|
السوق الحر، حصان طروادة في أسوار الدولة القومية (Re: محمد حسبو)
|
(ما الذي يحصل حينما تبتعد هيئات تمثيلية و حكومات منتخبة، من منطلق كونها عازمة على العمل لخير المواطنين، أكثر فأكثر عن مواقع التحكم بصانعي القرار الحقيقيين ممن ليست لهم أي علاقات مباشرة بمناطقهم، أي بأسواق المال و المجمعات العملاقة؟) بيرنار كاسّن، مبديا قلقه على المجتمعات المحلية
نقد الماركسية للدولة، وإن كشف عن جانب من الحقيقة، كون الدولة غير قادرة على ضمان الرفاه الاجتماعي، إلا انه انطوى على مخالفة منطقية، إذ تنضح ستراتيجيتها لتفكيك الدولة و إلغائها، بأخلاق فروسية قروسطوية تأبى عليها منازلة الأعزل، فلا تني عن تزويد الدولة بكل أسباب البأس، ثم، وفي نبل أرقى درجة، تدعو الدولة إلى ذبح نفسها على منصة المجتمع الشيوعي، ردا للجميل، و بطريقة سلمية و متحضِّرة، هي بعض من أخلاق ذلك المجتمع المُتخيّل السعيد
و للدقة، فإن ماركس و انجلز في البيان الشيوعي أشارا إلى مفهوم "البرولتاريا المنظمة في طبقة مسيطرة" و لم يستخدم ماركس مصطلح دكتاتورية البروليتاريا إلا لاحقا في رسالته إلى يوسف ويدمير في 5 مارس 1852، و رغم تأكيديهما على أن الصراع الطبقي يؤدي بالضرورة إلى "دكتاتورية البرولتاريا" إلا أنهما لم يجيبا بشكل محدد عن ما هي الأشكال التي ستتجلى فيها هذه الدكتاتورية، إن دكتاتورية البرولتاريا تتطور مع المجتمع بأسره، و في ظروف الاشتراكية الناجزة، تتحول دكتاتورية البرولتاريا الى دولة الشعب بأسره، و استنادا إلى التحليل الماركسي بكون الدولة ظهرت كجهاز للقمع الطبقي، فإنها حال إتمام المرحلة الأولى من البناء الشيوعي بتصفية اللامساواة و زوال التناحر الطبقي، تتخلص من قيمتها التاريخية، و لن ننسى تكرار لينين لعبارة فورييه: إن كل فرد في مجتمع المستقبل سيجيد القيام بكل شيء، هكذا ستصبح إدارة الدولة هناك في أقاصي ذلك الخيال، وظيفة part time لكل أفراد المجتمع، يصور ماركس تلك الحياة قائلا:
In communist society, where nobody has exclusive sphere of activity, society regulates the general production and thus makes it possible for me to do one thing today and another tomorrow, to hunt in the morning, fish in the afternoon, rear cattle in the evening, criticize after dinner, just as I have in mind, without ever becoming hunter, herdsman or critic أي و الله، فتأملوا
نعود إلى الواقع، بترسيخ اقتصاد التجارة الحرة، يحدث الانفصال شيئا فشيئا بين الهيئات التي ينتخبها الشعب، سواء للحكومة أو البرلمان، تلك التي يفترض أنها تقوم باتخاذ القرار، و بين صانعي القرار الحقيقيين من أصحاب الاستثمارات و بائعي الوظائف و السلع و الخدمات، من أصحاب رؤوس الأموال، أجنبية أو محلية، إن اقتصادا كهذا سيعمل بثبات على تفكيك صورة العلاقة بين المجتمع و الحكومة بشكلها التقليدي، كما يتبدى من مخاوف بيرنار كاسّن
لا شك أن هناك قدرا من التسرع في إعلان موت الدولة القومية، لا يبرره –حتى من وجهة النظر السياسية- تنامي الدور الذي باتت تلعبه عصبة الأمم، أو حتى تفشي ظاهرة المنظمات الحكومية البينية و التي تعمل على رفع وتيرة التبعية المتبادلة
