|
الأشكال الجديدة للصراع و ما بعد الماركسية: (Re: محمد حسبو)
|
لابد للدول النامية اخصُّ يسارها، من نوعين من الاستعداد، أولهما ذهني، يتعلق بالتحرك الإرادي باتجاه السوق المفتوح، و استعداد إجرائي، يتمثل في سلسلة التحضيرات الاقتصادية و الثقافية و الاجتماعية و السياسية
أولا: الاستعداد الذهني:
هل يتعيّن على الماركسية و الماركسيين القبول باقتراح دريدا و التحوّل إلى نظرية أخلاقية تتخلى عن ادعاء العلمية؟ يبدو ذلك مقبولا، لكيما يستطيع الماركسيون البقاء ضمن الخطابات ما بعد الحداثوية، فعليهم الكف عن قول أن هذا سوف يحدث و ذاك حتمي، و الاستعاضة بخطاب على غرار؛ هذا ينبغي أن يحدث و ذاك مطلوب. بالواقع، فان الماركسيين قد شرعوا في الأمر منذ ما يقارب العقدين من الزمان، وان على مضض، الذي يقرأ كتابات الماركسيين و عموم الاشتراكيين و اليساريين، لا يجد فيها من وسائل التسلية إلا النقد، نقد الرأسمالية، نقد الاتحاد السوفييتي، نقد ألذات، نقد العولمة، نقد الحداثة و ما بعدها، أما في الاقتصاد فحدِّث و لا حرج، و لا أستطيع تخيُّل معاناة الاقتصاديين مؤيدي فرضية الاشتراكية العلمية.. لان عالم الاقتصاد عالم مبني على الأرقام لا على العواطف، أو كما قال
مقترحنا أدناه حول الأدوات التي يمكن من خلالها التوجيه الايجابي لاقتصاد السوق، يلتزم بتوصيات وردت في احد أكثر المؤلفات الحديثة قيمة، بحث في أصول التغيير الثقافي (ضمن حالة ما بعد الحداثة) حيث يوصي ديفيد هارفي، متأثرا لحد بخلفيته كمختص بالجغرافيا، ضمن ملاحظاته على رد فعل اليسار الجديد على و واقعة الانهيار، و خط السلوك الذي قاده إلى الاندفاع إلى سياسات ثقافية تتصل بالعدمية و التحررية أكثر من اتصالها بالتقليد الماركسي (مقبولة منو) يوصي باستيعاب تطورات أكثر أهمية -نكتفي بثلاث منها- جرت في الاقتصاد السياسي و في طبيعة وظائف الدولة وفي الأنشطة الثقافية و في البعد الزماني – المكاني:
1- مقاربة الاختلاف و الآخرية، ليس كشيء يضاف إلى مقولات ماركسية جذرية أخرى (كالطبقة و قوى الإنتاج) إنما كشيء يجب أن يكون كامل الحضور منذ البداية في أي محاولة لإدراك ديالكتيك التغيير الاجتماعي، إن أهمية استيعاب جوانب في المجتمع مثل العرق و الجنس و الدين داخل الإطار الشامل و التحليل المادي التاريخي أمر عالي القيمة باستمرار
2- الاعتراف بان إنتاج الصور و الخطابات هو جانب مهم من جوانب النشاط و يجب أن يحلل كجانب و جزء لا يتجزأ من إعادة الإنتاج و التحول لأي نظام رمزي، و الأنشطة الجمالية و الثقافية هنا تعني الكثير و تستحق شروط إنتاجها العناية الدقيقة
3- الاعتراف بان بعدي الزمان و المكان مهمان، و أن هناك جغرافيات للعمل الاجتماعي حقيقية تماما كحقيقة الأراضي و الأمكنة المجازية للقوة التي غدت حيوية باعتبارها قوى فاعلة و ناظمة في الجغرافيا السياسية للرأسمالية
و من على مسافة نقدية لا تقل عن هارفي، من الجهة المقابلة، يصوّب ارنستو لاكلاو و شانتال موف، قوس ذات الجدل إزاء التقاليد الماركسية العتيدة، من مواقع ما بعد ماركسية، هي ما قدمنا له في الفرضيات بعاليه، وفي واقع الأمر فان مساهمتهما الأساسية لم تكن مجرد نقد الموقف الماركسي التقليدي من هذه القضايا، فقد حدث ذلك قبلهم بسنوات، إنما تتلخص قيمة مساهمتهما في كونها مؤهلة لصياغة بيان ما بعد الماركسية، مقابلا للبيان الشيوعي:
- توقفت الطبقات عن التوالد. و لم يعد الوعي الطبقي و عيا أساسيا أو تحتيا، مكونات أخرى أضحت أعلى قدحا في بلورة الصراعات كما في صياغة ألهويات، مثل العرق و النوع و التفصيلات الجنسية، الجيل الخ - الاشتراكية و بقية السرديات الكبرى أخفقت، و كذلك الايديولجيات المرتبطة بها ثبت أنها مخطئة - الدولة تمثل تهديدا، حاضنة للفساد، معادية للحرية و لا يمكنها تقديم الرفاه الاجتماعي، الذي لا يمكن ضمانته إلا من خلال المجتمع المدني الفاعل - كل صيغ التخطيط المركزي للاقتصاد غير ذات كفاءة كما أنها تؤول للفساد، السوق هو الآلية الوحيدة للتوزيع العادل، ببعض التنظيم في حده الأدنى - منهجيات اليسار القديم السياسية تفضي دوما إلى أنظمة متسلّطة و شموليات، تؤدي إلى إقصاء المجتمع المدني - الصراع لا نهاية له، و حالما تُحل بعض الصراعات، أو تسير بعضها في طريق الحل، فإنها تعبّد الطريق لصراعات أخرى، و قضايا أخرى تكون قد نشأت، محاولة و ضع تصّور نهائي لمجتمع خالٍ من الصراع، ما بعد تناقضاتي، مهمة مستحيلة
ماذا يسري إذا من إسهام ماركس و انجلز؟
يبدو لي انه مازال بالا مكان الإضافة إلى مظاهر الجمود في التعامل مع طروحات ماركس و انجلز، المظاهر التي عددها الأستاذ نقد في ورقته حول الموضوع، زيادتها بالإشارة إلى الإيمان الشيوعي بأن هناك نظرية علمية للاشتراكية، مخبوءة في مكان ما من الوجود، وان مهمة الشيوعيين التنقيب عن هذه النظرية و كشف سرّها للعالمين، على غرار أخوية سيون السرّية حاملة سر الكأس المقدسة في الدافنشي كود. إن نظر الماركسيين إلى الماركسية في بعد واحد، كنظرية سياسية للتحوّل إلى الشيوعية، يمثل حربا أهلية على مساهمات ماركس و إضافاته الملهمة للفكر البشري، لقد طوّر ماركس قوانين الجدل عند هيجل، و نقلها إلى ميدان المادة، وهي قوانين (أساسية) لدراسة ظواهر الوجود، كما عزّز مفهوم التغريب الهيجلي بربطه بالعملية الإنتاجية و بالصراع ضد الخرافة و الفكر الغيبي و بالانتصار لروح العلم، أسهم في تحليل التحديث الرأسمالي بما أهلّه ليكون احد أول الكتاب الحداثيين كما عبّر مارشال، تقدّم بنظريّة المعرفة أكثر، و في النهاية، الهم الناس عبر الأجيال و الأميال (الجملة دي مُختلسة) كما لم يفعل احد ذو نفوذ ارضي - دون استعانة بالسماء.
لا أحاول فلسفة الأمر الواقع، من خلال إضفاء صفة تقدمية على اقتصاد السوق، و اعلم كم من الضجر و القطيعة قد ينتجه ذلك، إن المحك الأساس، هو تقديم البديل الذي يسعف المجتمعات المنهكة و الغير معاصرة، يقنع الناس إن الأشياء ليست كلها على ما يرام، ولن تصبح كذلك، كل تحسين يتطلب قدرا من العمل، علينا تبيان طبيعة ذلك العمل و إمكانياته، و ما دون ذلك لا يتعدى نوعا من الاستهبال اللغوي و العاطفي، الذي نبرع فيه كلنا حينما تنتهي إليه المساجلات، إن هزيمة الرأسمالية المعاصرة ممكنة، الرأسمالية في ظل العولمة، و ما بعد ثورة الاتصال، ليست هي رأسمالية القرن التاسع عشر أو مطلع القرن العشرين، إن التحسينات العديدة التي أدخلت على صبغتها، لا يرجع الفضل فيها إلى طموحات الرأسماليين، إنما إلى امكانات النظام الرأسمالي في ظل العولمة و قابلياته المفتوحة للمراجعة، و هي ليست دائما تؤخذ بالحسنى، فللديمقراطية اللبرالية الغربية أيضا جهاز قمعها و شراسته الخاصة، و هي قد مورست إزاء المتظاهرين في كل المناسبات، ما حدث من جانب الشرطة الإيطالية في جنوا العام 2001 في اجتماعات مجموعة الثماني كان وشاية بما تكنه الرأسمالية المعاصرة من استماتة لا يقصقص أجنحتها إلا هذا الوعي العولمي بأزمتها الحالية، لكنه بأي حال ليس وعيا طبقيا يا ماركس
يُتبع، بس هانت
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
نظريّة الثورة و اقتصاد السوق، مناقشة عامة.. | محمد حسبو | 07-02-06, 01:46 AM |
نظريّة الثورة و اقتصاد السوق، مناقشة عامة.. | محمد حسبو | 07-02-06, 02:36 AM |
Re: نظريّة الثورة و اقتصاد السوق، مناقشة عامة.. | esam gabralla | 07-02-06, 03:35 AM |
حصار جميل | محمد حسبو | 07-02-06, 05:15 AM |
دوال العولمة | محمد حسبو | 07-02-06, 08:00 AM |
Re: دوال العولمة | معتز تروتسكى | 07-02-06, 08:55 AM |
حول اخلاق العولمة | محمد حسبو | 07-03-06, 01:18 AM |
Re: نظريّة الثورة و اقتصاد السوق، مناقشة عامة.. | قريب الله محمد الحسن | 07-03-06, 04:52 AM |
بيان سياسي جيد، موقف فكري متنازع | محمد حسبو | 07-03-06, 08:41 AM |
Re: بيان سياسي جيد، موقف فكري متنازع | معتز تروتسكى | 07-08-06, 04:20 AM |
بيرسونال | محمد حسبو | 07-04-06, 01:32 AM |
اقتصاد السوق | محمد حسبو | 07-04-06, 03:23 AM |
ما تقول نسينا الماضي و صرنا ناسينك | محمد حسبو | 07-08-06, 02:29 AM |
Re: ما تقول نسينا الماضي و صرنا ناسينك | معتز تروتسكى | 07-16-06, 01:12 AM |
Re: نظريّة الثورة و اقتصاد السوق، مناقشة عامة.. | Amjad ibrahim | 07-18-06, 09:18 AM |
بارانويا السوق ام فوبيا الاجانب | محمد حسبو | 07-22-06, 02:41 AM |
الرأسمالية المعاصرة تعارض اقتصاد السوق الحر | محمد حسبو | 07-22-06, 05:36 AM |
السوق الحر، حصان طروادة في أسوار الدولة القومية | محمد حسبو | 07-25-06, 00:59 AM |
عشرين مرة جاء و راح الثلج | محمد حسبو | 07-25-06, 05:13 AM |
الأشكال الجديدة للصراع و ما بعد الماركسية: | محمد حسبو | 07-25-06, 08:13 AM |
نصيحة "أخوية" | محمد حسبو | 07-27-06, 03:21 AM |
Re: نظريّة الثورة و اقتصاد السوق، مناقشة عامة.. | معتز تروتسكى | 07-27-06, 06:57 AM |
Re: نظريّة الثورة و اقتصاد السوق، مناقشة عامة.. | معتز تروتسكى | 08-04-06, 11:15 AM |
Re: نظريّة الثورة و اقتصاد السوق، مناقشة عامة.. | Ibrahim Algrefwi | 08-26-06, 06:48 AM |
|
|
|