي لمشروع الإنفتاح العضوي، وتعينها على التدرج في إرساء قواعد ومواعين التحول الدستوري. ولكننا ونحن نمارس ذلك الإنفتاح أردنا أن نفرغه من معناه ونظهره على أنه منحة نمنحها للآخرين، وأعطينا الإنطباع بأننا نمسك بزمام الآمور تماما ولسنا على إستعداد للتنازل قيد أنملة، وفي هذا لا زلت أذكر كيف أن شخصا كان على وشك أن يتم تعيينه على رأس جهاز حساس، ذهبت لأحضره إلى إلى مكان لقاء حيث يتم إبلاغه "بالتكليف"، وقد استغربت حينها أننا نعهد بهكذا جهاز إلى هكذا شخص، كان هذا وانا في طريقي إلى منزله، وقد زاد إستغرابي حين طفق ذلك الشخص يحدثني طوال مسافة الرحلة من منزله إلى مكان الإجتماع كيف أنه كان من بين أوائل طلائع الطلاب الذين إتصلوا بشكل أو آخر بجماعة الأخوان المسلمين الأم في مصر، وكيف أنه فقد علاقته بالحركة طوال هذه السنوات أو قل العقود السابقة، ثم أقبل يحدثني عن الحاضر وكيف أنه كان قد فرح بإنقلاب العسكر ولكنه بخبرته كان يخشى عليهم الإحتواء السياسي حتى علم بأن خلفهم السياسي المخضرم الأستاذ علي عثمان محمد طه، فاطمأن قلبه!! وكنت وأنا أستمع إليه أستعيد كيف أن احد الإخوة المصريين صاح عندما رأى الأستاذ علي عثمان يعتلي منبر زعيم المعارضة في مواجهة السيد الصادق المهدي، " بس ده صغير ده حتى ما عندوش دقن ". وكنت أسأل نفسي عن مصداق سعينا للإنفتاح على الآخر، وإن كان الشخص الذي بجانبي في السيارة آخر أصلا، إلا أن يكون كما في المقولة الإنجليزية: With friends like these, who needs enemies!!
    لقد كنا أعداء أنفسنا حين استعدينا كل صديق، وحاربنا معارك دينكشوط، وخالفنا خطتنا التي إختطناها لأنفسنا، وفي مرات عديدة غيّبنا عن عمد شيخنا عن أحداث جسام، لأننا كنا على يقين بانه سيعارضها ويعمل على إبطالها.
    وللحقيقة فقد كان صوت الشيخ الترابي نشازا في جوقة النفير الأولى التي إنخرطنا فيها بحماسة منقطعة النظير، ولعلي أورد بعض نماذج على ذلك:
    حين تلكأ إجراء حل "مجلس قيادة الثورة" أضطر الشيخ الترابي إلى إعلانه في صحيفة عربية طارت بالخبر مما أغضب بعض متنفذين في الإنقلاب وعدوه تجاوزا منه!!!.
    بعد خروجه من السجن مباشرة وفي إجتماع موسع ضم أعضاء القيادة التنفيذية للجبهة الإسلامية، دعا الشيخ إلى تنفيذ خطة الحركة بالإنفتاح إفساحا للمجال للإخوة العسكريين للإنخراط في الأجهزة النتظيمية الراتبة وإستيعاب وافدين تصدوا من الأيام الأولى لمهام تنفيذية في حكومة الحركة والكثيرين منهم على علم بمن يقف وراء الإنقلاب، فالأولى أن يفسح لهم المجال ليسهموا في صنع القرارات التي يطلب إليهم تنيفذها والدفاع عنها في الصباح بينما يتم طبخها ليلا، غير أن الشيخ الترابي تفاجأ بعاصفة من الإعتراض لم يكن كما يبدو يتوقعها، بل بلغ الأمر بأحد الإخوة القياديين "المشايخ" أن مال بالهمس على جار له يقول له" أنظر صاحبك طالع من السجن عاوز يزحنا ويحكم هو"!!.
    وفي إجتماع للمكتب الخاص الذي باشر تنفيذ الإنقلاب تحدث الشيخ عن ضرورة أن تفسح الحركة وأجهزتها القديمة المجال للتوسع والإنفتاح، وأنه لا ينبغي لنا أن نؤاد المولود بحجة الخوف عليه، فاثار بعض الإخوة إستفسارات أعتراضية مما حدا بأخ آخر أن يقول لهم بأن الأمين العام يقصد قوله تعالى" وإذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم"!!
    وفي صباح أحد الأيام نقلت إليه تقريرا أمنيا مكتوبا، فما أن قرأه حتى طلب مني أن استدعي إليه أحد القائمين علي التقرير فلما أن جاءه قال له أما آن لكم أن تنهمكوا في إنشاء جهاز مخابرات عالمي يواجه تحديات ما بعد الدولة وتنصرفوا عن متابعة أن السيد الصادق المهدي يباشر عقد قران نجل احد ضباط الجيش السابقين !!! أو أن فلانا قد زار النميري بالقاهرة!!!
    في العام 1997 سألت الشيخ الترابي في بريتوريا التي حضر إليها في معية الرئيس البشير والأستاذ علي عثمان والدكتور علي الحاج والدكتور رياك مشار، سألته عن ما يجري فقال لي أنه يحاول دفع الدستور داخل الأجهزة التنظيمية "ولكنهم يتكاثرون علينا فنؤخره قليلا وننشغل بالتفسير التوحيدي حتى إذا هدأت النفوس أعدنا كرة الدستور مرة أخرى"
    يحكي أحد الإخوة من نواب المجلس الوطني الذي رأسه الشيخ الترابي بأنه أثناء مناقشة قانون الأمن الوطني للعام 1998، كان الشيخ يصر على ألا يتجاوز الإعتقال التحفظي ثلاثة أيام، بينما تم تجنيدهم هم خلف مقترح ثلاثة أشهر الذي قدمه الإخوة الأمنيون، الطريف أن الأخ المعني قد تم إعتقاله بعد ذلك، يقول أنه ما أدرك معنى حديث الشيخ الترابي إلا حين وجد نفسه يساق إلى سجن بورتسودان بلا جريرة إقترفها.
    وقد نلومه على أنه، وهو الأمين العام للحركة، إكتفى بتحريضنا على فعل ما هو صواب ولم يحملنا عليه حملا، غير أن ذلك سيكشف عن خمالتنا الفكرية وكسالتنا العضوية، وجهلنا بأن خير الخلق أجمعين لم يملك أن يحمل أصحابه على قتال مشركي مكة داخل المدينة في غزوة أحد، إذ حملوه على الخروج وهو يتوسل إليهم " إني أرى بقراً يذبح وأرى ثلمة في سيفي" ورؤيا الأنبياء وحي وإن لم تكن وحيا صريحا، فلما وضع رسول الله (ص) لامته وخرج، ثُلِّمَ سيفه وشُجَّت رباعيته وذُبِحَ سبعين من أصحابه ولاذ الذين حملوه على الخروج يحتمون به حين حمى الوطيس، فلما إنجلت خاطبه الوحي{ فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك، فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله}.
    ورغم كل ما أوردته فأنا على إتفاق تام مع الأخ التجاني في ما ذهب إليه من أن الشيخ الترابي بشر مثلنا يجوز بحقه القول أنه سعى للسلطة وطلبها، فقد قال القرآن الكريم لسيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم أغلظ من ذلك { وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا ، ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا ، إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا} وقال له { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض، تريدون عرض الدنيا، والله يريد الآخرة، والله عزيز حكيم، لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم}، والأمران اللذان أغلظ فيهما القرآن للرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه عظيمان كما يعلم الأخ التجاني، فالأول يتعلق بما أصبحنا نسميه عقيدة التوحيد، أما الآخر فيتعلق بتشريع يخص أسرى الحرب وهو أمر لم يكن فيه من تشريع والرسول ما قضى فيه برأيه بل إستشار أصحابه ثم أخذ بما رأءه رأيا حسنا، و إتباعا لمنهج القرآن ذاته وإعمالا لذات المنطق الذي إنتقد به د. التجاني أثر ثقافتنا الشعبية السودانية في تصويرنا طلب الإمامة والسعي لها بالمنكر، أرجو ألا نقرن ثنائنا على الشيخ الترابي وإمتناننا لعظيم أثره علينا بالثناء على أنفسنا أو بعضنا بعضا كأننا نخجل أن نعلي من شأن رجل فريد لم يُعْلِهِ فوقنا نَسَبٌ أو حظوةُ سلطانٍ بل غزارةُ علمٍ ومعرفةٍ وقوةُ عزيمةٍ...، ( لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا أولوه)، يكفي أنه وهو في هذا العمر ينتصب فاضحا تواضع معرفتنا وتقاصر عزيمتنا وعطالتنا عن المواهب.
    وحتى لا يذهب الأخ د. التجاني بعيدا في تفسير دفاعي عن الشيخ الترابي أقول بأنني وددت لو أن تجاني خالف سنتنا الجارية في تفسير ما ضربنا من أزمة حكم عصفت بكسب الحركة التي أنتجت في أقل من عشر سنوات سلطة من ركام دولة، أما تصوير الشيخ الترابي بأنه عجل السامري ، فقد سبق تجاني إليه آخرون ذهب بعضهم مذاهبا بعيدة في تكفير الإجتهاد وتجريم الأرآء، وآخرون مدوا أيديهم بالأذى للشيخ الترابي، وآخرون أطعموا كسلهم الفكري إلى حد التخمة من نقده أو السخرية منه أو حتى الشماتة فيه، فحرقوه ثم نسفوه في اليم نسفاً، فلم يغننا ذلك عن سنوات من التيه في صحراء فتنة ليست كأرض سيناء فلا نحن إعتبرنا بقصص بني إسرائيل، ولا إعتبرنا بقصص الأنبياء الذين توسلوا أقوامهم ألا يجرمنهم شقاقهم عن رؤية الحق، ففي عقلنا الباطن فكل آيات الوعيد وقصص العبر وسيرالأمم تخاطب أقواما غيرنا ونحن شعب الله المختار، وفي أتقى تفكيرنا: فنحن فئة ناجية من بين إثنين وسبعين هالكة.
    يجدينا وقد دلف الأخ تجاني إلى ساحة الحوار أن نأخذ برأسه ولحيته نشدهما، ثم نصيح فيه: " يا ابن امنا .. إن أردت أن تعلق قميصك على عصا موسى فعلقه"، فقط لنتفق على ألا نركل العصا التي توكأنا عليها ونحن نحبو على أعتاب ثورة أكتوبر وفقه الدستور الإسلامي وفقه المرأة حتى شببنا عن الطوق وخرجنا عن المألوف في فقهنا الديني الخامل المتقاصر عن ضروب الحياة " نديرحوارا بالحسنى في الليلة ذات الذكرى بين الدين والفن"، وهششنا بها على أغنامنا وهي ترعى ثمر المصالحة وزارات داخلية وخارجية وعدل ومؤسسات إقتصاد ومنظمات دعوة، حتى صرنا قطيعا من إثنين وخمسين نائبا ودان لنا المرعى السياسي كله، ووكزنا بها الذين هم ليسوا من شيعتنا حين تكاثروا علينا بتهمة سدانة نظام متهالك، فغلبناهم وما أضطرنا الكريم المتعال إلى فرار موسى الكليم عليه السلام ولا خرجنا منها خائفين نترقب، بل صرنا في طمأنينة وعصانا تلقف ما يأتي به السحرة محليهم وعالميهم، ثم فلقنا بها البحر الذي كان يقف بيننا وبين أرض ميعاد، وعدونا ... فسبقنا ظلنا الممدود على رمل المسافة يشتكي طول الطريق.
    [B/]
                  

11-12-2006, 03:09 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فتنة السلطة والجاه ....الهمز واللمز بين الاخوان (Re: الكيك)

    العسكريون الإسلاميون: أمناء على السلطة أم شركاء فيها؟ (1)
    د. التجاني عبد القادر
    قد لا يستطيع الباحث أن يستوعب ظاهرة النزاع بين الإسلاميين فى السودان ما لم يكتشف «الرؤية الإبتدائية» التي على أساسها تم التخطيط لعملية الانقلاب وتنفيذها فى يوليو 1989 م لقد بدا لي من خلال استماعي لإفادات عديدة من بعض أطراف النزاع، ومن إطلاعي على بعض ما توفر من وثائق مكتوبة، أن هناك تصورين مختلفين لما عرف بمشروع الإنقاذ الوطني لم يتم التعبير عنهما بوضوح، ولم يدر حولهما نقاش مستفيض في السنوات الأولى من الإنقاذ، ولكنهما تسببا بصورة مباشرة في الأزمة. التصور الأول يحمله الدكتور الترابي الأمين العام للحركة الإسلامية، وربما شاركه فيه بعض المقربين إليه ممن يثق فيهم. يمكن تلخيص هذا التصور في النقاط التالية:
    1- أن انقلاب 30 يوليو 1989 هو إجراء فني محدود أملته الضرورات الأمنية والسياسية التي كانت تحيط بالسودان وبالحركة الإسلامية خصوصاً وما صاحب ذلك من خطر ماثل على المصالح القومية.
    2- وأن دور العناصر العسكرية الإسلامية التي نفذت الانقلاب دور أداتي أو وظيفى محدود، وأن وجودهم على رأس السلطة الجديدة لا يتجاوز دور «الأمناء» الذين ينبغي عليهم ردّ الأمانات إلى أهلها، وأهل الأمانة هم المكتب التنفيذي للحركة الإسلامية ممثلة في أمينها العام ونائبه.
    3- وأن دور العناصر المدنية التي وضعت مبكراً في قمة السلطة وعلى قدم المساواة مع العسكريين ينحصر في دحرجة العسكريين إلى خارج السلطة بطريقة هادئة، مع تهيئة المناخ وإعداد المسرح لمرحلة القيادات الإسلامية.ويتأكد هذا اذا نظرنا للطريقة التى كون بها مجلس قيادة الثورة أو مجلس الوزراء، اذ أن بعض تللك الشخصيات لا يمكن الا أن تكون شخصيات «مؤقتة»، قابلة للدحرجة وللازاحة فى أقرب فرصة تتاح.
    ولكن هذا التصور لم تتم مناقشته بصورة واضحة وكافية وفي وقت مبكر من عمر الإنقاذ، وقد يرجع ذلك إلى أن تلك التصورات لم تجيء مكتملة في وقت واحد لدى كل طرف من أطراف النزاع، ويغلب على ظني أن تصور الطرف الأول (الأمين العام) كان واضحاً منذ اللحظة الأولى، بينما لم يكتمل تصور الآخر (الفريق البشير) إلا بعد فترة من الزمان وتراكم من التجارب، وأن ما وقع بينهما من اتفاق كان يقوم على أساس تصوري هش لم يلبث أن أهتز حينما بدأ الطرف الثاني في التدقيق وإعادة النظر وإعادة تركيب رؤيته الخاصة للأمور على ضوء التجارب الواقعية.
    أقول هذا وفي ذهني ما سمعت من بعض المصادر أن الأمين العام طرح على الحاضرين من العناصر العسكرية في اجتماعه معهم قبيل الانقلاب بفترة وجيزة سؤالاً صريحاً مفاده: كم ترون من الزمن يكفيكم لإنجاز مهامكم؟ فأجابه المتحدث باسمهم: تكفينا ثلاثة أيام فقط، نقوم فيها بتأمين الوضع ثم نسلمكم الأمر. فرد عليه الأمين العام: لا بل لكم أن تبقوا ثلاثين عاماً. تدل هذه المحاورة القصيرة، على افتراض صحة وقوعها، على أن كلا من الطرفين ربما كان يمازح الآخر، خاصة اذا لاحظنا أسلوب المداراة وروح المجاملة السودانية. أما من حيث الواقع فلا الأمين العام كان يريد العسكريين أن يبقوا ثلاثين عاما، ولا العسكريون كانوا على استعداد للتخلى عن السلطة فى ثلاثة أيام أو ثلاثة أعوام كما زعم المتحدث باسمهم. كما نستشف من تلك المحاورة واحدا من احتمالين: اما أنه لم تكن هناك مدة محددة ومتفق عليها ينفرد فيها العسكريون بالسلطة، أو أن مدة قد حددت بالفعل ولكن ترك فيها هامش للتطورات الظرفية التى يحددها «القادة الميدانيون»(ويقصد بهم الأمين العام وقائد المجموعة العسكرية ونائبيهما)، باعتبار أن التحديد القاطع لفترة زمنية، والإلزام الصارم بذلك، قد يتضاربا مع الكثير من التداعيات والتفاعلات التى لا يمكن التنبوء بها. أما هل تم اتفاق حول الكيفية التي تسلم بها السلطة، والجهة التي تسلم إليها، وهل اتفق على دور للمجموعة العسكرية لمرحلة ما بعد التأمين، فهذه أسئلة لا يمكن الإجابة عليها إلا بعد نظر فيما توفر لدينا من بعض وثائق المؤتمر الشعبى التي وزعت إعداد منها بعد أن وقعت المفاصلة النهائية بين طرفي النزاع في أواسط عام 2000م، جاء في إحدى هذه الوثائق ما يلي:
    1- أن بيانها الأول «الإنقاذ» قرر أن يعبر فيه عن ميقات تبسط فيه الحريات للناس كافة بعد إكمال إنقاذ الوطن من فتنة الحزبية، ولكن من بعد الإنقاذ تبسط الحرية للناس فوراً التزاماً بأصول الدين.
    2- ذات المكتب الذي قرر الإنقاذ، قرر في ذات الاجتماع الخطة نحو التمكين، وأول قراره أن تظهر الثورة قومية أول الأمر، ثم القرار بإعلان الشريعة الإسلامية بعد العام الأول، ثم القرار بظهور الرموز الإسلامية شيئاً فشيئاً وفق الاطمئنان إلى رسوخ التمكين والقرار بأن تنقل الحركة وظائفها تدريجياًُ نحو الدولة.
    3- المكتب التنفيذي للحركة- اعتباراً بتجاربه منذ جبهة الميثاق أمضى قراره الذي يمنع الازدواجية في قيام جهازين للقرار السياسي، وفوض الأمين العام ونائبه مسؤوليات إدارة المرحلة الأولى للتمكين مباشرة مع المسؤولين.
    4- أدى جميع أعضاء مجلس قيادة الثورة الملتزمين ورئيسه قسم الولاء والعهد أمام الأمين العام للحركة بالتزام خطة الحركة وقرارها وتنفيذ خطتها ورعاية أماناتها في تولي السلطة.
    5- كانت خطة الحركة بعد العام الثالث للتمكين أن تبرز الحركة كلها، وتتولى المسؤولية مباشرة برموزها وخطتها، وتجلى ذلك في قرار حل مجلس قيادة الثورة، وكانت الخطة أن يتولى أمين عام الحركة قيادة دولتها، ولكن خلصت الرؤية أن في رئيس مجلس الثورة ما يحقق ذات الغايات على ان يهيأ باللازم حتى يصبح هو نفسه أمين عام الحركة.
    6- إلا أنه وفي ذات الساعة التي وضعت فيها الآمال على شخص رئيس مجلس الثورة التمس أن يعذر في أول مخالفة لقرار الحركة وهو التخلي عن المنصب العسكري برتبته وزيه، وأن يتبعه في ذلك ولاة الولايات، ولم تقف الحركة في ذلك موقفاً حاسماً (أى أن رأي رئيس مجلس الثورة قد وجد تأييدا) .
    تتحدث هذه الوثيقة عن خطة للتمكين تقوم على مراحل متدرجة هي:
    مرحلة التظاهر بالقومية، ثم مرحلة إعلان الشريعة، ثم ظهور الرموز الإسلامية شيئاً فشيئاً وفق الاطمئنان إلى رسوخ التمكين، وأن إدارة هذه المراحل قد تركت إلى الأمين العام ونائبه والمسؤولين العسكريين -دون حاجة إلى بقية أعضاء المكتب التنفيذي الذي فوض صلاحياته إلى هؤلاء، ودون حاجة إلى مجلس الشورى الذي حل نفسه! وأن أعضاء المجموعة العسكرية قد أدوا قسم الولاء والعهد بالتزام خطة الحركة وقرارها ورعاية أماناتها في تولي السلطة.
    وقد فرغ من هذه المرحلة تماماً في السنوات الثلاث الأولى التي عرفت بسنوات التمكين. ولم يظهر إشكال - بحسب - نص الوثيقة إلا مع طرح خطة جديدة لمرحلة ما بعد العام الثالث للتمكين، تتخلى المجموعة العسكرية عن السلطة لتحل محلها الحركة الإسلامية، ويكون الأمين العام للحركة رئيساً للدولة.
    إن هذه الفقرة تعتبر فى تقديرى أهم ما ورد في الوثيقة كلها، بل أنها تعتبر أهم ما ورد من إفادات حول النزاع، فهي تقرر بوضوح أنه قد كانت هناك خطة تقضي بأن يحل المجلس العسكري وأن يتولى أمين عام الحركة قيادة الدولة، ولكن لماذا لم يحدث ذلك؟ أوقع تمرد مثلا من قبل المجموعة العسكرية حيث قررت البقاء في السلطة؟ أم عدلت الخطة بعد نقاش وتراض؟ لم تشر الوثيقة لأيٍ من الأمرين بصورة مباشرة، ولكنها ذكرت أن الرؤية قد خلصت أن يبقى رئيس مجلس الثورة في موقعه لأن فيه ما يحقق ذات الغايات التي يمكن أن يحققها الأمين العام، وذهبت الوثيقة إلى أبعد من ذلك فذكرت أن الرؤية قد خلصت أيضاً إلى أن يهياً رئيس مجلس الثورة باللازم حتى يصبح هو نفسه أمين عام الحركة! ثم تذكر الوثيقة أنه قد التمس أن يعذر من التخلي عن المنصب العسكري.
    يعنى هذا القول إذا صيغ في عبارة أخرى أكثر مباشرة ووضوحاً أن الخطة القاضية بالإحلال الكامل لقيادة الحركة محل مجلس الثورة قد عدلت بعد نقاش في داخل المجلس القيادي أو المكتب السياسي الذي ذكرت الوثيقة أنه يتكون من الأمين العام ونائبه والمسؤولين العسكريين، ويعني ثانياً أنه قد تم اتفاق بأن تتوحد قيادة الحركة والدولة في شخص الفريق البشير على أن يهياً لذلك بما يلزم، ويعني ثالثاً أن الفريق البشير كان يفضل أن يظل في موقعه العسكري بينما كان الترابي يرى عكس ذلك، وأن هذا الموضوع قد طرح للنقاش ولم يصل فيه المكتب القيادي إلى رأي حاسم، ويعني رابعاً أن رؤية معاكسة لرؤية الدكتور الترابي قد بدأت تتبلور في داخل المكتب القيادي وتكتسب وزناً يفوق الوزن الذي تناله رؤية د. الترابي.
    هذا، وقد يكون مناسبا أن نتوقف قليلا فى هذا الموضع لنعقب على ما تقدم. يلاحظ أن طرفى النزاع لا يختلفان فى ان الخطة الأولى القاضية بظهور حكومة الانقاذ بالصورة التى ظهرت بها(والمتمثلة فى اخفاء قيادة التنظيم واظهار مجلس قيادة الثورة) كانت مبنية على تقدير صائب لبعض الضرورات السياسية والأمنية التى تتحكم فى الاطار المحلى والاقليمى والدولى. اذ أنه لولا تلك الضرورات لكان ممكنا من حيث النظر أن يقوم عدد محدود من الضباط الاسلاميين بالاطاحة بالحكومة القائمة ثم ينصبون الامين العام للحركة الاسلامية رئيسا للجمهورية ثم ينصرف كل منهم الى ثكنته، أما من حيث الواقع فان مثل تلك الخطوة كانت ستمثل انتحارا سياسيا للحركة الاسلامية. أما الصورة الاخرى المقابلة فهى أن يقوم عدد من الضباط الإسلاميين بالاطاحة بالحكومة القائمة والإنفراد بالسلطة دون استناد على قاعدة الحركة الاسلامية او على قيادتها، ولكن ذلك أيضا اختيار محفوف بالمخاطر. هذه المعضلة لم تكن خافية على الدكتور الترابى كما لم تكن خافية على العقيد(آنذاك) البشير، اذ كان كل منهما يدرك أن هناك «فجوة» لا يمكنه تخطيها أو الالتفاف حولها الا من خلال الآخر، اذ كان أحدهما يمتلك مفتاح «الشوكة العسكرية» بينما كان الآخر يمتلك مفتاح «المناصرة الشعبية»، فصار «التحالف» بينهما أمرا ضروريا اقتضته الحاجة كما اقتضاه الظرف الذى تولد فيه الانقلاب العسكرى. فلو أن الحركة الاسلامية جاءت مثلا الى الحكومة عن الطرق السياسية المألوفة لكان من الطبيعى أن يكون أمينها العام رئيسا للجمهورية، ولو أن المجموعة العسكرية جاءت مستقلة عن تخطيط الجبهة الاسلامية ودعمها(سابقا ولاحقا) لكان من حق العسكريين أن يشغلوا المواقع القيادية التى يريدون، ولكن طالما أن كلا من الطرفين قد قبل الدخول فى «شراكة الضرورة»، ورضى بإمارة «الإستغلاب»، فكان عليه أن يدرك أن لأى إمارة من هذا النوع منطقها الذاتى وتفاعلاتها وتطوراتها الخاصة بها، والتى قد لا تكون ضارة بأى من الطرفين طالما أنه يحتفظ «برصيده» الأساسى الذى أهله فى المقام الاول للدخول فى تلك الشراكة. ولكن الترابى ومن كان الى جانبه فى قيادة الحركة قاموا من جانبهم بتبديد رصيدهم الخاص وذلك من خلال تأييدهم لحل أجهزة الحركة التنظيمية ظنا منهم أن التخلص من الرقابة التنظيمية سيطلق يدهم من كل قيد فيستحوذون على السلطتين: سلطة التنظيم وسلطة الدولة. غير أن ذلك كان تقديرا خاطئا، اذ أن تغييب التنظيم لم يؤد الا الى زيادة نفوذ الطرف الآخر الذى لم يعدم أصحابه، كما لاحظ الدكتور الطيب زين العابدين، «معاونين من عناصر الحرس القديم الذين كانوا يضيقون بمنهج القيادة الاولى(قيادة الترابى) فى العمل أو يحرصون على البقاء فى مناصب السلطة.»(حديث الى آل البيت،الرأى العام، 20أكتوبر 1999)، ففقد الترابى ومجموعته «التنظيم» الذى كان بين أيديهم، كما فلتت منهم «الدولة» التى كانوا يحلمون بها

