السلطان علي دينار والمحمل الشريف: حول أفضال السودان على البيضان

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-19-2024, 11:01 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2006م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-06-2006, 02:35 AM

د.علي بحرالدين علي دينار


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
السلطان علي دينار والمحمل الشريف: حول أفضال السودان على البيضان

    السلطان علي دينار والمحمل الشريف: حول أفضال السودان على البيضان

    د.علي بحرالدين علي دينار
    جامعة بنسلفانيا
    [email protected]

    ورد في صحيفة سودانايل الإلكترونية مقال للأخ سيف الدين عيسى مختار(راجع الرابط في أسفل الصفحة) بعنوان: "السؤال الجلي عن آبار علي". ذكر فيها بأن السودانيين قد حاكوا حول شخصية علي دينار "..العديد من القصص الأسطورية التي لا يسندها الواقع ولكنها تشكل الصورة التي أرادها الناس لزعيمهم ورمزهم النضالي". تسائل الكاتب عن صحة نسبة "آبار علي" بالمدينة المنورة لعلي دينار، وصحة إرسال علي دينار كسوة الكعبة إثناء توليته السلطنة. وقد قام الكاتب بإفراد العديد من الأقتباسات من مواقع إلكترونية وكتب مطبوعة عن الأمرين إعلاهما. فعن "آبار علي" خلص الكاتب بعدم صحة نسبة الآبار لعلي دينار لكون ان أسم "آبار علي" قد دونت هكذا في كتاب "العمري" منذ القرن الثامن الهجري؛ وعن كسوة الكعبة فقد خلص الكاتب الي انه "..ليست هنالك من أشارة الي ان علي دينار قد قام أو ساهم بالمال في كسوة الكعبة"، كما أكد الكاتب بأن الحكومة السودانية هي صاحبة الحق وليس علي دينار في ملكية قطعة أرض "حوش علي دينار" حيث مقر بعثة الحج والقنصلية السودانية في جدة.
    وبما ان الأخ سيف الدين قد أقر بانه "..لا مبرر لباحث أكاديمي أو دارس للتاريخ أن ينساق وراء الاقوال التي ليس لها سند علمي"، فقد كان حرياً به مراجعة حججه التي يراها دامغة، و مراجعة المصادر البحثية في ذات الشأن وهي متاحة لكل من أراد معرفة الحقيقة. سأركز في هذا المقال بالرد على ما أختطه الكاتب حول ما يسند إلى السلطان على دينار في كسوة الكعبة، على أن نعاود الكتابة لاحقاً عن الأمرين الآخرين.

