زنقة غسال في يوم الوقفة!! .. ربنا يكملك بعقلك..!!

Quote: دارفور في غياب الجبهة الداخلية كأنما أضحت قضية رفض نشر قوات دولية في دارفور معركة شخصية لرئيس الجمهورية أكثر من اعتبارها مسؤولية رسمية. منذ قسمه المعظم بالرفض والرئيس يقاتل في المحافل الداخلية والخارجية بغية درء وصول القوات الدولية. كأنما يبدو الرئيس يخوض هذه المعركة منفرداً في غياب مساندة مؤسسية من النظام. من غير الواضح ما إذا كان الرئيس قد اختطف القضية برمتها من أجهزة الدولة أم أن عطبا جعل المؤسسات تنكص عن أداء دورها. صدرت بيانات عن البرلمان والمؤتمر الوطني الحاكم تؤكد رفض القوات الدولية. الصحيح كذلك أن مثل هذه المعركة لا يتم حسمها ببيانات الرفض. مجلس الوزراء بدا منقسماً إزاء موقف الرئيس من المسألة. ثمة تسريب صحافي سبق جلسة المجلس المقررة لبحث القضية. بغض النظر عن مصدر التسريب أو الغاية منه فالثابت أنه أعطى انطباعاً عن آلية اتخاذ القرارات حتى في القضايا المصيرية. رغم الانتقادات الموجهة من قبل قيادات في الحركة الشعبية لوزير الخارجية لام كول واتهامه بموالاة المؤتمر الوطني لكن أداء الوزارة في معركة القوات الدولية ظل باهتاً. من غير الواضح ما إذا كان ذلك ناجماً عن قصور في الجهاز الدبلوماسي أو تجاهلاً من قبل الرئيس. لا غضاضة في تصدي أي من أركان الدولة لقضية وطنية حتى إذا أضفى عليها طابعاً شخصياً. عدد غير قليل من القادة نجحوا في ربط أسمائهم بقضايا وتحولات على الصعيد الوطني في بلدانهم. في مثل هذه الحالات لابد من اسناد الظهر إلى جدار وطني صلب. الرئيس الفينزولي شافير يجسد انموذجاً معاصراً للقيادات الوطنية الأسطورية. المظلي السابق يخوض مواجهة شرسة مع أمريكا إدارة سياسية واستخبارات. الرئيس الفينزويلي لا يستند فقط إلى مؤسسات الدولة إنما إلى جبهة شعبية داخلية عريضة على امتداد وطنه. بناء تلك الجبهة ثم بتحقيق انجازات باهرة لصالح الشعب إذ كرس عائدات النفط لصالح رفع مستوى الفقراء ومحو الأمية وتصفية جيوب الفساد. الجبهة الداخلية تشكل قاعدة لا غنى عنها لأية سلطة تنفيذية أو رئاسية في أية معركة خاصة إذا كانت المعركة مع الخارج. كما ان المؤسسية ضمان لنجاح أي جهد على أي صعيد. إذا كان شافيز يشكل انموذجا لقائد يتحصن بالقاعدة الجماهيرية فإن رئيس الوزراء الياباني كويوزومي المغادر لرئاسة الحزب الليبرالي الديمقراطي يمثل قدوة لرجل دولة ناجح في بناء المؤسسية. أكثر من أي سياسي قاد الحزب والدولة في العقود الأخيرة نجح كويوزومي في كسر «المثلث الحديدي'' المتمثل في الحزب الليبرالي ورجال المال وكبار البيروقراطيين». كويوزومي صاحب المظهر الذي يعطي انطباعاً لفنان أكثر منه سياسي أدرك أن الاصلاح في اليابان يقتضي إصلاح الحزب أولاً. ذلك اصلاح مالا يمكن اصلاحه حسب تعبير ساسة يابانيين. غير أن الرجل صاحب القسمات الصارمة فعل ذلك وتمكن من وقف تراجع الاقتصاد الياباني. أهم من ذلك نجاحه في إزالة شوائب الفساد التي علقت في جهاز الدولة سنين عدداً وأمست كخيوط العنكبوت التفت حول العديد من الساسة وسحبتهم إلى الهاوية. نجاح كويوزومي لم يشفع له حتى يمدد بقاءه في قيادة الحزب والسلطة التنفيذية. دستور الحزب وليس الدولة لا يبيح البقاء في القيادة أكثر من ست سنوات. هي المؤسسية نفسها التي أطبقت على رئيس الوزراء البريطاني توني بلير. النجاح الاستثنائي الذي قاد بلير حزب العمل لتحقيقه في الاحتفاظ بالسلطة التنفيذية والأغلبية البرلمانية في ثلاث جولات انتخابية لم يسمح له باستكمال دورته الحالية في رئاسة الوزراء. حرصاً على الحزب قادت مجموعة قيادية تحركاً مشروعاً أجبر بلير على الانسحاب من أجل مصلحة الحزب. استناداً إلى مؤسسة حزب مقاتل شديد الانضباط وقاعدة جبهة داخلية عريضة حقق نصر الله انتصاراً