|
دوال العولمة (Re: محمد حسبو)
|
ادّى نشر خروتشوف لجرائم جوزيف ستالين من جهة، و القمع البذخي الذي قوبلت به انتفاضة هنقاريا في 1956 من جهة، اديا ضمن سلسلة من ردات الفعل، الى ماهو ابعد من الصدمة، ففي بريطانيا على سبيل المثال، قرر ادوارد طومسون وجون سافيل مغادرة الحزب الشيوعي ليشرعا في مراجعة نقدية لاطروحات و ممارسات اليسار - الذي سيصبح منعوتا بالقديم-و ليؤسسا– على الاقل في بريطانيا- لما بات يُعرف باليسار الجديد
و قبل وفاته بعامين او اقل، قام الاقتصادي البريطاني جون ماينارد كينز بتقديم مساهمة جوهرية للمؤتمر النقدي و المالي الذي عقدته الامم المتحدة في بريتون وودز العام 1944، في معرض تحليله للازمة التي المّت بالاقتصاد العالمي، الى جانب ما اسداه من نصح لقوى الاستعمار الجديد، فقد بيّن و فق ذاك التحليل انّ مصدر الازمة الرئيسي يتمثّل في عدم كفاية الطلب الاجمالي و انخفاضه، وهو بدوره ناتج عن اتّباع بعض الدول سياسات غير ملائمة مثل رفع الضرائب و رفع معدلات الفائدة و تقليص الانفاق العام، و بالتالي اوصى بتشجيع الدول على اتباع سياسة نقدية توسعية لتنشيط الاقتصاد و زيادة مساهتمها في الطلب الاجمالي لتحقيق التوازن الاقتصادي المطلوب، و بفضل تحليله اقرّ المؤتمرون اهمية وجود مؤسسات دولية لضمان الاستقرار الاقتصادي و معالجة الازمات، تُرجم بانشاء مؤسستي صندوق النقد الدولي International Monetary Fund و البنك الدولي للبناء و التنمية International Bank for Reconstruction and Development
ليس في هذين المثالين تأريخ للعولمة، التي سنرى سيرورتها في الزمان سابقة، انما فيهما يتجلى نوع جديد من الاستجابات، بين شرق العالم و غربه، كما بين اطرافه متعارضة المصالح، استجابات اصبحت ممكنة بنوعها بفضل التحديث العاصف الذي باشره الغرب بُعيد (انبلاج) فكر التنوير و صعود البرجوازية، و الى ذلك الوقت، و حتى مثل هذه التداخلات الكاملة، لم تكن لتسمح لنا باكثر من القول، ان العولمة ما تزال ادراكا صفوياً
يجوز لنا، على غرار كارل ماركس و ايمانويل فالرشتاين و آخرين، العودة بالعولمة الى القرن السادس عشر، و انطلاق حركة الكشوف الجغرافية، بدافعيها التجاري و المعرفي، لقد اغشت مؤشرات الانهيار الباكرة منذ ستينيات القرن العشرين على اليسار و خلّته في حال من الفوضى و الارتباك، اضرب معها عن استيعاب حتى ما سبق ان استوعبه من شأن العولمة، و لعل نجاح شارل بيرمان اخيرا في 1982 في المصالحة بين اليسار الماركسي و الواقع الحداثوي عندما شرع في تفسير الحداثة بكاملها من وجهة نظر ماركسية، تفسيرا يجعلها مقبولة دون قطيعة، لعله يشجّعنا لطلب مباركة الماركسيين للعولمة، و ايضا بالرجوع الى المنفستو الشيوعي الذي خلقه ماركس و انجلز، في فقرة مقتطعة تقول:
((والبرجوازية، باستثمارها السوق العالمية، طبَّعت الإنتاج والإستهلاك، في جميع البلدان، بطابع كوسموبوليتي (اممي)، وانتزعت من تحت أقدام الصناعة أرضيتها القومية وسط غم الرجعيين الشديد. فالصناعات القومية الهرمة دُمّرت وتدمَّـر يوميا لتحل محلها صناعات جديدة، أصبح اعتمادها مسألة حيوية بالنسبة إلى جميع الأمم المتحضرة، صناعات لم تعد تستعمل المواد الأولية المحلية، بل المواد الأولية من أقصى المناطق، صناعات لا تُستهلك منتجاتها في البلد نفسه فحسب، بل أيضا في جميع أنحاء العالم. فمكان الحاجات القديمة، التي كانت المنتجات المحلية تسدُّها، تحُل حاجات جديدة تتطلب لإشباعها منتَجات أقصى البلدان