حوارات الخميس .. الايام وسكرتير الحزب الشيوعي السوداني

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-19-2024, 03:13 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-12-2005, 02:28 AM

محمد صلاح

تاريخ التسجيل: 12-07-2004
مجموع المشاركات: 1276

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
حوارات الخميس .. الايام وسكرتير الحزب الشيوعي السوداني

    حوارات / الخميس

    الاستاذ محمد ابراهيم نقد في حوار شامل مع الايام
    لذين يستهينون بالاحزاب سيندمون .. والحريات بيننا !
    عانينا من نظام الانقاذ ما لا نطيق ورغم السلبيات عظمنا صار (اقوى) ومن هنا سنبدأ
    اما ان تطوق الحكومة دعاة الانفصال او تضعف صلتها بهم، وهى خير العارفين
    الرأى العام تلقى اشارات سلبية من الحكومة والحركة .. وعلاقة طه وقرنق سيستغلها البعض
    العيوب الواردة في نيفاشا بنيوية .. ونرمى بمقترحاتنا لتقليل حجم الضرر
    السودان مرشح لحلف (الوسط) .. وسيصبح من دول القرن الافريقى تبعاً للسياسة الدولية ..
    الحركة احدثت نقلة قومية في الحركة السياسية وتمددها في الشمال سيغذى المجموعات المناهضة للوحدة ..
    على مدى سنوات كانت اطياف الاستاذ محمد ابراهيم نقد تدنو وتنأى تقترب وتبتعد، وعلى طولها كان هاجس الحوار الصحفى ملازماً لنا ولسوانا من الصحفيين، وكان يتأبى، ويصر على ان مجرد الحوار معه كاف لبعث المتاعب فيمن يحاورونه، فظفرت به الصحافة الخارجية، لغير ما مرة، وقبلنا وجهات نظره ولعل المميزات الشخصية للسكرتير العام للحزب الشيوعى كانت وراء اصرار الصحافة على مطاردته حتى في حالة اختفائه، فالرجل الذى يدقق في قراءته للصحافة المحلية والاجنبية، يمتاز بقدرة عالية على التحليل والتربيط بين قطع الزجاج المبعثرة، ولعله قد استمد قدرته تلك من الحالة الموسوعية التى وسمت حياته وجعلت منه قارئاً من طراز فريد للكتب، ومحققاً بارعاً في المراجع التاريخية، وكاتباً صبوراً وطويل البال على ضجر الكتابة وأرقها المستديم.
    وارتبط اسم نقد في الخيال الشعبى بحالة المراوغة، كما تلاقح في الذاكرة الشعبية مع الحالة الاسطورية .. هذه الحالة التى تبعثها فكرة الاختباء والتخفى وهى تبعث من التصورات ما تبعث من قدرات شخصية حقيقية ومتوهمة ينسجها العقل الجمعى وكثيراً ما يصدقها !
    وقد تقلد نقد منصبه السياسى الراهن في اعقاب دحر حركة 19 يوليو عام 1971 والتى عصفت بالقيادات الرئيسية للحزب الشيوعى السودانى بعدما عاد الرئيس نميرى للسلطة وقد تولى مسئولية جسيمة وقتها في اعادة تنظيم وتجميع الحزب الذى تفرقت السبل بعضويته ما بين سجين وملاحق ومطارد ومختف ، وقبل المسئولية بعدما اختفى عن الانظار ، وظل يواصل عمله السياسى من تحت الارض لحين قيام الانتفاضة الشعبية التى اطاحت بنظام مايو واستعادت الديمقراطية (1985) وقد خاص الانتخابات البرلمانية وفاز عن دائرة الديوم والعمارات، ليدخل البرلمان (للمرة الثانية كانت الأولى عقب ثورة أكتوبر - العام 1965) مع اثنين من اعضاء حزبه (عزالدين على عامر وجوزيف موديستو) وواصل عمله السياسى كنائب برلمانى الى حين قيام انقلاب الانقاذ الذى ساندته ورعته الجبهة الاسلامية القومية في العام 1989 وقد اقتيد للسجن فور وقوع الانقلاب ضمن مجموعة من قادة الاحزاب والعمل النقابى، وسرعان ما اطلق سراحه بعد استتباب الامر للانقاذ، وبقى في منزله قيد الاقامة الجبرية الى ان غافل حراسه مختاراً هو وحزبه العمل من تحت الارض منذ العام 1994 وقد ظل لسنوات يمارس نشاطه السياسى من داخل السودان مختفياً فيما اطلقت السلطة السياسية له عدة نداءات تطالبه بالخروج وممارسة نشاطه السياسى العلنى غير انه لم يستجب لها ..
    وفي يوم الخميس الموافق السابع من ابريل وفي تمام الساعة الخامسة والنصف مساء ضجت الخرطوم بخبر زيارة اللواء صلاح عبدالله مدير جهاز الامن ونائبه اللواء محمد عطا لنقد في مخبئه بحى الفردوس جنوب الخرطوم، وكانت هذه الزيارة هى بمثابة اسدال الستار لحالة اختفاء استمرت لما يزيد عن العشر سنوات .. عاد بعدها الاستاذ محمد ابراهيم نقد لمنزله .. وبدأ في الاستعداد لجولة اخرى من العمل السياسى المكشوف هذه المرة ..
    (الايام) اتصلت بالاستاذ نقد اكثر من مرة لترتيب حوار صحفى مطول معه حول كافة احداث الساعة ، وطلب منا الانتظار اكثر من مرة حتى يكمل بعض الترتيبات الخاصة، واخيراً وافق على هذا الحوار، وقد جلست اليه الصحيفة لاكثر من 8 ساعات متواصلة في حوار نتوقع ان يضفى على الساحة السياسية مزيداً من الحيوية لا سيما و ان الرجل عليم بما يدور في دهاليز المطبخ السياسى بعد ان ظل لسنوات احد الطهاة الحاذقين، كما انه ـ وكما وضح من الحوار ـ لا يكتفى فقط بالنقد، بل يطرح مقترحات ومبادرات للحوار ..