    المحمل الشريف وكسوة الكعبة
    إرتبط الحج بأهمية عظمى بأعتبارها الفرض الخامس من شعائر الدين، ومع إنتشار الإسلام خارج جزيرة العرب وتدفق الحجيج من مناطق كثيرة لأداء الفريضة، ظهرت العديد من التقاليد المحلية والتي إرتبطت بالحج خاصة مع إنعدام وسائل النقل الحديثة. وفي أفريقيا كان السودان هو المعبر لكثير من الحجيج في مسارهم كما دونه أستاذي الدكتور عمر النقر في سفره القيم:"The Pilgrimage Tradition in West Africa". وقد تبارى الكثيرون في كسوة الكعبة خلال العصر الجاهلي وكافة العصور الإسلامية بأنواع مختلفة من الأكسية وفي أزمان متفرقة خلال العام الواحد. وبعد زوال الدولة العباسية في القرن الثالث عشر الميلادي تقاسمت مصر واليمن شرف كسوة الكعبة على وتائر غير منتظمة إلي أن إنفردت بها مصر منذ منتصف القرن الرابع عشر الميلادي بصناعة وإرسال كسوة الكعبة، و التي تخصصت في حياكتها وتزيينها العديد من القري والدور المصرية، إلي ان انتقلت صناعتها في أوائل الستينات إلي مكة المكرمة حيث تم تشييد مصنع خاص بكسوة الكعبة يعمل فيها الآن أكثر من مائتى عامل سعودي لأكثر من عشرة أشهر لأنجاز المهمة.
    يتم تسيير الكسوة في محمل وهو جمل عليه هودج حامل للهدايا النقدية (الصرة) والعينية إلي الحرمين الشريفين، وفي أكثر من جمل إن كثرت الهدايا، وهو يصاحب الحجيج في قافلتهم. وإرسال الهدايا إلى الكعبة كان أمر مألوف في الجاهلية والإسلام. فقد سير الرسول الكريم محملاً بهداياه الي البيت العتيق، وتبارى بعده حكام الدول المسلمة في إرسال محاملهم إلي الحرمين الشريفين، أمثال المحمل العراقي، الشامي، اليمني، التركي، فضلاً عن محمل النظام في حيدر أباد بالهند، ومحمل ابن الرشيد أمير حائل، وابن سعود، ومحمل السلطان على دينار؛ أما المحمل المصري فكان يصاحب الكسوة كل عام. وهنالك وصف دقيق لكسوة الكعبة والمحمل للكاتب المصري محمد لبيب البتنوني في مؤلفه عام 1911 بعنوان "الرحلة الحجازية". والمحمل هو أيضاً عرض باذخ للدولة بتزيين كبير لجمل/جمال المحمل بوشايات مذهبة مخضبة ومزركشة بفاخر الجواهر واللبوس، وغالي الهدايا النفيسة مما جعلها عرضة للنهب من قطاع الطرق وأحياناً سلب القوافل ونهبها، كما حدث للقافلة الأولي التي سيرها السلطان علي دينار.
    ومما تقدم يجب التفريق بين المحمل الشريف وكسوة الكعبة، فكسوة الكعبة يتم تسييرها في المحمل، وليس كل محمل هو حاوٍ على الكسوة. ويمكن إرجاع هذا اللبس بين المحمل والكسوة إلي (1) كون أن كسوة الكعبة كانت ترد في معية المحمل وهي قد كانت الوسيلة الوحيدة المتوفرة للسفر الأرضي حينها، (2) بما أن محمل دارفور كان يحوي أيضاً على كساوي لخدام الحرمين الشريفين وأهل المدينة، فربما قد إختلط هذا الأمر لاحقاً لدى الكثيرين في عدم التفريق بين كسوة الكعبة القادمة من مصر، والكساوي في المحامل القادمة من دارفور.
    لم ترد الإشارة في مكاتبات على دينار إلى قيامه بكسوة الكعبة، فمصر وحدها ولقرون خلافاً لكل الدول الإسلامية قد أنيط لها ذاك الشرف. إلا أن هذا لم يمنع الكيانات المسلمة في شتى بقاع المعمورة من إرسال محاملها إلى الديار الحجازية. ولا اري من منغصة في عدم إشتمال المحمل على الكسوة، فالمحمل الشريف هو أيضاً فخار لم يتصدق به الكثيرون رغم قربهم المكاني من الديار المقدسة. كما أن إرسال المحمل، لم تكن بدعة إخترعها المتأخرون، بل تأسياً بالرسول الكريم في تبجيل الحرمين الشريفين. وقطعاً فقد كان لدارفور، دون غيرها من مناطق الدولة السودانيه بكل كياناتها المسلمة، كان لدارفور وحدها فخار تسيير المحمل السنوي للحرمين الشريفين.