    العسكريون الإسلاميون: شركاء فى السلطة أم مالكون لها؟ (3/3)
    د. التجانى عبد القادر
    (أ)
    أشرنا فى المقال السابق الى أن أطرافا جديدة بدأت تظهر فى مسرح العمليات، يتمحور بعضها حول الدكتور حسن الترابى وبعضها الآخر حول الرئيس عمر البشير، وقلنا إن تلك المجموعات الجديدة سيكون لها دور متعاظم فى قيادة الحركة الإسلامية والدولة قد يفوق الدور الذى كانت تقوم به الشخصيات التى فجرت النزاع. ونود فى هذا المقال أن نستكشف المناخ النفسى والثقافى الذى تتولد فيه مثل تلك المجموعات، والدور الذى يمكن أن تلعبه فى "دحرجة" ما تبقى من القيادات الإسلامية غير العسكرية الى خارج السلطة. ولكننا قد لا نستطيع أن نفعل هذا الا بتوسيع زاوية الرؤية بإجراء نوع من المقارنة بين مسيرة الحركة الإسلامية فى السودان وحركات سياسية أخرى فى محيطنا الأفريقى- العربى.
    إن قراءة متأنية فى تأريخ حركات التحرير الافريقية والعربية تكشف عن نمط متكرر ظل يحكم المسار العام لمعظم هذه الحركات، ويمكن التعبير عنه بالصيغة التالية:
    1-أنه عادة ما تبدأ هذه الحركات بـ (تصور) بسيط ترى فيه نفسها على أنها حركات تحرير وطنى، ثم تصوغ لها فيما بعد رؤى أيديولوجية، أو منظومات فكرية، تخوض من خلالها نوعا من الحروب ضد عدو من الأعداء، قد يكون محتلا أجنبيا فى بعض الحالات، أو نظاما تسلطيا متحالفا مع العدو الخارجى فى حالات أخرى،
    2-إن حرب التحرير هذه غالبا ما تتولد عنها عاطفة قومية وتضامن وطنى واسع، ولكن ما أن تحقق نصيبا من النجاح العسكرى أو السياسى حتى تتحول حربها من الساحة الخارجية إلى الساحة الداخلية؛ فتبتلى بنوع من الحروب الأهلية التى تعشعش فى الأبنية الداخلية لحركة التحرير نفسها؛
    3-وأن الحرب الأهلية الداخلية ستقود فى محصلتها النهائية إلى تصنيع نظام "أوتوقراطى" فى داخل حركة التحرير، تكون نقطة ارتكازه ومحور وجوده "شخص/زعيم" يجمع بين الرمزية التاريخية، والموارد المالية، والسلطة الأمنية/العسكرية. وفى هذه المرحلة تتبعثر المنظومة الأيديولوجية الأولى، وينحل البناء التنظيمى الذى أسس عليها، ويتبدد التضامن الوطنى الذى صاحب نشأتها الأولى، ويتحول قائد الحركة من شخص ثوري يقود حركة تحرر ثورية إلى "زعيم ضخم" تحيط به الحاشية وأصحاب المصالح والأهواء،(وقد تسيطر عليه الذهنية التآمرية، ويستهويه النشاط السري))، ثم تتحول حركة التحرير تبعا لذلك إلى فصائل تتحارب فيما بينها،ثم يسعى كل منها سعيا حثيثا نحو التودد و التحالف مع الأعداء السابقين.
    فاذا أردنا أن نختبر صدق هذا المقولة فيمكن أن نلقى نظرة سريعة على الحالة الجزائرية مثلا، باعتبار أن حركة التحرير الجزائرية كانت هى أشهر تلك الحركات وأبلغها آثرا. سنلاحظ بوضوح نمط الانتقال من حرب التحرير الى الحرب الأهلية إلى النظام الاوتوقراطى. اذ أن الثوار الأساسيين الذين قادوا المعارك ضد لاستعمار الفرنسي تمت إزاحتهم بعد حرب أهلية طاحنة مهد لها وأدارها انقلاب داخلي قام على تحالف بين بن بللا و بومدين، ثم لم يلبث الانقلابيون أن انقسموا على أنفسهم فأطاح بو مدين بحكومة بن بللا وطويت صفحة الأيديولوجية القديمة، وجمعت السلطات كلها فى يد الزعيم الاوتوقراطى الجديد الذى تحول إلى زعيم عصابة، ثم يلتفت يمنة ويسرى فلم يجد قوة دولية أو أقليمية يتحالف معها سوى الدولة الفرنسية؛ الدولة الفرنسية ذاتها التى كانت تمثل العدو الإستراتيجى لجبهة التحرير الجزائرية.
    ويمكن أن نختبر صدق المقولة مرة ثانية بأن ننظر فى الحالة الفلسطينية، باعتبار أن حركة التحرير الفلسطينية هي أيضا من اشهر حركات التحرير فى الإطار العربى-الاسلامى. فقد تأسست كما هو معلوم فى عام 1957 لتجسد نضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الاسرائيلى، ولكن بعد نحو عقدين فقط تحولت حروبها التحريرية من الجبهة الخارجية الى الداخل، وتبعثرت منظومتها الأيديولوجية الأولى، وتكاثرت التنظيمات المتصارعة فى داخلها، وبرز الى جانب القيادات التاريخية جيل ثانى وثالث من الشباب الذين تمرسوا فى مقارعة العدو الإسرائيلى، أو أمضوا مددا فى سجونه، فأخذوا يطورون آيديولوجية جديدة، ويصنعون قيادات بديلة، ويبلورون رؤية استراتيجية مغايرة.على أن تلك النزاعات الداخلية (و التى بلغت فى بعض الأحيان مستوى الحرب الأهلية) لم تؤد الا لبروز وتصنيع وهيمنة القيادة الاوتوقراطية لياسر عرفات، وهى هيمنة لم تكن قائمة على الوضوح الفكري أو النقاء الثوري القديم بقدر ما كانت تقوم على الرمزية التاريخية مع الإمساك بزمام الأجهزة الأمنية والموارد المالية. ثم لم يجد ياسر عرفات صديقا أقليميا أو دوليا يعقد معه "تحالفا" أو يقيم معه "شراكة" الا الدولة الإسرائيلية؛ الدولة الإسرائيلية ذاتها التى كانت تمثل العدو الإستراتيجى لمنظمة التحرير الفلسطينية؛ المنظمة التى لم تقم فى الأساس الا لمقومة الإحتلال الإسرائيلى. ولك أن تجرى هذا على الحالة الناصرية فى مصر، أو الحالات البعثية فى سوريا والعراق.
    والسؤال الحرج هنا: هل نستطيع أن نعمم هذا النمط ونجعله يتسع لتفسير الحالة السودانية؟ هل يمكننا مثلا أن نقول على سبيل المقارنة: أن "حرب الجنوب" كانت بمثابة الشرارة التى تولدت عنها "ثورة الإنقاذ" ؟ اذ نلاحظ أن بعض العسكريين الإسلاميين الذين حملوا مشروع الإنقاذ لم تختبر قدراتهم العسكرية، ولم تنضج رؤاهم السياسية الا فى أتون تلك الحرب، كما أن السياسيين الإسلاميين الذين اشتركوا مع العسكريين فى ابرام الخيوط الدقيقة للحركة الإنقلابية فى 30يوليو1989 لم يفعلوا ذلك الا تخوفا من "حرب الجنوب"، ومما قد تجره من غلبة للمعسكر العلمانى- اليسارى الذى يلتقى "مصلحيا" مع القوى الغربية المناهضة للحركة الإسلامية. وهل يمكننا أن نتقدم خطوة أخرى فى هذا الإتجاه فنقول: وكما أن حروب التحرير الجزائرية والفلسطينية قد ولدت عاطفة دينية وتضامنا وطنيا أعقبته حروب داخليه ثم تصالح/تحالف مع العدو الإستراتيجى السابق، فان "حرب الجنوب" قد ولدت مثل تلك العاطفة وأوجدت مثل ذلك التضامن، وأنها، اتساقا مع ما سبق، ستولد (أو هى قد استولدت بالفعل) حروبا فى داخل الحركة الإسلامية، تماما كم وقع فى حالتى الجزائر وفلسطين، وأن تلك الحروب الداخلية حول السلطة ستقود الى تصنيع نوع من القيادة الأوتوقراطية، ثم الى "التحالف" مع الأعداء الإستراتيجيين، كما وقع أيضا فى حالتى الجزائر وفلسطين؟وكيف يتم مثل هذا التغيير دون تغيير مماثل على مستوى الآيديولوجيا؟
    (ب)
    إن القيادة السياسية، أيا كان نوعها، لا تصنع نفسها بنفسها، وانما يتم "تصنيعها" فى اطار الثقافة والتقاليد الاجتماعية التى تحملها العضوية معها وهى تنضم الى الحزب السياسى، فهذه التقاليد والثقافة قد تكون لهما قدرة على التأثير تفوق قدرة الإجراءات والنظم الإدارية التى يرسمها الحزب، مما يعنى أن بعض هذه النظم الحزبية قد تتحول فى كثير من الحالات الى مجرد "هياكل" فارغة لا تخدم غرضا غير " تمرير" أو تبرير الأنشطة والصفقات والتحالفات التى تم ابرامها "بصورة غير رسمية" وراء الكواليس أو فى الجلسات العائلية الخاصة. وهذه بالطبع قضية لا تخص الاسلاميين وحدهم وانما تتعداهم الى المجموعات السياسية الأخرى فى السودان وغيره من البلدان الافريقية والعربية، بل وحتى فى الدول الغربية "الحديثة"، اذ تكاثرت الدراسات عن دور العلاقات الشخصية وتأثيرها المتعاظم في المؤسسات السياسية والأطر الحزبية الحديثة، مما جعل "جبرائيل ألموند" رائد المدرسة الوظيفية في السياسة يقر بأن الحزب السياسي الحديث، القائم على عمومية الجمهور وبيروقراطية التنظيم، لم يخفق فقط في تحقيق نفوذ مماثل للنفوذ الذى كان يتمتع به الزعماء التقليديون(العمد والمشايخ والنظار)، وإنما أستصحب معه البني التنظيمية الأكثر تخلفا ليصير بذلك خليطاً من النظامين التقليدى والحديث.
    إن مثل هذا التداخل والتزاوج بين البنية القانونية الرسمية المعلنة(الهيكل التنظيم/اللوائح/الدستور( والبنية التحتية عير المعلنة)الشلة،الدفعة،الحاشية، التلاميذ( والقائمة على خصوصية العلاقات والمصالح يظهر بصورة أوضح في المجتمعات الإسلامية التقليدية، اذ سرعان ما تتحول الأجهزة الرسمية للدولة أو الحزب الى مجرد غطاء فوقى ، وذلك مقارنة مع النفوذ والتأثير العميق الذي يأتي عن طريق الاتصال الشخصي والتعبير غير المباشر عن رغبات الآخرين ومطالبهم. ولا يختلف تنظيم الحركة الإسلامية السودانية عن هذا النمط، فهو كذلك يجمع بين الحداثة والتقليد، يضاف الى ذلك ما يسود بين أفراد التنظيم من قناعة دينية وأخلاقية تجعل التنافس السياسى المكشوف واحدا من أمور"العيب"، فيستحى الشخص أن يعبر صراحة عن رغبته في أن يكون في موقع تنفيذي في داخل الحركة الإسلامية أو في الدولة. ترتب على هذه الثقافة، التي يختلط فيها التقليد الاجتماعي والديني، أن تبلورت في داخل التنظيم ثلاثة أنماط من الميول النفسية تجسدت في ثلاث مجموعات من الأفراد:
    1- مجموعة ضعفت لديها الرغبة في التنافس السياسي المباشر، أو أنها استطاعت أن تتحكم بصورة كبيرة في تلك الميول وتصرفها نحو مسارح أخرى للعمل العام (مثل التجارة أو العلم أو الجهاد أو العمل الخيرى) ؛
    2- مجموعة تحركها رغبة قوية في السلطة السياسية، وتملك قدرات تؤهلها للمنافسة ولكنها لا تستطيع التعبير الصريح عن ذلك؛
    3- مجموعة لها رغبة قوية في السلطة السياسية، ولكنها لا تمتلك قدرات حقيقية تمكنها- فى منافسة حرة وشريفة- من نيل ثقة العضوية القاعدية أو الجمهور العريض، ولذلك فهى تسعى لتحقيق رغباتها من خلال الالتفاف حول شخص "محورى" فتعبر عن بعض رغباته أو تنفذ بعض سياساته حتى تتمكن تدريجيا من تطويقه لتتمكن هى من تحقيق رغباتها. أى أن أعضاء هذه المجموعة يقومون بدور "وظيفى" فى المرحلة الأولى من مراحل "تمكنهم"، ثم يتحولون فى المرحلة التالية الى مواقع القرار وصناعة الزعيم، وينبغى أن نلاحظ هنا أن هذه المجموعة ستكون هى الأكثر نفوذا والأبلغ أثرا في التنظيم والدولة معا، وهى التي يمكن أن تتحكم فى المجموعات الأخرى. وإذا شئنا أن نكون أكثر صراحة فيمكن أن نقول أن الترابي والبشير وعلى عثمان يمثلون شخصيات "محورية" ولكن لا يمكن لأي منهم فى مرحلة ما بعد الإنشقاق أن يحقق أهدافه السياسية الا من خلال "الصنائع" كما فى تعبير ابن خلدون الذى يرى أن انهيار الدولة يبدأ بعملية صراع وانشقاق فى داخل النخب الحاكمة، ثم يتبع ذلك اندفاع فى اتجاه البحث عن أولياء وصنائع من خارج العصبيات التى تنتمى إليها النخب(أى من خارج التنظيم الإسلامى فى حالتنا نحن)، ولكن الصنائع الجدد فوق أنهم لا يوفرون مشروعية فهم أيضا بحسب ابن خلدون قد تحدث لهم "دالة واعتزاز" على صاحب الدولة، مما يضطره الى منافرتهم واستعمال سواهم، فتتولد بؤر جديدة للصراع لا يكون لصاحب الدولة قدرة على التحكم فيها، ولكنه لا يستطيع فى الوقت نفسه أن يستغنى عن صنائعه ومواليه على فسادهم.
    هذا النوع من الارتباط بين الشخصية المحورية و المجموعات الوظيفية هو ما يفسر لنا (أولا) "سر" بقاء بعض الشخصيات فى مواقعها فى التنظيم وفى حكومة الإنقاذ طيلة العقود الأخيرة، وذلك على الرغم من أن بعضها يتمتع بسمعة سيئة فى القواعد التنظيمية وفى الشارع السوداني ويشار إليه فى كليهما بأصابع الإتهام؛ وبعضها غير مؤهل أساسا من حيث التكوين الفكري العام أو العلم الاسلامى الخاص او حتى الثقافة السودانية الشعبية الدارجة لأن يوضع على مكتب قيادي فى حركة إسلامية تدعى أنها تقود نهضة حضارية وتخوض معاركا من أجل تجديد الفكر الاسلامى. كما أن هذا الارتباط يفسر لنا (ثانيا) أن هذه الشخصيات "المحورية" لا تمتلك القوة "الخارقة" التى يتوهمها البعض. مما يعنى أن الصراع الذى فجره الترابى والبشير قد أكتسب ديناميكية خاصة به، وأن أيا منهما لن يستطيع التحكم فيه، بل إنه سيستمر فى مساراته الخاصة سواء تصالح الترابي والبشير أو ظلا على خلافاتهما القديمة. كما أن هذا الترابط يكشف لنا (أخيرا) سبب انعدام الرغبة لدى أى من هذه الشخصيات المحورية فى تطوير أيديولوجية واضحة المعالم، أو بلورة منظومة فكرية متماسكة البناء، أو بناء قاعدة فكرية متينة الأساس، وهى فالإيديولوجية( فى معناها الإيجابى غير الماركسى) تصلح أن تشكل معيارا "نظريا" يمكن الاستناد إليه فى بناء الهرم الحزبى وفى تصميم سياسات الحكومة وهياكلها الأساسية وتوجهاتها الكلية، وهى حلقة الوصل بين الفعل السياسي ومنظومة الاعتقادات(والقيم والأفكار) التى يؤمن بها أعضاء الحزب وجمهوره، أما فى غيابها فستختفي الأطر النظرية والمحددات الأخلاقية وتبرز الشخصيات المحورية فتنجذب نحوها مراكز القوى والبطانة وأصحاب المصالح الخاصة، وهذا هو بالطبع المناخ المثالى الذى يتم فيه وتمرر فيه التحالفات وتقديم التنازلات على مستوى الآيديولوجى والسياسى.
    (ج)
    ولكن كيف وقع مثل هذا "الفراغ الإيديولوجى" فى الحالة الاسلامية السودانية؟ وماذا سيترتب عليه؟ وقع ذلك لأن قيادة الحركة كانت تخشى أن تلصق بها صورة "رجال الدين"، وتحرص على أن تعرف بأنها حركة تجديد تختلف شكلاً ومضموناً عن أنماط القيادات الدينية التقليدية السائدة في بعض المجتمعات الإسلامية. وقد كان لهذا التقدير ما يبرره، وقد أصابت الحركة من ورائه شيئاً من النجاح. ثم تمادت الحركة في هذا الاتجاه وصارت تحرص على إلا يكون لها مذهب فقهي بعينه، وهو الاتجاه عينه الذي سارت عليه المدرسة السلفية المتمثل في العودة إلى الكتاب والسنة والاستئناس بآراء الفقهاء دون تعصب لأحد أو أتباع له إلا بدليل. وكل هذه لا غبار عليه من الناحية النظرية، إلا أنه من حيث الواقع أدى إلى نشأة فراغ فكري في قواعد الحركة، فإذا كان رجال الدين التقليديون غير مرغوب فيهم ولا تعمل الحركة على إعادة إنتاجهم، وإذا كانت المذاهب الفقهية ليست محل اهتمام في برامج الحركة، واذا كانت المدارس والجامعات الحديثة (التى يتخرج فيها معظم أعضاء التنظيم) هى مؤسسات "مفرغة" من الدين تماما، فمن هو الذى سيكون مؤهلا علميا أذن ليعود مباشرة إلى القرآن والسنة، و يؤسس منظومة فكرية تتجاوز التراث وتستوعب قضايا العصر؟ أو فلنطرح السؤال بصورة أخرى فنقول: لماذا لم تسع الحركة الإسلامية بصورة إيجابية لتصنيع قيادة فكرية تسد الفراغات التي أوجدها غياب القيادة الدينية التقليدية في داخل التنظيم الإسلامي؟.
    قد يقال فى هذا الصدد أن تكوين القيادات الفكرية ليس من مهمة التنظيم الإسلامي، وإنما تضطلع بذلك مؤسسات التعليم ومراكز الثقافة والتوجيه، وهذا يمكن أن يقال فى معرض الإيضاح لخصائص التنظيم الإسلامي، فهو تنظيم مفتوح لا يلزم عضويته إلا بعهد الولاء للجماعة والالتزام بما ينعقد عليه إجماعها، على أن هذا لا يخفي الإشكال الأساسي المتمثل في ضآلة العناصر ذات التكوين الفكري المناسب، والتي يكون في مقدروها الإسهام في صياغة برنامج الحركة وبلورة المفاهيم الأساسية فيه ووصلها من جهة بأصول الشريعة ومقاصدها العامة وإيصالها إلى جمهور الناس في الجهة الأخرى. هذه الضآلة في العلم والهشاشة في التكوين الفكرى كان من الممكن التغلب عليها بعدة طرق إذا اجتهدت القيادة في ذلك، ولكن القيادة لم تكن راغبة فى ذلك لأنه لا يصب في اتجاه "القصر الجمهوري".
    كما كان يمكن النزاع نفسه أن يكون محركا للفكر، فتتولد عنه رؤية فكرية جديدة ،كما حدث فى حالات
    مشابهة أخرى، ولكن نزاع الإسلاميين فى السودان لم يستطع، برغم تطاول فترته الزمنية، وبرغم الصخب والضجيج الذى صاحبه، أن يبرز رؤية جديدة، ولم يستطع أي من طرفي النزاع أن يبلور "أطروحة" متماسكة تصلح أن تكون إطارا لنقض بنيان سابق أو لرفع بنيان جديد. وكلما فتح حوار عام إلا وأغلق على جناح السرعة حتى لا تتعرض الشخصيات الأساسية(الترابى/البشير) لأى نقد حقيقى.
    . أما فى الجانب الآخر فقد كان من الممكن أيضا "لمجموعة القصر" الا تكتفى بمذكرة واحدة يتيمة بل تطور أطروحة متكاملة تفصح من خلالها عن رؤية تنتج برنامجا(خاصة وأن هذه المجموعة استطاعت أن تخترط الحزب والدولة) غير أنها اكتفت بهز "الهيكل" الإدارى وما أن تمت ازاحة "الشيخ" الا وانصرف كل من أفرادها فى حال سبيله. ولا يقبل أن يقال فى هذا الصدد أنهم ليسو مفكرين أو أن قائد مجموعتهم رجل جيش ودولة ولا شان له بالأمور الفكرية، اذ أن من أخص خصائص الحركة الإسلامية أنها حركة فكرية-اجتماعية تسعى لإصلاح الفكر والمجتمع معا، فمن يكون قائدا لها ولدولتها لا بد أن يكون منشغلا بأمور الفكر والنظر كانشغاله بأمور العمل. ولكن الرؤية الفكرية المتماسكة غير مرغوب فيها لأنها تحد من تمدد الجماعات الوظيفية، وتمنع من تحول الشخصية المحورية الى مركز للوجود السياسى.
    ولن تبقى، والحالة هذه، الا ثلاثة مسارات: المسار الأول: أن تتم دحرجة من تبقى من قيادات الحركة الإسلامية القديمة الى خارج السلطة(كما دحرج العسكريون الأوائل أو كما أخرج الترابى) بسبب من نزاع فى المواقع، أو اختلاف فى الرؤى، أو ضغوط من الحلفاء، فيتحول العسكريون من موقع الشريك الى موقع المالك، وتعود القيادات الإسلامية المزاحة الى تقاليدها السابقة فى التربية والتنظيم؛المسار الثانى: أن تبقى الدولة على بعض عناصر الحركة الإسلامية ولكنها تذهب،أى الدولة، فى تأليف واصطناع موالين جدد واستقطاب قاعة شعبية بديلة، وتكون عندئذ العلاقة بينهما وبين الحركة الاسلامية علاقة توظيف للشعار والرموز وليست علاقة المشاركة فى الرؤية وصناعة القرار؛ المسار الثالث( وهو الأصعب) أن تبق الحركة والدولة معا، ولكن فى هذه الحالة ستحتاج الحركة الإسلامية الى أمور كثيرة، قد يكون على رأسها "فك وإعادة التسجيل"، وذلك على طريقة الأندية الرياضية، أى أن الحركة الإسلامية تحتاج، بعد هذه السلسلة الطويلة من الأحداث (والكوارث) أن تنظر فى "المرآة" وتقول لنفسها: ان دورة طويلة من "اللعب المتواصل" قد بلغت نهاياتها، وان بعض "لاعبينا" قد بلغوا مرحلة الشيخوخة، وان بعضهم قد ترك الرياضة وانصرف الى مهن أخرى، وإن البعض الآخر ممن هو محسوب علينا وقادر على اللعب صار يسدد ضرباته ورمياته فى "شباكنا"، فنحن نحتاج فى هذه الحالة الضبابية الى استراحة محارب نتحسس فيها رؤوسنا ومواقع أقدامنا، ونستعيد فيها توازننا، ونعيد فيها تعريف أنفسنا، وفحص عضويتنا، واختيار قيادتنا، ورسم استراتيجيتنا، ثم من بعد ذلك(وليس قبله) ننظر فى متن "الشراكة" القديمة مع العسكريين وامكانية العمل معا على تطويرها فى اتجاه استراتيجية اسلامية أعمق تنتظم وتتوازن فيها علاقات ومؤسسات التنظيم والدولة والمجتمع.غير أن السير فى هذا الإتجاه محفوف بالمخاطر، لأنه سيقتضى فى بعده النظرى مراجعة شاملة لكثير من المفاهيم والتوجهات، وبلورة رؤية جديدة، ترد اليها الاتفاقات والتحالفات والسياسات، كما سيؤدى فى بعده العملى الى سحب المشروعية من الحاشية والجماعات الوظيفية وإزاحتها من مراكز القيادة فى التنظيم والدولة.
    وهذه هي العقبة الكأداء التي تحطمت فيها من قبل كثير من حركات التحرر، والتى إما أن ستعجز فى بناء نظام سياسى تتناسق فيه حركة الدولة والحزب والمجتمع، فتسقط في مرحلة التحول ليخلفها نظام سياسى مغاير، وإما أن تنخرط هى ذاتها فى النظام العسكرى- الأوتوقراطى فتفقد خطوط اتصالها وامداداتها الشعبية،كما تفقد وجودها الحزبى المستقل وتتحول الى مرفق من مرافق الدولة تحاول أن تجد لها مكانا بين "الصنائع" والإنتهازيين.


    الصحافة 12/11/2006:
                  

11-14-2006, 05:04 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فتنة السلطة والجاه ....الهمز واللمز بين الاخوان (Re: الكيك)


    ليس رداً على التجاني عبدالقادر:
    الصراع في السودان لم يكن بين التنظيم المدني والعسكريين
    د. عبدالوهاب الأفندي
    أتحفنا الصديق العزيز د. التجاني عبدالقادر خلال الأسابيع القليلة الماضية بتناول تحليلي معمق لصراع الإسلاميين على السلطة في السودان، جمع فيه بين المعلومات الدقيقة التي يكشف عن بعضها لأول مرة، والبعد النظري لمفكر وأكاديمي متعمق في العلوم السياسية المعاصرة. تحليل الأخ التجاني الذي نشر على صفحات جريدة "الصحافة" السودانية يكتسب أهمية إضافية من كونه التزم الصمت طويلاً، وأمسك في انضباط يحسد عليه عن الخوض في الأمور الخلافية والإفضاء بما كان يعلمه من مكنونات الأمور. وقد كان ينكر علينا في السابق - كما فعل كثير من إخوتنا- تناول القيادات بالنقد و "التشهير". وخلاصة تحليل التجاني أن الإشكال يعود من جهة إلى ضروة وظيفية في الحركات السياسية الحديثة، خاصة حركات التحرر، تؤدي أولاً إلى تمحور الحركة حول شخصية ذات طابع رمزي تجسد الأيديولوجية التحررية موضوعياً. ثم لا تلبث هذه الشخصية أن تزاح من السلطة لصالح فئة من البراغماتيين أو "الواقعيين" (هذا التوصيف إضافة من عندي) ينتهي بهم الأمر إلى حصر همهم في البقاء في السلطة وتحقيق بعض الطموحات المحدودة فيها. وغالباً ما يؤدي ذلك إلى تحالف مع العدو الذي قامت حركة التحرر للتخلص من قهره (مثل تحالف حكومة بومدين مع فرنسا، وتحالف منظمة التحرير الحالي مع إسرائيل). ويعود هذا بحسب التجاني إلى طبيعة البنية التحتية الاجتماعية، والمناخ النفسي والثقافي والاجتماعي في البلدان المعنية، مما يفرض على الفاعلين السياسيين إكراهات قد تتضارب مع منطلقاتهم الأيديولوجية وهياكلهم المؤسسية والنظرية.
    من جهة أخرى، يقول التجاني، يعود الإشكال في الحالة السودانية إلى عدم وضوح الرؤية حول دور العسكريين في السلطة التي نتجت عن إنقلاب الثلاثين من يونيو 1989، حيث كانت الخطة الأصلية تفترض أن يكون دور العسكريين انتقالياً، بحيث يقومون بتأمين السلطة والقضاء على أية مقاومة محتملة في انتظار اللحظة المناسبة لخروج الحركة إلى العلن وتولي السلطة بصورة مكشوفة. ولكن ملابسات معقدة قلبت الموازين وجعلت العسكريين يتمسكون بالاستمرار في السلطة من جهة، والمدنيين يعجزون عن إجبارهم على تركها من جهة أخرى. ويشير التجاني هنا إلى تجربة مماثلة لأحزاب البعث في سوريا والعراق، تنافس فيها العسكريون والحزبيون، فخسر طرف وربح آخر.
    ولا أريد هنا أن أعلق على تفاصيل أطروحة التجاني، وهي تستحق نقاشاً معمقاً لما حفلت به أولاً من معلومات وافية لشخص مطلع على بواطن الأمور، وتحليل نظري مقنع إلى حد كبير، وإن كان هناك ما يشبه التضارب بين التناول النظري الذي يقول بما يشبه حتمية ما حدث، والمعلومات التاريخية التي تحكي قصة أخرى. ولكنني أود أن أقدم لتناولي برواية واقعة شاركت فيها والتجاني في أيام الدراسة الجامعية قد تلقي بعض الضوء على الديناميات الموضوعية لمثل هذه الصراعات غير المقصودة.
    ولا بد أن أنوه هنا إلى أن التجاني صديق قديم عزيز، لم تنقطع بيني وبينه حبال الود، ليس فقط لما يتمتع به من صفات تجعل من الصعب على أي شخص ألا يكن له الود، ولكن لما بيننا من تقارب فكري وشخصي يرجع إلى أننا درسنا الفلسفة معاً في الجامعة، ثم انتقلنا إلى دراسة العلوم السياسية في بريطانيا، وعملنا معاً في ميدان السياسة في الجامعة، ثم في العمل الصحافي في بريطانيا. ولا أكتم سراً إذا قلت إننا لم نكد نختلف في قضية مهمة منذ تعارفنا. ويجب أن أضيف هنا أن من المؤسف أن شخصاً مثل التجاني قد أجبر على الهجرة بدينه وعقله ونزاهته من البلاد ليطوف البلاد من ماليزيا إلى الولايات المتحدة ثم الخليج، فتحرم البلاد من مساهماته القيمة.
    ما سبق يعطي الواقعة التي أشير إليها بعداً إضافياً، وهي واقعة تعود إلى منتصف السبعينات حين كان التجاني يتولى (مؤقتاً) رئاسة اتحاد طلاب جامعة الخرطوم، بينما كنت أنا بين قيادات تنظيم الإتجاه الإسلامي الذي كان يسيطر على الاتحاد. وقد جرت وقائع في عام 1975 أغلقت بعدها الحكومة الجامعة وطاردت قيادات الاتحاد، واعتقلت عدداً منهم، من بينهم رئيس الاتحاد حينها المرحوم داود يحيى بولاد، ثم خلفه التجاني. وقد اضطررنا حتى بعد هرب التجاني وبولاد من السجن إلى اتخاذ إجراءات معقدة لتأمين حمايتهم من المطاردة الأمنية. وهذا بدوره أملى أن يكونوا موزعين على بيوت آمنة متباعدة، وألا يتحركوا أو يجتمعوا إلا قليلاً. وكنيتجة لهذا أصبحت مجموعة صغيرة من قيادات التنظيم لا تزيد على خمسة أشخاص تتولى إدارة الصراع السياسي مع الحكومة تحت راية الاتحاد. وكان أن اغتصبت هذه المجموعة، وكنت أحد أفرادها، سلطة الاتحاد كلها، حتى أنني أذكر أن سجالاً جرى في لقاء ضم بعض قيادات الاتحاد (ومنهم الإخوة سيد كمبال وابن عمر محمد أحمد وغازي صلاح الدين) طلبوا فيه على الأقل الاطلاع على البيانات التي تصدر باسم الاتحاد قبل إصدارها. وكنت على رأس من جادل بأن تلبية هذا الطلب من الصعوبة بمكان لكل قادة الاتحاد بسبب العقبات اللوجستية.
    ما سبق قد يشير إلى بعد آخر يتعلق بديناميات العمل السياسي ويفسر آليات "اغتصاب" السلطة من قبل الفاعلين الذين يوجدون في الميدان، مقابل أصحابها "الشرعيين" في حالة الغياب المؤقت أو الدائم لأولئك. وقد كان ما قمنا به قلباً لطبيعة الأمور، إذ أن المعهود هو أن قادة الاتحاد هم القادة الميدانيون، وأننا في التنظيم أصحاب "السلطة الشرعية". وبالفعل فإنه ما أن فتحت الجامعة أبوابها حتى عاد قادة الاتحاد إلى دورهم العادي، وإن كان ذلك الدور تحجمه عوامل، منها التسلسل الهرمي للتنظيم. ولكن الواقع يقول إن الشخص الماثل في الميدان يضطر إلى اتخاذ قرارات تمليها دايناميات الحدث، ولا يمكنه العودة في كل مرة إلى "مرجعية" غير حاضرة، مما يخلق توتراً يؤدي بالضرورة إلى أزمة.
    الأزمة في الحالة السودانية - وهذه هي إضافتي الرئيسية ، حتى لا أقول خلافي الرئيسي مع- أطروحة الأخ التجاني، لم تنشأ من خلاف بين العسكريين والمدنيين، بل خلاف بين القادة الميدانيين من مدنيين وعسكريين، وسائقي المقعد الخلفي من قادة التنظيم الذين كانوا يريدون إدارة الدولة من بيوتهم. هذا الخلاف، كما ذكر التجاني وفصلت في تحليلاتي السابقة، لم يكن بدعاً من الأمر، فهو يقع في كل مواقع التنافس الوظيفي المماثلة. ففي الاتحاد السوفيتي والدول الشيوعية حسم التنافس بين الدولة والحزب بغلبة الحزب مستخدماً في ذلك ذراعة الأمنية. وحتى في الدول الديمقراطية قد تقع منافسات بين مراكز قوى (كما هو الحال في حكومة بلير حالياً، أو كما يحدث من تنافس في الولايات المتحدة بين رئاسة مجلس الأمن القومي ووزراة الخارجية- أو وزارة الدفاع في المناخ الحالي-). ولكن الخلاف السوداني تميز بخصوصية دور الجهاز الذي أطلقت عليه تسمية "السوبر-تنظيم"، وهو الآلية الداخلية في التنظيم التي تمسك بمفاتيح القوى المتعلقة بالمال والأسرار. وقد زادت قوة هذا الجهاز بعد الانقلاب، حيث كان يمسك بمفاتيح السياسة الأمنية والعلاقات مع الجناح العسكري والشؤون المالية. وقد كان الترابي يسيطر سيطرة تامة على هذا الجهاز، وإن كان فوض بعض شؤونه اليومية إلى عدة أشخاص من بينهم د. نافع على نافع (الأمن) ود. عوض الجاز (المال والشؤون التظيمية مع د. مجذوب الخليفة). وأهم من كل ذلك فإن الأستاذ علي عثمان محمد طه كان يتولى الإشراف المباشر على السوبر- تنظيم، ويتولى إدارته اليومية، مما عمق الولاء له بين أركان الجهاز.
    الإشكالات التي وقعت فيما بعد كان معظمها ذا طابع وظيفي أكثرمنه ذا طابع شخصي. ففي الفترة الأولى كان العسكريون غاية في الانضباط، وكان الكل يظهرون ويبطنون الولاء الكامل للشيخ الترابي الذي لم ينازعه أحد السلطة. وقد بدأ النزاع في داخل التنظيم أولاً مع القيادة التاريخية التي أزاحها الترابي من كل مواقع النفوذ لصالح أنصاره من الشباب. وقد علمت من أحد هؤلاء الأشخاص أن الرئيس عمر البشير اندهش غاية الاندهاش حين زاره وفد من قيادات الحركة في العام الثاني للثورة وقدم له لائحة طويلة من الشكاوى حول أداء الحكومة. ويقول الرجل إن البشير انتحى به جانباً وقال له:. إذا كانت لكم خلافات نرجو أن تقوموا بحلها فيما بينكم.
    الإشكال الآخر قام من نقطة مهمة أشار إليها التجاني، وتمثلت في شكوى رجال السوبرتنظيم من عدم التزام الشيخ الترابي ومساعديه المقربين بالدور المناط بهم في الخطة التي وضعوها بأنفسهم، وكان يفترض أن يتخذوا موقعاً بعيداً من السلطة، في الظاهر على الأقل، وأن يكتفوا بدورهم السري. ولكن الشيخ الترابي ومجموعته لم يكن لهم صبر، ليس على البعد عن السلطة، إذ كانت السلطة كلها بيدهم، بل على التخلي عن الجاه. فقد كان الشيخ الترابي يكثر من التصريحات الصحفية، التي يؤكد فيها من جهة عدم أية صلة له بالسلطة ، ثم يبدي الآراء حول أمور هي من صميم اختصاصات السلطة من جهة أخرى. وأسوأ من ذلك فإن الشيخ الترابي ومساعديه المقربين من أمثال الشيخ إبراهيم السنوسي والمرحوم الشيخ محمد محجوب حاج نور، أخذوا يكثرون من اللقاءات بالدبلوماسيين والزوار الأجانب، والكثير من الشخصيات السودانية، وهي لقاءات تعمدوا أن يظهروا فيها أنهم هم أصحاب النفوذ الحقيقي في النظام. وقد اكتسب هذا التبجح بالنفوذ أبعاداً كادت تكون مرضية، وتتناقض بلا شك تناقضاً فاضحاً مع تمثيلية عدم العلاقة بالنظام. وقد زاد من تأزم الأمر أن بعض تصريحات الشيخ الترابي كانت تسبب حرجاً كبيراً، وتخلق أزمات دبلوماسية، كما حدث حين كشف التعاون السري مع اثيوبيا ضد التمرد في الجنوب في مقابلة مع البي بي سي، أو حين تولى المفاوضات مع السعوديين بعد أزمة غزو الكويت، أو حين دأب على انتقاد النظام المصري علناً.
    وكما ألمح التجاني أيضاً سعى قادة السوبر تنظيم الآخرون إلى معالجات أصبح بعضها أسوأ من المشكلة، كما حدث حين أعلن عن تأسيس المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي كمنبر يتيح للترابي والسنوسي الانشغال عن أمور الحكم بهموم أخرى، ولكن المؤتمر صار مصدر صداع إضافي للنظام. وكانت المعالجة الأخرى هي إشغال الترابي بالحزب السياسي (المؤتمر الوطني)، ثم رئاسة البرلمان، ولكن الترابي أثبت أن تحجيمه في أي دور من الصعوبة بمكان، وكان يصبح مشكلة أكبر للنظام في كل موقع جديد. وأهم من ذلك، فإن هذه التطورات كانت تقوض أسس خطة الشيخ الترابي الأصلية، التي بموجبها كان يجب أن يظهر على أنه بعيد كل البعد عن السلطة، ثم يعود ليتولاها. فالذي حدث كان أن الشيخ أصبح أبرز رموز السلطة وهدف سهام أعدائها، كما أن صورته التي تشكلت بدفاعه المستميت عن كل تجاوزات السلطة، وعدائه المكشوف للغرب ولجيران السودان الفاعلين، باعدت بينه وبين حلم السلطة المباشرة. ذلك أن السبب الأساسي في صيغة التقية التي خرج بها نظام الإنقاذ وإنكاره لهويته الإسلامية يرجع إلى أن القوى الدولية والإقليمية ما كانت لتقبل وقتها بحكم إسلامي في السودان. وبعد ظهور سجل النظام في مجالات القهر والعداء المكشوف للغرب ولمصر والسعودية، وتولي الشيخ الترابي شخصياً كبر كل هذه السياسات، زاد العداء الخارجي والرفض الداخلي لفكرة تولي الشيخ الترابي شخصياً الحكم.
    الصراع إذن لم يكن بالتأكيد بين العسكريين والمدنيين، بل كان بين الدولة بقيادة السوبرتنظيم من جانب، والشيخ الترابي وبطانته ممن لم يرضوا بالسلطة من غير الجاه المصاحب لها، وكانوا يريدون من جهة أن يستمروا في إدارة الدولة من خارجها، ومن جهة أخرى خلق أزمة تتيح لهم "إعادة الأمور إلى نصابها" وتولي السلطة علناً. وهذا جعل منهم أكبر مهدد لقبضة السوبرتنظيم على السلطة. وهذا بدوره جعل تحجيم وإبعاد الشيخ الترابي ضرورة لتجنب انهيار النظام ولتخفيف الضغوط الخارجية والداخلية عنه. وقد عكس الصراع تعقيد التركيبة السياسية وآلياتها، وهو موضوع لنا إليه عودة إن شاء الله.