والأقاليم. ومحل الإكتفاء الذاتي الإقليمي والقومي والإنعزال القديم، تقوم علاقات شاملة في كل النواحي، وتقوم تبعية متبادلة شاملة بين الأمم. وما ينطبق على الإنتاج المادي ينطبق أيضا على النتاج الفكري. فالنتاجات الفكرية لكل أمة على حدة تصبح ملكا مشتركا. والتعصب والتقوقع القوميّان يُصبحان مستحيلين أكثر فأكثر. ومن الآداب القومية والإقليمية ينشأ أدب عالميّ. والبرجوازية، بالتحسين السريع لكل أدوات الإنتاج، وبالتسهيل اللامتناهي لوسائل المواصلات، تـشدّ الكل حتى الأمم الأكثر تخلفا إلى الحضارة. والأسعار الرخيصة لسلعها هي المدفعية الثـقيلة التي تـدك بها الأسوار الصينية كلها، وتـُرغم البرابرة الأكثر حقدا وتعنتا تجاه الأجانب على الإستسلام، وتجبر كل الأمم، إذا شاءت إنقاذ نفسها من الهلاك، على تـبنّي نمط الإنتاج البرجوازي، وترغمها على تقـبّـل الحضارة المزعومة، أي على أن تصبح برجوازية. وبكلمة هي تخلق عالما على صورتها)) البيان الشيوعي، ماركس و انجلز
هذا النص، يُظهر كيف ان البرجوازية حين تقوم بعولمة الانتاج المادي و الفكري، فإنها تقوم بدور (تقدّمي) و سط غم (الرجعيين)، كل مشكلة ماركس، انه مصاب بحساسية طبقية عالية، تكاد تكون ضربا من نظرية المؤامرة، التي اتلفت جانبا من رؤيته و فكره، رغم كل شيء فالبيان الشيوعي يبقى "نصّا ممتازا" في "قِصّة الحضارة" .
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
نظريّة الثورة و اقتصاد السوق، مناقشة عامة.. | محمد حسبو | 07-02-06, 01:46 AM |
نظريّة الثورة و اقتصاد السوق، مناقشة عامة.. | محمد حسبو | 07-02-06, 02:36 AM |
Re: نظريّة الثورة و اقتصاد السوق، مناقشة عامة.. | esam gabralla | 07-02-06, 03:35 AM |
حصار جميل | محمد حسبو | 07-02-06, 05:15 AM |
دوال العولمة | محمد حسبو | 07-02-06, 08:00 AM |
Re: دوال العولمة | معتز تروتسكى | 07-02-06, 08:55 AM |
حول اخلاق العولمة | محمد حسبو | 07-03-06, 01:18 AM |
Re: نظريّة الثورة و اقتصاد السوق، مناقشة عامة.. | قريب الله محمد الحسن | 07-03-06, 04:52 AM |
بيان سياسي جيد، موقف فكري متنازع | محمد حسبو | 07-03-06, 08:41 AM |
Re: بيان سياسي جيد، موقف فكري متنازع | معتز تروتسكى | 07-08-06, 04:20 AM |
بيرسونال | محمد حسبو | 07-04-06, 01:32 AM |
اقتصاد السوق | محمد حسبو | 07-04-06, 03:23 AM |
ما تقول نسينا الماضي و صرنا ناسينك | محمد حسبو | 07-08-06, 02:29 AM |
Re: ما تقول نسينا الماضي و صرنا ناسينك | معتز تروتسكى | 07-16-06, 01:12 AM |
Re: نظريّة الثورة و اقتصاد السوق، مناقشة عامة.. | Amjad ibrahim | 07-18-06, 09:18 AM |
بارانويا السوق ام فوبيا الاجانب | محمد حسبو | 07-22-06, 02:41 AM |
الرأسمالية المعاصرة تعارض اقتصاد السوق الحر | محمد حسبو | 07-22-06, 05:36 AM |
السوق الحر، حصان طروادة في أسوار الدولة القومية | محمد حسبو | 07-25-06, 00:59 AM |
عشرين مرة جاء و راح الثلج | محمد حسبو | 07-25-06, 05:13 AM |
الأشكال الجديدة للصراع و ما بعد الماركسية: | محمد حسبو | 07-25-06, 08:13 AM |
نصيحة "أخوية" | محمد حسبو | 07-27-06, 03:21 AM |
Re: نظريّة الثورة و اقتصاد السوق، مناقشة عامة.. | معتز تروتسكى | 07-27-06, 06:57 AM |
Re: نظريّة الثورة و اقتصاد السوق، مناقشة عامة.. | معتز تروتسكى | 08-04-06, 11:15 AM |
Re: نظريّة الثورة و اقتصاد السوق، مناقشة عامة.. | Ibrahim Algrefwi | 08-26-06, 06:48 AM |
|
|
|