    علي دينار ومحمل الحرمين الشريفين

    في خلال الفترة التي قضاها السلطان على دينار من يناير 1899 إلي هزيمة جيشه في مايو 1916 قام خمس مرات بتسيير المحمل الشريف في أعوام 1903، 1904، 1906، 1909، و 1913. ومن خلال بحثنا في دارالوثائق المركزيه في الخرطوم لمشروع نعد له عن السلطان علي دينار، وقفت على العديد من الوثائق هي عبارة عن مكاتبات رسمية بشأن المحمل الشريف عن الأعوام أعلاة بين السلطان على دينار وسلاطين باشا مفتش عموم السودان، وهو المسؤل عن سياسة دولة الحكم الثنائي تجاه دارفور. هذه المكاتبات يجب النظر إليها في ظرفها التاريخي فهي دالة أيضاً على الوضع الحرج لدولة الحكم الثنائي في سياستها تجاه علي دينار وفي أحشائها دارفور المستقلة بسلطانها وعملتها "رضينا" الحاوية لعبارة "ضرب في الفاشر". فكل الخطابات المرسلة من سلاطين وغيرة لعلي دينار تتم ترجمتها من أصلها الإنجليزي بواسطة موظفي الدولة قبيل إرسالها. وعند إقتباسنا من الخطابات المضمنة في هذا المقال فقد أبقيتها كما وردت في الأصل، دون تعديل لغلطاتها النحوية والأملائية، وهي تعكس أيضاً نهجين فريدين في المكاتبات الرسمية بين الرجلين. ولمن أراد تصفح خطابات مغايرة تماماً في لهجتها واسلوبها وفخامتها (باللغة العربية) فليراجع كتابي لدوين كابجن و جي سبولدنق الصادرين بالإنجليزية بعنوان: "بعد الألفية: المكاتبات الدبلوماسية بين دارفور ووداي قبيل الفتح الأستعماري 1885- 1916"، والآخر باسم: "الحلف الإسلامي: علي دينار والسنوسية 1906-1916".
    جميع الوثائق المشار إليها في هذا المقال بـ. Intel هي أرقام الملفات الحاوية لهذه المكاتبات وهو إختصار لكلمةIntelligence وهي تعني: "مخابرات"

    المحمل الشريف لعام 1903

    بعد وصول على دينار إلي دارفور بثلاث أعوام قام بتسيير المحمل النبوي الأول، ففي خطاب لسلاطين باشا بتاريخ 6 رجب 1321 الموافق 27 سبتمبر 1903 و رد فيه:
    "مفتش عموم السودان سعادتلو افندم: أهدي قدركم السامي السلام وتكرار التحيات العظام واعلم مكارمكم افندم أنني قد وجهت الأفكار بإرسال الوقف للحرمين الشريفين وقد تجهز الآن قادماً لأرض الحجاز صحبة المعين من ملوكنا المكرم صالح علي ومن معه من الرجال قادماً فغاية الأمل حال وصوله أمدرمان لم يتأخر غير راحة يوم أو يومين فحالاً تقوموا بواجبات سفره بكافة من معه وتحرروا له الرواح لمديرون المحطاة بربر ولغاية سواكن بسرعة قدومهم وشمول نظر سعادتكم نحوهم حين وبعد عودتهم يفادونا بهم وهما عل اثر جوابكم يأتونا كما أملي في سعادتكم رجائي في علوهمتكم ادام الله بقاكم.
    6 رجب 1321 (المرجع: Intel. 7/1/5)

    وقد طلب السلطان علي دينار من ممثل حكومة دولة الحكم الثنائي ترحيل وفدة على نفقة الحكومة: " أفندم ان جماعتنا القادمين جميعهم صحبة محملنا أملنا ان يرحلوهم على جانب المدير إكراماً لذالك كما المأمول ولا يأخذون منهم أجرة في ذهابهم وإيابهم كما المعهود في معاليكم".

    المحمل الشريف لعام 1904

    لم يصل جميع ما حواه هذا المحمل هدفه المنشود في الحجاز رغم إستبشار علي دينار بسفره كما ورد في خطابه لسلاطين باشا بتاريخ 27 جمادي آخر 1322، الموافق 7 سبتمبر 1904:

    ".. وزيادة سرورنا وحبورنا قيامكم في أمر المحمل النبوي الذي بعث منطرفنا للحرمين الشريفين مكة المشرفة والمدينة المنورة وعلى ساكنها أفضل الصلاة والسلام ومقابلتكم بالأكرام والأجلال والراحة في كافة لوازم تسهيلاته وسرعة سفريته على جانب أعتاب الحكومة العادلة في ذهابة وإيابه.... وقد تم وصول جمل المحمل ومن معه من المعينين بالسلامة" (المرجع: (Intel. 7/1/6

    وقد واسى السردارالسلطان علي دينار في حادثة نهب المحمل في خطاب ورد فيه: "..وقد أسفت ان الأمانة التي أرسلتوها مع المحمل لم تصل مكة المكرمة"
    (المرجعIntel 7/3/5/155

