|
|
 المطار الجديد و الطرز المعمارية الحديثة في الخرطوم: إنطباعات مواطن
|
أكتب هنا انطباعات مواطن عادي عن المطار الجديد بعد مشاهدة الفيديو الخاص به على شاشة التلفزيون وكذلك بعض الصور مؤخراً وبعد بدء الأعمال التمهيدية لإنشائه دون أن يكون هناك أي نقاش حوله يتناول النواحي المعمارية والفنية والبيئية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية وغيرها مما يتم تناوله عادة في مختلف البلدان التي تشرع في إقامة مشاريع مماثلة. الانطباعات عامة فلست بالمختص وأرجو أن يكون لبعضها بعض القيمة وتبقى الملاحظات مستمدة من المعلومات الشحيحة المتوفرة من الصحف وأجهزة الإعلام الأخرى حول الموضوع:
• هنالك أشياء عديدة تبدو غير مريحة في موضوع المطار الجديد هذا فإنشاء المطارات في الدول الأخرى غالباً ما يثير نقاشا مطولاً وعميقاً وحاداً يشمل الجوانب الخاصة بالموقع والنواحي الفنية والاقتصادية والبيئية وغيرها ولعلنا نذكر الحملة الشرسة التي واجهها إنشاء مطار "ناريتا" بطوكيو قبل عقود. وتتجسد أمامنا مشاريع فاشلة لمطارات محيطة أنشئت بدون إخضاع للدراسة والنقاش فجاءت "أفيالا بيضاء" نائية الموقع، تعمل دون طاقتها بكثير وغير مستغلة بالصورة المطلوبة، تعشعش الحمائم في صالاتها المغلقة
• بالنسبة لمطار الخرطوم الجديد كان هنالك نوع من التكتم ثم أعلن الموقع غير المتوقع بصورة مباغتة قبل أشهر قليلة ثم ساد الصمت لفترة ليعلن بعد ذلك عن التصميم الفائز ثم صمت آخر ليعلن بالأمس عن بدء أعمال التشييد.
• الموقع:
o الإعلان عنه كان مفاجئاً فالدلائل كانت تشير لمناطق الحاج يوسف شرق النيل أو جنوب الخرطوم والموقع الحالي يقع في منطقة بعيدة جنوب أمدرمان ليس بها خدمات، وغير واضحة هي طبيعة المعايير التي تم الاعتماد عليها في الاختيار
o يلاحظ أن إمكانات توسع أمدرمان جنوباً وغرباً تجاه المطار محدودة بحكم محدودية النشاط الاقتصادي والسكني الذي يمكن أن يمارس في تلك المناطق. على نقيض ذلك فإن إمكانيات توسع الخرطوم مثلاً نحو الجنوب تعد واسعة وكذلك غرباً وشرقاً تجاه ضفاف النيلين وهذه منطقة جميلة والخدمات بها متوفرة أصلا وكان إنشاء المطار بتلك المنطقة كفيلا ً بدعم هذه البنيات وتطويرها عوضاً عن إنشاء بنيات من الصفر؛ وتنطبق اعتبارات مشابهة على منطقة الحاج يوسف شرق النيل فطرق المواصلات بها موجودة أصلا وهي سهلة الوصول حالياً قريبة البعد من المراكز الحضرية في الولاية.
o هل لمشاريع مدينة "السنط" التي تقوم على الطريق من المطار الجديد إلى الخرطوم صلة بأمر نقل المطار لهذا المكان؟
• حجم الحركة:
o كذلك من غير الواضح المعيار الذي تم على أساسه بناء توقعات الملاحة والحركة الجوية ومن ثم تصميم المطار الذي سيستمر في العمل لعشرات السنوات القادمة. فمن المحتم أن تختلف طبيعة الحركة الجوية خلال العقود القليلة القادمة بصورة جذرية عن النمط السائد حالياً وذلك بعد التراجع المتوقع لأعداد المغتربين تبعاً لظروف ذاتية وموضوعية تتعلق بالسودان ودول الخليج ذات التركز الأكبر للمغتربين. ومن الناحية المقابلة يتوقع تزايد حركة الطيران الداخلي في السودان بصورة مكثفة مستقبلاً بما يحتمه من ضرورة قرب المطارات من مراكز المدن
o ليس هنالك أفق تنموي أو رؤية واضحة للمشروع ـ مثلاً مطار دبي صمم ليكون بوابة للتنمية السياحية وقطباً للأعمال في الأمارة ـ في المقابل تصميم المطار لا يعطي انطباعا بإمكانيات بث النمو والتوسع في محيطه ولا يشي بإمكانية استخدامه بصورة متزايدة كمركز ومعبر للطيران الأفريقي الإقليمي (مثلاً هل تم طرح المطار كبديل مناسب لمطارات إقليمية مهمة حالياً مثل نيروبي/أديس أبابا؟) وكذلك الطيران المحلق من شمال أوروبا للجنوب الأفريقي ذو الأهمية الاقتصادية المتنامية، ومن أوروبا لدول جنوب وشرق آسيا وبالعكس.