    حوار : وائل محجوب ـ محمد موسى حريكة

    ما زلنا ضد الامبريالية وهيمنة الرأسمالية (لا غيرتنا ظروف .. ولا هدتنا محنة) !!
    نعارض اقتصاد السوق وتنصل الدولة عن مسئولياتها والتزاماتها الاساسية تجاه
    مواطنيها
    ندفع الضرائب لكي يتعلم ابنائنا ونجد العلاج .. لا اكثر ولا اقل !
    نقف بوضوح ضد الاحلاف العسكرية المشبوهة، وضد العدوان الاسرائيلي ونرفض
    الاستغلال بكافة صوره
    ندعو لقيام حركة شعبية مناهضة للعولمة تتلاقى مع الحراك العالمي
    المنظمات الممولة من الخارج نقطة ضعف الحركة الديمقراطية .. ولا مصلحة لنا
    في اختراقها
    ونتابع اوضاع (ناسنا) في الخارج بحرص ودقة لتجنب مخاطر الاختراق المضاد
    الامريكان ما زالوا يدعمون انظمة دكتاتورية ورجعية .. وسنصطدم معهم !
    لا يمكن التقليل من خطورة الهيمنة الامبريالية بزعم دفاعهم عن حقوق الانسان ..
    * الشريكان في عملية السلام يعانيان من مشاكل .. الحركة تواجه مشاكل في البيت الجنوبى وقد سعت محاصرتها عبر مؤتمر الحوار الجنوبى ـ الجنوبى ومع ذلك ما زالت المليشيات المؤثرة وعلى رأسها قوات فاولينو ماتيب خارج مسار الحوار، والحكومة كذلك تعانى من مشاكل في الغرب والشرق، وهناك ازمة بينها ومكونات الواقع السودانى، فما هو المصير، وما الذى ينتظر اتفاق السلام عند نهاية الطريق ؟
    لعل واحدة من اكبر المشاكل التى تواجهنا ـ او قل الشركاء ـ هى التعامل بردود الافعال مع قضايا السياسة، ويمكن تلمس ذلك عبر عدة حالات ونماذج، وما لجنة الدستور الا (عرض) لاصل المشكلة ، وهناك نوع من التعامل يضر بعملية السلام في اطار الصراع السياسى الذى يدور، وقد بات من المعلوم ان هناك اناس داخل السلطة او تيارات غير راغبة في السلام ! وهم غير مرتاحين لما آل اليه الحال مع نيفاشا، وهذا امر طبيعى وليس بالمستغرب، والغريب هو التعامل معهم، اذ يفترض واحد من امرين : اما ان تطوقهم الحكومة، او تتخذ اجراءات تحيدهم بها او تضعف ارتباطهم بها بتحويلهم لمناصب اخرى، وهى خير من يعرف سبل تنفيذ لك، وهذا كله لم يحدث وتركت الحكومة الباب مفتوح على مصراعيه امام حالة التحدى والمزايدة بالوطنية والحرص على مصلحة جزء من البلاد على حساب اجزاء اخرى ..
    الامر الثانى من المعلوم للكافة ان الحكومة استفادت من مساندة بعض الفصائل الجنوبية المناهضة للحركة في مرحلة وهذا امر تكتيكى، واعتقد انه في المدى الطويل او في الحل النهائي هى لن تستفيد منهم، ووجودهم سيعزز تلك التيارات الداعمة لخيار الانفصال ودعاة استمرار الحرب، واولئك الذين يقولون جهراً فلينفصل الجنوب ـ اذا انفصل، ولعل هذا المشهد يستدعى سؤالاً مهما : أين قوة وفعالية الجناح الاخر الذى يدعم الاتفاقية والسلام ؟
    وللاسف فان العقلية السائدة على الاقل بوضوح هى العقلية التى تؤسس نظرتها للامور على فلسفة (ان يأتى الجنوب بالقوة او ينفصل)، وهى عقلية تشكل امتداداً لعقلية (الجلابة) تلك، ليس فقط داخل الحزب الحاكم بل في المؤسسة الحزبية بشكل عام وقد افسدت هذه العقلية الكثير من القيادات الجنوبية بالنفوذ والنقود وغيرها من الاساليب.
    هذه المرة المعادلة مختلفة فالموضوع وراءه المجتمع الدولى (حلف الاطلسى باكمله) وانا ارى ان الطريقة التى تتعامل بها الحكومة مع الاتفاقية فيها كثير من الخلل .. وهذه الملاحظات تسرى كذلك على الحركة الشعبية والتى تنشغل بردود الافعال مع انها كذلك تحتوى في داخلها اشخاصاً انفصاليين ـ وهذا امر طبيعى ـ لذلك ادعو الطرفين للعمل بهدوء.
    كما ان ما اثير عن ان فاولينو ماتيب لم يجد فيزات للسفر لنيروبى للمشاركة في الحوار الجنوبى يدفعنا في هذا الصدد للتساؤل : هل يمكن ان يوا جه قائد في حجم ماتيب مشكلة في التأشيرات شأنه شان اي مواطن عادى ؟!
    فاولينو نفسه يتحدث عن ان قواته ينبغى ان تكون ثلث القوات المشتركة بين الحكومة والحركة ـ وهذا سعر كبير ـ وهذه المسألة ستقابل بالرفض من قبل الحركة والمجتمع الدولى .. وفي تقديرى ان هناك تكتيكات تتم (تحت تحت) فيها قصر نظر و(ما بتودى الناس لى قدام) ..
    * بعض قادة المعارضة الذين اتحدث معهم باتوا يوقنون بان الشراكة او التحالف يحتوى على اشياء تحت (الطاولة) لذلك هم يقرأون تصريحات الحركة والحكومة من هذه الزاوية ويدللون على ذلك كل ما جد جديد على صدق حدسهم ـ بالنظر لمواقف الحركة تحديداً ـ والحال هكذا .. ماهى المآلات للحركة السياسية ؟
    بالتأكيد ليس لدى معلومات عن اشياء تمت تحت (الطاولة) او غير ذلك، ولكن في السياسة ليس هناك امراً مستبعداً، وفي التفاوض هذا امر وارد ـ اساعدك في ذلك على ان تساعدنى في هذا لان الرأى العام لا يقبل ـ لذلك من الممكن ان تحدث تنازلات (صغيرة ) هنا وهناك، واعتقد ان العلاقة التى خلقها التفاوض بين على عثمان وجون قرنق لها تأثير كبير في وصولهم لبعض الحلول القائمة على التوازنات، ومن المؤكد ان ذلك الواقع تكون له تأثيرات سلبية على المعسكرين سواء داخل الحكومة او داخل الحركة، وهذه هى الارضية التى يعمل فيها من يرفضون الاتفاق ..
    انا اعتقد ان الرأى العام تلقى اشارات سلبية من الطرفين، كما اعتقد كذلك ان على فصائل التجمع المختلفة ان تدرك ان الحركة كانت حليفهم حتى الامس وهى ليست في السلطة، اما الان فهى في السلطة لتنفذ اتفاقها مع الحكومة (نيفاشا) وليس اي شئ آخر، قد تتحدث عن التجمع وميثاق القضايا المصيرية في الليالى السياسية، ولكن داخل اجهزة السلطة فامامها فقط الاتفاقية بكامل بنودها.
    الشئ الثانى الناس لا يتحدثون عن لجنة مراجعة الاتفاقية الدولية، وهى لجنة في غاية الاهمية وهى التى ستراجع وتتابع تنفيذ الاتفاق، والتعامل معها لن يكون سهلاً فهى تتكون من اشخاص لهم كفاءة عالية ويتمتعون بالذكاء والخبرات الكبيرة اذ غالباً ما يكونوا على صلة بتجارب العالم الثالث في آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية بل حتى في اوروبا (يوغسلافيا والبلقان)، وهم يستطيعون ان يصلوا سريعا لموضع الخلل في تنفيذ الاتفاق وتحديد الطرف المسئول عن عدم التنفيذ ..
    وما اود ان اقوله في هذا الصدد لطرفى الاتفاق ان الرأى العام الداخلى والخارجى في الحالين يتعامل بيقظة عالية مع هذه المسألة، فالمحلى يريد ان يتحلحل من الحرب وذيولها وحتى يرى ثمار السلام ويتلقى عائده منها، وهو قادر على رؤية الايجابيات والسلبيات على شاشته، كما ان العالمى (الرأى العام) كذلك يراقب بحرص تنفيذ الاتفاق لا سيما وان رهاناً كبيراً وآمالاً عريضة بجانب الاموال الطائلة قد ارتبطت بهذا الامر، ولكل ذلك لم يكن غريباً ان ينال السودان الاهمية التى نالها خلال الفترة الماضية ويكفى ان الرئيس بوش ارتفعت اسهمه الانتخابية لمجرد تحقيق السلام في السودا ن .. وكان هو يدرك هذه الاهمية بدليل الضغوط التى مورست على الطرفين، وتحديد المواعيد (الذى تكرر اكثر من مرة) للتوقيع ولا ننسى بالطبع ان الاتحاد الاوروبى اصبح شريكاً في العملية السلمية انطلاقاً من اهدافه وسياساته الخارجية وصحيح انه ليس شريكاً في حرب العراق لكنه في موضوع السودان قادر على المساهمة ..
    الصورة حقيقة معقدة وتتطلب منا تعاملا حاذقاًَ مع الاخبار والمعلومات باكثر من الاجتهاد الفردى، وهى تحتاج لقدرات العديد من الناس لتوفير المعلومات الحقيقية وليس البناء على استنتاجات وانطباعات للنفاذ الى الجوهر المركب والذى يخادع من يريدون التعامل فقط مع ما يتراءى لهم ..
    * الى اي مدى انتم قادرون كحلفاء تاريخيين ـ واعنى هنا مجمل فصائل التجمع ـ على احتمال هذه التناقضات التى تبرزها مسألة تنازع الحركة بين السلطة وبين اجندتكم المشتركة ؟
    انا استطيع ان ارى وافهم ان الحركة في مأزق ولو كنت في محل ـ حلفاء الحركة ـ لتعاملت بتفهم وذلك لسببين :
    اولاً : ان الحركة معنية تاريخياً بمسالة جنوب السودان وتحاسب بصرامة حيال ما تقدمه هناك، ومدى جهدها في موضوع السلام، وكلما تقوم به في الشمال امر جيد ومفيد لعملية الوحدة. ولكنه لا يغنى شيئا عما تقدمه هناك في ملعبها، بل بالعكس ربما تتحرك مجموعات مناهضة للوحدة وتستغل جهودها في الشمال لايصال رسائل عكسية، ولعلنى هنا اشير الى ما يقوله (ناس بونا ملوال) وتساؤلهم عن اسباب ادخال جبال النوبة والانقسنا في اطار الجنوب .. وهم يقولون انهم فقط يريدون حدود الجنوب كما هى ..
    ومع ذلك لابد ان نعترف بان الحركة الشعبية احدثت نقلة كبيرة للامام لجهة تعزيز قومية الحركة السياسية الشاملة (جنوب، شمال، شرق، غرب) ولكن هذا له ثمنه، وما اقوله هاهنا .. هى اوضاع تلاحق اي حزب او كيان ينتقل من خانة المعارضة للحكم حيث تختلف اجندته واسبقياتها، واعتقد ان بعض الحلفاء داخل التجمع يمكن ان يتعاملوا مع الموقف، واذكر لك اننى تلقيت اتصالاً من التجانى الطيب قال لى فيه انهم يحاولون ان يتعاملوا مع الموقف (بالراحة)، ولكن بعض الحلفاء يقولون ان المو ضوع انتهى وان الحركة اصبحت مع الحكومة، وان الميرغنى سيكون له رأي آخر، واريتريا لديها بعض التحفظات لكون المفاوضات قد صارت في مصر، وكأنها قد خرجت من المولد بدون حمص، وما اقوله لك هو صورة مصغرة للتعقيدات الحادثة بهذا الشأن، واعتقد ان على الجميع ان يكونوا صريحين مع الحركة في طرح رؤاهم وتحفظاتهم، وعليهم من بعد ذلك ان يحددوا هل يقبلون بهذه الصراحة او يرفضونها ..
    * حسناً .. وماهو السبب الثانى الذى يدفعك لتفهم مواقف الحركة ؟
    السبب الثانى هو ما قلته من قبل : ان الحركة مسئوليتها الراهنة بحسب ما وقعت عليه هى تنفيذ نيفاشا، وانت تدرك بغير شك الصعوبات المترتبة عن سباق الثلاث ارجل .. ويمكن للشخص الذى لا يريد للاخر ان يفوز ان (يعنكله ويرميه بالراحة).
    * كثير من المنتقدين اعتبروا ان الاتفاق به عيوب كثيرة ونقاط ضعف يمكن ان تستغل للاجهاز عليه، وفي حديثك اشرت لنقاط من بينها الوضع الدستورى والسلطوى المترتب عنها وغيرها من النقاط، اولاً ماهى قدرات القوى المختلفة لتصحيح الواقع، وثانياً هل يمكن ان تستقيم المعادلة بما تطرحونه من الرجوع للست مديريات والحكومة والبرلمان الولائيين ؟
    المشاكل الموجودة في الاتفاق بنيوية، وحينما اقدم مقترحات لمعالجة مسألة هياكل الحكم اطمح فقط لتقليل حجم الضرر، ولا اعتقد ان كثير من العيوب والمشاكل تمت بحسن نية، اربع دول موجودة وراعية للاتفاق (الامم المتحدة داخلة، مجلس الامن داخل، كوفى عنان داخل) الجميع حاضرون في هذا الملف، و(موضوع) افريقيا هذا جانب آخر، السودان سيضاف من بعد لدول القرن الافريقى بناءاً على استدعاءات السياسة الدولية التى لا تنبنى فقط على الوضع الجغرافى، بل السياسى كذلك ..(جيوبولتيكس) يعنى .. وسيدخل السودان في الحلف (الوسط) وفي عالم السياسة اليوم يوجد شمال للاطلسى، وجنوب للاطلسى كما يوجد شرق آسيا وفي اعادة الترتيب هذى سيضم السودان لمحور يجمعه مع جزء من العراق وايران، ويمتد حتى افغانستان وآسيا الوسطى، وهذا حلف ولعلكم تذكرون زيارة القائد المسئول عسكرياً عن هذه المناطق، جاء وزار السودان حينما قارب الاتفاق على الانتهاء وزار الجنوب، وتفقد الاوضاع هناك، ما اود ان اقوله ان سلام السودان ليس عطفاً مسيحياً بل هو جزء من الاستراتيجية السياسية والعسكرية للدول الرأسمالية الكبرى، وهذه هى العولمة التى يتحدث عنها الناس في اكثر من محفل، وانا هنا لا اسمى ما يحدث بسوء النية فقط، وانما اسميها الاهداف الاستراتيجية للدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة بما فيها من مساحة للاتفاق وبما فيها كذلك من تناقضات بسيطة بينهم، وهذا هو الذى حرك الامور للامام.
    * ما تحدثنا عنه هو امتداد للتغيير الذى حدث بعد متغيرات 11 سبتمبر وما افرزته على السطح من صراعات للمصالح وتسابق للاجندة الكونية، والملاحظ ان كل المنطقة (عربياً كان ام افريقيا) قد تأثرت به، وهناك مناطق قد شهدت تغييراً جذرياً في تضاريسها السياسية (العراق) ومناطق اخرى تعيش زلزالا عنيفا (سوريا ولبنان) وهناك مناطق تهب عليها رياح تغيير مسنودة بدعم دولى (مصر)، عدا العبث في افريقيا .. لعل هذا يقودنا لسؤال عن مدى التلاقى بين الاجندة الوطنية والشعارات التى ترفعها الدول الكبرى ـ وهى غالباً ما تكون (الحريات ـ حقوق الانسان) وماهو الخط الفاصل بين مصالح الطرفين؟
    اقول لك بوضوح .. نحن كنا وما زلنا ننتمى للحركة المعادية للامبرياالية والرأسمالية المعولمة، (ودعنى استعير قول ذلك المغنى الموله : لا غيرتنا ظروف ولا هدتنا محنة) .. !! وهذه الحركة حركة واسعة جدا، وصار لديها حضور ووجود يعبر عن نفسه في كل اجتماع للبنك الدولى او الصندوق الدولى او منظمة التجارة العالمية او الثمانية الكبار، ويقودها ناشطون من مختلف انحاء العالم، وهم يتظاهرون ويعبرون عن رفضهم للهيمنة، وحالياً هذه القوى المشكلة للحركة تجتمع سنوياً في البرازيل بعد ان اتاح لهم الرئيس (ديسيلفيالولا) ذلك واعطاهم منبراً، واعتقد انه قد آن الاوان لانتقال هذه الحركة الى داخل المنطقة العربية، مثلها مثل حركة مناهضة الاحلاف العسكرية في فترة الخمسينيات، ولدينا رصيد في مناهضة الاحلاف المشبوهة مثل حلف الشرق الاوسط وحلف بغداد، وهذا الرصيد مثلما هو متوفر في السودان متوفر كذلك في مصر وكافة الدول العربية، وقد قادت هذه الحركة من قبل لقيام لثورة العراق (195 وادت لانسحاب العراق من الحلف وانهيار حلف بغداد ..
    * هذا زمان مختلف وقد كانت هناك حالة مد في كامل المنطقة العربية وكانت هناك حركات التحرر في افريقيا، ونحن نعايش حالة انحدار كامل بعدما ذرت الرياح الشعارات .. انظر فقط للسودان ؟
    نحن في السودان يجب ان نبدأ .. وعلى الحركة السياسية السودانية ان ترفض بوضوح سياسة الهيمنة التى تسعى لفرض ارادتها على الجميع، وهذا الموقف يجب ان يكون واضحاً وهو لا يعنى بحال اننا ضد التعامل مع الدول الغربية .. نحن ضد هيمنة العولمة المتمثلة في الاحتكارات متعددة الجنسيات وسياسة صندوق النقد والبنك الدوليين، التى تفرض على الدول عدم المساس بها او تعديلها ناهيك عن رفضها، ونحن ضد سياسة اقتصاد السوق وانسحاب الدولة من التزاماتها الاساسية تجاه مواطنيها، نحن ندفع الضرائب لكى تقوم الدولة بتعليم اولادنا وعلاجنا ولم نطلب اكثر من ذلك ـ لا اكثر ولا اقل ـ لم نقل لها اممي البنوك لكى تمولينا ـ لا خليها ـ لكن توجد اشياء اساسية لابد ان توفرها الدولة، والواقع جعل الدولة غير قادرة على توفير شئ ثم انها (تشيل) من الناس !!
    انا اعتقد ان الاوضاع ليست بهذا السوء، الحركة التى ابتدأت في مصر (كفاية) هى ملمح من ملامح هذه الحركة الرافضة، وجزء من النداء الكونى وهذه الحركة هى جزء من رفض الهيمنة العالمية، ويمكن ان تنتقل لكثير من البلدان العربية وهناك مساحة للحركة المناهضة للعولمة في العالم العربى، في تونس والمغرب والاردن ومصر وغيرها من البلاد .. هناك امكانية فقط بالابتعاد عن الحكومات العربية ـ هذه حركة شعبية في المقام الاول ويجب ان يكون هذا واضحاً، وهى تبدأ اولاً بمنابر بسيطة ثم تتطور، وعلينا ان نقول وبوضوح :
    ـ اننا ضد ان يزج بنا في الاحلاف العسكرية التى تتعارض مع مصالحنا
    ـ واننا ضد ان يفرض علينا السلام مع اسرائيل في ظل اصرارها على اهدار الحق الفلسطينى
    ونحن مستعدون للاعتراف باسرائيل في اليوم الذى تعترف فيه وتعيد الحق الفلسطينى وتتوقف عن حمامات الدم.
    ـ ونحن مستعدون ان نتعامل بخاماتنا مع رأس المال وفق شروط تراعى الحد الادنى من فائدتنا.
    نحن لا نستفيد من رأس المال بشئ .. هو لا يأخذ منا الايدى العاملة بل بالعكس تعاد العمالة من الشواطئ الاوروبية، حتى لو كانوا من الحاصلين على اعلى الشهادات وارقى التدريب، وحتى الذين يستوعبون يعاملون باعتبارهم من غير المهرة، راجع اوضاع ابناءنا من المغتربين من خريجى الجامعات والمهنيين، بعضهم يطمح فقط في اعادة التوطين ليجدوا فقط ما يسد رمقهم ويضمن لهم البقاء على قيد الحياة ..
    المهم ان تبدأ هذه الحركة لمقاومة الهيمنة الفظة لدوائر الامبريالية في وضعها الجديد وفي سيادتها الجديدة، يعنى بالدارجى الفصيح (ما نقعد ساكت ونتلفت) ..!!
    * يبدو لى ان الاشكال مركب .. فهذه الاحداث تتلاحق في منطقة تنوء من ثقل الدكتاتوريات وهذه القوى ذات النوازع للهيمنة تجد اكثر من مسوغ للانقضاض، سواء كان مسوغاً سياسياً او قانونياً او من بوابات حقوق الانسان، وغالبية الانظمة تعانى من عدم توفيق الاوضاع مع الشعوب ولعل روح اللامبالاة التى سادت طويلا تذكر بزفرة سعد زغلول وعبارته التاريخية : مفيش فائدة ! ما اود النفاذ اليه كيف يمكن لهذه الحركات ان تعبر على الصراط دون ان تتلاقى مع اجندة قوى الهيمنة في ظل هذا الواقع الملتبس ؟!
    انا اعتقد ان الطريق ربما في ما ذكرته .. انا اعلم انك اذا حدثت الناس عن قضايا عالمية في الراهن سيقولون (نحن وين وانت وين)، ولكن لابد ان نذكر ان السودان قامت به من قبل حركة داعمة للسلام العالمى، ونمت واتسعت، وكل الحركات التى حدثتكم عنها مرت بذات الاطوار، والان اذا وضعنا الامور بطريقة صحيحة باننا جزء من الحركات المناهضة للعولمة والسيطرة، واذا شرعنا في تأسيس منابر بهذا الشأن اعتقد ان الامور ستمضى للامام، رغم ان الجو غير مواتى حالياً فالناس يريدون ان يروا (نيفاشا والبشير وقرنق ولقمة العيش)، وهذه حالة عامة فاذا حدثت عراقياً عن ما نتحدث عنه ثم تطرقت اليه للوحدة العربية فلك ان تتخيل ما سيكون عليه رد فعله، وكذلك الحال مع الفلسطينيين.
    والشاهد هنا ان خطورة الهيمنة الامبريالية لا يمكن التقليل منها بحجة انهم يدافعون عن حقوق الانسان، هم يدافعون عن حقوق الانسان ليصلوا لحل معين، مثلما كانوا ذات يوم ضد المهدي ليصلوا لغزو السودان، وهذا لوحده كاف لجعلنا لا نؤيدهم في كل شئ، وانا اعتقد على الاقل ان كل الشيوعيين الذين يقرأون الميدان سيكونوا قد علموا موقف الحزب الداعم لهذه الحركة المضادة للعولمة، وما ندعو له هو اصطفافاً عريضاً لكل الرافضين ولا يأخذ الشكل الحزبي الضيق.
    * كثير من الدوائر الداخلية والخارجية على نطاق العالم العربي وجهت اتهامات للشيوعيين بموالاة الولايات المتحدة وتلقي دعومات اقتصادية منها، وغيرها من الاتهامات، ونحن نتحدث في هذا الاطار ما هو رأيك في هذه الاتهامات؟
    هذا موضوع مهم ونحن نوليه عناية خاصة، ونحن نتابع بحرص ودقة اوضاع (ناسنا) بالخارج لتجنب مخاطر الاختراق، ولا اذيع سرا اذا قلت ان هذا بند ثابت في الاجندة، ونراجعه كذلك بدقة وبشكل مستمر .. لاننا مهما كانت قدراتنا فمن نتعامل معهم (اشطر) مننا، وهذا الامر مخيف بالنسبة لمن هم في المهجر، لان من يحاولون استهدافهم لديهم قدرات وسلطات ويستطيعون اخراجهم من تلك البلاد، لذلك وعلى طول الخط يكون همنا هو كيف نضمن عدم تعرضهم لنشاط يكشف ظهرهم ويجعلهم في منطقة عارية مع النظر الى احتياجاتنا لهم في معركة الحريات والديمقراطية.
    * لكن لا يبدو حتى الان ان ثمة تعارض بينكم واطروحات امريكا على عكس ما كان يحدث سابقا؟ ولعل هذا من اسباب تلك الاحاديث؟
    لا.. (صمت لبرهة)
    * ماذا؟
    ياخي لقد انتقدنا غير ما مرة مواقف الولايات المتحدة وبعض دوائر صناعة القرار هناك، ولعلك تذكر موقفنا من مسألة ورقة معهد الدراسات الاستراتيجية بواشنطن التي طرحت مشروعا كونفدراليا، هذا غيض من فيض.
    الامر الثاني نحن ندرك ان تعاطي الولايات المتحدة مع مسألة الحريات يرتبط بالرأي العام الداخلي، ولكن على مستوى السياسة الفعلية هناك مواقف اخرى، فحكومة بوش مثلا ما زالت تؤيد انظمة ديكتاتورية ورجعية في مختلف انحاء العالم، بينما تواجه انظمة اخرى تحت ذرائع من بينها مسألة حقوق الانسان، وفي السابق كان يقال (الخطر الشيوعي)، (اصابع موسكو)، (الشيوعية الدولية)، والان هذا الخطر زال ومن هنا جاءت حكاية حقوق الانسان كتوليفة جديدة ومن يتابع ويرصد سيكتشف ان عددا من الحكام الفاسدين ما زالوا يتمتعون بسند ودعم واشنطن.
    انا اعتقد اننا سنصطدم بامريكا وسياساتها وحتى في نيفاشا وما تقوله القوى السياسية لا يعجب الامريكان، الذين لديهم اناس قادرون على ايجاد تبريرات قانونية وسياسية وفقهية وفكرية للمسائل بقدرات عالية، ولكننا تعودنا ان نطرح رؤانا دون خوف او وجل، نحن حينما هتفنا قبل خمسين عاماً بسقوط الاستعمار ما كان اكثرنا يعلم ان لينين قد قال: ان الاستعمار هو تصدير رأس المال الاجنبي واستغلال اليد العاملة الرخيصة.. او لم يقل.. نحن لدينا اختلافات كثيرة وكبيرة مع الرأسماليين هؤلاء، واولها وعلى رأسها مسألة اقتصاد السوق بالصيغة المطروحة التي تلغي دور الدولة في ظل النظام الرأسمالي، ونحن نقول بدور الدولة فيما يتعلق بالخدمات وقضايا الجماهير الاساسية.. وهذه معركة ليست سهلة.
    * وماذا عن منظمات المجتمع المدني، لقد هاجمت بعضها من قبل، وقد حدثت في مرحلة ما هجرة نحو هذه المنظمات من كافة الطيف السياسي، ومن المعلوم ان جزءا لا يستهان به من هذا الطيف على صلة بحزبكم؟
    نحن لدينا ارث باذخ في هذا المضمار، وقد انشأنا في السودان تلك المنظمات في عهود قديمة، وقبل ان يصبح لها هذا المسمى حتى، وتحضرني القصة الساخرة التي كتبها مورييه (وهو كاتب فرنسي) بعنوان (مسيو جون دان) و المحكي عنه صاحب هذا الاسم رجل مستحدث نعمة هبطت عليه ثروة مفاجئة ولكنه جاهل، وبعد ان صار يرتاد الاندية والمحافل الراقية احس بأنه جلف، فقام باستئجار معلم يثقفه ليتعامل مع هذه الطبقات، فجاء المعلم وقال له ان الكلام ينقسم الى قسمين:
    شعر وهو الكلام المنظوم
    ونثر اي الكلام غير المنظوم
    فقال لمعلمه: انا لا اتحدث شعرا فهل يعني ذلك انني اتحدث نثرا فقال له: نعم، ان حديثك نثرا، فضحك وقال انني اتحدث نثرا طوال عمري ولم اكن اعرف.. واعتبر نفسه من المثقفين!!
    ونحن عملنا – على طريقة مسيو جون دان هذا - احزاباً واندية وجمعيات خيرية وجمعيات تعاونية واتحادات طلاب وشباب ونساء وهذه كلها منظمات للمجتمع المدني، وحينما جاءت هذه الموضة نسينا كل ذلك كاننا لم نعمل شيئا من قبل، وصارت منظمات المجتمع المدني هي تلك التي لها رابطة بتنظيم عالمي او جهة تمول..
    واولئك الذين يريدون ان تسير الامور لمصلحتهم يعملون على مستويين لتنفيذ استراتيجيات الاحتكارات هذه، ومستواها الاول هو رغبتهم في التوسع في تصريف بضائعهم والمستوى الثاني يرمون من ورائه لفتح الطريق امام حركة الاستثمارات، ولعل الدور الذي تلعبه المنظمات العالمية في هذا الاطار اخطر واكبر مما تقوم به السفارات والشركات، اذ انها ترسم صورة من الواقع لهؤلاء الناس: من هم، وما هو مزاجهم، ما هي تركيبتهم، نوعية وطبيعة العلاقات القبلية، واين تسكن هذه القبيلة وتلك، وهذه المعلومات المفصلة لا تأتي بها الا المجموعات الموجودة في المنطقة نفسها مثلاً او من خلال تأسيسهم هم بنفسهم (الخواجات) لمنظمة من منظمات المجتمع المدني، ويتم تمويلها والتكفل بنفقاتها، ويطلبوا من بعد ذلك من الاخرين من السودانيين مساعدتهم على معرفة طبيعة المشكلة، وهم يعرفون جيدا كيف يتعاملون مع المعلومات التي يتلقونها.. واشير فقط الى معهد الدراسات الاستراتيجية الذي يدعم من الكونغرس، هو واحد من اثنين وعشرين معهدا ومركزا متخذا صفة هيئة مساعدة لنيفاشا، وقد طرح ذات هذا المعهد من قبل مقترح دولة واحدة بنظامين (الذي اشرت اليه سابقا) وهناك ايضا معهد ماكس بلانك الالماني، ويعود اسمه لعالم الماني عاش في بداية القرن العشرين وقد توصل الى اساسيات نظرية النسبية وبعده بعشر سنوات جاء اينشتاين واستكمل ما بدأه، وقد اطلق اسمه على هذا المعهد تكريما له، وهذه كلها مراكز مدعومة ومؤثرة سياسيا وفكريا وتلعب ادوارا بارزة ومؤثرة.
    نحن لسنا بمعزل عن ذلك، ولقد تطورت هذه المنظمات عندنا على مر السنوات منذ ان بتدأت بفكرة واذا عدت للصحافة السودانية في الفترة من (1945 وحتى 194 ستجد مثلا ان عمال الاشغال في جوبا يتبرعون بمبلغ "150" قرش للفرد دعما لنادي عمال بحري وتستلم من مقر صحيفة السودان الجديد (ناس صلاح ايوب عليه رحمة الله)، وهذه الظاهرة تمددت لان العمال كانوا يأتون من مناطق مختلفة وعندما ينتهون من اداء اعمالهم يذهبون للمطاعم لتناول الغداء ومن ثم يتجهوا للمقهى لقضاء (العصرية)، وقد اعتبروا لاحقا ان هذا الامر غير كريم وخرج اقتراح بتأسيس النادي (نادي العمال)، وتاريخ الحركة النقابية يوضح هذه الاشياء وغيرها.
    وكانت هذه التطورات تنسجم مع التعريف الكلاسيكي الذي قدمه هيغل (أس كل البلاوي التي حدثت في الفلسفة!!) والذي قال فيه (ان الانسان يرتبط بعائلته من جهة وبالدولة من جهة اخرى، ولكن خارج هذه المساحة يوجد المجتمع الذي يتوسط المكانة بين الدولة والعائلة، وهنا يجب ان تقوم تنظيمات بعيدة عن نفوذ الجهتين- العائلة والدولة- ليجد المواطن فيها نفسه).. وهذه هي فكرة منظمات المجتمع المدني، وكان المفكر الايطالي قرامشى (الذي ادخلتموه منذ نقطة البداية في هذا الحوار!) من اكثر من تحدثوا عنها في ايطاليا ومنذ الثلاثينيات لادراكه لخصائص مجتمعه، وفي سياق توضيح الفروقات بينه والنظام الاشتراكي في الاتحاد السوفيتي الذي قضى على كل التنظيمات ما عدا تلك التي يسيطرون عليها، وكان قرامشي يعتبر ان تلك التنظيمات يجب ان تكون مستقلة عن سيطرة الدولة، وقد اتفقت معه القائدة الشيوعية البولندية روزا لوكسمبرغ (والتي كانت تعمل مع الحزب الالماني قبل ان يغتالها النازيون) .. اذ كانت تعترض على نظام الحزب الواحد في روسيا، والذي حدث بعد انهيار التوازنات التي حدثت بعد انتصار الثورة في روسيا.
    * هذه فكرة موسعة عن هذا الموضوع.. ولكن ملاحظتنا ان عددا كبيرا من الشيوعيين انخرطوا في مثل المنظمات التي تحدثت عنها (تلك الممولة اجنبيا) هل يعبر ذلك عن خطكم؟
    لا .. والله شوف.. في موضوع منظمات المجتمع المدني هذه نحن لا نريد ان نقول بوقفها ولا نريد ان نهاجمها، وعندما كان الحزب يمر بظروف السرية الصعبة يوجد شيوعيون كثر دخلوا في منظمات المجتمع المدني هذه لانها تعطيهم الفرصة للقيام بنشاط غير محارب او ممنوع,, وقد قدموا الكثير من خلال عملهم، ونحن لا نريد ان نتخذ قرارا اداريا (سخيفا) بخروجهم من اعمالهم، نحن نناقشهم باستمرار، هم لا يستطيعون لوحدهم ان يأسسوا منظمات مجتمع مدني فهم لا يملكون المال، ولكن من الممكن ان يدخل الناس للاتحادات والنقابات ويساهموا عبرها.
    * ولكن مع ذلك.. تبقى مخاطر الاختراق ماثلة.. وهي اشبه بمبارة في تنس الطاولة بين لاعب (صيني) مثلا ولاعب اخر (من اي مكان في العالم) ومعلوم قدرات اولئك اللاعبين؟
    يضحك.. انا اقول وبوضوح ان منظمات المجتمع المدني الممولة من الخارج تشكل فعلا نقطة ضعف في الحركة السياسية الديمقراطية السودانية.
    * كيف تعالج .. نقطة الضعف هذه؟
    نعم.. نحن نحتاج لنوعين من العمل، الشق الاول هو ذلك العمل الذي يدعمه ويحترمه السودانيون مثل منبر السودان اولا، او مثل تلك المبادرات الداخلية لاعداد الدستور وما اقصده هو كل عمل يقصده ويقوم به السودانيون بأنفسهم وجهدهم.. وهذا عمل منظمات مجتمع مدني.