    أما سلاطين باشا فقد حاول إثناء السلطان علي دينار بأعادة النظر في المحمل السنوي للحجاز كلية كما ورد في ذات العام:
    "جناب السلطان: أن الحكومة لن تدخر وسعاً في منح المساعدة للمحمل الشريف وسوف لن نتأخر على هذا حرصاً منها على إحترام الدين والشعائر الإسلامية، وأنا متأسف لعدم وصول هديتكم المرسله لبيت الله الحرام. وطالما أن الطريق بعيد وفيه صعوبات فأري أنه لايوجد موجب لإرسال هذا المحمل كل سنه بل كل سنتين او ثلاثة لأن الثواب ليس بكثرة التردد والمواصلة بل بحسن النية. وان شئت زيادة الايضاح عن هذا الأمر فبعد عودتي من المأمورية التي أنا متوجه بها سأزيدكم إيضاحاُ عن هذا الأمر. سلاطين" (المرجع Intel7/3/5/24)

    المحمل الشريف لعام 1906

    وعن حج هذا العام ترد الإشارة كتابة الي عدد حجاج بيت الله الحرام القادمين من دارفور. كما نلحظ أيضاً إنتهاز السلطان لموسم الحج لشراء حاجيات السلطنة مما يتعذر وجودها في السودان كما ورد في خطاب علي دينار لسلاطين باشا بتاريخ 18 شعبان 1324 الموافق 3 ديسمبر 1906:
    "..وأما بيان الناس المتوجهين للحجاز مع المحمل واصل إليكم بالكشف مرفوعه لأطلاعكم عليه وهم رجال ونساء ... وأيضاً أعطوا مرسولنا محمد الشيخ سيماوي أمر كافي تأذنوه فيه بمشترى التي تليق بنا وتكون من آلات السلطنة ويجدها هنالك من يشتريها ويجهزها الينا ولا يتعرضه فيها أحد بكافة جهات الحكومة أفندم" (المرجع Intel 7/3/7/13)
    وفي ذات الخطاب وردت الأشارة إلي أن في معية المحمل: ".. 11 ونصف قنطار سن فيل و17 مربوع ريش نعام و 30 رطل ريش نعام أسود، و34 رطل ريش ربده" وكان أمر على دينار لرسله: "..إذا وجدوا مباعها حسن في أمدرمان فيجب عدم أخذ إي عوايد، وإلا فيتوجهوا بها إلي الحجاز" (المرجع Intel 7/1/8/176).

    وفي هذا العام قام الحاكم العام بتفقد المحمل، وبترحيل الشييخ السيماوي أمير المحمل على نفقة الحكومة إكراماً له كما ورد في خطاب سلاطين باشا لعلي دينار بتاريخ 3 ديسمبر 1906:
    "المكرم: أخبركم ان رسولكم محمد الشيخ سيماوي أمير المحمل ومن معه من الخلفاء والمشايخ قد وصل وقابل سعادة افندم السردار والحاكم العام وشاهد المحمل وكامل المعدات التي أرسلتموها. بخصوص الترحيل فالسكة حديد لها إدارة خاصة بذاتها، سيتم ترحيل الشيخ سيماوي ورجالكم على طرف الحكومة إلى سواكن ويرحلوا الحجاج الآخرين بنصف الأجرة، أما السعر من سواكن إلي جدة فالوابورات هنالك ملكاً للتجار ولشركات أجنبة، وأجرتها زهيدة للغاية. سلاطين" (المرجع Intel 7/3/7/13)
    وقد كان عدد الحجيج ذلك العام من دارفور حوالي الثلثمائة من رجال ونساء، ورغم جهود الشيخ السيماوي في تسفير نفسه وغيره على نفقة الدولة، الا ان بيروقراطية النظام الأستعماري بخلت بمالها وقامت بمطالبة علي دينار بتسوية العجز المالي كما ورد في خطاب سلاطين باشا لعلي دينار بتاريخ 10 مارس 1907:
    ".. أنتهز الشيخ سيماوي فرصة مقابلة السردار في الخرطوم وطلب منه الأذن بترحيل جميع الحجيج على نفقة الحكومة بحجة قلة نقودهم رغم أنك كتبت لنا أن معهم ما يكفي منه، وعددهم نحو ال 300 وقد لزم لهذه الغاية 265 جنيه علاوة على المبلغ المتفق معه مع الشيخ سيماوي، وقد دفعت الأدارة العمومية قبول هذه المصروفات، وقد طلب من السردار حل هذه القضية المالية، فكتبت لهم بأني سوف أضطر لبيع الجمال والخيول الهدايا المرسلة لتسديد المصروفات لترحيل المحمل، ولكني قد حافظت على حصاني الذي ورد إلي منكم عربوناً على محبتنا وصداقتنا – كل هذا بسبب تصرف الشيخ محمد سيماوي. سلاطين" (المرجع Intel 7/3/8/185).