• التصميم:
o قبيح ولا يعكس أي طابع مميز. جامد ومصمت Monolithic and rigid. لا يتواءم مع البيئة المحيطة
o البوابة الخارجية للمطار تبدو مثل التعريشة الحديدية، كريهة المنظر واعتباطية تماماً بدون أي قدر من الخيال والإبداع
o برج المراقبة قبيح وناتئ ومنعزل وكما أشرت في بوست آخر يذكر المرء بأبراج المراقبة على حائط برلين المنهار الذي صمم لمراقبة ومنع الهروب غرباً ويعطي إيحاءات مشابهة وغير مريحة
o لا عجب فالتصميم من قبل شركة أجنبية متأثرة ببيئتها ـ وجاء متحفظاً، ومناسباً لبيئة مختلفة تماماً ويبدو نابعاً من أعماق الذهنية التي تختزن أبراج مراقبة الأسوار لرصد جحافل الغزاة المتدفقون شرقاً والمندفعون غرباً
o من غير الواضح ما إذا كان هنالك قاعات منفصلة للصالات أم أنها متصلة
o حافلات الركاب قيد الاستعمال برغم وجود البوابات المتحركة
o تبدو بوابات الصعود والنزول محدودة العدد
o الفيديو والصور التي عرضتها الشركة الفائزة بعطاء التشييد ركبت على عجل ولا تعطي الانطباع بالاهتمام الكافي والدقيق بالتفاصيل لمشروع ضخم مثل هذا ـ مثلا الطائرات على أرضية المطار هي من طرز تقادمت وقل استعمالها (جمبو 747-100) ومن المحتم أن تختفي مع بداية عمل المطار (2010؟) والبعض الآخر يبدو غير واضح الطراز مما يقلل من مصداقية العرض
o تصميم الصالات من الخارج ومن الجوانب راهن وغير مستقبلي وأعاد إلى الذاكرة أشكال داخليات القاش وكسلا وعطبرة ببركس جامعة الخرطوم
o تمتد الصالات أفقياً مما يطرح احتمالات صعوبة الحركة من صالة لأخرى، وكذلك سرعة الدخول والخروج لإنهاء إجراءات السفر. في هذا الإطار أعتقد مطار الرياض من أفضل المطارات حيث يمكن الخروج من الطائرة والوصول إلى طاولة الجوازات خلال دقيقتين فقط ـ ولا تسألوني عن ما يحدث بعد ذلك ـ ويتفوق في هذا الصدد حتى على المطارات الأوربية والغربية ومطارات المنطقة الأخرى ـ مريح، فسيح، مستقبلي ويندمج مع البيئة المحيطة رغم بعده عن المدينة الآخذة في التوسع تجاهه
o مسجد المطار ضخم جداً ومنعزل؛ زد على أنه قبيح الشكل ويبدو مثل المحارة المقلوبة. لمن صمم؟ من المحتم أن لا يأتي أحد من الخرطوم للصلاة في المسجد إلا إذا كان مسافراً. للمسافرين إذاً! لكنه يقع بعيداً عن الصالات وأشك أن يقطع مسافر ما المسافة من الصالة ليصلي في المسجد وهو في العجلة التي نعرفها من أمره. الأمر شبيه بالمطارات الخليجية ـ مسجد ضخم نائي ومنعزل لا يصلي فيه إلا عدد محدود جداً من الناس يعد على أصابع اليد معظمهم من عمال النظافة وبعض موظفي المطار ممن تقع مكاتبهم على مقربة ويعتبر المسجد بمثابة الديكور المكمل لمباني المطار. تكلفة التشييد بهذا التصميم غير التقليدي ستكون في غاية الارتفاع وكذلك تكلفة التشغيل ـ التكييف مثلا. بالمقابل يلاحظ في المطارات الخليجية لجوء الناس للصلاة داخل الصالات في مساجد makeshift. ويطرح التساؤل: أولم يكن من الأجدى تفادي تكرار الخطأ وتجهيز الصالات بمساجد ذات حجم مناسب عوضاً عن هذا الفيل الأبيض؟