تاريخياً نادراً. رغم التشقق الطائفي على الصعيد اللبناني إلا أنه ثمة إجماع على اعتبار مصير سلاح حزب الله مسألة لبنانية صرفة. الجبهة الداخلية شكلت مصداً ضد التدخل الخارجي. في غياب العمل المؤسسي المبادر والجبهة الداخلية المتماسكة تظل قضية دارفور تراوح مكانها بين التجاذب الداخلي والخارجي. الأزمة لا تزال ملتهبة. المشهد على صعيد الإقليم مفتوح على عدم الاستقرار الموشح بالبؤس والدم. اتفاق أبوجا لم يسكب ماء السلم والطمأنينينة على أفواج اللاجئين. التجربة تثبت أن الطرف الموقع على الاتفاق لا يصلح للرهان عليه بغية مغادرة خندق الأزمة. هو أضعف من أداء دور شرطي النظام كما أريد له. غياب المؤسسية والجبهة الداخلية المتماسكة يفتح المشهد على المجهول. تحت ظل هذا الغياب تمارس السلطة ضرباً من الهرولة بين رهانات خارجية ليست مضمونة. مطالبة القوات الافريقية بالرحيل ثم الترحيب بتمديد بقائها يعكس ارتجاجاً في الصورة الرسمية. من غير الممكن قراءة قرار قادة الاتحاد الإفريقي بالإبقاء على القوات في دارفور بمعزل عن الرغبة الأمريكية بل الحرص على بقائها. الوجود العسكري الإفريقي يشكل واقع الأمر طليعة للقوات الدولية المفترضة. انسحاب القوات الإفريقية يعني في الواقع سقوط اتفاق أبوجا. هذا السقوط يدخل الإقليم المهترئ في فراغ يزيد مأساة أهله الكارثية. البعض رأى في غياب المؤسسية وجود انشقاقات داخل السلطة. تلك قرءة خاطئة. هناك بون شاسع بين الحالتين التجربة أثبتت أن اختلاف الرؤى بين الرئيس ونائبه لا يعني افتراقهما. البعض ذهب في قراءة غياب المؤسسية أبعد من ذلك فرأى في تصدي الرئيس لرفض القوات الدولية وكأنها معركة شخصية بمثابة عسكرة النظام أو تخلص الرئيس من الحركة الإسلامية. ثمة خلط في المواقف كما هناك تشويش إزاء القيادات والأسماء البارزة على المسرح. إذا افترضنا ثمة تباعداً بين الرئيس ونائبه فإن مساعده ومستشاره المكلف بأزمة دارفور ليسا من حزب المهدي أو الميرغني. غياب المؤسسية هي أم الرزايا. قبول قوات دولية بموجب اتفاق نيفاشا كان رهاناً على مغانم عديدة. كأنما كانت هناك رهانات خاسرة أو ربما نكصت جهات خارجية عن الوفاء بوعود سابقة. داخل النظام نفر لا يؤمن بمناطحة القوى الدولية دون أن يحثوا الرئيس على التراجع عن موقفه. على نقيض ذلك بين هؤلاء من يرى في إصرار الرئيس على الرفض إيجاد مخرج ثالث بين الرفض والقبول او انتزاع ضمانات تحفظ للنظام هيبته. مثل هذه الرؤية عبر عنها الدكتور غازي صلاح الدين الذي يطرح نفسه بمثابة مفكر للنظام في منافسة غير معلنة مع منظر آخر. الدكتور غازي قدم مبادرة في ندوة لندنية قبل نحو شهرين تنقل مهمة القوات الدولية من الفصل السابع إلى الفصل الثامن. هي قوات إقليمية تحت إمرة مجلس الأمن. ربما يكون التصور الذي تبناه الصادق المهدي بإسناد المهمة الدولية إلى قوات من أقطار ليس لدولها اجندة في المنطقة خيارا مشابها. من المؤكد أن تحديد بقاء القوات الإفريقية في دارفور ثلاثة أشهر يتيح للقوى الدولية صاحبة الأجندة في الإقليم فرصة لترتيب أوراقها. هذه الفقرة نفسها تمنح النظام فرصة ذهبية ''لقلب الطاولة'' في وجه القوى الدولية. فقط المطلوب عمل جاد من أجل عقد المؤتمر الدارفوري وجمع الأطراف السودانية المعنية بالأزمة لتبني تيار جماعي يسكب الماء على النار. من شأن مثل هذه الخطوة بناء قاعدة جماهيرية للرئيس. الشعب السوداني بأسره يحتاج لمغادرة أزمة دارفور من أجل استئناف مشوار التنمية والسلام والوحدة والتحول الديمقراطي. من غير المعقول أن تصبح تجزئة إقليم دارفور إلى ثلاثة ورفض توحيده مثلاً عقبة تحول دون إنهاء الأزمة. كل العقبات يمكن تذليلها حفاظاً على الوطن ودرءا للمخاطر الأجنبية. ثمة قوى سياسية لا يمكن إغفالها وقضايا وطنية لا يمكن القفز فوقها