    المحمل الشريف لعام 1909

    لحج هذا العام تم إعلام سلاطين باشا بخبر المحمل قبل وقت كاف كما يتضح في هذا الخطاب المعنون له بتاريخ 20 جمادى آخر 1327 الموافق 8 يوليو 1909:
    "فريق ومفتش السودان العام سعادتلو أفندم. من بعد السلام اللطيف لذاك المقام المنيف نخبر جناب سعادتكم افندم يكون معلوم اننا فيهذا العام عازمين على إرسال المحمل الشريف للحرمين الشريفين انشالله ومن الوجوب اعلامكم بذلك افندم. سلطان عموم دارفور والغروب، السلطان على دينار بن السطان زكريا" (المرجع Intel 2/4/15).
    ونسبة لبعد دارفور، فالامل حينها في مساعدة الدولة بتذليل صعاب السفر من الخرطوم للحجاز، كما ورد في هذا الخطاب من على دينار لسلاطين باشا بتاريخ 16 رمضان 1327 الموافق 30 سبتمبر 1909:
    "فريق ومفتش السودان: .. أفندم أن أوان الحج آن وجهزنا المحمل الشريف للحرمين الشريفين وقادم به منطرفنا مرسولنا محمد الشيخ سيماوي بعد تمام وصوله بالخرطوم أملي سعادتكم تعديته بوجه السرعة". (المرجع Intel (7/1/1/298.

    المحمل الشريف لعام 1913

    هذا هو المحمل الشريف الأخير للسلطان علي دينار وهو آت مع بوادر الحرب العالمية الأولي، حيث أستقال خلالها سلاطين باشا من منصبه لكون دولته النمسا في المعسكر المعادي لبريطانيا، وقد صادف وصول هذه الخطابات وسلاطين باشا في مصر في إجازة إلا أن ذلك لم يمنعه من مخاطبة علي دينار في ذلك الظرق الدقيق. ففي خطاب من علي دينار لسلاطين بتاريخ 15 شوال 1331 الموافق 16 سبتمبر 1913، ورد فيه:
    " فريق ومفتش السودان العام سعادتلو افندم حضرتلري. من بعد السلام اللطيف لذاك المقام المنيف نعرض لجناب دولتكم افندم أن محملنا لله ورسوله مضت لنا في إرساله عدة أعوام ولم أرسلناه وفيهذا العام أستصوبنا أرساله وهاهو قادماً للحرمين الشريفين بعون الله معية خدامنا محمد الشيخ سيماوي والخدما المحافظين على المحمل الشريف ومعهم الحجاج من الوطن ومن حيث أنه من الواجب أعلام سعادتكم بما ذكر فلزم عرض هذا لجناب سعادتكم وبه أرجوا من الحكومة تعديهم على جناح السرعة لموافات الحج بالراحة حسب المعهود في عدالتها وتفيدون بما يتم في أمرهم بعد التوجه ونكون ممنون ومتشكر أفندم." (المرجع Intel 7/2/15/437).

    ونسبة لتأخر موعد المحمل فقد أبرق سلاطين باشا مفتش النهود بتاريخ 16 أكتوبر 1913، بخبر المحمل:
    "تلغراف من مفتش السودان العام إلي مفتش النهود. الأمل إرسال التلغراف الأتي مع رسول خاص الى جبل حلة لأجل توصيله من هنالك للسلطان علي دينار بالفاشر بأقرب مايمكن من الوقت. قف. المحمل وصل الى الخرطوم وسيتوجه هذين اليومين بمساعدة الحكومة هذا ولكم جزيل الشكر. مفتش السودان. مصر" (المرجع Intel 7/3/14/286).

    ومتابعة للرسالة التلغرافية، فقد قام سلاطين باشا بإعلام علي دينار بسفر المحمل كما ورد في خطابه له بتاريخ 27 أكتوبر 1913:
    " أخبركم أنني أخبرتكم تلغرافياً عن المحمل الذي جهزتموه هذه السنة والآن أخبركم ان هذا المحمل قد سافر على الطائر الميمون مع رجالك الي بيت الله الحرام بمساعدة الحكومة ومعونتها وأنشاء الله يعود على الجميع قريباً بالسلامة وقد قاموا بهذه الزيارة الشريفة الي بيت الله الحرام وسنفيدكم بوصولهم، هذا مالزم واطال الله بقاؤكم. سلاطين" (المرجع (Intel 7/3/14/22 .

    وعن الحاج السيماوي ففي وثيقة مخابراتية Intel. 2/7/36 بتاريخ 1 نوفمبر 1921، تمت الإشارة إلي أن الشيخ محمد السيماوي وهو من قبيلة الدواليب في كردفان، قد عاش في أمدرمان في الفترة المهدية، وجرح في معركة كرري، بعدها ذهب إلى دارفور وكان أمير المحمل ثلاث مرات، وفي عام 1910 قابل الخديوي عباس. بعد هزيمة جيش علي دينار في برنجية قبض على الشيخ السيماوي محارباً في جبل مرة في 22 يناير 1917، وتم نفيه إلي حلفا كسجين سياسي. وبعد عام تم تحويله إلي السجن السياسي في طرة بمصر، وبعدها تم إرجاعة إلي سجن وادي حلفا.

    مداعي التشكيك حول تدين السلطان علي دينار، وتبخيس الشأن الدارفوري

    إن الكتابة عن أي شخصية عامة هو حق إنساني مشروع للجميع، ولن تتضح الرؤية إلا بمزيد من الكتابة الجادة التي تجعل الحقيقة جل مبتغاها صنواً للوقائع والحقائق التاريخية. وعن مقال الأخ سيف الدين مختار فرغم إيراده للكثير من الأراء المتناقضة عن المواضيع التي أثارها، إلا أنه سار في معية الرافضين لأي فخر لدارفور، وبدون تحليل لهذا التناقض كما يراه في الأراء المزعومة حول أيلولة "آبار على"، "كسوة الكعبة"، و "حوش على دينار" في جدة. فمقدمة سيف الدين الطويلة عن تبجيله للسلطان على دينار وفخاره به، لم تدفع به للأخذ بالآراء المعظمة له، بل إختار ضدها. وهنا يمكننا السؤال عن مدلولية إرتباط مسمى "آبار علي" بالسلطان على دينار، ليس فقط عند السودانيين وحسب، بل ولدى غيرهم من الذين أشار إليهم الأخ سيف الدين فى مقاله. فمع التأكيد بكون مسمى "آبار علي" هي سابقة للسلطان علي دينار، فإرتباط اسم علي دينار بهذه الآبار يمكن إرجاعه أيضاً لدوره في صيانتها وتجديدها خدمة في راحة الحجيج. فصيانة الآبار و"تكحيلها" هو تقليد قديم ومتوارث في دارفور ومناطق السودان الأخرى العميق سبر غورها. كما علينا أن نتذكر بأن الديار الحجازية في ذلك الزمان ليست كما هي عليه الآن من رخاء وبسط في العيش، فهي الآن قد طوت صفحات التعيش بما يتصدق به "الغرباء" لها بما في محاملهم، وصارت وحدها الكاسية للكعبة المشرفة. إن أهتمام حكام دارفور بأرض الحجاز وإغداق الهدايا علي الحرمين الشريفين لم تبدأ بعلي دينار. فقد أورد أستاذي الدكتور أحمد عبد الرحيم نصر في كتابه: "الأغوات: دراسة تاريخية مقارنة لأغوات المسجد الحرام بمكة والمسجد النبوي بالمدينة" بأن سلاطين دارفور قاموا بأرسال من صاروا أغواتاً في المسجدين الشريفين: المكي والمدني. وفي وثيقة أشار لها الكاتب بأن السلطان إبراهيم قرض قد قام عام 1291 هجرية الموافق 1874 عام قتله علي يد الزبير باشا رحمة، أرسل صرة للحجاز: ".. وزع منها في مكة ألف ريال للأغوات كافة، وأربعمائة ريال لأغوات أبيه السلطان حسين محمد الفضل واربعمائة ريال مقابل دخول أخوين أثنين في سلك الأغوات، ووزع منها في المدينة المنورة ألف ريال لكبير الأغوات .. وألف ريال لأغوات مفتاح الحجرة الشريفة" (نصر ص 1، ورئيس الإغوات في الحرم النبوي الحاج عبد السلام جمعة ورفيقه الحاج جاه الله جميعهم من دارفور. وهذا الزخم من الهدايا للحرمين الشريفين في معية الحجاج أكده أيضاً الكاتب الفرنسي دولاتور في مقاله المنشور عام 1850، وقبله الكاتب الأنجليزي براون بعد زيارة دارفور عام 1798 كما دونه في كتابه (Travels in Nubia).