o مدينة الحجاج تبدو نسخة مصغرة من مدينة الحجاج بمطار جدة ـ مرة ثانية لا إبداع ولا حتى جهد مبذول أو محاولة لابتكار شيء مختلف قليلاً
o فندق المطار: من سيقيم فيه بخلاف طواقم الطائرات العابرة ويبدو أنها ستكون محدودة العدد في غياب التوجه الواضح لجعل المطار بمثابة المركز الإقليمي للعبور زد على أنه ليس هنالك ما يغري بجعل الخرطوم محطة للطواقم العابرة مقارنة مع المحطات المحيطة؟
o هنالك ملاحظات فنية على قدر كبير من الأهمية أشار إليها مختصون ـ أنظر مداخلات الباشمهندس محمد السيد في البوست:
مطار الخرطوم الجديد (فيديو + صورة)
o أنظر كذلك البوستات:
مطار الخرطوم الجديد : احذروا تمويل الشركات ...!!
بيع مطار الخرطوم وتحويل عائداته لتشييد المطار الجديد
ياللهول..فرتاك يبيع مطار الخرطوم !!
اضبط : فرتاك يقول ان تكلفة المطار الجديد سرية للغاية وغير قابلة للنشر
• نهاية الأمر يخطر للمتابع: كل هذا الانتظار ومئات الملايين من الدولارات ... والآن؟ ... هذا المسخ؟؟
• ملاحظات أخرى:
o خلاصة الأمر يبدو المطار محتفظاً بالأخطاء المشاهدة في المطارات المحيطة ـ وتتكرر البداية من حيث بدأ الآخرون ـ مجرد امتداد لظاهرة المباني الزجاجية القبيحة عديمة الطابع التي بدأت تنبت عشوائيا في أرجاء الخرطوم ـ وزارة العدل، الاتصالات، بنك السودان الجديد
o مبنى بنك السودان هذا يبدو شبيهاً في طرازه بعمائر الإسكان الشعبي في إحدى دول أوروبا الشرقية غداة انهيار المعسكر الاشتراكي، أو عمائر الجيتو في أوروبا الغربية وأمريكا؛ والغريب في الأمر أن القوم به فرحون ودائماً ما يعرض على شاشة التلفاز كنموذج للنهضة العمرانية في الخرطوم، وهو مبنى مناقض تماماً لذاته وهازم للفلسفة التي تقوم عليها البنوك المركزية، فأُس البنوك المركزية هو السياسات المحافظة ـ عدم الإفراط في إصدار النقود حتى لا ينفلت التضخم وعدم التشدد حتى لا يعم الركود ـ وعادة ما يأتي تصميم المبنى عاكساً لذلك التوجه المحافظ. غير أن المبنى الجديد مفرط في كل شيء ـ تصميمه ومبانيه وتكدس أجزائه وترهل مساحته وبهرجة ألوانه
o ينطبق الأمر نفسه وبصورة متفاوتة على بقية المباني الحديثة التي بدأت تطل مؤخراً ـ برج الفاتح (الدمعة) مثلاً، يقف ناتئاً وبصورة عشوائية في موقعه ربما إلى أن تكتمل "السنط"
o هذا التوجه إذا عم سيقود إلى أن تصبح الخرطوم عاصمة هلامية الطابع ذات معمار باهت مستلب بدون أي ميزة مستمدة من موقعها الجغرافي الفريد وطبيعتها ومناخها وتاريخها ومجتمعها الثري بتنوعه ـ فقط مجرد نسخة باهتة من مدن الرمل النفطية المحيطة.
|
|
 
|
|
|
|
|
| |
عبدالمحمود محمد عبدالرحمن
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست