|
حول اخلاق العولمة (Re: محمد حسبو)
|
على انّ العولمة، تلك السيرورة التي تسعى لشد خيوط عناصر المجتمعات المحلية في نسيج عالمي واحد، لا تتقن صنعتها كما يبدو من طريقة ادارتها، العولمة ليست سلسة و ليست محل ترحيب او دعم في الغالب، لانها اذ توشّج عراها بالرأسمالية المعاصرة اكثر، فانها تكون عرضة لمقاومة اكبر، او محاولات توجيه اشد، و بينما يدقّق سياسيو الغرب بمراياهم المحدّبة، فان التشكيك في جدوى مايجري رائج حتى بين مفكري المركز، ييتس استنتج انّ: المركز لن يصمد، ثمة فوضى موشكة على ان تغرق العالم، بينما هنتنجتون رسم خطوطا للصدع، قال انها ستشعل اتون المواجهة بين الحضارات المختلفة، و النتيجة حسب هنتنجتون، فقدان المركز (الغرب) لمركزه.
التقدم التكنولوجي المتسارع الذي حملته الحداثة، هو بالذات ما يجعل من العولمة حتمية، فهو من جهة عملية غير قابلة للنكوص، حتى عندما تم استغلاله ضد البشرية، و تجريده من اي مضمون اخلاقي كما لاحظ جان فرانسوا في تعليقه : (فالمذابح التي اقترفتها الانظمة التوتاليتارية في المانيا الهتلرية و روسيا الستالينية لم يسبق لها مثيل في التاريخ الانساني. ولم تكن ممكنة الحدوث لاكثر من سبب الا بواسطة الحداثة) * و هذا الرجل بدوره نسي الاشارة الى هيروشيما و ناجزاكي، نص آخر ممتاز تتلفه الحساسية
اذاً، تقوم التكنولوجيا بجعل العولمة واقعا بإضطراد، فهي تنقل الاخبار و المعلومات و الثقافات، و تيسِّر من تبادل الاتصالات و التجارة الالكترونية، و يتم شراء التكنولوجيات المتطورة لاغراض التصنيع في شتى انحاء العالم من شتى انحاءه، كما تنقل الغزاة و التهديدات الجدية على الحياة، و التقدم العلمي و التكنولوجي عملية غير قابلة للنكوص و لا يحمل الجدل حول اخلاقيتها اي معنى و يستطيع رجال الدين تأكيد هذا بشكل افضل جراء معاناتهم الخاصة
و مِنه، تنغمس المواقف الناقدة و المناهضة للعولمة في جهالة ناقعة، اذ لا تميز بين العولمة كمحصّلة لسيرورة تاريخية و افق ضروري للنوع الانساني و بين الصور التي برزت عبرها العولمة للسطح، لاشك ان العولمة كانت دائما محرّكة بواسطة السوق، على الاقل في تجربتها الماثلة (في التاريخ القديم محاولات نحو-عولمية بدوافع عقائدية او سياسية) و بهذا فالعولمة بقيت على الدوام مرتبطة بسياسة المركز الاقتصادي و السياسي و المتمثل في الغرب و مصالح برجوازيته على التعيين، تتلخص مشكلة هذا الموقف المضاد للعولمة في انه يقدم دعما اكيدا للنموذج الحالي من خلال مماهاة الغربنة بالعولمة التي هي تحقيق لوحدة النوع الانساني و تراصه، و بما يجرّد العولمة من تاريخانيتها و حتميتها، و بشكل آخر، فان تكتيكات مناهضة العولمة الرأسمالية، بدلا عن اعتماد توجهات عولمية لتوجيه العملية و جهة تستصحب ابعادا اجتماعية معينة (يلي تفصيل شيء منها) فانها، على الاغلب، ما تزال تتحرك وفق الهام الستينيات (فكِّر عالميا و تحرّك محليا) ما افقدها القدرة على مجاراة المرونة و الحركية الكوكبية التي تمتلكها الشركات الكبرى و المؤسسات و الدوائر المحركة لها، و قد ايّد جوشوا كارلاينر ملاحظته هذه بمثال كثير التكرار، فحين استجابت ميتسوبيشي للضغوط الدولية اغلقت مصنعها لتصنيع التربة في ماليزيا، مالبثت (ميتسوبيشي) ان سارعت مباشرة الى التعاقد على القيام بالعمل نفسه مع شركتين فرعيتين في الصين!
مقابل عقلية الستينيات، التي تتحرّك محليا، و التي يعيد انتاجها، في ثوب ما بعد حداثوي، اثنان من عباقرة ما بعد الماركسية (ارنستو لاكلاو و شانتال موف) تتراص بعض التجارب الجدية، لبناء عولمة بديلة، وان بايقاع بطئ و معزول، و احيانا بدون الوعي الكافي بمخزون الامكانيات المتوافر لقلب مسيرة العولمة الرأسمالية الى صيغة ذات ابعاد اجتماعية و وجه انساني. لبنات مثل هذه العولمة البديلة تفرزها مؤسسات مثل جماعة السلام الاخضر (Green Peace مكاتبها في عشرات البلدان تتولى اطلاق حملات منسقة تستهدف لجم تدمير الشركات للبيئة العالمية) و عين النفط الساهرة (Oil Watch تتخذ من الاكوادور مقرا لها، تتعاون مع ناشطين عبر العالم الثالث كله من اجل محاربة اساءات شركات النفط العالمية في المناطق المدارية) و تعد نماذج حسنة لنوعية الاستجابات المطلوبة، بفعل منشطها العولمي، و قضيتها الاجتماعية، و طابعها المدني
و مؤكّد ان الغرب يشيع بممارساته نقدا للعولمة من وجهة نظر اخلاقية، و يبدو فعليا على النقاش الدائر حول العولمة انه يتخذ منحى اخلاقيا، خاصة عندما يبدر من المعارضين، سواء كانوا في اليسار او في كهوف بن لادن، وهو امر لا يضير سيرورة النموذج الغربي كثيرا، بل و يدلي بعض كتّاب الغرب في لج هذا الجدل دفوعات مقبولة من وجهة نظر "اخلاقية"، مثلما هو الحال مع بيتر مارتن في ( The Moral Case for Globalization ) الذي ذكر انه لم يجد افضل من قوله انّ: (الاستيعاب المتسارع لجملة المجتمعات المهمّشة سابقا هو افضل الاشياء التي تمت خلال فترة حياة جيل ما بعد الحرب.) و أنّ ( الرغبة في خنق العولمة تقود الى توسيع حتمي لسلطات الدولة مع فقدان الافراد لحريتهم، انه يتطلب كبت الرغبات الطبيعية لدى الافراد، شبكة متزايدة التعقيد من الحذلقة والضوابط و التشريعات، واشكال تجريم النشاط الاقتصادي الطبيعي، و الوان اضفاء الصفة السياسية على سائر القرارات الروتينية..... انه يستدعي تقويضا جذريا للحقوق الديمقراطية) ولأنه ليس كل ما يبرق ذهبا، نسأل، كيف لبيتر مارتن، محامي اخلاق العولمة، بعد قبولنا لحجّته، ان يفسّر رغبة رئيس شركة امستراد، الان شوغار القائل: (لو كان هناك سوق لاسلحة نووية محمولة و منتجة بكثافة، لكنّا سوقناها ايضا) ؟.
لا يبدو ان هناك اخلاقا جاهزة للعولمة، انها تخلق اخلاقها اذ تتقدم بمساهمة الجميع، من كل حسب قدرته، هذا مع افتراض التراضي حول مضمون كلمة اخلاق، و تجاهل الملاحقة التي تتعرّض لها الاخلاق عقب تدخّل نيتشة في ما وراء الخير و الشر (إنّ كل اخلاق هي، على عكس الـ"دعه يمر"، نوع من الاستبداد بالطبيعة و العقل ايضا: ولا اعتراض على ذلك اللهم الا اذا شاء احدهم ان يحظر بموجب اخلاق ما، كل انواع الاستبداد و اللاعقل، ذلك ان جوهر الاخلاق و قيمتها التي لا تقدر بثمن هي انها اكراه طويل)
ملحوظة: هناك خلط صحيح بين العولمة والحداثة و السوق الحر، فباقتباس خلاصة المقاربات التي جرت حول المواضيع، و وفق العديد من اشكال التنظير البارزة، يمكن مرادفة/توأمة هذه الكائنات. و اقلّه، لو قبلنا تجاوز السوسيلوجيا و نظرية التنمية للحداثة، فان هذا يحيلنا فقط الى وضع "نظام مرحلي" يجمع من جديد بين الحداثة – العولمة – اقتصاد السوق
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
نظريّة الثورة و اقتصاد السوق، مناقشة عامة.. | محمد حسبو | 07-02-06, 01:46 AM |
نظريّة الثورة و اقتصاد السوق، مناقشة عامة.. | محمد حسبو | 07-02-06, 02:36 AM |
Re: نظريّة الثورة و اقتصاد السوق، مناقشة عامة.. | esam gabralla | 07-02-06, 03:35 AM |
حصار جميل | محمد حسبو | 07-02-06, 05:15 AM |
دوال العولمة | محمد حسبو | 07-02-06, 08:00 AM |
Re: دوال العولمة | معتز تروتسكى | 07-02-06, 08:55 AM |
حول اخلاق العولمة | محمد حسبو | 07-03-06, 01:18 AM |
Re: نظريّة الثورة و اقتصاد السوق، مناقشة عامة.. | قريب الله محمد الحسن | 07-03-06, 04:52 AM |
بيان سياسي جيد، موقف فكري متنازع | محمد حسبو | 07-03-06, 08:41 AM |
Re: بيان سياسي جيد، موقف فكري متنازع | معتز تروتسكى | 07-08-06, 04:20 AM |
بيرسونال | محمد حسبو | 07-04-06, 01:32 AM |
اقتصاد السوق | محمد حسبو | 07-04-06, 03:23 AM |
ما تقول نسينا الماضي و صرنا ناسينك | محمد حسبو | 07-08-06, 02:29 AM |
Re: ما تقول نسينا الماضي و صرنا ناسينك | معتز تروتسكى | 07-16-06, 01:12 AM |
Re: نظريّة الثورة و اقتصاد السوق، مناقشة عامة.. | Amjad ibrahim | 07-18-06, 09:18 AM |
بارانويا السوق ام فوبيا الاجانب | محمد حسبو | 07-22-06, 02:41 AM |
الرأسمالية المعاصرة تعارض اقتصاد السوق الحر | محمد حسبو | 07-22-06, 05:36 AM |
السوق الحر، حصان طروادة في أسوار الدولة القومية | محمد حسبو | 07-25-06, 00:59 AM |
عشرين مرة جاء و راح الثلج | محمد حسبو | 07-25-06, 05:13 AM |
الأشكال الجديدة للصراع و ما بعد الماركسية: | محمد حسبو | 07-25-06, 08:13 AM |
نصيحة "أخوية" | محمد حسبو | 07-27-06, 03:21 AM |
Re: نظريّة الثورة و اقتصاد السوق، مناقشة عامة.. | معتز تروتسكى | 07-27-06, 06:57 AM |
Re: نظريّة الثورة و اقتصاد السوق، مناقشة عامة.. | معتز تروتسكى | 08-04-06, 11:15 AM |
Re: نظريّة الثورة و اقتصاد السوق، مناقشة عامة.. | Ibrahim Algrefwi | 08-26-06, 06:48 AM |
|
|
|