إن البحث في زيادة درجة تشابه الأنظمة السياسية، أو قابليتها للتشابه يمثل مدخلا لفهم مقولة عدم وضوح الدولة ذاتيا، أي عدم قدرتها على التعبير عن نفسها بوضوح، في الظروف الجديدة، مع تقبلنا للشكل المسرحي الذي افرز الدول الحديثة نفسها، و إذا كان بروز شكل من المعيارية للنظام السياسي هو كما قلنا مدخل ملائم للتفكر بمصائر الدول، فان هذا لا يعفي من الولوج إلى ساحة التفاعل الأساسية، حيث نمسك من جديد، بالأثر التراكمي لتغييرات جذرية في النشاط الاقتصادي، دون التورط في نوستالجيا الطبقة و الآلة، إن التناقض الجديد اليوم، يحدث بين العولمة و اقتصاد السوق من جهة، و الدولة القومية من الجهة الأخرى، و هو تناقض موضوعي و صاعد، إن المعركة بين الدولة و السوق هي التي تعيد تشكيل العالم الحديث حسبما صدّر دانييل يرغن و جوزف ستانسلاف مقالتهما، "ثمة إيمان متضائل بكفاءة الدولة، تقابله حاجة لتقويم جديد لآليات السوق"، و هذا ما أرجو أن يلتفت إليه اليساريون، بدل التهليل للقرارات السياسية التي تتخذها من آن لآخر حكومات أمريكا اللاتينية أو خلافه لأجل استعادة هيبة الدولة، فتلك مسائل سياسية ستتم تسويتها مع الزمن، الأكيد هو أن الأسواق تتكامل، و القدرة على الوصول إلى التكنولوجيات عبر الحدود متزايدة، و الحدود نفسها، بما هي أساسية لممارسة السلطة الوطنية، تتآكل كل يوم، و باستمرار، مرة أخرى، اشدّد، التناقض الذي تحمله العولمة الجديدة، الذي يجعل من الرأسمالية المعاصرة و دولتها حفارة قبرها بحق، هو هذا الصراع بين الدولة القومية، و اقتصاد السوق، و لا أتردد لحظة في التأكيد، أن كيان الدولة قد تشرب السم، و هو ذا حصان السوق يفرغ جنوده خلف الأسوار
يتصل....
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
نظريّة الثورة و اقتصاد السوق، مناقشة عامة.. | محمد حسبو | 07-02-06, 01:46 AM |
نظريّة الثورة و اقتصاد السوق، مناقشة عامة.. | محمد حسبو | 07-02-06, 02:36 AM |
Re: نظريّة الثورة و اقتصاد السوق، مناقشة عامة.. | esam gabralla | 07-02-06, 03:35 AM |
حصار جميل | محمد حسبو | 07-02-06, 05:15 AM |
دوال العولمة | محمد حسبو | 07-02-06, 08:00 AM |
Re: دوال العولمة | معتز تروتسكى | 07-02-06, 08:55 AM |
حول اخلاق العولمة | محمد حسبو | 07-03-06, 01:18 AM |
Re: نظريّة الثورة و اقتصاد السوق، مناقشة عامة.. | قريب الله محمد الحسن | 07-03-06, 04:52 AM |
بيان سياسي جيد، موقف فكري متنازع | محمد حسبو | 07-03-06, 08:41 AM |
Re: بيان سياسي جيد، موقف فكري متنازع | معتز تروتسكى | 07-08-06, 04:20 AM |
بيرسونال | محمد حسبو | 07-04-06, 01:32 AM |
اقتصاد السوق | محمد حسبو | 07-04-06, 03:23 AM |
ما تقول نسينا الماضي و صرنا ناسينك | محمد حسبو | 07-08-06, 02:29 AM |
Re: ما تقول نسينا الماضي و صرنا ناسينك | معتز تروتسكى | 07-16-06, 01:12 AM |
Re: نظريّة الثورة و اقتصاد السوق، مناقشة عامة.. | Amjad ibrahim | 07-18-06, 09:18 AM |
بارانويا السوق ام فوبيا الاجانب | محمد حسبو | 07-22-06, 02:41 AM |
الرأسمالية المعاصرة تعارض اقتصاد السوق الحر | محمد حسبو | 07-22-06, 05:36 AM |
السوق الحر، حصان طروادة في أسوار الدولة القومية | محمد حسبو | 07-25-06, 00:59 AM |
عشرين مرة جاء و راح الثلج | محمد حسبو | 07-25-06, 05:13 AM |
الأشكال الجديدة للصراع و ما بعد الماركسية: | محمد حسبو | 07-25-06, 08:13 AM |
نصيحة "أخوية" | محمد حسبو | 07-27-06, 03:21 AM |
Re: نظريّة الثورة و اقتصاد السوق، مناقشة عامة.. | معتز تروتسكى | 07-27-06, 06:57 AM |
Re: نظريّة الثورة و اقتصاد السوق، مناقشة عامة.. | معتز تروتسكى | 08-04-06, 11:15 AM |
Re: نظريّة الثورة و اقتصاد السوق، مناقشة عامة.. | Ibrahim Algrefwi | 08-26-06, 06:48 AM |
|
|
|