    الامر الثاني لا بد من قيام مراكز متخصصة للبحوث والدراسات والفكر الاستراتيجي وهذا عمل يمكن ان تبادر به الصحف مثلا - وصحيفتكم على رأسها- فهي تتوافر لها اسهامات وقدرات بشرية وكتاب متميزون يمكن ان يثروا جانب البحوث والدراسات، ويمكن ان تنفذ مشاريع مع جهات مختلفة تضمن استقرار الجانب المالي والاقتصادي وتضمن عدم الاختراق الخارجي، ومع كل ما ذكرناه عن هذه المنظمات فنحن لا نستطيع ان نتهمها جميعا بانها ذات تمويل خارجي، ولكن ما نقصده هو تلك التي نشأت – بصورة مزعجة – مثل الفطريات.
    * كيف تتعاملون مع هذا الضرب من النشاط في السابق ما كنتم تتركونها هكذا؟
    ماذا تقصد!!
    * كنتم تبثون عناصركم داخلها (وهذا اسم دبلوماسي للاختراق) ؟
    لا.. الحزب ليس لديه اي اتجاه او نية للسيطرة عليها، ولن نعمل معها بطريقة (الفراكشن) !! نحن نستطيع ان ندخل عناصرنا و (ناسنا) .. ولكن نحن لا مصلحة لدينا في مثل هذا العمل.
    * وماذا عن عضويتكم التي انخرطت في مثل هذه المنظمات؟
    والله.. هناك بالتأكيد عددا كبيرا من العضوية تريد نشاطا تنخرط فيه ومسألة انخراطها في العمل رهينة باتساع النشاط الجماهيري للحزب، كما ان هناك عضوية اخرى ارتبطت بهذه المنظمات وبرمجت حياتها على الاوضاع التي تحققها وتضمنها لها .. وانت كشاب – مثلا- اذا اتيحت لك فرصة للسفر للدنمارك لتلقي تدريب على حل المنازعات .. وهي رحلة بخلاف انها تحقق متعة لشاب من العالم الثالث لن يخسر شيئا من ورائها.. فالسفر والتذاكر والاقامة مجانية .. هل يجدي ان أتي فقط لامنعك من السفر؟! ربما الاجدى ان اوعيك وابصرك بالمخاطر وادعك تقرر بعد ذلك .. ولا شنو؟!
    ويواصل حديثه .. انا اعترف ان هذه المسألة فيها صعوبات، وهذه المنظمات ليست شرا هكذا جملة، فهي قد قدمت بعض الحلول لمشاكل الحريات وساندت لحد كبير الديمقراطية مما اعطى متنفسا .. ولعل التعامل الحكومي معها قد ساعدها.. فالحكومة (الايدا لاحقا معانا .. ما بتهاجم المنظمات دي).. هذا بخلاف ما ترتب عن طول وامتداد الشمولية التي كسرت قدرات الناس حتى انك ستجد تنظيمات ومنظمات وطنية تعجز عن تأجير قاعة الشارقة لمنشط ما..
    * في تلك الترنيمة الطفولية يتوه الصغار مع قصة المفتاح عند النجار .. والنجار الذي يريد (الفلوس).. وها نحن نلف وندور ونعود لامكانياتكم المالية، والحال هكذا كيف ستستطيع القوى السياسية اداء ادوارها، هل تستطيعون تحمل تبعات هذه المرحلة المعقدة؟
    الاحزاب الاساسية ستستطيع..
    * مقاطعة .. اي احزاب؟؟
    صلي على النبي وخليني اكمل !!.. اطلق ضحكة.. ثم واصل حديثه .. انا اقول لك بوضوح الذين يستهينون بالاحزاب السودانية سيندمون .. ولليائسين اذكر بأن هذه الاحزاب مرت بفترات عصيبة سياسيا، وعانت من الصراعات الداخلية والانقسامات و (البلاوي) ورغم الضعف الظاهر والماثل حاليا لمن ينظرون لبنياتها الا انها اصبحت لديها قوة تحمل كبيرة، وصارت تتعامل بحرفية اكبر من خلال تركيز وتسليط الضوء والمجهود على قضية ما والتعاطي معها حتى احكامها، وتعاملنا مع عدد من القضايا هكذا، ولعل المنهج الذي تعاملنا به مع عدد من القضايا مؤخرا ومن بين ذلك اسلوب الانفتاح والتعامل المفتوح مع قوى سياسية – خارج اطار التجمع – يوضح ان القوى السياسية قد اضحت في حالة نضج في تعاملها مع مختلف القضايا.. لذلك الذين يستهينون بهذه الاحزاب سيندمون.. والحريات بيننا!!
    هذه الاحزاب تحملت من هذا النظام ما لا تطيق، وهي معاناة لم تعانيها من اي نظام اخر، وعلى الرغم من السلبيات التي حدثت .. الا ان عظمها قد صار حقيقة (اقوى)، واعتقد ان التفاف الناس من جديد حول هذه الاحزاب رهين بما تطرحه من قضايا عبر ادبياتها ومناقشاتها، وهذا هو المدخل لخلق حركة اوسع، واعتقد ان سنوات الحصار والمحنة التي تعرضت لها القوى الحزبية قد خلقت تقاربا بينها، الان من الممكن ان اتحدث عن مخاطر العولمة او غيره من القضايا في دار حزب الامة، وهم يعرفون اتجاهي السياسي ورغم ذلك سيرحبون، وفي السابق كان من الممكن ان يرفضوا، فبخلاف الاحساس العام بالخطر ولدت الظروف تقاربا بين الناس اما في مواقفنا العملية فهذا شئ اخر ولكل منا موقفه، لذلك اكرر مقولتي: الحريات بيننا!!
    (نواصل في عدد السبت)
                  

05-14-2005, 11:07 PM

salah elamin
<asalah elamin
تاريخ التسجيل: 04-07-2005
مجموع المشاركات: 1423

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حوارات الخميس .. الايام وسكرتير الحزب الشيوعي السوداني (Re: محمد صلاح)

    up
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de