    وعلى ذات المنوال لنا أن نتسائل عن مسمى "حوش على دينار" والذي سمع به الكثيرون قبل ان يروه، وكون ان الزعيم الأزهري كما ذكر الأخ سيف الدين قد قام بشراءه عام 1954 أي بعد أكثر من خمسين عاماً لتسيير أول محمل للسلطان على دينار للحرمين الشريفين. ومع إنتظارنا لوثيقة أيلولة "الحوش" للحكومة السودانية، لنا أن نلحظ لهفة المتشدقين بالدين بأختزال كل المفاخر السودانية في الديار الحجازية إلى صراع يسعون إليه حول أحقية ملكية الارض. فلن يغني أهل دارفور أيلولتها إلى الحكومة السعودية أو غيرها، فأين هم مواطني دارفور من أراضيهم في دارفور عينها والتي هُجروا منها قسرأ تحت سمع وبصر الدولة المتتشدقة إسلامية. فلا أحد يستطع إنكار أن ذات الأرض مركز صراع المتلهفين حول جيف الحياة الدنيا تحكي تاريخاً ناصعاً عن ماضي دارفور، وهي مفخرة لعموم السودانيين. فعلى ذمة العارفين بجدة، ظل "حوش على دينار" هكذا، وهو أشبه بالخرابة، والكل يدع أحقيته الشرعية به من مواطنين كثر، والآن جاء دور الحكومة بضراعها وصكوكها، في صراع الأحقية، وكأن جيوب محتسبيها المتخمة بما تم نهبه وسلبه من دارفور في الأعوام الثلاث الماضية، والمستمرة الحالية، لم تكن بالكافية. فأن كنا حقاً لجد غيورين على السلطان علي دينار فلماذا لم نتوقف حول دلالات التسمية: "حوش علي دينار" وهو لفظ جارٍ قبل "الإنقاذ"، ولماذا "علي دينار" دون غيره من الملوك و"الأشراف" السودانيين. أن إثبات الحق السوداني، وأفضاله لا يمكن تأريخه بإستقلال السودان، وإنما أيضاً بتبني إسهامات الكيانات الأخري المتشكلة للسودان القديم في رقعته الجغرافية. فأن كنا نتباهي بتليد تاريخنا من بعانخي وتهارقا والأسرة الخامسة والعشرين التي حكمت مصر الفرعونية كما في منهجنا المدرسي، فلماذا ننظر بعين الريبة لأفضال دارفور، أنه لأمر عجب. فعوضاً عن مناقشة الحق الأدبي لدارفور في أرض الحجاز، بكل دلالاته، إنصب الهم الآن حول الحق القانوني لقطعة الأرض، ربما من أجل شراءه وإستثمارة كما هو الحال عليه الآن في السودان، ولكن فالحق أبلج.