    الصحافة 14/11/2006
                  

11-21-2006, 00:56 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فتنة السلطة والجاه ....الهمز واللمز بين الاخوان (Re: الكيك)


    الثلاثـاء 01 ذو القعـدة 1427 هـ 21 نوفمبر 2006 العدد 10220
    الشرق الاوسط

    الإنتليجنسيا الإسلامية السودانية المتولية يوم الزحف

    المحبوب عبد السلام



    رغم موته المبكر وحياته التي سلخ ثلثها في السجن، استقام المفكر الشيوعي الإيطالي أنطونيو غرامشي طودا شامخا في دراسات المجتمع الحديث وسبل تغييره، وألقى بظله الوارف على حملة مشاعل التغيير كافة، ولم يقتصر أثره على معتنقي الماركسية أو مدارسها الاشتراكية على مدى القرن الأخير، ورغم أن المرض العضال داهمه في أول العقد الثالث من عمره القصير، فأضحى رفيقا يوميا للنزيف المعوي والإغماء الذي يشل الحركة، وتساقط شعره وسقطت أسنانه، ولكنه ظل يكتب آلاف الصفحات بخطه الدقيق، عن دور المفكر العضوي، في ما عرف لاحقا بـ(دفاتر السجن)، ورغم أنه كابد الظروف الأقسى في الحياة الأسوأ، فإنه ظل وفقا لكلماته
    (أبصر طريقي بوضوح مهما ادلهمت العتمة).
    لقد جسد غرامشي مبادئ سيد قطب، (إن كلماتنا تظل عرائس من شموع، حتى إذا متنا في سبيلها دبت فيها الحياة)، وشطر البيت الذي حفظته جموع الإسلاميين ورددته مرات ومرات، من دون أن تدرك معناه الدقيق أو تتمثل مسؤولياته الجسيمة (وإني على ثقة من طريقي)، ولا حاجة للقول إن سيد قطب الشهيد كان يستلهم الإسلام.
    أما الدكتور علي شريعتي، مفكر الثورة الإيرانية الحق أو الحقيقي، فقد تبنى أطروحة غرامشي في (دور المفكر المسؤول) و(بناء الذات الثورية) بالكامل ومدها بانفاس من رئتيه المغروستين في أصول التشيع الثوري الأحمر، الموشى بدماء الشهداء، وليس التشيع الصفوي الأسود بجرائم الديكتاتورية والطغيان، فقد واجه شريعتي طغيان الشاه الفاحش، كما واجه غرامشي أساليب موسوليني الفاشية المرعبة، مؤكدا أن الطغيان السلطوي قبل أن يعتقل الجسد ويصفيه من الروح، يشوش الأفكار ويشوهها ويعمل على تلطيخ سمعة معارضيه في الطين ويجرها في الوحل.
    وتبدو الحاجة ماثلة للتذكير بأن الإنتليجنسيا الإسلامية السودانية موضوع هذا المقال، هي التي تولت تقديم شريعتي إلى الساحة السودانية المثقفة عامة، والإسلامية خاصة، وبرزت حينذاك الأصوات التي تهتم بالمفكر وفكره لا غير، والأخرى ضمن تلك النخبة المتدثرة بثياب المزاودة والتطرف الزائف والمتسولة على أبواب السفارة ومركزها الثقافي، ولكن تلك قصة أخرى في سياق الظواهر ذات الخصائص السودانية الخالصة.
    أما المفكر الفلسطيني الأمريكي المسيحي إدوارد سعيد، فقد بسط رؤيته عن موقف المفكر أو المثقف من السلطة (لا سيما السلطة الديكتاتورية العربية)، في جملة محاضراته الاثنتي عشرة، التي بثتها إذاعة البي بي سي، وجسدها في مواقفه المضيئة في مسيرة الثورة الفلسطينية، التي انتسب إليها رغم جنسيته الأمريكية ووجوده المادي (خارج المكان) عنوان مذكراته، التي تتيح له بحكم ثراء والده العريض وحياته الأولى في القاهرة وبيروت وشهادة دكتوراه من (هارفارد)، وتدريسه الأدب الإنجليزي في جامعة (كولومبيا)، وإصابته بسرطان الدم، كلها سبل تفسح له طريق الهروب الكبير بامتياز ولن تستطيع أُذن مهما دقت أن تجد في لغته الأمريكية الصرف، أي أثر لكنة عربية لأنها ببساطة لا توجد، فقد كان مثاله في الثورة هو كمال حنا الفلسطيني المسيحي مثله، والأستاذ بالجامعات الأمريكية مثله، ولكن خلع ثوب الجامعي وارتدى البذة العسكرية لمنظمة التحرير وأدمن العيش في خنادقها، حتى اختفي في زورق عبر رحلة بحرية قبالة شواطئ بيروت في واحدة من حوادث منظمة التحرير المريبة، وبعد أن أضحت نظاما عربيا آخر يسكن الفلل المترفة إلى حد التخمة ويقتات على المؤامرات والدولارات، لكن موقف إدوارد سعيد المفكر المسؤول والمثقف الحر إزاء السلطة هو (لا تهمني المناصب والأموال ولا يخيفني الوعيد والتهديد ولن أصمت عما أراه حقا إلا أن أموت).
    يشبه موقف إدوارد سعيد في جلاء الرؤية وصلابة الموقف إزاء الثورة الفلسطينية ومنظمة التحرير، موقف مالك بن نبي في صفاء الروح ووضوح الغاية إزاء الثورة الجزائرية وجبهة التحرير، كلاهما صادم ضعف القيادة إزاء نبل الكفاح وطهارته، وأحيانا براغماتيتها وذرائعيتها أو انتهازيتها وفسادها، في الساعة التي تقتضي صبر ساعة أو اللحظة التي تقتضي الصمود على أرفع قمم المثالية. لكن الذي أهم (إدوارد سعيد) هو (غياب الحس التاريخي لياسر عرفات)، والذي أهم مالك بن نبي هو (إحلال الفكرة في الوثن)، عندما اختصر جهاد 5 ملايين جزائري في اسم (جميلة بوحريد)، وعندما اعتبر (فرانز فانون) الماركسي المارتنيكي، منظر ثورة المليون شهيد، الذين مضوا إلى الموت جهادا في سبيل الله، رغم أن فرانز فانون مفكر ثوري ومثقف عضوي جدير بأشد الاحترام.
    وبدفع كذلك من الحركة الإسلامية زار (مالكوم اكس) السودان في طريقه إلى الحج، وهو الذي لم يمنعه واقع الإسلام الأمريكي الأفريقي المعقد من أن يبصر طريقه على النحو الذي مضى به شهيدا، لم تشكل عليه أحابيل القيادة الروحية، التي أسلم لها في السابق أمره بالكامل، وهو ذات الوضوح والبصيرة اللذين انحازت بهما الآلاف من شيوخ الحركة الإسلامية وشبابها ونسائها، ولم تفلح معها الأساليب الفاشية في تغبيش الرؤية وتعتيمها وطمسها بالقصص والحكاوى المؤسسة على شفا جرف هار من الأكاذيب والغرض، وأن الأمر كله لا يعدو أن يكون مسرحية محكمة الحبكة والأداء حتى لا يعرف بطلها من خائنها.
    مالك بن نبي هو القائل (إذا فقدت النفس صفاءها فقد الذكاء عمقه)، فالموقف في المفاصلة، التي قسمت القيادة في الحركة الإسلامية السودانية، لا يحتاج إلى أي قصة أو (تنوير) ظلامي أو مسدار مما درج (الكبار) أصحاب الأحلام الصغيرة على سرده بين يدي كل مناسبة، لكسب الأنصار وتبرير الخذلان، وإلا ما الذي جعل الأوفياء للفكرة في أطراف الدنيا ينحازون فورا ضد السلطة المتغلبة ذات الشوكة، وببساطة الذي لم يسأل حتى نفسه، وفي ذات الوقت ينحاز غالب أعضاء لجنة رأب الصدع من (الكبار) (الحكماء) الذين (قتلوا الموضوع بحثا) إلى السلطة المتغلبة ذات الشوكة، وليظهروا وزراء كبار في قائمة التعديل الوزاري، الذي تلى الأزمة، ومثل بعضا من محاولات إحلال الفكرة في الوثن وتجسيد الشعار في البشر، السلوك الغريب الذي يسلكه كل من يحاول طمس الرؤية، وفي الحالة السودانية سلوك الذي لا يؤمن ببرنامج إسلامي للدولة والمجتمع أو لا يعرفه، ويؤمن في المقابل بتمكنه وإحكام سيطرته على السلطة وما لا ينفك عنها من قوة ومال.
    إن (لجنة رأب الصدع) هي الحالة الأشد جلاءً للإنتليجنسيا الإسلامية السودانية، التي استدعت مخاوفها ومصالحها أو أحقادها ومطامعها، ولم تستدع أفكارها أبدا في ساعة الفرض والوجوب والتجاوز والحاجة الأشد إلحاحا لإحلال الفكرة محل الشوكة أو الوثن. أما الذكاء السوداني الفطري، الذي يراقب الأحداث فلم تنطل عليه الحيلة وهو يطلق على السيارة الرسمية أو الخاصة المتلألئة في شوارع الخرطوم الخربة عبارة (الشيخ عنيد)، ولا حاجة للقول إن المعاندة هي المصدر الميمي المطلوب يومها للخروج من الحالة البرجوازية الفكرية والمادية، التي أطبقت على الإنتليجنسيا الإسلامية السودانية، ولم يعد في استطاعة أحدنا ـ ولسنوات قبل تدفق البترول ـ أن يكرر عبارة علي شريعتي (إن رأسي أصلع وسيارتي موسكوكوفتش)، وهو يرد على الدعاوى، التي أطلقتها جماعة من أساتذة جامعة طهران على الأستاذ البرجوازي، الذي يستعمل أفخم الكريمات، وهي ترقب نشاطه التعليمي الفذ، الذي فتح طريق ملايين الشباب نحو الثورة الإسلامية، وتنحط بالحوار من عالم الأفكار إلى عالم الأشخاص، وفقا لنظرية مالك بن نبي.
    أما الحالة الأشد خصوصية، حالة المجموعة حول الأمين العام مؤسس الحركة ومفكرها، من التلامذة النجباء الأذكياء والحواريين بالوجود الروحي والفكري وأحيانا بالوجود المادي الفعلي، ولمدى ما يقارب العقود الثلاثة (1974 - 1999) فهي حالة حالة سودانوية إسلاموية خاصة، وليست سودانية، لأن السودانيين يؤسسون أخلاقهم على الوفاء، لا سيما للأب أو الشيخ أو الزعيم، مهما يكن (الفكي السماني) أو السكرتير العام (عبد الخالق محجوب). وقد كتب الشاعر الكبير السوداني محمد المكي إبراهيم، وهو يشهد الفصل الأخير من المأساة، التي أراد البعض من داخل صفها الملتزم أن يراها تمثيلية، كتب الشاعر (يا لها من ثورة أكلت أبيها)، وصاح آخر من عامة أهل السودان (سمعنا بالهرة تأكل بنيها ولم نسمع بالبنين يأكلون الهرة). ورغم أن عناصر تلك النخبة جلسوا سنوات في مدن الولايات المتحدة الأمريكية وغشي بعضهم جامعاتها وحاز بعضهم درجات علمية منها، فإن تجربة الحياة المؤسسة على الديمقراطية في المجتمع والإدارة من الخدمة العامة إلى الحكومة، ومن التشريع حتى القضاء، التي ألهمت مفكرا أوروبيا فرنسيا هو (أليكس توكفل) عقيدة أن الديمقراطية هي الحق والمنطق واتجاه التاريخ، مهما يراها تتعثر وتنتكس في أوروبا، البلاد التي شهدت ميلاد ثورتها وشعاراتها، (إخاء، مساواة، حرية)، وظل كتابه (الديمقراطية في أمريكا) سفرا ملهما لأي ثائر أو دارس لمدى ثلاثة قرون، سوى النخبة الإسلامية السودانية، التي تطابقها المقاربة الساخرة التي عقدها الصحفي الفذ الراحل (سليم اللوزي) حول أبناء دول الخليج، الذين يبعثون إلى أوروبا الغربية وأمريكا فيعودون ماركسيين، والآخرين الذين يبعثون إلى دول المنظومة الإشتراكية يعودون أشد رأسمالية وليبرالية.
    ومهما تشعبت القصص في الطريق نحو المفاصلة وتعلق النهازون والمصلحيون بها، فإن وثيقة الدستور الدائم لعام 1998، كانت معلما حاسما لنهاية فترة وبداية اخرى، استقامت فيها الحركة الإسلامية لصالح نفسها ولصالح نخبتها المستنيرة، ثم لصالح السودان، أو هي (ثورة في الفكر السياسي المعاصر) بعبارة الدكتور منصور خالد، وهي كذلك ثورة في مضمون الصراع وآلياته داخل الحركة الإسلامية، الذي حوله من عالم الأشخاص إلى عالم الأفكار، لأنه ببساطة أفسح المجال الديمقراطي للمنافسة الحرة، لتستعيد الحركة الإسلامية السودانية خطها الأصيل، وللخروج من نفق (السيوبر تنظيم) بعبارة الدكتور عبدالوهاب الأفندي مؤلف كتاب (ثورة الترابي الإسلامية)، أو استلاب (تحالف العناصر الأمنية العسكرية مع العناصر الرأسمالية) لدولة الحركة الإسلامية لغير صالح (دولة الفكرة والمجتمع المدني)، وفقا لتحليل الدكتور التجاني عبد القادر صاحب كتاب
    (الفكر السياسي في القرآن)، الذي قال عنه إنه محاولة لقراءة قرار المصالحة الوطنية مع نظام نميري وفقا لأحكام القرآن.
    ودستور 1998 كذلك استعادة مظفرة لأصول المفكر التجديدي (للحركة مفكر واحد والبقية شراح على المتون)، وفقا لعبارة الدكتور أمين حسن عمر صاحب نظرية (الترابي وعقيدة الأتراب)، وفي ذات الاتجاه عبارة المفكر الأشد ثورية وتطهيرية الأستاذ عبد المحمود الكرنكي (عاد الترابي من فرنسا فأخرج الحركة الإسلامية من أحكام النون الساكنة إلى الأحكام السلطانية، وباع ثلثي ثمار مدينتهم الفاضلة)، ثم كتاب (التجديد الرأي والرأي الآخر)، الذي محضه الدكتور محمد وقيع الله كله للدفاع عن رؤية الدكتور الترابي التجديدية في الفكر والحركة، وفي الطريق نحو التوالي السياسي، الذي استوعب أعداءها داخل الحركة الإسلامية معناه ومغزاه الصحيح أنه (الطريق نحو الديمقراطية)، الذي يبطل سلطة الفرد والسيوبر تنظيم ويبيع ثلثي دولة المركز والجاه غير الفاضلة، وبالتالي غير الإسلامية، لصالح قسمة الموارد والمناصب بين ولايات السودان ويجنبه الانفجار والتمزق من الأطراف.
    لقد أكلت الثورة الفرنسية بنيها، وهم يتوالون على المقصلة، وانهار دستورها وبرلمانها الأول بعد بضع سنوات من قيامه، ودخلت أوروبا كلها في فوضى الموت والحرب والدمار بتعبير سيجموند فرويد بعد الحرب الأولى وبعد الحرب الثانية، رغم أن الذين خاضوا الحروب ويخوضونها من هتلر إلى مليغوفنش جاءوا إلى السلطة عبر انتخابات حرة ديمقراطية، ورغم الخيبة والفشل الذي استشعره مفكرو أوروبا عشية الحروب بعد الأمل والثقة في أن اتجاه التاريخ والبشرية هو التطور والحرية والسلام، إلا أن دور المفكرين ظل هو استخراج الأفكار من كل تلك الفوضى وإعطاء الشعوب الأمل والمعنى والاتجاه، وليس العزلة والتصوف وإلقاء السلاح.
    وكذلك سقطت دولة الأمة والإجماع بعد ثلاثين عاما من النبوة وخلافتها الراشدة لصالح المشروع الأموي القرشي الإمبراطوري (في الساعة التي فرق فيها أبو هريرة بين الصلاة مع علي والطعام مع معاوية)، كما يقول مالك بن نبي، ولكن ظل المجددون والمجاهدون ـ عبر مسيرة التاريخ ـ يؤدون دور المثقف العضوي لدى غرامشي والمفكر المسؤول عند شريعتي.

    * كاتب سوداني
    مقيم في بريطانيا



                  

12-14-2006, 00:25 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فتنة السلطة والجاه ....الهمز واللمز بين الاخوان (Re: الكيك)

    الصحافة

    العسكريون الإسلاميون:
    أمناء على السلطة أم شركاء فيها؟ «2»
    د. التجاني عبد القادر
    لقد اشرنا في المقال الاول الي ان هناك رؤية معاكسة لرؤية الترابي بدأت تتبلور داخل المجلس القيادي ، فمن هم أذن أصحاب الرؤية المعاكسة لرؤية الأمين العام؟ ولماذا سعوا لتعديل الخطة في مرحلة ما بعد التأمين؟ لا تشير الوثيقة السابقة بصورة مباشرة لأشخاص بعينهم، ولكننا نعلم من مصادر أخرى أن خمسة على الأقل من أعضاء القيادة «ثلاثة من العسكريين واثنان من المدنيين» لم يؤيدوا رؤية الأمين العام المشار إليها، وكانوا يرون أن يكون رئيس مجلس الثورة رئيساً للجمهورية، أما لماذا رأوا ذلك، فهذا مجال تتعدد حوله الظنون، فإذا أخذنا مثلاً برأي الأمين العام والمجموعة المؤيدة له، فسنجدهم يقولون أن ما تم هو مفارقة لخطة الحركة، وخيانة للمواثيق، وحنث بالقسم، أملته شهوة السلطة ورقة الدين. وقد ذكر مثل هذا القول في وثائقهم المكتوبة ولقاءاتهم الجماهيرية ومقابلاتهم الصحفية «انظر على سبيل المثال: بيان تجديد المؤتمر الوطنى»، ولكننا لا نستطيع أن نكتفى بهذا التفسير «الايديولوجى» للامور، وانما نحاول بقدر الامكان أن نستكشف الإطار الموضوعي الذي تبلورت فيه هذه الآراء فسنلاحظ ثلاثة متغيرات في الساحة السياسية.
    الأول: هو موقف حكومة السودان من احتلال العراق للكويت عام 1990م، وما لحق ذلك من تأسيس للمؤتمر الشعبي العربى الإسلامي، حيث صار الدكتور الترابي أميناً عاماً له، مشكلاً بؤرة «أصولية» لمعارضة المواقف السياسية الأميركية ولمواقف حلفائها بالمنطقة، ترتب على هذا الوضع أمران: أحدهما خارجي تمثل في الاستهداف الغربي على السودان ومضايقته اقتصادياً وعسكرياً وإعلامياً، وثانيها داخلي تمثل في شعور الفريق البشير وزملائه العسكريين بالحرج، حيث بدا واضحاً للمراقبين أن السياسة السودانية لا تُدار من قبل الحكومة، وإنما يديرها الدكتور الترابي من مقره في المؤتمر الشعبي العربى الإسلامي. لقد كان أول تعبير عن هذا الحرج هو استقالة أحد العسكريين من عضوية مجلس الثورة.
    والمتغير الثاني: هو حادث الاعتداء الذي تعرض له الدكتور الترابي في كندا عام 1992م، وما لحق ذلك من صخب إعلامي سلط الأضواء على الأوضاع الداخلية في السودان، وإلى إثارة مسائل حقوق الإنسان واتخاذها وسيلة إضافية للضغط على حكومة السودان، والاشتداد في حصارها باعتبارها حكومة أصولية متشددة.
    والمتغير الثالث: هو اشتداد الحرب في جنوب البلاد واستيلاء حركة التمرد على عدد من المواقع، مستفيدة من مناخ العداوة الغربية للأصولية الإسلامية، والتعبئة العسكرية الهائلة (صيف العبور) وما تبعها من احساس بالنصر.
    أحدثت هذه المتغيرات مجتمعة ضغطاً نفسياً كبيرا على أعضاء القيادة من المدنيين والعسكريين، فلما وجهوا بالخطة الرامية لحل المجلس العسكري وإحلال القيادة التنظيمية مكانه، صار بعضهم، خاصة العسكريين منهم، ينظرون للأمر كأنه مغامرة كبيرة، إذ كيف يحل المجلس العسكري ويتخلى الفريق البشير عن رتبته العسكرية في أشد الأوقات حاجة إلى القوات المسلحة؟ أما المدنيون فصار بعضهم يتعجب من فكرة أن يصير الدكتور الترابي رئيساً للجمهورية في أكثر الأوقات معارضة له على المستوى الإقليمي والدولي، وأنه إذا جاز لحكومة الإنقاذ أن تخفى هويتها في سنواتها الأولى وتتظاهر بالقومية والوطنية، فهى الآن أحوج مما مضى لأن تتدثر بالوطنية والقومية، اذ أن وجود الدكتور الترابي على رأس الدولة لن يكون مفيداً إلا من حيث الرمزية الدينية، وتعاطف بعض التنظيمات الإسلامية المضطهدة في بلدانها، ولكنه فيما عدا ذلك فسوف لن يؤدي إلا لمزيدٍ من المضايقات والمعاناة الداخلية والخارجية والتى قد تعجل باسقاط المشروع من أساسه.
    كانت هذه، فى تقديرى، هى بعض المتغيرات النفسية والتساؤلات والتقديرات السياسية التي أدت لهزيمة رؤية الترابي في داخل مجلس القيادة، وأدت لتعديل الخطة بالإبقاء على الفريق البشير برتبته العسكرية وتصعيده رئيساً للجمهورية وترشيحه بأن يكون أميناً عاماً للحركة الإسلامية في المستقبل. ومما يؤكد هذا الرأى نص الوثيقة ذاتها التى أبرزها الأمين العام بعد الانشقاق وراح يستند عليها في ما يقول، اذ جاء فيها: «وكانت الخطة أن يتولى أمين عام الحركة قيادة دولتها، ولكن خلصت الرؤية أن فى رئيس مجلس الثورة ما يحقق ذات الغايات، وأن يهيأ باللازم حتى يصبح هو نفسه أمين عام الحركة».
    هذا فى تقديرى هو الوقت الذى بدأ فيه «الأمناء» يتحولون الى «شركاء»، وبدأت فيه رؤيتهم المعاكسة فى التبلور، والتى يمكن تلخيصها في ما يلى:
    1- أن الانقلاب وان قصد منه أن يكون حركة إجرائية محدودة، ولكنه قد غدا بحكم تداعيات الواقع وضروراته حركة إصحاح «داخلي»، للأوضاع السياسية والاقتصادية المتردية، وحركة دفاع «خارجي» ضد قوى أجنبية تتربص بالوطن من خلال حرب الجنوب، وحركة إعادة للبناء الوطني وتعزيز للوحدة الوطنية.
    2- وان العناصر العسكرية التى شاركت في التخطيط والتنفيذ، لم تكن ولن تظل مجرد أدوات فنية، وإنما هي جزء أصيل في الحركة الإسلامية من حيث التزامها الفكري والتنظيمي، وأنها لم تفعل ما فعلت إلا بوحي من ذلك الالتزام، وأنها، بالتالي، شريكة أصيلة في الأمر وليست مجرد أمينة عليه.
    3- وأنه، وتأسيساً على ما سبق، فإن العنصر العسكري في الإنقاذ ليس عنصراً قابلاً للإزاحة التامة- وذلك بحكم المنطلق الفكري والواقع الماثل، وأن على الحركة الإسلامية وعلى أمينها العام أن يندرجا في السياق الوطني العام الذي يشارك فيه السابقون في التنظيم وفي الإنقاذ، لا فرق بين عسكري ومدني أو جبهوي وإنقاذي إلا بالقدرة على العطاء والتجرد للمصلحة الوطنية العامة.
    «3»
    لقد ذهب غيرنا من المحللين إلى تشبيه الخلاف بين البشير والترابي بالخلاف الذي وقع بين الضباط البعثيين في سوريا في أواسط الستينيات، ومع علمنا بالفروقات الكبيرة بين تجربة حزب البعث السوري وتجربة الإسلاميين في السودان، إلا أن هناك مجالاً للمقارنة والتدبر، خاصةً في ما يتعلق بمفهوم التوظيف المؤقت للرتبة العسكرية العليا والإزاحة المتدرجة لها. فقد كان الضباط البعثيون الأساسيون الذين استولوا على السلطة في سوريا عام 1963 من ذوي الرتب الصغيرة، وينتمون علاوة على ذلك إلى الطائفة العلوية التي لا تشكل إلا أقلية صغيرة بين السوريين الذين ينتمون إلى أهل السنة، فاضطر أولئك الضباط للبحث عمن ينتمي لأهل السنة، فعثروا على العقيد أمين الحافظ الذي كان يعمل آنذاك ملحقاً عسكرياً في الأرجنتين، وهو من أبناء حلب، فضموه إليهم وزيراً للداخلية ثم رئيساً للمجلس الوطني للقيادة الثورية، واستطاعوا عن طريقه أن يقضوا على الوجود الناصري في الجيش والدولة. ولكنهم حينما وصلوا مرحلة «الإزاحة» فوجئوا بأن العقيد أمين الحافظ قد تطور كثيراً من حيث الرؤية السياسية والقدرة العسكرية، وأن إزاحته عن السلطة لم تعد أمراً ميسوراً، بل أنها قد تؤدي إلى إسقاط النظام برمته، وقد استطاع أمين الحافظ بالفعل أن يفجر الصراع داخل حزب البعث عسكرياً ومدنياً لمدة ثلاثة أعوام «من مارس 1963 الى فبراير1966م» حيث تمت هزيمته وانتهى به الأمر لاجئا فى العراق.
    فإذا شئنا المقارنة بين حالة العقيد أمين الحافظ والفريق عمر البشير، فسنرى بوضوح أن الرتبة العسكرية العليا قد لعبت دوراً مهماً في الحالتين- فمثلما كان صغار الضباط البعثيين العلويين يبحثون عن رتبة عليا يسهل من خلالها التحرك في القوات المسلحة فاستقطبوا العقيد أمين الحافظ لذلك الغرض، فكذلك كان الضباط الإسلاميون في السودان يبحثون عن رتبة عليا فعثروا على العقيد البشير «واعتبروه هبة من السماء، كما ورد في عبارة قديمة للدكتور الترابي»، وكما كان البعثيون يريدون من العقيد أمين الحافظ أن ينجز لهم بعض المهام الكبرى، وقد فعل، فقد كان الإسلاميون أيضاً يرجون من البشير أن يفعل مثل ذلك في مراحل التأمين الأولى، وقد فعل، وكما كان البعثيون يخططون للتخلص من العقيد أيمن الحافظ بطريقة متدرجة، فقد كان الإسلاميون في السودان يفكرون في الاتجاه ذاته.
    ولكن برغم كل هذا التشابه تظل الفروق بين التجربتين قائمة، ولعل أبرز هذه الفروق هي أن الفريق البشير لم يكن مستقطباً للحركة الإسلامية «كحالة أمين الحافظ مع حزب البعث» وإنما كان عضواً فيها «على أرجح الروايات»، فإذا كان يتوجب على أمين الحافظ أن يخترق حاجزي الطائفة العلوية والأيديولوجية البعثية ليتمكن من إحداث ثغرة صغيرة في الحزب يضع عليها قدمه، فإن الفريق البشير لم يجد نفسه محتاجاً لمثل ذلك الاختراق، لأنه لم يواجه طائفية أو أيديولوجية تحول بينه وبين عضوية الحركة الإسلامية، كما لم يكن يوجد «تنظيم» فاعل يتحكم فى عملية الصعود الى قيادة الحركة.
    فهل فات على الدكتور الترابي أن يدرك هذا، وأن يدرك الطبيعة الديناميكية للفعل السياسي، فلم يقدر أن التحركات السياسية والعسكرية والدبلوماسية المكثفة التي كانت تقوم بها المجموعة العسكرية من قتال مباشر في جنوب البلاد إلى مفاوضات وحوارات سياسية على المستوى المحلي والإقليمي، ألم يقدر أن مثل تلك التحركات المتواصلة لمدة تزيد على ثلاثة أعوام كافية لأن تشكل لديها تصورات مغايرة وأطراً من العلاقات الجديدة، وأن تنمي قدراتها في التواصل مع الآخرين واستقطابهم لخلق قاعدة اجتماعية جديدة ترتكز عليها. أم هل غلبت على الدكتور الترابي العقلية القانونية، فأخذ يعول على المواثيق والعهود التي قطعها مع العسكريين معرضاً عن رؤية التجارب التاريخية القريبة، والتحولات الفكرية والاجتماعية التي لا تنقطع، أم غلب عليه التقدير الزائد لنفسه ولقدراته فأدى به ذلك للتقدير الخاطىء للآخرين؟
    «4»
    ولكن كيفما كان الترابي ينظر للأمر، فمن المؤكد أن هناك ضغوطاً نفسية خاصة كانت تحيط به هى التى حولت الاختلاف بينه وبين الآخرين من إطار النزاع الداخلى إلى إطار الأزمة المدمرة، كما أن هناك عوامل إضافية أدت لتعزيز النفسية النزاعية ولتصعيد النزاع حتى أوصلته حافة المواجهة. وغني عن القول أنه لم تكن توجد ضغوط نفسية أكثر مرارة وإيلاما من حادثة الاعتداء على حياته فى كندا. لقد ذهب الترابى فى زيارة خاصة للولايات المتحدة على أمل أن يجرى حوارا مع بعض أعضاء الكونجرس الأميركى ومع بعض الشخصيات الأكاديمية ذات التأثير فى السياسة الأميركية، وأن يقنعهم ببعض أطروحاته أو يبدد الشكوك حولها. لم تُرتب تلك الزيارة من قبل الحكومة السودانية، فقد كانت فى ظاهرها زيارة خاصة، ولكن سياق الأحداث يشير الى أن الترابى قد خرج «مغاضبا»، ولعله كان يريد أن يؤكد للمناوئين له فى الحكومة أنهم لن يستطيعوا أن يفتحوا قنوات للحوار مع الغرب إلا من خلاله، وأنه ليس مجرد سياسى محلى وانما هو سياسى/مفكر «عالمى». وقد استطاع بالفعل أن يقدم شرحا وافيا لتوجهات الحكومة، كما أستطاع أن يدافع دفاعا قويا ليس فقط عن الحركة الإسلامية فى السودان، وانما عن الحركات الإسلامية جميعا، حتى وصفه بعض المعلقين بأنه «لسان حال الصحوة الإسلامية». ولكن الترابى كان كعادته متفائلا ومبالغا فى الثقة بقدراته الفكرية والخطابية دون أن يقدر تقديرا كافيا حقول الألغام التى كانت تنتظره، اذ قوبل حيثما ذهب بحملة إعلامية وسياسية منظمة شاركت فيها بقوة كل من المعارضة السودانية ومنظمات حقوق الإنسان والمنظمات الكنسية المتطرفة، ثم ختمت تلك الحملة بالاعتداء المباشر عليه فدخل فى غيبوبة لم ينجُ من آثارها إلا بعد مدة من الزمن. شكلت هذه الفترة المرضية حالة من الانقطاع بينه وبين مجلس القيادة، واكتشف حينما عاد له الوعى أن مياها كثيرة قد جرت فى النهر، وأن أمورا صارت تحجب عنه، وأخرى تبرم على غير مشورته، بحجة أن «الشيخ» قد ضعفت ذاكرته وكثر حديثه. أى يمكننا أن نقول بعبارة أخرى أن ما كان رأيا مخالفا لرأى الترابى فى المجلس القيادى قد صار «رؤية»، وأن زمام الأمور قد بدأ يتحول من الترابى الى غيره. فصار «الشيخ» يرى ذلك ويقول لنفسه: أبعد كل ما قام به من التغطية السياسية والأيديولوجية للنظام، وما تحمل من انتقاد وتجريح واعتداء مباشر كاد أن يودى بحياته وهو يدافع عن حكومة الانقاذ ويناضل فى سبيل تثبيت أركانها، أبعد كل هذا تكون النتيجة أن تحدد تحركاته وأن تراغب تصريحاته؟ لقد بدأ له كأنه قد ظلم مرتين: مرة من المعارضة الخارجية التى لم تتفهم أطروحاته المعتدلة، فتظل تتهمه بالأصولية وتحاسبه بكل سيئاتها فى كل العالم الاسلامى، ومرة ثانية من قبل «تلاميذه» الذين جاء بهم الى الحكم فصاروا يتنكرون له ويتشككون فى قدراته ويرصدون تحركاته. ويظهر أنه فى مثل هذا المناخ النفسى الكئيب أخذ عدد آخر من تلاميذه «الأوفياء» ممن تخطتهم التعيينات الوزارية، أو أخرجتهم الموازنات السياسية يعودون للتمحور حوله ويوحون له بأن مرحلة «الإمام العالم» قد أطلت، وأنه لا أحد غير «صاحب المشروع» يستطيع أن يقود «دولة المشروع». هذه المجموعة، نستطيع أن نزعم، هى التى ساعدت من خلال المناجاة أن ترفع التوتر والتوجس الى مستوى فقدان الثقة والعداء الكامل بين الطرفين. ومن هنا فصاعدا يمكننا أن نلاحظ بروز أطراف جديدة، وجماعات وظيفية بدأت تتشكل وتدخل حلبة الصراع. ولعل أول تلك الأطراف هى «البطانة» الجديدة التى بدأت تلازم الأمين العام وتضرب حوله سياجا سميكا، فلا يرى ولا يسمع الا من خلالهم، ولا يستطيع أحد من أمثالنا أن يصل له أو يتحدث معه الا من خلالهم أوفى حضورهم. أما فى الجهة المقابلة فقد ظهرت أيضا «بطانة» أخرى أشد سمكا، فصارت تطوق الرئيس وتتقوى به وتتحدث باسمه أحيانا، وتتخذ لها موقعا فى قيادة الحركة الإسلامية وفى قيادة الدولة. ولن يستطيع أحد من أمثالنا بالطبع أن يتحدث مع الرئيس الا من خلالهم أو فى حضرتهم. وسنلاحظ من الآن فصاعدا أن هذه «الأطراف الجديدة المصنعة» والجماعات الوظيفية المساندة لها ستتولى أدوارا متعاظمة ليس فقط فى اعادة انتاج النزاع، وانما فى قيادة الحركة الإسلامية والدولة، وأن أدوار الشخصيات الأساسية التى فجرت النزاع ستتقلص. وغني عن القول أن مثل هذه الأطراف الجديدة لن تكون مهتمة بالفكر الإسلامى أو الشورى القاعدية أو العدل الاجتماعى مثل اهتمامها باستعادة السلطة المسلوبة، أو تثبيت السلطة المغتصبة. وسيستمر الصراع المحموم بين الطرفين، وستظهر آثاره المدمرة (غرباً) و(شرقاً).
    نواصل السبت القادم

                  

11-21-2006, 04:20 AM

Mohamed Elgadi

تاريخ التسجيل: 08-16-2004
مجموع المشاركات: 2861

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
MLK vs. Turabi? (Re: الكيك)

    In a question to almahboub Abdelsalam:
    Quote:
    الحركة الاسلامية طرحت لنفسها متجاوزة اليسار بتقدميته وتجاوت واليمين بتقليديته وقدمت لذلك حسن الترابي، هل تعتقد اننا امام (بروتستانتية اسلامية) يلعب الترابي فيها دور مارتن لوثر؟
    الي حد كبير هذا صحيح


    I wonder what is the similarity between these two leaders? one was calling for equality and justice, and the other is calling for oppressing his opponents by justificating torture...

    mohamed elgadi
                  

11-22-2006, 04:02 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: MLK vs. Turabi? (Re: Mohamed Elgadi)


    الصحافة 22/11/2006

    قراءة هادئة فى مقالات د . التجانى عبدالقادر
    محمد الأمين خليفة
    (1)
    لفت نظرى الاخ محمد الامين محمد عثمان من لندن
    الى سلسلة مقالات كتبها الاخ د. التجانى عبدالقادر بجريدة الصحافة السودانية، وكفانى عبء البحث عنها بارسالها لى عبر البريد الإلكترونى. لا أخفى اعجابى بكتابات الاخ د. التجانى وتحليلاته المتعمقة فهو - فيما احسب- مفكر اسلامى وباحث اثرى المكتبة السودانية بكتب قيمة صارت مراجع للمنشغلين بالعلوم السياسية والفكر الاسلامى. سودانى اصيل تركت مياه الرهود والآبار اثرا فى اسنانه ترى مشكلة اقليم كردفان من خلالها اذا تبسم. تعرفت عليه عن قرب ابان سنين الانقاذ الاولى والتى شارك فيها بفكره الثاقب وعلمه الغزير فى مؤتمرات الحوار ولجانها، كان عضوا بالمجلس الوطنى الانتقالى سافرنا معا نمثل شعبة السودان فى اتحاد البرلمانات العربية والافريقية والدولية. زاهد اغبر ولعل زهده هذا فسح مجالا واسعا للراكضين صوب السلطة فاختصموا فيها فترك السودان ميمما وجهه شرقا وغربا مهاجرا فى ارض الله الواسعة.
    اثارت انتباهى بداية مقالاته الثلاثة التى بدأها بالعنوان ( العسكريون الإسلاميون أمناء على السلطة ام شركاء فيها؟) وختمها بـ ( العسكريون الاسلاميون شركاء فى السلطة ام مالكون لها؟)، فبداية العنوان ليس كخاتمته فى المعنى وهو يعنى ما يقول. لا اريد ان اعلق على تفاصيل اطروحته التى تستحق الوقوف عندها مليا فقد عكس فى بعض متنه مرآة صادقة، لكنى اتوقف واعلق على بعض تحليلاته المقنعة للذى لم يساير الاحداث كلها منذ نشأتها الاولى مرورا بعهد التغابن وانتهاء بالسقوط المدوى الذى تأذى منه الجميع. فهنالك بعض المعلومات الواردة ما يشبه التناقض وهناك بعض التحليلات ما يشبه التضارب ما بين تناول التحليل النظرى وبين ما جرى على ارض الواقع، بل هناك حقائق تاريخية مهمة اذا دونت خطأ تؤثر سلبا على مسيرة الحياة السياسية ان لم تصحح فى حينها. وهذا ما استشعرنى ان اقول ما اعلم وان ادلو فيما اقدر للحقيقة والتاريخ واقبر البعض منها بين الحنايا الى وقت معلوم فالبوح بها الان ضرره اكبر من نفعه.
    اقول بداية ان التغيير الذى جرى فى صبيحة الثلاثين من يونيو 1989 لم يكن مجرد اجراء فنى محدود املته الضرورات الامنية السياسية التى كانت تحيط بالسودان بل هو مشروع كبير فى اذهان الرجال ظل ينمو ويتقلب فى رحم الغيب حتى جاءه المخاض فى الوقت المعلوم فليس المولود يولد بسبب آلآم الطلق بل بسبب اكتمال النمو وما المخاض والطلق الا عرض وارهاص لذاك الحدث.
    لم يكن دور العناصر العسكرية الاسلامية ( وأنا واحد منهم ) وظيفيا اى دور اداتى بل هم مثل غيرهم من المدنيين بشتى وظائفهم ومهنهم من معلمين واطباء ومهندسين ومحامين وعمال وتجار، لذلك كانت ليلة التنفيذ لم تكن قاصرة على العسكريين فحسب وهذا دليل يدحض ذلك التصور. ايضا لم يكن دور العناصر المدنية فى البداية من اجل دحرجة العسكريين الى خارج السلطة لتهيئة المناخ لقادمين جدد بل كانت الفلسفة هى التحول الرفيق من الشرعية الثورية التى ظهرت بها الانقاذ بادىء الامر الى شرعية دستورية بتدرج لاكتساب السلطة الطابع المدنى شأن غالب الانقلابات والثورات التى تحمل اسسا ومفاهيم دستورية والتى تريد ان ترد السلطة الى مصدرها ( الشعب ) لا الاستئثار بها وحفظها واحتكارها وهذا ما افسد الفكرة والغي الفلسفة التى من اجلها قامت الثورة ولا نلقى باللائمة على العسكريين الاسلاميين فحسب بل الباحث المدقق الامين يشير باصبع الاتهام الى المدنيين الذين استحوذ عليهم الطابع الامنى.
    يمضى الاخ د. التجانى عبدالقادر فى تحليلاته ان ذلك التصور كان واضحا للامين العام د. الترابى منذ اللحظة الاولى ولكنه لم يكن واضحا ( للفريق البشير ) الا بعد فترة من الزمن وهذا التحليل يناقض سرده للتاريخ الذى يقول فيه ان اعضاء المجموعة العسكرية قد ادوا قسم الولاء والعهد بالتزام خطة الحركة وقرارها ورعاية امانتها فى تولى السلطة فالسرد التاريخى لقسم الولاء والعهد صحيح ويجب على كل باحث ان يمعن النظر فى بنود العهد وصيغة القسم ثم يحكم ، فالامر لا يحتاج الى تحليل أو تأويل.
    جاء فى تحليل د. التجانى ان مرحلة مابعد العام الثالث للتمكين تتخلى المجموعة العسكرية عن السلطة لتحل محلها قيادة الحركة الاسلامية ويكون الامين العام للحركة رئيسا للدولة .. ان هذا الزعم وجد رواجا عند الذين تستبد بهم شهوة السلطة . ويظنون كل الظن ان ما من احد الا وقلبه معلق بها . اذكر عندما كنا مجموعة من العسكريين نتلقى دورة دراسية لنيل دبلوم الدعوة والعلوم الاسلامية بجامعة افريقيا فى اواسط الثمانينات كان استاذ الفلسفة د. مالك بدرى _ رد الله غربته _ يشرح لنا نفسية السارق قائلا ( ان السارق ليسرق لانه يظن ان كل انسان اذا انتهزت له نهزة او لاحت له فرصة للسرقة سوف يسرق ) واضيف من عندى على ذات القياس ما من سلطوى الا ويظن ان اى انسان يشتغل بالسياسة تحركه نزوة السلطة ، وهذا مما يجعل رجال امن السلطة يجدون آذانا صاغية لاقوالهم وقلوبا واعية لتقاريرهم لدى السلطان. وتشيع فى وسطهم ثقافة الاعتقال والاغتيال . ان خطة التمكين لم تكن سرا بين الخاصة بل هى برنامج مفصل بمواقيت معلومة وعندما جاء الوقت المعلوم رفضت تلك المجموعة ذلك البرنامج فى مؤتمر مشهود بالعيلفون وهدد د. الترابى بالاستقالة من الامانة العامة للمؤتمر الوطنى ان لم تفسح الحريات ويوضع الدستور المدنى كله وخضع الامر للتصويت وفاز البرنامج بأغلبية بسيطة ولكن الدهر لا يبقى على حدثانه التقت ذات المجموعة والغت البرنامج فعلا لا قولا وفى ظنى كان ذلك بداية انهيار المشروع.
    (2)
    جاء فى المقال الثانى للاخ د. التجانى يقول إن هنالك ثلاثة متغيرات فى السياسة عززت موقف اصحاب الرؤية المعاكسة لرؤية الامين العام د. الترابى الاولى وهى موقف حكومة السودان من احتلال العراق للكويت عام 1990 وما لحق ذلك من تأسيس للمؤتمر الشعبى العربى والاسلامى حيث صار د. الترابى امينا عاما له مشكلا بؤرة اصولية لمعارضة المواقف السياسية الامريكية ولمواقف حلفائها بالمنطقة.
    ويمضى فى تحليلاته ويقول عن المتغير الثانى هو حادث الاعتداء الذى تعرض له د. الترابى فى كندا 1992 وما لحقه من صخب اعلامى سلط الاضواء على الاوضاع الداخلية فى السودان والى اثارة مسائل حقوق الانسان واتخاذها وسيلة اضافية للضغط على حكومة السودان والاشتداد فى حصارها باعتبارها حكومة اصولية متشددة. والمتغير الثالث هو اشتداد الحرب فى جنوب البلاد واستيلاء حركة التمرد على عدد من المواقع مستفيدة من مناخ العداوة الغربية للأصولية الإسلامية.
    أولا: نقول فى المتغير الاول قد انطلت الدعاية الامريكية الاعلامية على الناس فلم يكن موقف السودان مخزيا للكويت ولم يعترف السودان بسيادة العراق على الكويت ولم يؤيد الغزو بل كان موقفه مثل موقف الاردن واليمن وليبيا الذين ينكرون الغزو وينادون بالحل داخل البيت العربى دون تدخل خارجى ولكن البوق الاعلامى ظل صاخبا يردد ان هؤلاء(دول الضد) فجاء الغزو الغربى معززا بالحقد الاسرائيلى المدمر للكويت والعراق معا من اجل افساح المجال لشركاتهم الكبرى بامتلاك حقوق الامتياز لاعادة البناء والتعمير ولنهب الثروات ، وكان الجندى الامريكى يتقاضى مبلغ ثلاثة آلاف دولار فى اليوم وقد خصص ريع آبار للنفط مقابل تغطية نفقات التحرير. اما ما جاء من تأسيس المؤتمر الشعبى العربى والاسلامى على اثر ذلك حيث صار د. الترابى امينا عاما له. فقد تأسس المؤتمر الشعبى العربى والاسلامى لمناصرة قضية فلسطين وهى قضية اصولية وواجب دينى ووطنى واخلاقى ينبغى على كل عربى مسلم وحر ان ينصرها ويناصرها ولم يسع د . الترابي بان يكون امينه العام وقد كنت حاضرا لجاسته الافتتاحية بقاعة الصداقة بالخرطوم وكان من رأى د. الترابى وآخرين ان يكون الاستاذ مهدى ابراهيم هو مرشح السودان لذلك المنصب ولكن الراحل ياسر عرفات هو الذى قام بترشيح د. الترابى ووجد ترشيحه قبولا وارتياحا عاما من المؤتمرين.
    كما ان الاعتداءعلى د. الترابى بكندا لم يكن سببه سوء الاوضاع الداخلية ومسائل حقوق الانسان بل كان د. الترابى ضحية لتآمر مثل التآمر الذى حاق بالرئيس المصرى حسنى مبارك وستكشف الايام القادمة صدق الحدث الحى بالنفوس. اما السرد التاريخى الذى يصفه د . التجانى متغيرا ثالثا باشتداد الحرب فى جنوب البلاد واستيلاء حركة التمرد على عدد من المواقع مستفيدة من مناخ العداوة الغربية للاصولية فان حركة التمرد فى ذلك الوقت من التاريخ بدأت تفقد الموقع تلو الآخر مما ساعدنا كثيرا ونحن على طاولة المفاوضات عام 1992، 1993 بالعاصمة النيجيرية أبوجا ، وعام 1994 - 1995 بالعاصمة الكينية نيروبى ابان جولات الايقاد .
    وفى سرد الاخ د. التجانى للاحداث يقول احدثت هذه المتغيرات مجتمعة ضغطا نفسيا كبيراعلى اعضاء القيادة من المدنيين والعسكريين فلما ووجهوا بالخطة الرامية لحل المجلس العسكرى واحلال القيادة التنظيمية مكانه صار بعضهم خاصة العسكريين منهم ينظرون للامر كانه مقامرة كبيرة اذ كيف يحل المجلس العسكرى ويتخلى البشير عن رتبته العسكرية اما المدنيون فصار بعضهم يتعجب من فكرة ان يصير د. الترابى رئيسا للجمهورية فى اكثر الأوقات معارضة له على المستوى الإقليمى والدولى ... هذا التصور او التحليل يناقض بداية الاطروحة التى تفصل بين العسكريين والمدنيين فكيف يرفض المدنيون قيادة الترابى ( المدنى ) ويناصرون الفريق البشير( العسكرى ) الامر ليس فى التقسيم بين عسكرى ومدنى بل هى مجموعة تشابهت قلوبهم . اما تخلى العسكريين عن البزة العسكرية فليس بدعا فى الثورات وان الرتبة العسكرية لا تضيف شيئا لصاحب السلطة السياسية العليا لكن هذا لسان حال السلطويين ولسان مقالهم . وختام رسالته الثانية يقول د. التجانى ان هنالك جماعات وظيفية بدأت تتشكل وتدخل حلبة الصراع ولعل اول تلك الاطراف هى البطانة الجديدة التى بدأت تلازم الامين العام د. الترابى وتضرب حوله سياجا سميكا فلا يرى ولا يسمع إلا من خلالهم أو فى حضورهم .
    عجبت لهذه المقولة تخرج من الاخ د. التجانى الذى اعرفه كما اعرف د. الترابى.و ليس دفاعا عن د. الترابى لكن ما يميزه عن رموزآخرين انه ليست له بطانة او جماعات وظيفية تحجبه عن الآخرين بل ظل باب داره مفتوحا وباب مكتبه على مصراعيه لكل من هب له أو دب إليه ،حتى نحن احيانا لا نجد متسعا من الوقت معه بسبب انفاقه للوقت مع عامة الناس ناهيك عن خاصتهم أمثال د. التجانى عبدالقادر .
    (3)
    اختتم الاخ د. التجانى مقالاته الثلاث بمقارنة بين
    مسيرة الحركة الاسلامية السودانية وبين حركات سياسية اخرى فى المحيط العربى والافريقى واورد امثلة بالحالة الجزائرية كيف انقلبت من حرب تحرير الى حرب اهلية ثم ابرمت صلحا مع فرنسا معززا بالحالة الفلسطينية التى تتحول احيانا الى نزاعات داخلية ثم ابرمت صلحا مع العدو التقليدى الاسرائيلى ويريد ان يوظف هذه الظاهره على الحالة السودانية فى حرب الجنوب وما آلت اليه من ابرام اتفاقية فيمضى ويقول هل يمكننا ان نتقدم خطوة اخرى فى هذا الاتجاه فنقول كما ان حروب التحرير الجزائرية والفلسطينية قد ولدت عاطفة دينية وتضامنا وطنيا اعقبته حروب داخلية ثم تصالح مع العدو الاستراتيجى السابق، فإن حرب الجنوب قد ولدت مثل تلك العاطفة واوجدت مثل ذلك التضامن وانها اتساقا لما سبق ستولد او هى قد استولدت بالفعل حروبا داخل الحركة الاسلامية.
    مع تقديرى للاخ د. التحانى فى طرحه هذا الا ان منطلقات الحركة الاسلاميه ليست كبواعث ومنطلقات حركة التحرير الجزائرية او حركة التحرير الفلسطينية او الحركة الشعبية لتحرير السودان وان تماهت معها فى بعض الوسائل . ان كان د . التجانى يقصد الانقاذ التى تخلت عن مشروعيتها وانشغلت بثوابت اخرى فإن العاقبة صنو السابقة والحتمية التاريخية ماضية اما الحركة الاسلامية سودانية كانت ام جزائرية ام فلسطينية فهى تقوم على قيم الاسلام ومثله ومبادئه السامية وهى لم تولد بسبب عاطفة وتولدت بسبب حرب اهليه ولم يجر عليها ذلك المثال، قد يتغير الناس ويترنحون بين الكفر والايمان ولكن القيم والمبادىء باقية لمن يشاء ان يتدثر بها.
    ويخلص د. التجانى وينظر الى مآلآت مستقبل الحكم فى السودان من خلال مسارات ثلاثة، المسار الاول ان تتم دحرجة من تبقى من قيادات الحركة الاسلامية القديمة خارج السلطة كما دحرج العسكريون او كما اخرج د .الترابى ، والمسار الثانى ان تبقى الدولة على بعض عناصر الحركة الاسلامية لكنها تذهب - اى الدولة - فى تأليف واصطناع موالين جدد والمسار الثالث الذى وصفه بالاصعب ان تبقى الحركة الاسلامية والدولة معا ويتطلب هذا فك ارتباط واعادة تسجيل. وقفت مليا اتأمل هذه المسارات التى صورها الاخ د. التجانى ولم ار مسارا واحدا من المسارات يخرج السودان من المحنة التى ألمت به بسبب تصرفات الحركة الاسلامية فالمسار الاول هو تمادى فى الباطل وعدم الرجوع للحق. والمسار الثانى فهو بضاعة مزجاه رغب عنها الناس وكفى السودان حقلا للتجارب الفاشلة، اما المسار الثالث والذى وصفه بالاصعب فى بقاء الحركة الاسلامية والدولة معا شريطة فك الارتباط واعادة التسجيل يصور د . التجانى كأن الدولة ملك للحركة الاسلامية دون الآخرين ان كان يقصد ان تبقى القيم والمبادىء والاخلاق فهذا اقرب فان الامم الاخلاق ما بقيت اما الحركة الاسلامية التى تخلت عن ردائها وازارها والدولة التى فقدت هويتها فبقاؤهما معا هو رم للجرح على فساد .
    رغم القيمة الثقافية والتحليل العلمى لمقالات الدكتور التجانى الا ان هنالك مثالب ثلاثة بدت ظاهرة على اطروحته ، اولا اعطاء الطابع الشخصى للقضية وانى لاربأ به ولعالم مثله ان يقف عند الاشخاص دون ان ينفذ الى القضايا ، ثانيا اعتقد فى تحليله ان القضية بين عسكريين ومدنيين وهذا تحليل ليس دقيقا ، ثالثا اعتمد فى رواياته السمع من جانب وا حد و دون اختبار المصدر.
    أخيرا أسجى الشكر للأخ د . التجانى فقد حرك فينا الشجون وشحذ الأذهان وألقى بحجر على بركة ان لم تتحرك تتأسن .


                  

11-22-2006, 05:33 AM

Nasser Mousa

تاريخ التسجيل: 02-21-2005
مجموع المشاركات: 1378

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: MLK vs. Turabi? (Re: الكيك)

    نقل جيد لمقالات تستحق القراءة

    شمرا لك اخي على هذا البوست الرائع

    ودي واحترامي
    ناصر موسى
                  

11-26-2006, 02:50 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: MLK vs. Turabi? (Re: Nasser Mousa)


    السودانى

    العدد رقم: 377 2006-11-25

    حديث المدينة
    حالة تضليل..!!

    عثمان ميرغني
    كُتب في: 2006-11-25 بريد إلكتروني: [email protected]



    *قرأت لأستاذنا الجليل صادق عبد الله عبد الماجد أمس مقالا نقله بالكامل - ربما لاقتناعه بما جاء فيه - عن الأستاذ محمد حسن طنون.. يعقد فيه الأخير مقارنة بين زيارة الشهيد سيد قطب إلى أمريكا (في بداية الخمسينيات).. وزيارة كاتب هذه السطور إلى أمريكا.. ويصل كاتب المقال إلى الخلاصة النهائية في آخر المقال فيقول بالحرف (رجلان ذهبا إلى أمريكا.. أحدهما عاد مؤمنا بأن الإسلام منهج حياة.. والآخر عاد مبشرا بأن أمريكا منهج حياة.. ولله في خلقه شؤون).
    *الإسلام منهج حياة؟ نعم ما في ذلك شك قط.. لكن السؤال الذي أتمنى من الشيخين الجليلين الإجابة عليه: هل الإسلام أم (المسلمون!!) منهج الحياة؟.
    *الإسلام ليس مجرد علامة تجارية توضع في جبين أصحاب الملكية الفكرية لما يسمى بالدول الإسلامية.. بل هو منهج محدد بمواصفات ومقاييس راشدة.. لا يمكن أبدا أن ينتسب إليها أحد ما لم يحققها عمليا.. إذن.. فلنجرِ اختبارا جادا لنعرف أيهما أقرب إلى الإسلام.. شرقنا العربي والإسلامي.. بما فيه المشروع الحضاري الإسلامي في السودان.. أم الغرب وكل منظومة الكفر!!
    *لنبدأ الاختبار.. في دارفور شعب كامل تهدر حقوقه ويقتل ويشرد وتنتهك أعراضه.. هل قرأتم أو سمعتم عن قلق شرقنا الإسلامي على ما يجري في دارفور؟؟ شيوخ الإسلام الذين ترونهم في شاشات التلفاز، والذين يزورون حكومتنا هنا ويباركون نموذجنا الإسلامي.. هل رأيتموهم في السودان أبعد من دائرة قطرها ثلاثة كيلومترات مركزها فندق هيلتون في الخرطوم؟؟ هل رأيتموهم يزورون دارفور وينصحون الطرفين حكومة ومتمردين أن هؤلاء شعب مسلم دمه وماله وعرضه حرام؟؟..
    *دارفور التي فيها من حفظة القرآن أكثر من جميع حفظة القرآن في الدول العربية.. تغتسل كل صباح بالدم والدموع والقهر.. وشيوخ (الإسلام!) يهرعون إلى الخرطوم لعقد مصالحة بين البشير والترابي في عز الأزمة.. ويقيمون الليل إسراء بين المنشية والقصر.. ولا أحد يذكر دارفور ولو بشق كلمة..
    *كم عدد وزراء خارجية الدول الإسلامية الذين هبوا بقلق وجاءوا لزيارة دارفور؟؟ سيقال إن كل وزراء الغرب زاروا دارفور لإحكام المؤامرة على السودان.. وإن كل وزراء الدول الإسلامية لم يروا دارفور ولم يحدثوا أنفسهم بزيارتها.. ولا يصدرون مجرد بيان صحفي لاستنكار أو مواساة أهلها.. لأنهم لا يريدون مساعدة الغرب في مؤامرته ضد السودان.. بالله أين الإسلام؟؟ في الغرب أم الشرق؟؟
    *هناك مؤامرة حقيقية من الغرب الكافر ضد دولنا المسلمة الطاهرة.. ليس في ذلك شك.. مؤامرة أن يطبق الغرب - سرا - الإسلام.. وأن نتحدث نحن - علنا - عن الإسلام..
    *استاذنا صادق عبد الله عبد الماجد.. أنتم.. الإخوان المسلمون شركاء في الحكومة منذ أكثر من خمس سنوات.. أسألك بالله: هل الذي تطبقونه له علاقة بالإسلام.. غير الاسم.. ولافتة وزارة الإرشاد؟؟
    *هل يحرم الإسلام حرية التعبير؟؟ هل يمنع الإسلام خروج مظاهرة سلمية للتعبير عن رأي بشكل جماعي؟؟ هل يحلل الإسلام استخدام مال الشعب لتمويل حزب رغم القسم الدستوري المغلظ بحماية القانون والدستور؟
    *أسألك بالله: هل لو عاش سيد قطب في أمريكا ونشر كل كتبه التي كانت سبب قتله.. هل كان سيذهب إلى المشنقة بسبب رأيه؟؟
    *من الذي قتل سيد قطب؟ المسلمون في بلاد الإسلام؟؟.. أم الكفرة في بلاد الأمريكان؟








                  

11-26-2006, 03:19 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: MLK vs. Turabi? (Re: الكيك)


    الصحافة 26/11/2006
    أخواننا الصغار
    ومشاريعهم التوسعية الكبرى«1ـ2»
    د.التجاني عبد القادر
    «1»
    أشرت فى مقال سابق لارهاصات تحول إستراتيجى وقع فى مسار الحركة الإسلامية، فذكرت أن ذلك التحول قد يتبلور فى اتجاه تحالف ثلاثى بين «القبيلة» و«السوق» و«الأمن»، وألمحت لاحتمال أن «تبتلع» القبيلة تنظيمنا الإسلامى الحديث، كأن يتلاشى فى أنساق من التحالفات و الترتيبات والموازنات التى تتلاقى فيها المصلحة الإقتصادية، والإنتماء القبلى، وتحرسهما شبكة من الكوادر والتدابير الأمنية. اذ أنه بدلا من أن يضعف التنظيم الاسلامى الولاءات القبلية أو ينجح فى ادراجها فى الولاء الاسلامى العام فقد تتكاثر بعض العناصر القبلية داخل تنظيمنا الإسلامى وتستخدمه «مستقوية بالأجهزة الأمنية» لمصالحها الجهوية والعرقية. وأريد فى هذا المقال أن أتوسع قليلا فى بعض تفاصيل ذلك التحول الذى ظهر فى صورة معادلة مختلة بين التنظيم والأجهزة الأمنية التى أنشاها لرصد تحركات الأعداء وجمع المعلومات عن النشاط المعادى لحركة الإسلام.
    لقد كانت الرؤية الأساسية لوظيفة التنظيم هي أن يسد الفجوة بين المثال الاسلامى والواقع من جهة، وبين الدولة والمجتمع من جهة أخرى، أى أن يكون مساحة يستولد فيها برنامج اسلامى وطنى تنموى يقوم على الطوع والتراضى. ولكن قلبت هذه الرؤية رأسا على عقب حينما استولى الإسلاميون على جهاز الدولة فى منتصف عام 1989، اذ ما أن أزيحت حكومة الأحزاب وحلت مكانها حكومة الإنقاذ الا وقد أزيح كذلك التنظيم، فصار من الطبيعى والحالة هذه أن لا يتم الاتصال فى كثير من الأحيان بين حكومة الإنقاذ و فئات المجتمع الا من خلال أجهزة الأمن، وصارت الملفات السياسية والعسكرية والاقتصادية جميعها تتحول وبصورة منتظمة الى الأجهزة الأمنية، مما زاد التوتر بين الحكومة والمجتمع، وهذا خطأ وخطر في ذاته، ولكن الأخطر منه هو أن تلك الظاهرة قد قادت الى تلاشى الوجود المؤسسى للتنظيم الإسلامى، فأدى ذلك من جهة لتولد فجوة نفسية وسياسية بين قيادة التنظيم وقاعدته، كما أدى من جهة أخرى لتوتر وشقاق بين قيادة التنظيم وقيادة الحكومة.
    ان ظاهرة أن «يبتلع» تنظيم اسلامى من قبل الأجهزة التى أوجدها قد تبدو غريبة أول الأمر، اذ كيف تهيمن عناصر أمنية على تنظيم اسلامى يقوم أساسا على عقيدة في الدين تؤمن بحرية الانسان وكرامته، وكيف تهيمن عناصر فرعية ناشئة على تنظيم اسلامى عتيق ظل هو نفسه يعانى من وطاة اضطهاد ومطاردة الأجهزة الأمنية ردحا من الزمن. ان كثيرا من الإسلاميين وربما يأتى في مقدمتهم الأمين العام للحركة الإسلامية كانوا ينظرون باستهانة لأجهزة المعلومات ولا يتوقعون خطورة من جانبها، بل ويعتقدون أن بامكانهم السيطرة عليها بصورة مستمرة. وأذكر فى هذا الصدد حديثا دار بينى وبين الدكتور حسن الترابى على خلفية صدور كتاب للدكتور عبد الوهاب الأفندى «عام 1995» أشار فيه لبعض الممارسات الأمنية وانتقدها انتقادا شديدا فأثار حينها ضجة. سألت الدكتور الترابى عن رأيه فيما ورد في الكتاب فقال باقتضاب: ان الأفندى ينسب لهذه الأجهزة أدوارا أكبر مما هى عليه في الواقع، ثم التفت الى قائلا: ومن هى هذه الأجهزة؟ «مش هم أخواننا الصغار ديل؟»، وانقطع الحديث بيننا في ذلك الوقت ولكن سعى «أخواننا الصغار» في اتجاه الهيمنة والإبتلاع لم ينقطع، بل تنامت قدراتهم السياسية حتى استطاعوا أخيرا أن يلقوا بالشيخ الترابى وبتنظيمه في غياهب الجب. حينئذ فقط أدرك الأخير وهو في السجن، أى بعد أن وقع الفأس على أم الرأس، أن الأمر أخطر بكثير مما كان يتصور، فأخذ يدون في مذكراته كأنه يريد أن ينذر من خلفه من الإسلاميين الساذجين قائلا:
    « ولذلك، ينبغى أن تكون شعبة الإمارة العليا التى تحفظ الأمن وتبسط الشرطة وتضطر الى مد حبال الأمن الخفية عرضة للرقابة من الرأي العام وأنظومة الشورى ومضبوطة بالقضاء، أمرها كله بين للملأ تطمئن به الرعية الى أن أمنها محفوظ من مخاوف الشر والجريمة في ذات البين، وأن حد السلطة البين وتقوى الرعاة الذى حملوا أمانتها، يراعى الميزان القسط بين الحرية والخصوص لديهم والنظام الآمر الذى تقتضيه المصلحة العامة والسطوة النافذة التى تستدعها الضرورة لدى السلطان». «السياسة والحكم،ص342» .
    فالترابى في هذا النص الممعن في التستر والغموض يكاد يقول، من شدة ما ذاق من «أخوانه الصغار»، أن نشاط الأجهزة الأمنية في النظام الإسلامى ينبغى أن يعرض كله على أجهزة التلفاز، فيكون «عرضة للرقابة من الرأى العام، وأنظومة الشورى والقضاء» و هذا بالطبع يمثل قفزة هائلة الى الأمام لم يبلغها نظام اسلامى في السابق أو نظام ليبرالى في اللاحق. ولكن القفز الى الأمام لن يفيدنا في شىء، خاصة اذا كان ينطوى على قدر من اليوتوبيا التى تصرفنا عن رؤية الماضى المأساوى، وتصدنا عن تشخيص مكامن الداء. أما السؤال الذى ينبغى أن يطرح بالحاح ويجاب عليه بشجاعة واخلاص فهو: كيف استطاع «تنظيمنا الإسلامى الحديث» أن يستولد نظاما فرعيا «من أخواننا الصغار-كما في عبارة الترابى» أستطاع في فترة وجيزة نسبيا أن يتسلل الى مراكز القيادة والتوجيه، وأن يتمكن من اعادة تشكيل سائر القيم و النظم التى كان يرتكز عليها التنظيم الأم؟ وكيف نستطيع أن نخرج من مثل هذا «المأزق البنيوى» الذى أدخلنا فيه الأمين العام ثم خرج سالما ليؤسس حزبه الجديد؟
    «2»
    كنا نتوقع أن نجد في كتاب الأمين العام الذى تجاوز عدد صفحاته الخمسمائة اشارة الى نوع من الخطأ الذى وقعت فيه القيادة فيما يتعلق باستكشاف رؤية إسلامية للأمن وطرق ادارته، ولكن الكتاب هدف في مجمله لتأسيس قطيعة مع ماضى «الإنقاذ» وادانته ولكن دون مواجهة صريحة لذلك الماضى- خاصة ما يتعلق منه بممارسات الأجهزة الأمنية، لأن مواجهة الماضى تعنى في هذه الحالة مواجهة الذات ونقدها، وهذه هى العقبة التى لم يتيسر للامين العام حتى هذه اللحظة أن يتخطاها. فاذا خلا كتابه من أىة معلومة مفيدة في هذا الصدد فكيف ومن أين نحصل على معلومات مناسبة تمكننا من الفهم الصحيح لحقيقة المهام التى كانت تقوم بها تلك الأجهزة، أو الآليات الفعلية التى تتحرك من خلالها، أو الميزانيات المتوفرة لديها؟ ليس أمامنا ألا أن نعتمد على بعض التجارب الشخصية المحدودة لبعض «أخواننا» ممن أحتكوا معها بصورة مباشرة، أما بحكم مواقعهم المتقدمة في التنظيم أو في الخدمة المدنية. وسأكتفى في هذا المجال بسرد حكايتين سمعتهما من مصدريهما مباشرة.
    الحكاية الأولى: ذكر لى الدكتور المهندس محمود شريف«رحمه الله» أنه حينما كان مديرا للهيئة القومية للكهرباء تم استدعاؤه ذات مرة من قبل وزير الطاقة، وسبب الإستدعاء أن الدكتور محمود شريف قد أعاد أحد المهندسين «اليساريين» الى الخدمة بعد أن فصلته الأجهزة الأمنية من الهيئة العامة للكهرباء لأسباب سياسية. قال محمود: ولما سألت الوزير عن الطريقة التى علم بها هذا الأمر، استدار فالتقط ورقة من بين أوراقه وألقى بها أمامى، نظرت فيها فاذا هى صورة العقد الذى وقعته مع المهندس المفصول.أستشاط الدكتور محمود غضبا ولم يتردد لصراحته وشجاعته المعهودة أن يسمع الوزير كلمات موجعة. كيف حصلت على هذه الوثيقة من وراء ظهرى؟ قال له، ولماذا لم تطلبها منى فآتيك بها طالما أنى موظف لديك؟ أهذا هو فهمك للادارة؟ أأنت أكثر منى معارضة للشيوعية، أم أنت أكثر حرصا منى على الثورة؟ والذين يعرفون الدكتور محمود شريف لابد أنهم يتوقعون نهاية القصة. ذهبت معه خطوات لعله يواصل الحديث ولكنا كنا قد وصلنا عتبات مسجد جامعة الخرطوم لنؤدى صلاة المغرب، فتوقف ونظر الى مليا، ولم أكن أعلم أن تلك ستكون آخر مرة أراه فيها، ثم قال لى باللغة الإنجليزية:«I am really worried»، اننى لقلق حقا. وابتعد الدكتور محمود شريف عن هيئة الكهرباء، أو لعله أبعد عنها لا أدرى، وذهب الى جنوب السودان« أو لعله.... لست أدرى» حيث كانت الحرب مشتعلة، فقاتل كما يقاتل الأبطال حتى استشهد..
    إن الذين يعرفون محمود شريف عن كثب يعرفون أنه لم يكن مجرد مهندس كهربائى، وانما كان علاوة على ذلك قائدا اسلاميا فذا، جمع بين التأهيل التقنى والإلتزام الخلقى والتدريب العسكرى والنضال السياسى، لا نقول هذا من قبيل المديح الكاذب، إذ أن الرجل قد أمتحن مرارا واجتاز كل الامتحانات بجدارة، وكان أكثرها دقة وخطورة هو دوره «الميدانى» الذى مهد به السبيل لنجاح التحرك العسكرى فى 30 يونيو1989، اذ استطاع «كما ورد فى افادة للواء عبدالرحيم محمد حسين»أن يقوم فى كفاءة عالية بتجهيز وتنظيم الاتصال بين المجموعات العسكرية المشاركة فى الانقلاب، ولولا أمور فى داخل القيادة لا نملك معلومات عنها فى الوقت الراهن لصار محمود شريف عضوا أساسيا فى قيادة الإنقاذ. واستنادا على هذا فان «القلق» الذى أشار اليه فى حديثه معى لم يكن قلقا بسبب أنه سيزاح عن ادارة الهيئة المركزية للكهرباء، فقد كان أكبر بكثير من تلك الوظيفة، والتى كان زاهدا فيها وفيما عداها، كما يعرف عمال وموظفو الهيئة المركزية، وكما يعرف الشعب السوداني كله ويتعجب من حكومة الإنقاذ التى «تستغنى» عن محمود شريف. إن ما كان يقلق محمود شريف يعود فى تقديرى لأمرين: الأول هو تمدد الذهنية والأذرع الأمنية فى كل المساحات الأدارية والسياسية والإقتصادية، أما المصدر الآخر لقلقه فيعود لما وقع فى نفسه من انقسام لم يستطع أن يتعايش معه طويلا: أينخرط مثلا فى مقاومة داخلية ضد «أخوانه الصغار» الذين اخترطوا التنظيم والدولة وحولوهما الى ملفات أمنية، أم ينخرط فى مقاومة خارجية ضد حركة التمرد التى كانت تشعل حربا على التنظيم والدولة والمجتمع معا؟ وقد اختار محمود شريف جبهة الجهاد العسكرى الخارجى لأنها فى تقديره كانت الأكثر وضوحا ونظافة، وذهب الى ربه راضيا، أما الذين كانوا يشابهونه فى الرأي والموقف فقد فقدوا عنصرا قياديا صلبا كان من الممكن أن يشكل مركز استقطاب لعناصر الإصلاح فى داخل الحركة الإسلامية.
    الحكاية الثانية: ذكر لى أحد القياديين الإسلاميين المعروفين وكان وقتها يشغل منصبا كبيرا في بعض الوزارات، أنه كلما ذهب بعد صلاة المغرب لمنزل الشيخ الترابى أو لأمين العلاقات الخارجية «الشيخ السنوسى» ليطلعهما على بعض المستجدات، أو على المعلومات التى يحصل عليها من التقارير التى ترفع اليه، وجدهما على علم تام بما يريد أن يقول. قال: فصرت غير متحمس للذهاب اليهما أو اطلاعهما على شىء طالما أنهما موصولان «بعناصر خفية» ليس فقط في داخل وزارتى ، ولكن ربما في داخل مكتبى. وهذه لا تختلف عن القصة الأولى الا في نهايتها، اذ ابتعد هذا الأستاذ أيضا عن ذلك الموقع، أو لعله أبعد فلست متأكدا من ذلك، ولكن الذى أعرفه يقينا أنه لم يذهب الى الجنوب كما ذهب محمود شريف، ولم يستشهد حتى الآن «أطال الله في أيامه» ، ولكنه رفع الى موقع كبير آخر، ثم ضم أخيرا الى الأجهزة الأمنية؛ الأجهزة ذاتها التى كان يتبرم منها لأنها كانت تأخذ الأوراق من أدراجه.





                  

11-29-2006, 05:15 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: MLK vs. Turabi? (Re: الكيك)

    معضلة السوبر ـ تنظيم في صراعات الإسلاميين في السودان
    عبدالوهاب الأفندي
    للفيلسوف البريطاني النمساوي الأصل لودفيغ فيتغنشتاين نظرية في استخدام اللغة قد تبدو سطحية في ظاهرها ولكنها ذات مغزي عميق جداً. هذه النظرية التي تعرف بنظرية (أو مقولة) اللغة الخاصة تتلخص في القول باستحالة وجود لغة خاصة لا يعرف قوانينها إلا متكلم واحد، لأنه لو وجدت لغة من هذا النوع لاستحال تصحيح الخطأ والنسيان فيها. فلو أن الشخص المعني نسي أو استشكل عليه معني عبارة معينة، فإلي من يلجأ لإرشاده إلي الصواب إذا كان هو الوحيد الذي يفهم اللغة المعنية وقواعدها؟ وينتهي فيتغنشتاين بناء علي هذه الحجة إلي القول بأن اللغة هي في جوهرها ظاهرة اجتماعية أولاً وأخيراً.
    أستعيد هذه المقولة الفلسفية لأسلط الضوء علي جانب مهم من الجدل الدائر حول صراعات الإسلاميين في السودان، والذي أعاد الأخ د. التجاني عبدالقادر فتح النقاش حوله مؤخراً، فحرك أشجان كثيرين أدلوا بدلوهم في هذا السجال، منهم الشيخ إبراهيم السنوسي والعقيد محمد الأمين خليفة وأخيراً الأستاذ محبوب عبدالسلام. وقد يكون كثيرون آخرون قد ساهموا في هذا الجدل لم تصلني مساهماتهم. (وأنا أضع عبارة الإسلاميين بين مزدوجتين هنا لأن من يقرأ هذا المقال سيصل إلي خلاصة إن هذا الوصف لم يعد من الممكن استخدامه في حق من نتحدث عنهم). والنقطة التي أرمي إليها تتعلق أساساً بدور الجهاز الذي أطلقت عليه تسمية السوبر ـ تنظيم، وهو جهاز سري لا يخضع لأي مساءلة من جهة أخري في التنظيم الأوسع (ما عدا القيادة العليا ممثلة في شخص الأمين العام) تحديداً لأنه أساساً غير معروف لأي جهة أخري. فهذا الجهاز المنغلق علي ذاته قد طور منذ البداية لغة خاصة هي مرجعية نفسها. فإذا قال اليوم إن عقيدة الإسلام تقتضي شن الحرب علي أمريكا والعالم، كان الأمر كذلك، وإذا عاد إلي الافتخار بتقديم الخدمات إلي جهاز المخابرات المركزية الأمريكية، أصبح هذا هو الجهاد الذي فرض عين علي كل مسلم ومسلمة.
    وقد اتضح هذا الدور المحوري لـ السوبر ـ تنظيم منذ اللحظات الاولي لانقلاب الثلاثين من حزيران (يونيو) عام 1989، بدءاً من كون الانقلاب نفسه ودور الحركة الإسلامية فيه كان مفاجأة لأغلب من كانوا نظرياً يمثلون القيادة العليا للتنظيم، ولكنهم وجدوا أنفسهم فجأة علي هامش الهامش. وقد علق أحد الإخوة بأن أول ما كشف الانقلاب عنه هو أن كثيرين ممن كنا نعتقد أنهم أهل الحل والعقد في التنظيم انكشف الأمر فإذا بهم ليس لهم من الأمر شيء، بل أصبحوا من المتفرجين مثل غيرهم. ولم تكن خطة الانقلاب وحدها هي السر الذي استأثر به رجال الحلقة الداخلية السرية، بل أيضاً مسار الحكم بعد ذلك، وفلسفته وغايته النهائية. وفي الجدل الذي دار مؤخراً كان محور الخلاف هو حقيقة ما وصف بأنه الخطة السرية للنظام التي يؤكد البعض أنه كان متفقاً عليها، بل كانت مكتوبة وموثقة ومؤكدة بالأيمان المغلظة، بينما يقول آخرون، علي رأسهم التجاني، بأن المشكلة هي عدم وجود خطة من هذا النوع أصلاً.
    وهنا نعود إلي حجة فيتغنشتاين حول اللغة الخاصة، ذلك أنه لو كانت هناك خطة فإنها كانت بالتعريف خطة سرية، لا يعرف عنها أحد شيئاً سوي الطرفين المتخاصمين الآن، وبالتالي لا توجد أي آلية مستقلة للتحقق من وجودها أو حسم الخلاف في التأويلات والتفسيرات لها. وأنا أضيف أن هذا الأمر كان متعمداً، لأن القيادة لم تكن تريد أن تقيد نفسها بأي قيد، بما في ذلك خطة تضعها بنفسها. ولهذا جاء حل التنظيم وابتداع أدوات سياسية جديدة تتمحور حول الأجهزة الأمنية والأذرع السرية الأخري لـ السوبر ـ تنظيم ، بما في ذلك أجهزة التمويل السري.
    أقول هذا ليس رجماً بالغيب، وإنما لأنني شخصياً سعيت لاستجلاء الأمر ممن كنت أفترض أن عندهم الخبر اليقين، بدءاً من الشيخ الترابي. وقد تلقيت مرة وعداً وموعداً بإطلاعي إن لم يكن علي الخطة، فعلي الأقل علي الخطط العامة للتفكير الذي يحكم توجهات الحكم، ولكن الموعد ألغي في آخر لحظة لأسباب لم تشرح لي ولم يحدد بديل عنه حتي اليوم. وقد حدث الشيء نفسه في أمر أقل شأناً، وهو سياسة الحكومة حول الجنوب. وقد طلبت أكثر من مرة، بصفتي من المشاركين في وفود التفاوض حول الجنوب، عقد اجتماع يتم فيه التداول حول السياسة العامة في هذا المجال، وهو أمر لم يتم حتي اليوم. وربما يقول قائل ـ وهو إلي حد ما محق في ذلك ـ أن هذا الأمر لا يتعلق بغياب الخطط في هذه المجالات، بل برفض إطلاع غير أهل الشأن عليها. ولكنني بعد عدة سنوات من الإلحاح أبلغت من أحد الأشخاص من أهل الشأن بأنه لم تكن توجد أي سياسة متفق عليها حول الجنوب. وقد قال لي ذلك الشخص بالحرف الواحد: أنا المسؤول عن تنسيق السياسات حول الجنوب، وأنا أقول لك بأنه لا توجد سياسة. الجيش له سياسة منفصلة للجنوب، والأجهزة الامنية لها سياسة أخري، وصندوق إعمار الجنوب له سياسة ثالثة، ومنظمة الدعوة سياسة رابعة، وفلان له سياسة أخري، وقس علي ذلك .
    وقد أشار التجاني عبدالقادر إلي حادث الاعتداء علي الشيخ الترابي في كندا في صيف عام 1992 باعتبار أنه كان عاملاً حاسماً في تأجيج صراع السلطة. وفي حقيقة الأمر إن ذلك الحادث كشف لأول مرة لكل ذي شأن أنه لا الحركة ولا الدولة كانت لهما خطة، لأن الكل ترك التفكير كله لسيادة الأمين العام . وهكذا وجد الجميع أنفسهم في أيام غيبوبة الزعيم وكأنهم مركب بلا شراع ولا بوصلة. وبعد الحادث لم يصبح ممكناً أن يعزي المرء نفسه عن جهله بخبايا الأمور بالاعتقاد، شأن الغالبية، بأن الشيخ علي الأقل يعلم، مما طرح العديد من الأسئلة التي لم تجد أجوبة.
    الأمر لم يتغير كثيراً الآن، وما يزال التفكير ممنوعاً، والمشاركة في الحكم، سواء لأنصار المؤتمر الوطني أو المتحالفين معهم، هي مشاركة من يسمع ويطيع، ولا يجرؤ عن السؤال عن الاتجاه الذي تتجه إليه السفينة. الفرق أنه في الفترة الأولي كان هناك وهم يسوق بأن هناك تفكيراً يتم، وإن كان المفكر شخصاً واحداً. أما الآن فإن هذا الوهم لا وجود له. في المرحلة السابقة، كانت الأجهزة الأمنية وبقية مركبات السوبر ـ تنظيم تستمد شرعيتها من كونها الذراع التنفيذية للمشروع الإسلامي الذي كان يشبه ملابس الفرعون الخفية الشفافة، أما اليوم فإن لا أحد يدعي هذه الدعوي، لأن الكل أصبح يعرف أن الفرعون عارٍ من كل ما يستره. والحقيقة إن الفرق يكاد يكون معدوماً بين الحالين. فكما يتضح من نظرية اللغة الخاصة، فإن المشروع الإسلامي السري الذي لا يعرف تفاصيله إلا شخص واحد، أو جهاز واحد، وهو وهم كبير، لأن الشخص أو التنظيم المعني يملك حق توصيف المشروع المعين كيفما شاء.
    القول إذن بوجود خطة سرية هو غير ذي موضوع، لأن وجود مثل هذه الخطة وعدمها سواء، خاصة حين تصبح موضوع خلاف بين أطرافها المزعومين. وقد اتضح الآن بالتجربة ما كنا حذرنا منه منذ أكثر من عشر سنوات من أن الاعتماد علي تنظيم سري هو مرجعية نفسه والخصم والحكم في كل أمر هو أقصر طريق إلي التهلكة. ولم يكن ذلك التحذير حينها رجماً بالغيب، لأن نفس التجربة كانت قد اتبعت في الدول الشيوعية وكثر من الجمهوريات العربية، حيث كان الأمر ينتهي دائماً بنتيجة واحدة: دولة المنظمة السرية التي تدار كما تدار المافيا، ويهيمن عليها فرد واحد، قد يشاركه بعض أفراد أسرته وبطانته المقربين المغانم، ولكن السلطة تبقي له وحده. وقد كان الحزب الحاكم دائماً أول ضحايا هذا الوضع. في عهد ستالين أعدم أو سجن غالبية أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي. وقد لاقي المصير نفسه قادة أحزاب البعث في سورية والعراق وأعضاء مجالس قيادة الثورية في كل بلد ثوري. ولعل الصين تمثل القمة في هذه التراجيديا الكوميدية، ليس فقط لما أصاب قيادات الحزب الشيوعي من ضحايا التصفيات والثورات الثقافية، بل لأن ذلك الحزب الذي يتسمي بالشيوعية يقود اليوم أكثر النظم الرأسمالية شراسة وبشاعة في العالم.
    وبالمثل فإن دولة السوبر ـ تنظيم في السودان ظلت حرباً علي الحركة الإسلامية، وهو وضع لم يستجد مع الإنشقاق كما يريد البعض أن يوهمنا. ذلك أن ملاحقة من كانوا يطالبون بإحياء التنظيم إلي درجة الاعتقال والتعذيب للبعض سبق الانشقاق بوقت طويل. وقد أخبرني أحد الإخوة الذين تعرضوا لمحنة من هذا النوع أن ضابط الأمن الذي تولي إجراءات إطلاق سراحه قال له بالحرف الواحد: نرجو أن تكون قد تعلمت الدرس، ومن الآن فصاعداً إذا قلنا لك اتجه يميناً تتجه يميناً، وإذا قلنا يساراً فيساراً . ولم يجرؤ صاحبنا علي الاعتراض خشية ألا يطلق سراحه إن فعل.
    والشاهد هنا ليس هو فقط طلب الطاعة العمياء من المفروض فيهم أنهم رجال التنظيم البارزون، بل استخدام ضمير المتكلمين من قبل ضابط الأمن الذي يعتبر نفسه المتحدث باسم السلطة المطلقة التي تطاع بدون سؤال أو تفكير. وقد رأينا في الآونة الأخيرة أن الأمر يتعدي الحرب علي أي حركة إسلامية مستقلة إلي محاصرة ما يسمي بـ الحركة الإسلامية ، الجهاز الذي أنشأه المؤتمر الوطني الحاكم ليكون ذراعة الإسلامية في أكثر الاعترافات صراحة من المجموعة الحاكمة بأن الخيار الإسلامي لم يعد الحاكم لتوجهاتها، وإنما هو اهتمام جانبي تشغل به بعض أنصارها، مثل ما تنشيء بعض الأحزاب في داخلها جمعيات أصدقاء إسرائيل وما شابه لإرضاء بعض جماعات الضغط داخلها. ومع ذلك شهدنا في أكثر من مناسبة تحركات قوية لمنع هذه الحركة من حتي مجرد الحصول علي استقلال شكلي عبر انتخاب قادتها الموالين المطيعين بحرية.
    الأخ التجاني حذر من أن ابتلاع الأجهزة للتنظيم يقود إلي محذور آخر، هو ابتلاع القبيلة للتنظيم. وما نشهده اليوم هو اجتماع هذه السيئات إضافة إلي انتشار الفساد وهيمنة أسر بعينها علي نواحي مهمة من الاقتصاد. الفساد هو أيضاً ليس بتطور جديد كما يسعي بعض منتقدي الحكومة من الإسلاميين (سابقاً) لإيهامنا، لأن الفساد يعتبر جزءاً أساسياً من هيكلية السوبر ـ تنظيم. فالحديث عن الفساد بالنسبة للتنظيم السري الذي لا يحاسبه أحد لا معني له، لأن كل ما يفعله ذلك التنظيم هو مشروع عنده وفساد موضوعياً. فهو يجمع الأموال من مصادر مجهولة ويوزعها في مصارف يقررها هو. وقد استفاد كثير من قادة التنظيم من هذا الفساد، إما مباشرة عبر تمويل التنظيم لنشاطهم أو حتي حياتهم الشخصية، أو عبر وضعهم في مناصب لم يكونوا أهلاً لها، أو إيثارهم بالعقود إن كانوا من رجال الأعمال. وقد كثرت منذ الانقلاب الشركات والمؤسسات التنظيمية والحكومية وشبه الحكومية التي أثري كثير من أهل الولاء من العمل فيها. فالفساد جزء لا يتجزأ من بنية دولة المنظمة السرية، والسودان ليس بدعاً في ذلك فما من دولة عربية إلا وهي واقعة في براثن هذا الأخطبوط المتمثل في ثلاثي القلة الحاكمة وأجهزتها الأمنية وبطانتها وشركائها من الفاسدين والمفسدين.
    هناك واقعة كنا نرويها علي سبيل النكتة، وملخصها أن الفريق عمر البشير قال لمضيفه أثناء زيارته لبلد خليجي وهو يبرر لانقلابه: هل تصدق أن السودان هذا البلد الشاسع المعقد كانت تحكمه أسرتان فقط؟ ولم يدرك البشير ومساعدوه حجم الخطأ الذي وقع فيه إلا عندما أشاح الحاكم الخليجي بوجهه ولم يعلق، فتذكر القوم حينها أنهم يتحدثون مع حاكم بلد لا تحكمه أسرة واحدة فقط، بل رجل واحد. ولعل أكثر الأمور مأساوية في تجربتنا المعاصرة هو أن هذه الواقعة لم تعد للأسف نكتة نتندر بها، وإنما عنوان مأساة بلد ومحنة دين.


    القدس العربى 29/11/2006
                  

12-04-2006, 02:01 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: MLK vs. Turabi? (Re: الكيك)

    الصحافة 2/12/2006
    أخواننا الصغار ومشاريعهم التوسعية الكبرى«2-2»
    د. التجاني عبد القادر
    «3»
    حاولنا فى المقالة الأولى أن نقدم صورة عن النزاع المستتر الذى كان يجرى فى داخل الأجهزة الأمنية، وذلك من خلال حالتين: حالة الدكتور محمود شريف الذى أحس بالاشكال فأح دث فى نفسه قلقا وانقساما لم يستطع التخلص منهما الا بالانخراط فى جبهة القتال العسكرى فى الجنوب، و حالة أحد القياديين الذى أحس بالاشكال ذاته ، ولكنه بدلا من الإنخراط فى الأعمال الجهادية كما فعل محمود شريف فضل الإنخراط فى دهاليز الأجهزة الأمنية ذاتها التى كانت تراقبه.
    ماذا يمكننا أن نستنتج من هذا؟ يمكننا أن نستطيع «أولا»: أن عمل الأجهزة الأمنية لم يكن منصرفا بالكلية الى الخارج «لمراقبة أعداء الوطن وأعداء الحركة الإسلامية كما كان يتوقع الإسلاميون الطيبون، أو كما تتوهم عناصر المعارضة»، وانما كان جزءا من عملها يمتد أيضا الى داخل الداخل، وذلك لمضايقة ومحاصرة بعض العناصر القيادية في الحركة الإسلامية ذاتها، اما بغرض استيعابها في داخل هذه الأجهزة أو ازاحتها بصورة كاملة من المجال السياسى؛أي أنه ولكى لا تتكرر «تجربة» الدكتور الشهيد محمود شريف، فقد انتهجت سياسة «الإزاحة» المتعمدة، ثم أعقبتها عملية احلال العناصر الأمنية و«تأسيسها» فى سائر المواقع المفصلية فى التنظيم والدولة، ومن خلال هذه السياسة تمكنت تلك الأجهزة بصورة متدرجة من الهيمنة على معظم العمليات العسكرية و السياسية والاقتصادية والدبلوماسية.ويمكننا أن نستنتج «ثانيا» أن استجابة التنظيم لقضايا البيئة السودانية والدولية لم تعد، من الآن فصاعدا، تصدر عن مرجعيته الفكرية أواستراتيجيته السياسية، وانما صارت تصدر وفقا لتقديرات الأجهزة الأمنية، أي أن الدولة ممثلة في أجهزتها الأمنية صارت هى التى تحدد مسار التنظيم وليس التنظيم هو الذى يحدد مسارها. ويمكننا أن نشير في هذا المجال الى عدد من الأحداث التى أثرت تأثيرا مدمرا على الحركة الإسلامية حاضرا ومستقبلا دون أن يعلم بها «ناهيك عن أن يشارك فيها» أي جهاز شورى من أجهزة الحركة: خذ مثلا دخول كارلوس الى السودان ثم تسليمه الى الحكومة الفرنسية على سبيل الترضية السياسية المفضية الى التقارب معها؛ أو خذ مثلا ايواء اسامة بن لادن فى السودان مغايظة للنظام السعودى ، ثم محاولة تسليمه الى الحكومة الأمريكية على طريقة «تبادل الهدايا»؛ أو الى محاولات اخماد التمرد في دارفور عن طريق ممالأة بعض العناصر الشريرة. كل هذه العمليات لم تسقط فجأة من السحاب وانما أتت نتيجة تخطيط وقرارات تمت في داخل هذه الأجهزة السرية التى احتلت مواقع عليا في التنظيم وحولته الى أداة من ادواتها.
    أما ان كان يداخلك شك فيما نقول، فيمكنك أن تعاود النظر فى التقرير الصحافى المطول الذى أعده كن سليفشتاين« Ken Sil
    verstein» الكاتب المحرر بصحيفة لوس أنجلز تايمز الأمريكية،
    ونشره في تلك الصحيفة بتأريخ 29ابريل 2005 تحت عنوان:الدولة السودانية المارقة تصبح ذات قيمة للحرب الأمريكية على الإرهاب«والترجمة من عندى»، وقد أعادت نشره ملخصا صحيفة الغارديان البريطانية وصحيفة القدس العربى. تنبع أهمية هذا التحقيق من أن صاحبه قد أجرى عددا من المقابلات الشخصية المباشرة مع عدد من الشخصيات الأساسية في كل من المخابرات الأمريكية والسودانية، قال الصحفى نقلا عن مسؤولين في المخابرات الأمريكية وفى الحكومة الأمريكية ان أدارة الرئيس جورج بوش أقامت شراكة وثيقة في مجال المخابرات مع السودان الذى ساعد في حرب واشنطن على الإرهاب؛ ونسبت الصحيفة الى رئيس وكالة المخابرات السودانية القول بأن للمخابرات السودانية شراكة قوية مع وكالة المخابرات الأمريكية؛ وقالت الصحيفة ان السودان اعتقل بعض المشتبه بانتمائهم للقاعدة، وسلم أدلة الى مكتب التحقيقات الإتحادى، وأحبط هجمات ارهابية ضد أهداف أمريكية، وقالت الصحيفة ان السودان يريد مقابل ذلك رفع اسمه من قائمة الدول الراعية للارهاب وان ترفع واشنطن العقوبات الإقتصادية عنه.
    نحن هنا كما تلاحظ أمام ظاهرة فريدة في نوعها: اذ نرى من ناحية كيف أن أجهزة أمنية تابعة للحكومة الإسلامية «تخترق» التنظيم الإسلامى الذى أنشأها، فتستولى على مراكز القيادة فيه، وتحتكر العملية السياسية فى داخله، فتؤوى من تشاء وتقصى من تشاء، أما من الناحية الأخرى فنرى كيف أن هذه الأجهزة الأمنية ذاتها تدخل فى «شراكة» مع المخابرات الأجنبية، لتصبح عرضة للاختراق والإبتزاز من قبل تلك الأجهزة والتى لا تهتم بشىء كاهتمامها بتصفية الحكومة الإسلامية برمتها، أو توظيفها فى اتجاه استراتيجياتها ومشاريعها الكبرى. ولا يستطيع أحد بالطبع أن ينكر الضغوط الدولية الهائلة التى كانت تتعرض لها حكومة الإنقاذ فى تلك الفترة، أو ينكر أهمية المناورة والتكتيك فى العملية السياسية، كما لا يستطيع أحد أن يمارى فى أن تكون للدولة، أية دولة، أجهزة إستخبار شديدة الذكاء وسريعة الحركة، ولكن الذى يكون محل رفض واستنكار هو أن تقوم الأجهزة الأمنية بوضع الاستراتيجية السياسية للتنظيم، وأن تقوم على تنفيذها فى غيبة كاملة لأىة جهة تنظيمية عليا يكون لها حق المراجعة والنقض والمحاسبة،«أما اذا اعترض أحدهم بأن هناك جهة تنظيمية عليا، فليقل لنا أين هى، ولماذا تلتزم الصمت بينما يتحدث الأمنيون الى الصحف»، كما أن الذى يكون محل استنكار هو أن تدخل تلك الأجهزة فى «شراكة» مع مخابرات أجنبية لا يعرف أحد محتواها أو مداها، ثم يكون محل الإستنكار الأخير هو مبدأ أن تكون هذه الأجهزة هى مرجعية ذاتها، كما يقول الأخ الدكتور الأفندى، أي أن توكل ادارتها لبعض الأفراد الذين لا يستطيع أحد من داخل الحركة الإسلامية أو من خارجها أن يعرف كفاءتهم المهنية، ، أو يراجع سياساتهم أو يحاسبهم عليها، ثم يترك لهم برغم ذلك أن يقرروا مصير الحركة الاسلامية والسودان معا.
    «4»
    أن هذه الظاهرة التى يتحول فيها دور الأجهزة الأمنية من جمع المعلومات الى وضع السياسات العامة والهيمنة على سائر جوانب العملية السياسية لمن الظواهر التى تحتاج الى نظر عميق لمعرفة أسبابها ومآلاتها. وهى بالطبع لا تقتصر على الحالة السودانية، فقد لاحظ أحد الباحثين المختصين في شؤون السياسة المصرية- أن «السياسة الأمنية في مصر طوال العقود الثلاثة الماضية» لم تعد واحدة من حزمة «السياسات العامة»، وانما صارت المهيمنة عليها جميعا، كما أن نطاق ممارستها شهد توسعا وامتدادا، بحيث أن معظمها، حتى البعيدة عن ذلك بحكم طابعها التخصصى، قد تحولت الى «حقيبة أمنية»، ويرى الباحث نفسه أن هناك أسبابا عديدة وراء تلك الهيمنة الأمنية، مثل ضعف أحزاب المعارضة وقوى المجتمع المدنى، وضعف البناء المؤسسى في الدولة، والتحولات الدولية التى صارت تزكى الدور المتزايد لهذه الأجهزة. وتكاد هذه الملاحظات تنطبق بحذافيرها على الحالة السودانية، ولكن مع فارق واحد هو أن أحزاب المعارضة السياسية في السودان أستطاعت هى الأخرى«مع استثناءات قليلة» أن تعوض عن ضعفها ازاء الدولة بالإرتماء شبه الكامل في أحضان الدول الأجنبية والتعاون مع أجهزة المخابرات فيها، وذلك على المنوال ذاته الذى سلكته قوات تحالف الشمال في أفغانستان والاكراد في شمال العراق، وذلك ما لم تلجأ اليه المعارضة المصرية رغم ضعفها والأضطهاد الذى تعرضت له.على أن الذى يهمنا الآن ونسوق الحديث من أجله ليس هو ضعف الأحزاب السودانية المعارضة، وانما هو مأزق الحركة الإسلامية السودانية، والتى تعرضت لعملية افراغ واختراق من قبل أجهزتها الأمنية، بينما صارت هذه الأخيرة عرضة للاختراق من الخارج.
    ومما يجعل مأزق الحركة الإسلامية يزداد تفاقما هو ما حدث من تحولات في البيئة الدولية جعلها تزكى وتبارك الدور المتزايد لأجهزة الأمن، حتى أن بعض الدول الغربية-خاصة الولايات المتحدة-قد بلورت لنفسها بعد حوادث سبتمبر 2001 رؤى جديدة في المسألة الأمنية، فلم تعد تكتفى بتمويل او تسليح بعض العناصر في داخل الدولة المعنية، وانما صارت تستولى على كل الملفات السياسية الحيوية فى تلك الدول وتحولها الى جهاز المخابرات المركزى فى واشنطن. يبدو ذلك ظاهرا في الحالة العراقية والباكستانية وغيرها، كما يبدو بصورة أكثر وضوحا فى الحالة الفلسطينية حيث صارت عناصر من المخابرات الأمريكية منذ عهد الرئيس السابق بيل كلينتون جزءا من عملية مفاوضات السلام، حيث أوكل ذلك الملف الى مدير المخابرات المركزية آنذاك-جورج تنت-فلم يعد مجرد وسيط موثوق به وانما صار المحرك الأساسى والمشارك الفعلى في ابتدار السياسات ووضع شروط لكل الأطراف المشاركة في العمليات السياسية، ولن يبقى في مقدور الإدارة الفلسطينية في هذه الحالة أن تحافظ على وجودها فى السلطة الا بعد ان تتحول هى ذاتها الى ما يشبه الملحقية الأمنية التابعة لأجهزة الأستخبارات الأمريكية، أو أن تعقد معها «شراكة» استراتيجية.
    ويبدو أن هذا هو نفس المنظور الإستراتيجى الذى يراد للمخابرات السودانية أن تعمل فيه: شراكة مع الخارج وهيمنة على الداخل. وقد أثمرت شراكة الخارج اتفاقية السلام فى الجنوب، أما هيمنة الداخل فقد كانت ثمرتها حربان: حرب تدمير «باردة» بين المؤتمر الشعبى والمؤتمر الوطنى، قادت بدورها الى حرب التدمير الساخنة بينهما فى دارفور. وكأنك تقرأ هذا وتسألنى: وما العمل؟ وهل هناك من مخرج؟ أيغمض أحدنا عينيه عما يفعله «أخوانه الصغار» ثم يأخذ سلاحه ويتجه صوب الجنوب كما فعل الشهيد محمود شريف؟ أم يكشف عن ساقه ثم يخوض معهم فيما يخوضون، كما فعل القيادى آنف الذكر؟ الخروج فى ظنى لن يكون بهذا أو ذاك، وانما يحتاج لأمور كثيرة، يأتى على رأسها مواجهة «الذهنية» الأمنية التى تعتقد أن الأمن لا يتأتى الا عن طريق التستر والتعتيم وحبس الأشخاص والأفكار وخنق الأصوات المعارضة أو باغرائها بالمال والمنصب. هذه الذهنية الأمنية المنغلقة هى «الإشكال الأكبر» الذى سيظل يكبل المؤتمرين الشعبى والوطنى ويفقدهما المصداقية ويقودهما ومعهما الحركة الإسلامية الى الفناء.ومواجهة الذهنية الأمنية لا تكون بترك الميدان لها، كما لا تكون بالاندراج فى صفوفها، وانما تكون بان تتمسك العضوية الصامتة فى داخل الحركة الاسلامية بمبدأين اسلاميين بسيطين: العدل والشفافية، وأن تجعلهما شرطين من شروط الإنتماء التنظيمى، وأن تضم صوتها لأصوات منظمات المجتمع المدنى والدولى فى المطالبة بهما. والعدل، اذا كان لا بد من شرح، يعنى أن يعطى كل ذى حق حقه، وألا يوسد الأمر لغير أهله، ولا يكون ذلك كما هو معلوم الا بأن يزاح الظلمة والفاسدون من مواقع النفوذ السياسى والإقتصادى، بعد أن تحصى أموالهم الثابتة والمتحركة، ويسألوا عنها، ثم تقدم الكفاءة والالتزام الخلقى على القرابة والالتزام الحزبى، فاذا حدث هذا فان حاجة النظام لأجهزة الأمن ستقل. ويقصد بالشفافية كما هو معلوم انسياب المعلومات الموضوعية عن الأوضاع الداخلية للنظام السياسى والإقتصادى؛ أي عن السياسات والقرارات وكيفية صناعتها ومن هم الذين يصنعونها، وما هى مرجعياتهم الفكرية وقدراتهم الحقيقية، وعن موارد الدولة ومصارفها، وعن التوظيف فى مؤسسات البترول ووزارات المال، ولا يقصد بانسياب المعلومات أن توزع سرا على العضوية الملتزمة وانما يقصد بها ان تتاح لمن هو خارج أطار الالتزام التنظيمى-الحزبى، فاذا حدث هذا، ورأى الناس صدقا فى القول، وعدلا فى العمل، وشفافية فى الأداء، فانهم قد يستعيدون ثقتهم فى النظام، فتقل بالتالى حاجة النظام للأجهزة الأمنية، اذ أن غياب العدل والشفافية هو الذى يصنع المناخ الذى يتولد فيه الفساد، وتنعدم فيه الثقة، وتتضخم فيه الأجهزة الأمنية، وتوضع فيه بذور الثورة القادمة.


                  

12-04-2006, 02:17 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: MLK vs. Turabi? (Re: الكيك)



    الاسلامويون وابتلاع السلطة للدين
    د.حيدر ابراهيم علي
    اثار النقاش الاسلاموي الذي يدور هذه الايام جملة من التساؤلات. فقد جاء جدل الاسلامويين كمحاولة جديدة للتبرير والتفسير والبحث عن كبش فداء من الجماعة نفسها واللوم المتبادل، دون ان يلمسوا جوهر القضية. ولكن قبل ذلك، لماذا هذا التوقيت بالذات؟ وهذا سؤال تاريخي ـ اجتماعي، بمعنى ان إثارة اية قضية او موضوع لا بد ان يكون خلفه دافع او دوافع. والا لسألنا: لماذا لم يثار قبل هذا التوقيت او لا يثار بعده؟ لقد بدا لي ان شعورا بغرق الدولة والحركة الاسلاموية، اثار الهواجس والمخاوف والحرص على انقاذ ما يمكن انقاذه. لذلك فإن شعور الفئران داخل المركب بقرب الغرق، لا يعطيها الفرصة الجيدة لحسن التصرف والتفكير الجيد. ومن هنا، قل استغرابي من طريقة تناول أقلام احترمها رغم الاختلاف الكامل معها مثل د. التيجاني عبد القادر ود. عبد الوهاب الافندي.
    لو بدأنا من الخاتمة لسألنا: هل ما نعيشه الآن هو حلم الحركة الاسلاموية الذي قدمت من اجله كل التضحيات العظيمة من سجن وهجرة واقتتال مع نظام النميري؟ اذا كانت الاجابة بلا، فهل يكتب عن الكارثة التي حلت بكم وشارككم فيها الوطن عنوة وقسراً بهذه الطريقة التبريرية والتبسيطية لوضع عظيم الأثر؟ فقد ضاعت الحقيقة في اللوم المتبادل وكأنكم لم تشاركوا جميعا في الانقلاب على نظام الحكم المنتخب. فالدكتور عبد الوهاب الافندي، كان صوت النظام عالمياً من لندن، وفي اسوأ سنوات النظام في قمعه وانتهاك حقوق الانسان. وكان يصرح بضمير بارد ومستريح بأن كل التقارير التي تتحدث عن التعذيب وحقوق الانسان ملفقة ونتيجة مؤامرة ، ويؤكد: «ان سجل السودان في حقوق الانسان اكثر نصاعة من كل الدول المجاورة!» وكأن المقارنة المطلوبة هي مع رواندا وافريقيا الوسطى وليس بمجتمع المدينة. كانت الايديولوجيا تعمي ذلك الشخص الذكي عن أن يتقصى الحقائق. وهذا هو جوهر القضية، وهو أن انحراف الانقاذ والمشروع الحضاري، ليس بسبب شخصية الترابي، او تغير دور العسكريين. ولكن الفكرة والمنهج.
    لم تحاول الحركة الاسلامية في العالم والاسلاموية في السودان الاجابة على السؤال/ التحدي: هل يمكن قيام دولة اسلامية حديثة ديمقراطية ومتقدمة اقتصاديا وتحقق العدالة الاجتماعية في القرن الحادي والعشرين على أساس فكرة الاسلامويين والاسلاميين عموما عن الدولة الحديثة المتقدمة؟ لم تكن الفكرة القائمة على اجتهاد جريء موجودة ولذلك فضل اسلاميو السودان ممارسة التجربة والخطأ على الشعب السوداني. وكانت الازمة في ان الاخطاء كانت هي الغالبة والمتزايدة باستمرار. ولكنهم وجدوا صعوبة في المراجعة والتراجع لأنهم يحكمون بتفويض إلهي سمح لهم بالانقضاض على الديمقراطية. وصار كل الطرق، بأثر رجعي، يقول بأن قصدهم نبيل، فقد كانوا يريدون اصلاح الديمقراطية واعادة تربية الاحزاب وقادتها والشعب كله، ثم ارجاع الديمقراطية مبرأة من كل عيب! هذا منطق غير معقول، لذلك من العبث الحديث عمن كان يريد اعادة الديمقراطية مقابل من يرفض او يتباطأ كما يوحي حديث السيدين ابراهيم السنوسي ومحمد الامين خليفة.
    لم يكن لكل الاقلام التي تكتب وتبرر الآن، اية فكرة آنذاك عن الديمقراطية الجديدة التي ينوون تقديمها الى الشعب السوداني. فقد كان العقل الاسلاموي مشغولا، بكيفية الاستيلاء على السلطة فقط. وقد استخدم عراب الانقلاب الشيخ حسن الترابي، كلمة ذات دلالة عميقة، وهي: لقد تذوقنا السلطة! ولم يقل مارسنا او جربنا. فقد تعامل الشيخ وكل الاسلامويين حتى الناقدين الآن، مع السلطة بلذة وشبق ونشوة. وقد اعماهم ذلك الشعور عن البدهيات والظاهر من الامور. فقد كانوا في حالة جذب سلطوي يغيّب العقل تماماً فهو مصدر ازعاج وقد يتسبب في اليقظة.
    إن الحديث عن شخصية الترابي وطغيانه، هي محاولة لاستنساخ ستالين اسلاموي، وهذا عمل عقيم فالتاريخ لا يكرر نفسه رغم وجود المتشابهات احيانا. ولكن سواء أكان ستالين او الترابي، من هو صانع الطاغية ومن الذي يفرعن الفرعون؟ رغم ايمان الاسلامويين الظاهري، فقد مارسوا عبادة الفرد بامتياز لدرجة تصل مستوى الشرك. اذ تصوروا ان الشيخ الترابي لا يخطيء ولم يكونوا يحتملون اي نقد لشيخهم المعصوم. واعتقد ان اثر السحر ما زال يجري فيهم حتى بعد المفاصلة والخصام والتي لم تحدث نتيجة لعودة الوعي ولكن للخلاف حول تذوق السلطة، فقد تذوق البعض اكثر. ولم تكونوا لتفرطوا ، لأن الترابي لو استلم السلطة، فسوف يسلمها عيسى، ولن يفعل الآخرون اي شيء امامه. وهو لم يكن يضع للآخرين اية قيمة ـ كما فهمنا من حديث د. التيجاني والسنوسي ـ وهو لم يكن سلطة شرعية، فما بالك لو وقعت في يده السلطة. اذاً، المفاصلة استباق في تذوق السلطة ولم تكن هناك اي دوافع ذات صلة بالمباديء. فالترابي لم يكن مستعدا للتعددية ومشاركة الآخرين، خاصة وقد أبعد في تلك الحالة اخوانه في الله.
    جمع الاسلامويون السودانيون بين فعل العيب والمكابرة والاصرار على الخطأ. فقد عجزوا رغم الكتابات والتبريرات عن تقديم نقد ذاتي صادق. وأجد لهم العذر في صعوبة الاقرار بأن تجربة اسلامية قد فشلت. فالشيوعي يمكن ان ينقد تجربة الاشتراكية، والعروبي يمكن ان ينقد تجارب الوحدة العربية. ولكن الاسلاموي يصعب عليه النقد لان تجربة فصيل حزبي او تنظيم سياسي محدد تتماهى لديهم مع الاسلام نفسه. فهم يتحدثون عن الاسلام وكأنه الجبهة القومية الاسلامية والعكس ايضا، لذلك يعني نقدهم لتجربتهم هو نقد للاسلام. وهذا يستحيل بالتأكيد حسب رؤيتهم، ولن يمكن للاسلامويين السودانيين ممارسة النقد إن لم يفصلوا بين تجربتهم والاسلام. وهذا يحتاج الى تواضع وصدق قبل ان يحتاج الى موضوعية وعلمية. ومما يزيد الامر تعقيدا هو ان الاسلامويين يظنون ان ما يكتبونه نقدا ذاتيا، بينما هو تفسير لصراع سلطة بأثر رجعي. والا فأين الحديث عن خطايا الجبهة والاسلامويين وموضوعات التعذيب والفساد والتدهور الاخلاقي؟ كنا نتوقع ان يكتبوا عن كيفية سقوط نظام اسلامي جاء ليكمل مكارم الاخلاق، بدأ بالتعذيب وبيوت الاشباح. صحيح ان الشعب متسامح وسريع النسيان، ولكن الا يوجد ضمير حي يرف وسط الجوانح يؤكد اخلاقية المتدين ، ام قد ابتلعت السلطة، الدين والاخلاق؟
    جادل البعض من الاسلامويين حول وجود نقد ذاتي ولكننا لا نتابع ونصر على ادانة التجربة. وعقب احدى الندوات، حدد لي الاستاذ امين حسن عمر، مجلة «افكار جديدة» كمنبر لهذا النقد. وفي الحقيقة لم اجد اي نقد ذاتي للتجربة السودانية بالتحديد، غير الحديث العام عن قصور المسلمين في اللحاق ببعض جوانب التقدم والعلم. ومن الناحية الاخرى، لا يفوت الاسلامويون اية فرصة لتأكيد ان السودان الذي نعيشه الآن يهنأ بثمار المشروع الحضاري الاسلامي. واكرر ما قلته مرارا هل المشروع الحضاري الاسلامي هو شركات الاتصال واستخراج البترول وجياد؟ ففي مقابلة مع احد الاكاديميين الذي يعيش في امريكا، اكد على نعيم المشروع الحضاري الذي يعيشه السودانيون. وقد نعذره لأنه بعيد، ولكن قبل ايام ولدى افتتاح مؤتمر اصلاح التدريب الطبي ، قال السيد غازي صلاح الدين انه يرفض تصنيف السودان ضمن الدول الفاشلة. وكان دليله بسيطا: ان السودان بلد تخرج جامعاته 1500 طبيب سنويا. وها هم الاسلامويون يمارسون لعبة خداع الارقام التي يأخذون على الغربيين استغلال وتوظيف الارقام. ولكن لا بد ان اسأل سيادة المستشار هل حدث وخضع للعلاج تحت يد خريجي الجامعات التي أنشأتها الانقاذ خلال الثورة التعليمية؟ ومن الجدير بالذكر ان نفس اساتذة هذه الجامعات تحدثوا قبل ايام عن مستوى خريجي كليات الطب.
    ما زلنا ننتظر ان يقدم الاسلامويون نقدا يطال الفكرة والمنهج وليس الاشخاص سواء الترابي او العسكريين. هنا تأتي الحاجة الى اجتهاد ديني جديد وليس اجتهاد سياسوي متدين، لأنه في هذه الحالة يكون ابتلاع السياسة والايديولوجيا للدين كاملا. وتحدث الازمة الكبرى، اذ يأتي الطغيان والفساد في رداء ديني وتختلط الامور التي تظهر المعركة مع الطغيان وكأنها معركة مع الدين.



    الصحافة 2/12/2006
                  

12-05-2006, 02:53 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: MLK vs. Turabi? (Re: الكيك)

    مقال قديم مهم لابد من الرجوع اليه ....اقرا
    الافندى ...الاخوان المسلمين شركاء فى جرم دارفور

    عن عدوان مجلس الامن علي السودان ونية استهداف الاسلام
    ssد. عبدالوهاب الافنديsss
    ppعقب صدور قرارات مجلس الامن المتعلقة بالشأن السوداني في نهاية آذار (ماس) الماضي اصدرت جماعة الاخوان المسلمين في السودان بيانا دعت فيه لمواجهة عدوان مجلس الامن الذي يستهدف بنظر الجماعة السودان اولا والاسلام عموما. ودعت الجماعة الي توحيد الصف السوداني والصمود في وجه كيد اعداء الاسلام وعدم تقديم اي تنازلات حتي ينهزم الطغيان وينحسر.ppp
    وجماعة الاخوان المسلمين هذه هي غير الجبهة الاسلامية القومية التي كان يتزعمها الدكتور حسن الترابي والمسؤولة عن انقلاب حزيران (يونيو) 1989 الذي جاء بالرئيس محمد حسن البشير للحكم، بل هي مجموعة انشقت عن تلك الحركة (حين كانت تتسمي ايضا بحركة الاخوان المسلمين) في عام 1980. وقد وقع ذلك الانشقاق الذي قاده الاستاذ صادق عبد الله عبد الماجد بسبب خلافات حول زعامة الترابي للحركة، وتحفظات علي مواقفه الايديولوجية والسياسية، وخاصة قرار المصالحة مع نظام النميري ورفض الترابي الانضمام الي التنظيم الدولي للاخوان المسلمين تحت قيادة الحركة المصرية.
    وعلي هذه الخلفية اتخذت حركة الاخوان المسلمين موقفا متحفظا، بل ومناوئا في بعض الاحيان، لحكومة البشير في اول عهدها، ولكن هذا التحفظ تحول الي تقارب ثم تحالف بعد اقصاء الترابي عن السلطة في اواخر عام 1999. والحركة الان ممثلة في الحكومة بعدة وزراء ابرزهم الدكتور عصام البشير وزير الاوقاف والشؤون الاسلامية في الحكومة الحالية.
    من هذا المنطلق يمكننا ان نفهم بيان الحركة علي انه مساهمة من جانبها في دعم التحالف الحكومي، ومحاولة لتعبئة الرأي العام الاسلامي داخل وخارج السودان خلف الموقف الحكومي الرافض لقرارات مجلس الامن، خاصة وان جماعة الترابي ممثلة في حزبه الجديد، المؤتمر الوطني الشعبي، كانت تدعم الحملة الدولية ضد النظام.
    وقد جاء في البيان بعد استنفار الأمة للجهاد ان عدوان مجلس الامن علي السودان لا يتعلق بالحكومة الحاضرة ولا بأي حكومة في السودان ولا بالحرب في دارفور، ولكن كل تلك الاسباب مفتعلة ليصلوا الي هذه الامة في عقر دارها فيزيلوها عن مكانها ان استطاعوا ويشتتوها ويمزقوا اطرافها .
    واضاف البيان:
    المستهدف هو الاسلام واهل الاسلام، وليس الامر قاصرا علي السودان، بل بدأ بافغانستان فالعراق فسورية ولبنان وايران والسودان وغدا مصر والسعودية واليمن وبقية البلدان التي يرتفع فيها الاذان، هذه هي القضية ضمن جهلها وتجاهلها ماتت ميتة رخيصة يرزح في أصفاد الذل والهوان ثم واجه الحساب في الاخري .
    ويدعو البيان جماهير الشعب والقوي السياسية الي الاصطفاف وراء الحكومة في تصديها لهذا العدوان، وإلي تناسي الخلافات معها، وعدم الاصرار علي رفع ظلمها عنهم. كما يطالب البيان الزعماء السياسيين بالتضحية بمصالحهم الضيقة في سبيل انقاذ الوطن. ويضيف:
    اننا قد استنفدنا ما يجوز ان يبذل لارضاء هؤلاء المستكبرين وفوق ما يجوز ان يبذل طلبا ان يكفوا عنا عدوانهم، ظنا منا ان هذا من حسن السياسة والكياسة. ولكن بان الان ان الامر غير ما توهمنا وان طلب استرضائهم مطلب عزيز ولن ترضي عنك اليهود ولا النصاري حتي تتبع ملتهم .
    ودعت الحركة في نهاية بيانها الي التوكل علي الله ومقارعة العدوان بدون هوادة او تنازلات، كما استنصرت المسلمين في الخارج وانصار الحرية في كل مكان ان يقفوا مع اخوتهم في السودان لرد الظلم والعدوان لانهم ايضا مستهدفون بهذه الحملة التي تريد ان تجهز علي بلاد الاسلام واحدا بعد آخر.
    ولا شك انه لو صح ما جاء في هذا البيان من وجود حملة مدبرة لاستئصال الاسلام والمسلمين، ورد المسلمين عن دينهم فانه لا خيار امام اهل الملة سوي الجهاد دفاعا عن عقيدتهم. ولا نريد هنا ان نجادل في هذه المسألة، بل نترك للقراء الكرام ان يحكموا علي هذه المقولة ـ ولكننا نريد ان نقف عند عدة نقاط. اولي هذه النقاط هي ما ورد في البيان من ان الحكومة السودانية وحلفاءها الاسلاميين قد قدموا من التنازلات ما يجوز وما لا يجوز دون ان يغني عنهم ذلك شيئا. ولا شك انه لو كان الامر يتعلق بحرب استئصال تستهدف الاسلام في كل انحاء العالم فلا يجوز اصلا تقديم تنازلات ـ والسؤال هو من الذي اجاز تقديم هذه التنازلات، ومن الذي يحدد ما يجوز وما لا يجوز منها؟ وهل تمت استشارة الامة في تقديم هذه التنازلات؟ وهل تتم استشارتها اليوم في الحرب المقترحة ضد مجلس الامن وكل القوي الواقفة وراءه، وهي حرب كما يشير البيان بلا نهاية ولا تنازلات ولا ترضيات، فاما النصر واما الشهادة؟
    ولنفترض هنا جدلا صواب كل ما سبق من وجود حرب لا هوادة فيها علي الاسلام، ولا مناص من خوضها، فهل الخندق الذي قررت الحكومة ان تخوض منه هذه الحرب هو منزل انزلها اياه الله تعالي ام هي الحرب والمكيدة كما جاء في الاثر؟
    الحكومة السودانية اعلنت الجهاد علي مجلس الامن والعالم حول قضية المطلوبين بتهمة ارتكاب جرائم الحرب في دارفور، وهم حفنة من الافراد لا يتجاوز عددهم الخمسين. واذا كانت الحكومة ستتبع نصيحة الاخوان المسلمين وتعلن الجهاد علي العالم الي ما لا نهاية، فمن القطع ان ضحايا هذا الجهاد سيكونون اكثر بكثير من هؤلاء الخمسين. وبما ان البيان نصح الجميع بالتضحية ونكران الذات قائلا ان الزعيم والقائد هو من يضحي بمرغوباته في سبيل الاهداف العليا، ويكبر عند الله ثم في أعين الناس بقدر ما ضحي به من حظوظ النفس في سبيل الله ثم الاهل والوطن . اذا كان البيان نصح بذلك وكان الامر كما اكد قضية تهدد باستئصال الاسلام من جذوره، ألا يكون ثمنا قليلا ان يقرر المسؤولون من بين هؤلاء المتهمين التنحي عن مناصبهم وعرض نفسهم علي القضاء السوداني في حضور شهود دوليين ليحكم ببراءتهم من عدمها؟
    من جهة اخري فان قضية دارفور ليست بالقطع الخندق الذي يجب ان يتمترس خلفه المدافعون عن الاسلام ضد خطر اعدائه، لان ما وقع في دارفور كان باعتراف الحكومة وشهادة العالم كله عدوانا سافرا علي مسلمين آمنين نالهم القتل والتشريد بدون وجه حق. ولا يمكن بأي تفسير بعيد ان يقول عاقل بان استنكار هذا العدوان وشجبه والمطالبة بمعاقبة الجناة فيه هو محاولة لاستئصال الدين الاسلامي من العالم. اللهم الا اذا كان الاسلام عند البعض هو حق العدوان علي المؤمنين والمؤمنات من حفظة القرآن.
    وفضلا عن ان تكون النصرة للدفاع عن من ارتكبوا جرائم دارفور دفاعا عن الاسلام واقرب الي الله، فان الاقرب الي العقل هو ان الانكار علي هؤلاء القوم هو ما يرضاه الله ورسوله، بل ما لا يرضي الله تعالي اقل منه. وآخر شيء يريده المرء وهو يتأهب لخوض جهاد يأمل ان يلقي فيه ربه ان يكون في الصف معه قوم تلوثت ايديهم بدماء المسلمين واعراضهم، والاولي هو تطهير صفوف المجاهدين من هؤلاء قبل كل شيء، ولا شك ان تعريض مقدرات السودان ومصالح شعبه للخطر دفاعا عن الاجرام والمجرمين هو جريمة مزدوجة في حق البلاد، وهو اشبه بما فعله صدام حسين حين اضاف الي جرائمه في حق الشعبين الكويتي والعراقي جريمة تعريض العراق للتدمير وشعبه للهلاك.
    كما قلنا اننا لا نريد ان نجادل هنا في وجود متربصين بالأمة الاسلامية، واعداء يسعدهم تدمير بلاد الاسلام واضعافها وتمزيقها. ولكن مقتضي العقل يقول انه من الحكمة عدم اتاحة الفرصة للاعداء بارتكاب الاخطاء الفادحة كما فعلت الحكومة السودانية في دارفور وسورية في لبنان (وسورية ايضا) والعراق في الكويت والعراق وايران.
    ومهما يكن فانه لو كان هدف اعداء الامة حقا هو استئصال الاسلام واضعافه فانه لن تكون لهم اي حاجة لمهاجمة حكوماتنا الرشيدة التي تقوم بالواجب بصورة افضل بكثير من الاعداء الخارجيين ـ فهل يكون اسقاط النظام السوري مثلا حربا علي الاسلام في حين ان هذا النظام هو الوحيد في العالم الذي يحكم بالاعدام علي دعاة الاسلام وناشطيه؟ وهل كان اسقاط صدام حسين الذي اعدم محمد باقر الصدر والعديد من مفكري الاسلام وشن الحرب علي ايران ضربة للاسلام ام انقاذا له؟
    نحن لا نريد ان نقول هنا ان الولايات المتحدة واسرائيل هما من انصار الاسلام، ولكننا نسجل حقيقة اساسية، هي ان انظمتنا اكثر عداء للاسلام وقيمه من التتار المغيرين علينا. والذي يريد بالاسلام شرا لا حاجة له الي غزو دار الاسلام، بل يكفيه ان يزيد المعونات لاجهزة المخابرات اياها وهي تقوم بالواجب واكثر.
    وحتي تلك الانظمة التي تدعي بالاسلام وصلا، مثل الحكومات السودانية والسعودية والايرانية، فانها قد اساءت للاسلام بسياساتها أكثر بكثير مما كانت تحلم به الجهات التي تتمني استئصال الاسلام من علي وجه الكرة الارضية. فقد ارتكب القوم من المظالم واجترحوا من الفساد والنهب المقترن بشعارات اسلامية ما جعل غالبية اهل البلاد تنفر من كل من دعا بدعوة الاسلام.
    وحري بحركة الاخوان المسلمين السودانية، وقد اصبحت شريكة في هذا الجرم المرتكب باسم الاسلام وفي حقه، ان تبدأ بنفسها وشركائها، فتتبرأ من الظلم واهله، وتتنازل عن نصيبها من المغانم في بلد يكثر فيه الجياع. وبدلا من ان تدعو العامة الي نسيان مظالمهم لدي الحكومة، عليها ان تطالب الحكومة بان ترعوي عن الظلم، وتقتص ممن اجترحوه.
    ان التدهور الذي وقع في اقليم دارفور كان نتيجة لسلسلة اخطاء مميتة، بدأت باساءة ادارة الوضع السياسي وممارسة الاقصاء في حق اهل دارفور ومرت عبر العجز عن التصدي للتمرد المسلح، ومحاولة مداراة هذا العجز او تداركه عبر تشجيع الفوضي والاجرام، واخيرا العجز والتخبط في ادارة الكارثة التي نتجت وذيولها الدولية. ولا شك ان محاولة تصوير هذه السلسلة المتتابعة من الكوارث علي انها فتح اسلامي مبين اثار حسد الحاسدين من اعداء الاسلام حتي تنادوا حي علي الجهاد لضربه هو ضرب من خداع النفس القاتل.
    الاولي بالاخوان المسلمين وغيرهم من دعاة النطق باسم الدين، خاصة كونهم كانوا شهدوا علي ما جري ومشاركين في اثمه، ان ينصروا اخوانهم بكف ايديهم عن الظلم اتباعا للنصيحة النبوية، وان يسارعوا الي نجدة المنكوبين والتضامن معهم، وان يطالبوا من داخل الحكومة بمساءلة ومحاسبة ومعاقبة المسؤولين عن هذه الكوارث السياسية والعسكرية والانسانية التي لم تهدد النظام فقط، بل تهدد اليوم وجود السودان. هذا اضافة الي ما وجهته من ضربة للعلاقات العربية ـ الافريقية ولمستقبل العمل الاسلامي في دارفور.
    نعم هناك بالقطع خطر يتهدد الاسلام في السودان اليوم، ولكنه خطر مصدره الخرطوم، لا نيويورك او واشنطن. واذا كان لا بد من الجهاد لدرء هذا الخطر، فان وزراء الاخوان المسلمين لا يحتاجون الي تغبير اقدامهم بمسيرة طويلة لكي يبدأوا هذا الجهاد الذي اصبح لا مفر منه، فساحة الجهاد قريبة جدا من مكاتبهم وربما تكون داخلها.

                  

12-06-2006, 00:19 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: MLK vs. Turabi? (Re: الكيك)

    الطاهر ساتي

    الصحافة5/12/2006ش

    ** لله الحمد ، وبفضله نعود اليكم ايها الاحباب على امتداد هذا الوطن الحبيب ، ونعتذر لكم على احتجابنا - طوعا - يوم أمس ، حيث حجزتنا عنكم مشاعر دافئة دثرتنا بصدق ضمائرها اليقظة ، ودموع سعيدة زملتنا بوفاء مقلها التقية ، كنت أفتقدها وافتقدكم في أيام الحبس الماضيات بلياليها الشاتية ونهاراتها القاسية ، نعود أيها الأحباب لنواصل معكم السير بذات الخطى التي كتبت علينا أن نمشيها في طرق ذات تلال وجبال و أشواك وغدر واقدار ، نتخطى غدرها برعاية الله ثم دعواتكم الطيبات و نرضى بقدرها ايمانا بربه و امتثالا لأمره ..!!
    ** عفوا يا أبناء وطننا الحبيب .. تمنينا أن نواصل بما انقطع من حديث كانت حلقته الاولى عن فساد بين وتجاوزات موثقة باحدى جامعاتنا العريقة ، كنا نتمنى أن نواصل بالحلقة الثانية التي نعدكم بها لاحقا باذن الله ، أوكنا نتمنى أن نواصل بأي حديث أخر ذي صلة باحدى قضاياكم العامة و مواجعكم الجماعية ، دكا لبؤرة فساد جديدة ، كشفا لذكاء عقل سياسي مختل وطنيا ، نقداً لرؤية بصر حزبي بلا بصيرة قومية أو فضحاً لفكر رسمي ضار شعبيا .. فالقضايا العامة هي التي تؤرق مضاجعكم أيها الاحباب ، وهي التي تمنينا صادقين أن نواصل بها ، و لكن أعذرونا يا اصحاب الوجع العام لو شغلناكم قليلا بوجع خاص ألم قلوبنا ، و أدمع عيوننا ، وأحزن نفوسنا ولم يرعبنا أو يخيفنا ولم ينزع ما نراه حقا و صدقا من فؤادنا ومداد قلمنا ، كان وجعا خاصا ، سامحونا لا على توثيقه ، و لكن على بوحنا به لكم ، لثقتنا فيكم .. و لو لم يكن وجعا ذا صلة بالعدالة وقوانينها لما بحنا به .. سامحونا .. واليكم التفاصيل بكل شفافية ..( الشفافية ) لم تكن في يوم من الأيام عائقة للعدالة كما يقولون ، بل هي المياه التي تروي شجرتها مثلما ( التكتم ) هو الآفات التي تيبس خضرتها .. !!
    ** الشرطي في بلاد المشركين حين يعتقل كافرا لا يؤمن بالله واليوم الآخر يتلو عليه حقوقه الثلاثة ، سبب الاعتقال ، وابلاغ الأهل أو المحامي ، ثم يودعه الحراسة ويحفظ له حقوقه الدستورية ، متهما كان أو مشتبها أومظلوما، وهي حق المرافعة ، وحق التواصل - تحت سمع وبصر السجان - مع محاميه و أهله ، وحق استجلاب ما يحتاجه من غذاء وكساء وغطاء ودواء الي أن يدان و يعاقب ، أو يبرأ ويطلق سراحه ، هكذا العدالة وشرطتها ونياباتها في بلاد المشركين الذين لا يؤمنون بالرسل والكتب السماوية وقيم السماء ، تتعامل مع الانسان باعتباره انسانا سويا ، لانسانيته حقوق مصانة ، و لكرامته واجبات تحفظ ، حتى تثبت المحكمة ما تراه في حقه مناسبا من أحكام .. هكذا الأمر هناك في دول أصحاب الشمال ...!!
    ** أما هنا في دولة أصحاب اليمين، وتحديدا يوم الأربعاء الثاني والعشرين من نوفمبر الماضي ، استدرجتنا شرطتنا بالهاتف ثم أقتادتنا بسيارتنا من شارع النيل وأودعتنا احدى حراسات كوبر دون أن تكشف لنا السبب أوالبلاغ أو الجهة الشاكية ، وذهبت بعد أن حرمتنا أولا من كل حقوقنا الدستورية بما فيها حق ابلاغ الأهل بأننى لست مخطوفا من قبل جناة أوفصائل ، بل في ( أيد أمينة ) كما قال بيانها الصحفي بعد خمسة أيام من الاختطاف الذي اكتسب - بالبيان - الوضع القانونى وصار احتجازا ، وكان مجرد التفكير فى الاتصال بمحامي في الخمسة ايام السابقات للبيان والستة التاليات له ، كان التفكير فيه رجسا من عمل الشيطان ، وثانيا حرمنا من الحقوق الانسانية اللائقة - أو كما قالت الشرطة في بيانها (المعاملة الكريمة) - وهي حق استجلاب احتياجاتي الخاصة من غذاء وكساء وغطاء ودواء ومصحف وصحف ومكيفات غير محرمة - الشاي ،القهوة ، - ،، أحد عشر يوما كنت بريئا أتوسد فيها ثنى الساعد الايمن على «البلاط» البارد ملتحفا برد الشتاء وأسراب البعوض ، مرتديا بنطالا وقميصا حرمت تغييرهما و ايجاد بديل لهما طيلة ايام الحبس ، أحد عشر يوما لا يعرف مكان معتقلنا أحد من الاسرة أو أحد من القضاء الواقف ، أحد عشر يوما لكل ليلة قصة ( تعامل كريم ) ولكل نهار غصة ( قانون جنائي ) .. نحكيها قصة غصة ، أسبابها الجوهرية بكل هوامشها ، نحكيها لا لننتصر لهوى النفس ، ولكن في سبيل الا يضار أحد من بني جلدتى بعدنا ..نحكيها بإذن الله ، وأعذرونا لو احتجبنا - قبل نهايتها- لاسباب قد تسميها سكرتارية التحرير ب(القاهرة) واخرون بأن لاعلاقة لها بالنشر ... !!
                  

12-06-2006, 06:44 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: MLK vs. Turabi? (Re: الكيك)

    الصحافة 6/12/2006
    نتخطى الغدر ، لا القدر ( 2 )

    الطاهر ساتي



    ** لن نشين سمعة أية جهة - عدلية أو اعلامية - اجتهدت لاشانة سمعتنا - جهلا أو عمدا - في الأيام الفائتات ، ليس خوفا منها و لا حياءً أو ليس لنقاء سيرتها ومسيرتها بحيث لا يساء اليها ، ولكن لأننا تخرجنا في بيوت الطين بعد أن أرتوينا بقيمها الاصيلة وتعلمنا كريم خصالها السمحة، ثم لايماننا بأن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله ، فقط بعيدا عن الاشانة والاساءة نوضح ما رأيناه و سمعناه .. وعليه نفترض حسن النية في بيان المكتب الصحفي للشرطة ، ذاك البيان الذي قال لأهلي وزملائي - عبر الصحف - بأننا رهن الاعتقال منذ خمسة أيام لأسباب لا علاقة لها بالنشر ، وهذا يشير ضمنيا بأننا معتقلون في قضية جنائية ، كل يفسرها على هواه ( قتل ، مخدرات ، اغتصاب ، سرقة ، شيك مرتد ) .. لو أحسنا الظن في البيان ، تطل أسئلة من شاكلة منذ متى كانت الشرطة تعلن في الصحف لمن تعتقلهم - كمتهمين أو مشتبهين - في القضايا الجنائية، أم أننا كنا متهمين، مشتبهين، أو مظلومين جديرين بالادانة الاعلامية والاجتماعية و اشانة السمعة لشئ في نفس ( بعض ولاة أمر العدالة )؟، ولماذا لم يكن اصدار البيان يوم الاعتقال، أم أن المكتب الصحفي لم يعلم - مثل أهلى و زملائي وقرائي - خبر اعتقالنا الا في اليوم الخامس ؟، ان كان لايعلم فالامر ( مصيبة)، أما ان كان يعلم فالامر ليس له تفسير الا ( الاخفاء ) و هذا ( كارثة ) ...!!
    ** تلك أسئلة نحسبها مشروعة طالما الشرطة تحسب ان اجراءاتها - المخالفة للدستور و القانون الجنائي - مشروعة ، وثمة أسئلة أخرى أعددناها تحت سقف حراسة كوبر ، نأمل أن تجد اجابات صادقات من حماة العدالة ، قضاة و محامين ، وهي من شاكلة ماذا يعني ايداعنا في حراسة القسم نهارا ثم يأتينا رئيس القسم مساء ويخبرنا بأنه ليس مسؤولا عنا واننا فقط ( ضيف ) و لايعلم شيئا عن قضيتنا .. هكذا والله كان يخاطبني السيد المقدم رئيس القسم كلما طلبت منه حقا دستوريا أو قانونيا .. وماذا يعني أن يأتينا وكيل النيابة التي يقع في دائرة اختصاصها القسم ليخبرك بأنه أيضا ليس مسؤولا عنا ولا يعرف شيئا عن البلاغ والتهمة، و لا يستطيع أن يقدم لنا أية خدمة و لو كان حقا دستوريا أو قانونيا .. نعم هكذا كان يحدثني مولانا هشام يوميا و عندما اكثر من الاسئلة المشروعة يتمنى لي الصبر و يحثنى عليه و يمضي لحال سبيله .. ماذا يعني أن يكون المجرم ، المتهم ، المشتبه ، أو المظلوم في حراسة قسم رئيسه غير مسؤول عنك ووكيل نيابته لا يعرف مظهر وجوهر قضيتك .. ومن المسؤول اذا حدث - لا قدر الله - مكروه لنا .. افيدونا يا حماة العدل.. ولاحظ - عزيزي القارئ - اننا نجرد القضية عن ذاتنا ونبعدها عنها بقدرما استطعنا ، حتى لا تصبح تلك ( الاجراءات الاستثنائية ) قانونا عاما يطبق على العامة التي لا حيلة لها ولا قوة ولا منبر حزب أو نافذة اعلام ...!!
    ** و لأننا نحترم قوانين بلدنا أكثر من بعض حماتها ، ونحترم الأوامر الصادرة من جهاتنا العدلية التي جردتنا من كل حقوقنا الدستورية و القانوية و الانسانية فى تلك الليالي و نهاراتها ، أحتراما للقوانين والاوامر التي تظن أن الشفافية تعيق سير القضية التي دثروا اعتقالنا بها ، احتراما للأمر النيابي القاضي بعدم التعليق و لكي لا تضار الصحيفة ، لن نعلق على الاخبار التي استمدتها الصحف من مولانا أحمد عبد اللطيف - عبر المركز السوداني للخدمات الصحافية - ، لن نعلق مؤقتا على التصريحات ذات الصلة بنا حتى لا نعيق سير العدالة أو كما يبررون ، ولكن نعدكم بإذن الله ورعايته - أيها الاحباب - بأن المحطة الأخيرة لتلك القضية هي بداية مقالات أخرى بذات العنوان ( نتخطى الغدر لا القدر ) ، انتظرونا لنعود ونكتب بإذن الله، والا فسوف نقرأها جميعا بوضوح في صحائف الاخرين يوم لقاء الناس بربهم ، هناك لا تستطيع الرتب العسكرية حجب الحقائق ولن تمنعك النيابة حق الاطلاع .. ونكرر احترامنا لقوانين يجب أن يحترمها الجميع ، الولاة و الحماة قبل العامة والصحافة ... !!

                  

12-06-2006, 08:35 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48584

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فتنة السلطة والجاه ....الهمز واللمز بين الاخوان (Re: الكيك)
                  

12-07-2006, 05:03 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فتنة السلطة والجاه ....الهمز واللمز بين الاخوان (Re: Yasir Elsharif)

    سودانايل
    Last Update 06 ديسمبر, 2006 09:58:44 PM

    الظلال السالبة لمقالات د. التجاني عبد القادر علي الإخوان الصغار

    جمال الدين فرح محمد
    [email protected]

    إطلالة الدكتور التجاني عبد القادر الأكاديمي والمفكر الإسلامي بمساجلاته التاريخية حول الإنقاذ رغم أنها جاءت متأخرة كثيرا إلا أنها فتحت الباب علي مصراعيه لكشف المستور في مسيرة بدأت قاصدة الي الله يلتف حولها الناس، فتحولت دون مقدمات الي فتنة تحلق حول الشامتون، وأضحت قصصها نوادرا تروي هنا وهناك منها ما يمكن إحتماله ومنها لا يمكن.

    ومما لا يمكن إحتماله هو أن يطل علينا كل حين واحد من قيادات الحركة الإسلامية من أمثال الدكتور التجاني الذي نقدره ونحترمه ليبرز كل هذه العيوب تحت مسمي الشفافية والإصلاح، والمعلوم أن الإصلاح ورأب الصدع مصطلحان سئم أعضاء الحركة الإسلامية الصامتون عن تناولهما لأن ترديدهما يعيد الي الذاكرة تلك اللجنة المشئومة التي تمخضت لتلد فأرا في أحلك ساعات إنتظار الإبن البكر.

    ولأن الحركة الإسلامية بتاريخها القصير في السودان مقارنة مع التنظيمات الأخري تعد الأكثر صمودا في مواجهة رياح التغيير والخلاف فإنه لا يخفي علي الدكتور التجاني أن هذه الحركة ما زادتها تلك الخلافات أو خروج بعض قياداتها عنها في اي منعطف إلا تمسكا بذات المنهج الذي جعل رسالتها مبسوطة تهوي اليها الناس من كل فج عميق.

    ولما كان مولد هذه الحركة داخل قطاع الطلاب كان تاثيرها غضا طريا يمتد للقطاعات الأخري يحشد فيها روح التفاؤل والإنجاز مما حفظ للحركة روح شبابها وفتوتها علي إمتداد الزمان والمكان.

    وعلي غير منهج التنظيمات الأخري كانت أذرع الحركة الإسلامية تتمدد في مجتمع يرغب في أن تتحول معاني الشوري والعدل والحرية والإخاء والمساواة والمشاركة واقعا يدفع عن أذهانهم إحتكار القيادة والرأي والمشاركة لمجموعات قليلة.

    فالحركة الإسلامية السودانية عند إخوتك الصغار أخي د. التجاني ليست كمثل سائر التنظيمات السياسية السودانية يمينا ويسارا ينشر أعضاؤها المسكوت عنه من الأقوال والأفعال، بلا مبرر ومهما كانت الظروف والأحوال. إذ لم يكن لدي أي واحد من الأخوان الصغار من شك ان الوظيفة في الحركة الإسلامية تكليف لا تشريف وأن طاعة الأمير واجبة وفي كثير من الأحيان انت تقول وتفعل ما لا تؤمن به ما دام هو رأي الجماعة، ومن هذا الباب كان الأخوان الكبار جميعهم أمراء ومكلفين زاهدين لا يلحظ أحد فيهم حب السلطة أو الجاه.



    ذلك أن السواد الأعظم من الأخوان الصغار كانت آمالهم وطموحاتهم كبيرة في بناء الدولة الإسلامية التي يعيش فيها جميع أفراد الشعب متمتعين بحقوقهم وحرياتهم العامة وحرماتهم، ولأن التنظيم الإسلامي كان حديث عهد بالسياسة والحكم فقد وقعت الكثير من الأخطاء التي حسبها الأخوان الصغار هفوة عن غير قصد في مسيرة الإصلاح.

    كان التنظيم بقياداته الذين لم تغريهم كراسي الحكم منفتحين جادين في الحوار مع الأخوان الصغار، وفي كل قضية يطرحها هؤلاء كانت المشاركة واسعة والرأي متداول. لكن بعض الذين غرتهم السلطة كان مجرد حضورهم لمخاطبة أي ملتقي خاص أو مؤتمر طلابي تاتي علي سبيل أداء الواجب، ما لم تكن هناك حاجة للتعبئة والإستنفار. فبعض الشخصيات الرسمية المتواجدة في سدة الحكم قربت إليها مجموعة بعينها من قيادات الطلاب وقدمتهم لهيئة الحركة العليا في أبهي صورة ورفدتهم بالمال واشكال الحماية الأخري مما جعل أيديهم وألسنتهم طويلة تسع ما لا يمكن إتاحته لهم سابقاً، ولأن الحركة الإسلامية منذ تشأتها الأولي تحفظ لقطاع الطلاب أنه الحاضن لها صدقت كلما يقول وسارت علي صمته الكاذب أن هذه القيادات هي التي ستحفظ للحركة مستقبلها وستبني الدولة الإسلامية التي احتشد المسلمون داعمين لها.

    وكما تعلم أخي د. تجاني فإن جميع الأحداث الجسام كان الرسميون من إخوانك الكبار يصورونها في جلسات التنوير أحداثا بسيطة لا ترقي لمستوي الحوار المتسم بالشفقة علي حال الدولة الإسلامية إن تزايد الخلاف، بل وكانت جلسات التنوير تلك علي قلتها ينتقي لها عدد من الأخوان دون الآخرين، والمعلومات التي تذكر فيها هي عامة وغير خاصة في غالب الأحيان، ويعمل كل مسؤل ما في وسعه لإقناع الحاضرين بأن ما يقولونه اندفاع شباب زائد.

    وعلي ذات منهج التهويم هذا إبتلي قطاع الطلاب في مسائل عدة منها ضعف المشاركة والإهتمام بشكلية الشوري والإختيار وغياب الحرية والمحاسبة والشفافية إلا في أوساط محددة.

    وما قلته هنا ثابت بالبرهان فالإختيار لا يسنده معيار القوي الأمين فقط بل رغبة قيادات القطاع الذين تدخلوا حتي في إختيار أمين الجامعة ورئيس إتحاد الطلاب والشباب وتسميتهم بل جعلوا الإنتخابات التي تجري لإختيار قيادات الأجهزة الطلابية مسخا مشوها ويمكن لكل راغب أن ينظر الي إجراءات إختيار قيادات الإتحاد العامة والخاصة.

    فالوظيفة في سن الطلاب والشباب مؤهلها الولاء والإنجاز والصوت الجهور حتي لو كانت التقارير المرفوعة غير صحيحة ومفتولة (لفظ منتشر بين الأخوان لوصف التقارير المصنوعة وغير الحقيقية) خاصة التي تتحدث عن النسب العالية لإنضمام الطلاب والشباب للحركة الإسلامية وإيمانهم بمبادئها، دعك عن تقارير الكسب التي تتحدث عن دور هذين القطاعين في حركة التغيير الإجتماعي وأداء الدور المنوط بهما في هذا المجال.

    أما دور مكاتب التأمين عند هذين القطاعين فلا يختلف أبدا عن أمن الكبار فهم أمن الطلاب تكديس المعلومات وتقديمها (بالقطارة) لأكبر مسؤل ما دام في حفظها حفظ لدور أمناء المعلومات وتقديرا لهم ورهبة في نفوس إخوانهم، وقد أحدثت تلك الممارسة اثرا سلبيا عظيما إذ أتهم أخوان شرفاء بالخيانة من قيادات الطلاب قدم بعضهم روحه فداءا للقضية وتسرب الاخرون الي جوانب الحياة الأخري يقضون وقتهم بعيدا عن المجاهدة والصبر علي ذلك الإبتلاء.

    ولما لم تكن المراقبة والمحاسبة تطال الجميع بغض النظر عن الموقع أو القرب من المسؤل الأول أو القيادات العليا كان من يطلق عليه لفظ شيخ وده يظل موصولا بأتباعه ينقلهم معهم يمنة ويسرة فلا تسمع لهم صوتا لا جهرا بالحق أو إنتقادا للباطل. أما الذين كانوا ينطقون بلاءٍ مجردة كان مصيرهم الإبعاد لأصقاع السودان البعيدة التي لا فيها تلفون أو تلفزيون في ذلك الوقت، بل وآخرين يتم تشريدهم، وعلي هذا المنوال سارت أمور التعين والتغيير والفصل.

    لقد أدي ذلك الوضع الي تكوين مجموعات ظلت ممسكة بمفاصل الأمور في تنظيم الطلاب والطريف أن التابعين لتلك المجموعة لم تتح لهم فرصة التفكير في تحديد جذور الأزمة ومدي تاثير إنقسام الحركة الإسلامية السودانية علي مستقبلهم والبلاد ودخلوا تبعا دفاعا عن الدولة التي كأن بإنهيارها تنهار الحركة الإسلامية والدعوة حتي رؤوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب فإرتد بعضهم وبقي الأخرون يبكون ليلاهم.

    فالدولة الرسمية عند بعض الأخوان الذي يؤمنون بنطرية المؤامرة لا يكاد يحتمل أمنها السلام والإستقرار إلا بتطويق المعارضين وقطع أرزاقهم وحشرهم في السجون مشتبهين ومتهمين يطول إنتظارهم بلا محاكمة.

    الترغيب والترهيب بالنفوذ من مال ووظيفة مال بالكثيرين من الأخوان يمينا وشمالا مما جعل الناس لا يتحرون صدق أحدهم إلا وهو تحيط به الأزمات من كل جانب وهو صامد صابر لا ينحني أو يتزحزح.

    ثم سمع الناس جهرا "الشيخ عنيد"، "البلاد تمر بمنعطف خطير" وهي مصطلحات إعتاد علي ترديدها الذين خرجوا من المؤتمر الشعبي ودخلوا دهاليز المؤتمر الوطني.

    ورغم إيماني بمبدأ الإحتراف الذي أثر حتي في مفهوم كرة القدم وجعل أبرز لاعبي الهلال يتحول الي المريخ إلا أنني ما حسبت يوما أن أري بأم عيني في مثل هذا الزحام من فات من عمره الستين ولازال يغير ولاءه وجلده يوما هنا ويوما هناك.

    إن ما كتبته هنا لم يكن مسموحا به أو حتي لمجرد النقاش فهذه مواضيع لا يجوز الإقتراب منها أو التصوير.

    ولك أن تصدق مثلي ما كان يذاع بين الأخوان الصغار عن ذاك القيادي البارز لهم في فترة التسعينات وعن ما يفعل ويقوله للدرجة التي وصل فيها الي الإمتناع عن مصافحة إخوانه من طلاب التعليم العام بحجة إحترام الفوارق بين الإجيال.

    وكعادة الثورات تدمر شعاراتها وتأكل بنيها، فقد مثلت الخمس سنوات الماضية قمة التهافت والكيد هنا وهناك، وشوه البعض ـ لا الجماعة ـ تنظيم الحركة الإسلامية وتاريخه المجيد لا لحق واضح بل لشئ في نفس يعقوب.

    أخي د. التجاني لقد رميت حجرا علي ماء ساكن، ومن خلال هذا المقال الإفتتاحي سنفصل بعده موضوعات كثيرة لعل طرحها يكشف خبايا واجهات إستغلها بعض الأخوان الصغار طلابا وشبابا، ومن خلال العناوين التالية:

    · الدوائر الضيقة لإتخاذ القرار وتعيين القيادات والغياب التام للشوري الحقيقية

    · تغليب سياسة الترهيب والرغيب والعنف في الجامعات بدلا من الحوار مما افقد الحركة قواعدها إلي الأبد وعلي وجه خصوص فقد الحركة منبر الطلاب في جامعة الخرطوم

    · عودة ذات الشخصيات التقليدية القديمة لقيادة قطاع الطلاب وهم فوق الخامسة والأربعين مما يجعل من المستحيل تفهمهم لنفسية الطلاب الذي لا يبلغون الحلم حتي حصولهم علي شهادة التحرج من الجامعات وفقا للسلم التعليمي الجديد.

    · بناء العقلية الأمنية، ظهور الجهوية، كراهية الآخر، وإتباع سياسة نسيان تاريخ الحركة الإسلامية ودور رموزها والإساءة اليهم.

    · محاربة جامعات بعينها.

    · مشكلات التمويل واستثمار أموال التنظيم التي اخرجت من قطاع الطلاب الكثير من الفاسدين.


                  

12-07-2006, 06:44 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فتنة السلطة والجاه ....الهمز واللمز بين الاخوان (Re: الكيك)

    الراى العام
    الخميس7ديسمبر2006
    بداية قرنتفكيك البنية فى جدل الإسلاميين والسلطة.. اششلرد على الاستاذ المحبوب عبد السلام:الإنتليجنسيا الإسلامـــية السودانيةالمتولية يوم الزحف «1-2»أبوالقاسم قورهناك مفردتان مهمتان فى مداخلتى هذه هما المكان والحركة ، تستوجبان الفهم والادراك علامة وفلسفة. عليه ان قرأ قارئي هذه المقالة ولم يدركها جزءا أو كلا ذلك ليس لعيب فيه هو، بل ربما كان ذلك لعيب فى الكاتب. والقول بمنظومة ( المكان والحركة) فى الحركة الاسلامية، بالتركيز على المفردتين (مكان) و(حركة) يفيد فى المعنى الديناميكى والفاعل لرؤيتى هذه. هى رؤية فى تفكيك وهدم - من جاك دريدى- بنية مقولة المحبوب (انتليجنسيا الحركة الاسلامية) وهى تمتاح من مشارب متعددة فلسفية ، وثقافية ، وسياسية ، ونقدية تعمل على فحص هذه المقولة فى اطار التحولات الكبيرة والسريعة التى طرأت على الحركة الاسلامية فى السودان فى الفترة 1989-2005م، كل ذلك يصب بالطبع فى خانة ضحدى لرؤية الاستاذ المحبوب عبد السلام التى تفترض وجود ( انتليجنسيا اسلامية سودانية) فى مقالته ( الانتليجنسيا الاسلامية المتولية يوم الزحف) التى تم نشرها سابقا بجريدة «الصحافة». تبدأ عملية هدم الجملة بشطرها الأول ( الانتليجنسيا الاسلامية ) ثم تذهب الى أشد معانيها هشاشة، وأدخلها الى الخيال فى قوله ( المتولية يوم الزحف).فاذا ما انهار الشطر الأول من الجملة ، انهار الشطر الثانى بالتوالى. لأن التوالى ليس متلازمة معرفية ، ابستمولية كما يظن بعض الناس ، فالتوالى هو أحد قوانين الطبيعة عامة ( كل ذريتين هايدروجين تتواليان حتمياً عن ذرة أوكسجين واحدة) تلك قاعدة ، وقانون من قوانين الطبيعة ، ثم يتضح جليا أن فرضية المحبوب هى وهم متوهم من الكلمات الجميلات .لكن وهم الكلمات أكثر خطورة على التاريخ الانسانى من أى شئ آخر وبسببه طرد افلاطون الشعراء من (جمهوريته) منذ القرن الثالث عشر قبل الميلاد. ليس هناك شك ولا حتى ذرة غبار أو جدل حول لذوعية وألمعية الاستاذ المحبوب عبد السلام كرمزٍ من رموز الحركة الاسلامية فى السودان، فهو من المقربين للدكتور حسن عبد الله الترابى مؤسس الحركة، ويكن له ودا واحتراما والتزاما لا ينكره مراقب. فمن باب الحق ، و ذكر مكارم الاوفياء القول بشهادة المحبوب الذى اشتهر بأدبه الجم ، ولسانه الزرب العفيف و جسارته فى ارتياد التنوير وعصوره. فان كانت قد ابعدته سوالف الزمان من باب (ساس يسوس سوسا) وأعتورته خطوبته فصيرته مهاجرا، سيظل المحبوب مثقفا سودانيا أصيلا.يضرب بجناحيه السحاب عائدا يوما ما وقتئذ سنقول له: (ان تعب منك جناح فى السرعة زيد) على حد قول الشاعر السودانى الأصيل صلاح أحمد ابراهيم.المكان الأول والأخير فى الحركة الاسلامية هو مكان سياسى. من هذا المكان ذا المركزية الاستقطابية المتمحورة يتم الافتراع الى الهامش. هذه عملية مقلوبة وفقا لبنية النسق المعروفة كما يرى أمثال ليفى تراوس ولوثيان قولدمان. فمن المعروف أن هوامش البنى تذهب نحو المركز نسقيا. لكن أن تبدأ تخلقات الهامش من المركز وتذهب الى الهوامش تلك خصيصة من خصائص الحركة الاسلامية فى السودان وحدها. تلك مسألة أشبه بصعود الماء من سفح الجبل الى قمته .هذا المكان - المركز- هو مكان متحرك وغير ثابت، متحول ، بسرعة ضوئية. فى ظرف عقد واحد من الزمان اتخذت الحركة الاسلامية فى السودان ثلاثة أسماء ( الحركة الاسلامية ، الجبهة الاسلامية القومية والمؤتمر الوطنى الشعبى). ذلك قبل الإنشطار التاريخى.ان مركز الحركة الاسلامية ظل فى حركة مستمرة. فى مواجهة التحولات السياسية منذ عام 1956 فبدت الحركة الاسلامية أشبه بالشخص الذى يركض داخل قطار يسير بسرعة (س). فمهما أسرع ذلك الشخص سيظل داخل القطار ، أى انه سوف لن يصل قبل القطار فى المسافة أب . لكن هناك حركة أخرى تتبع هذا الرجل الراكض داخل القطار هى حركة هامشه الفكرى ، الثقافى، الذكائى ، النقدى ، الابداعى. والتاريخى هذا الهامش هو الانتليجنسيا !!!. فالانتليجنسيا هى مجموع الانتاج الفكرى التاريخى والابداعى للفرد وليست أفراداً. المقصود من كل ذلك هو ما يعتبره البعض حركة اسلامية هى أصلا تحولات سياسية لحزب سياسى اسلامى واحد. لا توجد حركة أصلا ذاتية للحركة الاسلامية. فالحركة هى حركة المركز لتنظيم سياسى اسلامى ذي الطبيعية الاستقطابية المتمركزة محوريا. بهذه النظرة يمكننا القول انتفاء وجود انتليجنسيا اسلامية بالشكل الذى نظر اليه السيد المحبوب ، بمقاربات غير موفقة بين غرامش ، ادوارد سعيد ، وسيد قطب. أما وصفه لصفوة أمثال أمين حسن عمر ، التجانى عبد القادر ، محمد وقيع الله ، وعبد الوهاب الأفندى بأنهم انتليجنسيا ، هذا ليس له دليل على زعمه. بل دليل على عدم وجود الدليل. فالتاريخ يحدثنا عندما كان هؤلاء ينعمون برضاء شيخهم اتيحت لهم فرصة التمكن ، أما بعدهم عن المركز السياسى غيبهم تماما.لذلك يعتبر المركز كمكان بمعناه الانطلوجى والسياسى من أهم عوامل وعناصر وخصائص الاقتراب من مركز القرار والتأثير فى الحركة الإسلامية بالسودان. فالحركة الاسلامية التى اتسمت باستقطاب سياسى ذاتى وتمحور مركزى لم تفرد هامشا لتنامٍ فاعل لحركة الانتليجنسيا.تلك هى( هامارشيا ) الحركة الاسلامية فى السودان ، فعندما انهار المركز السياسى انشطاريا ، انهارت معه أطرافه. لو كانت هناك انتليجنسيا لظهرت فى شكل رفد فكرى ومقاربة ، لكن جاء الانهيار بنظام حتمى عموديا وافقيا فى البنية، هذا انشطار دياليتيكى تاريخى ، وعبر عنه أحد السياسيين النيرين بانه (فرقة عن وعى) . هكذا بدأت بنية الحركة الاسلامية فى تمحور ومركزية سياسية غير آبهة بهوامشها الاجتماعية، الانتليجنسيا. تلك مشكلة يصعب وصفها وتحليلها. انها (محنة الحركة الاسلامية فى السودان) فنمو المثقف فى كنف السياسى ظاهرة ليست قصرا على السودان ، وحركاته السياسية. السلطة والاقتصاد والقوة العسكرية هى مركزية كل نظام سياسى يذهب الى امتلاك الحكم. والحركة الاسلامية لم تصبح ( حركة ) الا فى اطار مشروعها السياسى أى حركة اسلامية سياسية . هنا سقط دور الانتليجنسيا ، وانتفى بأمر التأسيس. أى بمعنى اذا ما استبدلنا التعبير انتليجيسيا اسلامية بالتعبير دعاة الحركة الاسلامية ، أو فقهاء الحركة الاسلامية أو مفكرى الحركة الاسلامية ، لاتضح المعنى العقدى للحركة الاسلامية. فالدعوة الاسلامية لا تقوم الا بصرامة وصحة العقيدة ، ولا أرى مكاناً لمفردة انتليجنسيا بالمعنى التوحيدى فى العقيدة ، لأن العقيدة شرعا هى : الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، والايمان بالقدر خيره وشره. تلك هى عقيدة كل مسلم ، بالتالى هى التكوين النفسى والذهنى لكل متبع لحركة اسلامية.أطبع هذه الصفحة alrayalaam newspaper العودة الى الصفحة الرئيسية




                  

12-10-2006, 11:51 PM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فتنة السلطة والجاه ....الهمز واللمز بين الاخوان (Re: الكيك)

    الصحافة 10/12/2006
    الرأسماليون الإسلاميون: (1-2)
    مـــاذا يفعلـــون فى الحـــركة الإســـلامية؟
    د. التجاني عبد القادر
    [email protected]
    (1)
    أشرت فى مقال سابق إلى إرهاصات تحول إستراتيجى وقع فى مسار الحركة الإسلامية، وذكرت أنه صار يتجسد سياسيا فى تحالف ثلاثى بين "القبيلة" و"السوق" والذهنية الأمنية"، ثم تحدثت فى مقالين تاليين عن هذه الذهنيةالتى هيمنت على التنظيم وحولت سائر نشاطه الى ملفات أمنية، وأريد فى هذا المقال أن أتحول الى السوق، لنرى ظاهرة أخرى تتمثل فى "الذهنية" التجارية وفى العناصر الرأسمالية التى صارت هى الأخرى تنشط وتتمدد حتى كادت أن "تبتلع" الجزء المتبقى من تنظيمنا الإسلامى الذى لم ننضم اليه أصلا الا فرارا من الرأسمالية المتوحشة.
    ولما كان الشىء بالشىء يذكر، فقد كتب صديقنا عبد المحمود الكرنكى،الصحفى والملحق الإعلامى السابق بلندن، كتب ذات مرة فى أوائل الثمانينات مقالا لصحيفة الأيام تعرض فيه بالنقد لممارسات بعض "أخواننا" العاملين فى بنك فيصل الإسلامى. كانت رئاسة الصحيفة قد أوكلت آنذاك، ابان ما عرف بالمصالحة الوطنية، الى الأستاذ يسين عمر الإمام. وقبل أن ينشر الموضوع وصل بصورة ما الى الدكتور الترابى، فلم يعجبه وطلب من الكرنكى أن يعرض عن نشره، على أن يبلغ فحواه الى "أخوانه" فى البنك على سبيل النصيحة. قال له الكرنكى: لن أنشر الموضوع احتراما لرأيك، ولكنى لن أتقدم بأية نصيحة لأحد. ولما سأله الترابى عن سبب ذلك، قال له: هب أنى تقدمت اليهم بنصيحة، ثم تقدم اليهم "الأخ" الطيب النص بنصيحة أخرى، فبأى النصيحتين يأخذون؟ وكان الطيب النص آنذاك من التجار/المستثمرين الكبار الذين يحبهم مديرو البنوك، ويطيلون معهم الجلوس، ويولونهم إهتماما لا يولون معشاره لأقوال الصحف والصحفيين، خاصة الفقراء منهم. وقد أحس الكرنكى بذلك وأدرك أولا أن بعض "أخواننا" قد داخلهم "شىء ما" أفقدهم القدرة على تذوق النصيحة "الناعمة" والموعظة الحسنة، كما أدرك ثانيا أن العلاقة بين التنظيم والسوق، والتى يمثل(اكس) "همزة الوصل" فيها، قد بلغت من القوة مبلغا لا تجدى معه المواعظ الأخوية والنقد السرى. والسيد (اكس) ليس هو التاجر المجرد، وانما هو تاجر"إسلامى"، وهو حينما يذهب الى موظفى البنك "الاسلامى"، أو الى العاملين فى مرافق الدولة لا يذهب كما يذهب عامة التجار وانما يذهب ومعه هالة التنظيم، ليتوصل الى مصالحه الخاصة، وهذا هو مربط الفرس وبيت القصيد، أى أن "المصالح الخاصة" التى تتخذ لها غطاء من "التنظيم" هى محل الإشكال وموضع النظر فى هذا المقال.
    والسؤال هنا: كيف بدأت العلاقة بين التنظيم والسوق؟ وفى أى اتجاه تطورت، والى أى شىء يتوقع لها أن تقودنا؟ أظن أن بداية هذه العلاقة تعود الى فكرتين بسيطتين احداهما صحيحة والأخرى خاطئة. أما الفكرة الأولى الصحيحة فهى أن اصلاح المجتمع السودانى أو اعادة بنائه على قواعد الاسلام وهديه(وذلك هو الهدف الأساسى للتنظيم) يستلزم تجديدا فى الفكر الاسلامى ذاته، تتمخض من خلاله رؤية تحريرية-تنموية، يتوسل بها لانتزاع الإنسان السودانى من براثن الجهل والمرض والفاقة، وذلك من خلال بناء نماذج فى التنظيم والقيادة، ونماذج فى المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والتربوية تكون كل واحدة منها "بؤرة إشعاع" يلتقى فيه الهدى الدينى، والعرف الإجتماعى، والخبرة التقنية،والقيادة الرشيدة. ولكن العمليات البنائية هذه لا تكتمل إلا بتنظيم دقيق ومال وفير، فهما وسيلتان أساسيتان من وسائل التحرر والنهضة الإجتماعية الإسلامية، ولكن لا ينبغى للوسيلة "التنظيم" أن تتحول الى هدف، كما لا ينبغى أن تكون للعاملين على تحقيق هذه الوسائل "أجندة خاصة"، كأن يتحولوا هم الى أغنياء ثم يتركوا التنظيم والمجتمع فى قارعة الطريق.
    أما الفكرة الثانية الخاطئة فهى أن "التنظيم" لا يكون قويا الا اذا صار غنيا، ولن يكون التنظيم غنيا فى ذاته وانما يكون كذلك اذا استطاع أن يأخذ بعض المنتسبين اليه "فيصنع" منهم أغنياء، بأن يضعهم على قمة المؤسسات الإقتصادية:مديرون لبنوك، ورؤساء لمجالس الإدارات والشركات، ومستشارون قانونيون، وفقهاء شرعيون ملحقون بالبنوك، فيصير هؤلاء أغنياء ليس عن طريق الرواتب الكبيرة والمخصصات السخية فحسب وانما عن طريق السلفيات طويلة الأجل، والقروض الميسرة، والمعلومات الكاشفة لأوضاع السوق ولفرص الإستثمار. هذه الرؤية الخاطئة لم أستطع أن أتحقق من مصدرها بعد، ولكنى أذكرها لأنها صارت رؤية سائدة وذات جاذبية كبرى، وكان من نتائجها أن تولد لدينا "مكتب التجار"، ليكون بمثابة الأصابع التنظيمية فى السوق، ثم تحولت "إشتراكاتنا" الصغيرة الى شركات(كيف؟ لا أدرى)، ثم صارت كل شركة صغيرة تكبر حتى تلد شركة أخرى، ولما لوحظ أن عددا كبيرا من العضوية الإسلامية ميسورة الحال يوجد فى السعودية وفى دول الخليج الأخرى، أنشأ "مكتب المغتربين"، ليقوم بجمع الاشتراكات، ثم تحولت وظيفته بصورة متدرجة الى ما يشبه الوساطة التجارية والوكالة والإستثمار. ولما لوحظ تكرر المجاعات والكوارث فى السودان، أنشئت أعداد من المنظمات الخيرية التى تهتم بالعون الإنسانى، ولكنها تركت لأصحاب العقلية الرأسمالية التوسعية، فصار القائمون عليها فى كثير من الأحيان ينحدرون من الشريحة التجارية ذاتها؛ الشريحة التى تتخندق فى البنوك والشركات والمكاتب التجارية.
    ثم جاءت ثورة الإنقاذ، فكانت تلك هى اللحظة التأريخية التى وقع فيها التلاحم الكامل بين الشريحة التجارية المشار اليها، والمؤسسات الإقتصادية فى الدولة، فمن كان مديرا لبنك البركة صار وزيرا للمالية والإقتصاد، ومن كان مديرا لبنك فيصل صار محافظا لبنك السودان المركزى، ومن كان مديرا لشركة التأمين الإسلامى صار وزيرا للطاقة، فاذا لم يصب فيها نجاحا خلفه عليها مدير بنك التضامن أو بنك الشمال الإسلاميين، الى غير ذلك من وزراء الدولة ووكلاء الوزارات. وكل من هؤلاء لم يعرف لأحدهم أسهام أصيل فى الدراسات الإقتصادية، أو رؤية عميقة للتنمية الإسلامية، ولكن كل هؤلاء يعرف بعضهم بعضا معرفة شخصية، وكانت لهم ذكريات مشتركة فى المدارس، أو فى العمل التنظيمى، فصاروا يديرون الإقتصاد السودانى كأنما هو شركاتهم الخاصة، وتحولوا تدريجيا الى نخبة حاكمة مغلقة، فاذا خرج أحدهم من وزارة أعيد الى وزارة أخرى أو أعيد الى "مملكته" السابقة، أو أوجدت له شركة خاصة للاستشارات أو المقاولات أو الإنشاءات، وذلك ريثما يخلو أحد المقاعد الوزارية، فى تطابق تام مع نظرية "تدوير النخبة الحاكمة" التى قال بها عالم الاجتماع الأمريكى رايت ميلز وآخرون. وبهذه الطريقة تم تمرير وتسويق المفاهيم الرأسمالية وتوطينها فى برامج الدولة والتنظيم، وبهذه الطريقة سدت المنافذ لأية محاولة جادة لبلورة مذهب اسلامى أصيل فى التنمية الإقتصادية،وبهذه الطريقة تحول التنظيم الى ما يشبه "حصان طروادة" يشير مظهره الخارجى الى صرامة المجاهدين وتقشف الدعاة، أما من الداخل فقد تحول الى سوق كبير تبرم فيه الصفقات، وتقسم فيه الغنائم، دون ذكر لتجديد الفكر الإسلامى أو لنموذج التنمية الإسلامية الموعودة، وبهذه "الطريقة" صار أفراد هذه الشريحة أغنياء بينما ترك "التنظيم" ليزداد فقرا وتمزقا،بل إن عامة العضوية ظلوا فقراء مثل عامة الشعب برغم الشركات الكثيرة التى تم توزيعها بين المؤتمرين الوطنى والشعبى؛ الشركات التى أسست باسم الإسلام ومن أجل نصرة الفقراء والمستضعفين.
    (2)
    وما الغضاضة فى ذلك، يقولون، ألم يعمل النبى عليه السلام فى التجارة، وكان بعض الكبار من أصحابه تجارا، وأن التجار قد نشروا الإسلام فى بقاع العالم، وبفضل من أموالهم ترسخت دعائم الحضارة الإسلامية قرونا؟ ألم يساهم هؤلاء الرأسماليون الإسلاميون فى انجاح مشروع الانقاذ الوطنى، وفى تثبيت الحكومة فى أيامها الصعبة الأولى حينما قبض الناس أيديهم؟ أليست التجارة هى أحد ركائز التنمية؟ والإجابة على كل هذا: اللهم نعم، ولو شئنا الإستطراد فى اتجاه المبادىء والمثال لقلنا أكثر من هذا، على أن الاعتراض ليس على مبدأ التجارة ولا على صيرورة بعض الناس أغنياء(إذ نعم المال الصالح للعبد الصالح)، ولكن الإعتراض يتركز حول "الكيفية" التى صاروا بها أغنياء، أى ان الاعتراض ليس على "الثروة" فى ذاتها، ولكنه على استغلال "للعلاقات والمعلومات" التنظيمية (رأس المال الإجتماعى)) وتحوير اتجاهها وتسخيرها لتأسيس الشركات الخاصة ولتعظيم أرباحها، ولتأمين الحياة لأبناء النخب الحاكمة، ولأصهارهم وأبناء عمومتهم وأعيان قبائلهم،هذا هو المال غير الصالح الذى يتحكم فيه غير الصالحين، كما يفهم من الحديث النبوى بمفهوم المخالفة.
    الإعتراض إذن ليس على وجود شريحة من الأغنياء فى داخل الحركة الإسلامية، إذ لو تكونت تلك الثروة بطريقة مستقلة عن "التنظيم"(كما هو حال بعض الإسلاميين) لما حق لأحد أن يتساءل، وذلك على مثل ما يحدث فى المجتمعات التى شهدت ظاهرة الإقطاع، حيث لا يوجد معنى للسؤال عن "كيف" صار بعض الناس أغنياء، لأن المجتمع تكون "تأريخيا" من "الفرسان النبلاء" الذين اغتصبوا الأراضى عنوة بحد السيف، وظلوا يتوارثونها جيلا بعد جيل تحت حماية القانون ومباركة العرش، فأكسبتهم تلك الملكية قاعدة اقتصادية راسخة، ووجاهة اجتماعية ونفوذا سياسيا لا يضارعهم فيها أحد. أما فى حالة المجتمع السودانى، وفى حالة الحركة الإسلامية السودانية بصورة خاصة فلم تكن توجد طبقة من النبلاء الأرستقراطيين ملاك الأراضى(أو الباشوات)، اذ أن الغالبية العظمى من الشعب لم تكن تملك شيئا، كما أن الغالبية العظمى من عضوية الحركة الإسلامية جاءت اما من أدنى الطبقة الوسطى، من شريحة الموظفين محدودى الدخل، واما من الشرائح الاجتماعية الفقيرة القادمة من قاع المجتمع ومن هوامشه الاقتصادية. يتذكر كاتب هذا المقال أنه فى أواسط السبعينيات من القرن الماضى كان تنظيمنا يعمل من تحت الأرض، وأردنا أن نجد "أماكن آمنة" فى مدينة الخرطوم نخفى فيها أعضاء اللجنة التنفيذية لإتحاد طلاب جامعة الخرطوم من أجهزة الأمن التى كانت تطاردهم، فكان عدد الذين يملكون منازلا خاصة بهم (تتسع لاستضافة ثلاثة أشخاص أو أكثر) يعدون على أصابع اليد. وأذكر أن أحد أخواننا الذى امتاز بالسخرية والدعابة كان لا يخفى تذمره من البقاء فى المنزل العائلى المتواضع الذى استضيف فيه، فاذا سألناه قال: كيف أبقى هنا وكلما أردت الحمام هرعت الى الشارع لأبحث عن سيارة للأجرة. أما الآن فقد صار كثير من هؤلاء يمتلكون البنايات الطويلة، التى تقدر أثمانها بما لا نستطيع له عدا، وتدخل منزل أحدهم فترى ما لم تكن تسمع به حتى فى بيوت الباشوات، وتسأل أحدهم من أين لك هذا فيقول من "استثماراتى"، ماطا شفتيه بالثاء، ولا يذكر أنه الى عهد قريب كان يسكن بيتا من الجالوص الأخضر.
    فالسؤال إذن عن "الكيفية" التى تحولت بها هذه "البروليتاريا الإسلامية" إلى ما يشبه حالة البرجوازية سؤال مشروع، اذ أن كثيرا منا لم يأتِ الى الحركة الاسلامية، ويفنى زهرة شبابه فى خدمتها من أجل الحصول على الثروة ولكن من أجل العدل الإجتماعى، اذ أن قضية العدل الاجتماعي هي القضية الأم التي لم ينفصل الإسلاميون عن أحزابهم التقليدية وطرقهم الصوفية، ومجموعاتهم العرقية، الا من أجلها،كما لم يتصلوا بالحركة الإسلامية الا من أجلها.ولكن ما تقدم من سرد يشير الى أن قضية العدل الإجتماعى لم تعد هي القضية الأم في النموذج الراهن، وذلك لأن الفئات الثلاث التى يقوم عليها النموذج: الشريحة الرأسمالية المتحالفة مع القوى الأمنية والبيروقراطية فى داخل الدولة، ومع القوى القبلية فى خارجها، لم يعد لواحدة منها هم والتزام بقضية العدل الاجتماعي، فبيروقراطية الدولة لا يمكن أن تسعى في تحقيق العدل الاجتماعي لأنها لم تنشأ "تأريخيا" من داخل المجتمع، كما أنها لم تستطع فى عهد الإنقاذ أن تتحول الى نخبة "رسالية" مهمومة بقيم الدين، فلا هي إذن تعبر تعبيراً صادقا
    عن رغبات ومصالح "الناس" ، ولا هى تجسد قيم الكتاب، فهي مجروجة لانقطاعها عن الكتاب من جهة، ولابتعادها عن الناس من جهة ثانية، ولانحباسها في مصالحها وامتيازاتها ولانصياعها للشريحة الرأسمالية من ناحية ثالثة.
    وهذا على وجه الدقة هو ما يجعل أجهزة الدولة ومؤسساتها الإقتصادية أدوات طيعة تسخر لتحقيق مصالح المستثمرين والتجار (المحليين والعالميين) دون مراعاة جادة لمصالح الفئات الأخرى في المجتمع. وهو ما يؤكد القول بإن هناك تحالفاً مصلحياً بين بيروقراطية الدولة والشرائح الرأسمالية المتحكمة. وهو ما يوضح بصورة مباشرة لماذا صار بعض الثقات من الإسلاميين يوضعون مواضع الظنون والشبهات حينما يوضعون في المواقع العليا في بيروقراطية الدولة، ليس لأن هذه المواقع مسكونة بالشياطين، ولكن لأنها موصولة بمجموعات قرائبية/قبلية متضامنة، وبشبكات تجارية مترابطة ذات قدرة على الحركة والالتفاف تجعل الموظف أو الوالى أو الوزير يدافع عن سياساتها ومصالحها أكثر من دفاعه عن النموذج الإسلامى وعن المستضعفين من الناس.
    فالحديث إذن عن الشريحة الرأسمالية هذه لا يأتى من قبل الحسد أو الغبن، كما قد يتوهم بعض الناس، وانما يأتى الحديث عنها لأنها صارت تشكل مسار الحركة الإسلامية، وتحدد اختياراتها، واذا لم تتدارك الحركة الاسلامية أمرها بصورة جادة فانها سرعان ما تجد نفسها منقادة بقوى السوق، وسيكون أرقى مكاتبها هو مكتب التجار، وستكون أنشط عناصرها هم المقاولون ورجال و(سيدات) الأعمال، الذين يكون انشغالهم بالأرصدة والصفقات أكثر من انشغالهم بالكتاب وبالناس وبالقسط الاجتماعي، وسيصعب عليهم الاستماع الى النصائح الناعمة من أى أحد حتى ولو قرأ عليهم كل ما كتب فى أبواب الزهد والقناعة. أما القضايا الإستراتيجية الكبرى، مثل قضايا الحرب والسلام، والعلاقات الإقليمية، والسياسيات الخارجية، فستتحول في غيبة الجماعات العلمية القادرة، والمجالس التشريعية الحاذقة إلى ملفات أمنية أو إلى صفقات تجارية، وفي كلتا الحالتين فستتولاها مجموعات "أمسك لي واقطع ليك"، وهى مجموعات "براغماتية" نبتت فى داخل الحركة الاسلامية، يطيل أحدهم اللحية، ويتسربل بالملفحة الفخمة، ثم يخوض فى أسواق السياسة والإقتصاد على غير هدى أو كتاب منير.أما قضايانا الأساسية مثل تجديد الفكر الاسلامى، وبناء المناهج والنماذج، وبلورة الرؤى، وتأهيل الكوادر، ونشر الوعى، واحداث التنمية فستترك لشعراء المدائح النبوية، وللوعاظ المتجولين، ولوزارة الأوقاف والشؤون الدينية إن وجدت، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
    يقول الغزالى: اعلم أن الله عز وجل اذا أراد بعبد خيرا بصره بعيوب نفسه، فمن كانت بصيرته نافذة لم تخف عليه عيوبه، فاذا عرف العيوب أمكنه العلاج، ولكن أكثر الخلق جاهلون بعيوب أنفسهم، يرى أحدهم القذى فى عين أخيه ولا يرى الجذع فى عين نفسه...وكان عمر رضى الله عنه يقول:رحم الله امرءً أهدى إلى عيوبى، وكان داود الطائى قد اعتزل الناس فقيل له:لم لا تخالط الناس؟ فقال: وماذا بأقوام يخفون عنى عيوبى؟ ثم يقول الغزالى: وقد آل الأمر فى أمثالنا الى أن أبغض الخلق إلينا من ينصحنا ويعرفنا عيوبنا(الإحياء:كتاب رياضة النفس وتهذيب الأخلاق ومعالجة أمراض القلوب).

                  

12-12-2006, 01:53 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فتنة السلطة والجاه ....الهمز واللمز بين الاخوان (Re: الكيك)


    الثلاثـاء 22 ذو القعـدة 1427 هـ 12 ديسمبر 2006 العدد 10241
    الشرق الاوسط

    السودان: صراع الإسلاميين .. رحلة نحو البداية

    المحبوب عبد السلام



    اذكر مقالاً كتبه أحد الموقعين على مذكرة العشرة في أعقاب مؤتمر الآلاف العشرة، الذي اجتمع في رابعة نهار الخرطوم (اكتوبر (تشرين الأول) 1999) واسقط العشرة واحداً اثر واحد من عضوية هيئة الشورى التي تربو على الخمسمائة، قبل ان يتدارك بعضهم والي الخرطوم حينها بأحابيل وحيل مجذوبية. جاء في المقال ان كاتبه انصرف بعد ختام المؤتمر تتردد في نفسه اصداء قصيدة سودانية صوفية قديمة اسمها (حكاية الحكلو)، وأصلها يعود إلى الصراع المعروف بين المتصوفة والمتفقهة في السودان التقليدي منذ القرن السابع عشر، فالفقيه كما هو نسق تلك الروايات ينعى المتصوف على ما يراه تزيداً أو مروقاً عن الشريعة، والمتصوف يرد عليه ويصرعه بالكرامات، إلا أنه في (حكاية الحكلو) قد صرعه الى حد أنه لم يستطع أن يتذكر آي سورة الفاتحة في صلاة جهرية، والغريب ان احد الذين مضى بعد ذلك شهيداً في موكب شهداء الانقاذ الطويل، وهو منحاز بالكامل الى معسكر (الشيخ) المواجه لمعسكر العشرة، طفق يردد ذات الابيات في خاتمة المؤتمر، وأنه من نشوته بسقوط العشرة لم يعد إلا مترجماً (والترجمة بالمصطلح الصوفي السوداني تعطل المقدرة على الكلام الفصيح إلا تمتمات لا تنبيه) وأنه لا يستبين من ترجمته الا حكاية
    حكاية الحكلو
    شالو فوق شكلو
    عدموا السورة
    الفاتحة ما حملوا.. إلى آخر النص الذي لم أسمعه إلا ذلك اليوم وقرأت بعضه في المقال.
    وفي الطريق الى ذلك المؤتمر قطع الصراع اشواطاً بعيدة انتهى احد فصولها ذلك اليوم (بحكاية الحكلو)، وهو بالطبع يوم الختام في المؤتمر العام الذي أقر إلغاء الكلية القومية لعضوية الشورى وقرر تعديل الدستور ليكون انتخاب الوالي حراً مباشراً من شعب الولاية، وأكد قيادة الأمين العام لهيئة القيادة في انقلاب مضاد لانقلاب مذكرة العشرة. وأخطر من كل ذلك أنه فتح الباب لصراع الديمقراطية وفق قواعدها ولعبتها داخل كيان المؤتمر الوطني الحاكم، وأكد المغزى الذي بدا يومها للبعض من قصيدة الحكلو، وهو أن (الشيخ) لم يدع للتلامذة المتمردين مقدار سورة الفاتحة للمؤمن المصلي، أو أنه بتعبير أحد كبار اساتذة الاعلام في السودان (لقد عمل الشيخ ما عمل المهدي تركهم يتصارعون في الخرطوم وحاصرهم في الولايات).
    إلا أن الذي يعلمه هذا الكاتب يقيناً ـ أن الذي حاصر معسكر العشرة وأسقطهم (وهم بين يدي ذلك المؤتمر قد جمعوا الى العشرة كل الذين عرفوا لاحقا بمعسكر القصر المقابل لمعسكر المنشية)، الذي حاصر كل أولئك هم جماعة من صلب الحركة الاسلامية انتهت منذ سنوات قبل المؤتمر إلى رأي مركزي قد لا يوافق رأي الشيخ في كثير من التفاصيل، وهي في عملها وخططها التنفيذية وتكتيكها تعمل في اغلب الاحيان في استقلال عنه، وهي نفس الجماعة التي حملت اليه في ليلة مذكرة العشرة تفاصيل المذكرة وأنها ستطرح في اجتماع الشورى غداً، وكان رد الشيخ عليهم: أن أجندة الاجتماع قد أقرها المجلس القيادي ولا سبيل لاختطاف الاجتماع بأجندة أخرى) وللذكرى ـ أيضاً ـ فإن اجتماع الشورى في ذلك الصباح كان مخصصاً لاقرار ترتيبات الانتقال من حالة الحزب الواحد (المؤتمر الوطني يومها) الى أوضاع التعددية السياسية التي حسمها دستور 1998 وفقاً لمصطلح (التوالي السياسي) Polotical association، وهو ذات الاجتماع الذي أقر التعديلات التي قضت بأن يغادر كبار الاداريين والدبلوماسيين والعسكريين ساحة العمل السياسي أو الاعتزال عن المنصب المدني والفطام من البزة العسكرية.
    والى رؤوس من تلك الجماعة، يعود الرأي المركزي وهو: أن البرنامج الاسلامي لِمَا يُعرف بثورة الانقاذ قد ضرب بالكامل وأن الذين تولوا مقاليد السلطة في الانقاذ لا يؤمنون به أو ليس لهم الوعي به، وأن الحل الوحيد الممكن في تقديرهم هو ان يتولى الشيخ حسن الترابي شخصياً مقاليد السلطة التنفيذية، وهي ذات الخطة أو التكتيك الذي عبر عنه الشيخ ابراهيم السنوسي في رده على مقال الدكتور التيجاني عبد القادر بجريدة «الصحافة»، وهو رأي لا يخالف كثيراً رأي الدكتور عبد الوهاب الأفندي في كتابه شديد الوضاءة والوضوح «الثورة والاصلاح السياسي في السودان» لا سيما اذا تذكرنا أنه كتبه عام 1995، يقول الدكتور الأفندي: «لقد اختار الترابي طائعا الانزواء وعدم المشاركة في مثل هذه المؤسسات من برلمان ووزارة كمقابل لاصلاح آخر ضروري، وهو حجب زعماء الطائفية ورموزها ايضاً، ومرة اخرى وضع الترابي ثقته بالمستقبل، فهو يرى ان الاجيال اللاحقة هي التي ستتولى الامور بعد اتمام الاصلاح، وان كان الثمن ان يستشهد هو سياسياً كما ضحى بسمعته من قبل، ولكن هذا الحل باهظ الثمن وغير عملي» ـ «الثورة والاصلاح السياسي في السودان» ص 232.
    وبالعودة الى مبتدأ الأزمة وأول قصتها وتحليل عناصرها واستخلاص نتائجها، فلكلٍ شاطئ يبدأ منه الإبحار ونظرية والأوفق لمن يتأمل الأزمة من بعيد ويريد ان يكسر صمته بكلام مفيد ان ينظر في جملة القصة والمواقف كافة ويقف على جميع الآراء، فالإمام الصادق المهدي، على سبيل المثال يرى ان الأزمة بدأت يوم ان قال أحدهم «اذهب الى القصر رئيساً وسأذهب الى السجن حبيساً»، أما الشيخ الحبيس نفسه فقد اعاد طرح السؤال بعد سنوات من الصمت والمصابرة حاول فيها جهد وسعه ان يجنبنا المصير الذي نتداول حوله الآن أي (انشقاق الحركة الاسلامية) والسؤال العائد من تلك السنوات بلسان الشيخ هو: كانت الخطة والقرار أن أبقى في المعتقل شهراً واحداً لأن الظروف المتوقعة بعد الانتقال تقتضي نظراً وتشاوراً قريباً مستمراً، فلماذا استبقيت ستة أشهر ومثلها في الاعتقال المنزلي؟!). والنظرية التي انتهى إليها الشيخ وبدأ التعبير عنها بجلاء منذ 1996 هي (ان علاج أزمة الحركة الاسلامية واستقامة برنامجها يفرضان ديمقراطية شاملة، وان علاج أزمة السودان واستقراره يفرض فيدرالية شاملة). وبالمناسبة، فإن عام 1996 هو ذات العام الذي أفاد فيه الشيخ ياسين عمر الإمام أن الشيخ علي عثمان محمد طه قد استدعاه إلى منزله مع إخوة كبار وطلب منهم عزل الشيخ حسن، كما فصل الدكتور عبد الرحيم عمر محيي الدين في كتابه «الترابي والانقاذ صراع الهوى والهوية» في المقابلة التي اجراها مع الشيخ ياسين عمر وأثبتها في صلب الكتاب.
    أما الدكتور علي الحاج محمد، فتبدأ قصته عندما غادر السودان قبيل الانقلاب في سياق متفق عليه، وبقي يسأل العودة لأشهر بعد نجاح الانقلاب واستقرار الأوضاع وتأتيه الإجابة «أن ابق حيث أنت!»، إلى أن فاجأهم بلحمه ودمه في ساحة الخرطوم، وهو يرفض اليوم أن يعيد السياق ويعود إلى الخرطوم لأنه يرى أن الذين أدوا معه قسم الولاء لحفظ السر وإنفاذ البرنامج قد غدروا بهذا الإيمان، وهو من تحليله لسياق الأزمة وقصتها يرى أن الانشقاق وقع في الحركة الاسلامية في اعقاب المحاولة الفاشلة لاغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في يونيو (حزيران) 1995، وما الثاني عشر من ديسمبر (كانون الأول) 1999 إلا الإعلان الأخير عنها.
    ويرى الاستاذ علي عثمان محمد طه ان المشكلة عنده بدأت عام 1986: (عندما انعقد المؤتمر العام الثاني للجبهة الاسلامية القومية وشهد قصر الشباب والأطفال بأم درمان مفتتح جلساته، حيث اصطف زعماء الأحزاب وقادة الرأي والمجتمع وضيوف الخارج ينظرون بعيون معجبة مبهورة لدقة تنظيم الجبهة، وهي تبدأ في جدول الاعمال في ذات الساعة المحددة في البرنامج، وإلى عمق خطابها عندما قرأ الشيخ حسن خطاباً لم يقرأ مثله من قبل ولا من بعد، يومها بدت الجبهة كعروس ولكن الشيخ شاء أن يزفها الى الصادق المهدي فيما عرف بحكومة (الوفاق). فالأزمة عنده في حب الشيخ للسلطة ولو تحالفاً منقوصاً مع حزبي الأمة والاتحادي ينتظر تدابير الانقلاب.
    وعند الدكتور عبد الوهاب الافندي، فالأزمة عنده تكمن فيما اطلق عليه (السيوبر تنظيم)، الذي يملك كل السلطة وكل المال ويقوم كل بقية التنظيم الإسلامي المعروف تحته ينفذ أوامره ولكن لا يملك صلاحية سؤاله أو سلطة محاسبته، وأن رأس هذا التنظيم هو الشيخ الترابي نفسه، وأن الازمة وقعت عندما أراد الشيخ وبعض أعضاء السيوبر تنظيم ممن اقتضت الخطة بقاءهم في الحجاب والستر، عندما أرادوا إلى جانب السلطة ـ وهم يملكونها بالفعل ـ الجاه وطفقوا يصرحون لأجهزة الاعلام بما احرج القيادة العسكرية والسياسة الظاهرة للعلن. وهذا الرأي الذي عبر عنه الافندي في مقاله الاسبوعي بجريدة «القدس» (الثلاثاء 11/14) يخالف الرأي السابق للأفندي في كتابه سالف الذكر، والذي ميزَّ فيه بوضوح بين الشيخ المفكر السياسي، وبين عناصر السيوبر تنظيم المجسدة للامن السلطوي: (ولا يعدم الترابي يومياً النصائح عن كيفية استخدام هذا النفوذ وهذه الامكانات، ولكن مما لا يخفى هو أن خروجه من قوقعته الاختيارية شرط لكسر الجمود الذي يعوق تقدم الاصلاح السياسي في السودان وجزء من هذه القوقعة التي تحيط بالترابي هي التشكيلة التي اطلقنا عليها سابقاً ومجازاً (سيوبر تنظيم)، وهي تشكيلة تعيش في عالمها السري الخاص بها والذي أخذ يفقد صلته تدريجياً بالعالم من حوله) ـ كتاب «الثورة والاصلاح السياسي» ص 232.
    ويستطيع كاتب هذا المقال أن يكتب كتاباً عن الشهر الذي تلى حادثة الاعتداء على الشيخ حسن الترابي في مطار اوتاوا بكندا في مايو (أيار) 1992، إذ تولى ادارة مكتبه قبل أن يغادر الخرطوم بقليل بعد عامين قضاهما مديراً للإعلام الخارجي. وهو من ثم يستطيع أن يلحظ ردود الفعل والمعالجات التي أعقبت الحادثة، على المستوى السياسي والإعلامي ثم الاجتماعي.
    وأخيراً، فالدكتور التيجاني عبد القادر الذي يعود اليه الفضل في اشعال حرارة هذا الحوار الذي يدور في صحف اليوم وغيرها من الساحات، فيلخص الأزمة فيما سماه تحالف القبلية والسوق والأمن حيث توسع الدكتور التيجاني في شرح حالة الأمن تحديداً، الذي أضحى متضخماً على نحو سرطاني في المفهوم والممارسة، وكأنه ابتلع جسم التنظيم الاسلامي كله وشوَّهَ أخطر اصوله وهي (كرامة الانسان).
    ومهما وافقت التيجاني في كثير تحليله ونتائجه، فإني أجد أن الأقرب للحقيقة والصواب هو مفهوم ـ السيوبر تنظيم ـ كما فصله الدكتور الأفندي في كتاب «الثورة والإصلاح»، فالسيوبر تنظيم يملك كل السلطة وكل المال، وما الأمن إلا ذراعه التنفيذي المباشر يأمره فيعتقل ثم تجنح به طبيعة سلطته الجموحة فيتجاوز في اساليب التحقيق والتعذيب، فيبلغ حدوداً ليست مطلوبة منه بالضرورة، أو لعلها أجدت ونفعت مع المعارضة فدفع (السيوبر تنظيم) الثمن صمتاً عن تجاوزاتها أو حماية لها حتى من العضوية التنظيمية بدون السيوبر تنظيم أو تبريراً لتلك التجاوزات، فيتحول التنظيم كله بمن فيه (الشيخ) و(الرئيس) إلى بعض حملة العلاقات العامة كما جاء في كتاب الافندي، فالجهاز بمعنى من المعاني هو (اخواننا الصغار)، كما وصفهم الشيخ وفق شهادة الدكتور التيجاني في مقاله بجريدة «الصحافة» ودورهم في (المشاريع التوسعية الكبرى) هو التنفيذ، فقد كانوا في معزل عن الوجود المباشر في قيادة (السيوبر تنظيم)، خاصة اذا قصد بالأمن الجهاز الرسمي، الذي أحيل كل قادته الكبار إلى التقاعد في نهار واحد من عام 1995 فمضت القافلة كأن لم يكن، أو مضت على نحو أفضل. ولا سبيل لمقارنة ذلك اليوم بليلة 12.12.1999 المكناة زوراً بالرابع من رمضان، إلا أن مذكرة العشرة وليلة 12/12 وتجميد الأمانة في 2 صفر، هو ومن قبلها المعركة الشرسة ضد اثبات نص «التوالي السياسي» في الدستور إلى حد تهديد الشيخ بالاستقالة (مقال محمد الأمين خليفة، بجريدة «الصحافة») ـ ما كل ذلك إلا أشواط في مباراة الرد التي قادها (السيوبر تنظيم) ولكن بنفوذ مباشر من القيادات السابقة للأمن تخطيطاً وتنفيذاً، وإلى تلك الحادثات الجِسَام يعود تحول الأمن ممثلاً في قياداته السابقة من ممتثل ومنفذ إلى مقرر ومخطط، بعد اكتشافهم لقواعد اللعبة التي انتهت بهم إلى المعاش في يوم واحد، وعندئذ للدكتور التيجاني ان يمضي مع تحليله الى اعادة النظر والتفكير العميق في دور الأمن بوصفه جهازا مفهوميا وتنفيذيا، وفي اطار عودة الوعي لدراسة كل مفاهيم الحركة الاسلامية بما في ذلك ضرورة التنظيم وكيف تقدر بقدرها، والأوفق كذلك ألا تبلغ مبلغ الدكتور عبد الوهاب الأفندي في انه لم يكن يوجد تنظيم اسلامي اصلا، ونمضي مع الدكتور التيجاني في وعده المبروك، ان الذين أرادوا له الهجرة من الحركة التي أفنى فيها عمره روحا وجسدا لن ينعموا منه بهجرة الى (الربذة)، ولعله يقصد اعتزال الاعتزال الى الخوض في الشأن الفكري والعملي.. إلا ان الغريب في جملة تحامل الدكتور التيجاني الغريب على الشيخ الترابي هو استعارته لفقرة من كتاب «السياسة والحكم» وهو أول كتاب في نوعه يقدم بتجربة في النظر والعمل لحكم اسلامي ويتوجه الى كل العالم الاسلامي في 500 صفحة، وهي عدد قليل بالنسبة لهذا الموضوع الخطير، واستشهاده بتلك الفقرة على محاولة الشيخ تجنب مواجهة الماضي، فالكتاب بطبيعته لا مكان فيه (لإخواننا الصغار) ولا حتى تفاصيل (مشاريعهم التوسعية)، وكان الأوفق ان يبحث عن ذلك في رسالة (عبرة المسير لاثني عشر السنين)، أو في عديد محاضراته بعد المفاصلة عام 1999، وخلاصة رأي الترابي في موضوعة جهاز الأمن وتجاوزاته هي ان الجهاز الذي كان يديره اخواننا الصغار، الذين هم بعض عضوية الحركة الاسلامية المعبأة لسنوات، في مواجهات محتدمة ضد خصومها في الاحزاب الأخرى. من ساحات الجامعات الى الساحات العامة، ولما اسلم الامر كله للحركة وحاولت عناصر من تلك المعارضة المقاومة حملوا عليها بعنف شديد، ثم لما خاصموا إخوتهم حملوا عليهم بعنف أشد. والحقيقة اننا بعد سبع سنوات من المواجهة بالاظافر والاسنان وبعد السجون والتشريد لا نحتاج لنقد بالكلام لدور جهاز الأمن المفهومي والتنفيذي لاثبات المباينة والاختلاف. أما قصة (كارلوس) ومثال الشهيد (محمود شريف) فتبدو محدودة ازاء حادثة 1995 التي لم يشأ الدكتور التيجاني ان يأتي على ذكرها رغم انها كلفت السودان عشر سنوات من الحصار.
    وأخيرا وقبل الاجابة عن السؤال المركزي الذي طرحه الدكتور التيجاني عبد القادر (ما العمل) واختاره من قبل لينين عنوانا لأحد أهم كتبه مستعيرا العنوان عن الرواية الروسية، وهو كذلك عنوان المؤلف المهم للدكتور علي شريعتي الذي اعاد طرح السؤال وهو يتأمل دور المثقف المسلم في العالم الاسلامي، قبل الاجابة عن السؤال الذي يوضع بين يدي مفاصل التاريخ ولحظاته الشكسبيرية الحاسمة «نكون أو لا نكون»، اذكر ان الحركة الاسلامية السودانية وجدت فرصة وكسبت نفسها باجازة دستور 1998 وبمقررات وتوصيات مؤتمر 1999، حيث امتثلت تلك الساعة لأماني الانتلجنسيا الاسلامية وأهدافها مقابل (الاحلام التوسعية) للسيوبر تنظيم وأذرعه الأمنية والاقتصادية، اذ وضعت الديمقراطية الشاملة مقابل الديكتاتورية والاستبداد، والفيدرالية الشاملة امام المركزية القابضة والشفافية الواضحة امام السرية الموسوسة المهووسة ولكن تأخرت الانتلجنسيا عن ساعة الصفر واختار بعضها معسكر الاعداء وبعضها كهوف الاعتزال ووجد بنو أمية من يكتب لهم ويقضي لهم ويجيِّش الجيوش كما قال الامام جعفر الصادق.
    واليوم مشكلة الحركة الاسلامية هي مشكلة السودان حتى لكأن العكس هو الأصح، فكأننا ورطنا وطننا بكامله في التمزق والاختراق، وقد لا نسلمه واحدا لأجيالنا المقبلة كما تسلمناه واحدا من الآباء والأجداد، وان تكون كل تلك المأساة باسم الاسلام، فهذا يستدعي نظرا شديدا وتنازلا أشدّ واستمرارا للحوار.

    * كاتب سوداني مقيم في بريطانيا



                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de