    أن هذا الحديث عن تاريخ دارفور المهشم الآن لنقيض ما عرف عنه في غابر الأزمنة كما خطته كتب الرحالة منذ القرن السادس عشر. فعلاقة حكامها بالعالم الخارجي لم تكن قصراً على الحجاز، بل أن لهم مكاتبات مدونة مع معاصريهم بمن فيهم من خليفة تركيا، خديويو مصر، نابليون فرنسا، سنوسيو ليبيا وملوك دار الغروب. وقد أثبتت الحرب الأخيرة الآن في دارفور، محدودية معرفة السودانيين من خارج الإقليم بتاريخ الأقليم وإرثة المتفرد في نظامه الإداري ومكونه الثقافي، وتحت هذا الفهم القاصر يتم الآن تخريب دارفور تحت سمع وبصر وبيد الدولة "المسلمة".

    الشكر للأخ سيف الدين عيسى مختار على مقاله الأخير، الجرئ، وفي تذكيره لنا بأن لا ننساق وراء الأقوال دون سند علمي. فهذه محصلتي في ردي على ماورد في مقاله من أسئلة هامة.

    ملحقات:

    1- مقالة الاستاذ سيف الدين عيسى مختار
    http://www.darfurinfo.org/saif.html

    2- صور من المحمل المصري
    http://www.darfurinfo.org/mahmaleg.html

    3-صورة لمحمل السلطان علي دينار عام 1904، ماراً بامدرمان، بمعية الشيخ السيماوي
    http://www.darfurinfo.org/dinarmahmal.html


    فيلادلفيا 3 يونيو 2006

    E-mail: [email protected]
                  

العنوان الكاتب Date
السلطان علي دينار والمحمل الشريف: حول أفضال السودان على البيضان د.علي بحرالدين علي دينار 06-06-06, 02:35 AM
  Re: السلطان علي دينار والمحمل الشريف: حول أفضال السودان على البيضان A.Razek Althalib06-06-06, 03:56 AM
    Re: السلطان علي دينار والمحمل الشريف: حول أفضال السودان على البيضان A.Razek Althalib06-06-06, 07:07 AM
  Re: السلطان علي دينار والمحمل الشريف: حول أفضال السودان على البيضان Aisha Hommaida06-06-06, 04:58 AM
    Re: السلطان علي دينار والمحمل الشريف: حول أفضال السودان على البيضان علاء الدين صلاح محمد06-06-06, 05:16 AM
  Re: السلطان علي دينار والمحمل الشريف: حول أفضال السودان على البيضان قرشـــو06-06-06, 06:39 AM
  Re: السلطان علي دينار والمحمل الشريف: حول أفضال السودان على البيضان JAD06-06-06, 06:52 AM
  Re: السلطان علي دينار والمحمل الشريف: حول أفضال السودان على البيضان شرف الدين آدم إسماعيل06-06-06, 07:07 AM
    Re: السلطان علي دينار والمحمل الشريف: حول أفضال السودان على البيضان علاء الدين صلاح محمد06-06-06, 07:38 AM
      Re: السلطان علي دينار والمحمل الشريف: حول أفضال السودان على البيضان علاء الدين صلاح محمد06-07-06, 03:34 PM
  Re: السلطان علي دينار والمحمل الشريف: حول أفضال السودان على البيضان Aisha Hommaida06-06-06, 09:26 AM
    Re: السلطان علي دينار والمحمل الشريف: حول أفضال السودان على البيضان احمد ضحية06-06-06, 01:34 PM
      Re: السلطان علي دينار والمحمل الشريف: حول أفضال السودان على البيضان احمد ضحية06-06-06, 01:56 PM
        Re: السلطان علي دينار والمحمل الشريف: حول أفضال السودان على البيضان علاء الدين صلاح محمد06-06-06, 05:45 PM
          Re: السلطان علي دينار والمحمل الشريف: حول أفضال السودان على البيضان محمدين محمد اسحق06-06-06, 05:50 PM
            Re: السلطان علي دينار والمحمل الشريف: حول أفضال السودان على البيضان علاء الدين صلاح محمد06-06-06, 05:59 PM
  Re: السلطان علي دينار والمحمل الشريف: حول أفضال السودان على البيضان Aisha Hommaida06-07-06, 09:21 AM
    Re: السلطان علي دينار والمحمل الشريف: حول أفضال السودان على البيضان احمد ضحية06-07-06, 12:23 PM
      Re: السلطان علي دينار والمحمل الشريف: حول أفضال السودان على البيضان A.Razek Althalib06-08-06, 05:33 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de